
جنوب اليمن والنفوذ الهندي.. فرصة دبلوماسية في زمن الانهيار العربي
وكقوة إقليمية عظمى ورابع أكبر اقتصاد في العالم، تعتمد الهند أيضًا على حرية الملاحة، وعلى الاستقرار والأمن في حوض المحيط الهندي. لذا، عوضًا عن اتباع الاستراتيجيات الغربية البالية تجاه اليمن، ينبغي للهند أن تتصدر المشهد الدبلوماسي.
لطالما هيمنت الأولويات والافتراضات الغربية على السياسة تجاه اليمن. في المقام الأول، أعطت الولايات المتحدة وبريطانيا والأمم المتحدة الأولوية للوحدة الوطنية على حساب هزيمة الحوثيين. كما روّجت القوى الخارجية لفكرة 'الشمولية السياسية'، التي تسعى إلى ضم جميع الأطراف في منظومة حكم واحدة. وكلا النهجين جعلا من المستحيل تحقيق هزيمة الحوثيين واستعادة الأمن.
الافتراض بأن التحالفات الواسعة تجلب السلام والاستقرار مبني على الأماني، وليس على الأدلة. إجبار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على مشاركة السلطة مع كمالا هاريس، منافسته الديمقراطية، لن ينتج عنه حكم سلس، بل اضطراب وظيفي. ومع ذلك، يُصر المجتمع الدولي على فرض دمج المكونات المتصارعة داخل مجلس القيادة الرئاسي اليمني. إذ يمثل الرئيس رشاد العليمي حزب المؤتمر الشعبي العام، حزب الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، بينما ينتمي نواب الرئيس إلى المجلس الانتقالي الجنوبي، وحزب الإخوان المسلمين، وعائلة صالح نفسها، بالإضافة إلى زعماء قبليين ومرجعيات دينية أخرى تكمل المجلس.
لكن المشكلة العملية في المجلس تكمن في أن كل عضو يعمل لخدمة أجندته الخاصة، بدلاً من التركيز على الهدف الأسمى وهو هزيمة الحوثيين. إذ كثيرًا ما يدعم فرع الإخوان المسلمين في اليمن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، ويسهّل تهريب الأسلحة إلى الحوثيين. ومثل هذه التصرفات تجعلهم مؤهلين لإعادة تصنيفهم كمنظمة إرهابية، ومع ذلك يواصلون العمل كحصان طروادة داخل مجلس القيادة الرئاسي.
أما المسؤولون الشماليون الآخرون، فيعطون الأولوية لإفشال أي نجاح جنوبي بدلاً من هزيمة الحوثيين. فعلى الرغم من امتلاء خزانات الوقود في عدن، يرفض المسؤولون الشماليون السماح ببيعه. ونتيجة لذلك، يعيش سكان عدن أيامًا تصل فيها الحرارة إلى 45 درجة مئوية مع رطوبة عالية، دون كهرباء لتشغيل المراوح ناهيك عن أجهزة التكييف.
لكن المشكلة الأكبر هي الاعتقاد الراسخ وغير المدروس لدى العديد من الدبلوماسيين بأن الوحدة تجلب الاستقرار. وهذا لم يحدث يومًا في اليمن. فقد استعمرت بريطانيا عدن عام 1839 كمحطة فحم لدعم تجارتها وشحناتها المتجهة من وإلى الهند. وتحولت مستعمرة عدن إلى محمية عدن، التي أصبحت لاحقًا اتحاد إمارات الجنوب العربي، ثم اتحاد الجنوب العربي، قبل أن تنسحب بريطانيا ويتولى الشيوعيون تشكيل جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، المعروفة شعبيًا باسم جنوب اليمن.
ومع سقوط الاتحاد السوفيتي، اتحد شمال اليمن وجنوبه، لكنها لم تكن وحدة قائمة على التوافق، بل أشبه بزواج قسري. إذ لطالما كان جنوب اليمن أكثر انفتاحًا وتسامحًا وتقدمية من الشمال. وسعى الجنوب للانفصال عام 1994، لكن القوات الشمالية غزت المنطقة واحتلتها. وحتى لو اعترفت القوى الخارجية بتاريخ الوحدة اليمنية بدءًا من عام 1990، فإن سقوط صنعاء بيد الحوثيين عام 2014 أعاد لجنوب اليمن استقلاله الفعلي.
بعبارة أخرى، فإن فترة الوحدة اليمنية لا تمثل سوى 13% فقط من تاريخ اليمن. وليس من قبيل المصادفة أن هذه السنوات الأربع والعشرين تمثل أكثر الفترات اضطرابًا وعدم استقرار في التاريخ اليمني.
وأي تقييم تاريخي نزيه سيقود إلى نتيجة واضحة: اليمن يكون أكثر استقرارًا عندما يكون جنوب اليمن – أو جنوب الجزيرة العربية كما يرى كثير من سكانه اليوم – مستقلاً. إن الاعتقاد بضرورة وجود يمن واحد لا منطق له، خاصة في ظل وجود 22 دولة عربية، وألبانيا واحدة وأخرى تُعرف بكوسوفو، ورومانيا واحدة وأخرى تُعرف بمولدوفا. لقد اعترف المجتمع الدولي بكوسوفو ومولدوفا لأسباب عملية بحتة، بعد أن أدرك أن فرض الوحدة قد يؤدي في الواقع إلى تفاقم النزاع الإقليمي.
وهنا، ينبغي للهند أن تلعب دورًا دبلوماسيًا رائدًا. اليمنيون الجنوبيون يتجهون في انتمائهم الحضاري والثقافي نحو الهند. وقد هاجر كثير من الهنود إلى عدن خلال فترة الحكم البريطاني، واختار كثير منهم البقاء بعد استقلال جنوب اليمن. واليوم، يشكل الإرث الهندي مصدر فخر في الجنوب. بل إن بعض اليمنيين يقدمون أنفسهم كهنود، ومن الشائع أن تجد يمنيين تعود أصول عائلاتهم إلى الهند قبل خمسة أجيال لا يزالون يتحدثون الهندية ويعرفون مناطقهم الأصلية هناك.
وبينما تسعى الهند إلى تأمين حوض المحيط الهندي، ينبغي لها أن توظف هذه المشاعر الإيجابية تجاهها لدعم حركات الاستقلال في المحميات البريطانية السابقة مثل صوماليلاند وجنوب اليمن.
في عهد جواهر لال نهرو، أصبحت الهند مركزًا فكريًا ودبلوماسيًا لحركات مناهضة الاستعمار، لكن هذا الهدف لم يتحقق بالكامل. واليوم، يمكن للهند أن تستعيد دورها القيادي الفكري والدبلوماسي، وتستثمر جالياتها الهندية في الخارج، وتسهم في تحقيق الاستقرار في جنوب الجزيرة العربية وخليج عدن، من خلال دفع الدول المؤثرة الأخرى إلى إعادة النظر في الافتراضات البالية التي تقوم عليها دبلوماسيتها.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


المدى
منذ 3 ساعات
- المدى
ترامب: توصّلنا لاتفاق مع كوريا الجنوبية يتضمن رسوما جمركية أميركية بنسبة 15%
أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأربعاء التوصّل إلى اتفاق تجاري مع كوريا الجنوبية يتضمّن رسوما جمركية بنسبة 15% على واردات الولايات المتحدة من المنتجات الكورية الجنوبية. وكتب ترامب في منشور على منصّته 'تروث سوشال' للتواصل الاجتماعي 'لقد توصّلنا إلى اتفاق بشأن فرض رسوم جمركية بنسبة 15% على كوريا الجنوبية'، مشيرا إلى أنّ سيول تعهدت أيضا بموجب الاتفاق استثمار 350 مليار دولار في الولايات المتحدة. ويجنّب هذا الاتفاق كوريا الجنوبية رسوما جمركية بنسبة 25% كان ترامب قد هدد بفرضها على الشريكة التجارية لبلاده. كما أعلن الرئيس الأميركي أنّ نظيره الكوري الجنوبي لي جاي-ميونغ سيزور واشنطن 'خلال الأسبوعين المقبلين' لإجراء محادثات ثنائية.


الرأي
منذ 9 ساعات
- الرأي
ترامب: توصلنا لاتفاق مع كوريا الجنوبية يتضمن رسوما جمركية أميركية بنسبة 15 في المئة
أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب يوم أمس الأربعاء التوصّل إلى اتفاق تجاري مع كوريا الجنوبية يتضمّن رسوما جمركية بنسبة 15% على واردات الولايات المتحدة من المنتجات الكورية الجنوبية. وكتب ترامب في منشور على منصّته «تروث سوشال» للتواصل الاجتماعي «لقد توصّلنا إلى اتفاق في شأن فرض رسوم جمركية بنسبة 15% على كوريا الجنوبية»، مشيرا إلى أنّ سيول تعهدت أيضا بموجب الاتفاق استثمار 350 مليار دولار في الولايات المتحدة.


الرأي
منذ 13 ساعات
- الرأي
مستقبل الدولار... هل يحتفظ بمكانته كملاذ آمن أم يواصل التراجع؟
لطالما اعتُبر الدولار الأميركي ركيزة عالمية للاستقرار وملاذاً آمناً، ولكنه شهد انخفاضاً كبيراً بلغت نسبته 15 في المئة منذ ذروته في سبتمبر 2022. ومع استمرار السياسات الأميركية الأخيرة في تحدي قيمته، يبرز تساؤل مهم: هل مكانة الدولار كملاذ آمن مهددة؟ في تقرير نشرته مجموعة «Julius Baer» السويسرية للخدمات المالية والمصرفية الخاصة، تقول إنه عقب الانتخابات الأميركية في 5 نوفمبر، شهد الدولار ارتفاعاً وجيزاً، مدفوعاً بالتفاؤل بسياسات الرئيس المنتخب دونالد ترامب الداعمة للنمو، مثل إلغاء القيود الضريبية وتخفيضات الضرائب على الشركات. ومع ذلك، سرعان ما تبدد هذا التفاؤل مع ظهور سياسات تجارية تصادمية. وأدت الطبيعة المتقلبة للسياسات التجارية، التي بلغت ذروتها بإعلان التعريفات الجمركية في «يوم التحرير» لترامب، الموافق 2 أبريل، إلى موجة لاحقة من الضعف السريع للدولار بنسبة تتجاوز 10 في المئة. هبوط طويل الأجل وأضاف التقرير أن ثقة المستثمرين تجاه الدولار بدأت تهتز في الأسواق، ما دفعهم إلى التساؤل عن طابع الدولار كملاذ آمن. وأدت التطورات الإضافية، مثل إقرار قانون «مشروع القانون الجميل الكبير» أخيراً، الذي رسّخ العجز الكبير في الميزانية ومسار الدين غير المستدام، والضغط المستمر على الاحتياطي الفيدرالي لخفض أسعار الفائدة، إلى زيادة تقويض ثقة المستثمرين في الدولار. لذلك، يعتقد التقرير أن الدولار قد دخل في سوق هابطة طويلة الأجل تغذيها سياسات تتجاوز الضوابط والتوازنات، وتعزز عدم الثقة في الأصول الأميركية، وتتحدى في نهاية المطاف قيمة الدولار. تحديات الملاذ الآمن أخيراً، لم ترتفع قيمة الدولار الأميركي عندما شهدت الأسواق المالية تقلبات. وقد أثار هذا شكوكاً حول خصائص الدولار كملاذ آمن. لكن السوابق التاريخية تُشير إلى أن ضعف الدولار ليس أمراً مستغرباً، في الأوقات التي تكون فيها الولايات المتحدة نفسها سبباً لزيادة حالة عدم اليقين. وأثرت «صدمة التعريفات» الأخيرة من «يوم التحرير» على الاقتصاد الأميركي أكثر من البلدان الأخرى، ما ساهم في ضعف الدولار. علاوة على ذلك، تظهر صفة الدولار كملاذ آمن عادةً، فقط عندما يواجه الاقتصاد العالمي تباطؤاً أو يدخل في مرحلة ركود. وخير مثال على ذلك الأزمة المالية عام 2008، التي بدأت في الولايات المتحدة. في البداية، شهد الدولار تراجعاً في قيمته، لكن مع اتساع نطاق الأزمة عالمياً، استعاد الدولار قوته في نهاية المطاف، ليبرهن على مكانته كملاذ آمن. وبناءً عليه، ورغم أن الدولار قد لا يظهر دائماً كعملة ملاذ آمن، فإنه يميل إلى أداء هذا الدور بوضوح عندما يكون الاقتصاد العالمي تحت وطأة الضغط. ولكي يفقد الدولار مكانته كاستثمار آمن أو «كملاذ آمن»، يقول التقرير إنه سيتعين أن تكون هناك المزيد من السياسات التي تقوض الأشياء التي تجعله مستقراً وجديراً بالثقة. وتحديداً، السياسات التي تضعف المؤسسات وتهدد حقوق الملكية. ويضيف أن نهج الرئيس ترامب في اتخاذ القرارات، والذي غالباً ما يستخدم الأوامر التنفيذية ويتجاوز المؤسسات التقليدية، يزيد من المخاطر التي تهدد استقرار النظام الأميركي. ولا يزال هذا النهج يشكل تهديداً لسمعة الدولار كاستثمار آمن وموثوق. مزيد من التخفيض حتى الآن، أدى الانخفاض بنسبة 15 في المئة تقريباً إلى تخفيض بعض من التقييم المرتفع السابق للدولار. ومع ذلك، لا تزال العملة مقومة بأعلى من قيمتها بكثير، ما يشير إلى أن هناك مجالاً أكبر للانخفاض. وتعتقد «Julius Baer» أن المزيد من التخفيض في القيمة ممكن، للأسباب التالية: أولاً: سياسات ترامب المتقلبة. من المحتمل أن تستمر الطبيعة المتقلبة لصنع السياسات، ويستمر عدم ثقة الأسواق. ومن المرجح أن يستمر ترامب في الضغط على الشركاء لتقديم تنازلات من خلال استحضار الألم الاقتصادي. ثانياً، تحول تركيز المستثمرين إلى الجانب المالي. يشير التقرير إلى أن استمرار الضغوط المالية الناجمة عن قانون «مشروع القانون الجميل الكبير» قد يؤدي إلى تراجع جاذبية الدين الحكومي الأميركي كأصل استثماري، حتى في ظل محدودية الأصول البديلة الآمنة المتاحة. إن تمديد العجز العام الكبير وعبء أسعار الفائدة المرتفع والمتزايد، يضيف ضغطاً على الاحتياطي الفيدرالي لخفض أسعار الفائدة، ما يقلل من ميزة أسعار الفائدة التي لا يزال الدولار يوفرها. وقد تحافظ هذه الآليات على عدم الثقة في الأصول الأميركية والدولار عند مستويات مرتفعة. ثالثاً، عجز الموازنة والعجز التجاري الأميركي يسهّلان ضعف الدولار. ونظراً لاحتمال تراجع اهتمام المستثمرين بالأصول الأميركي، لا سيما الدين الحكومي، فإن انخفاض تدفقات الاستثمار سيسهم في استمرار تراجع قيمة الدولار ودخوله سوقاً هابطة، ما يصحح من قيمته المبالغ فيها. 3 أسباب لمزيد من تخفيض الدولار 1 - سياسات ترامب المتقلبة2 - تحول تركيز المستثمرين إلى الجانب المالي3 - عجز الموازنة والعجز التجاري الأميركي