
إلى أين تتجه ليبيا بعد الانقسامات.. سياسيون يحذرون من نشوب حرب وتزايد نفوذ داعش والإخوان
وسط أجواء من الترقب والقلق، تظل ليبيا عالقة في دوامة الجمود السياسي، حيث تتصاعد التوترات دون هوادة، رغم الجهود المتكررة لإيجاد مخرج من الأزمة، فعلى الرغم من سلسلة الاجتماعات والمبادرات التي تهدف إلى إنهاء الانقسام السياسي، إلا أن التعقيدات لا تزال تتحكم في المشهد، مما يثير تساؤلات حول مستقبل البلاد وآفاق استقرارها.
عبد الستار حتيتة: تصادم حكومة الدبيبة مع قوة الردع يزيد من نفوذ القوى المتطرفة
عبد الستار حتيتة، المحلل السياسي في الشأن الليبي
تعليقًا على الأحداث الأخيرة والانقسامات في ليبيا قال عبد الستار حتيتة، المحلل السياسي في الشأن الليبي، ربما يستمر وضع الانقسامات في ليبيا على ما هو عليه لبعض الوقت، نظرًا لإصرار أطراف عدة على ضرورة إبقاء الحال على ما هو عليه، وهذا يخدم مصالح غالبية الأجسام الليبية التي تتصدر المشهد، ويصعب الحديث عن توقعات محددة بشأن الانقسامات، حيث يبدو أن أي سلطة جديدة قد تعتمد على الانقسام لضمان استمرارها لسنوات قادمة، حتى مع تغيير عبد الحميد الدبيبة، رئيس الحكومة الليبية في طرابلس، وأسامة حماد، رئيس الحكومة في الشرق.
وأضاف خلال تصريحات خاصة لـ"البوابة نيوز"، أن هناك مخاطر تلقي بظلالها على ليبيا نتيجة تلك الانقسامات وهي مخاطر محتملة تؤدي إلى مزيد من الانقسامات، مثل أن تحل قوى المتطرفين محل حكومة الدبيبة، وهذه مشكلة كبيرة، لافتا إلى وجود تيارات سلفية، وقوة الردع في طرابلس والتي تحتجز آلاف المتشددين دينيا من جنسيات مختلفة، مشيرا إلى أنه إذا تصادمت حكومة الدبيبة مع قوة الردع، قد يزيد ذلك من نفوذ القوى المتطرفة مثل داعش والإخوان، خاصة إذا لم تتوصل الحكومة إلى حلول وسطى، منوها أن من أكثر القوى المتطرفة التي تريد التخلص من قوة الردع هي من مصراتة وتاجوراء والزاوية وصبراتة.
وحول ما تردد عن نقل الفلسطينيين إلى ليبيا علق قائلًا، الأنباء المتداولة حول نقل أبناء غزة إلى ليبيا هي مجرد بالونة اختبار لقياس ردود الفعل، ولا أعتقد أن هذا المخطط يمكن تنفيذه دون استخدام القوة العسكرية من قبل حلف الناتو، حيث إن الشعب الليبي غير مستعد لقبول هذا التوطين، وقد يقبل ذلك فقط لأسباب اقتصادية أو سياسية إذا استمرت الأوضاع الراهنة في ظل هذه الظروف، يمكن أن يحدث أي شيء.
محمد قشوط: احتمالات المخاطر والتصعيد واردة في ظل انتشار السلاح والفوضى
محمد قشوط، المحلل السياسي الليبي
فيما أوضح محمد قشوط، المحلل السياسي الليبي، أن الانقسام السياسي في ليبيا ليس وليد اللحظة، في حقيقة المشهد فقد بدأت بوادره وتحقق واقعًا منذ سنة 2014 عندما انقلب تنظيم الإخوان على الانتخابات التي اختار فيها الشعب الليبي مجلس النواب كسلطة بديلة عن المؤتمر الوطني العام، وذلك عبر تحريك المليشيات فيما أسموها "عملية فجر ليبيا" التي استهدفت السيطرة على طرابلس العاصمة والمنطقة الغربية كخطوة مضادة لتحرك القوات المسلحة الليبية ضد التنظيمات الإرهابية في بنغازي ودرنة.
وأضاف خلال تصريحات خاصة لـ"البوابة نيوز"، إن الانقسام استمر منذ تلك السنة حتى يومنا هذا مع تعاقب الحكومات التي توالت عبر حوارات سياسية من الصخيرات 2015 التي أنتجت حكومة الوفاق برئاسة "فائز السراج"، ثم الورطة الكبرى في حوار جنيف التي جاءت بعبد الحميد الدبيبة، الذي أعاد ليبيا إلى المربع الأول من جديد من توتر وانقسام سياسي، بل والأخطر أن مع حكومة الدبيبة أصبح هناك انقسامًا اجتماعيًا وسياسات اقتصادية ومالية موازية نتيجة تفشي الفساد وتغول على المال العام الذي مارسته حكومة الدبيبة دون اعتبار لمعيشة المواطن الليبي ووضع الدولة الاقتصادي والسياسي.
واستكمل، أن المخاطر ما زالت احتمالاتها واردة، خاصة في الأونة الأخيرة بعد أن خرج الشعب الليبي على حكومة الدبيبة مطالبًا إياها بالرحيل، لكن واجهت كل هذا الغضب الشعبي بتجاهل، مما يفتح الباب أمام حالة من التصعيد التي قد تنتجها كل الأطراف في ظل انتشار السلاح والفوضى التي تعيشها المنطقة الغربية والعاصمة طرابلس نتيجة غياب مقومات الدولة ومؤسساتها الأمنية والعسكرية فيها.
ليبيا داعمة لقيام الدولة الفلسطينية
ونوه إلى أن مخطط نقل أبناء غزة إلى ليبيا لم يسير فيه أي طرف من الأطراف سوى حكومة الدبيبة، التي عملت في السر بتواصل مع الإدارة الأمريكية وبكل تواطؤ من أجل الحصول على دعم سياسي منها يبقيها في السلطة في ظل معاناتها وشعورها بأن موعد رحيلها قد اقترب بعد أن أصبحت مرفوضة عند الشعب الليبي قبل أي طرف آخر، وعليه فهذا المخطط مرفوض عند الشعب الليبي بأكمله، ولا يقبل أن يتم تهجير إخواننا الفلسطينيين ومصادرة أراضيهم لصالح الكيان الصهيوني، فليبيا كانت ولا تزال على مر التاريخ داعمة لقيام الدولة الفلسطينية وحق شعبها في أرضه.
أيوب الأوجلي: هناك خطر حقيقي بنشوب حرب خلال الفترة المقبلة
المحلل السياسي الليبي أيوب الأوجلي
بينما قال المحلل السياسي الليبي أيوب الأوجلي، إن ما تشهده العاصمة طرابلس خلال الأسابيع الأخيرة هي حالة من الاضطراب في صفوف العناصر المناصرة لحكومة الدبيبة تلك المجموعات المسلحة وقادتها الذين كانوا على مدار سنوات يناصرون كل الحكومات التي تأتي إلى العاصمة طرابلس، لافتا إلر أنه يبدو أن عبد الحميد الآن يحاول خلق حالة جديدة وتشكيل جديد حتى يضمن بقاء كل التشكيلات المسلحة تحت امرته دون أي عوائق ودون أي مشكلات مستقبلية.
وأضاف خلال تصريحات خاصة لـ"البوابة نيوز"، لعل ما حدث في معسكر تكتالي وحادثة التصفية الشهيرة لعبد المشهور غنيوة كانت بداية ربما لعملية قلب الأوراق ومحاولة خلط الأوراق في طرابلس والدفع نحو مشهد جديد وشكل جديد للتشكيلات المسلحة، وهو ما يدعو لازدياد المخاطر الحقيقية لاحتمالية نشوب حرب، خاصة أن جانب كبير من التابعين لعبد الحميد هم من ابمجموعات اقمسلحة التي تنتمي لمدينة مصراتة وحتى البعض منها ينتمي ولكن ربما أن ما يسعى له عبد الحميد طيب أمرا صعبا.
ونوه إلى أنه بشكل سلمي الخطر الحقيقي هو احتمالية كبيرة جدا لنشوب حرب بعد عيد الأضحى المبارك ربما بأيام قليلة وربما بأسبوع أو أسبوعين على الأكثر ما يبدو على أنه محاولة للتخلص من قوة الردع الخاصة قيادة عبد الرؤوف كارا.
وأشار إلى أن ما تردد عن أنباء نقل أهالي غزة إلى ليبيا فأنا اعتقد أن ما شهدناه خلال الأشهر الماضية وبعد استطلاعات الرأي التي خرجت لبعض القنوات وحتى الصحف الليبية فان الشعب الليبي لا يمانع من انتقال أي مواطن فلسطيني بالعيش في ليبيا هم يعتبرون الفلسطينيين أخوة، يمكنهم المجيء إلى ليبيا متى ما أرادوا، ولكن المحظور الذي تحدث عنه الأشخاص الذين تابعناهم بشكل صحفي وهو أن هذه المحاولات لا يجب أن تكون تحت عنوان تهجير الفلسطينيين، يجب أن يكونوا على أرضهم معززين مكرمين، تمنح لهم حقوقهم،
ولفت إلى أن الشعب الليبي من أكثر الشعوب الذين ناصروا القضية الفلسطينية، وكانت هناك حملات كبيرة للمقاطعة، وكانت هناك عدة أمور حيث خرجت حتى مظاهرات في طرابلس وفي بنغازي، وكان هناك رأي سياسي للشعب حينما خرجت أنباء عن لقاء وزير الخارجية نجلاء المنكوش، وزير الخارجية من حكومة الوحدة مع وزير خارجية الكيان الصهيوني، وخرجت مظاهرات تندد بهذا اللقاء وكانت تدعو لاسقاط الحكومة وقتها،
واعرب عن اعتقاده أن الشعب الليبي لن يقبل تهجير الفلسطينيين إلى أراضيهم وعدم العودة ليس لأنهم يرفضون الفلسطينيين، ولكنهم يرفضون الاستيلاء على الأرض الفلسطينية التي لطالما كانت ملفا ذو أهمية عند الشعب الليبي، حيث إن الشعب الليبي شعب عروبي بطبيعته ربما شرب هذه الأمور من حكم معمر القذافي لأكثر من أربعين سنة ونحن نعلم ان معمر القذافي عاش فترة من حياته وهو يدعو للعروبة وكان يؤمن جدا بمنهج الرئيس الراحل جمال عبدالناصر فاعتقد أن محاولة تهجير الفلسطينيين ستكون مرفوضة من الشعب الليبي رفضا قاطعا ولن يسمح الشعب الليبي لأي حكومة من الحكومات ولأي جهة من الجهات أن تضع أو تعقد صفقة أو تعمل صفقة في السلطة يكون محورها هو استقبال أخواتنا من فلسطين إلى ليبيا.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


البيان
منذ ساعة واحدة
- البيان
«الناتو» يقر زيادة الإنفاق الدفاعي إلى 5 % بحلول 2035
والتي تنص على أن أي هجوم على أحد أعضائها هو هجوم على الجميع. ولفت القادة إلى أن هذه الاستثمارات ضرورية لمواجهة التهديدات الأمنية الهائلة، مشيرين إلى التهديد طويل الأمد الذي تشكله روسيا على الأمن الأوروبي الأطلسي والتهديد المستمر للإرهاب. وأصر القادة على أنه لم يتم الموافقة على أي خيار للانسحاب من زيادة ضخمة مقررة في الإنفاق الدفاعي. وأشاد الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بما وصفها «قمة رائعة» لحلف شمال الأطلسي، قائلاً لرئيس الوزراء الهولندي، ديك شوف: «اعتقد أن القمة كانت رائعة.. كانت نجاحاً كبيراً». وأضاف روته: بالنسبة لي، هناك وضوح تام بأن الولايات المتحدة ملتزمة بالكامل تجاه الناتو، وملتزمة بالكامل تجاه المادة الخامسة. وشدد روته، على أنه لا يوجد بديل عن زيادة الإنفاق الدفاعي في ضوء التهديد المستمر من روسيا. وقال داونينغ ستريت في بيان، إن رئيس الوزراء كير ستارمر سيعلن قرار بلاده شراء هذه المقاتلات، في أكبر تعزيز للوضع النووي للمملكة المتحدة منذ جيل، ما سيمكنها من زيادة مشاركتها في مهمة الردع الأطلسي. وقال وزير الدفاع الألماني، بوريس بيستوريوس، بعد التوقيع: هذا الترتيب ينفذ ما وضعناه كهدف لنا في أوروبا والناتو، المشتريات المشتركة لتقليص الوقت والبيروقراطية والتكلفة.. بفضل هذه المبادرة المشتركة، سنحصل على أول صواريخ باليستية قبل نهاية 2027. في الأثناء، اتهم الكرملين، حلف الأطلسي، بالسير على طريق العسكرة، وتصوير روسيا على أنها شيطان لتبرير الزيادة الكبيرة في إنفاقه على الدفاع.


البوابة
منذ 3 ساعات
- البوابة
«بوليتيكو»: ناتو يتفق على رفع الإنفاق الدفاعي لـ 5% من الناتج المحلي بحلول 2035
ذكرت مجلة "بوليتيكو" الأوروبية، أن قادة حلف شمال الأطلسي "ناتو" توصلوا، الأربعاء إلى اتفاق بشأن رفع الإنفاق الدفاعي إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2035، في خطوة تُعد بمثابة انتصار سياسي كبير للرئيس الأمريكي دونالد ترامب وتهدف إلى تعزيز الوحدة بين الحلفاء ومواجهة التحديات الراهنة. وأفادت المجلة، في سياق تقرير أوردته في عددها الأخير، بأن الاتفاق الجديد يتضمن تخصيص 3.5% من الناتج المحلي لقدرات الدفاع الصلبة مثل التسليح وتعزيز القوات و1.5٪ للاستثمارات ذات الصلة بالدفاع مثل الأمن السيبراني والتنقل العسكري. وجاءت هذه الخطوة- بحسب المجلة - "بعد قمة محسوبة بعناية من حيث الشكل والمضمون، هدفت إلى تقديم نتائج واضحة وسريعة، وقد وصف ترامب نتيجة القمة بأنها "نصر عظيم للولايات المتحدة"، مؤكدًا أن الضغط الذي مارسه على الدول الأعضاء كان السبب الرئيسي في هذا التحول في سياسات الإنفاق الدفاعي داخل الحلف. ورأت المجلة أن التحرك في هذا الملف يهدف إلى طمأنة واشنطن بشأن التزامات الحلفاء وفي الوقت ذاته إرسال رسالة ردع واضحة لجميع الخصوم، في حين وصف ترامب النتيجة بأنها "نصرٌ هائل للولايات المتحدة"، ونسب الفضل لنفسه في الضغط على أعضاء التحالف لزيادة إنفاقهم الدفاعي. وقال ترامب خلال فعاليات القمة التي استضافتها مدينة لاهاي الهولندية اليوم والأمس-:إنه "مؤثرٌ حقًا" رؤية قادة الحلفاء يرغبون في الدفاع عن بلدانهم ومدى حاجتهم إلى مساعدة الولايات المتحدة وإثبات حقيقة كيف أن الناتو "ليس بخدعة"، فيما أشارت المجلة إلى أن اللمسات الأخيرة على الاتفاق وُضعت بالفعل قبل اجتماع لاهاي ثم وقّع عليه القادة، في محاولة لضمان قمة سلسة. وقال الأمين العام للحلف مارك روته بعد انتهاء الاجتماع بوقت قصير:" هذا تحالف أقوى وأكثر عدلًا وأكثر فتكًا بدأ قادة الناتو في بنائه". وأضاف روتة: "أوضح الرئيس ترامب: أمريكا ملتزمة بحلف الناتو. في الوقت نفسه، أوضح أن أمريكا تتوقع من حلفائها الأوروبيين وكندا مساهمة أكبر وهذا بالضبط ما نراه يفعلونه". وفي البيان الختامي للقمة، الذي اقتصر على خمس فقرات فقط، اتفق أعضاء التحالف العسكري على هدف الإنفاق الدفاعي الجديد طويل الأجل، كما التزم القادة بالتوسع السريع في إنتاج أسلحة الدفاع عبر التحالف، مشيدًا بترامب لضغطه على الدول الأخرى لزيادة إنفاقها الدفاعي، ومؤكدًا التزامه بالتحالف. حتى أن روته وصف ترامب بـ"الأب" لتدخله في الصراع بين إسرائيل وإيران، في الوقت نفسه، أشاد قادة آخرون بالرئيس الأمريكي حيث صرح الرئيس البولندي أندريه دودا، المؤيد لترامب، لـ "بوليتيكو" قائلًا: "هذا هو نجاح الرئيس دونالد ترامب. فهو من طالب دول الناتو بزيادة إنفاقها الدفاعي". وخلال اجتماع المائدة المستديرة للقادة، الذي استمر ساعتين ونصفًا فقط، تبنى ترامب نبرةً معتدلة على نحوٍ غير متوقع، وفقًا لشخصٍ تحدث للمجلة من داخل الغرفة، بشرط عدم الكشف عن اسمه، وأكد ترامب أيضًا التزام أمريكا بحلف الناتو "لمدة أربع سنوات"، كما قال هذا الشخص، وهي مدة ولايته الثانية كرئيس. وبينما كرر مخاوفه بشأن تقاسم الأعباء، أشاد بالحلفاء وأكد على الوحدة. وبعد القمة، قال ترامب إنه "يشرفه" المشاركة. وقال مسئول في إدارة البيت الأبيض إن مزاج ترامب الإيجابي قد عززه اتصال هاتفي من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أثناء توجهه إلى لاهاي، حيث تعهد الأخير بالالتزام بمقترح ترامب لوقف إطلاق النار في إيران.


الاتحاد
منذ 5 ساعات
- الاتحاد
«الناتو» ما زال صامداً.. رغم أنف المتشائمين
«الناتو» ما زال صامداً.. رغم أنف المتشائمين اجتمع قادة حلف شمال الأطلسي (ناتو)، أقوى تحالف عسكري في العالم، في مدينة لاهاي الهولندية لحضور قمتهم السنوية. ولا يبدو أن اجتماعهم يتجه نحو كارثة، كما خشي الكثيرون قبل بضعة أشهر فقط. ورغم نجاح «الناتو» في كسب الحرب الباردة وبقائه أقوى تجمع دولي في التاريخ الحديث، فإن الرئيس الأميركي دونالد ترامب شكّك في جدوى التحالف علناً لسنوات، بل صرح خلال ولايته السابقة، بأنه أخبر قادة دول الناتو بأنه «سيشجع» روسيا على فعل «ما يحلو لها» ضد أعضاء الناتو الذين لا يبذلون قصارى جهدهم في الإنفاق العسكري. وكرّر تساؤله عما إذا كان ينبغي على الولايات المتحدة الوفاء بتعهد الدفاع المشترك للحلف بموجب المادة الخامسة من معاهدة تأسيس الحلف، والتي تتناول فكرة أساسية مفادها أن الهجوم على أي دولة عضوة يعتبر هجوماً على الجميع، في حال تعرض أي دولة حليفة للهجوم، حتى لو لم تفِ بالتزاماتها المالية. ولا شك أن تراجع الاهتمام الأميركي بالناتو، وغياب الالتزام الأميركي بالدفاع عن أوكرانيا، بالإضافة إلى شعور أوروبا بحالة من عدم اليقين حول كيفية التخطيط بالتعاون مع شريك بهذا التقلب، قد تُعرّض التحالف للخطر. إلا أن هناك عدة أسباب تدفع من يُعلنون بالفعل نهاية التحالف، وأنا أعرف الكثير منهم، إلى التخلي عن تشاؤمهم. وتقترب دول الناتو الـ32 من تحقيق معيار أقوى للعمل المشترك، فقد أكد الأمين العام للحلف مارك روته مؤخراً أنه كان يتوقع من الأعضاء اعتماد مستويات إنفاق مشتركة أعلى، حيث تهدف كل دولة عضو إلى إنفاق 3.5% من ناتجها المحلي الإجمالي لتعزيز قواتها العسكرية في إطار نسبة 5% المخصصة للأمن العام. ويبلغ الهدف الحالي للإنفاق العسكري 2% فحسب. وقد حققت غالبية دول الحلف هذا الهدف الآن، ولكن بالكاد، وذلك لا يكفي لتمكين أوروبا من مواجهة التحديات الأمنية. وعندما اقترح ترامب وفريقه مستوى الـ5% قبل بضعة أشهر، بدا الرقم مرتفعاً بشكل فلكي، لا سيما وأن الولايات المتحدة نفسها لا تنفق حالياً سوى حوالي 3.2% من ناتجها المحلي الإجمالي على جيشها، مقارنة بمعايير الحرب الباردة التي تراوحت بين 5% و10%، وقد تجاوزت هذه النسبة 35% خلال الحرب العالمية الثانية. ويبدو أن أعضاء «الناتو»، ومن بينهم الولايات المتحدة، يحاولون التوصل إلى إجماع جديد، من خلال تصنيفات جديدة تشمل الإنفاق على الأمن القومي وتحديث البنية التحتية الحيوية، مثل الشبكات السيبرانية والطرق. وهناك سبب آخر للتفاؤل، فحلف «الناتو» موحّد في الغالب مرة أخرى في رغبته في منع المزيد من المكاسب الروسية ضد أوكرانيا. ولا تزال الولايات المتحدة عنصراً غير متوقع، فقد كانت مواجهة ترامب مع الرئيس الأوكراني زيلينسكي في فبراير الماضي إحدى أكثر لحظات ولايته الثانية حدة، إلا أن زيلينسكي وافق لاحقاً على شروط ترامب لبحث وقف إطلاق النار. ويجب تذكير المتشائمين بشأن مستقبل «الناتو» بأن الولايات المتحدة لم تُخفّض قواتها العسكرية في أوروبا منذ تنصيب ترامب، وقد تفعل ذلك في الأشهر المقبلة. ولكن بقاء القوات الأميركية في أراضي الناتو قريبة من روسيا يجعل احتمالات الهجوم على أي عضو في الناتو ضئيلة، رغم التزام ترامب المتذبذب تجاه الحلف. ويوفّر التاريخ دليلاً مفيداً في هذا السياق، فقد أجمع أعضاء «الناتو» الـ12 الأصليون، الذين وقعوا على معاهدة تأسيس الحلف في واشنطن عام 1949، على خشية العدوان والطموح السوفييتي، ولم يكن بينهم شخصية شبيهة بترامب تلوّح بالتزام غير مؤكد تجاه الحلف. ومع ذلك، فقد اعتُبرت المعاهدة، غير كافية لردع موسكو. ولم يبدأ شعور شعوب الدول الأعضاء بالأمان إلا بعد أن ضم الناتو ألمانيا الغربية، وسُمح بإعادة تسليحها، ونشر قوات الحلف، تشمل القوات الأميركية، على الحدود بين ألمانيا الغربية وألمانيا الشرقية. ولم يقتصر «الناتو» يوماً على مجرّد كلمات مطمئنة أو اتفاقات مكتوبة، بل يُمثل في المقام الأول قوة قتالية ذات مصداقية، مرتبطة بالقوات التقليدية وغير التقليدية للآلة العسكرية الأميركية بأكملها. ولا تزال أجزاء كبيرة من تلك الآلة موجودة على الأرض الأوروبية. فهناك ما يقارب 100 ألف جندي أميركي يتمركزون هناك، يشملون أعداداً كبيرة في الدول الشرقية القريبة من روسيا.وفي ملاحظة تنم عن تفاؤل مشروط بمستقبل الناتو، قرر ترامب أن القائد الأعلى لقوات الحلف في أوروبا، وهو منصب شغله أولاً الجنرال دوايت أيزنهاور، يجب أن يظل أميركياً. ويُشاع أنه يفكر في تسليم المنصب إلى شخصية أوروبية، وهو ما كان سيشكّل رمزاً مؤلماً لتراجع انخراط الولايات المتحدة في الحلف. *مدير الأبحاث في برنامج السياسة الخارجية بمؤسسة بروكينغز، ومؤلف الكتاب المرتقب بعنوان: «مواجهة التحديات الكبرى.. استراتيجية الدفاع الأميركية منذ الثورة». ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»