
الإسلام السياسي من منظور قائد الثورة الإسلامية
قام الدكتور " رحمت عباس تبار مقري" (أستاذ مشارك في العلوم السياسية بجامعة مازندران) و"عباد الله أختري" (طالب دكتوراه في العلاقات الدولية بجامعة مازندران) في مذكرة تحليلية بدراسة خصائص الإسلام السياسي في فكر قائد الثورة الإسلامية الإمام خامنئي-حفظه الله-.
وفيما يلي نص هذه المذكرة:
يُنشئ الإسلام السياسي كنموذج مفاهيمي، صلة عميقة بين الدين والسياسة، ويسعى إلى تشكيل حكومة قائمة على المبادئ الإسلامية. كما أن الإسلام السياسي و الأصولية الإسلامية مفهومان مختلفان، لكنهما يُخطئان أحيانًا في اعتبارهما مترادفين.
فبينما يُعرّف الإسلام السياسي بأنه خطاب حديث ومرن في ربط الدين بالسياسة، تُعدّ الأصولية الإسلامية نهجًا جامدا يطمح إلى العودة إلى السلفية. وقد تجسّد خطاب الإسلام السياسي، المُعارض للديمقراطية الليبرالية والاشتراكية، في إيران كتجربة ناجحة.
يستند الإسلام السياسي إلى تاريخ الفكر السياسي الإسلامي، وينظر إلى نوع من الحكم الحديث كرد فعل على المشاريع الاستعمارية والاستشراقية، إلى جانب ردود الفعل القومية وما بعد الاستعمارية المختلفة التي فُرضت على المجتمعات الإسلامية.
يتصرف الإسلام السياسي بانتقائية في علاقته بالغرب، وينخرط فيه وفقًا للمصالح والخلفيات الثقافية والأيديولوجية، والقضايا الاجتماعية والاقتصادية، ويخدم المصالح الوطنية. ويتسم هذا الانتقاء بطابع محلي، ويتبنى عناصر هذه الحضارة، ويشكل جزءًا من استمرارية الثقافة الإسلامية.
إن الإسلام السياسي مقال مرن ودائم، يظهر في ظل الديناميكيات السياسية-الدينية، بالإضافة إلى الظروف التاريخية والاجتماعية. ويقدم سماحة آية الله خامنئي (حفظه الله)، بصفته قائدا للجمهورية الإسلامية الإيرانية، الإسلام السياسي ليس فقط كنظام حكم، بل كنموذج للتقدم المستدام والشامل. ويُعدُّ مدخل قائد الثورة الإسلامية إلى عوالم الوجود رؤية عالمية توحيدية، وتجنبا للانتقاء. ويختلف نقاء فكره الديني ومعالجته للقضايا السياسية الكبرى عن غيره من المفكرين الإسلاميين في مجال الإسلام السياسي.
تُعدّ أسس الإسلام السياسي أهم وثيقة للتوحيد في السياسة والحكم، حيث يُمكن للمرء أن يرى ويفحص بوضوحٍ طريقة النظر إلى الإنسان والمجتمع و السياسة والثقافة والاقتصاد والمُثُل العليا، استنادًا إلى المبادئ والأسس الدينية.
مع هذه المقدمة، تتناول هذه المذكرة التحليلية خصوصيات الإسلام السياسي في فكر قائد الثورة الإسلامية.
يُعدّ الإسلام السياسي في فكر آية الله خامنئي (حفظه الله) أيديولوجية شاملة تُعنى بجميع جوانب الحياة الإنسانية، بما في ذلك السياسة والاقتصاد والثقافة والمجتمع. وعلى عكس الإسلام التقليدي، الذي يُركّز أكثر على المسائل الفردية والدينية، يسعى الإسلام السياسي إلى إقامة نظام حكم قائم على الشريعة الإسلامية.
وبفضل قابليته الكبيرة للتفسير، يمتلك الإسلام السياسي القدرة على تقديم فهم ديمقراطي له من خلال عملية إعادة تفسير النصوص المقدسة. وعلى عكس الإسلاميين السابقين الذين كانوا متدينين بطبيعتهم، يتمتع الإسلام السياسي بطابع سياسي، ويسعى إلى القضاء على الهيمنة الغربية السياسية والاقتصادية والثقافية. ويسعى هذا النموذج، من خلال توظيف مفاهيم مثل العدالة و الحرية والوحدة والديمقراطية الدينية، إلى توفير نموذج مناسب لحكم المجتمع. ومن أهم سماته ما يلي:
أ) الانتشار: أي أنه (الإسلام السياسي) يمتلك القدرة على النمو ليس فقط في المجتمعات الإسلامية، بل يمكن أن يجد أيضًا تجسيدًا ناجحًا في دول أخرى.
ب) الاستمرارية: أي أنه (الإسلام السياسي) نشأ في تطوره خلال فترة تاريخية محددة، وساهم في تشكيل العمليات السياسية والاجتماعية؛ بينما لم تستمر الحركات الأصولية إلا لفترة وجيزة، ولم تنجح في طرح شكل نظام سياسي وتشكيل مساراته.
ج) لها دلالة مركزية، وهي أيديولوجية قوية وموحدة وأساسية لبناء نظام سياسي.
تُعدّ السيادة الشعبية الدينية من أهم ركائز الإسلام السياسي في فكر آية الله خامنئي (حفظه الله)، ويعني هذا المفهوم مشاركة الشعب في تقرير مصيره السياسي في إطار الشريعة الإسلامية. وبخلاف الديمقراطية الغربية التي تتمحور حول مصالح الرأسماليين، تتشكل الديمقراطية الدينية على أساس القيم الإلهية والعدالة الاجتماعية. ومن رموزها المشاركة الشعبية المستمرة في الانتخابات ومراقبة أداء المسؤولين، ووجود مؤسسات مستقلة مثل مجلس الشورى الإسلامي، وعلاقة وطيدة بين الشعب والمسؤولين قائمة على عنصري الثقة والمساءلة.
وللسيادة الشعبية أيضًا مبادئ تشمل:
الف) الفضيلة: نظام قائم على الأخلاق والروحانية.
ج) الجدارة: تُوكل الحكومة إلى أفراد صالحين وملتزمين.
د) الواجب: مشاركة الشعب ليست حقًا فحسب، بل واجبًا دينيًا أيضًا.
3. القومية
لا يُعارض الدين الإسلامي الوطنية والعرق والجنسية، ولكنه يتعارض مع مركزية العرق والجنسية والإثنيات. عندما تجد القومية جذورًا عرقية وتتماشى معها، فإنها تُنشئ أنظمة مثل النازية والفاشية الصهيونية. ولطالما استخدم المستعمرون سلاح القومية وإثارة المشاعر القومية، مثل القومية التركية والقومية العربية والقومية الإيرانية، لإثارة الفتنة بين الدول الإسلامية.
لذلك، لا يُثير هذا التفكير اهتمام آية الله خامنئي، ولا يتناسب مع خصوصيات إسلامه السياسي. فالإسلام لا يُلغي الأمم القائمة، بل يُعرّفها، ويُقيّم قيمها، ويُرسي نوعًا من النظام والتسلسل في التواصل. وبالنظر إلى هيمنة الإسلام السياسي في خطاب قداسة آية الله خامنئي (حفظه الله)، يُمكن فهم القومية على أنها الهوية الإسلامية الإيرانية.
إن هدف التكوين للجمهورية الإسلامية هو ترسيخ السيادة الإلهية، ويُعدّ مفهوم الأمة والحدود العقائدية أهمّ ما يميز خطاب الإسلام السياسي عن غيره من الخطابات. فالدين، كأحد مظاهر الهوية الوطنية، لا يتعارض مع الوطنية في نظرهم، بل يُعدّ من الركائز الأساسية للثقافة والهوية الوطنية، وأي عامل يُضعف هذا الأساس يكون مُتعارضًا مع الكرامة الوطنية والفخر الوطني وسعادة الأمة.
4. النظام السياسي المرغوب فيه
إن العدالة في فكر آية الله خامنئي (حفظه الله) تعني منح كل فرد حقوقه بناءً على استحقاقاته. ولا يقتصر هذا المفهوم على المجال الاقتصادي فحسب، بل يشمل جميع المجالات الاجتماعية والثقافية والسياسية. وتتحقق العدالة الاجتماعية بتقليص الفوارق الطبقية وتوفير فرص متكافئة لجميع أفراد المجتمع.
ومن مؤشرات العدالة التوزيع العادل للثروات والفرص، ومكافحة الفساد والتمييز، وضمان الأمن العام والرفاهية. والمجتمع الإسلامي هو مجتمع يكتسب فيه أفراده القدرة على التفكير، ويملكون القدرة على اتخاذ القرارات واختياراتها بأنفسهم. مجتمع يخلو من التمييز والظلم، ويرتكز على العدل.
بلغ العالم في مجتمع الإسلام المثالي، كمالاً نسبياً. ومن وجهة نظر آية الله خامنئي، يتميز المجتمع الإسلامي بالقوة، الحيوية، التحرر من الأفكار والآراء، التوجيه، العدالة، الأخلاق، التطور، التخصص، التوجه القانوني، ويعتمد على السلوك العلمي في إدارة شؤونه.
5. الوحدة الإسلامية؛ ضرورة العالم الإسلامي
يدعو آية الله خامنئي (حفظه الله) الجميع إلى التكاتف حول القواسم المشتركة، آخذين في الاعتبار حقيقة تعدد المذاهب والفرق الإسلامية. ومن مشاكل العالم الإسلامي التي استغلتها الأنظمة المهيمنة، وخاصةً الولايات المتحدة، وتسببت في صراعات عديدة في الدول الإسلامية، مسألة عدم التقارب بين المذاهب الإسلامية.
لذلك، يُعدّ التوحيد من أهم العوامل في مفهوم الإسلام السياسي، وهو ما يُؤكد عليه دائمًا في تصريحاته. ومن أهم آيات القرآن الكريم التي يُعتمد عليها، والتي يُحيي بها مبدأ الوحدة ويُبرزها، الآية الكريمة: ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ﴾.
لذلك، يجب اعتبار هذا العامل من أهم القواسم المشتركة، ألا وهو الأوامر الإلهية. القرآن الكريم وسنة النبي (ص)، والعدو المشترك (الاستكبار العالمي)، قضية تحرير القدس، ونصرة المظلومين، من بين عوامل التوحيد.
يمكن اعتبار مجموعة هموم وتأملات آية الله خامنئي (حفظه الله) بعد بدء نشاطه السياسي خطابًا تبلور استجابةً للوضع الراهن في البلاد وما طرأت عليه من تطورات وقضايا وشكوك. وستحافظ الحلول والمقترحات المقدمة على جوهر الإسلام السياسي وكينونته وهويته، وتضمن استمراره. ويُعدّ إعطاء معنى للمفاهيم البنّاءة ذات الطابع الخطابي أحد محاور اهتمام آية الله خامنئي.
فعندما تُعطي الحركات السياسية معنى لكلمة ما لأغراضها الخاصة، يبرز آية الله خامنئي ويحاول تغيير التشوهات لصالح الإسلام السياسي. على سبيل المثال، وخلافا للتشوهات المتعلقة بكلمة "الإصلاحات"، التي يُفسّرها البعض على أنها تعني ما يريده الناس، يُفسّر آية الله خامنئي الإصلاحات على أنها سبل مكافحة الفقر والفساد والتمييز.
وبتعريفٍ مُبسّطٍ للنموذج المفاهيمي للإسلام السياسي من وجهة نظر آية الله خامنئي (حفظه الله)، يُمكن القول إنّ الإسلام السياسي، من وجهة نظره، هو منظومةٌ من المعاني والمفاهيم ذات تماسكٍ داخليّ، تُستخدم لفهم القضايا الراهنة، ويُنظر إليها من منظورين:
أ)
يسعى الخطاب إلى قضيةٍ مُهيمنة، وفي هذه الحالة، تُحدّد الأشكال المُهيمنة المعنى والسلوك. وفي ظلّ التفوق الخطابي، يلعب البشر أدوارًا في مواقف مُختلفة. ويُمكن الاستنتاج أنّه عندما تُصبح قضيةٌ خطابًا، يُمكنها شرح منطقها لمختلف الفاعلين والفاعلين الاجتماعيين، وفي هذه الحالة، تُصبح القضية الخطابية قضيةً عامة، وقد أسّس الإسلام السياسي هذه المهمة الخاصة في المجتمعات الإسلامية.
ب) الهوية:
يسعى الخطاب البنّاء إلى منح هويةٍ للفاعلين واللاعبين في النظام من خلال خلق الاختلاف. وهذا التماهي منطقيٌّ في المواجهة أو التفاعل مع الهويات الأخرى، لأنّ الخطابات حرّةٌ وليست لها هويةٌ ثابتة. وبمعنى آخر، يتناول الموضوع الخطابي، من خلال إبراز الآخر، تحديد المجموعات وتكاملها، كما يحد من ظهور الخطابات المتنافسة ويرفضها.
على عكس خطابات الديمقراطية الليبرالية والاشتراكية، يُبرز الإسلام السياسي نقاط أهميته ونقاط قوته، وبينما يُظهر عيوب الخطابات المتنافسة، يسعى إلى رفض الخطابات الأخرى والهيمنة على خطابه.
في نهاية المطاف، لا بد من القول إن الإسلام السياسي في فكر آية الله خامنئي (حفظه الله) خطاب حيّ وديناميكي يسعى إلى بناء مجتمع قائم على القيم الإسلامية. ويرى أن السيادة الشعبية الدينية، ولاية الفقيه، مناهضة الاستكبار، العدالة الاجتماعية، والوحدة الإسلامية من أهم ركائز الإسلام السياسي لدى سماحته، ويمكن أن يكون هذا الفكر ذا معنى وإلهام ليس فقط لإيران، بل للعالم الإسلامي أجمع. وقد أثبتت تجربة الجمهورية الإسلامية الإيرانية أن الإسلام السياسي قادر على التكيف مع متطلبات العالم المعاصر، مع الحفاظ على المبادئ الدينية وتقديم نموذج مناسب للحكم الإسلامي.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


اذاعة طهران العربية
منذ 2 ساعات
- اذاعة طهران العربية
نهج الإمام الخميني (رض) في مواجهة الاستكبار العالمي
في تاريخ إيران المعاصر، يرتبط اسم الإمام الخميني (رض) بمفاهيم الاستقلال ومقاومة الهيمنة والاستكبار العالمي. يُعتبر فكر وسلوك مؤسس الجمهورية الإسلامية مدرسة فكرية - سياسية مستقلة وديناميكية، قدمت رداً حاسماً على أي شكل من أشكال الهيمنة، سواء كانت سياسية أو عسكرية أو فكرية وثقافية. وتستمر هذه المدرسة اليوم في صمودها تحت توجيه قائد الثورة الاسلامية آية الله السيد علي الخامنئي. منذ بداية نهضته، رسم الإمام الخميني (رض) خطاً فاصلاً بين الحق والباطل، معتبراً واجهة الاستكبار رمزاً للظلم، ولم يقتصر مفهوم الاستكبار لديه على العدوان العسكري أو الهيمنة الاقتصادية، بل شمل أيضاً الهيمنة الفكرية وفرض نمط الحياة الغربي. وفي مواجهة هذا النوع من الهيمنة، اعتمد الإمام على الأصالة الإسلامية وكرامة المسلمين، مستلهماً تعاليم القرآن الكريم، وداعياً المسلمين إلى الثبات والثقة بالنفس. قاد الإمام الخميني (رض) البلاد في مواجهة تجاوزات النظام البهلوي والهيمنة الأمريكية، معززاً روح المقاومة في الأمة الإيرانية. مارس الجهاد الأصغر (محاربة العدو الخارجي) والجهاد الأكبر (محاربة الأنا وتربية الإنسان الصامد) في آنٍ واحد، مما حول الأمة الإيرانية إلى أمة صامدة ويقظة. مواجهة الهيمنة الفكرية والحضارية للغرب من أبرز جوانب فكر الإمام الخميني (رض) هو مكافحة الهيمنة الفكرية الناعمة للغرب، في وقت تأثرت فيه العديد من النخب والحركات الفكرية في العالم الإسلامي بالحداثة الغربية، أكد الإمام على العودة إلى الهوية الإسلامية والاجتهاد الحديث. لم يستسلم الإمام للانصهار الفكري بين الإسلام والتعاليم الليبرالية أو الاشتراكية، بل قدم نموذج ولاية الفقيه، مما أضفى تناغماً بين الجمهورية والإسلام. هذا الابتكار قدم نموذجاً فريداً في مواجهة النماذج الغربية، حيث طرح نظاماً فكرياً حضارياً بديلاً لا يزال يُلهم حركات المقاومة في المنطقة والعالم الإسلامي. استمرار نهج الإمام في قيادة آية الله الخامنئي بصفته خريجاً وتلميذاً بارزاً في مدرسة الإمام الخميني (رض)، واصل آية الله الخامنئي النهج المناهض للاستكبار في المجالات النظرية والثقافية والعملية. رفع راية المقاومة من خلال التأكيد على الاستقلال السياسي والثقافي والاقتصادي، خاصة في مواجهة نفوذ الولايات المتحدة والكيان الصهيوني. أكد قائد الثورة الاسلامية في تصريحات عديدة أن التراجع أمام تجاوزات الأعداء لا يجلب الأمن، بل يؤدي إلى مزيد من الغطرسة. لذا، فإن السبيل الوحيد لمواجهة الاستكبار هو الوقوف بذكاء وإيمان. أسس الإمام الخميني (رض) مدرسة مناهضة للاستكبار، متمحورة حول الشعب، لا تزال قائمة اليوم بقيادة آية الله الخامنئي. هذه المدرسة، المستندة إلى التعاليم الإسلامية والعقلانية السياسية، صمدت وستصمد في وجه أي تجاوزات من جانب الأعداء. في عالمٍ مُعرَّض لضغوط النظام المُهيمن، فإن إعادة قراءة فكر الإمام الخميني وتعزيزه هو ضرورة استراتيجية للحفاظ على الهوية الوطنية الإيرانية واستقلالها، ونموذج شامل لنهضة الأمم. وكما قال قائد الثورة الاسلامية: " الإمام الخميني حقيقةٌ خالدة"، وستظل هذه الحقيقة مُلهمةً لمسيرة الثورة الإسلامية القادمة.


ساحة التحرير
منذ 4 ساعات
- ساحة التحرير
بريطانيا تعيد قراءة المشهد: صنعاء قوة أمر واقع!مريم السبلاني
بريطانيا تعيد قراءة المشهد: صنعاء قوة أمر واقع! مريم السبلاني بعد أشهر من الحديث عن احتمالية هجوم بري مدعوم دولياً لابعاد حركة أنصار الله عن الساحل الغربي لليمن، وصلت هذه المراهنات إلى نقطة مسدودة، مع غياب الركائز الأساسية لها، تعود معادلات القوة في البحر الأحمر لترسخ واقع استراتيجي جديد، مع بروز فاعل من خارج النسق التقليدي للنفوذ. فعلى الرغم من تصنيف الحركة من جديد، كمظمة 'ارهابية'، تجد الأطراف الكبرى نفسها مضطرة لفتح قنوات التواصل وعقد الاتفاقيات لتأمين ما عجزت واشنطن عن تأمينه، كبريطانيا مثلاً. لم يكن تصريح عضو المجلس السياسي الأعلى، محمد علي الحوثي، بشأن السماح بمرور حاملة الطائرات البريطانية 'HMS' عبر البحر الأحمر، حدثاً عابراً. فالرسالة تتجاوز شكلها العسكري البحري، لتصل إلى عمق معادلات الشرعية والاعتراف. قوات صنعاء لم تُشرع مرور القطعة البريطانية عبر مشاورات مع لندن أو واشنطن أو حتى عبر مظلة خليجية، بل بوصفها القوة التي تمسك فعلياً بمفاتيح الأمن في البحر الأحمر، وهي التي تقرر مَن يعبر ومتى، وفق رؤيتها للصراع الأوسع المرتبط بغزة. في تغريدته على منصة اكس، شدّد الحوثي على أن السماح بالعبور مرهون بعدم القيام بأي نشاط عدائي، وبضمان ألا يشكل هذا المرور تهديداً مباشراً للعمليات العسكرية اليمنية المساندة لغزة. وهذا في ذاته يكرّس وضعاً لم يكن وارداً في الحسابات الغربية: الاعتراف الضمني بصنعاء كقوة أمر واقع ذات نفوذ بحري ممتد، وقادرة على فرض شروطها في المياه الدولية. بتعبير آخر، لم تعد صنعاء تلك 'الميليشيا المعزولة' كما وُصفت لعقود، بل أصبحت نقطة اتصال إلزامية لأي تحرك عسكري في الممرات الحيوية للنفط والتجارة. والمفارقة أن الإدارة الأميركية، التي أعادت تصنيف أنصار الله كـ'منظمة إرهابية'، تجد نفسها اليوم مجبرة على التعامل معها كقوة تمتلك من القدرات والشرعية الميدانية ما يجعل تجاهلها مستحيلاً. منذ أيار/مايو الماضي، نفذت صنعاء 22 عملية عسكرية ضد كيان الاحتلال، واصفة هذا الشهر بأنه 'الأكثر إيلاماً' لتل أبيب. وهذه العمليات لم تقتصر على الطابع الرمزي، بل أثبتت قدرتها على فرض تحدٍّ عملياتي فعلي، ما دفع بعض الدوائر العسكرية الإسرائيلية إلى الاعتراف بخطورة 'الجبهة البحرية' الجديدة. وهنا تكمن أهمية ما نقلته صحيفة 'هآرتس' العبرية عن عدد من الخبراء الغربيين والإسرائيليين. تشير الباحثة البريطانية إليزابيث كيندال، رئيسة كلية جيرتون في جامعة كامبريدج، إلى أن صنعاء تمتلك ثلاث مزايا استراتيجية: الجغرافيا، والخبرة، والعقيدة. فالمعاقل الجبلية شمال البلاد، وخاصة في صعدة، تمنح قادة أنصار الله غطاءاً طبيعياً ومزايا استخباراتية هائلة. وبحسب كيندال، فإنهم راكموا خبرة قتالية على مدى أكثر من عقدين، صمدوا خلالها أمام واحدة من أشرس الحملات الجوية بقيادة السعودية، وتجاوزوا تكتيكات الإنهاء السريع للصراعات. اللافت أكثر في تحليل كيندال، هو إشارتها إلى أن قوات صنعاء 'متسامحة للغاية مع الخسائر'، وتملك ما تفتقر إليه غالبية الجيوش النظامية: نفسٌ طويل، وعقيدة قتالية مبنية على الإيمان بجدوى المعركة. هذا البعد العقائدي تبني عليه الباحثة نبال نسيم لوفتون، من مركز موشيه ديان وجامعة تل أبيب، مشيرة إلى أن أنصار الله 'يستمدون شرعيتهم من جذور زيدية دينية ـ سياسية، تؤمن بعدالة القتال ضد الظلم، سواء جاء من أنظمة محلية فاسدة أو من قوى استعمارية'. التحليل المشترك للباحثتين يُبرز فشل التكتيك الإسرائيلي التقليدي في التعامل مع هذا النوع من التنظيمات. فالاغتيالات المستهدفة، رغم كونها حجر الزاوية في العقيدة الأمنية لكيان الاحتلال، تبدو غير ذات جدوى في اليمن. فالجغرافيا تُعقّد من تنفيذ العمليات الخاصة، والهيكل التنظيمي اللامركزي لأنصار الله يُقلّل من فعالية استهداف القيادات الفردية. ما يجري اليوم ليس مجرد مناورة بحرية أو تصعيد عابر. هو تطور استراتيجي يفرض نفسه على كل النقاشات حول اليوم التالي لوقف الحرب على غزة. فحين تُعاد هندسة المنطقة، سيكون من الصعب تجاهل القوة الجديدة التي ظهرت من البحر الأحمر، وفرضت شروطها على لندن وواشنطن وتل أبيب، وأجبرت الجميع على التعامل معها. بالتالي، فإن تجاهل صنعاء في أي مشروع لإعادة رسم المعادلات الإقليمية سيُعدّ خللاً بنيوياً في الفهم الغربي لتوازنات القوة. تغيّرت قواعد اللعبة، ومن لم يقرأ خريطة النفوذ الجديدة، قد يجد نفسه يعيد ارتكاب أخطاء أفغانستان والعراق، ولكن هذه المرة من البحر. 2025-06-03 The post بريطانيا تعيد قراءة المشهد: صنعاء قوة أمر واقع!مريم السبلاني first appeared on ساحة التحرير.


ساحة التحرير
منذ 4 ساعات
- ساحة التحرير
أستراتيجية مقاطعة الأنتخابات العراقية، لا مبالاة ام دعوة لتقديم البديل!غيث العبيدي
أستراتيجية مقاطعة الأنتخابات العراقية، لا مبالاة ام دعوة لتقديم البديل!!؟ غيث العبيدي * يسعى المقاطعين للأنتخابات العراقية القادمة، المزمع أجرائها في أكتوبر القادم من هذا العام، من بعض التيارات والشخصيات والجماهير المنضوية تحت مظلتهم، لإيصال عدة رسائل بأستخدامات متعددة، الى المجتمع الدولي والرأي العام العالمي، ومن أهمها.. التحول من مقاطعة إصلاح لمقاطعة مطالب. بمعنى أن المقاطعة الحالية غير مرتبطة بغلة الخدمات، وفي جوهرها الحالي تدعو إلى التحول من مقاطعة أصلاحية، لمقاطعة أيدولوجية، رافضه للعملية السياسية الحاليه، وناقمه عليها، وتطالب بتغيير الوجه المرئي وغير المرئي للنظام السياسي الحالي «الأحزاب والقادة والمشروع السياسي» لأنه نظام تبعي 'من وجهة نظر المقاطعين' أستطاع توفير الظروف المناسبة لحماية نفسه بنفسه. تدويل الحركة التشرينية. الجهات المقاطعة فعلاً للأنتخابات النيابية بهذه الدورة أو بالدورة الإنتخابية السابقة، ولربما في الدورات اللاحقة، أن أستمر الوضع كما هو عليه الأن، أما منبثقة من الأحتجاجات التشرينية، أو مرتبطه بها أرتباط مباشر، على أعتبار أن المحتجين يمثلون 'القاعدة الشعبية الأكبر في العراق' وإن كانوا في سبات إجتماعي حالياً، ومتراجعين عن المشاركة النشطه في الفعاليات الجماهيرية ضد الأحزاب السياسية الحالية، فإنهم لن يكونوا كذلك فيما يخص الإنتخابات، فالجؤوا إلى المقاطعة كأجراء أستباقي، للتحقيق بشرعية النظام السياسي، والبدأ برصد حالة الإنتخابات في العراق، والا ستكون المقاطعة 'قاعدة عامة' في جميع المواسم الإنتخابية القادمة، حتى تقويض شرعية النظام والنخب والأحزاب، أمام المجتمع الدولى والرأي العام العالمي. توحيد المعارضة على المقاومة السياسية. في مثل الحالة العراقية، حملت المقاطعة عناوين وطنية براقة، فاقع لونها تسر الناظرين، وتأسر السامعين، وتتمتع بالشعبية والقبول بين منظمات المجتمع المدني في داخل وخارج العراق، وتمتلك هدف سياسي ضمن نطاق محلي ومناطقي، وبدعم عربي، تحديداً من الرافضين للنظام السياسي الحالي، لإيمانهم بأن النظام قد يتغير حتى وإن كان لا زال يعمل، الا أنه سينخفض بالمعدل العام شيئاً فشيئا، حتى بلوغ مرحلة 'البيان الواحد' يكفي لتغييره، بالمقاطعة الناعمة أو بالصدام الصلب. المقاطعة أداة لتنامي القيمة وتقديم البديل. تكرار المقاطعة يكسب الملوحين بها، الدعم الدولي والتأييد الشعبي، وتجذب أهتمام نوعية معينة من الجماهير أليهم، لكونهم أعتبروا هذا النظام، تبعي ومثير للجدل وفاقد للشرعية، ولا يمثل الأغلبية السكانية في البلاد، ومن المعيب المشاركه فيه، وأنهم 'أي المقاطعون' يقدمون أنفسهم على أنهم «بدائل سياسية لا غنى عنها» يستطيعون تنظيم حكومة عادلة وغير هجينة، وينتظرون فقط الالية المناسبة، وتغير الظروف التي ينعم بها هذا النظام، فالمقاطعة ياسادة ليست مجرد مقاطعة صناديق الاقتراع. وبكيف الله. ممثل مركز تبيين للتخطيط والدراسات الاستراتيجية في البصرة.2025-06-03 The post أستراتيجية مقاطعة الأنتخابات العراقية، لا مبالاة ام دعوة لتقديم البديل!غيث العبيدي first appeared on ساحة التحرير.