"أحداث السويداء" بين تعقيدات الداخل وتدخلات الخارج
اعتراف رسمي نادر وتغيير في لغة الخطاب
في تصريح غير مألوف في السياق الرسمي السوري، أقرّت الحكومة السورية ، ممثلة حتى بمؤسسة الرئاسة، بوجود "تجاوزات" ارتُكبت في السويداء من عدة أطراف، وتعهدت بمحاسبة المسؤولين عنها، في خطوة تشير إلى تحوّل في الخطاب الرسمي من سياسة الإنكار التي اتبعها نظام الأسد سابقا، إلى إقرار بالمشكلة ووعود بمعالجتها.
وحول ذلك، قال الكاتب والباحث السياسي عباس شريفة من دمشق في مداخلة مع غرفة الأخبار على "سكاي نيوز عربية"، إن ما جرى "ليس تجاوزا من جهة واحدة، بل "تجاوزات جماعية" وقعت من رجال أمن، ومن بعض أبناء البدو، ومن أهالي السويداء أنفسهم، وهو ما يعقّد المشهد ويؤكد أن(الحالة الفصائلية) التي يعيشها الجنوب السوري تقف عائقا أمام فرض سلطة الدولة بشكل كامل".
وأضاف شريفة أن "الحكومة السورية لا تتنكر لمسؤولياتها، وهي بصدد المحاسبة الفعلية، وهناك إرادة حقيقية لضبط الأجهزة الأمنية".
حواجز واعتقالات.. هل بدأت دمشق استعادة السيطرة؟
وفق شريفة، فإن الدولة السورية بدأت بالفعل بنشر الحواجز على مداخل السويداء ومخارجها، وشرعت في تنفيذ سلسلة من الاعتقالات بحق من ثبت تورطه في انتهاكات، سواء من رجال الأمن أو من المدنيين، مشيرا إلى أن "أكثر المعتقلين حاليا هم من الأمن العام، وقد سبقت عليهم شكاوى موثقة، وبعضهم تم فصلهم من الخدمة".
وأشار شريفة إلى أن "200 عنصر على الأقل تم فصلهم قبل شهرين فقط من أجهزة الأمن بسبب ارتكابهم تجاوزات سلوكية"، ما يعكس – بحسب تعبيره – تحولا استراتيجيا في منهج الدولة تجاه ضبط الأداء الأمني.
الفوضى الفصائلية جنوبا: إسرائيل في العمق؟
يعتقد شريفة أن المشهد الأمني المتفلت في الجنوب، وتحديدا في السويداء ودرعا ، لا يمكن فصله عن ما وصفه بـ"الممانعة الإسرائيلية لتنظيم المشهد الأمني"، ويرى أن تل أبيب تسعى لتعطيل أي اتفاق قد يفرض سيطرة الدولة السورية الكاملة على الجنوب.
وأوضح شريفة أنه "منذ شهور، هناك مفاوضات سورية إسرائيلية لتوقيع اتفاقية أمنية، لكن إسرائيل تحاول إفشالها عبر الفوضى"، مضيفا أن تل أبيب تسعى لتحويل الجنوب السوري إلى "حديقة خلفية" لأجندتها الأمنية.
واستشهد شريفة بسوابق مماثلة حين قصف الجيش الإسرائيلي مواقع للجيش السوري عندما تدخل لضبط الأمن في مدن مثل جرمانا وصحنايا، معتبرا أن إسرائيل "لا تريد للسوريين أن يحكموا أنفسهم، بل أن تبقى المناطق في حالة تشظٍ وفوضى".
السويداء بين الدولة والفصائل: معركة الشرعية والتمثيل
تعتبر طبيعة السيطرة داخل السويداء من أبرز النقاط الخلافية، وحول ذلك كشف شريفة أن الدولة السورية عرضت أكثر من مرة على قادة الفصائل هناك الانخراط ضمن هيكل رسمي يتبع وزارة الدفاع، بهدف توحيد السلاح وإنهاء تعدد المجموعات، لكن هذه المبادرات – وفق قوله – قوبلت بالرفض من قبل بعض القيادات مثل الشيخ حكمت الهجري ومجلسه العسكري.
وفيما يصرّ شريفة على أن "90 بالمئة من المجتمع المدني والعسكري في السويداء يقف إلى جانب الدولة"، يتهم جهات بعينها بالسعي إلى "تقاسم السلطة" وليس المشاركة فيها، قائلا: "هناك من يريد أن يتحول إلى الحاكم الأوحد للدروز ، أو لأكراد سوريا، وهو ما ترفضه الدولة باعتبار أن ذلك يهدد وحدة البلاد ويغذي مشاريع فيدرالية خطيرة".
إسرائيل والدروز: حماية أم ورقة سياسية؟
في رده على ما يُشاع عن أن إسرائيل تسعى لحماية دروز سوريا، انتقد شريفة ما وصفه بـ"الازدواجية" في خطاب تل أبيب، مشيرا إلى أن إسرائيل لم تحرك ساكنا عندما ارتُكبت مجزرة داعش بحق أبناء الطائفة الدرزية في 2019، والتي راح ضحيتها أكثر من 150 شخصا.
وشدد شريفة على أن "إسرائيل لا تحمي دروز سوريا ، بل تسعى لابتزازهم سياسيا وتوظيفهم كورقة في صراعها مع الدولة السورية"، مضيفا أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو "يستغل الورقة الدرزية لتصدير أزماته الداخلية".
وفي ما يمكن اعتباره تشخيصا سياسيا أعمق، يرى شريفة أن بعض القوى التي نشأت خلال سنوات الحرب – سواء في الشمال أو الجنوب – بنت لنفسها نفوذا اقتصاديا وعسكريا، وتحوّلت إلى "أجهزة موازية"، تسعى لاقتسام السلطة مع الدولة، وليس فقط للمطالبة بالحقوق.
ووفق شريفة فإن "هذه القوى تحاول فرض نموذج يشبه الفيدراليات، وهو ما تراه الدولة تهديدا مباشرا لوحدة سوريا".
السويداء كمؤشر: هل تنجح تجربة فرض الاستقرار؟
في ختام مداخلته، أشار شريفة إلى أن الحكومة السورية اليوم تقف أمام تحدٍ حقيقي لاختبار قدرتها على ضبط الأمن والاستقرار، كما فعلت في دمشق، التي تُدار اليوم – بحسب قوله – "بسبعة ملايين نسمة دون تجاوزات أمنية تُذكر، وبوجود سلمي لكل المكونات الدينية والمذهبية".
وتابع شريفة موضحا أنه "من غير المعقول أن تعجز الدولة عن فرض الأمن في السويداء، ذات الثلاثمئة ألف نسمة، إذا ما توفرت الإرادة وتعاونت الفصائل".
الجنوب السوري بين الاختبار والفرصة
تكشف تطورات السويداء عن مرحلة دقيقة تمر بها سوريا، إذ لم يعد الحديث فقط عن انفلات أمني أو تعدد فصائل، بل عن توازنات داخلية وإقليمية تحكم مشهد الجنوب.
فبين اعتراف الدولة بالمسؤولية، وبين اتهام إسرائيل بالسعي لتفجير المشهد، تتضح معركة النفوذ والصورة الرمزية: من يمسك بالجنوب يملك مفتاحا مهما لمعادلة ما بعد الحرب.
والسؤال الذي يفرض نفسه اليوم: هل تنجح دمشق في تحويل ما يجري في السويداء إلى فرصة لتثبيت شرعيتها مجددا، أم أن تعقيدات الداخل وتدخلات الخارج ستجعل من ملف الأقليات تحديا دائما على طاولة السلطة؟

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


البيان
منذ 2 ساعات
- البيان
الإقامة على الرمال السياسية
أوهام التوسع وإعادة رسم مساحات النفوذ، التقديرات لدى المختبرات، وداخل عقول مصممي الثورات الملونة، تهدف إلى إعادة رسم الخرائط بتوقيع فلسفة الفوضى الخلاقة، وفق نظريات برنارد لويس، وبريجينسكي، اللذين كانا يؤمنان بالطرق الخفيف المستمر أسفل جدران الخرائط. هذا المسار الهجين بين كل هذه النظريات، قاد المنطقة إلى محطة البارود الاستراتيجي، وهي محطة عام 2011، التي انفجرت في وجه شعوب المنطقة، وأحدثت زلازل من نوع خاص لم تشهدها من قبل منطقة شرق المتوسط. وإن شهدتها أقاليم عالمية أخرى في شرق أوروبا، وأوكرانيا وجورجيا والاتحاد السوفييتي بالطبع، لكن هذه الطبعة من الربيع الملون اختلطت فيها الحروب الناعمة والخشنة، وخلّفت حروباً أهلية وصراعات دولية، واعتداءات من قوى خارجية على الدول التي أصيبت بهذه الفوضى. ولا تكتفي إسرائيل بهذا القدر، بل تقوم بقصف المقدرات الاستراتيجية السورية في جميع أنحاء الدولة السورية، بهدف ضم الجولان، والجنوب السوري إلى الأبد، وصناعة حرب أهلية بين بقية الطوائف السورية المختلفة، تمهيداً لنهب ثروات سوريا من المياه التي تدعي إسرائيل أنها بحاجة إليها. حيث لا تتوقف إسرائيل عن قصف لبنان، برغم وجود القرار الدولي 1701، الذي يحدد المسارات في الجنوب اللبناني، فإسرائيل تمزق القانون الدولي في لبنان، بهدف ضم جنوب الليطاني إليها. وفي مرحلة أخرى التوسع حسب خريطة التوراة، فلا شك أن هذه الأحلام تصطدم بواقع يؤكد أن زلزال الحرب الإسرائيلية على دول الجوار، برغم ارتداداته الصعبة، فإنه لا يمكن أن تتحقق هذه الأحلام على أرض الواقع، فإذا كانت إسرائيل قد استفادت من غزو أمريكا للعراق، ووقوع ما يسمى الربيع العربي. وانتشار جماعات الإرهاب والعنف التي عملت على تقويض المنطقة، فإن شعوب الإقليم العربي وشعوب العالم انتبهت إلى خطر الأطماع الإسرائيلية، وتهديدها للاستقرار الدولي. وقد لفتت نظري مجموعات الشباب، والطلاب في جامعات العالم، وهم يخرجون مناهضين لسياسة الإبادة الإسرائيلية، ولعل أغاني الفرق الموسيقية على مسارح العالم، التي فاجأت الإسرائيليين أنفسهم، تأتي تأكيداً على تغيير المزاج السياسي العالمي في المستقبل. فهؤلاء الشباب لم يعاصروا مسألة العداء للسامية، ولا يعنيهم الأمر، بل ينظرون إلى الدم المسفوح في غزة على أنه جريمة حرب لا تسقط بالتقادم، وتستوجب العقاب بالقانون الدولي. زلزال الخرائط السياسية يتمدد، لكن المهم هو الإدراك الصحيح لأخطار الإقامة على الرمال السياسية المتحركة.


سكاي نيوز عربية
منذ 3 ساعات
- سكاي نيوز عربية
بيان الرئاسة السورية: نتابع بقلق الأحداث الدامية في الجنوب
وقالت الحكومة السورية إنها تابعت "بقلق بالغ وأسف عميق ما جرى ويجري من أحداث دامية في الجنوب السوري ، والتي جاءت نتيجة تمدد مجموعات مسلحة خارجة عن القانون، اتخذت من السلاح وسيلة لفرض الأمر الواقع، وعرضت حياة المدنيين، من أطفال ونساء وشيوخ للخطر المباشر". وجاء في بيان الرئاسة السورية: "إن الهجوم على العوائل الآمنة، وترويع الأطفال ، والتعدي على كرامات الناس في بيوتهم، هو أمر مدان ومرفوض بكل المقاييس الأخلاقية والقانونية والإنسانية، ولن يُقبل تحت أي ذريعة أو تبرير إن احترام المدنيين وضمان أمنهم هو واجب وطني لا نقاش فيه، وأي انتهاك لهذه القيم هو طعن في جوهر المجتمع وتهديد لوحدة البلاد". "وتنطلق الجمهورية العربية السورية في موقفها من هذه الأحداث، من مبدأ راسخ، وهو: الحرص على السلم الأهلي لا منطق الانتقام، فهي لا تقابل الفوضى بالفوضى، بل تحمي القانون بالقانون، وترد على التعدي بالعدالة، لا بالثأر". وأضاف البيان: "وتثبت الجمهورية العربية السورية مرة تلو أخرى أنها دولة لكل أبنائها، بمختلف انتماءاتهم ومكوناتهم، من الطائفة الدرزية وقبائل البدو على حد سواء، وليست لطائفة أو جماعة بعينها، فالمسؤولية الوطنية تقتضي أن يكون الجميع تحت سقف واحد هو الوطن، وتحت مرجعية واحدة هي القانون". ودعت الرئاسة السورية جميع الأطراف إلى "ضبط النفس وتغليب صوت العقل وتؤكد أنها تبذل جهودا حثيثة لإيقاف الاقتتال، وضبط الانتهاكات التي تهدد أمن المواطنين وسلامة المجتمع". وفي هذا السياق، أكد البيان أن الجهات المختصة تعمل على إرسال قوة متخصصة لفض الاشتباكات وحل النزاع ميدانيا، بالتوازي مع إجراءات سياسية وأمنية تهدف إلى تثبيت الاستقرار وضمان عودة الهدوء إلى المحافظة في أسرع وقت. وفي نهاية البيان، دعت الحكومة السورية "جميع أبناء الوطن، من أهل الحكمة والمسؤولية، إلى التكاتف من أجل تجاوز هذه المحنة، ونبذ دعوات التصعيد، والعمل سويا لحماية النسيج الاجتماعي المتنوع الذي ميز سوريا عبر القرون".


البيان
منذ 3 ساعات
- البيان
الرئاسة السورية تدعو إلى ضبط النفس وتتعهد بإرسال قوات لفض النزاع في السويداء
دعت الرئاسة السورية مساء اليوم "الجمعة"، إلى "ضبط النفس"، متعهدة بإرسال قوة "لفضّ الاشتباكات" في جنوب البلاد. وقالت في بيان بثته وكالة الانباء السورية "سانا"، "تابعت الرئاسة السورية، بقلق بالغ وأسف عميق، ما جرى ويجري من أحداث دامية في الجنوب السوري، والتي جاءت نتيجة تمدد مجموعات مسلحة خارجة عن القانون، اتخذت من السلاح وسيلة لفرض الأمر الواقع، وعرّضت حياة المدنيين -من أطفال ونساء وشيوخ- للخطر المباشر. واضافت، "إن الهجوم على العوائل الآمنة، وترويع الأطفال، والتعدي على كرامات الناس في بيوتهم، هو أمر مدان ومرفوض بكل المقاييس الأخلاقية والقانونية والإنسانية، ولن يُقبل تحت أي ذريعة أو تبرير، إن احترام المدنيين وضمان أمنهم هو واجب وطني لا نقاش فيه، وأي انتهاك لهذه القيم هو طعن في جوهر المجتمع وتهديد لوحدة البلاد." وأشار البيان ان الجمهورية العربية السورية تنطلق في موقفها من هذه الأحداث، من مبدأ راسخ، وهو الحرص على السلم الأهلي لا منطق الانتقام، فهي لا تقابل الفوضى بالفوضى، بل تحمي القانون بالقانون، وترد على التعدي بالعدالة، لا بالثأر. وتثبت الجمهورية العربية السورية – مرة تلو أخرى – أنها دولة لكل أبنائها، بمختلف انتماءاتهم ومكوناتهم من الطائفة الدرزية وقبائل البدو على حد سواء، وليست لطائفة أو جماعة بعينها، فالمسؤولية الوطنية تقتضي أن يكون الجميع تحت سقف واحد هو الوطن، وتحت مرجعية واحدة هي القانون. ودعت إزاء هذه التطورات جميع الأطراف إلى ضبط النفس وتغليب صوت العقل، وتؤكد أنها تبذل جهودًا حثيثة لإيقاف الاقتتال وضبط الانتهاكات التي تهدد أمن المواطنين وسلامة المجتمع، ونبذ دعوات التصعيد، والعمل سوياً لحماية النسيج الاجتماعي المتنوع الذي ميّز سوريا عبر القرون. وفي هذا السياق، تعمل الجهات المختصة على إرسال قوة متخصصة لفض الاشتباكات وحل النزاع ميدانياً، بالتوازي مع إجراءات سياسية وأمنية تهدف إلى تثبيت الاستقرار وضمان عودة الهدوء إلى المحافظة في أسرع وقت.