logo
واقعية "أوبك" تكشف عن سيناريوهات النفط المقبلة

واقعية "أوبك" تكشف عن سيناريوهات النفط المقبلة

Independent عربيةمنذ 6 أيام
تتشكل اليوم معالم فصل جديد في حكاية الطاقة العالمية، يعيد تعريف الرهانات المستقبلية ويشكك في اليقينيات السابقة، ففي خضم تسارع الأحداث الجيوسياسية والاقتصادية منذ مطلع العام الحالي يبرز التناقض الصارخ في تصريحات وكالة الطاقة الدولية حول استثمارات قطاع النفط والغاز كقضية محورية تهدد كيان السوق، هذا التذبذب الذي حذرت منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" منه مراراً، لا يعرض استقرار أسواق الطاقة العالمية للخطر فحسب، بل يكشف عن تحول جوهري في الخطاب الدولي تجاه مستقبل الوقود الأحفوري في مواجهة الطموحات الخضراء.
مراجعة تكتيكية
لقد شرعت وكالة الطاقة الدولية التي ظلت أعواماً حاملة لواء "تحول الطاقة" ونهاية عصر النفط، في مراجعة تكتيكية عميقة لخطابها، وبدأت الوكالة تتخلى تدريجاً عن شعارات الماضي، معتمدة خطاباً جديداً يقر بالدور المحوري للنفط والغاز في ضمان أمن الإمدادات العالمي، هذا التحول يتجاوز مجرد تغيير مصطلحات، إنه اعتراف عملي بثوابت الجغرافيا السياسية والاقتصاد التي تحكم واقع السوق.
في هذا المنعطف الحاسم يبرز النجاح الاستثنائي لندوة "أوبك" الأسبوع الماضي في فيينا كـ"لحظة دلالية فارقة"، ترسي سردية متوازنة ترفع شعار "أمن الطاقة" و"أمن المناخ" معاً، متحدية رواية الإحلال السريع.
إشارات مشوشة
وكثيراً ما نبهت "أوبك" إلى خطورة التباين المستمر في مواقف وكالة الطاقة الدولية، وبخاصة تلك المتعلقة بوقف تمويل مشاريع النفط والغاز ثم التحذير لاحقاً من شح وشيك في الإمدادات، هذا التقلب في التوصيات يرسل إشارات مشوشة إلى الأسواق ويقوض أسس بيئة الاستثمار طويل الأجل في قطاع حيوي يتطلب تخطيطاً استراتيجياً ثابتاً على مدى عقود، لا يتزعزع كل عامين.
فاستثمارات النفط والغاز بطبيعتها استثمارات جيلية تحتاج فترات إعداد وإنتاج ممتدة قبل أن تثمر، وأي تراجع حالي في ضخ الأموال سينعكس حتماً عجزاً كارثياً في المعروض خلال المدى المتوسط والبعيد.
وتكشف الأرقام الصارخة أن خفض الاستثمارات خلال الفترة (2015-2020) استجابة لضغوط التحول الطاقي المتسارع، خلف فجوة إنتاجية مهولة تقدر بنحو 10 ملايين برميل يومياً، مقارنة بحجم الطلب المتوقع عام 2023، هذا النقص الهيكلي يهدد بدفع الأسعار إلى مستويات قد تتجاوز 100 دولار للبرميل، وبخاصة مع تعافي الاقتصادات الكبرى بزخم يفوق التقديرات.
إعادة تقييم
تتزايد المؤشرات إلى أن وكالة الطاقة الدولية بدأت تعدل بوصلتها، متبعة خطاباً أكثر واقعية تجاه مستقبل الطاقة، بعد أعوام من الانحياز الواضح لسردية التحول الطاقي السريع، ويبدو أن هذا التحول في اللهجة يعكس إدراكاً متأخراً بأن مصادر الطاقة المتجددة على رغم تقدمها لا تزال عاجزة عن حمل عبء الاقتصاد العالمي بمفردها، خصوصاً في قطاعات حيوية كالنقل الجوي والبري والبحري والصناعات الثقيلة.
ففي أحدث تقاريرها، أقرت الوكالة بأن الطلب العالمي على النفط سيحافظ على قوته طوال العقد الحالي، متوقعة أن يبلغ الذروة قرب نهايته فحسب، بينما سيظل الاستهلاك فوق حاجز 100 مليون برميل يومياً في غالبية السيناريوهات، وأعادت تأكيد أولوية أمن الإمدادات في ظل أزمات متتالية، أبرزها الحرب الأوكرانية والاضطرابات في البحر الأحمر، التي كشفت هشاشة سلاسل التوريد العالمية.
دلالات عميقة
وحملت الندوة الدولية الأخيرة لـ"أوبك" دلالات عميقة تتجاوز الحضور الدبلوماسي والسياسي الرفيع. لقد نجحت في ترسيخ رؤية بديلة للخطاب الطاقي العالمي.
مشاركة ممثلي مؤسسات كانت من أشد المدافعين عن التحول الجذري، كوكالة الطاقة الدولية نفسها والبنك الدولي، في نقاشات مركزها "أمن الطاقة" و"العدالة المناخية"، تجسد تحولاً جذرياً في المزاج الدولي وانحيازاً متزايداً للواقعية.
وأثبتت "أوبك" فعاليتها في تعزيز سردية تؤكد أن النفط والغاز سيظلان عماداً لمزيج الطاقة العالمي لعقود مقبلة، وأن المواءمة بين الطموح المناخي والاستقرار الاقتصادي تتطلب حلولاً عملية لا شعارات أيديولوجية، وبرزت تقنيات مثل احتجاز الكربون والاقتصاد الدائري للكربون ورفع كفاءة الاستهلاك كأدوات محورية لضمان مستقبل طاقي مستدام ومتوازن، تحفظ فيه مصالح جميع الأطراف.
ثقة المستثمرين
وقال محللون لـ"اندبندنت عربية" إن التناقضات المتكررة في خطاب وكالة الطاقة الدولية باتت تلقي بظلال من الشك على استدامة استثمارات النفط طويلة الأجل، مما ينعكس على قدرة السوق على التخطيط للمستقبل بثقة.
وأشاروا إلى أن دعوة الوكالة المتكررة لوقف تمويل مشاريع النفط والغاز، ثم تحذيرها المفاجئ من عجز في الإمدادات، أوجد بيئة استثمارية غير مستقرة تفتقر إلى الرؤية الواضحة.
وأضافوا أن تلك التقلبات تعمق الفجوة بين الطلب العالمي المتزايد على الطاقة والمعروض الفعلي، وهو ما يهدد بإعادة سيناريوهات التقلبات الحادة في الأسعار خلال الأعوام المقبلة.
ويرى المحللون أن النجاح اللافت لندوة "أوبك" الأخيرة شكل لحظة رمزية بانتصار خطاب المنظمة القائم على التوازن بين أمن الطاقة وأمن المناخ، في مواجهة سردية "نهاية عصر النفط" التي روجت لها وكالة الطاقة الدولية.
واعتبروا أن المؤتمر رسخ سردية جديدة أكثر واقعية تجاه مستقبل الطاقة، وسط حضور لافت لمؤسسات دولية كثيراً ما كانت من دعاة التحول السريع نحو الطاقة المتجددة.
بديل تقني
من جهته، أكد المتخصص في الشؤون النفطية كامل الحرمي أنه "لا وجود لمفهوم نهاية عصر النفط والغاز"، مشيراً إلى أن التحولات في مصادر الطاقة يجب أن تكون منفتحة وواقعية لا عدائية.
وقال الحرمي إن "الحاجة للنفط لا تزال قائمة طالما لا يوجد بديل تقني واقتصادي قابل للتطبيق على نطاق عالمي"، معتبراً أن تحذيرات وكالة الطاقة الدولية على رغم تناقضاتها تحمل جانباً إيجابياً، كونها تدفع الدول المنتجة نحو التخطيط طويل الأجل وتنويع مصادر الدخل.
وأشار إلى أن النجاحات المتواصلة لـ"أوبك" تؤكد أن صناعة النفط ما زالت تحتفظ بثقلها الاستراتيجي عالمياً، مع ضرورة التفكير بعقلية استباقية لإيجاد بدائل مستقبلية فعالة.
رؤية واقعية
من جهته، أوضح الباحث الاقتصادي والمتخصص في شؤون النفط والطاقة عامر الشوبكي أن ندوة "أوبك" الأخيرة أثبتت إمكانية التوفيق بين أهداف أمن الطاقة والعدالة المناخية، قائلاً "تقنيات احتجاز الكربون والاقتصاد الدائري للطاقة تمنحنا فرصة حقيقية للتكامل بين الطاقة التقليدية والطموح البيئي".
وانتقد الشوبكي الخطاب المتذبذب لوكالة الطاقة الدولية واصفاً إياه بـ"المضلل للمستثمرين"، مشيراً إلى أن الوكالة طالبت سابقاً بوقف الاستثمارات ثم عادت لتحذر من نقص الإمدادات.
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضاف أن هذا التناقض يضرب الثقة في مستقبل السوق، ويهدد بعودة موجات عدم الاستقرار التي كثيراً ما حذرت منها "أوبك".
وأكد أن الوكالة بدأت بالفعل في تعديل خطابها أخيراً، معترفة بأن الطلب على النفط سيظل قوياً حتى نهاية العقد الحالي، وهو تحول في النغمة يظهر "انكسار السردية القديمة أمام الواقع".
بقاء النفط
من جانبه، شدد المتخصص في الشأن الاقتصادي بالجامعة اللبنانية الدكتور جاسم عجاقة على أن صناعة النفط ما زالت العمود الفقري للاقتصاد العالمي، وتتطلب استثمارات ضخمة ومتواصلة. وأوضح أن توقف الاستثمارات يؤدي إلى تآكل القدرة الإنتاجية، وضرب مثالاً بإيران التي عانت ضعف الإنتاج خلال أعوام العقوبات بسبب نقص التمويل.
وأضاف عجاقة أن الطاقة المتجددة على رغم تقدمها لا تزال تواجه تحديات جدية تتعلق بالتخزين وكفاءة التشغيل، خصوصاً في القطاعات الصناعية والنقل.
وأشار إلى أن "أوبك" ما زالت تمسك بزمام المعادلة السوقية، مستشهداً بتصريحات الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب حول دعم الهيدروجين والسيارات المعتمدة على الوقود التقليدي.
تحديات متراكبة
بدورها، أكدت المتخصصة في الاقتصاد والطاقة وفاء علي أن أسواق الطاقة العالمية تمر بمرحلة دقيقة عنوانها "اللايقين والتحديات المتراكبة".
ولفتت إلى أن تحالف "أوبك+" اتبع خلال الأعوام الماضية سياسة مرنة تستند إلى قراءة دقيقة لمتغيرات السوق.
وأشارت إلى أن الصناعة النفطية تحتاج إلى نحو 12 تريليون دولار من الاستثمارات حتى عام 2030 للحفاظ على التوازن في السوق.
وأضافت أن المشهد الجيوسياسي بات يؤثر بصورة مباشرة في سلاسل الإمداد، في ظل صراعات الرسوم الحمائية وتباطؤ النمو، وتراجع الثقة في الطاقة المتجددة كمصدر موثوق ومستدام.
وأكدت أن "أوبك" استطاعت خلال ندوتها الأخيرة "وضع وكالة الطاقة الدولية في غرفة الاختبار"، عبر إعادة طرح سؤال جوهري هو كيف يمكن بناء مستقبل للطاقة في ظل كل هذه التحديات من دون الاستغناء عن النفط والغاز في المدى المتوسط؟
من يرسم المستقبل؟
تحولات الطاقة لم تعد مجرد جدل نظري بين النفط والمتجددة، بل أصبحت ساحة لصراع سياسي واقتصادي واستثماري متشابك، وبينما تسير وكالة الطاقة الدولية في مسار متقلب تبرز "أوبك" كلاعب دولي يمسك بخيوط التوازن العالمي، لا سيما في ظل عجز البدائل واشتداد التحديات الجيوسياسية.
ويبقى السؤال الأهم، هل ستنجح "أوبك" في حشد الاستثمارات اللازمة لضمان استقرار الأسواق؟ أم أن التحديات العالمية ستجعل من كل خطوة في صناعة الطاقة اختباراً جديداً لقدرة اللاعبين على التكيف والقيادة؟
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

ما هي أعلى الدول استثماراً في سوق الأسهم الأمريكي؟ الأعلى: 1.. جزر الكايمان : 1.
ما هي أعلى الدول استثماراً في سوق الأسهم الأمريكي؟ الأعلى: 1.. جزر الكايمان : 1.

رواتب السعودية

timeمنذ ساعة واحدة

  • رواتب السعودية

ما هي أعلى الدول استثماراً في سوق الأسهم الأمريكي؟ الأعلى: 1.. جزر الكايمان : 1.

نشر في: 26 يوليو، 2025 - بواسطة: خالد العلي ما هي أعلى الدول استثماراً في سوق الأسهم الأمريكي؟ الأعلى: 1.. جزر الكايمان 🏝️: 1.868 تريليون دولار. 2.. المملكة المتحدة: 1.811 تريليون دولار 3.. كندا: 1.790 تريليون دولار 4.. لوكسمبورغ: 1.232 تريليون دولار. الأجانب يملكون 17 تريليون دولار في الأسهم الأمريكية. ـــــ الناتج المحلي لـ جزر الكايمان 7.14 مليار دولار فقط و مساحتها ثلث مساحة البحرين .. لكنها رقم واحد في استقبال أموال التهرب الضريبي و غسل الأموال.. فيستمثرونها في الاسواق العالمية. تعتبر جزر كايمان مركز مالي لـ offshore تسجل فيها استثمارات نيابة عن مستثمرين من دول أخرى. المصدر :عبد الله الخميس | منصة x

ترامب: فقدان 100 مليون دولار تم جمعها لمتضرري حرائق كاليفورنيا
ترامب: فقدان 100 مليون دولار تم جمعها لمتضرري حرائق كاليفورنيا

صدى الالكترونية

timeمنذ ساعة واحدة

  • صدى الالكترونية

ترامب: فقدان 100 مليون دولار تم جمعها لمتضرري حرائق كاليفورنيا

قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أن مبادرة 'فاير إيد' (FireAid) الأمريكية التي تهدف إلى تقديم المساعدة للمتضررين من حرائق الغابات في كاليفورنيا، مخطط احتيالي. وكشف الرئيس الأمريكي، عن اختفاء 100 مليون دولار من الأموال التي تم جمعها ضمن هذه المبادرة لصالح المتضررين من حرائق الغابات في كاليفورنيا. وأوضح ترامب على صفحته في منصة التواصل الاجتماعي Truth Social: 'فاير إيد هي كارثة حقيقية كاملة. 'يبدو أنها عملية احتيال أخرى مستوحاة من الديمقراطيين. 100 مليون دولار مفقودة'. جدير بالذكر، أن أكثر من 30 شخصا لقوا حتفهم في يناير الماضي في الجزء الجنوبي من كاليفورنيا، في منطقة لوس أنجلوس، بسبب حرائق الغابات، التي تسببت كذلك بتدمير نحو 18 ألف مبنى مختلف. وأفادت المنظمات الاجتماعية والعامة، بما في ذلك تلك المرتبطة بالحزب الديمقراطي، بجهود لجمع التبرعات لمساعدة الذين عانوا أو فقدوا ممتلكاتهم بسبب الحرائق. وفي إطار هذه المبادرة تم تنظيم حفل موسيقي خيري في كاليفورنيا في 30 يناير، شارك فيه العديد من المطربين المعروفين مثل بيلي إيليش، وليدي غاغا، وكاتي بيري، حيث تم جمع حوالي 100 مليون دولار، ولكن كما ذكرت قناة فوكس نيوز التلفزيونية، تم توزيع الأموال في وقت لاحق بين عدد من المنظمات غير الحكومية بدلا من إعطائها مباشرة للضحايا.

أستراليا وبريطانيا توقعان معاهدة غواصات نووية لـ50 عاما
أستراليا وبريطانيا توقعان معاهدة غواصات نووية لـ50 عاما

Independent عربية

timeمنذ 2 ساعات

  • Independent عربية

أستراليا وبريطانيا توقعان معاهدة غواصات نووية لـ50 عاما

قالت الحكومة الأسترالية، اليوم السبت، إنها وقعت معاهدة مع بريطانيا لتعزيز التعاون على مدى الـ50 عاماً المقبلة في مجال شراكة الغواصات النووية "أوكوس". وتهدف اتفاقية "أوكوس"، الموقعة بين أستراليا وبريطانيا والولايات المتحدة في 2021، إلى تزويد أستراليا بغواصات هجومية تعمل بالطاقة النووية اعتباراً من العقد المقبل لمواجهة طموحات الصين في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. وطلبت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب مراجعة رسمية للاتفاقية هذا العام. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وقالت وزارة الدفاع البريطانية، الأسبوع الماضي، إن المعاهدة الثنائية ستدعم برامج الغواصات لدى الحليفين، وإنه من المتوقع أن تبلغ قيمتها ما يصل إلى 20 مليار جنيه استرليني (27.1 مليار دولار) بالنسبة إلى بريطانيا على شكل صادرات على مدى 25 عاماً.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store