
اليقظة الوطنية بالجمهورية الجديدة
في ظل ما يشهده العالم من تحولات متسارعة وأزمات متشابكة على المستويات المحلية والإقليمية والدولية، تتجلي الحاجة الملحة إلى إعادة الاعتبار لقيم التماسك الوطني، بوصفها الضامن الأول لاستقرار المجتمعات وقدرتها على مواجهة التحديات، ويمثل ترسيخ الهوية الوطنية الجامعة مدخلًا أساسيًا لصياغة وعي جمعي مشترك، يؤسس لوحدة الشعور والمصير، ويمنح المجتمع قوة الدفع اللازمة لاستعادة موقعه الفاعل في حركة التاريخ فالهوية الوطنية هي منظومة من القيم المشتركة، والذاكرة الحضارية، والانتماء الواعي، حيث يشعر كل فرد بأنه جزء لا يتجزأ من الكيان الوطني، ملتزم بمصالحه ومعتز بكرامته ومسؤول عن حاضره ومستقبله، فهي نسيج من الالتزام الحر والكرامة الإنسانية والمشاركة الواعية، وتكتمل في ظل بيئة تنصف التنوع وتكرس الولاء للوطن كجامع أعلى يتجاوز الانقسامات والهويات الجزئية.
وتُعد اليقظة الوطنية شكلاً راقياً من الوعي المسؤول، الذي يكسب المواطن القدرة على إدراك ما يتهدد وطنه من أخطار، سواء كانت داخلية تتخفى في عباءة النقد أو خارجية تستهدف تفكيك الاستقرار، وهي وعي ناقد لا ينخدع بالشعارات ولا ينزلق خلف الانفعالات، ولكن يفرق بذكاء بين الإصلاح الجاد الذي يسعى إلى البناء، وبين الهدم الممنهج المتخفي تحت شعارات التغيير، وفي ظل عالم مضطرب تتصاعد فيه صراعات الهويات وتشن فيه حروب ناعمة تعتمد على التضليل الإعلامي وتزييف الوعي عبر المنصات الرقمية، تصبح اليقظة الوطنية ضرورة وجودية، وخط الدفاع الأول في مواجهة محاولات الفوضى والانقسام والتفكيك المجتمعي، والسياج الذي يحمي الوعي الجمعي ويصون وحدة الدولة وسيادتها في زمن بات فيه الاستهداف ناعمًا وأكثر خطورة وتأثيرًا.
وبذلك تمثل اليقظة الوطنية مرحلة متقدمة من الوعي الاستراتيجي حيث تتجاوز ظاهر الأحداث إلى تحليل عميق للسياقات والمآلات، وتفكيك الرسائل والأفكار التي تبث في الفضاء العام وربط واعٍ بين الوقائع والمتغيرات المحلية والدولية وهي وعي يتأصل في بيئة تعليمية تنمي التفكير النقدي وإعلام مهني مسؤول وثقافة مجتمعية تحفز التساؤل والفهم ويتأكد هذا الوعي عبر خطاب رسمي ومدني يعمق الانتماء ويرفع منسوب الوعي الجمعي ويمنح المواطن دورًا فاعلًا في حماية الثوابت الوطنية.
وعندما ترتقي اليقظة الوطنية من إدراك فردي إلى وعي جمعي تتحول إلى قوة اجتماعية فاعلة تعبر عن ذاتها في الحفاظ على الوحدة الوطنية، والالتفاف الناضج حول الثوابت والمصالح العليا للدولة فهي تحصن المجتمع من محاولات التشويه التي تستهدف اختراق الهوية والثوابت والسيادة، فاليقظة هنا حالة دائمة من الوعي والبصيرة، تترجم إلى مواقف مسؤولة تذود عن السيادة، وتصون كيان الدولة من عوامل الانقسام إنها السياج الأخلاقي والمعرفي الذي يحمي النسيج الوطني، ويضمن تماسك الصف واستمرار المسار الوطني في مواجهة كل ما يهدد كيان الدولة واستقرارها.
وتعيش الدولة المصرية في السنوات الأخيرة لحظة استنهاض حضاري حقيقي، ويأتي ذلك ضمن مشروع تنموي شامل يستهدف تحديث البنية التحتية من خلال مشروعات استراتيجية كبري غير مسبوقة، وتعزيز الأمن القومي بمفهومه الشامل، الذي يربط بين قوة الدولة وهيبة مؤسساتها وتماسك مجتمعها، وقدرته على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية، ويكتمل هذا البناء المادي والاقتصادي بمواكبة ثقافية وتربوية تعيد تشكيل الوعي الجمعي، وترسخ لدى المواطن شعورًا عميقًا بالشراكة في بناء الحاضر وصياغة المستقبل.
فالمواطن المصري لم يعد مجرد متلق لنتائج التنمية، ولكن عنصرًا فاعلًا ينظر إليه بوصفه رأس مال الدولة ومصدر قوتها المتجددة، وهنا تبرز الحاجة إلى تجديد الخطابات التربوية والإعلامية والدينية، بما يرسخ قيم الانتماء والمواطنة المسؤولة والإيجابية في التعاطي مع التحديات، وثقافة العمل المشترك والقدرة على التفكير النقدي والتحليلي، ويستهدف بناء الإنسان المندمج بوعي في مشروع وطن يسير بثقة نحو المستقبل.
وتُعد الشائعات والمعلومات المضللة إحدى أخطر أدوات الحرب المعنوية التي تواجهها المجتمعات المعاصرة، لما لها من قدرة على زعزعة الثقة بين المواطن ومؤسسات دولته، وبث روح الإحباط وتشويش الرؤية العامة تجاه المسارات التنموية والقرارات الوطنية، وتزداد خطورة هذه الظاهرة حين تستهدف دولًا ذات ثقل حضاري وموقع جيوسياسي محوري كالدولة المصرية، التي تشكل بحضورها التاريخي والثقافي نقطة توازن واستقرار في محيطها العربي والإفريقي.
وتستدعي مواجهة الشائعات مقاربة استراتيجية تقوم على صناعة وعي مجتمعي إيجابي، يمتلك أدوات التفكير النقدي، ويحسن التمييز بين المعلومة والافتراء، وبين النقد البناء والدعاية الهدامة، ويتحقق ذلك من خلال ترسيخ ثقافة التثبت من الأخبار وتحري مصادرها وفهم السياقات التي تصدر عنها، وربط الوقائع بمعطيات الواقع ومن ثم تقع المسؤولية الكبرى على عاتق المؤسسات التربوية والإعلامية والدينية، التي يجب أن تتكامل أدوارها في غرس قيم العقلانية والتمحيص والانفتاح النقدي، منذ بداية المراحل المبكرة في حياة الفرد، حيث أصبح بناء المواطن القادر على الفهم والتحليل ضرورة وطنية لحماية وعي الأمة من التزييف، وصون وحدتها من الاختراق وضمان تماسكها في وجه كل ما يستهدف بنيتها الداخلية ومشروعها الحضاري.
ولذلك فإن ترسيخ ثقافة الحكم الرشيد يبدأ من الإنسان ذاته، من بناء وعيه وتأهيله معرفيًا، وتمكينه من أدوات التحليل المنطقي، والنظر المتزن في الأدلة والوقائع، بعيدًا عن الاندفاعات العاطفية أو الأحكام المسبقة فالحكم الرشيد هو ثقافة مجتمعية شاملة، حيث يعد المواطن الواعي المستقر داخليًا والمتسلح بالمعرفة والقدرة على التفكير النقدي هو حجر الأساس في أي مشروع نهضوي حقيقي والضامن لوحدة الوطن والحارس لهويته والركيزة الصلبة في عقد اجتماعي جديد يؤسس لمجتمع العدالة والمواطنة والمشاركة الواعية.
ولابد لهذه المبادئ أن تترجم إلى سياسات عملية ومؤسسات فاعلة ومناهج تعليمية متطورة فالإصلاح يبدأ من إعادة النظر في مناهج التعليم، بما يضمن أن تكون حاضنة للقيم التربوية والهوية الوطنية، ومُحفزة على التفكير الحر والمسؤول، والإعلام بدوره يحتاج إلى إعادة تموضع أخلاقي ومهني، يقدم الحقيقة وينتج الوعي ويفرق بين الإثارة والتحليل، أما المؤسسات الدينية، فمطلوب منها خطاب عقلاني معاصر، ينصت للواقع ويتفاعل معه ويرتقي بمكانة الوطن في ضمير المواطن.
ونؤكد أن اللحظة التاريخية التي تعيشها الدولة المصرية اليوم هي لحظة وعي وطني فارقة تعاد فيها صياغة العلاقة بين المواطن والدولة على أسس جديدة من الشفافية، والمساءلة، والتشاركية الفاعلة، إنها لحظة تأسيس حقيقي للجمهورية الجديدة، التي لا تقتصر على تحديث البنية التحتية أو إطلاق المشاريع القومية، بل تمتد إلى بناء الإنسان المصري المتكامل، وترسيخ منظومة قيم تؤمن بالكرامة، والانتماء، والعدالة، والمواطنة الواعية، وتغدو الهوية الوطنية الواعية، والتماسك المجتمعي، والوعي الإيجابي أدوات بقاء، وآليات نهوض، وجسور عبور إلى مستقبل أكثر استقرارًا وإنصافًا وكرامة، وفي قلب هذا المشروع الوطني الشامل، يظل المواطن المصري هو الفاعل الأصيل حين يُدرك أن وعيه هو السلاح الأمضى، وأن هويته هي النور الذي يهديه، وأن وطنه هو الأمان الذي لا يقدر بثمن.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


جريدة المال
منذ 43 دقائق
- جريدة المال
ضياء رشوان: مصر لم تمنع وقفات أو زيارات معبر رفح
قال ضياء رشوان رئيس الهيئة العامة للاستعلامات أن السيادة جزء من مكونات الدولة، مشيرًا إلى أن مصر لم تمنع أي وقفات أو زيارات أو مواقف أعلنت من معبر رفح من الجانب المصري. وأضاف رشوان، خلال لقاء على فضائية "إكسترا نيوز": على المستوى السياسي، زار مصر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، والمدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، ورئيس وزراء إسبانيا ونظيره البلجيكي، كما حضر على حافة رفح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي تفقد المناطق اللوجستية بالعريش. وتابع: على مستوى الإعلام، في أول مرة ذهبنا إلى رفح كان ذلك على الهواء مباشرة في وجود رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي، ومعه مجموعة من الوزراء، وكان معنا وفود من الإعلاميين الأجانب على الهواء. استكمل قوله: طلبوا منا العبور إلى الجانب الآخر، ووافقنا، ولكننا قلنا لهم لسنا مسؤولين عن حياتكم، لأن الجانب الإسرائيلي هو الذي يقتل، وبالتالي، لن نترك أحدا يقتل. أضاف: بعضهم سأل، لماذا لا ندخل الشاحنات بالقوة، فقلت إنه لا يوجد شيء اسمه شاحنة انتحارية، فالشاحنة التي ستدخل ستتعرض للاستهداف.


جريدة المال
منذ 43 دقائق
- جريدة المال
وزيرة العمل الفلسطينية تشيد بدور مصر الداعم للقضية الفلسطينية
أعربت وزيرة العمل الفلسطينية، إيناس عطاري، عن خالص شكرها وتقديرها للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، على مواقفه الثابتة والداعمة للشعب الفلسطيني، ورفضه القاطع لسياسات التهجير القسري التي يتعرض لها الفلسطينيون، مؤكدة أن الموقف المصري يُجسّد عمق العلاقات التاريخية بين الشعبين ويعكس التزام مصر الثابت بالقضية الفلسطينية. وأشادت خلال مقابلة عبر "زوم" مع الإعلامي عمرو خليل في برنامج "من مصر" على فضائية "القاهرة الإخبارية"، بالدعم المستمر الذي تقدمه الحكومة المصرية ووزارة العمل المصرية لنظيرتها الفلسطينية، خصوصًا في المحافل الدولية، حيث يُمثل هذا الدعم ركيزة أساسية في تعزيز الموقف الفلسطيني على الساحة الدولية. وأكدت عطاري وجود تنسيق دائم وتواصل مستمر بين وزارة العمل الفلسطينية ونظيرتها المصرية، في إطار التعاون المشترك لتطوير قضايا العمل، والدفاع عن حقوق العمال الفلسطينيين، وتسليط الضوء على الانتهاكات التي يتعرضون لها في ظل الاحتلال. وشددت الوزيرة على أن مصر تلعب دورًا محوريًا في دعم فلسطين سياسيًا ودبلوماسيًا، مشيرة إلى أن هذا الدعم يُعد امتدادًا للموقف المصري التاريخي الثابت من القضية الفلسطينية، ودعم حقوق الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال.


اليوم السابع
منذ 43 دقائق
- اليوم السابع
وزير الدفاع الأمريكي يصرح بمغادرة طوعية لعائلات العسكريين من العراق
ذكر مسؤول أمريكي لرويترز، أن وزير الدفاع صرح بمغادرة طوعية لعائلات العسكريين من أماكن بمنطقة القيادة المركزية الأمريكية بالعراق ، وفق نبأ عاجل لقناة القاهرة الإخبارية. ونشر موقع أكسيوس عن مسؤول في الخارجية الأمريكية، أنه "بناء على تحديثات أمنية قررنا تخفيض وجود موظفينا في سفارتنا بالعراق". في السياق، أفادت مراسلة القاهرة الإخبارية، بتحليق طيران عسكري أمريكي بكثافة في سماء محافظة الأنبار العراقية، وذكرت عن مصدر أمني عراقي: "بغداد أبلغت واشنطن بعدم وجود أي تهديدات تستهدف السفارة الأمريكية بالعراق".