
اعمل مشيئة الله .. في عظة الأربعاء للبابا تواضروس
ألقى قداسة البابا تواضروس الثاني عظته الأسبوعية في اجتماع الأربعاء مساء اليوم، من كنيسة القديس الأنبا أنطونيوس بالمقر البابوي بالكاتدرائية العباسية.
ثنائيات في أمثال السيد المسيح..
واستكمل قداسته سلسلة "ثنائيات في أمثال السيد المسيح"، وقرأ جزءًا من الأصحاح الحادي والعشرين من إنجيل معلمنا متى والأعداد (٢٨ - ٣٢)، وتناول مَثَل الابنين، وربط بين المَثَل ومَثَل الابن الضال في إنجيل معلمنا لوقا والأصحاح الخامس عشر، لأنهما يُمثلان عدم الطاعة ثم الندم ثم التوبة.
وأوضح قداسة البابا في مَثَل الابنين أن الابن الأول رفض أولًا وندم ثم استجاب وهو يُمثل البعيدين الذين عادوا ودخلوا حظيرة الإيمان، أما الابن الثاني استجاب استجابة فورية ولم يفعل ويُمثل الذين يقدمون محبة لسانية وطاعة كاذبة.
وناقش قداسته أحداث كلا المَثَليْن، كالتالي:
١- متى قيل المَثَل؟
مَثَل الابنان قيل في وقت أحداث دخول السيد المسيح أورشليم (أحد السعف)، عندما سأله رؤساء الكهنة بأي سلطان يُعلم ويصنع المعجزات، لعله يخطئ في الإجابة ويعتبروه كاسرًا للناموس، ولكنه سألهم عن مصدر معمودية يوحنا وهل هي من السماء أم من الناس؟ فهو أجاب على سؤالهم بحكمة وجعل الآخر (اليهود) في مواجهة مع الحقيقة، "فَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ قَائِلِينَ: «إِنْ قُلْنَا: مِنَ السَّمَاءِ، يَقُولُ لَنَا: فَلِمَاذَا لَمْ تُؤْمِنُوا بِهِ؟ وَإِنْ قُلْنَا: مِنَ النَّاسِ، نَخَافُ مِنَ الشَّعْبِ، لأَنَّ يُوحَنَّا عِنْدَ الْجَمِيعِ مِثْلُ نَبِيٍّ». فَأَجَابُوا يَسُوعَ وَقَالُوا: «لاَ نَعْلَمُ». فَقَالَ لَهُمْ هُوَ أَيْضًا: وَلاَ أَنَا أَقُولُ لَكُمْ بِأَيِّ سُلْطَانٍ أَفْعَلُ هذَا" (مت ٢١: ٢٥ - ٢٧)، وفي مَثَل الابن الضال تكلم السيد المسيح عن الإنسان الذي أخطأ ولكنه ندم وعاد، والله لا ينظر للرفض الأوّلي ولكنه ينظر للتوبة.
٢- المعاني الأساسية في المَثَلين:
الابن الأول في مَثَل الابنين يُمثل العشارين والخطاة التائبين، وهؤلاء يعيشون الوصية في عمقها، أما الابن الثاني يُمثل الفريسين ورؤساء الكهنة، الذين بسلوكهم الخارجي لا يصنعون شيئًا (عدم الطاعة)، ويعيشون بالوصية في ظاهرها، "«لَيْسَ كُلُّ مَنْ يَقُولُ لِي: يَا رَبُّ، يَا رَبُّ! يَدْخُلُ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ. بَلِ الَّذِي يَفْعَلُ إِرَادَةَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ" (مت ٧: ٢١)، لذلك تُعلمنا الكنيسة في فترات الأصوام أن نعيش حياة روحية مقدسة حقيقية، والتي تبدأ باللسان وفِعل إرادة الله، "«الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ الْعَشَّارِينَ وَالزَّوَانِيَ يَسْبِقُونَكُمْ إِلَى مَلَكُوتِ اللهِ، لأَنَّ يُوحَنَّا جَاءَكُمْ فِي طَرِيقِ الْحَقِّ فَلَمْ تُؤْمِنُوا بِهِ، وَأَمَّا الْعَشَّارُونَ وَالزَّوَاني فَآمَنُوا بِهِ. وَأَنْتُمْ إِذْ رَأَيْتُمْ لَمْ تَنْدَمُوا أَخِيرًا لِتُؤْمِنُوا بِهِ" (مت ٢١: ٣١، ٣٢)، وهكذا فَعَلَ الابن الضال أنه سقط في الخطية المخادعة ثم اكتشف حقيقتها السوداء، فنَدم، وقارن بين وضعه السابق والحالي، وهذا هو تفكير الإنسان العاقل.
٣- إخلاص النية قبل النطق بالكلام:
- من الأمور الجوهرية أن تكون معاملات الإنسان معاملات حقيقية، "لكِنْ أَمِينٌ هُوَ اللهُ إِنَّ كَلاَمَنَا لَكُمْ لَمْ يَكُنْ نَعَمْ وَلاَ. لأَنَّ ابْنَ اللهِ يَسُوعَ الْمَسِيحَ، الَّذِي كُرِزَ بِهِ بَيْنَكُمْ بِوَاسِطَتِنَا، أَنَا وَسِلْوَانُسَ وَتِيمُوثَاوُسَ، لَمْ يَكُنْ نَعَمْ وَلاَ، بَلْ قَدْ كَانَ فِيهِ نَعَمْ" (٢كو ١: ١٨، ١٩)، وليس كما فعل الابن الثاني في مَثَل الابنين عندما قال نعم ولكنه لم يفعل، فيجب أن تكون "نعم" حقيقية بدون تردد وتشكيك، بل تكون تطبيق حقيقي للوصية.
- إذا أخطأ الإنسان فالله مستعد أن يقبل توبته، "لكِنَّهُ يَتَأَنَّى عَلَيْنَا، وَهُوَ لاَ يَشَاءُ أَنْ يَهْلِكَ أُنَاسٌ، بَلْ أَنْ يُقْبِلَ الْجَمِيعُ إِلَى التَّوْبَةِ" (٢بط ٣: ٩).

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


النهار
منذ 7 ساعات
- النهار
تَعالوا ٱنظُروا إِنسانًا قالَ لي كُلَّ ما فَعَلت!"
في العلائق البشريّة يُمكن لنا ان نتعرَّف إلى انفُسِنا وإلى بعضنا بعضًا. وهذا ما ربحَتهُ المرأة السامريّة التي التقَت بيسوع على العَين. إذ يُمكن القَول إنّ العين البشريّة هيَ من أهمّ قنَوات التواصل حيثُ تلعب دورًا رئيسيًا في التَلاقي بين النساء والرجال، سواء في بناء العلاقات الشخصيّة، أو في تفسير لُغة الجسد والتواصل غير اللَّفظيّ. و يُعتبَر التواصل البصَريّ بين البشر عاملَ بناء ثقة في ما بينهُم، وتعبيرًا عن المشاعر التي يتبَادَلونها. كذلك كانت العَين التي يَقصدها الناس لإرواء عطشِهم مطرحًا لتَتلاقى عُيونُهم وقلُوبُهم بآن، فيتَوحَّدون... وقد يتزوَّجون من بعد. من هُنا، يُمكن الاستثمار في لقاء يسوع والمرأة السامريّة، لفَهم ما دار بينَهما وما نتَج عن ذلك اللِّقاء القويّ والحاسِم. تقول رِواية يوحنّا للإنجيل إن "كانَت هُناكَ عينُ يَعقوب[ في مَدينَةٍ مِنَ ٱلسّامِرَةِ تُسَمّى سيخارُ، بِقُربِ ٱلقَريَةِ ٱلَّتي أَعطاها يَعقوبُ لِيوسُفَ ٱبنِه.]. وَكانَ يَسوعُ قَد تَعِبَ مِنَ ٱلمَسيرِ، فَجَلَسَ عَلى ٱلعَينِ، وَكانَ نَحوُ ٱلسّاعَةِ[ اي ظُهرًا بتَوقيت ذلك الزمان.] ٱلسّادِسَة. َفَجاءَتِ ٱمرَأَةٌ مِنَ ٱلسّامِرَةِ تَستَقي ماءً، فَقالَ لَها يَسوع: *أَعطيني لِأَشرَب*". الرجُلُ كان عطشانًا بعد مسيرٍ طويل، والمرأةُ الحاملةُ جرّة جاءت، بدَورِها، لتَستَقي كعادتها، بالطبع. ومن البديهيّ أن يدور بينهما حديث، انطلق من حاجةِ الاثنين إلى الماء. غير أنّ الحديث أخذ منحى مختلفًا، حيثُ أثارت معه مسألة الحُكم[ سالتهُ :"كَيفَ تَطلُبُ أَن تَشرَبَ مِنّي وَأَنتَ يَهودِيٌّ وَأَنا ٱمرَأَةٌ سامِرِيَّةٌ؟ وَٱليَهودُ لا يُخالِطونَ ٱلسّامِريّين".(يوحنّا 4: 9).] اليَهوديّ العُنصُريّ القاضي بعدَم مُخالَطة السامريّين. ليَتجاوز يسوع موضوع شُرب المياه إلى وهْبها عطيّة[ "لَو كُنتِ تَعرِفينَ عَطِيَّةَ ٱللهِ وَمَنِ ٱلَّذي قالَ لَكِ أَعطيني لِأَشرَبَ، لَكُنتِ تَسأَلينَهُ فَيُعطيكِ ماءً حَيًّا" (يوحنّا 4: 12).] لم تَخطُر على بال بشَر[ "مَا لَمْ تَرَهُ عَيْن، ولَمْ تَسْمَعْ بِهِ أُذُن، ولَمْ يَخْطُرْ عَلَى قَلْبِ بَشَر، هذا ما أَعَدَّهُ اللهُ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَه" (1 قورنتس 2: 9). ]:"ٱلماءُ ٱلَّذي أُعطيهِ .. يَصيرُ فيهِ يَنبوعَ ماءٍ يَنبُعُ إِلى ٱلحَياةِ ٱلأَبَدِيَّة". ما أثار حفيظة المرأة: "يا سَيِّدُ، إِنَّهُ لَيسَ مَعَكَ ما تَستَقي بِهِ وَٱلبِئرُ عَميقَةٌ، فَمِن أَينَ لَكَ ٱلماءُ ٱلحيّ؟" وتابعَت التحدّي، فذهبَ يسوع معها إلى أبعد حدود: - "إِذهَبي وَٱدعي رَجُلَكِ، وَهَلُمّي إِلى هَهُنا". - "إنّه لا رجُلَ لي". - " قَد أَحسَنتِ حَيثُ قُلتِ: إِنَّهُ لا رَجُلَ لي. ... وَٱلَّذي مَعَكِ ٱلآنَ لَيسَ رَجُلَكِ. هَذا قُلتِهِ بِٱلصِّدق". - "يا سَيِّدُ، أَرى أَنَّكَ نَبِيّ!" مُحاولِةً المُراوَغة بالسؤال عن الحقيقة في العبادة. فأوضح لها:"أَيَّتُها ٱلمَرأَةُ آمِني بي. ... أَنتُم تَسجُدونَ لِما لا تَعلَمونَ، وَنَحنُ نَسجُدُ لِما نَعلَمُ، لِأَنَّ ٱلخَلاصَ هُوَ مِنَ ٱليَهود" كما هو معروف، أليسَ كذلك؟ لكنّه استلحق حاسِمًا بالحقّ: "سَتَأتي ساعَةٌ وَهِيَ ٱلآنَ حاضِرَةٌ، إِذِ ٱلسّاجِدونَ ٱلحَقيقِيّونَ يَسجُدونَ لِلآبِ بِٱلرّوحِ وَٱلحَقِّ، لِأَنَّ ٱلآبَ إِنَّما يُريدُ مِثلَ هَؤُلاءِ ٱلسّاجِدينَ لَه". غير أنّها لم تقبل بِما أَسَرَّ إليها، بل تابعَت بذكاءٍ حادّ: "قَد عَلِمتُ أَنَّ ماسِيّا ٱلَّذي يُقالُ لَهُ ٱلمَسيحُ يَأتي. فَإِذا جاءَ ذاكَ فَهُوَ يُخبِرُنا بِكُلِّ شَيء". وكان الإعلان الإلَهيّ للمرأة كما لمُوسى يومًا: "أَنا ٱلَّذي أُكَلِّمُكَ هُوَ"[ "أنا الكائن" - خروج 3: 14-17.]. وما إن حضر تلاميذ يسوع من المدينة، تركَت لِلتَوّ جرّتها وتوجّهت إلى المدينة مُعلِنةً لناسِها: "تَعالوا ٱنظُروا إِنسانًا قالَ لي كُلَّ ما فَعَلت! أَلَعَلَّ هَذا هُوَ ٱلمَسيح؟" لقد تعامَل يسوع معها بنَدِّيَّة وكان وراء قيامها هيَ،كامرأة، بتبشيرهم به مسيحًا على غرار مريم المجدليّة التي بشَّرت بطرس هي أوّلًا بقيامته. فيما تلاميذه (؟!) "تَعَجَّبوا أَنَّهُ يَتَكَلَّمُ مَعَ ٱمرَأَةٍ، وَمَعَ ذَلِكَ لَم يَقُل أَحَدٌ ماذا تُريدُ أَو لِماذا تُكَلِّمُها". مُفارَقة؟! يشكر الرجل اليهودي الله في صلواته اليوميّة الثلاث على أنه لم يخلقه إمراة: "شكراً يا الله لأنك لم تخلقني امرأة". ويعتبرها "مستضعَفة، وتأتي في المرتبة الثانية بعد الذكور ولا يحقّ لها إدارة الرجال في أي مجال من المجالات، كما انها تجلب الإثم للمتديّنين[ موقع: ضِيَا الوطن.]". " ... لأنّ ٱلخَلاصَ هُوَ مِنَ ٱليَهود" كان اليهود والسامريّون معًا ينتظرون مجيء الماسيَّا - المسيح. غير أنّ اليَهود كانوا يعتبرون أنّ المسيح يخرج من صُلْب داود[ متّى 1: 1؛ لوقا 1: 32 ...]، الأمر الذي لفَت يسوع المرأة السامريّة إليه: "إنّ الخلاص هو من اليهود". ويرَون في السامريّين[ ورَد في موسوعة"ويكيبيديا" حول تسميتهم ما يلي: "شامريم"(שַמֶרִים)، وتعني "الحراس/المحافظون/المراقبون"، وباللغة العربية "السامريون". يتشابه المصطلح مع المصطلح العبري التوراتي "شومريم"، وكلا المصطلحين مشتقّ من الجذر السامي (שמר)، ومعناه "يراقب، يحرس".] "كفّارًا [ الخلاف بين الفريقَين حول مكان العبادة والصلاة كان واضحًا في كلام المرأة السامريّة. فهُم لا يُصلّون في هيكل أورشليم، بل "لهم هيكلُهم الخاصّ على جبلٍ قرب مدينة نابلس"، كما جاء في عظة المطران كيرلُّس بسترُس يوم الأحد في 18 أيّار/مايو 2025.] ولا تجوز مُخالَطتهم". وكان هؤلاء "لا يؤمنون إلاّ بالأسفار الخمسة الأولى من التوراة"[ راجع عظة المطران بسترُس المُشار إليها أعلاه]". لكن ما يعنينا هنا هو استقبال السامريّين ليسوع وإيمانُ "كثيرين" به "مُخلِّصًا للعالم"، بعد أن قبِلوا شهادة المرأة:"أَن قَد قالَ لي كُلَّ ما فَعَلت، وبعد أن أقام عندهم يومَين. بدَعوةٍ منهم. هذا، و"َآمَنَ أُناسٌ أَكثَرُ مِن أولَئِكَ جِدًّا مِن أَجلِ كَلامِه، وَكانوا يَقولونَ لِلمَرأَة: «لَسنا بَعدُ مِن أَجلِ كَلامِكِ نُؤمِنُ، وَلَكِن لِأَنّا قَد سَمِعنا وَعَلِمنا أَنَّ هَذا هُوَ بِٱلحَقيقَةِ ٱلمَسيحُ مُخَلِّصُ ٱلعالَم". بقي اليهود إلى يومنا هذا ينتظرون مجيء الماسِيّا - المسيح، ومن منظارٍ قَوميّ يهوديّ يحصر الخلاص فيهم لأنّه منهم يَخرج. ويتعامَلون بفَوقيّة وعنجهيّة وعُنصُريّة مع "الأُمَم"، لا بل لا يرَون فيهم أـشباهًا لهُم بل "حيوانات" حقيرة في خدمتهم[ راجع: ايلي جورج قنبر، مقاوَمة استعمار التفاهة، 2025]. في وقت علَّمنا الماسيّا - يسوع أن نُحبّ جميع الناس (متّى فصل 5-7)، حتّى الأعداء منهم (متّى 5: 44)، وأن نُعامل الجميع كما نوَدّ أن يُعاملونا لأنّنا كلّنا بنات وابناء الآب[ راجخ الصلاة الرَبِّيَّة "ابانا"... متّى 6: 9-13]، أي أَخَوات وإخوة بعضنا للبعض الآخَر. آمين!


منذ يوم واحد
لبنان الفردوس
ها صَرخَةُ رَئيسِ المَلائِكَةِ ميخائِيلَ لِآدَمَ: "هُنا تُعطى الوَعدَ، هِبَةَ الأرضِ كُلَّها...، مِن حَماةَ شَمالًا حَتَّى الصَحراءِ جَنوبًا (أنطُقُ هَذِهِ الأماكِنَ بِأسمائِها، وَإن كانَت بِلا إسمٍ بَعدُ): مِن حَرَمونَ شَرقًا حَتَّى البَحرِ العَظيمِ غَربًا. هُنا جَبَلُ حَرَمونَ، وَهُناكَ البَحرُ. آُنظُر لِكُلِّ مَوضِعٍ في أُفُقِهِ كَما أُشيرُ إلَيكَ بِيَدي: عَلى الساحِلِ، جَبَلُ الكَرمَلِ؛ وَهُنا النَهرُ ذو المَنبَعَينِ، الأُردُنُ، الحَدُّ الحَقيقيُّ شَرقاً؛ أمَّا أبناءُ هَذا الرَجُلِ، فَسَيَقطُنونُ في سَنيرَ، تِلكَ السِلسِلَةُ الطَويلَةُ مِنَ التِلالِ. تَأمَّل هَذا: كُلُّ أُمَمِ الأرضِ سَتُبارَكُ في نَسلِ هَذا الرَجُلِ. وَمِن هَذا النَسلِ يَنبَثِقُ مُخَلِّصُكَ العَظيمُ، الذي يَسحَقُ رأسَ الحَيَّةِ... " صَرخَةُ الوَعدِ: مِن لبنانَ، بِحُدودِهِ التَفصيلِيَّةِ: "مِن حَماةَ"، وَ"مِن حَرَمونَ"... الى "البَحرِ". وَجَنوباً، مِن "جَبَلِ الكَرمَلِ"، الى "النَهرِ ذي المَنبَعَينِ"... سَيأتي المُخَلِّصُ "الذي يَسحَقُ رأسَ الحَيَّةِ"، ألمِنها المَعصِيَةُ-المَوتُ. لِمَن؟ لِنَسلِ إبراهيمَ. وَأيُّ مُخَلِّصٍ؟ "يَسوعُ، حامِلُ الإسمَ والرِسالَةَ، ذَاكَ السَيُخضِعُ الأفعى العَدوَّ، وَيُعيدُ الإنسانَ، التاهَ طَويلاً في عُزلَةِ العالَمِ، إلى فِردَوسِ الراحَةِ الأبَديِّ بَأمانٍ." أيُكتَفى وَعدُ اللهِ بالمُخَلِّصِ؟ بَل وَيَتَجَلَّى مُزداناً بِالأرزِ، لِيَربِطَ أرضَ الإنسانِ بِسِمائِهِ. الخَليقَةَ بِخالِقِها. وَقَد إندَحَرَ إبليسُ-الَلعنَةُ-مَصدَرُ-المَعصِيَةِ: "سَيَتَجَلَّى رِضى اللهِ عَلى البَشَرِ الطائِعينَ لِمَشيئَتِهِ حَتَّى يَضَعَ بَينَهُمٍ مَسكِنَهُ، فَيَحِلَّ القُدّوسُ، الواحِدُ الأَحَدُ بَينَ الفانينَ. وَكَما أوحى، يُشَيَّدُ مَقدِسٌ مِن أرزٍ مُرَصَّعٍ بالذَهَبِ، (...)، عَهدُ الأبَدِ. وَفَوقَهُ يَعلو عَرشُ الرَحمَةِ الذَهَبيِّ، بَينَ جِناحَي كَروبينَ مُتَألِّقينَ. وأمَامَ هَذا العَرشِ تَتَوَّهَجُ سَبعَةُ مَصابيحَ، تَرمُزُ، كَما في دائِرَةِ الفَلَكِ، إلى مَشاعِلَ السَماءِ..." وَها آدَمُ، الواقِفُ عِندَ الفِردَوسِ المَفقودِ بِمَعصِيَتِهِ، "يَتَماوَجُ تَحتَ وَهجِ الَلهيبِ المُتَّقِدِ"، يَهرَعُ لِيُوقِظَ حَوَّاءَ الغافِيَةَ في التيهِ: "أسقَطَ آدَمُ وَحَوَّاءُ بِضعَ دُموعٍ طَبيعِيَّةٍ سُرعانَ ما مَسَحاها. كانَ العالَمُ كُلُّهُ أمامَهُما، لِيَختارا فيهِ مَوضِعَ راحَتِهِما، وَكانَتِ العِنايَةُ الإلَهِيَّةُ دَليلَهُما. وَلَكِن يَداً بِيَدٍ، بِخُطىً مُتَرَدِّدَةٍ وَبَطيئَةٍ، مَضَيا عَبرَ الفِردَوسِ-جَنَّةِ-عَدَنَ (الأرضِيَّةِ) طَريقِهِما الوَحيدِ." الوجودُ الكِيانِيُّ ذاكَ الِلقاءُ-الوَعدُ بَينَ ميخائِيلَ (وإسمُهُ מיכאMîkhâ'êl : مَن مِثلُ اللهِ؟) وآدَمَ يَختَتِمُ مَلحَمَةَ الشاعِرِ الإنكليزيِّ John Milton (1674–1608) الهائِلَةِ، التي نَظَمَها لِطَبعَةٍ أولى العامَ 1667 مِن 10 أقسامَ بِنَحوِ عَشَرَةِ آلافِ بَيتٍ، وأعادَ نَشرَها مُوَسَّعَةً لِتَتَضَمَّنَ 12 قِسماً أو كِتاباً العامَ 1674. أسماها: Paradise Lost "الفِردَوسُ المَفقودُ"، وَشاءَها مَلحَمَةَ الخَليقَةِ، مَنَ الخَلقِ الى السُقوطِ وَفُقدانِ الفِردَوسِ... وَمِنَ السُقوطِ الى الوَعدِ بِالمُخَلِّصِ، والخَلقِ الثاني بِهِ... في الفِردَوسِ الأرضِيِّ: لبنانَ! لبنانُ الوجودُ الكِيانِيُّ، ال"مَقدِسُ مِن أرزٍ مُرَصَّعٍ بالذَهَبِ"... "طَريقُ" الخَليقَةِ "الوَحيدُ". وجودٌ كَرَّسَهُ ميخائِيلُ نَشيداً ليتورجِيَّاً للهِ-الخالِقِ الخَطَّهُ بِحُدودِهِ وَرَصَفَهُ فِردَوساً لِعِناقِ الخَليقَةِ المُفتَداةِ بِإبنِهِ-المُخَلِّصِ... قَبلَ كَينونَةِ أسماءِ الأماكِنَ! وجودٌ سَتَتَهافَتُ الفَلسَفَةُ الألمانِيَّةُ المُعاصِرَةُ للِإستِنباطِ مِنهُ وَسمَ الكيانِيَّةِ يَضَعُهُ Edmund Husserl (1859–1938)، وَيَتَبَنّاهُ Martin Heidegger (1889–1976): zu Sachen den selbst المِعناهُ "الى الأشياءِ ذاتِها "، وَقِوامُهُ أربَعَةُ أوامِرَ: قِفْ، أَصْغِ، إِحْفَظْ، إِشْهَدْ. ألا فَأصرِخ وَميخائِيلُ: هو لبنانُ الفِردَوسُ. ظُهورُ الظُهوراتِ. حينَ الخَليقَةُ لَهَبٌ مَسعورٌ، قِفْ بِلبنانَ، أَصْغِ لِهَمسِ وجودِهِ، إِحْفَظْهُ صِلَةَ الحَياةِ، وَإِشْهَدْ لِفَيضِهِ. بِهِ كُلُّ شَيءٍ، وَمِن دونِهِ لا يَكونُ شَيءٌ.


٢٠-٠٥-٢٠٢٥
لبنان اللاوُنَينُ
حَقيقَتُهُ مُعطاةٌ مِنَ الكَشفِ الى الوجودِ. مِنَ الفِعلِ الطَلِقِ الى المُجاهَدَةِ. مِنَ الحَدِّ الى تَجاوزِ الحَدِّ. مِنَ الجَوهَرِ الى الحُضورِ. أمِنَ العَقلِ الى ما يُمليهِ التَعَقُّلُ؟ بَل مِنَ الضابِطِ الكُلِّ وَهو اللهُ الى الخُلوصِ بِهِ. هو إطلالَةُ الأرضِ على عَوالِمَ الأبَدِ. هو في الوجودِ وَيَحيا فيهِ... حينَ الآخَرونَ لا يَعيشونَهُ حَتَّى. هو الجَوهَرُ وَيَتَجَلَّى فيهِ... حينَ الآخَرونَ مُكوثُهُمُ في الأقنِعَةِ. هو الساجِدُ بِبَساطَةِ النورِ الآخِذِ صَوبَ المَغزى، الداعي الكُلَّ الى حُدوثِهِ. حينَ العالَمُ أطهارٌ وَفاسِقونَ. مَوتٌ... بَينَ ذُهولِ المَنابِعَ، وَتَفَجُّرِ الطُغيانِ. الصَميميَّةُ تِلكَ، رَفَعَها شِعراً جِبرائيلُ إبنُ القِلاعيِّ الِلحفِديُّ (1447-1516)، في بِدايَةِ تَفَتُّحِها، فَرَصَفَ ابناءَها شُهوداً-شُهَداءً بِزَجَلِيَّتِهِ "مَديحَةٌ على جَبَلِ لبنانَ": "كانْ ملوكْ مِنهُم وأبطالْ أحموا السَواحِلْ وِالأجبالْ وْذَكْروا عَنهُمْ الأجيالْ، وْقالوا في جَبَل الله سُكَّانْ. واللهْ كانْ مَعْهُمْ ساكِنْ، وِيحمي القَرايا وِالمْواطِنْ، وْيرفَعْ لِمن هو مِتكامِنْ وِيعطيهْ حُكْمْ عْلى الأعْوانْ..." لِأجلِهِ هَذا الُلبنانُ، لِأجلِ قُطُون اللهِ فيه وَإستِقرارِهِ في اللهِ، كانَت شَهادَةُ الحَبرِ الأعظَمِ لاوُنَ العاشِرِ (1513-1521)، فيهِ وَبأبنائِهِ، وَهو بَعدُ في مَطالِعَ تِكَيُّنِهِ، بِرِسالَةٍ الى البَطريَركِ المارونيِّ شَمعونَ الحَدَثيِّ: "نَشكُرُ العِنايَةَ الإلَهِيَّةَ إذ شاءَت، بِحُلمِها العَظيمِ، أن تُبقيَ عَبيدَها المؤمِنينَ، مِن بَينِ الكَنائِسَ الشَرقِيَّةِ، مُصانينَ وَسَطَ الكُفرِ والبِدَعِ كالوَردَةِ بَينَ الأشواكِ..." نَعيمُ النُزوعِ هَذا الُلبنانُ النَعيمُ في نُزوعِهِ مِنَ اللامُدرَكِ الى التَحَقُّقِ، أعلاهُ لاوُنُ البابا مؤَكِّداً لَيسَ فَقَط أنَّهُ يَتَخَطَّى الإدراكَ، وَفي ذاكَ تَحَدّيهِ الأفعَلَ، بَل هو الشَهادَةُ والشاهِدُ في الحَقِّ، والحَقُّ خَليقٌ بِهِ. بِذَلِكَ يَسمو بالتاريخَ-صُنعَتِهِ الى فَرَحِ الحَياةِ... والحَياةُ قانونُ إيمانٍ. وَمَن يُجافيهِ، يَلفُظُهُ التاريخُ كَما تَلفُظُ الأرضُ الأشواكَ، وَتَصُدُّ عَنهُ الأبَدَ. خَمسَةُ قُرونٍ وَنَيِّفٍ... إنقَضَت، وَتَكَيَّنَ لبنانُ. غَدا كِيانِيَّاً وجودِيَّاً لِجَوهَرٍ. وإرتَفَعَت "أشواكُ" العالَمِ مِن حَولِهِ... عالَمٌ مُتخَمٌ بِنَهَمِ القَضاءِ عَلَيهِ، لأنَّهُ كانَ وَسَيَبقى قَبلَ كَينونَةِ العالَمِ... وَبَعدَ أُفولِهِ في زَمَنِيَّاتِ تَمَرُّدِهِ على ذاتِهِ حَدَّ الإفناءِ أو الإنتِحارِ فالإندِثارِ. وَجاءَ لاوُنٌ، أبٌ أقدَسٌ آخَرٌ. لاوُنُ الرابِع عَشَر، الآتي مِن دَولَةِ القُوَّةِ الأعظَمَ في التاريخِ. وَفي قَلبِ الكَنيسَةِ الجامِعَةِ صَرَخَ: "أَنتَ المَسيحُ إبنُ اللهِ الحَيّ" (مَتّى 16/16). بِهَذِهِ الكَلِماتِ عَبَّرَ بُطرُسُ بإختِصارٍ، عِندَما سألَهُ المُعَلِّمُ والتّلاميذَ الآخَرينَ عَن إيمانِهِ بِهِ (...)، وَقَبلَ المُحادَثَةِ التي أعلَنَ فيها بُطرُسُ عَن إيمانِهِ، كانَ أيضاً سؤالٌ آخَرٌ: سألَ يَسوعُ: "مَن إبنُ الإِنسانِ في قَولِ النَّاسِ؟" (مَتّى 16/13). (...). يَقولُ الإنجيلِيُّ مَتّى إنَّ المُحادَثَةَ بَينَ يَسوعَ وَتَلاميذِهِ حَولَ هَوِيَّتِهِ جَرَت في مَدينَةِ قَيصَرِيَّةِ فيليبُّسَ الجَميلَةِ، المَليئَةِ بالقُصورِ الفَخمَةِ، والمُحاطَةِ بِمَناظِرَ طبيعِيَّةٍ ساحِرَةٍ، عِندَ أقدامِ جَبَلِ حَرَمونَ، وَهي أيضاً مَركَزٌ لِدَوائِرَ سُلطَةٍ قاسِيَةٍ وَمسرَحُ خياناتٍ وَعَدَمِ أمانَةٍ. هَذِهِ الصورَةُ تُعَبِّرُ عَن عالَمٍ يَعتَبِرُ يَسوعَ (...) إذا صارَ حُضورُهُ مُزعِجاً (...)، فَلَن يَتَرَدَّدَ هَذا 'العالَمُ' عَن رَفضِهِ وَتَصفِيَتِهِ". مِن ذاكَ اللاوُنَ ألكَرَّسَهُ الى هَذا اللاوُنَ ألثَبَّتَهُ، لبنانُ-الكَيانُ ‒مِن جَبَلِ لبنانَ الى حَرَمونَ-التَجَلِّيَ‒، نَعيمُ النُزوعِ في الأُلوهَةِ، وَمِنها، وَلَها: إنتِصارُ الحَقِّ-البُطولَةِ في أعلى مَرتَبِيَّةِ الوجودِ بِطَبيعَتَيهِ: الأُلوهَةُ في وَطَنٍ، وَوَطَنٌ في الأُلوهَةِ... والعالَمُ عِندَ "أقدامِهِ".