
ماذا يخبرنا 'المسنّون الخارقون' عن الشيخوخة الصحية؟
يقول الدكتور إريك توبول، البالغ من العمر 71 عاما (في الصورة): "يجب علينا جميعا أن نمارس المزيد من النشاط البدني"
عندما التقى طبيب القلب الدكتور، إريك توبول، بالسيدة "إل. آر" البالغة من العمر 98 عاما، لأول مرة لحضور موعد طبي، لفت انتباهه أمر ما.
لقد لاحظ أنه لا يوجد برفقتها أحد من أقاربها، فسألها كيف سافرت للوصول إلى المركز الطبي. قال لبي بي سي: "لقد قادت سيارتها بنفسها... سرعان ما تعلمت الكثير عن هذه السيدة النابضة بالحياة والصحة بشكلٍ استثنائي، والتي تعيش بمفردها، ولديها شبكة اجتماعية واسعة، لكنها تستمتع بعزلتها". الدكتور توبول، مؤسس ومدير معهد سكريبس للأبحاث التطبيقية -مركز أبحاث طبية معروف في الولايات المتحدة- بنى مسيرة مهنية حافلة كعالم ومؤلف. يبحث أحدث أعماله في الأسباب العلمية، التي تقف وراء عيش بعضنا حياة أطول وأكثر صحة من غيرهم. يحذر الدكتور توبول من تصديق الخرافات والعلوم الزائفة، مثل "مكملات مكافحة الشيخوخة التي لا توجد عنها أي بيانات، والإجراءات والعلاجات التي تُباع دون أي أساس علمي". يقول: "ربما نمتلك يوما ما حبة سحرية (لمساعدتنا على التقدم في السن بشكل صحي)، لكننا لا نملكها حتى الآن. بل إنها حتى بعيدة المنال".
فما هي إذا الأسرار المدعومة علميا للشيخوخة الصحية؟
دور الجينات الوراثية
في عام 2007، أمضى الدكتور توبول وفريقه أكثر من ست سنوات في دراسة التسلسل الجيني لنحو 1,400 شخص من الولايات المتحدة الأمريكية، كانوا في الثمانينيات من عمرهم أو أكبر، ولا يعانون من مشاكل صحية خطيرة. يقول الدكتور توبول: "من الصعب جداً العثور على هؤلاء الأشخاص: لم يسبق لهم الإصابة بأمراض خطيرة أو مزمنة، ولم يتناولوا أدوية طويلة الأمد، وتجاوزوا سن 85 عاماً". عندما درس الفريق هذه المجموعة، المعروفة باسم "المسنين الخارقين"، لم يجدوا في جيناتهم سوى القليل جداً مما يفسر تمتعهم بصحة جيدة. التقى الدكتور توبول بالسيدة "إل. آر"، البالغة من العمر 98 عاماً، بعد نشره تلك الدراسة، ورغم أنها لم تكن جزءاً من العينة التي دُرست، إلا أن قصتها مُدرجة في أحدث أعماله. ويشير إليها كمثال لشخص يعيش شيخوخة صحية وبشكل جيد، على الرغم من وجود تاريخ عائلي للوفاة المبكرة. يقول الدكتور توبول: "هؤلاء الأشخاص الذين يصلون إلى حالة شيخوخة صحية مذهلة، وصولاً إلى بلوغهم المئة عام، ليسوا نمطاً عائلياً في الغالب... ربما يكون هناك عامل وراثي، ولكنه ليس التفسير السائد". يقول الدكتور توبول إن فكرة أن الجينات قد لا تكون العامل الحاسم في الشيخوخة الصحية تُعدّ فكرة مُحرِرة (من القيود وأنماط التفكير السلبية)، بالنسبة لمن لديهم تاريخ عائلي من الوفاة المبكرة والأمراض المزمنة.
الالتهاب المرتبط بالشيخوخة
Getty Images
يمكن أن يؤدي الالتهاب المزمن إلى أمراض مرتبطة بالشيخوخة، بما في ذلك الزهايمر وأمراض القلب والأوعية الدموية
دفعت نتائج الدراسة الدكتور توبول إلى وضع نظرية مفادها أن "المُعمرين الخارقين" يُعانون من مستويات أقل من الالتهاب المزمن، وهو عامل شائع في العديد من أمراض الشيخوخة. الالتهاب هو استجابة طبيعية وصحية من الجسم للأذى، مثل العدوى أو الإصابة أو السموم. ولكن عندما يصبح الالتهاب مزمناً ويُؤثر على الجسم لفترة طويلة جداً، فقد يؤدي إلى مشاكل خطيرة، بما في ذلك أمراض القلب والأوعية الدموية وأمراض الأعصاب، كما يقول البروفيسور ديفيد جيمس، مدير الأبحاث في معهد الشيخوخة الصحية (IHA) ومقره في كلية لندن الجامعية. وتُعرف طبياً، حسب البروفيسور جيمس، باسم "الالتهاب المرتبط بالشيخوخة"، موضحا أن "مشكلة الالتهاب المزمن هي أنه يشبه إلى حد ما عُمّال البناء الذين يرفضون المغادرة، ويصبح وجودهم الدائم عبئا كبيرا". تقول إحدى النظريات إن أسلوب حياتنا الحديث هو الذي يُسبب هذا الالتهاب، بسبب عدم التوافق بين كيفية تطور أجسامنا وطريقة معيشتنا الحالية. يقول جيمس: "أجسامنا مُصممة حقاً لعالم يعاني من ندرة الغذاء... إنها ليست مُصممة على الإطلاق لتناول فائض من الطعام طوال الوقت، وخاصة الأطعمة المصنعة والغنية بالدهون". يوضح البروفيسور جيمس أن السمنة تعدُ من أبرز العوامل التي تساهم في أمراض مثل السكري والخرف وأمراض القلب من خلال تعزيز الالتهاب.
كيف يُمكنك تقليل الالتهاب؟
Getty Images
اتباع نظام غذائي متوازن غني بالفواكه والخضروات هو أحد العوامل الأساسية لشيخوخة صحية
تعكس معظم توصيات الدكتور توبول إرشادات الحياة الصحية، التي غالباً ما نُشجع على اتباعها، حيث يوصي باتباع نظام غذائي نباتي أو شبيه بالنظام الغذائي المتوسطي (غذاء قاطني منطقة البحر الأبيض المتوسط)، والذي يتضمن الكثير من الفواكه والخضراوات. كما يشدد أنَّ الحصول على نوم كافٍ وجيد أمرٌ ضروري أيضا، قائلا: "في كل ليلة، لدينا هذه الفضلات في دماغنا، وهي نواتج أيضية، وهي سامةٌ جدا وتحفّز الالتهاب، ونحتاج إلى التخلص منها عبر ما يُسمى بالقناة الغليمفاوية، التي اكتُشفت في السنوات الأخيرة". اكتُشفت القناة الغليمفاوية عام 2012، وتعمل كنظامٍ لتصفية الفضلات في الدماغ، حيث تنقل هذه الفضلات عبر شبكةٍ من الأنفاق. وقد أظهرت دراساتٌ لاحقةٌ أن هذا النظام يكون أكثر نشاطًا أثناء النوم. يقول: "اتضح أنه إذا لم نحصل على قسط كافٍ من النوم العميق... فإننا لا نُصفّي هذه الفضلات، ما يُتيح لها فرصة لإحداث التهاب في أدمغتنا. لذلك، علينا تحسين نومنا العميق للوقاية من الأمراض العصبية التنكسية (أي التدهور التدريجي للخلايا العصبية)". ويوصي الدكتور إريك توبول أيضاً بممارسة قدر كافٍ من التمارين الرياضية. ويقول لبي بي سي: "لو كان (هذا) دواءً، لكان أكبر دواءٍ ثوري لدينا". ويضيف أن المشي السريع أو ركوب الدراجات من الأمثلة الرائعة على التمارين الهوائية، ولكن ينبغي على الناس أيضاً التفكير في أشكال أخرى من اللياقة البدنية، بما في ذلك تمارين القوة والتوازن. يقول: "ليس بالضرورة أن تكون التمارين مُفرطة أو قاسية، فحتى الأنشطة الخفيفة المُستمرة مُفيدة".
Getty Images
الحفاظ على التفاعلات الاجتماعية له آثار مفيدة مع تقدمنا في السن
كما ارتبط التفاعل الاجتماعي وتجنب العزلة بانخفاض خطر الإصابة بالخرف، على الرغم من اختلاف العلماء حول مدى ذلك. قدّرت لجنة لانسيت لعام 2020 أن القضاء على العزلة الاجتماعية سيقلل من انتشار الخرف، بنسبة 4 في المئة عالمياً. أجرت جامعة سيدني دراسة أخرى، حللت نتائج 13 دراسة دولية من مناطق تشمل أستراليا وأمريكا الشمالية وعدة دول في أوروبا وأمريكا الجنوبية وآسيا وأفريقيا، وبحثت بدقة في أنواع التفاعل الاجتماعي الأكثر تأثيراً. يقول الدكتور سوراج سامتاني، أحد مؤلفي دراسة جامعة سيدني: "وجدنا أن التفاعلات المتكررة -شهرياً أو أسبوعياً- مع العائلة والأصدقاء، والتحدث مع شخص ما، تقلل من خطر الإصابة بالخرف. كما وجدنا أن العيش مع الآخرين وممارسة الأنشطة المجتمعية يقلل من خطر الوفاة". يُعتقد أن التواصل الاجتماعي يساعد على تعزيز القدرة على مواجهة آثار مرض الزهايمر في الدماغ -المعروف باسم الاحتياطي المعرفي-. كما يمكن أن يساعد في تعزيز السلوكيات الصحية مثل ممارسة الرياضة، وتقليل التوتر والالتهابات، وفقاً لجمعية الزهايمر في بريطانيا. يقول الدكتور توبول إن السيدة "إل. آر" هي النموذج الأمثل، "إنها تتمتع بشخصية مشرقة للغاية، وهو ما يتوافق أيضاً مع كثرة التفاعلات الاجتماعية. ولديها أيضاً العديد من الهوايات، فهي رسامة زيتية، وقد فازت بجوائز". ويضيف: "هذا ما يجب أن نطمح إليه؛ شيخوخة صحية".
"تغيير جذري"
ويتوقع الدكتور توبول أيضاً أن يساعد الذكاء الاصطناعي الأطباء على معالجة كميات هائلة من البيانات، للتنبؤ بالأمراض المرتبطة بالعمر والوقاية منها في المستقبل، بما في ذلك التنبؤ بالعمر الذي يُحتمل أن يُصاب فيه الشخص بتلك الأمراض، والتدخل بإجراء تغييرات في نمط الحياة مُبكراً. ويقول: "نحن نتحدث عن منع حدوث المرض من الأساس، وليس فقط منع النوبة القلبية الثانية بعد الإصابة بالأولى". وبينما يصف الدكتور توبول هذا النوع من تحليل المخاطر بأنه "تغيير جذري"، يتوخى البروفيسور جيمس الحذر بشأن مدى واقعية مطالبة الناس بإجراء تغييرات جوهرية في حياتهم، حتى مع توافر مثل هذه المعلومات لهم. ويضيف: "يمكنك أن تقول: انظر، لماذا لا يتناول الجميع الطعام الصحي؟ كما تعلم، يجب اتباع نظام غذائي سليم، وتناول طعام صحي، والذهاب إلى النادي الرياضي، والركض، وما إلى ذلك. لكن معظم الناس لا يملكون الوقت الكافي للقيام بذلك". ويختتم قائلا: "لا أعتقد أننا قريبون من أيّ حلٍ سحري وشيك".
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الأيام
منذ 5 ساعات
- الأيام
كيف تحوّل مشاعر القلق والتوتر إلى طاقة إيجابية تستفيد منها؟
Getty Images "أكاد أكون خبيرة في الشعور بالقلق" بهذه العبارة تصف كيت سويني، الباحثة في علم النفس، علاقتها الطويلة مع القلق. فمنذ سنوات، يلازمها هذا الشعور المرتبط بما لا تستطيع السيطرة عليه. ورغم أن القلق المزمن، حتى وإن كان خفيفاً، يترك أثراً سلبياً على صاحبه، فإن ما يميّز كيت سويني هو أنها حولت معاناتها إلى دافع مهني، فقد دفعتها تجربتها الشخصية مع القلق إلى اختيار مسارها العلمي، فقررت أن تتخصّص في علم النفس، وتحديداً في دراسة أسباب القلق والتوتر، وتعمل أستاذة في جامعة كاليفورنيا – ريفرسايد. تقول سويني: "لا يستغل الجميع حياتهم وما يدور فيها كوقود لأبحاثهم"، وقد استعانت بالفعل بتجاربها الشخصية لتكون نقطة انطلاق لأبحاثها النفسية، التي كشفت بعض نتائجها عن مفارقات لافتة. ومن بين هذه النتائج أن القلق – في بعض الحالات – يمكن أن يكون مفيداً، فهو قد يساعد الإنسان أثناء مروره بمواقف متوترة، كانتظار نتائج اختبار مهم، أو اتخاذ خطوات لحماية صحته. أنواع مختلفة للقلق وتباينت تعريفات العلماء لمفهوم القلق، بين من وصفوه بعبارات محايدة، وآخرين استخدموا مصطلحات تنطوي على دلالات سلبية، فقد لجأ بعض علماء النفس، خصوصاً المتخصصين في دراسة الظواهر المرتبطة بالتغير المناخي، إلى تقديم تعريف محايد للقلق باعتباره "حالة شعورية تحفّز الفرد على اتخاذ سلوكيات تهدف إلى تقليل التهديد"، وفضّل آخرون تعريفه بطريقة أكثر سلبية، على أنه "تجربة شعورية تنطوي على أفكار مزعجة ومستمرة بشأن المستقبل". ويكمن الفارق الجوهري بين القلق والتخوّف العام، في أن الأخير يرتبط بتجربة عاطفية تحفّز الفرد على التغيير، بينما قد يتحول القلق إلى عبء داخلي دائم يصعب التخلص منه. ورغم أن للقلق أضراراً معروفة، إلا أن بعض الباحثين يشيرون إلى أنه قد يكون محدود الانتشار داخل النفس؛ أي أن الشعور بالقلق تجاه أمر معين قد يخفف من احتمالية القلق حيال أمور أخرى. لكن عندما يبلغ القلق مستويات مرتفعة، فإنه غالباً ما يرتبط بتدهور الصحة الجسدية والنفسية، نتيجة أسباب متنوّعة تبدأ من اضطرابات النوم، ولا تنتهي بالخوف المفرط من الخضوع لفحوص طبية، مثل تلك التي تكشف عن أمراض خطيرة كالسرطان. ويزداد الأمر تعقيداً إذا كان القلق حاداً، وعشوائياً، ومتكرراً، ويصعب السيطرة عليه، وهي الخصائص التي تميّز ما يُعرف بـ "اضطراب القلق العام". ويقول إدوارد وتكينز، أستاذ علم النفس السريري في جامعة إكستر البريطانية: "من المرجّح أن يكون القلق المنتشر والمرتبط بمصادر متعددة أكثر إشكالية وأقل فائدة من القلق المركّز على مشكلة واضحة ومحددة". Getty Images ارتبط الشعور بنوع من "القلق البنّاء" بشأن حرائق الغابات في استراليا، باتخاذ إجراءات عملية من شأنها، التحضير الجيد للتعامل مع هذه الحرائق عند اندلاعها فعلى سبيل المثال، أظهرت دراسات أُجريت في الولايات الأسترالية المعرضة لحرائق الغابات، أن الشعور بما يمكن وصفه بـ"القلق البنّاء" ارتبط بتحضيرات أفضل لمواجهة هذه الكوارث، كما تبيّن أن هذا النوع من القلق يسهم أيضاً في تحسين الأداء الأكاديمي، وزيادة فرص الإقلاع عن التدخين. وفي سياق آخر، كشفت دراسة أن الشعور بالقلق إزاء التغير المناخي كان أقوى مؤشر على دعم الأفراد للسياسات البيئية، وهذا ما دفع بعض الباحثين إلى اقتراح أن إثارة القلق - بدلاً من إثارة الخوف - قد يكون أكثر فاعلية في تحفيز الناس على دعم قضايا البيئة، إذ إنّ القلق يركّز على ما قد يحدث مستقبلاً، لا على اجترار ما فات، ويجعل الفرد أكثر استعداداً للتعامل مع الواقع. ويشرح إدوارد وتكينز، الباحث في اضطرابات الحالة المزاجية، ثلاث آليات رئيسية يمكن للقلق أن يُحدث تأثيره من خلالها: الدافع: القلق يدفع الشخص إلى التفكير في أسباب المشكلة، ويزيد من احتمالية اتخاذه خطوة فعلية لمواجهتها التذكير: الإحساس بالخوف أو عدم اليقين يلحّ على الذهن، ويذكّر صاحبه بالحاجة إلى الفعل التحضير: القلق يحفّز سلوكيات مثل التخطيط، وحل المشكلات، واتخاذ احتياطات مسبقة وتقول كيت سويني إن للقلق وظيفة واضحة، تماماً مثل أي شعور إنساني آخر، فهو بمثابة إشارة تنبّهنا إلى ما قد يكون في طريقه إلينا، وتحثّنا على التحرّك لمنع وقوعه، أو الاستعداد لمواجهته. وقد أكدت الدراسات المتعلقة بوباء كورونا في مراحله الأولى هذه الفكرة، ففي دراسة شملت سكان 10 دول، تبيّن أن القلق شكّل المكوّن العاطفي الأبرز في إدراك خطر الفيروس. وقد استخدم الباحثون مؤشرات من بينها مستوى القلق لدى الأفراد، ووجدوا علاقة قوية بين هذا القلق واتباع سلوكيات وقائية، مثل غسل اليدين، وارتداء الكمامات، والالتزام بالتباعد الاجتماعي. كيف تشعر بـ "القلق بشكل أفضل" إن القلق البنّاء يكون أسهل توجيهاً حين يكون الحدث مؤطراً زمنياً، كما في حالة الانتخابات الرئاسية الأمريكية، على سبيل المثال، وبالنسبة لكيت سويني، كان اقتراع عام 2016 من بين أبرز الأحداث التي غذّت مخاوفها السياسية. لكن كيت وجدت لاحقاً طريقة لتوظيف هذا القلق بصورة إيجابية؛ فعندما حلّت انتخابات التجديد النصفي في 2018، كتبت أكثر من 50 بطاقة بريدية، دعت فيها الناخبين إلى المشاركة في التصويت، محاولة بذلك تحويل القلق إلى فعل ملموس. Getty Images أظهرت إحدى الدراسات أن المؤشر الأقوى الذي كان يفيد بأن شخصاً ما يدعم السياسات الرامية لمواجهة ظاهرة التغير المناخي أم لا، تمثل في ما إذا كان يشعر بالقلق حيال هذه الظاهرة من عدمه وأجرت كيت سويني دراسة تناولت سبل الحفاظ على السلامة الذهنية وراحة البال خلال فترات الانتظار القلِقة، لا سيما عند ترقّب نتائج قد تكون سلبية. وركّزت الدراسة على مرحلة انتظار نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية، لتبيّن كيف يمكن للقلق أن يؤثر في سلوك الإنسان خلال هذه الفترات. وأشارت سويني إلى أن الشخص يستطيع الحدّ من الآثار السلبية للقلق من خلال تبنّي موقف إيجابي قبل يوم الاقتراع وأثناءه، بشرط أن يُهيّئ نفسه في الوقت ذاته لاحتمال وقوع أسوأ السيناريوهات. وقالت إنها، على المستوى الشخصي، استطاعت أن "تمنح القلق وظيفة" حتى لحظة إعلان النتائج. وبطبيعة الحال، يشعر كثيرون بالقلق في مواجهة قوى خارجة عن سيطرتهم، لكن إدراك أن القلق لا يؤدي وظيفة مفيدة في بعض المواقف قد يساعد على التخفيف من حدّته. وتستعرض سويني في هذا السياق استراتيجية من ثلاث خطوات، يمكن من خلالها تحويل القلق إلى سلوك عملي: 1- حدّد طبيعة القلق الذي يراودك 2- فكّر في الخطوات التي يمكنك اتخاذها لمواجهة المشكلة 3- إذا كنت قد فعلت ما بوسعك، فحاول أن تنغمس في إحدى الحالات الذهنية التي تقلّل التوتر، مثل "اليقظة الذهنية" أو "التدفق" وهي حالة ذهنية يشعر فيها الإنسان بانسجامٍ تام مع ما يفعله، فيفقد الإحساس بالوقت، ويكون تركيزه كاملاً في المهمة التي بين يديه، دون قلق أو تشتيت وتوضح سويني أن حالة "التدفق" تعني انخراط الفرد الكامل في التعامل مع تحديات معتدلة الصعوبة، مع قدرته على تتبع تقدّمه في مواجهتها، وتُعد هذه الحالة مفيدة بشكل خاص في أوقات الضغط. ورغم أن حالة "اليقظة الذهنية" - أي التركيز الكامل على اللحظة الراهنة دون حكم أو تشتت - ترتبط غالباً بتحقيق مستويات عالية من السعادة والاستقرار النفسي والاجتماعي، فإن نتائج الدراسة التي أجرتها كيت سويني على مجموعة من المشاركين في الصين كشفت عن جانب مختلف. فقد تبيّن أن هذه الحالة اقترنت لدى أفراد العينة بزيادة الشعور بالوحدة، وتراجع السلوكيات الصحية. وتعزو سويني هذا التراجع إلى غياب "عنصر الإلهاء" الذي توفّره حالة "التدفّق"، وهي الحالة التي ينغمس فيها الشخص تماماً في نشاط يشغله ذهنياً ويصرفه عن القلق، ما يجعله يشعر بأن الوقت يمرّ بسرعة. أما "اليقظة الذهنية"، فتجعل الإنسان أكثر انتباهاً لحالة الغموض وعدم اليقين المحيطة به، ما قد يزيد من شعوره بالضغط في مواقف طويلة الأمد. وتخلص الدراسة إلى أن اليقظة الذهنية قد تكون أكثر فاعلية في مواجهة المواقف القصيرة والمركّبة التي تتطلب وعياً حاداً باللحظة، بينما يساعد "التدفّق" على التكيّف مع الأوضاع الممتدة التي لا نهاية واضحة لها في الأفق. Getty Images حاول أن تنغمس في إحدى الحالات العقلية التي تقلل التوتر، مثل "التدفق" و"اليقظة أو الوعي التام" ويقول إدوارد وتكينز، الذي عمل على تحديث قائمة النصائح الموجّهة لمن يسعون لتعزيز صحتهم النفسية خلال وباء كورونا، وأشرف على تطبيق إلكتروني أُطلق لخدمة الشباب الأوروبيين في هذا السياق، إن الدراسات أشارت إلى أن الشعور بقدر معتدل من القلق إزاء كورونا، مقروناً بفهم أهمية إجراءات التباعد الاجتماعي والإيمان بفاعليتها، يسهم في رفع مستويات الالتزام بالإرشادات الوقائية. في المقابل، القلق المفرط أو الخوف المشتت لأسباب متعددة قد يعيق قدرة الفرد على اتخاذ أي خطوات فعلية. فبدلاً من الانشغال بالسيناريوهات السلبية، وما قد يحدث بطريقة خاطئة، تنصح الدراسات بوضع خطة واضحة لكيفية تقليل المخاطر أثناء التنقل من وإلى مقر العمل. ويعلّق وتكينز على ذلك قائلاً: "التركيز على وضع خطة، يُشعر الإنسان بالقدرة على الاستعداد والتحكم. أما الاستسلام للقلق والتخيلات الكارثية، فيزيد من شعور الشخص بالعجز والهلع، ويضخّم المخاوف التي تراوده". بشكل عام، توصي الدراسات النفسية، بما في ذلك أبحاث إدوارد وتكينز وآراء باحثين آخرين، بالحفاظ على نوع من الروتين اليومي، والبقاء على تواصل منتظم مع المقرّبين للاطمئنان عليهم، إلى جانب البحث عن وسائل لتحويل القلق إلى اهتمام فعّال وتعاطف مع الآخرين. ففي فيلم الرعب "بادادوك"، يجسّد الوحش الظاهر في القصة حزناً عميقاً متجذّراً في الماضي، وعلى عكس النهايات المعتادة في أفلام الرعب، لا تحاول البطلة تدمير هذا الكائن، بل تدرك أن وجوده - رغم رعبه - يمنحها مساحة للتعبير عن حزنها وتذكّر ما فقدته، لكنها لا تسمح له بالسيطرة، لتصل معه في النهاية إلى ما يشبه "تسوية" بينهما. وبالطريقة ذاتها، ربما يكون التوصل إلى توازن مع القلق هو الهدف الأكثر واقعية بالنسبة للكثيرين منّا، هو توازن قد لا يكون مريحاً تماماً، لكنه أفضل من الإنكار أو الاستسلام الكامل.


الأيام
منذ 2 أيام
- الأيام
تصميم أطفال خارقين.. ما هي تقنية 'تحسين النسل' التي اعتمدها ماسك؟
Getty Images واحدٌ على الأقلّ من أطفال ماسك الأربعة عشر، وُلد بعد اختيار جنينيّ دقيق يستند إلى تقييم وراثي يُعرف بـ'درجة الخطر متعددة الجينات' في خريف عام 2021، أنجبت شيفون زيليس توأما من إيلون ماسك بواسطة تقنية التلقيح الاصطناعي. المديرة التنفيذية في شركة 'نيورالينك' التابعة للملياردير، عادت وأنجبت منه طفلين آخرين خلال عامي 2024 و2025. واحد على الأقل من أطفال ماسك الأربعة عشر، وُلد بعد اختيار جنيني دقيق يستند إلى تقييم وراثي يُعرف بـ'درجة الخطر متعددة الجينات'، وهي التقنية التي توفّرها شركة ناشئة في وادي السليكون اسمها 'أوركيد هيلث'. بواسطة هذه التقنية التي دخلت حيّز التنفيذ عام 2019 بكلفة عالية جدا، يمكن للراغبين بالإنجاب معرفة احتمالات الإصابة المستقبلية لطفلهم بأمراض مزمنة، وبالتالي استبعادها. تَعِدُ هذه التكنولوجيا العالم بأطفال أصحاء بالكامل، لكنها تفتح أيضا الباب أمام أسئلة كبرى تتخطى إنقاذ البشرية مستقبلا من الأمراض: هل نقترب من زمن يُصمم فيه الأطفال عبر خوارزميات؟ وهل تتحول تقنية وجدت للوقاية من الأمراض إلى وسيلة لاختيار خصائص لأطفال 'خارقين'؟ وهل تصبح عملية الإنجاب نتيجة لانتقاء جيني مسبق وتنقيب في البيانات، ما يزيد من انعدام المساواة والعدالة بين الأفراد منذ لحظة التلقيح؟ ما هو الفحص الجيني الشامل للأجنة؟ Getty Images خدمات 'أوركيد' تُقدَّم اليوم في أكثر من مئة عيادة تلقيح اصطناعي في الولايات المتحدة. تقوم هذه التقنية على تحليل الحمض النووي الكامل للجنين، أي فحص الخريطة الجينية الكاملة التي تتكوّن من نحو ثلاثة مليارات قطعة، باستخدام عدد قليل جداً من خلاياه. وبعد أن تُدمَج هذه التقنية مع أداة تُسمى 'تقييم المخاطر الجينية المتعددة'، وهي وسيلة إحصائية تُقدّر احتمال إصابة الطفل بأمراض معقّدة مثل السرطان أو السكّري أو الفصام، تعد هذه المقاربة بتقديم معلومات وراثية دقيقة ومبكّرة عن صحة الطفل المحتملة قبل ولادته. وعلى عكس الفحوصات الجينيّة التقليدية التي تركز على الأمراض النادرة الناتجة عن طفرة واحدة، تحلّل تقنية 'تقييم المخاطر الجينية المتعددة' (PRS) مجموعات من المتغيّرات الجينية لتقييم خطر الإصابة بأمراض شائعة. هو ليس تشخيصاً، بل تنبؤ قائم على الاحتمالات. وتعد 'أوركيد هيلث' من بين الشركات الرائدة في هذا المجال، وهي شركة ناشئة مقرها وادي السيليكون في سان فرانسيسكو أسستها الشابة الأمريكية من أصول باكستانية نور صديقي. تدعي الشركة أنها تقدم أكثر خدمات فحص الأجنة شمولا في السوق، حيث تقيم كلا من الأمراض أحادية الجين والحالات المعقدة باستخدام خوارزميات حصرية. وتُقدم خدمات 'أوركيد' اليوم في أكثر من مئة عيادة تلقيح اصطناعي في الولايات المتحدة. وبحسب تقرير حديث لصحيفة واشنطن بوست الأمريكية، فإنّ الطلب على هذه الخدمة آخذ في الارتفاع. ومع توسّع الوصول إلى قواعد البيانات الجينومية الضخمة، قد يتحوّل الوعد التكنولوجي بـ'اختيار' أطفال أصحّاء من خيال علمي إلى ممارسة روتينية في عيادات الخصوبة. الجنس للمتعة وفحص الأجنة من أجل الإنجاب تقول صديقي، إنها تمتلك 'رؤية طموحة تقوم على خوارزميات مصممة خصيصا وتحليل الجينوم بهدف القضاء على الأمراض والعلل' لدى أطفال المستقبل. وتقوم شركتها الناشئة بفحص الأجنة للكشف عن آلاف الأمراض المحتملة، ما يتيح للآباء والأمهات المستقبليين التخطيط لعائلاتهم بناءً على كم من المعلومات غير المسبوق حول نسلهم. ومع أن العقود الأخيرة جعلت من قيام النساء الحوامل، وكذلك الأزواج الذين يخضعون للتلقيح الاصطناعي، بإجراء اختبارات للكشف عن اضطرابات وراثية نادرة ناتجة عن طفرات في جين واحد، مثل التليف الكيسي، أو عن خلل في الكروموسومات مثل متلازمة داون، ممارسة شائعة، إلا أن 'أوركيد' هي أول شركة تقول إنها قادرة على تحديد تسلسل الجينوم الكامل للجنين، والمكوّن من 3 مليارات كروموسوم. وتستخدم الشركة ما لا يزيد عن خمس خلايا من الجنين لفحص أكثر من 1200 حالة نادرة ناتجة عن جين مفرد، تُعرف باسم الأمراض أحادية الجين. Getty Images هل تصبح عملية الإنجاب نتيجة لانتقاء جيني مسبق وتنقيب في البيانات، ما يزيد من انعدام المساواة والعدالة بين الأفراد منذ لحظة التلقيح؟ كما تطبق الشركة خوارزميات مصممة خصيصا لإنتاج ما يعرف بـ'درجات الخطر متعددة الجينات وهي أدوات تهدف إلى قياس القابلية الوراثية للطفل المستقبلي للإصابة بأمراض معقدة في وقت لاحق من حياته، مثل الاضطراب ثنائي القطب، والسرطان، ومرض ألزهايمر، والسمنة، والفصام. صديقي التي تنوي إنجاب أربعة أطفال باستخدام أجنّتها التي خضعت لفحص 'أوركيد'، تدافع عن فكرة أكثر جرأة بدأت تكتسب زخماً في عالم التكنولوجيا: وهي أن تقنيات الخصوبة المتطورة والمتاحة بشكل متزايد 'ستحلّ تدريجياً محلّ الجنس كوسيلة مفضّلة للإنجاب لدى الجميع'. وقالت صديقي في مقطع فيديو شاركته عبر منصة إكس: 'الجنس للمتعة، وفحص الأجنة من أجل الإنجاب'. وتشير إلى أن الوقت قد اقترب الذي سيصبح فيه من الطبيعي أن يختار الأزواج أجنّتهم من خلال جدول بيانات، تماما كما يفعل زبائنها الحاليون، موازنين مثلا بين قابلية للإصابة بأمراض القلب أعلى بـ1.7 مرة من المعدّل العام، وبين درجة خطر 2.7 للإصابة بالفصام. شكوك في دقة الفحوصات Getty Images استخدام تقييم المخاطر متعددة الجينات يُنتقَد باعتباره لا يزال 'غير ناضج سريريا' برغم الوعود الكبيرة التي تقدمها شركة 'أوركيد'، يثير العديد من العلماء شكوكا جدية بشأن دقة الفحوصات التي تعتمدها. فعملية تسلسل الجينوم الكامل انطلاقا من خمس خلايا جنينية فقط تُعد تقنية حساسة، وقد تؤدي، بحسب خبراء من جامعتي ستانفورد وكاليفورنيا، إلى أخطاء كبيرة نتيجة 'تكبير' المادة الوراثية بشكل قد يُشوّه النتائج. كما يُنتقد استخدام تقييم المخاطر متعددة الجينات باعتباره لا يزال 'غير ناضج سريريا'، بخاصة أن دقته تنخفض لدى الأجنة من أصول غير أوروبية، بسبب 'تحيز قواعد البيانات الجينية المتاحة'. ويرى بعض المتخصصين أن الفروقات الطفيفة بين خوارزميات الشركات المختلفة قد تؤدي إلى نتائج متباينة تماما، في غياب معيار علمي موحّد يضمن الموثوقية. أجندة يمينية؟ Getty Images العديد من الشخصيات بينها نائب الرئيس الأمريكي جي دي فانس كرّروا أن تراجع معدلات المواليد 'يُهدّد مستقبل الدول الصناعية' يربط البعض بين هذا التوجّه المتنامي في تقنيات الإنجاب وبين النزعة المؤيدة للإنجاب في الولايات المتحدة والتي يروّج لها عدد كبير من رموز اليمين الأمريكي. وأشارت 'واشنطن بوست' إلى أن شركة 'أوركيد' تشكل جزءا من حركة ثقافية أوسع يروج من خلالها أشخاص نافذون في واشنطن ووادي السيليكون لأهمية إنجاب المزيد من الأطفال. فقد كرر مرات عدة كل من نائب الرئيس الأمريكي جي دي فانس، وإيلون ماسك، بالإضافة إلى المستثمر الملياردير المحافظ بيتر ثيل، وهو الراعي الأساسي لشركة 'أوركيد'، أن تراجع معدلات المواليد 'يُهدد مستقبل الدول الصناعية'، وأنه 'ينبغي للناس إنجاب المزيد من الأطفال لمواجهة هذا الانحدار'. ويضع البعض في السياق نفسه الأمر التنفيذي الذي أصدره البيت الأبيض في فبراير الماضي، والذي يدعو إلى توسيع الوصول إلى علاجات التلقيح الاصطناعي. عودة إلى 'تحسين النسل'؟ Getty Images المخاوف تطال البُعد الاجتماعي: إذ يمكن لمثل هذه الممارسات أن تعزّز شعوراً بالتفوّق الجيني لدى فئات معينة، وتُعمّق الفوارق الطبقية. يرى العديد من النقاد أن استخدام تقنيات فحص الأجنة بناء على تقييمات متعددة الجينات يفتح الباب أمام شكل جديد من 'تحسين النسل التكنولوجي' (techno-eugenics)، أي استخدام الوسائل العلمية لاختيار أو استبعاد خصائص وراثية معينة بهدف إنجاب أفراد يُعتبرون 'أفضل' جينيا. وتستند هذه الرؤية إلى تاريخ مثير للجدل، إذ ارتبط مفهوم 'تحسين النسل' تقليديا بمحاولات سلطوية للتحكم بالتكاثر البشري، سواء عبر منع الفئات المصنفة 'أقل شأنا' من الإنجاب، أو عبر تشجيع خصوبة من يُعتبرون 'أعلى قيمة'. واليوم، وعلى الرغم من أن هذا المشروع لم يعد يتخذ طابعا قسريا، فإن التقنيات الحديثة تعيد إحياء هذا المنطق ولكن بصيغة فردية وطوعية، تُقدَّم تحت عنوان الحرية والاختيار. وتتجاوز المخاوف الجانب الأخلاقي لتطال البُعد الاجتماعي: إذ يمكن لمثل هذه الممارسات أن تعزّز شعوراً بالتفوّق الجيني لدى فئات معينة، وتُعمّق الفوارق الطبقية، حيث لا تتوفّر هذه التقنيات سوى للأثرياء القادرين على 'تصميم' أطفالهم. كما قد يؤدي التركيز على بعض السمات، مثل الذكاء أو الطول، إلى تعزيز معايير ضيّقة للقيمة الإنسانية، تُقصي من لا تنطبق عليهم هذه المعايير منذ مرحلة ما قبل الولادة. غير أن القائمين على هذا المشروع ينفون الربط بينه وبين هذه الاتهامات. ويؤكد هؤلاء، ومن بينهم نور صديقي، أن التلقيح الاصطناعي نفسه واجه في بداياته خلال سبعينيات القرن الماضي موجة من الانتقادات والاتهامات، إذ اعتبره البعض آنذاك شكلاً من أشكال 'لعب دور الإله'. 'لكن مع مرور الوقت، تحول إلى تقنية شائعة ومقبولة على نطاق واسع، تُستخدم اليوم لتحسين فرص الإنجاب لدى من يواجهون صعوبات في الحمل، من دون أن تثير الاعتراضات التي صاحبت انطلاقتها الأولى'.


الأيام
منذ 5 أيام
- الأيام
ماذا يخبرنا 'المسنّون الخارقون' عن الشيخوخة الصحية؟
Sandy Huffaker for The Washington Post via Getty Images يقول الدكتور إريك توبول، البالغ من العمر 71 عاما (في الصورة): "يجب علينا جميعا أن نمارس المزيد من النشاط البدني" عندما التقى طبيب القلب الدكتور، إريك توبول، بالسيدة "إل. آر" البالغة من العمر 98 عاما، لأول مرة لحضور موعد طبي، لفت انتباهه أمر ما. لقد لاحظ أنه لا يوجد برفقتها أحد من أقاربها، فسألها كيف سافرت للوصول إلى المركز الطبي. قال لبي بي سي: "لقد قادت سيارتها بنفسها... سرعان ما تعلمت الكثير عن هذه السيدة النابضة بالحياة والصحة بشكلٍ استثنائي، والتي تعيش بمفردها، ولديها شبكة اجتماعية واسعة، لكنها تستمتع بعزلتها". الدكتور توبول، مؤسس ومدير معهد سكريبس للأبحاث التطبيقية -مركز أبحاث طبية معروف في الولايات المتحدة- بنى مسيرة مهنية حافلة كعالم ومؤلف. يبحث أحدث أعماله في الأسباب العلمية، التي تقف وراء عيش بعضنا حياة أطول وأكثر صحة من غيرهم. يحذر الدكتور توبول من تصديق الخرافات والعلوم الزائفة، مثل "مكملات مكافحة الشيخوخة التي لا توجد عنها أي بيانات، والإجراءات والعلاجات التي تُباع دون أي أساس علمي". يقول: "ربما نمتلك يوما ما حبة سحرية (لمساعدتنا على التقدم في السن بشكل صحي)، لكننا لا نملكها حتى الآن. بل إنها حتى بعيدة المنال". فما هي إذا الأسرار المدعومة علميا للشيخوخة الصحية؟ دور الجينات الوراثية في عام 2007، أمضى الدكتور توبول وفريقه أكثر من ست سنوات في دراسة التسلسل الجيني لنحو 1,400 شخص من الولايات المتحدة الأمريكية، كانوا في الثمانينيات من عمرهم أو أكبر، ولا يعانون من مشاكل صحية خطيرة. يقول الدكتور توبول: "من الصعب جداً العثور على هؤلاء الأشخاص: لم يسبق لهم الإصابة بأمراض خطيرة أو مزمنة، ولم يتناولوا أدوية طويلة الأمد، وتجاوزوا سن 85 عاماً". عندما درس الفريق هذه المجموعة، المعروفة باسم "المسنين الخارقين"، لم يجدوا في جيناتهم سوى القليل جداً مما يفسر تمتعهم بصحة جيدة. التقى الدكتور توبول بالسيدة "إل. آر"، البالغة من العمر 98 عاماً، بعد نشره تلك الدراسة، ورغم أنها لم تكن جزءاً من العينة التي دُرست، إلا أن قصتها مُدرجة في أحدث أعماله. ويشير إليها كمثال لشخص يعيش شيخوخة صحية وبشكل جيد، على الرغم من وجود تاريخ عائلي للوفاة المبكرة. يقول الدكتور توبول: "هؤلاء الأشخاص الذين يصلون إلى حالة شيخوخة صحية مذهلة، وصولاً إلى بلوغهم المئة عام، ليسوا نمطاً عائلياً في الغالب... ربما يكون هناك عامل وراثي، ولكنه ليس التفسير السائد". يقول الدكتور توبول إن فكرة أن الجينات قد لا تكون العامل الحاسم في الشيخوخة الصحية تُعدّ فكرة مُحرِرة (من القيود وأنماط التفكير السلبية)، بالنسبة لمن لديهم تاريخ عائلي من الوفاة المبكرة والأمراض المزمنة. الالتهاب المرتبط بالشيخوخة Getty Images يمكن أن يؤدي الالتهاب المزمن إلى أمراض مرتبطة بالشيخوخة، بما في ذلك الزهايمر وأمراض القلب والأوعية الدموية دفعت نتائج الدراسة الدكتور توبول إلى وضع نظرية مفادها أن "المُعمرين الخارقين" يُعانون من مستويات أقل من الالتهاب المزمن، وهو عامل شائع في العديد من أمراض الشيخوخة. الالتهاب هو استجابة طبيعية وصحية من الجسم للأذى، مثل العدوى أو الإصابة أو السموم. ولكن عندما يصبح الالتهاب مزمناً ويُؤثر على الجسم لفترة طويلة جداً، فقد يؤدي إلى مشاكل خطيرة، بما في ذلك أمراض القلب والأوعية الدموية وأمراض الأعصاب، كما يقول البروفيسور ديفيد جيمس، مدير الأبحاث في معهد الشيخوخة الصحية (IHA) ومقره في كلية لندن الجامعية. وتُعرف طبياً، حسب البروفيسور جيمس، باسم "الالتهاب المرتبط بالشيخوخة"، موضحا أن "مشكلة الالتهاب المزمن هي أنه يشبه إلى حد ما عُمّال البناء الذين يرفضون المغادرة، ويصبح وجودهم الدائم عبئا كبيرا". تقول إحدى النظريات إن أسلوب حياتنا الحديث هو الذي يُسبب هذا الالتهاب، بسبب عدم التوافق بين كيفية تطور أجسامنا وطريقة معيشتنا الحالية. يقول جيمس: "أجسامنا مُصممة حقاً لعالم يعاني من ندرة الغذاء... إنها ليست مُصممة على الإطلاق لتناول فائض من الطعام طوال الوقت، وخاصة الأطعمة المصنعة والغنية بالدهون". يوضح البروفيسور جيمس أن السمنة تعدُ من أبرز العوامل التي تساهم في أمراض مثل السكري والخرف وأمراض القلب من خلال تعزيز الالتهاب. كيف يُمكنك تقليل الالتهاب؟ Getty Images اتباع نظام غذائي متوازن غني بالفواكه والخضروات هو أحد العوامل الأساسية لشيخوخة صحية تعكس معظم توصيات الدكتور توبول إرشادات الحياة الصحية، التي غالباً ما نُشجع على اتباعها، حيث يوصي باتباع نظام غذائي نباتي أو شبيه بالنظام الغذائي المتوسطي (غذاء قاطني منطقة البحر الأبيض المتوسط)، والذي يتضمن الكثير من الفواكه والخضراوات. كما يشدد أنَّ الحصول على نوم كافٍ وجيد أمرٌ ضروري أيضا، قائلا: "في كل ليلة، لدينا هذه الفضلات في دماغنا، وهي نواتج أيضية، وهي سامةٌ جدا وتحفّز الالتهاب، ونحتاج إلى التخلص منها عبر ما يُسمى بالقناة الغليمفاوية، التي اكتُشفت في السنوات الأخيرة". اكتُشفت القناة الغليمفاوية عام 2012، وتعمل كنظامٍ لتصفية الفضلات في الدماغ، حيث تنقل هذه الفضلات عبر شبكةٍ من الأنفاق. وقد أظهرت دراساتٌ لاحقةٌ أن هذا النظام يكون أكثر نشاطًا أثناء النوم. يقول: "اتضح أنه إذا لم نحصل على قسط كافٍ من النوم العميق... فإننا لا نُصفّي هذه الفضلات، ما يُتيح لها فرصة لإحداث التهاب في أدمغتنا. لذلك، علينا تحسين نومنا العميق للوقاية من الأمراض العصبية التنكسية (أي التدهور التدريجي للخلايا العصبية)". ويوصي الدكتور إريك توبول أيضاً بممارسة قدر كافٍ من التمارين الرياضية. ويقول لبي بي سي: "لو كان (هذا) دواءً، لكان أكبر دواءٍ ثوري لدينا". ويضيف أن المشي السريع أو ركوب الدراجات من الأمثلة الرائعة على التمارين الهوائية، ولكن ينبغي على الناس أيضاً التفكير في أشكال أخرى من اللياقة البدنية، بما في ذلك تمارين القوة والتوازن. يقول: "ليس بالضرورة أن تكون التمارين مُفرطة أو قاسية، فحتى الأنشطة الخفيفة المُستمرة مُفيدة". Getty Images الحفاظ على التفاعلات الاجتماعية له آثار مفيدة مع تقدمنا في السن كما ارتبط التفاعل الاجتماعي وتجنب العزلة بانخفاض خطر الإصابة بالخرف، على الرغم من اختلاف العلماء حول مدى ذلك. قدّرت لجنة لانسيت لعام 2020 أن القضاء على العزلة الاجتماعية سيقلل من انتشار الخرف، بنسبة 4 في المئة عالمياً. أجرت جامعة سيدني دراسة أخرى، حللت نتائج 13 دراسة دولية من مناطق تشمل أستراليا وأمريكا الشمالية وعدة دول في أوروبا وأمريكا الجنوبية وآسيا وأفريقيا، وبحثت بدقة في أنواع التفاعل الاجتماعي الأكثر تأثيراً. يقول الدكتور سوراج سامتاني، أحد مؤلفي دراسة جامعة سيدني: "وجدنا أن التفاعلات المتكررة -شهرياً أو أسبوعياً- مع العائلة والأصدقاء، والتحدث مع شخص ما، تقلل من خطر الإصابة بالخرف. كما وجدنا أن العيش مع الآخرين وممارسة الأنشطة المجتمعية يقلل من خطر الوفاة". يُعتقد أن التواصل الاجتماعي يساعد على تعزيز القدرة على مواجهة آثار مرض الزهايمر في الدماغ -المعروف باسم الاحتياطي المعرفي-. كما يمكن أن يساعد في تعزيز السلوكيات الصحية مثل ممارسة الرياضة، وتقليل التوتر والالتهابات، وفقاً لجمعية الزهايمر في بريطانيا. يقول الدكتور توبول إن السيدة "إل. آر" هي النموذج الأمثل، "إنها تتمتع بشخصية مشرقة للغاية، وهو ما يتوافق أيضاً مع كثرة التفاعلات الاجتماعية. ولديها أيضاً العديد من الهوايات، فهي رسامة زيتية، وقد فازت بجوائز". ويضيف: "هذا ما يجب أن نطمح إليه؛ شيخوخة صحية". "تغيير جذري" ويتوقع الدكتور توبول أيضاً أن يساعد الذكاء الاصطناعي الأطباء على معالجة كميات هائلة من البيانات، للتنبؤ بالأمراض المرتبطة بالعمر والوقاية منها في المستقبل، بما في ذلك التنبؤ بالعمر الذي يُحتمل أن يُصاب فيه الشخص بتلك الأمراض، والتدخل بإجراء تغييرات في نمط الحياة مُبكراً. ويقول: "نحن نتحدث عن منع حدوث المرض من الأساس، وليس فقط منع النوبة القلبية الثانية بعد الإصابة بالأولى". وبينما يصف الدكتور توبول هذا النوع من تحليل المخاطر بأنه "تغيير جذري"، يتوخى البروفيسور جيمس الحذر بشأن مدى واقعية مطالبة الناس بإجراء تغييرات جوهرية في حياتهم، حتى مع توافر مثل هذه المعلومات لهم. ويضيف: "يمكنك أن تقول: انظر، لماذا لا يتناول الجميع الطعام الصحي؟ كما تعلم، يجب اتباع نظام غذائي سليم، وتناول طعام صحي، والذهاب إلى النادي الرياضي، والركض، وما إلى ذلك. لكن معظم الناس لا يملكون الوقت الكافي للقيام بذلك". ويختتم قائلا: "لا أعتقد أننا قريبون من أيّ حلٍ سحري وشيك".