
'جيش رقمي' في مصر يحرض على 'قافلة الصمود'.. 'عربي بوست' يكشف دور لجان إلكترونية في تشويه الحملة الداعمة لغزة
يكشف "عربي بوست"، من خلال تحليل أجراه لـ 20 ألف تغريدة على موقع X، عن حملة رقمية ضخمة ومنسقة، تقودها لجان إلكترونية مصرية داعمة للسلطات، تستهدف تشويه صورة "قافلة الصمود" والتحريض عليها، وتُظهر الحملة انسجاماً لافتاً مع الموقف الرسمي المصري الرافض لمرور القافلة عبر الأراضي المصرية.
"قافلة الصمود" هي مبادرة إنسانية غير مسلحة، انطلقت من تونس، تضم شخصيات من جنسيات مختلفة، وتهدف إلى الوصول إلى غزة عبر معبر رفح المصري، للتضامن مع سكان القطاع الذين يواصل الاحتلال الحرب عليهم منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
لكن القافلة تواجه عقبات، في مقدمتها الموقف الرسمي المصري، وتعرض نشطاء متضامنون مع الحملة في مصر ، يوم الجمعة 13 يونيو/ حزيران 2025، لاعتداء من قبل مواطنين مصريين وصفهم البعض بـ"بلطجية"، كما رحّلت السلطات أجانب كانوا يسعون للانضمام إلى القافلة، وحالياً، القافلة متوقفة عند مدخل مدينة سرت، من قبل سلطات شرق ليبيا التي تسيطر عليها قوات الجنرال خليفة حفتر.
يرصد التحليل كيف نشأت الحملة الرقمية ضد القافلة، ويكشف عن الحسابات التي قادت الحملة، وتوقيت انطلاقها، وآلية عمل شبكة من الحسابات التي تعمل بشكل متناسق ضد القافلة، وذلك بهدف خلق انطباع زائف بوجود رفض شعبي واسع داخل مصر للقافلة، يتناغم مع الموقف الرسمي.
يعتبر تحقيق هذا الهدف سلوكاً شائعاً في الحملات الرقمية المنظمة، حيث يُستخدم التضخيم المتعمد لنشر محتوى معين لبناء رأي عام افتراضي داعم لرواية السلطة.
تُظهر نتائج التحليل أن الحملة الرقمية ضد "قافلة الصمود"، اعتمدت على شبكة واسعة من الحسابات التي تتبنى نمطاً معروفاً في عمل اللجان الإلكترونية، ومن أبرز سمات هذه الحسابات:
مجهولة الهوية: تستخدم الحسابات أسماء مستعارة وصوراً تعبيرية، وتُظهر ولاءً علنياً للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والسلطات المصرية، وتتماهى في محتوى تغريداتها مع الموقف الرسمي للدولة.
معدل نشر مرتفع ومركز: تنشط الحسابات بشكل مكثف خلال فترة زمنية معينة، وذلك بهدف تضخيم انتشار محتوى معين ودفعه إلى الصدارة على منصة X.
بعض الحسابات تم إنشاؤها بالتزامن مع بدء الحملة، أو قبلها بأيام قليلة، وتكثف الحسابات نشاطها في إعادة تغريد منشورات الحسابات الأساسية التي تقود الحملة، بهدف زيادة وصولها على المنصة.
سلوك الحسابات الآلية: بعض الحسابات تُظهر أنماطاً من النشر، تشير إلى أنه يمكن تشغيلها عبر أدوات آلية (Bots)، مثل النشر المكثف بفوارق زمنية ضئيلة جداً.
يشمل التحليل التغريدات التي نُشرت منذ بداية الحملة، مساء يوم 10 يونيو/ حزيران 2025، وحتى منتصف يوم 12 يونيو/ حزيران 2025، لكن الحملة مستمرة حتى تاريخ نشر هذه المادة.
تركّز الحملة الرقمية ضد "قافلة الصمود" على 3 هاشتاغات رئيسية:
الهاشتاغ الأبرز: #قافله_الصمود_الخرفانيه
#قافلة_الخيانة_مصيرها_الفشل
#مفيش_تاشيرات_مفيش_مرور
تتضمن هذه تغريدات تُعبّر عن رفض واضح لمرور "قافلة الصمود" من الأراضي المصرية، و"تشويه" صورة المشاركين فيها، وذهبت بعض الحسابات إلى اتهام القافلة بأنها تنفذ "أهدافاً إسرائيلية"، بحسب زعم الحسابات.
ويكشف التحليل أن الحملة الرقمية لم تقتصر على الهاشتاغات الرئيسية الثلاث المذكورة، بل توسعت لتشمل عشرات الهاشتاغات الأخرى التي استخدمتها حسابات اللجان الإلكترونية في مهاجمة "قافلة الصمود"، ما يعكس تنسيقاً واضحاً ضمن الحملة.
تضخيم الهجوم على "قافلة الصمود"
منذ انطلاق الحملة الرقمية ضد القافلة، أظهر تحليل التغريدات وجود نمط واضح لتضخيم ممنهج للمحتوى الذي يهاجم القافلة. ولتوضيح ذلك، أنشأنا تصويراً مرئياً يُبرز بنية شبكة الحسابات التي تقود وتشارك في الحملة.
يُظهر التصوير المرئي الحسابات الأساسية التي تقود الحملة (لونها أزرق)، وتحيط بها شبكة من الحسابات الأخرى الداعمة – معظمها مجهولة – من اللجان الإلكترونية (اللون البرتقالي).
فمثلاً، تقوم الحسابات الأساسية التي تقود الحملة بنشر تغريدات مهاجمة للقافلة، وسرعان ما تتلقفها عشرات الحسابات الأخرى، وتقوم بإعادة نشرها أو اقتباسها أو التعليق عليها بكثرة، من أجل تعزيز انتشارها على منصة X.
وعملية التضخيم هذه ليست عشوائية، بل تعتمد على استراتيجية مدروسة لتوجيه النقاش العام، وتروّج رسائل محددة إلى جمهور أوسع، بهدف تحقيق أهداف الحملة في الوصول والتأثير.
اللجان الإلكترونية المصرية بدأت الحملة
رصد "عربي بوست" بداية الحملة الرقمية على موقع X ضد "قافلة الصمود"، وتبيّن أنها انطلقت في حدود الساعة 17:43 من يوم 10 يونيو/ حزيران 2025، وتزامنت بداية الحملة مع تصاعد الحديث على منصة X عن نية القافلة المرور عبر الأراضي المصرية، وصولاً إلى معبر رفح مع غزة.
شهدت الحملة نمطاً تصاعدياً في وتيرة النشر منذ بدايتها، قبل أن تنخفض قليلاً في ساعات صباح 11 يونيو/ حزيران 2025، إلا أن وتيرتها عادت للارتفاع بشكل ملحوظ مع حلول منتصف اليوم نفسه، لتصل إلى ذروتها الأولى عند الساعة 9:30 مساءً، تزامناً مع إصدار وزارة الخارجية المصرية بياناً رسمياً يشترط حصول المشاركين في القافلة على موافقات مسبقة للمرور إلى الحدود.
أثار بيان الخارجية تفاعلاً واسعاً على منصة X، وانقسمت الآراء بين مؤيدين للقرار، لا سيما من قبل الحسابات الموالية للسلطة، وبين معارضين للقرار اعتبروه عرقلة واضحة لقافلة سلمية ترغب في التضامن مع أهل غزة.
لاحقاً، بلغت الحملة ذروتها الثانية عند الساعة 12:30 مساءً من يوم 12 يونيو/ حزيران 2025، وذلك بالتزامن مع تصاعد كبير في أعداد التغريدات المدافعة عن الموقف المصري والمهاجمة للمشاركين في "قافلة الصمود" أو من يدعمونها، وكلما ارتفعت وتيرة التغريدات، ازدادت معها عمليات إعادة النشر، في مؤشر واضح على تضخيم متعمد للمحتوى لزيادة انتشاره.
قاد الحملة في بداياتها حساب معروف من اللجان الإلكترونية المصرية، اسمه "المايسترو"، وسبق للحساب أن قاد عدة حملات دعماً للموقف المصري الرسمي، وهو ما سنوضحه في الفقرات المقبلة.
كان "المايسترو" أول من بدأ في نشر هاشتاغ #قافله_الصمود_الخرفانيه، ومن ثم تحوّل الهاشتاغ إلى العنوان الأبرز لمهاجمة "قافلة الصمود".
يمتلك "المايسترو" 3 حسابات على موقع X، وهي: "المايسترو"، و"المايسترو 2″، و"المايسترو 3″، ويبلغ مجموع متابعيها حوالي 132 ألف متابع. وهذه الحسابات لديها آلاف التغريدات المؤيدة للرئيس السيسي وللسلطات المصرية، وتشارك أحياناً في حملات ضد المعارضين للسلطات.
أما التغريدة الأولى التي ظهر فيها هاشتاغ #قافله_الصمود_الخرفانيه، فكتبها حساب "المايسترو" يوم 10 يونيو/ حزيران 2025، وشكّكت التغريدة في نوايا القافلة وأهدافها، ووضعت الأساس للحملة التي اتسعت، والتي تلتها آلاف التغريدات في السياق نفسه.
بعد نشر التغريدة الأولى التي أطلقت هاشتاغ #قافله_الصمود_الخرفانيه، بدأت حسابات "المايسترو" الثلاثة تقوم بتنشيط الهاشتاغ بشكل مكثف، من خلال نشره كتعليق على منشورات تعود لحسابات أخرى تعمل ضمن اللجان الإلكترونية المصرية، أو من خلال تغريدات أصلية نشرتها حسابات "المايسترو" وتضمنت محتوى هجومياً ضد القافلة.
أظهر تحليل التغريدات أن حسابات "المايسترو" نشرت الهاشتاغ 248 مرة خلال أول 5 ساعات فقط من انطلاق الحملة ضد القافلة، ومع استمرار نشاط النشر، بلغ إجمالي التغريدات التي نشرتها حسابات "المايسترو" منذ بدء الحملة وحتى منتصف يوم 12 يونيو/ حزيران 2025، ما مجموعه 446 تغريدة، ما جعل الهاشتاغ يظهر في قائمة التغريدات الأكثر تداولاً في مصر.
تتبعنا عشرات الحسابات الأخرى التي كانت نشطة في تفاعلها مع حساب "المايسترو" بعدما أطلق الحملة ضد القافلة، وأظهر التتبع أن مجموعة من الحسابات عملت بشكل متزامن مع حسابات "المايسترو" على نشر الهاشتاغات ضد القافلة، شكّكت في أهدافها وهاجمت المشاركين فيها.
من بين أبرز الحسابات، حساب مجهول الهوية يحمل اسم "أبو روان أحمد"، وكشف تحليل السلوك الرقمي لهذا الحساب أنه يعمل وفق نمط الحسابات الآلية المبرمجة (Bots)، إذ ينشر كماً هائلاً من التغريدات خلال فترات زمنية قصيرة وبشكل متكرر.
وخلال أول 5 ساعات من انطلاق الحملة، نشر الحساب أو أعاد نشر 428 تغريدة تحتوي على وسم #قافله_الصمود_الخرفانيه أو على محتوى يهاجم القافلة، وذلك بمعدل 165 تغريدة في الساعة، وهو معدل يفوق بكثير ما يمكن لحساب بشري أن يُنتجه.
ويُشير "فريق الدعاية الحاسوبية" في "معهد أكسفورد للإنترنت" إلى أن الحساب الذي يتجاوز معدل 50 منشوراً يومياً يُعد سلوكه مريباً، فيما يعتبر "مختبر الأبحاث الجنائية الرقمية" أن نشر أكثر من 72 منشوراً يومياً مؤشّرٌ واضح على نشاط غير طبيعي.
أظهر تتبع "عربي بوست" لحساب "أبو روان أحمد" أنه خلال الفترة الممتدة من 10 يونيو/ حزيران وحتى منتصف 12 يونيو/ حزيران 2025، نشر 1304 تغريدات تهاجم القافلة، بفوارق زمنية صغيرة جداً لا تتجاوز ثوانٍ، ما يعزّز الشكوك حول كونه جزءاً من شبكة آلية تُستخدم لتضخيم الحملة الرقمية بصورة مصطنعة.
من بين الحسابات البارزة التي ساهمت في تعزيز الحملة الرقمية ضد "قافلة الصمود"، برز حساب مصري مجهول الهوية يُدعى "سيد مكيد"، وهو حساب مؤيد للسلطات ويتفاعل مع حسابات أخرى من اللجان الإلكترونية المصرية.
يمتلك الحساب نحو 10,400 متابع، وبدأ نشاطه في الحملة بعد 7 دقائق فقط من انطلاقتها، وشرع في نشر وترويج هاشتاغ #قافله_الصمود_الخرفانيه من خلال تغريدات وصور تهاجم القافلة.
في بداية الحملة، ساهم "سيد مكيد" بدعم مباشر لحساب "المايسترو"، حيث استخدم هاشتاغ #قافله_الصمود_الخرفانيه في تعليقات كتبها على تغريداته، قبل أن يبدأ لاحقاً بنشر الهاشتاغ نفسه في تعليقات على حسابات أخرى ضمن الشبكة الرقمية الداعمة للحملة.
وخلال أول 24 ساعة فقط من بدء الحملة، نشر الحساب 85 تغريدة تتضمن الهاشتاغ أو رسائل هجومية، فيما بلغ إجمالي تغريداته حتى منتصف 12 يونيو/ حزيران 2025 نحو 135 تغريدة. وأظهرت الفوارق الزمنية القصيرة بين هذه التغريدات نمطاً من النشر المكثف والموجَّه، يهدف إلى تضخيم الرسائل المهاجمة وزيادة ظهورها.
ساهمت في الحملة ضد القافلة مجموعة من الحسابات الأخرى ذات النشاط المرتفع، والتي تُظهر مؤشرات واضحة على كونها جزءاً من شبكة اللجان الإلكترونية المصرية، خاصة من حيث معدلات النشر المرتفعة والتغريدات المؤيدة للسلطات في قضايا مختلفة تتناغم مع الموقف الرسمي:
من بين هذه الحسابات:
Ahmed Elewa: حساب مجهول الهوية، نشر 518 تغريدة ضد القافلة خلال الفترة من 10 يونيو/ حزيران وحتى منتصف 12 يونيو/ حزيران 2025، ما يعكس وتيرة نشر كثيفة ومستمرة.
حفيدة جود باشا: حساب آخر مجهول، ساهم بنشر 426 تغريدة في الفترة الزمنية نفسها، اتسمت بمضمون هجومي ومنسجم مع خطاب الحملة.
ماجدة حسن: بلغ عدد التغريدات الهجومية ضد القافلة التي نشرها الحساب 412 تغريدة.
تضخيم نشر التغريدات من حسابات معيّنة
يركز تحليل "عربي بوست" على أبرز الحسابات التي حظيت تغريداتها بتضخيم واسع من قِبل شبكة اللجان الإلكترونية، بهدف رفع مستوى ظهورها على منصة X ودفعها إلى واجهة التداول العام.
في مقدمتها يأتي حساب "المايسترو"، ويُظهر التصوير المرئي لنشاط الحساب وتفاعل الحسابات الأخرى معه وجود نمط متعمَّد لإعادة نشر تغريداته من قبل عشرات الحسابات، سواء عبر إعادة التغريد أو التعليق عليها، ما أدّى في النهاية إلى وصول تغريدات حساب "المايسترو" إلى عشرات آلاف الحسابات على موقع X.
يُبيّن التحليل أيضاً أن عدداً من الحسابات المجهولة التابعة للجان الإلكترونية لم تكتفِ بالتفاعل العابر مع تغريدات "المايسترو" ضد "قافلة الصمود"، بل كرّرت بشكل لافت إعادة نشر تغريداته أو كتابة تعليقات متكررة عليها.
وهذا السلوك هو تكتيك شائع في الحملات الرقمية المنظمة، حيث تعمل الحسابات الفرعية على مضاعفة التفاعل مع الحسابات الرئيسية، والتحايل على خوارزميات المنصات، ومنح المحتوى فرصة أكبر في الوصول إلى المستخدمين الآخرين.
تتبعنا حسابات أخرى حظيت تغريداتها بانتشار واسع على منصة X، من بينها حساب يحمل اسم "Sola"، وهو من الحسابات المحورية التي ساهمت في بداية الحملة بنشر هاشتاغ #قافله_الصمود_الخرفانيه.
تحليل التفاعلات المرتبطة بهذا الحساب يُبيّن بوضوح أنه يحظى بدعم مباشر من حسابات "المايسترو"، إذ لوحظ أن الأخير يكتب العديد من التعليقات على تغريدات "Sola"، في حين يُظهر الأخير تفاعلاً كثيفاً مع حسابات "المايسترو" وغيرها من الحسابات المجهولة الناشطة ضمن الشبكة نفسها.
ويعكس هذا التفاعل المتبادل بين الحسابات عملاً منسقاً ضمن شبكة الحسابات الضخمة، يقوم على الدعم المتبادل، بما يؤدي في النهاية إلى تشويه سمعة الحملة.
برز في الحملة ضد "قافلة الصمود" حساب الكاتبة المصرية شيرين هلال، التي روّجت في تغريداتها لهاشتاغ #قافله_الصمود_الخرفانيه.
تُعرَف الكاتبة بمواقفها المؤيدة للسلطات المصرية، وكان لها دور كبير في إطلاق حملات مناهضة للاجئين السوريين والسودانيين في مصر، وهي ذات الحملات التي دعمها حساب "المايسترو" وحساب "Sola".
بيّن تتبّع الحسابات التي تفاعلت مع تغريدات الكاتبة المصرية حول القافلة، أن من بينها حسابات مجهولة الهوية، شاركت في تضخيم محتواها عبر إعادة نشر التغريدات أكثر من مرة، أو من خلال تكرار التعليق عليها، ما يشير إلى نمط ممنهج لتعزيز انتشار رسائلها ورفع ظهورها على منصة X.
وتضم "قافلة الصمود" حالياً نحو 1500 شخص، وإلى جانب التضييق عليها من قبل السلطات في شرق ليبيا والسلطات المصرية، تواجه الحملة أيضاً هجوماً إسرائيلياً.
وكان وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، قد طالب يوم الأربعاء 11 يونيو/ حزيران 2025، جيش بلاده بمنع دخول "قافلة الصمود" من مصر إلى القطاع الفلسطيني، وحاول تحريض القاهرة عليها.
هاجم كاتس ناشطي القافلة، وقال إنهم "يشكّلون خطراً أيضاً على النظام المصري، وتهديداً لجميع الأنظمة العربية المعتدلة في المنطقة"، وفق قوله، وزعم أن المشاركين في القافلة "يرغبون في الانضمام إلى حركة حماس وتقديم الدعم لها".
ولفت كاتس في تصريحاته إلى أنه يتوقّع من السلطات المصرية أن تمنع وصولهم إلى الحدود بين مصر وإسرائيل، "وألا تسمح لهم بتنفيذ استفزازات أو محاولة الدخول إلى قطاع غزة"، مدّعياً أن هذا "أمر يشكّل خطراً على جنود الجيش الإسرائيلي، ولن نسمح به".
جاءت مبادرة "قافلة الصمود" في إطار تحرّكات عالمية لآلاف المتضامنين من 32 دولة، لوقف الحرب الإسرائيلية وكسر الحصار عن غزة، وإيصال مساعدات إنسانية في ظل المجاعة الراهنة التي تجتاح القطاع.
فيما خلّفت الحرب الإسرائيلية منذ بدايتها ما لا يقل عن 182 ألف شهيد وجريح فلسطيني، معظمهم من الأطفال والنساء، وما يزيد عن 11 ألف مفقود.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


بوست عربي
منذ يوم واحد
- بوست عربي
هل من حق إسرائيل قصف المفاعلات النووية الإيرانية؟ إليك ما يقوله القانون الدولي
قال خبراء بارزون ومؤسسات حقوقية دولية متخصصة في القانون الدولي إن الهجمات التي شنتها إسرائيل على إيران، الجمعة 13 يونيو/حزيران 2025، والتي استهدفت "عشرات" المواقع، بما في ذلك المنشآت النووية، والقادة العسكريين، والعلماء، تُعد غير قانونية. وقد استندت إسرائيل في هجومها الأخير على طهران إلى مبررات "الدفاع الوقائي عن النفس"، والتي تبرر استخدام القوة ضد دولة أخرى بهدف منع هجوم متوقع في المستقبل. إلا أن مثل هذه الحجة تتعارض مع القواعد التي تحكم استخدام القوة بموجب القانون الدولي، بما في ذلك الشروط المحدودة لاستخدام القوة التي ينص عليها ميثاق الأمم المتحدة، إضافة إلى الحظر المفروض على جريمة العدوان، وفقاً لتقرير نشره موقع ميدل إيست آي البريطاني. — عربي بوست (@arabic_post) June 14, 2025 وأوضح خبراء أن استخدام القوة لا يكون قانونياً إلا إذا كان الهدف منه صدّ هجوم وشيك أو هجوم جارٍ بالفعل. واتهم رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الحكومة الإيرانية ببدء تصنيع رؤوس نووية، وقال إن الهجوم كان يهدف إلى "صد التهديد الإيراني لبقاء إسرائيل"، مضيفاً أن العملية ستستغرق "أياماً عديدة". في المقابل، وصف بيان صادر عن وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، تصرفات إسرائيل بأنها انتهاك صارخ للقانون الدولي، مشيراً إلى أنها انتهكت السيادة الوطنية الإيرانية وسلامة أراضيها، وهاجمت منشآتها النووية ومناطقها السكنية. هل انتهكت إسرائيل القانون الدولي في هجومها الأخير ضد إيران؟ وفقاً للقانون الدولي، هناك عدة معايير يجب أخذها في الاعتبار لتقييم ما إذا كان من حق الاحتلال الإسرائيلي قصف المفاعلات النووية الإيرانية. وتعتمد الإجابة عن هذا السؤال على تفسير عدد من المفاهيم القانونية، مثل مبدأ الدفاع عن النفس، وحقوق السيادة، واستهداف المدنيين. 1- حق الدفاع عن النفس تنص المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة على أن من حق الدول الدفاع عن نفسها في حال تعرضها لاعتداء مسلح مباشر. وإذا اعتبرت إسرائيل أن البرنامج النووي الإيراني يشكل تهديداً وشيكاً لأمنها، يمكنها الاستناد إلى مبدأ الدفاع عن النفس، بشرط أن يكون الهجوم متناسباً مع التهديد، وأن يُنفذ في إطار الدفاع الفوري. لكن وفقاً لخبراء في القانون الدولي، فإن الأهداف المعلنة للهجوم الإسرائيلي هذه المرة تمحورت حول منع هجوم نووي إيراني محتمل في المستقبل، ولم يكن رداً على هجوم بدأ أو هجوم وشيك الوقوع. وبما أن إيران لم تحصل بعد على أسلحة نووية، فلا يوجد تهديد وشيك يبرر لجوء إسرائيل إلى الدفاع الاستباقي عن النفس. ووفقاً للباحث في القانون الدولي، ماركو ميلانوفيتش، هناك ثلاثة توجهات رئيسية بشأن تفسير حق الدفاع عن النفس في القانون الدولي: يجيز بعضها استخدام الدفاع الوقائي عن النفس لصد تهديدات مستقبلية محتملة، وخاصة تلك التي تُعتبر وجودية. ويُجيز بعضها استخدام القوة بهدف استباق هجمات وشيكة. بينما لا يُجيز البعض الآخر اللجوء إلى استخدام القوة إلا بعد وقوع الهجوم فعلياً. ويؤكد ميلانوفيتش أن استخدام القوة لمنع هجوم مستقبلي، كما فعلت إسرائيل في عمليتها الأخيرة، يُعتبر "غير مقبول قانونياً" من قِبل غالبية فقهاء القانون الدولي. وفي مقال نشره عبر موقع EJIL Talk قال:"إن استخدام إسرائيل للقوة ضد إيران، استناداً إلى الحقائق المتاحة، يُرجَّح أن يكون غير قانوني". وأضاف: "ما لم تتمكن إسرائيل من تقديم أدلة أكثر إقناعاً بكثير من تلك المتوفرة حالياً للعامة، فمن غير المنطقي الزعم بأن إيران كانت على وشك مهاجمة إسرائيل، أو أن استخدام القوة كان الخيار الوحيد لمنع هذا الهجوم". 2- جريمة العدوان وجريمة العدوان هي واحدة من الجرائم الدولية الأربع الأساسية المنصوص عليها في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، إلى جانب الإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب. ويُقصد بها التخطيط أو الإعداد أو الشروع أو تنفيذ عمل عدواني، أو استخدام القوة بما يخالف ميثاق الأمم المتحدة، من قِبل شخص يشغل منصباً قيادياً، مثل رئيس دولة أو قائد عسكري كبير. وقد اتهم عدد من الباحثين القانونيين إسرائيل بارتكاب جريمة العدوان في هجومها على إيران. وقال البروفيسور كيفن جون هيلر، من جامعة كوبنهاغن:"قليلة هي الأفعال التي تُعد غير قانونية بشكل قاطع أكثر من الدفاع الوقائي عن النفس في غياب تهديد وشيك. لذلك، فإن هجوم إسرائيل غير قانوني وإجرامي – جريمة عدوان". كما وصف الباحث سيرجي فاسيلييف، من الجامعة المفتوحة في هولندا، الهجوم بأنه يندرج ضمن جريمة العدوان. وكتب على حسابه في منصة إكس (تويتر سابقاً):"هذه العملية تمثل استخداماً غير قانوني للقوة. لم تُشكّل إيران أي تهديد وشيك لإسرائيل يبرر مثل هذا الهجوم. هذا عمل عدواني". Israel has just attacked Iran by conducting strikes on Tehran, Ahvaz, Urmia, and Maragheh to eliminate its military leadership. This operation is an unlawful use of force. Iran presented no imminent threat to Israel that would justify such an attack. This is an act of aggression. — Sergey Vasiliev (@sevslv) June 13, 2025 3. سيادة الدول تُعتبر سيادة الدولة من المبادئ الأساسية في القانون الدولي. وبما أن كلًّا من إسرائيل وإيران دولتان ذاتا سيادة، فإن أي هجوم على منشأة داخل دولة أخرى – حتى في ظل تهديد متصور – قد يُعد خرقاً لسيادتها، ما لم يكن هناك مبرر مشروع قائم على الدفاع عن النفس. وتحظر المادة 2 (4) من ميثاق الأمم المتحدة "التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد السلامة الإقليمية أو الاستقلال السياسي لأي دولة". 4. الأمم المتحدة والمجتمع الدولي يخول ميثاق الأمم المتحدة لمجلس الأمن إصدار قرارات باستخدام القوة في حال وجود تهديد فعلي للسلم والأمن الدوليين. غير أن ذلك يتطلب عادة إجماع الأعضاء الدائمين في المجلس، وهو ما لم يتحقق في حالة الهجوم الإسرائيلي على إيران. وفي ظل غياب تفويض دولي أو توافق داخل مجلس الأمن، تُصنّف الضربات الإسرائيلية على أنها غير مبررة قانونياً. 5- استهداف المدنيين: استهدفت الضربات العسكرية الإسرائيلية الأخيرة عشرات المواقع، بما في ذلك المنشأة النووية الإيرانية في نطنز، وأسفرت عن مقتل قادة عسكريين وعلماء نوويين إيرانيين بارزين. ويُحظر بموجب القانون الإنساني الدولي استهداف المدنيين عمداً. وقد طُرحت شكوك قوية بشأن كون العلماء النوويين الذين قُتلوا جراء الهجوم من الأشخاص المحميين بموجب هذا القانون، ما يجعل من عملية استهدافهم انتهاكاً محتملاً. وعلاوة على ذلك، أشارت الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى أن الهجمات على المنشآت النووية قد تتسبب في إطلاق مواد إشعاعية، مما يُلحق ضرراً جسيماً بالمدنيين والبيئة المحيطة. وقال سعيد بن عربية، مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في لجنة الحقوقيين الدولية:"لا شيء في القانون الدولي يبرر هذه الهجمات المسلحة أو الاستهداف المتعمد للمدنيين المحميين". أما المؤرخ والأكاديمي الأمريكي خوان كول، أستاذ تاريخ الشرق الأوسط وجنوب آسيا في جامعة ميشيغان، فقد كتب:"إذا قصفت الطائرات المقاتلة الإسرائيلية مخزونات من اليورانيوم غير المخصب، فإن ذلك قد يُطلق غباراً مشعاً في الجو، مما يزيد من احتمالات الإصابة بسرطان الرئة لدى السكان المتضررين. أما إذا استهدفت يورانيوم مخصب، فسيكون ذلك بمثابة قنبلة قذرة". وفي مقال نشره عبر موقع Common Dreams تحت عنوان: "قصف إسرائيل غير المبرر لإيران ينتهك القانون الدولي" ، أضاف كول: "لا تشير تقديرات الاستخبارات الأمريكية إلى أن إيران تمتلك برنامجاً نووياً عسكرياً، بل برنامجاً مدنياً لتخصيب اليورانيوم. وبموجب القانون الدولي، يُسمح لها بإنتاج الوقود لمفاعل بوشهر، الذي بُنِي بدعم روسي، مع وجود خطط للتوسع. وبالتالي، فإن الهجوم الإسرائيلي يُعد انتهاكاً للقانون الإنساني الدولي".


بوست عربي
منذ يوم واحد
- بوست عربي
'جيش رقمي' في مصر يحرض على 'قافلة الصمود'.. 'عربي بوست' يكشف دور لجان إلكترونية في تشويه الحملة الداعمة لغزة
يكشف "عربي بوست"، من خلال تحليل أجراه لـ 20 ألف تغريدة على موقع X، عن حملة رقمية ضخمة ومنسقة، تقودها لجان إلكترونية مصرية داعمة للسلطات، تستهدف تشويه صورة "قافلة الصمود" والتحريض عليها، وتُظهر الحملة انسجاماً لافتاً مع الموقف الرسمي المصري الرافض لمرور القافلة عبر الأراضي المصرية. "قافلة الصمود" هي مبادرة إنسانية غير مسلحة، انطلقت من تونس، تضم شخصيات من جنسيات مختلفة، وتهدف إلى الوصول إلى غزة عبر معبر رفح المصري، للتضامن مع سكان القطاع الذين يواصل الاحتلال الحرب عليهم منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2023. لكن القافلة تواجه عقبات، في مقدمتها الموقف الرسمي المصري، وتعرض نشطاء متضامنون مع الحملة في مصر ، يوم الجمعة 13 يونيو/ حزيران 2025، لاعتداء من قبل مواطنين مصريين وصفهم البعض بـ"بلطجية"، كما رحّلت السلطات أجانب كانوا يسعون للانضمام إلى القافلة، وحالياً، القافلة متوقفة عند مدخل مدينة سرت، من قبل سلطات شرق ليبيا التي تسيطر عليها قوات الجنرال خليفة حفتر. يرصد التحليل كيف نشأت الحملة الرقمية ضد القافلة، ويكشف عن الحسابات التي قادت الحملة، وتوقيت انطلاقها، وآلية عمل شبكة من الحسابات التي تعمل بشكل متناسق ضد القافلة، وذلك بهدف خلق انطباع زائف بوجود رفض شعبي واسع داخل مصر للقافلة، يتناغم مع الموقف الرسمي. يعتبر تحقيق هذا الهدف سلوكاً شائعاً في الحملات الرقمية المنظمة، حيث يُستخدم التضخيم المتعمد لنشر محتوى معين لبناء رأي عام افتراضي داعم لرواية السلطة. تُظهر نتائج التحليل أن الحملة الرقمية ضد "قافلة الصمود"، اعتمدت على شبكة واسعة من الحسابات التي تتبنى نمطاً معروفاً في عمل اللجان الإلكترونية، ومن أبرز سمات هذه الحسابات: مجهولة الهوية: تستخدم الحسابات أسماء مستعارة وصوراً تعبيرية، وتُظهر ولاءً علنياً للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والسلطات المصرية، وتتماهى في محتوى تغريداتها مع الموقف الرسمي للدولة. معدل نشر مرتفع ومركز: تنشط الحسابات بشكل مكثف خلال فترة زمنية معينة، وذلك بهدف تضخيم انتشار محتوى معين ودفعه إلى الصدارة على منصة X. بعض الحسابات تم إنشاؤها بالتزامن مع بدء الحملة، أو قبلها بأيام قليلة، وتكثف الحسابات نشاطها في إعادة تغريد منشورات الحسابات الأساسية التي تقود الحملة، بهدف زيادة وصولها على المنصة. سلوك الحسابات الآلية: بعض الحسابات تُظهر أنماطاً من النشر، تشير إلى أنه يمكن تشغيلها عبر أدوات آلية (Bots)، مثل النشر المكثف بفوارق زمنية ضئيلة جداً. يشمل التحليل التغريدات التي نُشرت منذ بداية الحملة، مساء يوم 10 يونيو/ حزيران 2025، وحتى منتصف يوم 12 يونيو/ حزيران 2025، لكن الحملة مستمرة حتى تاريخ نشر هذه المادة. تركّز الحملة الرقمية ضد "قافلة الصمود" على 3 هاشتاغات رئيسية: الهاشتاغ الأبرز: #قافله_الصمود_الخرفانيه #قافلة_الخيانة_مصيرها_الفشل #مفيش_تاشيرات_مفيش_مرور تتضمن هذه تغريدات تُعبّر عن رفض واضح لمرور "قافلة الصمود" من الأراضي المصرية، و"تشويه" صورة المشاركين فيها، وذهبت بعض الحسابات إلى اتهام القافلة بأنها تنفذ "أهدافاً إسرائيلية"، بحسب زعم الحسابات. ويكشف التحليل أن الحملة الرقمية لم تقتصر على الهاشتاغات الرئيسية الثلاث المذكورة، بل توسعت لتشمل عشرات الهاشتاغات الأخرى التي استخدمتها حسابات اللجان الإلكترونية في مهاجمة "قافلة الصمود"، ما يعكس تنسيقاً واضحاً ضمن الحملة. تضخيم الهجوم على "قافلة الصمود" منذ انطلاق الحملة الرقمية ضد القافلة، أظهر تحليل التغريدات وجود نمط واضح لتضخيم ممنهج للمحتوى الذي يهاجم القافلة. ولتوضيح ذلك، أنشأنا تصويراً مرئياً يُبرز بنية شبكة الحسابات التي تقود وتشارك في الحملة. يُظهر التصوير المرئي الحسابات الأساسية التي تقود الحملة (لونها أزرق)، وتحيط بها شبكة من الحسابات الأخرى الداعمة – معظمها مجهولة – من اللجان الإلكترونية (اللون البرتقالي). فمثلاً، تقوم الحسابات الأساسية التي تقود الحملة بنشر تغريدات مهاجمة للقافلة، وسرعان ما تتلقفها عشرات الحسابات الأخرى، وتقوم بإعادة نشرها أو اقتباسها أو التعليق عليها بكثرة، من أجل تعزيز انتشارها على منصة X. وعملية التضخيم هذه ليست عشوائية، بل تعتمد على استراتيجية مدروسة لتوجيه النقاش العام، وتروّج رسائل محددة إلى جمهور أوسع، بهدف تحقيق أهداف الحملة في الوصول والتأثير. اللجان الإلكترونية المصرية بدأت الحملة رصد "عربي بوست" بداية الحملة الرقمية على موقع X ضد "قافلة الصمود"، وتبيّن أنها انطلقت في حدود الساعة 17:43 من يوم 10 يونيو/ حزيران 2025، وتزامنت بداية الحملة مع تصاعد الحديث على منصة X عن نية القافلة المرور عبر الأراضي المصرية، وصولاً إلى معبر رفح مع غزة. شهدت الحملة نمطاً تصاعدياً في وتيرة النشر منذ بدايتها، قبل أن تنخفض قليلاً في ساعات صباح 11 يونيو/ حزيران 2025، إلا أن وتيرتها عادت للارتفاع بشكل ملحوظ مع حلول منتصف اليوم نفسه، لتصل إلى ذروتها الأولى عند الساعة 9:30 مساءً، تزامناً مع إصدار وزارة الخارجية المصرية بياناً رسمياً يشترط حصول المشاركين في القافلة على موافقات مسبقة للمرور إلى الحدود. أثار بيان الخارجية تفاعلاً واسعاً على منصة X، وانقسمت الآراء بين مؤيدين للقرار، لا سيما من قبل الحسابات الموالية للسلطة، وبين معارضين للقرار اعتبروه عرقلة واضحة لقافلة سلمية ترغب في التضامن مع أهل غزة. لاحقاً، بلغت الحملة ذروتها الثانية عند الساعة 12:30 مساءً من يوم 12 يونيو/ حزيران 2025، وذلك بالتزامن مع تصاعد كبير في أعداد التغريدات المدافعة عن الموقف المصري والمهاجمة للمشاركين في "قافلة الصمود" أو من يدعمونها، وكلما ارتفعت وتيرة التغريدات، ازدادت معها عمليات إعادة النشر، في مؤشر واضح على تضخيم متعمد للمحتوى لزيادة انتشاره. قاد الحملة في بداياتها حساب معروف من اللجان الإلكترونية المصرية، اسمه "المايسترو"، وسبق للحساب أن قاد عدة حملات دعماً للموقف المصري الرسمي، وهو ما سنوضحه في الفقرات المقبلة. كان "المايسترو" أول من بدأ في نشر هاشتاغ #قافله_الصمود_الخرفانيه، ومن ثم تحوّل الهاشتاغ إلى العنوان الأبرز لمهاجمة "قافلة الصمود". يمتلك "المايسترو" 3 حسابات على موقع X، وهي: "المايسترو"، و"المايسترو 2″، و"المايسترو 3″، ويبلغ مجموع متابعيها حوالي 132 ألف متابع. وهذه الحسابات لديها آلاف التغريدات المؤيدة للرئيس السيسي وللسلطات المصرية، وتشارك أحياناً في حملات ضد المعارضين للسلطات. أما التغريدة الأولى التي ظهر فيها هاشتاغ #قافله_الصمود_الخرفانيه، فكتبها حساب "المايسترو" يوم 10 يونيو/ حزيران 2025، وشكّكت التغريدة في نوايا القافلة وأهدافها، ووضعت الأساس للحملة التي اتسعت، والتي تلتها آلاف التغريدات في السياق نفسه. بعد نشر التغريدة الأولى التي أطلقت هاشتاغ #قافله_الصمود_الخرفانيه، بدأت حسابات "المايسترو" الثلاثة تقوم بتنشيط الهاشتاغ بشكل مكثف، من خلال نشره كتعليق على منشورات تعود لحسابات أخرى تعمل ضمن اللجان الإلكترونية المصرية، أو من خلال تغريدات أصلية نشرتها حسابات "المايسترو" وتضمنت محتوى هجومياً ضد القافلة. أظهر تحليل التغريدات أن حسابات "المايسترو" نشرت الهاشتاغ 248 مرة خلال أول 5 ساعات فقط من انطلاق الحملة ضد القافلة، ومع استمرار نشاط النشر، بلغ إجمالي التغريدات التي نشرتها حسابات "المايسترو" منذ بدء الحملة وحتى منتصف يوم 12 يونيو/ حزيران 2025، ما مجموعه 446 تغريدة، ما جعل الهاشتاغ يظهر في قائمة التغريدات الأكثر تداولاً في مصر. تتبعنا عشرات الحسابات الأخرى التي كانت نشطة في تفاعلها مع حساب "المايسترو" بعدما أطلق الحملة ضد القافلة، وأظهر التتبع أن مجموعة من الحسابات عملت بشكل متزامن مع حسابات "المايسترو" على نشر الهاشتاغات ضد القافلة، شكّكت في أهدافها وهاجمت المشاركين فيها. من بين أبرز الحسابات، حساب مجهول الهوية يحمل اسم "أبو روان أحمد"، وكشف تحليل السلوك الرقمي لهذا الحساب أنه يعمل وفق نمط الحسابات الآلية المبرمجة (Bots)، إذ ينشر كماً هائلاً من التغريدات خلال فترات زمنية قصيرة وبشكل متكرر. وخلال أول 5 ساعات من انطلاق الحملة، نشر الحساب أو أعاد نشر 428 تغريدة تحتوي على وسم #قافله_الصمود_الخرفانيه أو على محتوى يهاجم القافلة، وذلك بمعدل 165 تغريدة في الساعة، وهو معدل يفوق بكثير ما يمكن لحساب بشري أن يُنتجه. ويُشير "فريق الدعاية الحاسوبية" في "معهد أكسفورد للإنترنت" إلى أن الحساب الذي يتجاوز معدل 50 منشوراً يومياً يُعد سلوكه مريباً، فيما يعتبر "مختبر الأبحاث الجنائية الرقمية" أن نشر أكثر من 72 منشوراً يومياً مؤشّرٌ واضح على نشاط غير طبيعي. أظهر تتبع "عربي بوست" لحساب "أبو روان أحمد" أنه خلال الفترة الممتدة من 10 يونيو/ حزيران وحتى منتصف 12 يونيو/ حزيران 2025، نشر 1304 تغريدات تهاجم القافلة، بفوارق زمنية صغيرة جداً لا تتجاوز ثوانٍ، ما يعزّز الشكوك حول كونه جزءاً من شبكة آلية تُستخدم لتضخيم الحملة الرقمية بصورة مصطنعة. من بين الحسابات البارزة التي ساهمت في تعزيز الحملة الرقمية ضد "قافلة الصمود"، برز حساب مصري مجهول الهوية يُدعى "سيد مكيد"، وهو حساب مؤيد للسلطات ويتفاعل مع حسابات أخرى من اللجان الإلكترونية المصرية. يمتلك الحساب نحو 10,400 متابع، وبدأ نشاطه في الحملة بعد 7 دقائق فقط من انطلاقتها، وشرع في نشر وترويج هاشتاغ #قافله_الصمود_الخرفانيه من خلال تغريدات وصور تهاجم القافلة. في بداية الحملة، ساهم "سيد مكيد" بدعم مباشر لحساب "المايسترو"، حيث استخدم هاشتاغ #قافله_الصمود_الخرفانيه في تعليقات كتبها على تغريداته، قبل أن يبدأ لاحقاً بنشر الهاشتاغ نفسه في تعليقات على حسابات أخرى ضمن الشبكة الرقمية الداعمة للحملة. وخلال أول 24 ساعة فقط من بدء الحملة، نشر الحساب 85 تغريدة تتضمن الهاشتاغ أو رسائل هجومية، فيما بلغ إجمالي تغريداته حتى منتصف 12 يونيو/ حزيران 2025 نحو 135 تغريدة. وأظهرت الفوارق الزمنية القصيرة بين هذه التغريدات نمطاً من النشر المكثف والموجَّه، يهدف إلى تضخيم الرسائل المهاجمة وزيادة ظهورها. ساهمت في الحملة ضد القافلة مجموعة من الحسابات الأخرى ذات النشاط المرتفع، والتي تُظهر مؤشرات واضحة على كونها جزءاً من شبكة اللجان الإلكترونية المصرية، خاصة من حيث معدلات النشر المرتفعة والتغريدات المؤيدة للسلطات في قضايا مختلفة تتناغم مع الموقف الرسمي: من بين هذه الحسابات: Ahmed Elewa: حساب مجهول الهوية، نشر 518 تغريدة ضد القافلة خلال الفترة من 10 يونيو/ حزيران وحتى منتصف 12 يونيو/ حزيران 2025، ما يعكس وتيرة نشر كثيفة ومستمرة. حفيدة جود باشا: حساب آخر مجهول، ساهم بنشر 426 تغريدة في الفترة الزمنية نفسها، اتسمت بمضمون هجومي ومنسجم مع خطاب الحملة. ماجدة حسن: بلغ عدد التغريدات الهجومية ضد القافلة التي نشرها الحساب 412 تغريدة. تضخيم نشر التغريدات من حسابات معيّنة يركز تحليل "عربي بوست" على أبرز الحسابات التي حظيت تغريداتها بتضخيم واسع من قِبل شبكة اللجان الإلكترونية، بهدف رفع مستوى ظهورها على منصة X ودفعها إلى واجهة التداول العام. في مقدمتها يأتي حساب "المايسترو"، ويُظهر التصوير المرئي لنشاط الحساب وتفاعل الحسابات الأخرى معه وجود نمط متعمَّد لإعادة نشر تغريداته من قبل عشرات الحسابات، سواء عبر إعادة التغريد أو التعليق عليها، ما أدّى في النهاية إلى وصول تغريدات حساب "المايسترو" إلى عشرات آلاف الحسابات على موقع X. يُبيّن التحليل أيضاً أن عدداً من الحسابات المجهولة التابعة للجان الإلكترونية لم تكتفِ بالتفاعل العابر مع تغريدات "المايسترو" ضد "قافلة الصمود"، بل كرّرت بشكل لافت إعادة نشر تغريداته أو كتابة تعليقات متكررة عليها. وهذا السلوك هو تكتيك شائع في الحملات الرقمية المنظمة، حيث تعمل الحسابات الفرعية على مضاعفة التفاعل مع الحسابات الرئيسية، والتحايل على خوارزميات المنصات، ومنح المحتوى فرصة أكبر في الوصول إلى المستخدمين الآخرين. تتبعنا حسابات أخرى حظيت تغريداتها بانتشار واسع على منصة X، من بينها حساب يحمل اسم "Sola"، وهو من الحسابات المحورية التي ساهمت في بداية الحملة بنشر هاشتاغ #قافله_الصمود_الخرفانيه. تحليل التفاعلات المرتبطة بهذا الحساب يُبيّن بوضوح أنه يحظى بدعم مباشر من حسابات "المايسترو"، إذ لوحظ أن الأخير يكتب العديد من التعليقات على تغريدات "Sola"، في حين يُظهر الأخير تفاعلاً كثيفاً مع حسابات "المايسترو" وغيرها من الحسابات المجهولة الناشطة ضمن الشبكة نفسها. ويعكس هذا التفاعل المتبادل بين الحسابات عملاً منسقاً ضمن شبكة الحسابات الضخمة، يقوم على الدعم المتبادل، بما يؤدي في النهاية إلى تشويه سمعة الحملة. برز في الحملة ضد "قافلة الصمود" حساب الكاتبة المصرية شيرين هلال، التي روّجت في تغريداتها لهاشتاغ #قافله_الصمود_الخرفانيه. تُعرَف الكاتبة بمواقفها المؤيدة للسلطات المصرية، وكان لها دور كبير في إطلاق حملات مناهضة للاجئين السوريين والسودانيين في مصر، وهي ذات الحملات التي دعمها حساب "المايسترو" وحساب "Sola". بيّن تتبّع الحسابات التي تفاعلت مع تغريدات الكاتبة المصرية حول القافلة، أن من بينها حسابات مجهولة الهوية، شاركت في تضخيم محتواها عبر إعادة نشر التغريدات أكثر من مرة، أو من خلال تكرار التعليق عليها، ما يشير إلى نمط ممنهج لتعزيز انتشار رسائلها ورفع ظهورها على منصة X. وتضم "قافلة الصمود" حالياً نحو 1500 شخص، وإلى جانب التضييق عليها من قبل السلطات في شرق ليبيا والسلطات المصرية، تواجه الحملة أيضاً هجوماً إسرائيلياً. وكان وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، قد طالب يوم الأربعاء 11 يونيو/ حزيران 2025، جيش بلاده بمنع دخول "قافلة الصمود" من مصر إلى القطاع الفلسطيني، وحاول تحريض القاهرة عليها. هاجم كاتس ناشطي القافلة، وقال إنهم "يشكّلون خطراً أيضاً على النظام المصري، وتهديداً لجميع الأنظمة العربية المعتدلة في المنطقة"، وفق قوله، وزعم أن المشاركين في القافلة "يرغبون في الانضمام إلى حركة حماس وتقديم الدعم لها". ولفت كاتس في تصريحاته إلى أنه يتوقّع من السلطات المصرية أن تمنع وصولهم إلى الحدود بين مصر وإسرائيل، "وألا تسمح لهم بتنفيذ استفزازات أو محاولة الدخول إلى قطاع غزة"، مدّعياً أن هذا "أمر يشكّل خطراً على جنود الجيش الإسرائيلي، ولن نسمح به". جاءت مبادرة "قافلة الصمود" في إطار تحرّكات عالمية لآلاف المتضامنين من 32 دولة، لوقف الحرب الإسرائيلية وكسر الحصار عن غزة، وإيصال مساعدات إنسانية في ظل المجاعة الراهنة التي تجتاح القطاع. فيما خلّفت الحرب الإسرائيلية منذ بدايتها ما لا يقل عن 182 ألف شهيد وجريح فلسطيني، معظمهم من الأطفال والنساء، وما يزيد عن 11 ألف مفقود.


بوست عربي
منذ 3 أيام
- بوست عربي
إسرائيل تحارب الفلسطينيين بالسيولة النقدية.. شحّ للشيكل في غزة وانهيار للمنظومة المصرفية في الضفة
لا تقتصر الحرب الاسرائيلية ضد الفلسطينيين على القتل والتدمير والهدم فقط، إذ تذهب إلى أبعد من ذلك نحو حرب اقتصادية غير مسبوقة تمثلت في التسبب بشح الشيكل في غزة من خلال سحب هذه العملة بصورة تدريجية من القطاع، وزيادتها عن الحدّ المقبول في الضفة الغربية. تسبب ذلك في زيادة الضغط الاقتصادي والنقدي على الفلسطينيين المهجّرين والمجوّعين في غزة، وبانهيار المنظومة المصرفية في الضفة، بحسب ما رصده تقرير "عربي بوست". سحب الشيكل من أسواق غزة بدأت معالم الحرب التي يواجهها الفلسطينيون في قطاع غزة مع بداية الحرب في أكتوبر/تشرين الأول 2023، حين أغلق الاحتلال الإسرائيلي معابره أمام التجار في القطاع، ورفض إدخال البضائع التجارية، ما أوقف دخول العملة الاسرائيلية المتداولة في غزة، وهي الشيكل، إلى الأسواق، ولم يتبق سوى الأوراق النقدية الموجودة أصلاً بين المواطنين والتجار ما قبل الحرب. والشيكل تقريبا هو العملة الوحيدة والأساسية المتداولة في السوق الغزّي بالإضافة إلى الدينار الأردني قبل الحرب، حيث توقف الدولار عن التداول بعد توقف المؤسسات الدولية عن تسليم رواتب موظفيها بهذه العملة، واستبدالها بالحوالات المالية عبر حساباتهم المصرفية. وتشترط المؤسسات الدولية تسليم أي حوالات بالدولار تأتي من خارج القطاع بالشيكل، فضلا عن سحب معظم الدولار الذي كان أصلاً في السوق بين شهري يناير/كانون الثاني ومايو/أيار 2024، حين تم فتح معبر رفح، واضطر الفلسطينيون لدفع مبالغ هائلة لشركات تنسيق السفر التي اشترطت الدفع بالدولار، وليس بالشيكل، بحسب ما أكدته تقارير سابقة لـ"عربي بوست". زاد من الأزمة النقدية أن البنوك الفلسطينية في القطاع أغلقت أبوابها أمام عملائها، سواء بسبب الوضع الأمني، خشية القصف الاسرائيلي، أو بداعي الحرص على مقدراتها ومنشآتها المصرفية، بالتالي لم يبق في كل قطاع غزة، الذي يزيد تعداد سكانه عن مليوني نسمة سوى مصرفين فقط. والمصرفان يقعان في مخيمي النصيرات ودير البلح، وسط القطاع، ويتعاملان حصراً بالصراف الآلي، وليس بالعملة النقدية، وبحدّ أقصى لا يزيد عن ألف شيكل في كثير من الأحيان للمواطن، أي أقل من ثلاثمائة دولار. تسبب ذلك في ضغط كبير على هذين المصرفين بالآلاف يومياً، حتى أغلقا أبوابهما قبل أشهر. بحسب مراسل "عربي بوست" في قطاع غزة، فإنه حين يعجز آلاف الفلسطينيين عن الوقوف في الطوابير لاستلام الحدّ الأقصى من السيولة المتوفرة، يتطوع عدد ممن يسمّون "مُخلّصي المعاملات" بالوقوف بدلاً منهم، وأخذ نسبة عن المبلغ الذي يسحبونه من الصراف تصل إلى 30% منه، فيضطر الموظفون أو المراجعون لدفعها بهدوء، وبدون إزعاج، لأن هؤلاء يكونون بالعادة مجموعات منظمة، وبعضهم مُسلحون. وسطا جيش الاحتلال على الفرع الرئيسي لبنك فلسطين بحي الرمال في فبراير/شباط 2024، وهو البنك الأول في غزة، وقام حينها بسرقة 200 مليون شيكل، أي ما يزيد عن 54 مليون دولار. وعلم "عربي بوست" أن "البنوك الفلسطينية سحبت إيداعاتها النقدية من داخل مقارها في غزة، ونقلتها خارج القطاع، وتحديداً إلى الضفة الغربية، بزعم الخشية من اقتحامها من الجيش مجدداً، أو من اللصوص، في ظل الفلتان الأمني في القطاع"، بحسب مصادر مصرفية في القطاع. إغلاق البنوك، وأخذ العمولة على الحوالات المالية مع اشتداد الحرب، والضغط الاقتصادي، وبعد إغلاق ما تبقى من البنوك، بدأ الفلسطينيون يلجأون لمكاتب الصرافة لسحب أرصدتهم من حساباتهم البنكية، أو ما يصلهم من خارج القطاع من تبرعات أو حوالات عائلية أو مصادر العمل، لكن هذه المكاتب لا تسلّمهم المبلغ كاملاً لأنها تقتطع ما تسميه "عمولة" لها بسبب عدم توفر سيولة نقدية. بلغت نسبة العمولة حتى تاريخ نشر هذا التقرير 50% لدى بعض الصرافين، يعني أن من يصله ألف دولار، سيستلم 500 دولار، وحصرا بالشيكل. تتواصل الأزمة النقدية في غزة لتأخذ أشكالاً جديدة غير مسبوقة، ومنها رفض التجار استلام بعض الأوراق النقدية من أيدي المواطنين، بزعم أنها "تالفة، بالية، مهترئة، وقديمة"، لاسيما فئة العشرة والعشرين والخمسين شيكلا، التي اضطروا لأخذها من تجار آخرين، أو من مكاتب الصرافة، بسبب نقص السيولة. يضطرهم ذلك لبيع تلك العملات لأولئك التجار بأقل من قيمتها الحقيقية. يضاف إلى ذلك أن ما يتعلق بالورقتين النقديتين ذات 100 و200 شيكل، فمنها التي توقف الفلسطينيون عن استخدامها حين اندلعت الحرب، وطبع الاحتلال الإسرائيلي أوراقاً جديدة، رغم أن القديمة يتم تداولها بصورة طبيعية، لكن تحكّم التجار في السوق، وغياب الرقابة الحكومية، تسبب بتلك الأزمة بحسب تعليقات المواطنين. لم يتوقف الأمر عند هذا الحدّ، ففي الوقت الذي بدأت السيولة النقدية تشحّ فعلاً في أيدي الفلسطينيين، لجأوا لاستخدام التطبيقات البنكية والمحافظ المالية على هواتفهم المحمولة، وبدأوا بإنجاز معاملاتهم التجارية والشخصية عبرها. على الرغم من هذا الحل، إلا أن مشكلة جديدة ظهرت، بأن التجار على سبيل المثال لا يبيعونهم البضائع والمواد الغذائية عبر التطبيق بذات الثمن الذي يمكن أن يدفعوه نقداً. وفضلاً عن كون أسعار المواد الغذائية وصلت مستويات جنونية غير مسبوقة، فإذا أضيفت إليها العمولة المطلوبة عبر التطبيق، فنحن أمام فئة محدودة فقط من الفلسطينيين قادرة على شراء المواد الأساسية لإبقاء عائلاتها حيّة تتنفّس، بحسب ما أكده مواطنين تحدثوا لـ"عربي بوست" في هذا التقرير. وأضافوا أنه "حين نتحدث عن هذه الأزمة الخانقة التي تتعلق بالحياة، أو ما تبقى منها في غزة، فقد اضطرت عائلات فلسطينية عديدة لبيع ما لديها من مصاغ كي تحصل على أوراق نقدية، وإذا أرادت شراء هذا المصاغ فإن الثمن سيزيد في حال تم تحويل القيمة عبر التطبيق البنكي، أي أن المواطن الفلسطيني إن أراد الانتفاع بما لديه من مصاغ فإنه سيخسر قيمتها على الفور". لكن يضاف إلى كل ذلك، أن بعض التجار توقفوا في الأسابيع الأخيرة عن البيع بالتطبيق البنكي، ممن يأخذون نسبة عالية عن كل سلعة، ولذلك يعجز كثير من أرباب العائلات عن توفير ما تبقى في الأسواق من بضائع بسبب عدم امتلاكهم أوراقاً نقدية. سحب النقد من غزة، وإجبار التجار على دفع ثمن البضائع نقداً في البحث عن الأسباب وراء هذه الأزمة المتصاعدة، يمكن العودة لاقتراح وزير الخارجية الاسرائيلي غدعون ساعر قبل أسابيع بإلغاء ورقة الـ200 شيكل من التداول في غزة، لإحداث شلل في اقتصادها، بزعم القضاء على موارد حماس المالية، مدعياً أنها تحتفظ بجزء كبير من سيولتها النقدية من هذه الأوراق. وقال إن إلغاءها سيُلحق ضرراً بالغاً بالأداء الاقتصادي لحماس، ويحدّ من قدرتها على دفع الرواتب لموظفيها الذين يديرون القطاع حتى الآن. لاقى الاقتراح قبولاً سياسياً لدى حكومة الاحتلال الإسرائيلي، لولا التحفظات الاقتصادية التي خشيت أن يشهد الاقتصاد الإسرائيلي بسبب ذلك انعداماً للثقة، وانتشار الفوضى، لأن سحب الأوراق النقدية المعروفة بحوزة حماس من التداول بشكل فوري، حلّ يحمل مخاطر اقتصادية. فقبل اندلاع الحرب، تدفّقت العديد من فئة 200 شيكل للقطاع عبر الأشخاص والبضائع والتهريب، لذلك لا تملك إسرائيل حالياً معلومات دقيقة ومنظمة عن أرقام السلاسل الموجودة في غزة، وكذلك من غير الواضح مدى فعالية هذه الخطوة في اقتصادها المغلق والمعزول، ومدى تأثير إلغاء الأوراق النقدية عليها فعلياً. لم ييأس الاسرائيليون من هذا الاقتراح، فعملوا على إعادة تدويره من خلال اتباع استراتيجية قاسية على الفلسطينيين، يتم بموجبها سحب الشيكل من غزة تدريجياً، من خلال السماح، على غير العادة، بإدخال بضائع تجارية بعد حصار دام ما يزيد عن 3 أشهر، لكن مقابل أن يدفع عدد من التجار المُحدّدين بالاسم قيمتها المالية نقداً، وليس تحويلاً عبر الحسابات المصرفية. بحسب بعض المصادر المطلعة في غزة، فإن "الحديث يدور عن بضائع تقدر قيمتها بـ6-7 مليون شيكل لكل شاحنة، دفعة واحدة". وكان لافتاً ما رصده مراسل "عربي بوست"، من أن البضائع التي تم إدخالها للقطاع عبر هذه الشاحنات لم تكن ذات أولوية للفلسطينيين المُجوّعين، كالهواتف المحمولة والسجائر والقهوة والنسكافيه والنوتيلا وغيرها. وأكد أنه لم تتضمن أياً منها بضائع تحتاجها العائلة الغزية اليوم في ظل الحصار والحرب، معتقداً أن الهدف من إدخال الشاحنات هو سحب السيولة النقدية بشكل كامل من أيدي الفلسطينيين. كذلك فإن التجار يضطرون لـ"تأمين" شاحناتهم بالاتفاق مع بعض المجموعات المسلحة بمبالغ كبيرة، نقداً وليس تحويلاً، وفي النهاية يجبِر تجار الأسواق المواطنين على الشراء منهم بأسعار مضاعفة، بما تبقى من أوراق نقدية، وليس عبر التطبيقات البنكية. غياب سلطة النقد الفلسطينية عن أزمة شح الشيكل في غزة في مثل هذه الظروف الخانقة في القطاع طالبت العديد من المؤسسات الاقتصادية أن تتدخل سلطة النقد الفلسطينية، باعتبارها البنك المركزي للسلطة الفلسطينية، بالتعاون مع باقي المصارف، بشكل فعلي لمواجهة أزمة شح السيولة في غزة. وطالبت بالعمل على إيجاد طرق لضخ السيولة، والطلب من الجهات الدولية التدخل لدى الاحتلال لإدخالها للقطاع، وفرض إجراءات عقابية على التجار المُتسبّبين بهذه الأزمة الطاحنة، وأن تصرف المؤسسات الدولية مثل الأونروا وغيرها رواتب موظفيها والمساعدات التي تقدمها للفلسطينيين نقداً، بما يضخّ بعض السيولة في السوق. إلا أن سلطة النقد الفلسطينية لم تعلق حتى الآن على هذه المطالب، كما أن "عربي بوست" حاول الحصول على تعليق بهذا الخصوص، إلا أنه لم يحصل على رد حتى الآن. ووصل التضخم في غزة جراء الحرب مستويات غير مسبوقة، فالسلعة التي تساوي 1 شيكل ثمنها اليوم 20 شيكلاً، ما يعني أن النقد فقد قوته الشرائية بشكل كبير؛ كما أن المائة دولار لا تكفي أسرة من أربعة أشخاص ليوم أو يومين، فحبة الطماطم مثلاً، تساوي 15 شيكلاً ما يعادل 4$، أما حبة البطاطا 20 شيكلاً ما يعادل 6 دولارات، أما كيلو الدقيق وهو السلعة الأساسية يصل الى 100 شيكل أي 30 دولاراً، وكيلو السكر إلى أكثر من 200 شيكل أي 60 دولار. مسؤول كبير في الغرفة التجارية الصناعية الزراعية في غزة، كشف لـ"عربي بوست" عن "التواصل مع عدد من التجار المتهمين بالتسبّب بالأزمة، ودعوتهم لعدم التعامل مع التنسيقات التجارية باهظة الثمن، لأنها تُسهم في رفع الأسعار على المواطنين بشكل غير مبرر، وتزيد من معاناتهم، وتؤثر سلبًا على استقرار السوق المحلي". وقال إنه "تصل التجار عروض مغرية من جهات مشبوهة، تتضمن تنسيقات تجارية باهظة الثمن تصل مئات آلاف الشواكل، مقابل إدخال شاحنة واحدة من البضائع للقطاع، ما يمسّ بثوابت العمل التجاري الوطني، ويؤسس لآليات غير شفافة في السوق، وتضرّ بالصالح العام، وتُحدث خللاً في مبدأ تكافؤ الفرص بين التجار، وتُعمّق الفجوة بين التجار والمواطنين، وتزيد من الأعباء اليومية لمن لا يمتلكون قوت يومهم". تكّدس السيولة في الضفة الغربية، وانهيار المنظومة المصرفية مقابل الشح النقدي الهائل في قطاع غزة، انتهج الاحتلال الإسرائيلي سياسة أخرى في الضفة الغربية منذ مايو/أيار 2025، تتمثل بتكديس الشيكل داخل خزائن البنوك الفلسطينية، ما اضطرها لتقييد صارم على سقف الإيداع النقدي من العملة بالنسبة للفلسطينيين. كذلك قامت البنوك في الضفة بخفض سقف الإيداع إلى خمسة آلاف شيكل شهرياً، بعد أن كانت تسمح بإيداعات تصل عشرين ألفاً في اليوم الواحد، بسبب رفض البنوك الإسرائيلية استقبال هذا الفائض. يأتي ذلك على الرغم من أن الاتفاقيات الاقتصادية بين السلطة والاحتلال الإسرائيلي تُخوّل الأولى بتحويل فائض الشيكل من بنوكها المحلية لبنك إسرائيل المركزي مقابل عملات أجنبية، للحفاظ على التوازن النقدي. ووصل متوسط فائض عملة الشيكل سنوياً قرابة 20 مليار شيكل، أي 5.47 مليار دولار، تتكدس في خزائن البنوك، وتتحمل عليها كلفة نقل وتخزين وتأمين. جديد الأزمة المالية في الضفة، ما أصدره سموتريتش قبل ساعات من إلغاء الإعفاء من التعاون مع البنوك الفلسطينية الأمر الذي يدفع إلى انهيارها. وفي حال نفذ تهديده هذا، فستنقطع العلاقة بين النظامين الماليين الإسرائيلي والفلسطيني، في تحرك قد يؤدي لحرمان الفلسطينيين من الحصول على السلع والخدمات الحيوية. لكن الاحتلال الإسرائيلي منذ بدء الحرب على غزة، ورغم ازدياد الفائض، وضع قيوداً صارمةً على التحويلات البنكية الفلسطينية، بقرار سياسي من وزير المالية بيتسلئيل سموتريتش، الذي أعلن عن مخططات الضم والتهجير في الضفة الغربية. هذه الأزمة المتفاقمة "بدأت تسفر عن جدل وارتباك كبيرين في الأسواق الفلسطينية"، بحسب مسؤول في جمعية البنوك في فلسطين فضل عدم ذكر اسمه لـ"عربي بوست"، لافتاً إلى أن الأزمة ألقت بظلال من الشك على قدرة السلطة على التعامل معها، ومخاوف من تحولها من أزمة نقدية بحتة إلى أزمة وطنية، وعودة الفلسطينيين لتخزين أموالهم بعيداً عن البنوك، ما قد يحرم الاقتصاد من إعادة استثمار هذه الأموال. وحذر المسؤول "من تفاقم أزمة تراكم مليارات الشواكل، لأن استمرارها يهدد الاستقرار المالي والاقتصادي، وقد يؤدي لتوقف تسوية التزامات التجار مع نظرائهم الإسرائيليين، وخروجها من التداول". كما أنه توقع ظهور جملة نتائج سلبية تتمثل في تعذّر الوفاء بالتزامات التجار، واضطرار البعض للجوء للسوق السوداء، وارتفاع سعر صرف الدولار في السوق الفعلية، وفرض البنوك قيودا مشددة على استقبال الشيكل، ودعوة الفلسطينيين لاستخدام وسائل الدفع الإلكتروني لتقليل الاعتماد على النقد الورقي، وسط تحذيرات من تخزين الأموال (تحت البلاطة) بالطريقة البدائية القديمة". أزمة تكدس السيولة وصولاً لمخاوف إفلاس السلطة أسباب عديدة وراء الأزمة المتفاقمة في الضفة الغربية، رصدها المسؤول في جمعية البنوك في فلسطين، في النقاط التالية: – تراجع المصادر الرئيسية لدخول الشيكل من إسرائيل لأسواق الضفة منذ اندلاع الحرب. – شبه توقف العمال الفلسطينيين في إسرائيل والمستوطنات، وتراجع معدلاتهم الى بنسبة 86% في الربع الأول من 2025 بعدد 25 ألف عامل، مقارنة مع الربع الثالث 2023، وهو الربع الأخير قبل الحرب بعدد 178 ألفاً، أي أن 86% من فاتورة الأجور الشهرية لم تعد تدخل للأسواق الفلسطينية. وبالتالي تراجع الفاتورة الشهرية من 1.5 مليار شيكل شهرياً إلى 210 ملايين شيكل شهرياً فقط. – تراجع أموال المقاصة التي ترسلها إسرائيل إلى السلطة الفلسطينية بموجب اتفاق باريس الاقتصادي إلى متوسط 500 مليون شيكل شهرياً مقارنة مع متوسط 750 مليون شيكل حتى الربع الثالث من 2023، إبان اندلاع الحرب. – في الوقت الذي يعاني منه القطاع من شح السيولة النقدية، أرسلت بنوكه كميات كبيرة من "الكاش" خلال شهور الحرب باتجاه نظيرتها في الضفة، مما راكم الأزمة. – فوارق أسعار السلع في أسواق التجزئة بالضفة مقارنة مع السوق الإسرائيلية، أي أن أسواقها أصبحت السوق الاستهلاكية الأساسية للمقدسيين وفلسطينيي48، بحيث أصبحت مصباً للشيكل من خلال بيعه لمحال صرافة بأسعار بعيدة عن سعر السوق. شل النظام المالي الفلسطيني دفعاً للتهجير العديد من النتائج تنتظر اقتصاد الضفة بسبب هذه الأزمة، لعل أخطرها أن فرض البنوك الإسرائيلية سقفاً على تحويلات الشيكل من نظيرتها الفلسطينية سيشلّ النظام المالي الفلسطيني، بحسب المسؤول سابق الذكر. وحذر من أن يخلق ذلك ضغوطاً معيشية قد تدفع آلاف الفلسطينيين للهجرة خارج الضفة بحثاً عن فرص نجاة، لأن التراكم النقدي في البنوك يهدد بمنع القروض، وتجميد النشاط الاقتصادي، ما يرفع البطالة، ويقلل الناتج المحلي في الضفة. وتعتمد البنوك الفلسطينية كلياً على نظيرتها الإسرائيلية في عملياتها اليومية، وتسوية المدفوعات بعملة الشيكل، وتحويل أموال المقاصة، والتمويل التجاري، وبدون هذه العلاقة، تصبح معزولة عن النظام المالي العالمي، وتفقد القدرة على العمل بوصفها مؤسسات مصرفية حقيقية. بالتالي ستؤدي الأزمة لتراكم كتلة نقدية ضخمة داخلها دون قدرة على التصريف أو التدوير، ما ينذر بأزمة سيولة خانقة ستنعكس على المواطنين، والتجار، والشركات، وحتى على مؤسسات السلطة ذاتها التي تعاني أصلاً من الوصول إلى حافة الإفلاس، بحسب تحذيرات مسؤولين فلسطينيين وحتى إسرائيليين. تجدر الإشارة أن ميزانية السلطة تعتمد أساساً على أموال المقاصة (من ضرائب وإيرادات) التي تجبيها إسرائيل، وتحوّلها شهرياً، وتشكّل نحو 65% من الإيرادات العامة. ومع توقفها، تصبح السلطة عاجزة عن دفع رواتب الموظفين، أو تمويل الخدمات الصحية والتعليمية، أو حتى سداد التزاماتها المالية الأساسية، ما يهدد بواقع اقتصادي واجتماعي خطير، وارتفاع في معدلات الفقر، وتصاعد الاحتجاجات الشعبية، وشلل شبه كامل في مؤسسات السلطة، ويثير مخاوف من سيناريو الفوضى الأمنية.