logo
الدبلوماسية الاقتصادية

الدبلوماسية الاقتصادية

أرقاممنذ 6 ساعات

«نحن نصنع الصفقات، لا الحروب»، إحدى أبرز العبارات خلال زيارة الرئيس ترمب للرياض الأسبوع الماضي، وهي زيارة تاريخية منفردة في طبيعتها التي ركزت على الجانب الاقتصادي، ووصفت بأنها تركز على ما يعرف بـ«الدبلوماسية الاقتصادية». ففي زمنٍ تتبدل فيه أدوات النفوذ، وتتراجع فيه سطوة القوة العسكرية التقليدية، تتقدم الدبلوماسية الاقتصادية إلى الواجهة بوصفها إحدى أبرز الأدوات التي تستخدمها الدول لتعزيز مكانتها، وتحقيق أهدافها الاستراتيجية على الساحة الدولية، فلم يعد النفوذ يُقاس فقط بموازين القوى الصلبة، بل بما تملكه الدول من قدرة على توظيف اقتصادها، وتحريك استثماراتها، وإبرام شراكاتها العابرة للحدود في إطار يخدم سياساتها الداخلية والخارجية، ويُرسخ حضورها الدولي.
تُعرّف الدبلوماسية الاقتصادية بأنها توظيف الدولة للأدوات الاقتصادية - من تجارة واستثمار وتمويل ومعونات - في خدمة أهدافها السياسية، سواء عبر توطيد التحالفات، أو تعزيز النفوذ، أو بناء الجسور في أوقات التوتر، وهي بهذا تختلف عن غيرها من أشكال الدبلوماسية التقليدية أو الثقافية، إذ إنها لا تخاطب القيم أو الهويات، بل المصالح المباشرة والمشاريع الملموسة التي تخلق واقعاً جديداً على الأرض، وقد جاءت زيارة الرئيس الأميركي للسعودية الأسبوع الماضي لتجسّد هذا المفهوم على نحوٍ استثنائي، حيث تحولت المناسبة من زيارة دبلوماسية اعتيادية إلى لحظة محورية أعادت صياغة العلاقة بين البلدين، وأكدت مركزية الاقتصاد في هندسة التحالفات السياسية.
خلال هذه الزيارة، أعلنت المملكة عن استثمارات ضخمة تجاوزت 600 مليار دولار، توزعت على قطاعات استراتيجية في الولايات المتحدة، من بينها الدفاع، والتقنية، والطاقة، والبنية التحتية، والتقنيات المتقدمة، ولم تكن هذه الأرقام مجرد استعراض مالي، بل هي انعكاس لرؤية أعمق تتبناها المملكة، تقوم على إعادة تشكيل موقعها العالمي من خلال تنويع مصادر الدخل، وتعزيز الشراكة الابتكارية، وزيادة الحضور العالمي في الاستثمار.
شملت الاتفاقيات الموقعة خلال الزيارة مجالات بالغة الحساسية، منها الذكاء الاصطناعي، وأشباه الموصلات، وتقنيات الفضاء، والطاقة النظيفة، والتعدين، وهي تقنيات وقطاعات استراتيجية في وقتنا الحاضر، وتسعى المملكة من خلالها إلى أن تتحول إلى مركز عالمي للتقنية والاستثمار السيادي عالي التأثير، ويُعد دخول الشركات الأميركية الكبرى في هذا المشروع مؤشراً على عمق التحول في نوعية العلاقة بين الرياض وواشنطن، من علاقة تستند إلى النفط والدفاع، إلى شراكة معرفية واستراتيجية.
هذه الخطوة هي استمرار لنهج سعودي دبلوماسي اقتصادي محكم، بدأ مع «رؤية المملكة 2030» الهادفة إلى تنويع الاقتصاد السعودي، والانفتاح على أسواق جديدة، وتوطين سلاسل القيمة المضافة، وقد استخدمت المملكة أدواتها الاستثمارية السيادية، وعلى رأسها صندوق الاستثمارات العامة، بوصفها ذراعاً اقتصادية ذات بُعد دبلوماسي، لتعزيز حضورها في الأسواق الأميركية، وبناء شراكات تقنية بعيدة المدى، تعكس طموحها في التحول إلى مركز عالمي للابتكار.
أما من الجانب الأميركي، فقد شكّلت زيارة ترمب إلى الرياض فرصة سياسية واقتصادية في آن واحد، إذ أعاد الرئيس الأميركي التأكيد على مركزية السعودية بوصفها شريكاً لا غنى عنه في الشرق الأوسط، في ظل تصاعد التنافس الجيوسياسي مع قوى كبرى مثل الصين وروسيا، على المستوى الداخلي فقد استثمر ترمب هذا الزخم ليُظهر للرأي العام الأميركي أنه قادر على جلب مئات المليارات من الدولارات إلى الاقتصاد الأميركي، وخلق فرص عمل في القطاعات الحيوية، في حين أنه خارجياً، عزز عبر هذه الشراكات موقع الولايات المتحدة بوصفها الشريك المفضل لدول الخليج في زمن التوازنات المتبدلة.
لقد أثبتت هذه الزيارة أن الدبلوماسية الاقتصادية باتت أكثر مرونة وقوة من أي وقت مضى، وأن التحالفات تُبنى اليوم ليس فقط على المصالح الجيوسياسية، بل على تشابك في الأسواق، واستثمارات متبادلة، ومشروعات مشتركة تُنتج نفوذاً هادئاً فاعلاً، وقد أصبحت عبارة «اصنعوا الصفقات لا الحروب» شعاراً واقعياً تتبناه الدول الساعية إلى تأثير طويل الأجل بعيداً، وبيّنت الزيارة أن المال حين يُدار بحكمة، يمكن أن يكون أقوى من السلاح في صنع السياسات ورسم مستقبل العلاقات بين الدول، إضافة إلى دور الدبلوماسية الاقتصادية في تجاوز الأطر التقليدية، لتُصبح أداة لإعادة تشكيل العلاقات الدولية، بعيداً عن مفردات التبعية أو التوتر، وقريباً من لغة المصالح المتبادلة والتعاون المستدام، وعليه فقد تحولت القمم السياسية إلى ساحات لعقد التحالفات الاقتصادية الكبرى، وأصبح من الممكن الحديث عن تحالف تُكتب معالمه بأرقام الاستثمارات، لا بمخرجات البيانات الختامية.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

من الرياض إلى الرياض: دونالد ترمب والسعودية بين زيارتين تصنعان التاريخ !
من الرياض إلى الرياض: دونالد ترمب والسعودية بين زيارتين تصنعان التاريخ !

عكاظ

timeمنذ 15 دقائق

  • عكاظ

من الرياض إلى الرياض: دونالد ترمب والسعودية بين زيارتين تصنعان التاريخ !

لم تكن زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب إلى المملكة العربية السعودية في مايو 2017 مجرّد حدث بروتوكولي، بل كانت لحظة مفصلية أرست نمطاً جديداً من الشراكة الإستراتيجية بين الرياض وواشنطن، ووثّقت تحول السعودية إلى مركز ثقل في إعادة تشكيل الشرق الأوسط. واليوم، بعد مرور ثمانية أعوام، يعود ترمب مجدداً إلى السعودية في 2025 خلال ولايته الثانية، ليجعل من الرياض مرة أخرى أول محطة خارجية له، في مشهد يحمل رمزية متكررة، وواقعاً سياسياً واقتصادياً متغيراً، لكنه متين في ثوابته. 2017: زيارة التأسيس وبناء التحالفات عند انتخاب دونالد ترمب رئيساً للولايات المتحدة عام 2016، كانت السياسات الأمريكية تجاه الشرق الأوسط في مرحلة ضبابية. فجاءت زيارته الأولى إلى السعودية في مايو 2017 كخطوة جريئة تعيد ضبط العلاقات مع الحلفاء التقليديين، وفي مقدمتهم المملكة العربية السعودية. شهدت الزيارة ثلاث قمم تاريخية (سعودية ـ أمريكية، خليجية ـ أمريكية، إسلامية ـ أمريكية)، وحملت معها اتفاقيات تجاوزت قيمتها 400 مليار دولار، وتأسيس «مركز اعتدال» لمكافحة الفكر المتطرف، وتأكيد التحالف في مواجهة التحديات الإقليمية، وخاصة تدخلات إيران. لكن الأثر الأهم كان رمزياً وإستراتيجيا: ترمب أرسل رسالة إلى العالم بأن السعودية لم تعد مجرد حليف نفطي، بل شريك سياسي وأمني في قيادة النظام الإقليمي الجديد. 2025: زيارة التثبيت وقراءة التحولات عادت السعودية لتكون المحطة الأولى للرئيس ترمب في ولايته الثانية عام 2025، في مشهد يعبّر عن ثقة متبادلة وعلاقات بلغت مستوى غير مسبوق من العمق الإستراتيجي. لكن هذه الزيارة جاءت في سياقات دولية مختلفة: • المنطقة شهدت تحولات كبرى، من تطبيع العلاقات بين دول عربية وإسرائيل، إلى تطورات في الملف الإيراني واليمني. • المملكة تطورت داخلياً بشكل ملحوظ، إذ أصبحت ورشة عمل كبرى ضمن رؤية 2030، مع تنوّع اقتصادي، وإصلاحات اجتماعية، ونمو في النفوذ الإقليمي والدولي. زيارة ترمب الثانية لم تكن لتأسيس علاقة، بل لتثبيتها وتعميقها، عبر ملفات الطاقة والتقنية والأمن والدفاع، ومشروعات استثمارية ضخمة تُجسّد الثقة الأمريكية المتزايدة في الاقتصاد السعودي. نقاط الالتقاء بين الزيارتين أخبار ذات صلة • الرمزية الجغرافية: أن تكون الرياض أول محطة لرئيس أمريكي جديد (أو عائد إلى الرئاسة) مرتين متتاليتين، فهذا يحمل دلالة واضحة بأن السعودية تمثل العمود الفقري للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط. • التحولات السعودية: في كلتا الزيارتين، كانت المملكة في طور تحوّل كبير؛ في 2017 كانت تطلق رؤية 2030، وفي 2025 تحصد ثمارها. • الملف الإيراني: كان حاضراً في كلتيهما، لكن بزاويتين مختلفتين: من المواجهة الصريحة إلى محاولة فرض التوازن الذكي. • الاستثمار في الشباب والإصلاح: ترمب وجد في رؤية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان مشروعاً يلتقي مع مصالح أمريكا: اقتصاد مفتوح، مجتمع حيوي، وحليف مستقر. انعكاسات الزيارتين على مستقبل المملكة نجحت السعودية، عبر الزيارتين، في تثبيت مكانتها كدولة محورية في المنطقة والعالم، لا تُقاس أهميتها فقط بالنفط، بل بتأثيرها السياسي، وقدرتها على بناء التوازنات. كما ساعدت الزيارات في تسريع الاستثمارات، وتعزيز صورة المملكة كوجهة جاذبة عالمياً، ودفع عجلة التعاون في مجالات التكنولوجيا، الأمن السيبراني، الطاقة المتجددة، والفضاء. أخيراً: شراكة من نوع مختلف ما بين 2017 و2025، لم تتغير السعودية فقط، بل تغيّر العالم. لكن ما بقي ثابتاً هو هذه العلاقة المتنامية بين الرياض وواشنطن، التي لم تعد قائمة على المصالح التقليدية فحسب، بل على رؤية مستقبلية تبني تحالفات جديدة لعصر جديد. زيارتا ترمب للسعودية، بفارق زمني ومعنوي، ليستا مشهداً دبلوماسياً عابراً، بل وثيقة سياسية تؤرخ لعصرٍ سعوديٍّ جديد، تتقدّم فيه المملكة بثقة نحو العالمية، بثبات الدور، واتساع الأثر.

كيف يُحتسب الدعم السكني لذوي الدخل المحدود؟ البرنامج يجيب
كيف يُحتسب الدعم السكني لذوي الدخل المحدود؟ البرنامج يجيب

الرجل

timeمنذ 18 دقائق

  • الرجل

كيف يُحتسب الدعم السكني لذوي الدخل المحدود؟ البرنامج يجيب

أكّد برنامج سكني التابع لوزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان، أن المستفيدين المتزوجين، حتى ممن تقل رواتبهم عن 7000 ريال سعودي، يمكنهم امتلاك وحدات سكنية مناسبة ضمن منتجات البرنامج، وذلك عبر استخدام منصة المستشار العقاري وخدمة "صمم دعمك"، التي تتيح احتساب الدعم المالي المناسب وفقًا لحالة كل مستفيد. وجاء هذا التوضيح ردًا على استفسار أحد المواطنين، الذي عبّر عن رغبته في التملّك رغم أن دخله الشهري لا يتجاوز 7000 ريال، وأوضح البرنامج أن التملّك ليس مرتبطًا فقط بمستوى الراتب، بل يعتمد على تحديد المنتج المناسب ومقدار الدعم المستحق، والذي يمكن احتسابه رقميًا من خلال المنصة الرسمية. مرحبا نسعد بتقديم الحلول السكنية التي تسهم في تحسين نمط الحياة لأهالينا المستفيدين كما يمكنك احتساب مبلغ الدعم السكني من خلال خدمة "صمم دعمك" عبر المستشار العقاري حسب المنتج المناسب لك من خلال الرابط — العناية بالمستفيدين | سكني (@SaudiHousingCC) May 19, 2025 احتساب الدعم عبر منصة المستشار العقاري تُعد منصة المستشار العقاري إحدى المبادرات الرقمية التي أطلقها البرنامج لتقديم حلول تمويلية وسكنية مخصّصة، وتتمثل أبرز خدماتها في: - خدمة "صمم دعمك"، التي تسمح بحساب مقدار الدعم بناءً على الراتب وعدد أفراد الأسرة. - تقديم توصيات سكنية ومالية شخصية تتوافق مع إمكانات المستفيد. - عرض المنتجات العقارية المتاحة في مختلف مناطق المملكة. - تسهيل التواصل مع الجهات التمويلية المعتمدة. - دعم اتخاذ القرار بخصوص المنتج الأفضل: شقة، فيلا، أرض، تمويل ذاتي. وتوفّر المنصة واجهة سهلة الاستخدام، تتيح للمستفيد إدخال معلوماته ومراجعة نتائج الدعم المحتمل، ما يختصر الكثير من الوقت والجهد في رحلة البحث عن التملّك المناسب. دعم مرن لجميع الفئات يعكس هذا التوجّه التزام "سكني" بدعم جميع الفئات، خصوصًا من أصحاب الدخل المتوسط والمحدود، من خلال توفير أدوات رقمية فعّالة، ومنتجات قابلة للتخصيص، تساعدهم على امتلاك المسكن الأول دون تعقيد، ويؤكد البرنامج أن منصة المستشار العقاري متاحة لجميع المواطنين المسجلين في "سكني"، ويمكنهم الدخول إليها عبر الرابط وبدء تصميم خطة الدعم المثلى.

المملكة تحقق المركز الثاني على دول العشرين في مؤشر تطور تنظيمات قطاع الاتصالات
المملكة تحقق المركز الثاني على دول العشرين في مؤشر تطور تنظيمات قطاع الاتصالات

صحيفة سبق

timeمنذ 20 دقائق

  • صحيفة سبق

المملكة تحقق المركز الثاني على دول العشرين في مؤشر تطور تنظيمات قطاع الاتصالات

حققت المملكة إنجازًا استثنائيًا جديدًا بحصولها على المركز الثاني على دول مجموعة العشرين في مؤشر تطور تنظيمات قطاع الاتصالات والتقنية (ICTRegulatory Tracker) الصادر عن الاتحاد الدولي للاتصالات لعام 2024. ويأتي هذا الإنجاز تأكيدًا على مدى تقدم تنظيمات قطاع الاتصالات والتقنية في المملكة وتعزيز الابتكار التنظيمي، وإرساء بنية تحتية رقمية متطورة، وتطبيق أدوات تنظيمية فعالة لسوق الاتصالات والتقنية, بالإضافة إلى التزامها بتوفير بيئة تنظيمية جاذبة ومحفزة للاستثمار ونمو الاقتصاد الرقمي مما يعزز من مكانة المملكة قوة تنظيمية رائدة على المستوى الدولي. وأوضحت هيئة الاتصالات والفضاء والتقنية أن المؤشر يهدف إلى دعم صناع القرار والهيئات التنظيمية في مواكبة تطورات هذا القطاع الحيوي، ويقيس تطور البيئة التنظيمية لقطاع الاتصالات والتقنية في (194) دولة حول العالم ويرتكز على (50) معيارًا موزعة على أربعة محاور رئيسية هي استقلالية الجهة التنظيمية والصلاحيات التنظيمية والإطار التنظيمي وإطار المنافسة في القطاع. ويُعد هذا الإنجاز امتدادًا لعدد من النجاحات الدولية التي حققتها المملكة في قطاع الاتصالات والتقنية، وواصلت تعزيز مكانتها العالمية من خلال تحقيقها أعلى التصنيفات والمراكز المتقدمة، وحافظت على المركز الثاني بين دول مجموعة العشرين في مؤشر تنمية الاتصالات والتقنية للعام 2024 لعاميين متتاليين, إضافة لتحقيقها المركز الثاني ضمن مجموعة العشرين في مؤشر البنية التحتية للاتصالات (TII) الصادر عن الأمم المتحدة.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store