
الفاشر تحت الحصار.. توقف التكايا يحرم آلاف الأسر من الوجبة اليومية
فلم يعد سكان الفاشر يسألون عن الغد، بل يتشبثون بما يبقيهم أحياء حتى المساء، إذ بلغ تراجع الوصول إلى الغذاء والماء والدواء مستويات غير مسبوقة، وتوقفت الأسواق عن العمل، وأغلقت معظم المراكز الصحية بعد نفاد الإمدادات. أما الشوارع، فغدت شاهدة على مشاهد البؤس، حيث تتجول العائلات باحثة عن فتات يسد الرمق.
وفي حديثه للجزيرة نت، قال والي ولاية شمال دارفور المكلف حافظ بخيت إن "الوضع المعيشي داخل مدينة الفاشر ينهار بصورة شبه تامة، لدرجة أن بعض السكان باتوا يقتاتون على علف الحيوانات المعروف محليا بـ(الأمباز) في مشهد يكشف عمق الكارثة".
وشدد بخيت على ضرورة كسر الحصار عن مدينته، مشيدا بصمود سكانها والقوات المسلحة والمقاومة الشعبية في مواجهة الوضع المتدهور.
ويعود أصل الأزمة في الفاشر إلى أبريل/نيسان الماضي، عندما فرضت قوات الدعم السريع طوقا محكما على المدينة، ومنعت دخول أي قوافل إغاثة أو مواد غذائية. كما تم نهب عدد من الشاحنات، وتعطلت الطرق الرئيسية، مما جعل الفاشر معزولة عن باقي مناطق السودان.
منع ممنهج
أحمد آدم، أحد تجار المواد الغذائية، قال للجزيرة نت إن قوات الدعم السريع منعت دخول أي شاحنة أو بضائع إلى المدينة. وأضاف "الوضع كارثي، فحتى الأدوية البسيطة ممنوعة. لقد واجهنا اعتقالات، وتعرضنا لإطلاق نار أثناء محاولات إدخال البضائع، والمدينة تخنق بشكل ممنهج يهدد حياة الجميع".
إعلان
وكانت التكايا، وهي مطابخ جماعية، تقدم آلاف الوجبات يوميا للفقراء والنازحين لكنها توقفت تماما مع انعدام المواد الأساسية.
ويقول الناشط الإغاثي محمد الرفاعي، الذي أشرف سابقا على "تكية الخير" للجزيرة نت "كنا نطبخ يوميا لأكثر من 4 آلاف شخص، وفي بعض الأيام كنا نزيد الكمية حسب التبرعات، أما الآن فقد توقفت بالكامل، وأصبح الناس يفتشون عن الطعام في القمامة، دون أن يجدوا شيئا".
وأضاف أن "المحاليل الوريدية والشاش الطبي غير متوفرة، ومعظم الأطباء والمتطوعين غادروا المدينة، مما ترك العائلات في عوز تام دون دعم أو عون".
مجاعة الأطفال
من جانبها، أكدت خديجة موسى مديرة وزارة الصحة بمنطقة شمال دارفور وجود حالات سوء تغذية حادة بين الأطفال والحوامل والمرضعات وكبار السن، مشيرة إلى أن الوضع الحالي والحصار المطبق يساهمان في تفاقم هذه الحالات.
وقالت مديرة الصحة بالمنطقة -للجزيرة نت- إن الوزارة تحاول التدخل عبر مراكز التغذية، رغم نقص الكوادر والمستلزمات.
لكن مصدرا طبيا بالمستشفى السعودي -وهو الوحيد العامل حاليا في الفاشر- أكد للجزيرة نت أن "الوضع يخرج عن السيطرة" مشيرا إلى ازدياد عدد الأطفال الذين يعانون من هزال شديد، مع نقص حاد في المحاليل العلاجية.
وأضاف "نحن لا نعالج، بل ننتظر الموت وهو يتباطأ أمام أعيننا. تصلنا أمهات يحملن أطفالا لا يتجاوز وزنهم 4 كيلوغرامات، بعضهم توقف نموهم بالكامل وآخرون لا يقوون على البكاء. نعيش عجزا كاملا".
تداعيات نفسية
الجوع لا يفتك بالجسد فقط، بل يمتد ليقوض الصحة النفسية. ويقول الاستشاري الاجتماعي محمد سليمان أتيم -للجزيرة نت- إن الأطفال والنساء يعانون من اضطرابات نفسية حادة بسبب الجوع، بينها الانعزال والحديث مع الذات ونوبات القلق والخوف من المستقبل.
وأشار أتيم إلى أن "الحرب في الفاشر تخلف مفارقات غريبة. فرغم المآسي، اجتمعت الأسر حول موائد الطعام النادرة، لكن التكايا التي كانت متنفسا اجتماعيا توقفت لتزداد المعاناة".
ورغم حجم الكارثة، تغيب الفاشر عن التغطية الإعلامية. فالصحافة الغربية لم تفرد تقارير عن الأزمة، ولا تحضر المدينة في نشرات الأخبار الدولية، وتعاني الصحافة المحلية من ضعف الإمكانيات وشح الكوادر.
ويقول مدير مركز الفاشر للخدمات الصحفية محمد سليمان استيك، للجزيرة نت "نكتب ونوثق ونتحدث، لكن لا أحد ينقل صوتنا، يبدو أن العالم لا يريد أن يرى. نحتاج إلى من يروي قصتنا للعالم" مشيرا إلى تحديات الوصول إلى المعلومات وفقدان المعدات، مما فاقم العزلة الإعلامية التي تعيشها الفاشر.
صمت دولي
وعلى الرغم من النداءات المتكررة من النشطاء المحليين وقيادات المجتمع المدني، لم تعلن الأمم المتحدة أو المنظمات الإنسانية الكبرى عن خطة تدخل عاجلة لكسر الحصار أو فتح ممرات آمنة.
وتقول الناشطة الحقوقية سلمى فتحي للجزيرة نت إن "ما يجري تجاوز حدود التحذير. نحن نعيش داخل فخ اسمه الجوع، ونتساءل إن كانت أرواحنا أقل قيمة من أزمات أخرى تحظى بتدخل دولي فوري". وأضافت "الناس هنا بحاجة إلى غذاء ودواء، وكل لحظة تأخير تعني فقدان المزيد من الأرواح".
إعلان
ويروي السكان والناشطون قصصا مؤلمة لأطفال ونساء يعانون من سوء التغذية بعد انقطاع الطعام لأيام، حيث تحول التنقل بين المستشفيات ومراكز الإيواء إلى مشهد يومي.
وفي حديثه للجزيرة نت، قال محمد حسن محمد، عضو المكتب الإعلامي لتنسيقية لجان مقاومة الفاشر "هناك من لم يجد ما يأكله، وأطفال ونساء أصيبوا بسوء التغذية بسبب توقف التكايا التي كانت تعتمد عليها الأسر. الوضع يتدهور يوما بعد يوم، والموت يطرق الأبواب".
وشدد محمد على ضرورة تدخل عاجل لكسر الحصار وتوفير المساعدات، مؤكدا أن "كل دقيقة تأخير تعني مزيدا من الضحايا، وعلى العالم أن يتحرك الآن قبل فوات الأوان".
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 12 ساعات
- الجزيرة
"يأكلون مما نأكل".. القسام تبث مشاهد أسير إسرائيلي بجسد هزيل
بثت كتائب القسام -الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)- مشاهد جديدة لأسير إسرائيلي محتجز لديها، ظهر فيها بجسد هزيل، في تسجيل عكس جانبا من الواقع الذي يعيشه الأسرى في قطاع غزة في ظل حالة التجويع والحصار المفروض من قبل قوات الاحتلال. وبدأ المقطع بلقطة تضمنها أحد مقاطع القسام التي بثت خلال دفعات التبادل السابقة عن أسرى سابقين، إذ ظهر الأسير أبيتار دافيد -وكان حينها في حالة صحية جيدة- وهو يراقب مشهد إطلاق سراح زملائه، ضمن صفقة التبادل الأخيرة. وعرض مقطع الفيديو صورا للأسير وقد بدت عليه علامات الهزال الشديد، مقابل لقطات لأطفال غزة وقد ظهرت عليهم آثار المجاعة بشكل واضح نتيجة الحصار الإسرائيلي وعدم إدخال المساعدات الإنسانية، في محاولة لإظهار المعاناة المشتركة لدى المدنيين والأسرى في القطاع. كما أظهر المقطع الأسير وهو ينظر إلى جدول يحمل عدد الأيام التي قضاها في الأسر، في مشهد يوحي بطول المعاناة والانقطاع عن العالم الخارجي، دون أن ينطق بكلمة واحدة. وتضمنت المشاهد مقاطع أرشيفية لوزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير يقول فيها إن ما يجب إرساله إلى غزة هو القنابل، إلى جانب تصريح لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بشأن تقليص إدخال المساعدات إلى الحد الأدنى. وفي إحدى اللقطات، ظهر الأسير وهو يشرب الماء، بينما ظهرت في المقابل صورة لطفل فلسطيني يعاني مجاعة طاحنة بسبب منع إدخال لبن الأطفال للقطاع. وانتهى المقطع بعبارة مكتوبة تقول: "يأكلون مما نأكل ويشربون مما نشرب"، في رسالة تشير إلى التعامل مع الأسرى ضمن الحدود الدنيا للبقاء، بما يوازي معيشة سكان غزة المحاصَرين. ويأتي بث هذا المقطع في وقت يتصاعد فيه الجدل داخل إسرائيل بشأن مصير الجنود الأسرى، ويحتدم الخلاف بين عائلاتهم والحكومة التي تتعرض لضغوط متزايدة من أجل إتمام صفقة تبادل جديدة تعيد الأسرى. إعلان ووفقا لتصريحات سابقة للمتحدث باسم كتائب القسام أبو عبيدة فإن الأسرى الإسرائيليين لن يخرجوا إلا في إطار صفقة تبادل شاملة، وهو ما ترفضه الحكومة الإسرائيلية حتى الآن وتفضل التصعيد العسكري للضغط على حماس. وكانت كتائب القسام قد نشرت سابقا تسجيلات عدة لجنود محتجزين لديها، تضمنت مناشدات مباشرة للحكومة الإسرائيلية لإنقاذهم، وتحذيرات من أن العمليات العسكرية لن تعيدهم أحياء.


الجزيرة
منذ 17 ساعات
- الجزيرة
كاتبة بريطانية: شركات أميركية تستغل غزة لزيادة أرباحها
ذكر مقال في صحيفة غارديان البريطانية أن الشركات الأميركية تستفيد ماليا من دعمها العسكري لإسرائيل، مما يساهم في استمرار الأزمة الإنسانية بغزة رغم معاناة السكان الكبيرة وتفاقم المجاعة. وأكدت الكاتبة كاترينا فاندن هوفيل المديرة التحريرية في مجلة "ذا نيشن" في مقالها أن إسرائيل تجوّع غزة عمدا عبر منع كل أنواع الغذاء والإمدادات من عبور الحدود، مع فتح الطريق أمام سلعة واحدة فقط، وهي أسلحة الدمار. بدورها، تستغل شتى الشركات الحرب الإسرائيلية على القطاع لزيادة أرباحها، دون أي مسؤولية أخلاقية تجاه الدمار الناتج في غزة. وأشارت الكاتبة إلى تقرير المقررة الأممية الخاصة المعنية ب حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة فرانشيسكا ألبانيزي ، والذي كشف عن أن المورد الرئيسي لهذه الأسلحة هو الولايات المتحدة. وكشف التقرير الذي جاء بعنوان "من اقتصاد الاحتلال إلى اقتصاد الإبادة الجماعية" كيف أن الشركات الأميركية الكبرى كانت "متحمسة للغاية" لدعم فظائع إسرائيل في غزة مقابل مليارات الدولارات من الأرباح، كما يظهر تورط الولايات المتحدة الذي لا يمكن إنكاره فيما وصفت بأنها أسوأ أزمة إنسانية في القرن الـ21. نموذج استثنائي ونقل المقال تأكيد ألبانيزي أن استفادة الشركات من الحروب ليست ظاهرة جديدة، ولكن ما يجري في فلسطين يعتبر نموذجا استثنائيا لاستغلال العنف. وحسب المقال، زودت شركات دفاعية مثل لوكهيد مارتن إسرائيل بطائرات مقاتلة استخدمت في غارات أودت بحياة أو تسببت بإصابة نحو 200 ألف فلسطيني. وأضاف المقال أن شركة بالانتير -وهي شركة متخصصة في تحليل البيانات والذكاء الاصطناعي- تعاونت مع الجيش الإسرائيلي وعقدت اجتماع مجلس إدارتها في تل أبيب رغم إنكارها التورط في برامج استهداف غزة. كذلك استُخدمت معدات شركة كاتربيلر في تدمير منازل ومستشفيات، مما أدى إلى وفاة مدنيين حوصروا تحت الأنقاض. ونقل المقال عن تقرير ألبانيزي أن أبرز المستفيدين من الحرب على غزة شركات كبرى تُعرف باسم "الـ7 الرائعون"، وهي أضخم الشركات التكنولوجيا الأميركية -مايكروسوفت وآبل وأمازون وألفابت (الشركة الأم لغوغل) وميتا (فيسبوك سابقا) وإنفيديا وتسلا- التي تربطها علاقات مباشرة أو غير مباشرة مع الجيش الإسرائيلي. وذكر أن "غوغل" و"أمازون" وفرتا خدمات حوسبة سحابية للجيش الإسرائيلي مقابل 1.2 مليار دولار، وهو ما وصفه مسؤول إسرائيلي بأنه "سلاح قاتل" لا يقل فتكا عن الغازات السامة. أرباح تمول المجاعة ووفق الكاتبة، تأتي أرباح هذه الشركات في وقت يعاني فيه ملايين الفلسطينيين من الجوع والحصار، مما يبرز التناقض الأخلاقي بين ازدهار الشركات وضحايا المجاعة في غزة. وشددت على أن الحكومة الأميركية تدعم هذا الوضع من خلال استمرار تصدير الأسلحة الأميركية إلى شريكها الإسرائيلي، مما يضخ المزيد من الأموال في خزائن الشركات الأميركية، دون رادع أخلاقي. وأوضحت الكاتبة أن محاولات إيقاف هذه التجارة بالأسلحة تواجه مقاومة سياسية كبيرة في واشنطن رغم تصاعد الغضب الشعبي الأميركي تجاه دعم هذه الشركات للحرب. وأشارت إلى أن حملة المقاطعة ضد هذه الشركات والضغط من داخلها عبر موظفيها -مثل احتجاجات عمال "غوغل"- يشكلان أدوات ضغط مهمة قد تضع حدا لهذه الأرباح غير الأخلاقية. وحتى ذلك الحين -وفق المقال- سيستمر الأطفال العطشى في خان يونس في انتظار قطرات من الماء المالح، وسيواصل الأطباء الهزيلون في غزة البحث عن علب طعام منتهية الصلاحية.


الجزيرة
منذ 18 ساعات
- الجزيرة
مسؤول إسرائيلي: حكومة نتنياهو تعمدت تجويع سكان غزة
نقلت صحيفة يديعوت أحرونوت عن مسؤول إسرائيلي قوله إن حكومة بنيامين نتنياهو كانت تعرف أن غزة قريبة من المجاعة ، لكنها واصلت تعريض كل السكان للخطر. وأضاف المسؤول أن سياسة الحكومة الإسرائيلية إزاء غزة "لم تكن مبنية على اعتبارات إستراتيجية، بل على خوف من وزيري الأمن القومي إيتمار بن غفير والمالية بتسلئيل سموتريتش". كما قالت الصحيفة وفق مصادرها إن "المؤسسة الأمنية الإسرائيلية بدأت تشعر بوجود أزمة إنسانية متصاعدة في قطاع غزة". وتأتي هذه التصريحات في وقت تزداد فيه الوفيات بشكل متسارع بين الغزّيين جراء التجويع، وسط تأكيدات فلسطينية ودولية بأن المجاعة بلغت بالفعل مرحلة متقدمة على الرغم من عدم إعلانها رسميا من قبل الأمم المتحدة. ومنذ تولت "مؤسسة غزة الإنسانية" التحكم في تدفق المساعدات إلى غزة استشهد ما لا يقل عن 1330 فلسطينيا وأصيب أكثر من 8800 آخرين بنيران قوات الاحتلال الإسرائيلي ومسلحي هذه الشركة الأميركية في محيط المراكز التي تديرها، وفق أحدث حصيلة نشرتها وزارة الصحة بالقطاع الفلسطيني.