
خاص 'المدى' طهران تسبق الترويكا: اجتماع ثلاثي مع موسكو وبكين لكبح 'آلية الزناد'
وتعكس هذه التحركات طموح طهران في استغلال دعم حليفتيها لتخفيف حدة العقوبات والتهديدات، وتأجيل تفعيل آلية 'سناب باك' التي تهدد بإعادة فرض عقوبات اوروبية صارمة بحلول تشرين الأول المقبل.
وقد استبقت إيران هذا الاجتماع بتصريحات على لسان المتحدث باسم الخارجية، إسماعيل بقائي، الذي أكد أن اللقاء مع موسكو وبكين سيبحث برنامج طهران النووي وآلية العقوبات الدولية، في خطوة تعزز موقع إيران التفاوضي قبل جلوسها مع الأوروبيين على طاولة الحوار.
في هذا السياق، تحدثت 'المدى' الى المحلل السياسي الايراني محمد غروي، في محاولة لفهم أبعاد الخطوات الإيرانية وأهدافها وتداعيات تفعيل آلية 'سناب باك' على مستقبل الملف النووي.
أشار غروي في بداية حديثه إلى أن إيران تعتبر التنسيق مع روسيا والصين ركيزة استراتيجية في سياستها الخارجية، خصوصاً في ما يتعلق بالملف النووي. فهي ترى في موسكو وبكين داعمتين أساسيتين في المحافل الدولية، وخاصة في مجلس الأمن، حيث تملكان حق النقض (الفيتو) القادر على تعطيل أي تحرك غربي ضدها.
لذلك، تسبق عادةً أي تطورات في المفاوضات مع واشنطن أو الترويكا الأوروبية جولات دبلوماسية يقوم بها وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إلى موسكو وبكين، لتنسيق المواقف وتوحيد الرسائل الموجهة إلى الطرف الغربي. وتعزز هذه العلاقة الاستراتيجية من خلال اتفاقيات طويلة الأمد، تستخدمها طهران كورقة ضغط تفاوضية، ووسيلة لتخفيف تأثير العقوبات أو التهديدات الغربية.
وبالتالي، فإن إيران لا تدخل المفاوضات النووية كطرف معزول، بل كجزء من محور دولي يحمي مصالحها ويوفر لها هامش مناورة أوسع في مواجهة أوروبا والولايات المتحدة.
واعتبر غروي أن الجولة المقررة في تركيا تمثل بداية لمسار تفاوضي طويل الأمد، لا نهايته. وأكد أن الهدف الأساسي لإيران في هذه المرحلة هو منع الأوروبيين من تفعيل آلية الزناد (Snapback) وإعادة فرض العقوبات الأممية تحت الفصل السابع.
ولتحقيق ذلك، من المتوقع أن تتبع طهران سياسة المماطلة والتأخير، سواء في تحديد مواعيد المفاوضات أو في إحراز تقدم ملموس، بهدف استنزاف الوقت المتبقي حتى تشرين الأول، وهو الموعد الحاسم المرتبط بتفعيل الآلية.
ويرى غروي أن هذه الاستراتيجية تصب في مصلحة إيران، إذ من شأنها أن تُفشل مساعي الأوروبيين لاستخدام آلية الزناد ضمن الإطار الزمني المحدد، وتمنح طهران ورقة ضغط إضافية في الجولات المقبلة من التفاوض.
وأوضح غروي أن إيران، في الجولة الجديدة من المفاوضات، لا تسعى حالياً إلى التوصل لاتفاق نهائي، بل تهدف بشكل رئيسي إلى كسب الوقت. فهي تدرك أن الأوروبيين يلوّحون بتفعيل آلية الزناد (Snapback) لإعادة فرض العقوبات الدولية، ولذلك تتركز استراتيجيتها على تأجيل أي خطوة أوروبية في هذا الاتجاه خلال المرحلة الحالية.
وقال إن طهران تعتمد بوضوح على ما يمكن وصفه بـ'اللعب على عامل الوقت'، من خلال تأخير جدول المفاوضات إلى ما بعد الموعد الحاسم في أكتوبر، حيث تنتهي صلاحية آلية الزناد دولياً. وبهذا التأخير، تسعى إيران إلى حرمان الأوروبيين من فرصة استخدام هذه الآلية، وإفشال أي مسعى لإعادة العقوبات تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.
وبناءً على ذلك، فإن التكتيك الإيراني لا يقوم على تقديم تنازلات أو طرح حلول وسط، بل يركّز على تأجيل أي تقدم فعلي حتى تفقد الأطراف الأخرى أدواتها القانونية، وعلى رأسها آلية الزناد. لذلك، تُعد اللقاءات المقبلة مجرد محطة في مسار طويل من المساومات والمناورات السياسية، وليست خطوة حاسمة نحو اتفاق شامل أو نهائي.
واعتبر غروي أن آلية الزناد (Snapback) تشكل ورقة ضغط متبادلة بين إيران والترويكا الأوروبية. فقد استخدمتها إيران بشكل غير مباشر منذ بدء رفع نسب تخصيب اليورانيوم وتقليص تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بما في ذلك تقليص عدد المفتشين الدوليين داخل البلاد. ومع ذلك، لا ترغب طهران في أن تصل الأمور إلى تفعيل هذه الآلية رسميًا من قبل الأوروبيين والولايات المتحدة، لما لذلك من تداعيات قد تؤثر على مصالحها في المدى القريب.
وأشار إلى أن حساسية آلية الزناد تزداد بشكل كبير مع اقتراب نهاية تشرين الأول، فلو نجحت طهران في إقناع الأوروبيين بعدم تفعيلها، ستكون هي الرابح الأكبر في هذه الجولة. أما إذا قررت أوروبا المضي قدمًا في تفعيلها، فإن ذلك سيؤدي إلى تصعيد وتعقيد أكبر في الملف النووي.
وأوضح غروي أن إيران قد تلجأ في هذا السيناريو إلى خيارين محتملين: إما التهديد برفع تخصيب اليورانيوم إلى نسبة 90%، وهو ما يمثل تحولًا جوهريًا في سياستها النووية، أو الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي (NPT)، وهو ما سيزيد من قلق واشنطن وأوروبا.
وفي حال قررت الترويكا الأوروبية تفعيل آلية الزناد دون العودة إلى المفاوضات، فإنها بذلك تختار مسار التصعيد، وربما تفتح الباب أمام احتمالات مواجهة عسكرية. إلا أن إيران ترى أن تفعيل هذه الآلية لن يكون كارثيًا، خاصةً أن معظم العقوبات التي قد تُعاد فرضها هي في الأصل عقوبات أميركية مطبقة حاليًا.
وقال غروي: 'لا تبدو إيران قلقة بشكل كبير من تفعيل آلية الزناد، رغم أثرها المعنوي داخل البلاد، إذ تُستخدم أكثر كورقة تهويل إعلامي وليس كأداة ضغط حقيقية. ووفقًا لتحليلات داخلية، فإن هذه الآلية ليست نهاية المطاف، ولن تكون مدمرة لطهران كما يُروّج لها. بل يرى بعض المراقبين أن تفعيلها قد يضر أكثر بالأوروبيين والولايات المتحدة، لأنهم سيكونون قد استنفدوا كل أدواتهم الدبلوماسية والاقتصادية، وحتى التهديدات العسكرية'.
وختم بالقول: 'من هذا المنطلق، يرى الإيرانيون ضرورة أن تتعامل أوروبا بعقلانية ومنطق، وألا تسيّس الملف النووي بشكل مفرط أو تعطيه طابعًا عسكريًا وعدائيًا تجاه إيران. ومع اقتراب أكتوبر، تتجه الأجواء نحو تصعيد محتمل، والجميع يترقب ما إذا كانت الأزمة ستُدار عبر الحوار أم ستنتقل إلى مرحلة أكثر خطورة يصعب احتواؤها.'

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


المدى
منذ 6 ساعات
- المدى
بقائي: غزة تُباد بالأسلحة الأميركية والألمانية.. والمجتمع الدولي شريك بصمته
قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، إسماعيل بقائي، في تغريدة نشرها على منصة 'إكس'، إن الفلسطينيين يُذبحون بالأسلحة الأميركية والألمانية، ويُحرمون بوحشية من الطعام، ويموتون من شدة الجوع. وأشار إلى أن 'صفوف توزيع الطعام تتحول إلى فخاخ موت، ويفقد المرضى حياتهم بسبب انعدام الغذاء والدواء'، مضيفاً أن كل ذلك يحدث 'بعد عامين من حملة الإرهاب والرعب بالقصف والإبادة الجماعية، التي أدت إلى مقتل وإصابة أكثر من 200 ألف إنسان بريء، وجعلت 90% من مساحة قطاع غزة غير صالحة للسكن'. Palestinians are wickedly starved to death at the same time that they are massacred by the most sophisticated lethal American/German made weapons; lines for #food are deliberately turned into death traps; patients die without food& medicine… And this is after 2 years of brutal… — Esmaeil Baqaei (@IRIMFA_SPOX) August 2, 2025 ودعا بقائي المجتمع الدولي إلى التوقف عن إصدار 'البيانات الفارغة'، واتخاذ خطوات عملية لإغاثة شعب غزة ووقف الإبادة الجماعية، مشدداً على أن فرض عقوبات على تسليح 'الكيان'، ومحاكمة المجرمين، باتا ضرورة ملحّة.


الرأي
منذ 8 ساعات
- الرأي
مجاعة غزة المُرعبة من صنع... الإنسان
في غزة، المجاعة ليست نتاجاً للحرب، بل هي الحرب نفسها. وليست فشلاً لوجستياً، بل نجاحاً إستراتيجياً. وفي هذه الكارثة المتكشفة، لا يقف الغرب متفرجاً؛ بل هو فاعل محوري. فبينما تُشدد الحكومة الإسرائيلية، بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، حصارها على غزة، يواجه الملايين من المدنيين مجاعة مُدبّرة. وهذا ليس عرضياً، بل نتيجة قرارات مدروسة تقضي بقطع الغذاء والماء والكهرباء والوقود والمساعدات الإنسانية، وعرقلة قوافل الإغاثة. فما يحدث ليس كارثة طبيعية، بل مجاعة من صنع الإنسان، فُرضت بدقة سريرية. ورغم الأدلة الدامغة والاستنكار الدولي، رفضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي محاسبة إسرائيل. والأسوأ من ذلك، أنهما يواصلان تسليح وتمويل وحماية الكيان المسؤول عن أحد أكثر الحصارات وحشية في القرن الواحد والعشرين. وتستغل حكومة نتنياهو المجاعة لتحقيق هدف سياسي يتجلى في التطهير العرقي للسكان الفلسطينيين في غزة. وتتوافق هذه الإستراتيجية في شكل مقلق مع التعليقات التي أدلى بها الرئيس الأميركي دونالد ترامب في أسابيعه الأولى من تسلمه منصبه، عندما اقترح، بحسب التقارير، تحويل غزة إلى «ريفييرا» ومشروع عقاري مربح - وهو طموح يردد صدى انتصاراته التجارية في مانهاتن. وفي تطور رمزي مرعب يعكس حجم التواطؤ، زار مستشار ترامب ومبعوثه الخاص وقطب العقارات ستيف ويتكوف غزة وبقي لمدة خمس ساعات في نقطة توزيع الغذاء - التي يطلق عليها في شكل سيئ السمعة «منطقة فخ الموت» - حيث يُستهدف الفلسطينيون الذين يسعون للحصول على المساعدة في شكل روتيني. كانت الرسالة واضحة وهي أن الولايات المتحدة لا تراقب فحسب، بل تشارك في تنفيذ هذه السياسة المتمثلة في فرض المجاعة كسلاح وفي الحملة الأوسع للتغيير الديموغرافي القسري. ومما يزيد من تفاقم المأساة التواطؤ شبه التام للمجتمع الإسرائيلي، حيث يستحوذ مصير 20 رهينة إسرائيلياً على الخطاب العام، بينما مازال 2.5 مليون فلسطيني جائع ومحاصر غير معترف بهم إلى حد كبير. كما تحدث ترامب عن «صغر مساحة إسرائيل» و«حاجتها إلى التوسع» - وهو خطاب يتماشى تماماً مع رؤية «إسرائيل الكبرى» التي يتبناها الائتلاف اليميني المتطرف الحاكم في إسرائيل حالياً. لذا، فإن هذه الحرب ليست مجرد حملة عسكرية، بل جزء من أجندة توسعية أوسع. فبينما تُدمر غزة بالقنابل والمجاعة، يواصل الجهاز الأيديولوجي نفسه السعي لضم الضفة الغربية، بدعم أميركي ورضوخ أوروبي. مجاعة مُدبرة لا تنشأ المجاعات بين عشية وضحاها. إنها ليست ظواهر عفوية تنبثق من الفوضى بل تتطلب عرقلة مستمرة لطرق الإمداد، وإيصال المساعدات، والزراعة، والصرف الصحي، والبنية التحتية المدنية. في حالة غزة، تجاوز الحصار بكثير مجرد إجراء حربي؛ بل أصبح أداة للسيطرة على السكان. وقد أوضحت حكومة نتنياهو هذه النية في وقت مبكر من الحرب، حين أعلن وزير الدفاع في حينه يوآف غالانت «حصاراً كاملاً»، مضيفاً: «لا كهرباء، لا طعام، لا وقود... كل شيء مغلق». منذ تلك اللحظة، دقت المنظمات الإنسانية ناقوس الخطر. وحذّر التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (IPC)، وهو المرجع المعترف به من الأمم المتحدة بشأن المجاعة، من أن غزة قد دخلت أعلى مستوى من انعدام الأمن الغذائي. وأعلنت اليونيسف وبرنامج الغذاء العالمي أن الأطفال يموتون من سوء التغذية والجفاف. ورغم الإجماع المتشائم بين الوكالات الدولية، مُنعت المساعدات وقُصفت قوافل الدقيق، وقُتل عمال الإغاثة واستُهدفت المخابز لتجويع غزة لإخضاعها. اعتراف ترامب و... تقاعسه في لحظة نادرة من الصراحة، أقرّ ترامب بأن صور المجاعة من غزة «حقيقية وصادمة». هذا الاعتراف مهم. فهو يُزيل أي إنكار معقول. فلم تعد أقوى حكومة في العالم جاهلة - بل مُطّلعة، ومع ذلك، تواصل تزويد إسرائيل بمليارات الدولارات من المساعدات العسكرية، إلى جانب الذخائر الموجهة بدقة، وتقنيات المراقبة، والحماية الدبلوماسية في مجلس الأمن الدولي. ويكشف هذا التناقض بين القيم المعلنة والسياسة الفعلية عن عمق التواطؤ الأميركي. بينما تتجذر المجاعة في مخيمات اللاجئين بغزة، وتُجبر المستشفيات على استخدام الخل كمطهر، تُزوّد الطائرات الأميركية الطائرات الحربية الإسرائيلية بالوقود وتعرقل واشنطن من خلال حق النقض (الفيتو)، كل محاولة جادة لوقف النار أو المساءلة في الأمم المتحدة، ما جعل القانون الدولي خاملاً. ولم يعد الأمر يتعلق بتحالف إستراتيجي، بل يتعلق بالتخلي الأخلاقي. إن حكومة تُقرّ بحقيقة المجاعة، ثم تُسرّع في تسليم القنابل للنظام المُسبّب لها، ليست محايدة. بل هي شريك كامل. فشل أوروبا في المبادئ لقد خان الاتحاد الأوروبي، هو الآخر، القيم التي يدّعي تمثيلها. فبينما يُصدر قادة الاتحاد الأوروبي تصريحات جوفاء حول القانون الدولي وحماية المدنيين، فإنهم رفضوا رفضاً قاطعاً في الوقت عينه فرض عقوبات جادة على إسرائيل - حتى بعد استهداف البنية التحتية الممولة أوروبياً في غزة. في بروكسل، حل الشلل محل المبادئ، فالعواصم الأوروبية منقسمة بين من يُريد رداً مدروساً على عدوان إسرائيل ومن يُصرّ على الدعم غير المشروط. نتيجةً لذلك، فشل الاتحاد الأوروبي في إقرار حظرٍ رمزيٍّ على الأسلحة، رغم اتخاذه قراراً سريعاً رداً على غزو روسيا لأوكرانيا، وتالياً فإن عدم الاتساق يكشف عن التطبيق الانتقائي لحقوق الإنسان في السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي. وعندما يتعلق الأمر بغزة، لا تُطبّق المعايير نفسها. ففي مواجهة المجاعة وجرائم الحرب والتطهير العرقي، لم تُقدّم أوروبا سوى بيانات صحافية مُصاغة بعناية ومنهم من جمد العلاقات التجارية فقط. وقد خرجت سلوفينيا أخيراً عن المألوف عندما أصبحت أول دولة عضو في الاتحاد الأوروبي تحظر تجارة الأسلحة مع إسرائيل وتُدين منع وصول المساعدات الإنسانية إلى غزة. لكنها تُعتبر وحيدة تقريباً. وتُواصل ألمانيا وفرنسا تصدير الأسلحة والتعاون الاستخباراتي، بينما مازالت تجارة الاتحاد الأوروبي الإجمالية مع إسرائيل دون انقطاع. ومن هنا فإن هذه ليست إجراءات محايدة، بل هي دعامات هيكلية. من درع تاريخية إلى انهيار أخلاقي لعقود، صاغت إسرائيل بمهارة أفعالها من خلال عدسة الصدمة التاريخية، مُستدعيةً الهولوكوست ومُوجّهةً اتهاماتٍ بمعاداة السامية لعزل نفسها عن النقد. ولطالما شكّلت هذه الرواية عن الضحية الأبدية درعاً دبلوماسية، تُضعف التدقيق، وتُسكت المعارضة، وتُحيّد حتى أكثر الدعوات إلى المساءلة اعتدالاً. لكن هذه الدرع بدأت تتصدع. إذ إن الهجوم المستمر على غزة، والذي اتسم بسقوط عشرات الآلاف من المدنيين، ومجاعة قسرية، وتدمير ممنهج، قد كشف عن حقيقة قاتمة، وهي انه لم تعد إسرائيل تُعتبر ضحية، بل مُدبّرة لكارثة حديثة. فما يتكشف ليس نتيجة مؤسفة للحرب، بل حملة متعمدة من التطهير العرقي والعقاب الجماعي، تُنفّذ بذريعة الأمن. فأحياء بأكملها ومستشفيات ومدارس سُوّيت بالأرض ومخيمات اللاجئين أصبحت مقابر وتحولت غزة إلى مقبرة أمام أعين العالم، وإسرائيل، بعيداً عن إنكار أفعالها، اتخذتها وساما ردعا. وتُعتبر إسرائيل الآن على نطاق واسع واحدة من أكثر الأطراف وحشية في الحروب المعاصرة، وهي تتميز في شكل مأسوي بكونها الرائدة عالمياً في التسبب بوفيات المدنيين، خصوصاً بين الأطفال والنساء. إذ لم تُحوّل أي حملة عسكرية أخرى في التاريخ الحديث الموت الجماعي إلى أمر روتيني مُتلفز بهذا القدر. أياً كان الادعاء الأخلاقي الذي تبنته القيادة الإسرائيلية يوماً ما - إن كان لها ادعاء أصلاً - فقد دُفن منذ زمن طويل تحت أنقاض صنعتها بنفسها. لم يعد المجتمع الدولي يرضخ للتبريرات التاريخية، ولا لدعوات الاستثنائية. فصور الأطفال الجائعين، والمستشفيات المُدمرة، والأسر المُهجّرة هي التي ستبقى في ذاكرة الشعوب. ومع كل ضربة، وكل فيتو، وكل محاولة لتبييض هذه الأفعال من خلال العلاقات العامة وكسب التأييد، تتعمق عزلة إسرائيل. ما كان مستحيلاً في السابق أصبح لا يمكن إنكاره الآن لاسيما في ظل جوقة متنامية عبر القارات تضمّ علماء قانون، وهيئات حقوق إنسان، وحتى أصواتاً يهودية تُسمّي هذا الأمر بمسمّاه. ليس حرباً، بل اعتداءً مُدبّراً على شعب أسير. وفي هذه العملية، حلّ الازدراء العالمي محلّ الإذعان. إذ أصبحت إسرائيل واحدة من أكثر الدول إثارةً للازدراء في العصر الحديث - ليس بسبب التضليل الإعلامي، بل بسبب وضوح أفعالها وجرأة إفلاتها من العقاب. هذا نتيجة قرارات اتُخذت، وجرائم حرب مُوثّقة وغطرسة تجلت في المجازر، وفخر بالدمار. الذاكرة التاريخية التي حمت إسرائيل يوماً ما من النقد فقدت فاعليتها. لا الذاكرة ولا الضغط السياسي يستطيعان إخفاء حجم الدمار الذي لحق بغزة. لقد تحطمت الدرع التاريخية، وما تبقى هو سجل طويل مُدان سيُلاحقها في أرشيف القانون الدولي والحكم الأخلاقي. التاريخ، الذي كان حليفاً في يوم من الأيام، سيكون الآن المدعي العام. القانون الدولي والنفاق السياسي بموجب نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، يُعد استخدام التجويع كسلاح حرب، "جريمة حرب". وكذلك استهداف المدنيين، وتدمير البنية التحتية الأساسية، ومنع المساعدات الإنسانية. وترتكب إسرائيل هذه الأفعال أمام أعين الجميع، وتفعل ذلك بدعم من اثنتين من أقوى الكتل في العالم. القوى الغربية نفسها التي تدعو إلى «نظام دولي قائم على القواعد» في أوكرانيا وأمكنة أخرى، تصمت فجأةً عندما تنتهك إسرائيل تلك القواعد. القادة أنفسهم، الذين فرضوا عقوبات على دول بأكملها بسبب انتهاكات حقوق الإنسان، يجادلون الآن بأنه يجب الحكم على إسرائيل «في سياقها»... لقد أصبح مستوى النفاق مُذهلاً. لكن سياق غزة واضح: إنها سجن مكشوف ومدمر تحت الحصار، حيث تستباح كل ضرورة أساسية للحياة. والآن، بتوجيهات نتنياهو، أصبح التجويع سياسة حكومة. للغرب القدرة على وقف هذا. الولايات المتحدة قادرة على وقف شحنات الأسلحة والدعم السياسي. ويمكن للاتحاد الأوروبي تعليق اتفاقيات التجارة فوراً ولكن بدلاً من ذلك، اختاروا تبرير المجرم، وتصوير إفلات إسرائيل من العقاب على أنه «دعم لحليف»، وتالياً فإن التاريخ سيسجل ليس فقط ما حدث في غزة، بل من سمح بحدوثه.


الرأي
منذ 8 ساعات
- الرأي
ترامب يرفع مستوى التحدي مع موسكو ودائرة بوتين تُقلّل من خطر... الغواصات
- كييف تستهدف منشآت نفطية... وموسكو تواصل التقدم في دونيتسك في اختبار للقوة مع روسيا، رفع الرئيس الأميركي دونالد ترامب مستوى التحدي، بإعلانه أنه أمر بإرسال غواصتين نوويتين إلى «مناطق مناسبة»، بينما قلل سياسيون وخبراء مقربون من الكرملين من أهمية هذا الإجراء. وكان ترامب، يرد تحديداً على نائب رئيس مجلس الأمن الروسي ديمتري ميدفيديف في شأن خطر نشوب حرب بين البلدين المسلحين نووياً. ففي أعقاب تقليص المهلة التي منحها لموسكو للتوصل إلى هدنة في أوكرانيا، قال الرئيس الروسي السابق إن على الرئيس الأميركي أن يتذكر أن موسكو تمتلك قدرات الضربة النووية التي كانت تستخدم في الحقبة السوفياتية كملاذ أخير، وذلك بعد أن قال ترامب له «انتبه لكلامك». وكتب ترامب في منشور على منصات التواصل الاجتماعي، «بناء على التصريحات الاستفزازية للغاية لرئيس روسيا السابق ديمتري ميدفيديف... أمرت بنشر غواصتين نوويتين في المناطق المناسبة تحسباً لأن تكون هذه التصريحات الحمقاء والتحريضية أكثر من مجرد تصريحات». وأضاف «الكلمات مهمة جداً ويمكن أن تؤدي في كثير من الأحيان إلى تداعيات غير مقصودة، وآمل ألا تكون هذه إحدى تلك الحالات». وفي موسكو، قال الجنرال السابق في سلاح الجو ونائب الرئيس الحالي لمجلس النواب (الدوما) ليونيد إيفيلف، إن الغواصتين «لا تمثلان تهديداً جديداً». وأضاف أن موسكو تدرك بشكل كامل مثل تلك المناورات العسكرية الأميركية. بدوره، أيد النائب فيكتور فودولاتسكي، هذا الرأي. ووصف أي محاولة لترويع روسيا بأنها عبثية، مشيراً إلى أسطولها الضخم من الغواصات النووية. وينتقد ترامب، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بشكل متزايد، لكنه لايزال يتعامل بحذر من استفزازه مباشرةً، لأنه لايزال يعتقد أن بينهما صداقة وعلاقة عمل جيدة. ويعتقد البيت الأبيض، بحسب تقرير لصحيفة «التايمز» أن بوتين سيفهم أن دبلوماسية ترامب المتعلقة بالغواصات ليست استفزازية - فمهمة الأسطول دفاعية، وليست هجومية - بل للحيلولة دون عودة الخطاب النووي التحريضي على خلفية منشور استفزازي وحيد من ميدفيديف. ومع ذلك، ازداد خطاب ترامب حدة تجاه بوتين بشكل ملحوظ، إذ قال الأسبوع الماضي «أعتقد أن ما يفعلونه مثير للاشمئزاز»، كما اتهم بوتين بـ«الكذب». وفي تصعيد أيضاً، هدد ترامب بفرض عقوبات ثانوية على مشتري الطاقة الروسية، وقد استهدف بالفعل الهند بجزء من تعريفته الجمركية العامة البالغة 25 في المئة، قائلاً «يمكنهم هدم اقتصاداتهم المتعثرة معاً». ورغم أنه لم يفصح بشكل مباشر عن نسبة هذه التعريفة التي تشكل عقوبة على شراء النفط الروسي، فإن نهجاً مماثلاً قد يُطبق لاحقاً على الصين، مع اقتراب المحادثات بشأن النظام النهائي للتعريفة من مرحلة حاسمة. أما الاتحاد الأوروبي الذي لايزال أكبر مشترٍ للغاز الروسي، فقد يجد نفسه بدوره في مرمى العقوبات. والمجر وبلجيكا وفرنسا وسلوفاكيا، أكبر مستورديه. ولدى الولايات المتحدة، نحو 20 من أصل 71 غواصة تعمل بالطاقة النووية، ويتم نقلها بشكل روتيني إلى مناطق قريبة من روسيا، خصوصاً في أوقات التوتر المتصاعد، وفق تقرير لصحيفة «التايمز». استهداف مواقع حيوية ميدانياً، استهدفت القوات الأوكرانية، مواقع حيوية داخل روسيا، شملت مصفاتي نفط في ريازان ونوفوكويبيشيفسك، بالإضافة إلى منشأة لتخزين الوقود والزيوت في منطقة فورونيغ، فضلاً عن مصنع «إلكتروپريبور» للدفاع في بنزا، الذي ينتج معدات اتصالات مشفرة وأنظمة عسكرية متقدمة. وأشارت في بيان إلى «اندلاع حرائق وانفجارات في المواقع المستهدفة». ونفذت العملية بتنسيق بين قوات المسيرات، وقوات العمليات الخاصة، وجهاز الأمن، ومديرية الاستخبارات العسكرية. وأكدت هيئة الأركان أن «أوكرانيا ستواصل استهداف البنية التحتية التي تدعم الجيش الروسي حتى يتوقف العدوان». بالتوازي، أفادت تقارير إعلامية أوكرانية بوقوع انفجارات في مناطق روسية عدة، شملت ليبيتسك، ريازان، تاغانروغ، سامارا، فورونيغ، وشبه جزيرة القرم، حيث أُغلقت موقتاً جسر القرم بعد دوي انفجارات في فيودوسيا. وقتل ثلاثة أشخاص في روسيا، جراء ضربات أوكرانية بمسيرات ليل الجمعة - السبت في منطقتي روستوف وبنزا (جنوب) كما في منطقة سمارا البعيدة عن الجبهة، على ما أعلنت السلطات المحلية. من جانبه، أفاد الجيش الروسي بأنه اعترض خلال الليل 112 مسيرة أطلقت من أوكرانيا. وفي حدث نادر، طال القصف منطقة سمارا على مسافة نحو 800 كلم من الحدود. وفي منطقة روستوف المحاذية لأوكرانيا «صد الجيش هجوماً ضخماً ودمر مسيرات» فوق عدد من المدن، على ما قال الحاكم يوري سليوسار. كما أعلنت وزارة الدفاع أن قواتها سيطرت على قرية أوليكساندرو كالينوف في منطقة دونيتسك. اختفاء أوكرانيا كدولة في سياق متصل، حذر مدير الاستخبارات العسكرية كيريل بودانوف أن أوكرانيا قد تختفي كدولة إذا لم يحدد المجتمع ما يريده، وما الذي يجب فعله لذلك. وقال بودانوف في مقابلة مع الصحافية الأوكرانية ناتاليا موسيتشوك: «أنا أجمع الطوابع، أنا محب لهذه الهواية، العديد من الدول التي أنظر إلى طوابعها لم تعد موجودة كدول». وأضاف: «لذلك يجب أن نفكر بجدية في ما نفعله وإلى أين يجب أن نتجه. يجب أن نحدد ذلك بوضوح لأنفسنا... وإلا فقد نصبح مجرد موضوع لطابع بريدي آخر». والجمعة، صرح بوتين بأن الغياب الكامل للسيادة في أوكرانيا «أمر مهين»، مشيراً إلى أن «أوكرانيا لا تحتاج إلى فرض مؤسسات حوكمة خارجية، بل إلى مساعدة الشعب على استعادة توازنه».