
إسرائيل تحارب الفلسطينيين بالسيولة النقدية.. شحّ للشيكل في غزة وانهيار للمنظومة المصرفية في الضفة
لا تقتصر الحرب الاسرائيلية ضد الفلسطينيين على القتل والتدمير والهدم فقط، إذ تذهب إلى أبعد من ذلك نحو حرب اقتصادية غير مسبوقة تمثلت في التسبب بشح الشيكل في غزة من خلال سحب هذه العملة بصورة تدريجية من القطاع، وزيادتها عن الحدّ المقبول في الضفة الغربية.
تسبب ذلك في زيادة الضغط الاقتصادي والنقدي على الفلسطينيين المهجّرين والمجوّعين في غزة، وبانهيار المنظومة المصرفية في الضفة، بحسب ما رصده تقرير "عربي بوست".
سحب الشيكل من أسواق غزة
بدأت معالم الحرب التي يواجهها الفلسطينيون في قطاع غزة مع بداية الحرب في أكتوبر/تشرين الأول 2023، حين أغلق الاحتلال الإسرائيلي معابره أمام التجار في القطاع، ورفض إدخال البضائع التجارية، ما أوقف دخول العملة الاسرائيلية المتداولة في غزة، وهي الشيكل، إلى الأسواق، ولم يتبق سوى الأوراق النقدية الموجودة أصلاً بين المواطنين والتجار ما قبل الحرب.
والشيكل تقريبا هو العملة الوحيدة والأساسية المتداولة في السوق الغزّي بالإضافة إلى الدينار الأردني قبل الحرب، حيث توقف الدولار عن التداول بعد توقف المؤسسات الدولية عن تسليم رواتب موظفيها بهذه العملة، واستبدالها بالحوالات المالية عبر حساباتهم المصرفية.
وتشترط المؤسسات الدولية تسليم أي حوالات بالدولار تأتي من خارج القطاع بالشيكل، فضلا عن سحب معظم الدولار الذي كان أصلاً في السوق بين شهري يناير/كانون الثاني ومايو/أيار 2024، حين تم فتح معبر رفح، واضطر الفلسطينيون لدفع مبالغ هائلة لشركات تنسيق السفر التي اشترطت الدفع بالدولار، وليس بالشيكل، بحسب ما أكدته تقارير سابقة لـ"عربي بوست".
زاد من الأزمة النقدية أن البنوك الفلسطينية في القطاع أغلقت أبوابها أمام عملائها، سواء بسبب الوضع الأمني، خشية القصف الاسرائيلي، أو بداعي الحرص على مقدراتها ومنشآتها المصرفية، بالتالي لم يبق في كل قطاع غزة، الذي يزيد تعداد سكانه عن مليوني نسمة سوى مصرفين فقط.
والمصرفان يقعان في مخيمي النصيرات ودير البلح، وسط القطاع، ويتعاملان حصراً بالصراف الآلي، وليس بالعملة النقدية، وبحدّ أقصى لا يزيد عن ألف شيكل في كثير من الأحيان للمواطن، أي أقل من ثلاثمائة دولار.
تسبب ذلك في ضغط كبير على هذين المصرفين بالآلاف يومياً، حتى أغلقا أبوابهما قبل أشهر.
بحسب مراسل "عربي بوست" في قطاع غزة، فإنه حين يعجز آلاف الفلسطينيين عن الوقوف في الطوابير لاستلام الحدّ الأقصى من السيولة المتوفرة، يتطوع عدد ممن يسمّون "مُخلّصي المعاملات" بالوقوف بدلاً منهم، وأخذ نسبة عن المبلغ الذي يسحبونه من الصراف تصل إلى 30% منه، فيضطر الموظفون أو المراجعون لدفعها بهدوء، وبدون إزعاج، لأن هؤلاء يكونون بالعادة مجموعات منظمة، وبعضهم مُسلحون.
وسطا جيش الاحتلال على الفرع الرئيسي لبنك فلسطين بحي الرمال في فبراير/شباط 2024، وهو البنك الأول في غزة، وقام حينها بسرقة 200 مليون شيكل، أي ما يزيد عن 54 مليون دولار.
وعلم "عربي بوست" أن "البنوك الفلسطينية سحبت إيداعاتها النقدية من داخل مقارها في غزة، ونقلتها خارج القطاع، وتحديداً إلى الضفة الغربية، بزعم الخشية من اقتحامها من الجيش مجدداً، أو من اللصوص، في ظل الفلتان الأمني في القطاع"، بحسب مصادر مصرفية في القطاع.
إغلاق البنوك، وأخذ العمولة على الحوالات المالية
مع اشتداد الحرب، والضغط الاقتصادي، وبعد إغلاق ما تبقى من البنوك، بدأ الفلسطينيون يلجأون لمكاتب الصرافة لسحب أرصدتهم من حساباتهم البنكية، أو ما يصلهم من خارج القطاع من تبرعات أو حوالات عائلية أو مصادر العمل، لكن هذه المكاتب لا تسلّمهم المبلغ كاملاً لأنها تقتطع ما تسميه "عمولة" لها بسبب عدم توفر سيولة نقدية.
بلغت نسبة العمولة حتى تاريخ نشر هذا التقرير 50% لدى بعض الصرافين، يعني أن من يصله ألف دولار، سيستلم 500 دولار، وحصرا بالشيكل.
تتواصل الأزمة النقدية في غزة لتأخذ أشكالاً جديدة غير مسبوقة، ومنها رفض التجار استلام بعض الأوراق النقدية من أيدي المواطنين، بزعم أنها "تالفة، بالية، مهترئة، وقديمة"، لاسيما فئة العشرة والعشرين والخمسين شيكلا، التي اضطروا لأخذها من تجار آخرين، أو من مكاتب الصرافة، بسبب نقص السيولة.
يضطرهم ذلك لبيع تلك العملات لأولئك التجار بأقل من قيمتها الحقيقية.
يضاف إلى ذلك أن ما يتعلق بالورقتين النقديتين ذات 100 و200 شيكل، فمنها التي توقف الفلسطينيون عن استخدامها حين اندلعت الحرب، وطبع الاحتلال الإسرائيلي أوراقاً جديدة، رغم أن القديمة يتم تداولها بصورة طبيعية، لكن تحكّم التجار في السوق، وغياب الرقابة الحكومية، تسبب بتلك الأزمة بحسب تعليقات المواطنين.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحدّ، ففي الوقت الذي بدأت السيولة النقدية تشحّ فعلاً في أيدي الفلسطينيين، لجأوا لاستخدام التطبيقات البنكية والمحافظ المالية على هواتفهم المحمولة، وبدأوا بإنجاز معاملاتهم التجارية والشخصية عبرها.
على الرغم من هذا الحل، إلا أن مشكلة جديدة ظهرت، بأن التجار على سبيل المثال لا يبيعونهم البضائع والمواد الغذائية عبر التطبيق بذات الثمن الذي يمكن أن يدفعوه نقداً.
وفضلاً عن كون أسعار المواد الغذائية وصلت مستويات جنونية غير مسبوقة، فإذا أضيفت إليها العمولة المطلوبة عبر التطبيق، فنحن أمام فئة محدودة فقط من الفلسطينيين قادرة على شراء المواد الأساسية لإبقاء عائلاتها حيّة تتنفّس، بحسب ما أكده مواطنين تحدثوا لـ"عربي بوست" في هذا التقرير.
وأضافوا أنه "حين نتحدث عن هذه الأزمة الخانقة التي تتعلق بالحياة، أو ما تبقى منها في غزة، فقد اضطرت عائلات فلسطينية عديدة لبيع ما لديها من مصاغ كي تحصل على أوراق نقدية، وإذا أرادت شراء هذا المصاغ فإن الثمن سيزيد في حال تم تحويل القيمة عبر التطبيق البنكي، أي أن المواطن الفلسطيني إن أراد الانتفاع بما لديه من مصاغ فإنه سيخسر قيمتها على الفور".
لكن يضاف إلى كل ذلك، أن بعض التجار توقفوا في الأسابيع الأخيرة عن البيع بالتطبيق البنكي، ممن يأخذون نسبة عالية عن كل سلعة، ولذلك يعجز كثير من أرباب العائلات عن توفير ما تبقى في الأسواق من بضائع بسبب عدم امتلاكهم أوراقاً نقدية.
سحب النقد من غزة، وإجبار التجار على دفع ثمن البضائع نقداً
في البحث عن الأسباب وراء هذه الأزمة المتصاعدة، يمكن العودة لاقتراح وزير الخارجية الاسرائيلي غدعون ساعر قبل أسابيع بإلغاء ورقة الـ200 شيكل من التداول في غزة، لإحداث شلل في اقتصادها، بزعم القضاء على موارد حماس المالية، مدعياً أنها تحتفظ بجزء كبير من سيولتها النقدية من هذه الأوراق.
وقال إن إلغاءها سيُلحق ضرراً بالغاً بالأداء الاقتصادي لحماس، ويحدّ من قدرتها على دفع الرواتب لموظفيها الذين يديرون القطاع حتى الآن.
لاقى الاقتراح قبولاً سياسياً لدى حكومة الاحتلال الإسرائيلي، لولا التحفظات الاقتصادية التي خشيت أن يشهد الاقتصاد الإسرائيلي بسبب ذلك انعداماً للثقة، وانتشار الفوضى، لأن سحب الأوراق النقدية المعروفة بحوزة حماس من التداول بشكل فوري، حلّ يحمل مخاطر اقتصادية.
فقبل اندلاع الحرب، تدفّقت العديد من فئة 200 شيكل للقطاع عبر الأشخاص والبضائع والتهريب، لذلك لا تملك إسرائيل حالياً معلومات دقيقة ومنظمة عن أرقام السلاسل الموجودة في غزة، وكذلك من غير الواضح مدى فعالية هذه الخطوة في اقتصادها المغلق والمعزول، ومدى تأثير إلغاء الأوراق النقدية عليها فعلياً.
لم ييأس الاسرائيليون من هذا الاقتراح، فعملوا على إعادة تدويره من خلال اتباع استراتيجية قاسية على الفلسطينيين، يتم بموجبها سحب الشيكل من غزة تدريجياً، من خلال السماح، على غير العادة، بإدخال بضائع تجارية بعد حصار دام ما يزيد عن 3 أشهر، لكن مقابل أن يدفع عدد من التجار المُحدّدين بالاسم قيمتها المالية نقداً، وليس تحويلاً عبر الحسابات المصرفية.
بحسب بعض المصادر المطلعة في غزة، فإن "الحديث يدور عن بضائع تقدر قيمتها بـ6-7 مليون شيكل لكل شاحنة، دفعة واحدة".
وكان لافتاً ما رصده مراسل "عربي بوست"، من أن البضائع التي تم إدخالها للقطاع عبر هذه الشاحنات لم تكن ذات أولوية للفلسطينيين المُجوّعين، كالهواتف المحمولة والسجائر والقهوة والنسكافيه والنوتيلا وغيرها.
وأكد أنه لم تتضمن أياً منها بضائع تحتاجها العائلة الغزية اليوم في ظل الحصار والحرب، معتقداً أن الهدف من إدخال الشاحنات هو سحب السيولة النقدية بشكل كامل من أيدي الفلسطينيين.
كذلك فإن التجار يضطرون لـ"تأمين" شاحناتهم بالاتفاق مع بعض المجموعات المسلحة بمبالغ كبيرة، نقداً وليس تحويلاً، وفي النهاية يجبِر تجار الأسواق المواطنين على الشراء منهم بأسعار مضاعفة، بما تبقى من أوراق نقدية، وليس عبر التطبيقات البنكية.
غياب سلطة النقد الفلسطينية عن أزمة شح الشيكل في غزة
في مثل هذه الظروف الخانقة في القطاع طالبت العديد من المؤسسات الاقتصادية أن تتدخل سلطة النقد الفلسطينية، باعتبارها البنك المركزي للسلطة الفلسطينية، بالتعاون مع باقي المصارف، بشكل فعلي لمواجهة أزمة شح السيولة في غزة.
وطالبت بالعمل على إيجاد طرق لضخ السيولة، والطلب من الجهات الدولية التدخل لدى الاحتلال لإدخالها للقطاع، وفرض إجراءات عقابية على التجار المُتسبّبين بهذه الأزمة الطاحنة، وأن تصرف المؤسسات الدولية مثل الأونروا وغيرها رواتب موظفيها والمساعدات التي تقدمها للفلسطينيين نقداً، بما يضخّ بعض السيولة في السوق.
إلا أن سلطة النقد الفلسطينية لم تعلق حتى الآن على هذه المطالب، كما أن "عربي بوست" حاول الحصول على تعليق بهذا الخصوص، إلا أنه لم يحصل على رد حتى الآن.
ووصل التضخم في غزة جراء الحرب مستويات غير مسبوقة، فالسلعة التي تساوي 1 شيكل ثمنها اليوم 20 شيكلاً، ما يعني أن النقد فقد قوته الشرائية بشكل كبير؛ كما أن المائة دولار لا تكفي أسرة من أربعة أشخاص ليوم أو يومين، فحبة الطماطم مثلاً، تساوي 15 شيكلاً ما يعادل 4$، أما حبة البطاطا 20 شيكلاً ما يعادل 6 دولارات، أما كيلو الدقيق وهو السلعة الأساسية يصل الى 100 شيكل أي 30 دولاراً، وكيلو السكر إلى أكثر من 200 شيكل أي 60 دولار.
مسؤول كبير في الغرفة التجارية الصناعية الزراعية في غزة، كشف لـ"عربي بوست" عن "التواصل مع عدد من التجار المتهمين بالتسبّب بالأزمة، ودعوتهم لعدم التعامل مع التنسيقات التجارية باهظة الثمن، لأنها تُسهم في رفع الأسعار على المواطنين بشكل غير مبرر، وتزيد من معاناتهم، وتؤثر سلبًا على استقرار السوق المحلي".
وقال إنه "تصل التجار عروض مغرية من جهات مشبوهة، تتضمن تنسيقات تجارية باهظة الثمن تصل مئات آلاف الشواكل، مقابل إدخال شاحنة واحدة من البضائع للقطاع، ما يمسّ بثوابت العمل التجاري الوطني، ويؤسس لآليات غير شفافة في السوق، وتضرّ بالصالح العام، وتُحدث خللاً في مبدأ تكافؤ الفرص بين التجار، وتُعمّق الفجوة بين التجار والمواطنين، وتزيد من الأعباء اليومية لمن لا يمتلكون قوت يومهم".
تكّدس السيولة في الضفة الغربية، وانهيار المنظومة المصرفية
مقابل الشح النقدي الهائل في قطاع غزة، انتهج الاحتلال الإسرائيلي سياسة أخرى في الضفة الغربية منذ مايو/أيار 2025، تتمثل بتكديس الشيكل داخل خزائن البنوك الفلسطينية، ما اضطرها لتقييد صارم على سقف الإيداع النقدي من العملة بالنسبة للفلسطينيين.
كذلك قامت البنوك في الضفة بخفض سقف الإيداع إلى خمسة آلاف شيكل شهرياً، بعد أن كانت تسمح بإيداعات تصل عشرين ألفاً في اليوم الواحد، بسبب رفض البنوك الإسرائيلية استقبال هذا الفائض.
يأتي ذلك على الرغم من أن الاتفاقيات الاقتصادية بين السلطة والاحتلال الإسرائيلي تُخوّل الأولى بتحويل فائض الشيكل من بنوكها المحلية لبنك إسرائيل المركزي مقابل عملات أجنبية، للحفاظ على التوازن النقدي.
ووصل متوسط فائض عملة الشيكل سنوياً قرابة 20 مليار شيكل، أي 5.47 مليار دولار، تتكدس في خزائن البنوك، وتتحمل عليها كلفة نقل وتخزين وتأمين.
جديد الأزمة المالية في الضفة، ما أصدره سموتريتش قبل ساعات من إلغاء الإعفاء من التعاون مع البنوك الفلسطينية الأمر الذي يدفع إلى انهيارها.
وفي حال نفذ تهديده هذا، فستنقطع العلاقة بين النظامين الماليين الإسرائيلي والفلسطيني، في تحرك قد يؤدي لحرمان الفلسطينيين من الحصول على السلع والخدمات الحيوية.
لكن الاحتلال الإسرائيلي منذ بدء الحرب على غزة، ورغم ازدياد الفائض، وضع قيوداً صارمةً على التحويلات البنكية الفلسطينية، بقرار سياسي من وزير المالية بيتسلئيل سموتريتش، الذي أعلن عن مخططات الضم والتهجير في الضفة الغربية.
هذه الأزمة المتفاقمة "بدأت تسفر عن جدل وارتباك كبيرين في الأسواق الفلسطينية"، بحسب مسؤول في جمعية البنوك في فلسطين فضل عدم ذكر اسمه لـ"عربي بوست"، لافتاً إلى أن الأزمة ألقت بظلال من الشك على قدرة السلطة على التعامل معها، ومخاوف من تحولها من أزمة نقدية بحتة إلى أزمة وطنية، وعودة الفلسطينيين لتخزين أموالهم بعيداً عن البنوك، ما قد يحرم الاقتصاد من إعادة استثمار هذه الأموال.
وحذر المسؤول "من تفاقم أزمة تراكم مليارات الشواكل، لأن استمرارها يهدد الاستقرار المالي والاقتصادي، وقد يؤدي لتوقف تسوية التزامات التجار مع نظرائهم الإسرائيليين، وخروجها من التداول".
كما أنه توقع ظهور جملة نتائج سلبية تتمثل في تعذّر الوفاء بالتزامات التجار، واضطرار البعض للجوء للسوق السوداء، وارتفاع سعر صرف الدولار في السوق الفعلية، وفرض البنوك قيودا مشددة على استقبال الشيكل، ودعوة الفلسطينيين لاستخدام وسائل الدفع الإلكتروني لتقليل الاعتماد على النقد الورقي، وسط تحذيرات من تخزين الأموال (تحت البلاطة) بالطريقة البدائية القديمة".
أزمة تكدس السيولة وصولاً لمخاوف إفلاس السلطة
أسباب عديدة وراء الأزمة المتفاقمة في الضفة الغربية، رصدها المسؤول في جمعية البنوك في فلسطين، في النقاط التالية:
– تراجع المصادر الرئيسية لدخول الشيكل من إسرائيل لأسواق الضفة منذ اندلاع الحرب.
– شبه توقف العمال الفلسطينيين في إسرائيل والمستوطنات، وتراجع معدلاتهم الى بنسبة 86% في الربع الأول من 2025 بعدد 25 ألف عامل، مقارنة مع الربع الثالث 2023، وهو الربع الأخير قبل الحرب بعدد 178 ألفاً، أي أن 86% من فاتورة الأجور الشهرية لم تعد تدخل للأسواق الفلسطينية.
وبالتالي تراجع الفاتورة الشهرية من 1.5 مليار شيكل شهرياً إلى 210 ملايين شيكل شهرياً فقط.
– تراجع أموال المقاصة التي ترسلها إسرائيل إلى السلطة الفلسطينية بموجب اتفاق باريس الاقتصادي إلى متوسط 500 مليون شيكل شهرياً مقارنة مع متوسط 750 مليون شيكل حتى الربع الثالث من 2023، إبان اندلاع الحرب.
– في الوقت الذي يعاني منه القطاع من شح السيولة النقدية، أرسلت بنوكه كميات كبيرة من "الكاش" خلال شهور الحرب باتجاه نظيرتها في الضفة، مما راكم الأزمة.
– فوارق أسعار السلع في أسواق التجزئة بالضفة مقارنة مع السوق الإسرائيلية، أي أن أسواقها أصبحت السوق الاستهلاكية الأساسية للمقدسيين وفلسطينيي48، بحيث أصبحت مصباً للشيكل من خلال بيعه لمحال صرافة بأسعار بعيدة عن سعر السوق.
شل النظام المالي الفلسطيني دفعاً للتهجير
العديد من النتائج تنتظر اقتصاد الضفة بسبب هذه الأزمة، لعل أخطرها أن فرض البنوك الإسرائيلية سقفاً على تحويلات الشيكل من نظيرتها الفلسطينية سيشلّ النظام المالي الفلسطيني، بحسب المسؤول سابق الذكر.
وحذر من أن يخلق ذلك ضغوطاً معيشية قد تدفع آلاف الفلسطينيين للهجرة خارج الضفة بحثاً عن فرص نجاة، لأن التراكم النقدي في البنوك يهدد بمنع القروض، وتجميد النشاط الاقتصادي، ما يرفع البطالة، ويقلل الناتج المحلي في الضفة.
وتعتمد البنوك الفلسطينية كلياً على نظيرتها الإسرائيلية في عملياتها اليومية، وتسوية المدفوعات بعملة الشيكل، وتحويل أموال المقاصة، والتمويل التجاري، وبدون هذه العلاقة، تصبح معزولة عن النظام المالي العالمي، وتفقد القدرة على العمل بوصفها مؤسسات مصرفية حقيقية.
بالتالي ستؤدي الأزمة لتراكم كتلة نقدية ضخمة داخلها دون قدرة على التصريف أو التدوير، ما ينذر بأزمة سيولة خانقة ستنعكس على المواطنين، والتجار، والشركات، وحتى على مؤسسات السلطة ذاتها التي تعاني أصلاً من الوصول إلى حافة الإفلاس، بحسب تحذيرات مسؤولين فلسطينيين وحتى إسرائيليين.
تجدر الإشارة أن ميزانية السلطة تعتمد أساساً على أموال المقاصة (من ضرائب وإيرادات) التي تجبيها إسرائيل، وتحوّلها شهرياً، وتشكّل نحو 65% من الإيرادات العامة.
ومع توقفها، تصبح السلطة عاجزة عن دفع رواتب الموظفين، أو تمويل الخدمات الصحية والتعليمية، أو حتى سداد التزاماتها المالية الأساسية، ما يهدد بواقع اقتصادي واجتماعي خطير، وارتفاع في معدلات الفقر، وتصاعد الاحتجاجات الشعبية، وشلل شبه كامل في مؤسسات السلطة، ويثير مخاوف من سيناريو الفوضى الأمنية.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


بوست عربي
منذ يوم واحد
- بوست عربي
الديون الضخمة وتراجع الاستثمارات الخليجية وتأجيل قرض صندوق النقد.. أسباب طرح الحكومة المصرية سواحل بالبحر الأحمر للبيع
قالت مصادر مصرية متطابقة إن حجم الديون الخارجية المستحقة على مصر حتى سبتمبر/أيلول 2025، والتي لا تقل عن 44 مليار دولار، دفع القيادة السياسية إلى اتخاذ قرارات استثنائية، من بينها تخصيص نحو مئتي مليون متر مربع من الأراضي الواقعة على سواحل البحر الأحمر لصالح وزارة المالية، وذلك لاستغلالها من أجل استقطاب استثمارات أو إصدار صكوك سيادية جديدة. وبحسب ذات المصادر، فإن صندوق النقد الدولي أرجأ صرف الشريحة الخامسة من قرضه لمصر، والتي كان من المقرر الإفراج عنها في مايو/أيار 2025. هذا التأجيل مثّل ضربة موجعة لصانعي القرار في القاهرة، في وقت تُواجه فيه البلاد التزامات مالية ضخمة في الداخل والخارج، لا سيما أن الشريحة كانت ستوفر سيولة نقدية عاجلة تمكّن الدولة من تغطية جزء من التزاماتها الدولارية الآنية. غياب الشريحة الجديدة من الصندوق زاد من حالة الترقب والقلق داخل الدوائر الاقتصادية، خصوصاً أن مصر تحتاج خلال أشهر الصيف المقبلة إلى تدبير موارد مالية إضافية لتأمين واردات الغاز الطبيعي، وهو ما يعني أن البلاد قد تلجأ إلى أسواق الدين مجدداً، في ظل محدودية الموارد الأخرى، واشتداد أزمة النقد الأجنبي حسب كلام المصادر. كانت الجريدة الرسمية المصرية قد أعلنت يوم الثلاثاء 10 يونيو/حزيران 2025 عن قرار الدولة بتخصيص أرض تابعة لها لوزارة المالية في محافظة البحر الأحمر. وتبلغ مساحة الأرض المخصصة أكثر من 174 كيلومتراً مربعاً، والغرض من هذا التخصيص هو استخدام الأرض في جهود الدولة لخفض الدين العام وإصدار صكوك سيادية. مع أن القرار لم يوضح كيفية استغلال الأرض، إلا أن مصر، التي تواجه صعوبات اقتصادية كبيرة، سبق أن وقّعت اتفاقاً مع الإمارات في العام السابق لتطوير جزء من الأراضي المطلة على البحر الأبيض المتوسط ضمن مشروع بلغت قيمته 35 مليار دولار. ومنذ ذلك الحين، تبذل مصر جهوداً حثيثة لجذب استثمارات مماثلة بهدف التغلب على هذه الأزمة الاقتصادية. 44 مليار دولار مستحقات 2025.. وأبواب مغلقة وفي تصريحات خاصة لـ"عربي بوست"، كشف مصدر حكومي بارز من مجلس الوزراء أن مصر مطالبة بسداد نحو 44 مليار دولار خلال عام 2025. هذا الرقم الضخم يفسّر – وفقاً للمصدر – الكثير من التحركات الأخيرة التي اتخذتها الدولة، بدءاً من طرح أصول جديدة للاستثمار، ووصولاً إلى تخصيص أراضٍ واسعة لصالح وزارة المالية بهدف إصدار أدوات دين سيادية مدعومة بالأصول. غير أن المشكلة تبدو أعمق من مجرد الحاجة إلى سيولة عاجلة. فقد أشار المصدر ذاته إلى أن الحكومة المصرية فشلت حتى الآن في تحريك ملفات التعاون الاقتصادي مع السعودية، بما في ذلك مشاريع مشتركة بمليارات الدولارات كانت قد نوقشت في وقت سابق، لكنّ خلافات في بعض الملفات الإقليمية عطلت التنفيذ، وأضعفت قدرة الدولة على جذب استثمارات خليجية واسعة النطاق. أراضي البحر الأحمر على طاولة التمويل تحت ضغط الحاجة العاجلة لتوفير موارد إضافية، اتخذت الحكومة المصرية قراراً استثنائياً بتخصيص نحو مئتي مليون متر مربع من الأراضي على شواطئ البحر الأحمر لصالح وزارة المالية، بحسب ما أكده المصدر الحكومي. القرار جاء بعد اجتماع رفيع المستوى الأسبوع الماضي جمع كلاً من الرئيس عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء ووزير المالية، حيث جرى الاتفاق على تخصيص هذه المساحة لأغراض تتعلق بـ"الاستكتاب في صكوك جديدة" وفق كلام المصدر المقرّب من مجلس الوزراء. الهدف من هذا التحرك، كما أوضح المصدر، هو إتاحة الأرض كأصل يمكن استخدامه لإصدار أدوات مالية تدر عائداً سريعاً، أو لعرضها مباشرة على مستثمرين عرب كفرص جاهزة للتطوير العقاري والسياحي، بما يشبه تماماً ما حدث في منطقة "رأس الحكمة" التي جرى تخصيصها مؤخراً لصالح استثمارات إماراتية ضخمة. مفاوضات مع الخليج.. وعودة لسياسات بيع الأصول بحسب المصدر، فإن الرئيس السيسي وجّه الحكومة إلى فتح باب التفاوض العاجل مع دول الخليج، وعلى رأسها قطر والسعودية، من أجل إقناعها بالاستثمار في المساحة المخصصة على البحر الأحمر، خاصة مع التشابه الكبير مع مشروع رأس الحكمة الذي حصلت فيه أبوظبي على حصة كبيرة مقابل نحو 35 مليار دولار. ويبدو أن القاهرة تسعى لتكرار التجربة، ولكن هذه المرة مع شركاء جدد وفي موقع استراتيجي آخر. هذا التوجه يشير إلى أن الحكومة عادت مرة أخرى إلى سياسة بيع أو تخصيص الأصول مقابل تمويلات دولارية، وهي السياسة التي أثارت جدلاً واسعاً في السنوات الأخيرة، وسط تساؤلات مستمرة حول جدواها الاقتصادية، وأثرها على سيادة الدولة وحقوق الأجيال المقبلة حسب كلام المصدر. هل يكفي تخصيص الأراضي لتجاوز الأزمة؟ في السياق ذاته قال مصدر في البرلمان المصري إن تخصيص أراضٍ أو إصدار صكوك جديدة لن يكون كافياً لوحده لاحتواء الأزمة. فالدين العام يتفاقم، وتكلفة خدمة الدين وحدها باتت تستنزف جانباً كبيراً من موازنة الدولة، في وقت تتقلص فيه موارد الدولة الإنتاجية، وتتراجع فيه معدلات النمو، وتتزايد فيه الأعباء الاجتماعية والاقتصادية على المواطنين. وأوضح المصدر أن المعضلة تكمن في أن الحلول المتاحة باتت محدودة: قروض جديدة بأسعار فائدة مرتفعة، أو بيع المزيد من الأصول، أو الدخول في تحالفات استثمارية قد تُفضي إلى تنازلات سياسية. في كل الحالات، يدفع الاقتصاد المصري فاتورة باهظة نتيجة إخفاقات هيكلية تراكمت عبر سنوات، بدءاً من السياسات النقدية والمالية، وصولاً إلى غياب رؤية إنتاجية مستدامة. تآكل الاحتياطي وغياب السيولة وكشف مصدر في البرلمان المصري أن الحكومة لم تتوقف عند المئتي مليون متر مربع في البحر الأحمر لكنها بدأت كذلك خطوات أخرى لحصر مساحات جديدة من الأراضي الواقعة في مناطق استراتيجية، خاصة على سواحل البحر الأحمر وبعض المناطق في العريش، بهدف طرحها أمام مستثمرين عرب أو حكومات خليجية خلال الشهور القليلة المقبلة. ويأتي هذا التحرّك في إطار خطة حكومية غير معلنة لتأمين سيولة دولارية عاجلة، في مواجهة أزمة تمويلية خانقة باتت تهدد الاستقرار المالي للدولة. المصدر البرلماني الذي تحدث لـ"عربي بوست" اشترط عدم الكشف عن هويته، وأوضح أن مصر تحتاج إلى سيولة ضخمة جداً قبل سبتمبر/أيلول من العام الجاري، من أجل الإيفاء بالتزامات ديونها الخارجية المستحقة. وأضاف أن الوضع أصبح "حرجاً للغاية"، بسبب عدم توفر السيولة الدولارية داخلياً، وتآكل مصادر النقد الأجنبي التقليدية. المصدر لفت إلى أن الخيارات المتاحة أمام الحكومة باتت محدودة، خاصة في ظل تعثر الاستثمارات الخليجية الجديدة، وتأجيل عدد من المشاريع الكبرى التي كان من المتوقع أن تضخ سيولة مباشرة في السوق المصري خلال النصف الأول من العام. خسائر في الاحتياطي وخروج الأموال الساخنة في تطور مقلق آخر، أشار المصدر إلى أن الاحتياطي النقدي الأجنبي لدى البنك المركزي شهد تراجعاً بنحو ملياري دولار خلال الشهر الماضي، وهو ما يعكس هشاشة الوضع الاقتصادي والتقلبات الحادة في السوق المالية. وأوضح أن هذا التراجع يعود جزئياً إلى خروج جزء من الأموال الساخنة، وهي استثمارات غير مستقرة عادة ما تدخل الأسواق الناشئة للاستفادة من فروق أسعار الفائدة، لكنها تنسحب سريعاً عند أول بوادر توتر اقتصادي أو سياسي. وتابع المصدر: "بسبب هذا التذبذب، خسرنا جزءاً مهماً من احتياطي النقد، والمشكلة الأكبر أن مصر مقبلة على موسم الصيف، وهو أكثر الفترات استهلاكاً للطاقة، ومعها تتزايد الحاجة لاستيراد كميات كبيرة من الغاز الطبيعي، ما يستنزف المزيد من العملة الأجنبية". خيارات محدودة.. وقروض مرتقبة أمام هذا المشهد، يبدو أن الحكومة المصرية مضطرة للعودة إلى أسواق الاقتراض مجدداً، سواء عبر طرح أدوات دين دولية، أو عبر الحصول على تمويلات جديدة من دول شريكة. لكن المصدر البرلماني حذر من أن الاقتراض في الوقت الراهن سيكون بشروط قاسية وبفوائد مرتفعة، خاصة في ظل تراجع التصنيف الائتماني للبلاد، وزيادة المخاطر المرتبطة بسوقها المالي. وأضاف: "الدولة الآن لا تملك ترف التأجيل، هي مضطرة للبحث عن سيولة في أسرع وقت، ولذلك تلجأ إلى ما تملك: الأراضي، الأصول، وربما المزيد من الشراكات الاستثمارية الطارئة". البحر الأحمر والعريش.. مشاريع تحت التحضير بحسب المعلومات التي حصلت عليها "عربي بوست"، فإن الأراضي الجاري العمل على تخصيصها لا تقتصر فقط على موقع بعينه، بل تشمل مناطق ساحلية إضافية على البحر الأحمر، وكذلك مواقع استراتيجية في شمال سيناء، خصوصاً العريش، التي بدأت تشهد بالفعل اهتماماً من بعض المستثمرين بسبب موقعها الجغرافي القريب من السوقين الإسرائيلي والفلسطيني. ويُتوقع أن تُعرض هذه الأراضي على صناديق استثمار خليجية، أو تُستخدم كضمانات لعقود استثمارية طويلة الأجل تدر على مصر سيولة مباشرة، في خطوة تعكس العودة المكثفة إلى سياسات بيع أو تأجير الأصول العامة لتجاوز أزمات نقدية حادة. بحسب الدكتور كريم العمدة، أستاذ الاقتصاد السياسي، في تصريحاته لـ"عربي بوست"، فإن هذا النوع من القرارات يعكس استراتيجية متكررة للدولة المصرية في استثمار الأصول العقارية لتعويض نقص الموارد السيادية. يربط العمدة القرار الجديد بصفقة "رأس الحكمة" الشهيرة التي أبرمتها الحكومة المصرية مع الإمارات، حيث تم منح حق تطوير المنطقة لصندوق أبوظبي السيادي مقابل استثمارات ضخمة. لكن كريم العمدة يلفت إلى اختلاف في التفاصيل: ففي صفقة رأس الحكمة، كانت وزارة الإسكان ولجنة التخطيط هما الجهتان الفاعلتان، بينما في حالة أراضي البحر الأحمر فإن وزارة المالية هي المتصدرة، والهدف المعلن هو تسديد الدين العام. الثقة المفقودة بين المواطن والحكومة يرى العمدة أن ربط القرار بتسديد الدين العام هو محاولة لإعادة بناء جسور الثقة بين المواطن والحكومة، وهي ثقة تآكلت بفعل ما يعتبره المواطنون إنفاقاً غير رشيد على مشروعات كبرى لا تمس حياتهم اليومية مباشرة. كما يضيف: "الناس دائماً تقول الفلوس بتروح على الكباري والشوارع، فالدولة بتحاول تقول لا، إحنا هنا هنستخدم العائد في تقليل الدين". هذه الخطوة قد تعكس إدراكاً داخل دوائر الحكم بأهمية تقديم خطاب اقتصادي جديد، يركز على أهداف مالية ملموسة. الديون: إرث تاريخي وأزمة مستمرة مع ذلك، لا يحمّل العمدة النظام الحالي وحده مسؤولية تفاقم الدين العام، مشيراً إلى أن الاعتماد على القروض هو نهج تاريخي بدأ منذ عهد حسني مبارك، حين كانت كافة مشروعات التنمية تموّل عبر الديون. لكن كريم العمدة يقر بأن الواقع الحالي لا يتيح لمصر رفاهية رفض الديون الخارجية، نظراً لحجم الأزمة. إلا أن المشكلة، كما يوضح، لا تكمن فقط في وجود الديون، بل في غياب "الرشد الاقتصادي" في إدارتها. مضيفاً إن زيادة حجم الدين تعني تراجعاً في صورة مصر الائتمانية عالمياً، وتقلصاً في فرص الحصول على تمويل إضافي من دول الخليج، التي باتت أكثر حذراً في تقديم الدعم المالي بلا شروط واضحة أو عوائد ملموسة. تفاصيل قرار السيسي أفاد الخبير الاقتصادي مصطفى عادل بأن الرئيس المصري أصدر قراراً جمهورياً يقضي بتخصيص حوالي 174 مليون متر مربع من أراضي الدولة في منطقة البحر الأحمر، ما يعادل حوالي 41 ألف فدان، لصالح وزارة المالية. ويهدف هذا التخصيص إلى استخدام تلك الأراضي كضمان لإصدار صكوك سيادية. وأوضح عادل أن الصكوك السيادية تعتبر أداة تمويلية تختلف عن أدوات الدين التقليدية كالسندات وأذون الخزانة، حيث تمثل حصة شائعة في ملكية أصل أو منفعة أو مشروع معين، وليست مجرد التزام مالي من الدولة بالسداد. وبالتالي، فإن المستثمر الذي يشتري الصك يمتلك فعلياً حصة من أصل يدر عائداً، وهو ما يعتبر ضمانة أقوى، خاصة في حالات التعثر أو التأخر عن السداد، مقارنة بالسندات التي تسدد الدولة قيمتها وفوائدها دون ارتباط مباشر بأصول. وأشار إلى أن هذا القرار يأتي في توقيت بالغ الحساسية على صعيد السياسة المالية، حيث أعلنت وزارة المالية عن خطتها للاقتراض بنحو 2.7 تريليون جنيه خلال الربع الأخير من العام المالي الحالي، الممتد من أبريل حتى يونيو 2025، عبر طرح سندات وأذون خزانة. ويضاف ذلك إلى اقتراض قياسي بلغ نحو 4.5 تريليون جنيه خلال الأشهر التسعة الأولى من نفس العام المالي، في محاولة لتمويل عجز الموازنة. وتعتمد وزارة المالية على البنك المركزي بصفته وكيلاً في إصدار أذون وسندات الخزانة، في حين تعتبر البنوك المحلية أكبر مستثمر في أدوات الدين العام، مستفيدة من مستويات الفائدة المرتفعة التي تجعل الاستثمار في الدين الحكومي أكثر جاذبية من تمويل القطاع الخاص أو ضخ السيولة في قطاعات الإنتاج. وبيّن مصطفى عادل أن الاختلاف الجوهري بين أدوات الدين التقليدية والصكوك يكمن في آلية الضمان. ففي حين تعتبر السندات التزاماً سيادياً يُسدد من الخزانة العامة، حتى في حال تعثر الدولة، فإن الصكوك تصدر بضمان أصل مملوك، ما يمنح حامليها درجة أعلى من الأمان، ويخفف من حدة المخاطر، خاصة إذا كانت الصكوك موجهة للمستثمرين الأجانب أو تتعلق بديون مقومة بعملات أجنبية. وفي هذا السياق، يُثار تساؤل حول علاقة القرار بمشروعات كبرى مثل مشروع رأس الحكمة، الذي شهد تخصيص أرض بقيمة محددة إلى جهة مستثمرة (شركة أبوظبي التنموية القابضة) ضمن صفقة بلغت 35 مليار دولار. والفرق الجوهري أن صفقة رأس الحكمة كانت استثماراً مباشراً في مشروع محدد، بينما تخصيص أراضي البحر الأحمر لصالح وزارة المالية هو إجراء يمهد لإصدار صكوك، أي اقتراض مضمون بأصل، وليس بيعاً نهائياً أو شراكة في تطوير. وأوضح الخبير الاقتصادي مصطفى عادل أنه حتى الآن، لا يتضمن القرار الجمهوري سوى نقل الملكية من الدولة إلى وزارة المالية، ولم يتم الإعلان عن تفاصيل إضافية مثل ما إذا كانت الصكوك ستُطرح محلياً أم دولياً، أو العملات التي ستُسعَّر بها، أو طبيعة المستثمرين المستهدفين. وتُفصح هذه التفاصيل عادة في ما يعرف بـ"نشرة الاكتتاب"، التي تُصدر لاحقاً وتُحدد شروط الطرح وحقوق حملة الصكوك وآلية السداد. على خلاف ما قد يعتقده البعض، ينفي العمدة وجود صلة مباشرة بين تخصيص أراضٍ لصالح وزارة المالية وبين تأخر مراجعة الشريحة الخامسة من قرض صندوق النقد الدولي، مؤكداً أن "العلاقة مع الصندوق ما زالت قوية"، وأن الحكومة مستمرة في تنفيذ شروط الاتفاق، بما في ذلك تحرير سعر الصرف، ترشيد دعم الطاقة، وطرح أصول الدولة للاستثمار أو البيع. لكن ما يلفت الانتباه أن العمدة يرى أن غالبية المصريين لا تهمهم تفاصيل هذه المعادلات الدولية المعقدة، بل ما يشغلهم هو سعر الخبز والزيت والدواجن. من وجهة نظرهم، لا فارق كبير بين تخصيص أراضٍ داخلية أو منح امتيازات لشركاء خارجيين، طالما أن أسعار السلع الأساسية تستمر في الصعود. احتياطات أجنبية تتآكل وأموال ساخنة تنسحب يتزامن ذلك مع بيانات صادرة عن البنك المركزي المصري الأربعاء 11 يونيو/حزيران 2025، تضمنت الحديث عن انخفاض في صافي الأصول الأجنبية بمقدار 1.5 مليار دولار خلال شهر أبريل/نيسان، وذلك مقارنة بشهر مارس/آذار الذي شهد ارتفاعاً عقب الموافقة على المراجعة الرابعة لبرنامج صندوق النقد الدولي. ووفقاً لحسابات رويترز المستندة إلى سعر الصرف الرسمي للبنك المركزي، انخفض صافي الأصول الأجنبية إلى ما يعادل 13.54 مليار دولار بعد أن كان 15.08 مليار دولار في نهاية مارس/آذار. وكان صافي الأصول الأجنبية قد قفز بمقدار 4.9 مليار دولار في شهر مارس/آذار عقب موافقة صندوق النقد على صرف 1.2 مليار دولار لمصر بعد استكمال مراجعته لبرنامج الإصلاح الاقتصادي البالغة قيمته ثمانية مليارات دولار، بالإضافة إلى موافقة الصندوق على طلب تمويل إضافي بقيمة 1.3 مليار دولار بموجب تسهيل الصلابة والاستدامة التابع له. وفي مؤشر على هشاشة الوضع الاقتصادي، يشير العمدة إلى تراجع صافي الأصول الأجنبية لدى البنك المركزي بقيمة مليار ونصف المليار دولار خلال الشهر الماضي، مرجحاً أن يكون السبب في ذلك هو سداد التزامات خارجية أو انسحاب الأموال الساخنة التي تتنقل بين الأسواق بحثاً عن العوائد السريعة في ظل بيئة اقتصادية غير مستقرة. الخليج ما زال شريكاً.. ولكن بشروط رغم كل ذلك، تستمر الحكومة المصرية في مساعيها لإقناع العواصم الخليجية الكبرى بضخ استثمارات جديدة. فقد أنهت مؤخراً الترتيبات الفنية لإصدار صكوك بقيمة مليار دولار لصالح الكويت. يأتي الطرح الخاص في إطار اتفاق مع الجانب الكويتي، ممثلاً في بيت التمويل الكويتي، كجزء من جهود مصر لتنويع مصادر التمويل. وقد تم التوصل إلى الاتفاق بعد تقديم مصر عرضاً رسمياً للكويت لاستثمار مليار دولار في صكوك دولية لمدة ثلاث سنوات. ولدى مصر ودائع كويتية بالبنك المركزي بنحو أربعة مليارات دولار، تستحق أول شريحة منها بملياري دولار في سبتمبر المقبل، بينما تستحق الشريحة الثانية في أبريل 2026. في الوقت نفسه تُجري مصر مفاوضات مماثلة مع السعودية وقطر بشأن مشروعات تنموية واستثمارية في مجالات العقارات والبنية التحتية والسياحة. ويفسر العمدة هذا التوجه بأن مصر تفضل شركاءها الخليجيين على غيرهم لأسباب تتعلق بالقرب الجغرافي والعلاقات السياسية، إلا أن ذلك لا يمنع من وجود قدر من الحذر الخليجي المتزايد في ضوء تراكم الديون وعدم وضوح العوائد. بين السيادة والسيولة: معادلة محفوفة بالتناقضات يبقى الجدل قائماً حول ما إذا كانت السياسات الحالية تمثل إدارة فعالة للأزمة أم مزيداً من الارتهان للأصول العامة. فبينما يرى البعض أن تخصيص أراضٍ أو بيعها هو وسيلة حتمية لتوفير السيولة، ينظر آخرون إلى ذلك باعتباره تفريطاً في السيادة الاقتصادية وملكية الدولة. في سياق متصل، فقد أعربت النائبة مها عبد الناصر، عضو مجلس النواب المصري، في تصريحات خاصة لـ"عربي بوست"، عن رفضها لسياسات الحكومة القائمة على تخصيص وبيع الأراضي والشواطئ بهدف تسديد الديون، معتبرة أن ما يجري يُعبّر عن فشل واضح في إدارة ملفي الديون والاستثمارات خلال السنوات الماضية. وقالت عبد الناصر: "أنا ضد هذا النهج القائم على بيع الأصول العامة لتسوية الالتزامات المالية. الحكومة لم تتبع سياسات رشيدة في إدارة الديون، وكانت اختياراتها الاستثمارية في كثير من الأحيان غير مدروسة، والنتيجة الطبيعية لذلك أن نجد أنفسنا اليوم نضطر لطرح أراضٍ ومناطق استراتيجية للاستثمار أو للصكوك، فقط لتغطية عجز وسداد ديون". وطالبت الحكومة بالشفافية والمصارحة الكاملة مع المواطنين فيما يتعلق بأزمة الدين العام، مشددة على ضرورة كشف الحقائق كاملة للرأي العام حول أسباب تفاقم الأزمة وطبيعة الالتزامات المالية المترتبة على الدولة. وفيما أكدت دعمها للاستثمارات الخليجية في مصر، شددت النائبة مها عبد الناصر على ضرورة أن تكون هذه الاستثمارات خاضعة لضوابط واضحة، وبما يتماشى مع أحكام القانون المصري. وأضافت: "لا أحد يرفض الاستثمارات العربية أو الخليجية، لكن يجب أن تُدار وفق قواعد عادلة، وليس بمنطق بيع أراضٍ للحصول فقط على سيولة تُستخدم في سداد الديون دون رؤية تنموية شاملة".


بوست عربي
منذ يوم واحد
- بوست عربي
إسرائيل تحارب الفلسطينيين بالسيولة النقدية.. شحّ للشيكل في غزة وانهيار للمنظومة المصرفية في الضفة
لا تقتصر الحرب الاسرائيلية ضد الفلسطينيين على القتل والتدمير والهدم فقط، إذ تذهب إلى أبعد من ذلك نحو حرب اقتصادية غير مسبوقة تمثلت في التسبب بشح الشيكل في غزة من خلال سحب هذه العملة بصورة تدريجية من القطاع، وزيادتها عن الحدّ المقبول في الضفة الغربية. تسبب ذلك في زيادة الضغط الاقتصادي والنقدي على الفلسطينيين المهجّرين والمجوّعين في غزة، وبانهيار المنظومة المصرفية في الضفة، بحسب ما رصده تقرير "عربي بوست". سحب الشيكل من أسواق غزة بدأت معالم الحرب التي يواجهها الفلسطينيون في قطاع غزة مع بداية الحرب في أكتوبر/تشرين الأول 2023، حين أغلق الاحتلال الإسرائيلي معابره أمام التجار في القطاع، ورفض إدخال البضائع التجارية، ما أوقف دخول العملة الاسرائيلية المتداولة في غزة، وهي الشيكل، إلى الأسواق، ولم يتبق سوى الأوراق النقدية الموجودة أصلاً بين المواطنين والتجار ما قبل الحرب. والشيكل تقريبا هو العملة الوحيدة والأساسية المتداولة في السوق الغزّي بالإضافة إلى الدينار الأردني قبل الحرب، حيث توقف الدولار عن التداول بعد توقف المؤسسات الدولية عن تسليم رواتب موظفيها بهذه العملة، واستبدالها بالحوالات المالية عبر حساباتهم المصرفية. وتشترط المؤسسات الدولية تسليم أي حوالات بالدولار تأتي من خارج القطاع بالشيكل، فضلا عن سحب معظم الدولار الذي كان أصلاً في السوق بين شهري يناير/كانون الثاني ومايو/أيار 2024، حين تم فتح معبر رفح، واضطر الفلسطينيون لدفع مبالغ هائلة لشركات تنسيق السفر التي اشترطت الدفع بالدولار، وليس بالشيكل، بحسب ما أكدته تقارير سابقة لـ"عربي بوست". زاد من الأزمة النقدية أن البنوك الفلسطينية في القطاع أغلقت أبوابها أمام عملائها، سواء بسبب الوضع الأمني، خشية القصف الاسرائيلي، أو بداعي الحرص على مقدراتها ومنشآتها المصرفية، بالتالي لم يبق في كل قطاع غزة، الذي يزيد تعداد سكانه عن مليوني نسمة سوى مصرفين فقط. والمصرفان يقعان في مخيمي النصيرات ودير البلح، وسط القطاع، ويتعاملان حصراً بالصراف الآلي، وليس بالعملة النقدية، وبحدّ أقصى لا يزيد عن ألف شيكل في كثير من الأحيان للمواطن، أي أقل من ثلاثمائة دولار. تسبب ذلك في ضغط كبير على هذين المصرفين بالآلاف يومياً، حتى أغلقا أبوابهما قبل أشهر. بحسب مراسل "عربي بوست" في قطاع غزة، فإنه حين يعجز آلاف الفلسطينيين عن الوقوف في الطوابير لاستلام الحدّ الأقصى من السيولة المتوفرة، يتطوع عدد ممن يسمّون "مُخلّصي المعاملات" بالوقوف بدلاً منهم، وأخذ نسبة عن المبلغ الذي يسحبونه من الصراف تصل إلى 30% منه، فيضطر الموظفون أو المراجعون لدفعها بهدوء، وبدون إزعاج، لأن هؤلاء يكونون بالعادة مجموعات منظمة، وبعضهم مُسلحون. وسطا جيش الاحتلال على الفرع الرئيسي لبنك فلسطين بحي الرمال في فبراير/شباط 2024، وهو البنك الأول في غزة، وقام حينها بسرقة 200 مليون شيكل، أي ما يزيد عن 54 مليون دولار. وعلم "عربي بوست" أن "البنوك الفلسطينية سحبت إيداعاتها النقدية من داخل مقارها في غزة، ونقلتها خارج القطاع، وتحديداً إلى الضفة الغربية، بزعم الخشية من اقتحامها من الجيش مجدداً، أو من اللصوص، في ظل الفلتان الأمني في القطاع"، بحسب مصادر مصرفية في القطاع. إغلاق البنوك، وأخذ العمولة على الحوالات المالية مع اشتداد الحرب، والضغط الاقتصادي، وبعد إغلاق ما تبقى من البنوك، بدأ الفلسطينيون يلجأون لمكاتب الصرافة لسحب أرصدتهم من حساباتهم البنكية، أو ما يصلهم من خارج القطاع من تبرعات أو حوالات عائلية أو مصادر العمل، لكن هذه المكاتب لا تسلّمهم المبلغ كاملاً لأنها تقتطع ما تسميه "عمولة" لها بسبب عدم توفر سيولة نقدية. بلغت نسبة العمولة حتى تاريخ نشر هذا التقرير 50% لدى بعض الصرافين، يعني أن من يصله ألف دولار، سيستلم 500 دولار، وحصرا بالشيكل. تتواصل الأزمة النقدية في غزة لتأخذ أشكالاً جديدة غير مسبوقة، ومنها رفض التجار استلام بعض الأوراق النقدية من أيدي المواطنين، بزعم أنها "تالفة، بالية، مهترئة، وقديمة"، لاسيما فئة العشرة والعشرين والخمسين شيكلا، التي اضطروا لأخذها من تجار آخرين، أو من مكاتب الصرافة، بسبب نقص السيولة. يضطرهم ذلك لبيع تلك العملات لأولئك التجار بأقل من قيمتها الحقيقية. يضاف إلى ذلك أن ما يتعلق بالورقتين النقديتين ذات 100 و200 شيكل، فمنها التي توقف الفلسطينيون عن استخدامها حين اندلعت الحرب، وطبع الاحتلال الإسرائيلي أوراقاً جديدة، رغم أن القديمة يتم تداولها بصورة طبيعية، لكن تحكّم التجار في السوق، وغياب الرقابة الحكومية، تسبب بتلك الأزمة بحسب تعليقات المواطنين. لم يتوقف الأمر عند هذا الحدّ، ففي الوقت الذي بدأت السيولة النقدية تشحّ فعلاً في أيدي الفلسطينيين، لجأوا لاستخدام التطبيقات البنكية والمحافظ المالية على هواتفهم المحمولة، وبدأوا بإنجاز معاملاتهم التجارية والشخصية عبرها. على الرغم من هذا الحل، إلا أن مشكلة جديدة ظهرت، بأن التجار على سبيل المثال لا يبيعونهم البضائع والمواد الغذائية عبر التطبيق بذات الثمن الذي يمكن أن يدفعوه نقداً. وفضلاً عن كون أسعار المواد الغذائية وصلت مستويات جنونية غير مسبوقة، فإذا أضيفت إليها العمولة المطلوبة عبر التطبيق، فنحن أمام فئة محدودة فقط من الفلسطينيين قادرة على شراء المواد الأساسية لإبقاء عائلاتها حيّة تتنفّس، بحسب ما أكده مواطنين تحدثوا لـ"عربي بوست" في هذا التقرير. وأضافوا أنه "حين نتحدث عن هذه الأزمة الخانقة التي تتعلق بالحياة، أو ما تبقى منها في غزة، فقد اضطرت عائلات فلسطينية عديدة لبيع ما لديها من مصاغ كي تحصل على أوراق نقدية، وإذا أرادت شراء هذا المصاغ فإن الثمن سيزيد في حال تم تحويل القيمة عبر التطبيق البنكي، أي أن المواطن الفلسطيني إن أراد الانتفاع بما لديه من مصاغ فإنه سيخسر قيمتها على الفور". لكن يضاف إلى كل ذلك، أن بعض التجار توقفوا في الأسابيع الأخيرة عن البيع بالتطبيق البنكي، ممن يأخذون نسبة عالية عن كل سلعة، ولذلك يعجز كثير من أرباب العائلات عن توفير ما تبقى في الأسواق من بضائع بسبب عدم امتلاكهم أوراقاً نقدية. سحب النقد من غزة، وإجبار التجار على دفع ثمن البضائع نقداً في البحث عن الأسباب وراء هذه الأزمة المتصاعدة، يمكن العودة لاقتراح وزير الخارجية الاسرائيلي غدعون ساعر قبل أسابيع بإلغاء ورقة الـ200 شيكل من التداول في غزة، لإحداث شلل في اقتصادها، بزعم القضاء على موارد حماس المالية، مدعياً أنها تحتفظ بجزء كبير من سيولتها النقدية من هذه الأوراق. وقال إن إلغاءها سيُلحق ضرراً بالغاً بالأداء الاقتصادي لحماس، ويحدّ من قدرتها على دفع الرواتب لموظفيها الذين يديرون القطاع حتى الآن. لاقى الاقتراح قبولاً سياسياً لدى حكومة الاحتلال الإسرائيلي، لولا التحفظات الاقتصادية التي خشيت أن يشهد الاقتصاد الإسرائيلي بسبب ذلك انعداماً للثقة، وانتشار الفوضى، لأن سحب الأوراق النقدية المعروفة بحوزة حماس من التداول بشكل فوري، حلّ يحمل مخاطر اقتصادية. فقبل اندلاع الحرب، تدفّقت العديد من فئة 200 شيكل للقطاع عبر الأشخاص والبضائع والتهريب، لذلك لا تملك إسرائيل حالياً معلومات دقيقة ومنظمة عن أرقام السلاسل الموجودة في غزة، وكذلك من غير الواضح مدى فعالية هذه الخطوة في اقتصادها المغلق والمعزول، ومدى تأثير إلغاء الأوراق النقدية عليها فعلياً. لم ييأس الاسرائيليون من هذا الاقتراح، فعملوا على إعادة تدويره من خلال اتباع استراتيجية قاسية على الفلسطينيين، يتم بموجبها سحب الشيكل من غزة تدريجياً، من خلال السماح، على غير العادة، بإدخال بضائع تجارية بعد حصار دام ما يزيد عن 3 أشهر، لكن مقابل أن يدفع عدد من التجار المُحدّدين بالاسم قيمتها المالية نقداً، وليس تحويلاً عبر الحسابات المصرفية. بحسب بعض المصادر المطلعة في غزة، فإن "الحديث يدور عن بضائع تقدر قيمتها بـ6-7 مليون شيكل لكل شاحنة، دفعة واحدة". وكان لافتاً ما رصده مراسل "عربي بوست"، من أن البضائع التي تم إدخالها للقطاع عبر هذه الشاحنات لم تكن ذات أولوية للفلسطينيين المُجوّعين، كالهواتف المحمولة والسجائر والقهوة والنسكافيه والنوتيلا وغيرها. وأكد أنه لم تتضمن أياً منها بضائع تحتاجها العائلة الغزية اليوم في ظل الحصار والحرب، معتقداً أن الهدف من إدخال الشاحنات هو سحب السيولة النقدية بشكل كامل من أيدي الفلسطينيين. كذلك فإن التجار يضطرون لـ"تأمين" شاحناتهم بالاتفاق مع بعض المجموعات المسلحة بمبالغ كبيرة، نقداً وليس تحويلاً، وفي النهاية يجبِر تجار الأسواق المواطنين على الشراء منهم بأسعار مضاعفة، بما تبقى من أوراق نقدية، وليس عبر التطبيقات البنكية. غياب سلطة النقد الفلسطينية عن أزمة شح الشيكل في غزة في مثل هذه الظروف الخانقة في القطاع طالبت العديد من المؤسسات الاقتصادية أن تتدخل سلطة النقد الفلسطينية، باعتبارها البنك المركزي للسلطة الفلسطينية، بالتعاون مع باقي المصارف، بشكل فعلي لمواجهة أزمة شح السيولة في غزة. وطالبت بالعمل على إيجاد طرق لضخ السيولة، والطلب من الجهات الدولية التدخل لدى الاحتلال لإدخالها للقطاع، وفرض إجراءات عقابية على التجار المُتسبّبين بهذه الأزمة الطاحنة، وأن تصرف المؤسسات الدولية مثل الأونروا وغيرها رواتب موظفيها والمساعدات التي تقدمها للفلسطينيين نقداً، بما يضخّ بعض السيولة في السوق. إلا أن سلطة النقد الفلسطينية لم تعلق حتى الآن على هذه المطالب، كما أن "عربي بوست" حاول الحصول على تعليق بهذا الخصوص، إلا أنه لم يحصل على رد حتى الآن. ووصل التضخم في غزة جراء الحرب مستويات غير مسبوقة، فالسلعة التي تساوي 1 شيكل ثمنها اليوم 20 شيكلاً، ما يعني أن النقد فقد قوته الشرائية بشكل كبير؛ كما أن المائة دولار لا تكفي أسرة من أربعة أشخاص ليوم أو يومين، فحبة الطماطم مثلاً، تساوي 15 شيكلاً ما يعادل 4$، أما حبة البطاطا 20 شيكلاً ما يعادل 6 دولارات، أما كيلو الدقيق وهو السلعة الأساسية يصل الى 100 شيكل أي 30 دولاراً، وكيلو السكر إلى أكثر من 200 شيكل أي 60 دولار. مسؤول كبير في الغرفة التجارية الصناعية الزراعية في غزة، كشف لـ"عربي بوست" عن "التواصل مع عدد من التجار المتهمين بالتسبّب بالأزمة، ودعوتهم لعدم التعامل مع التنسيقات التجارية باهظة الثمن، لأنها تُسهم في رفع الأسعار على المواطنين بشكل غير مبرر، وتزيد من معاناتهم، وتؤثر سلبًا على استقرار السوق المحلي". وقال إنه "تصل التجار عروض مغرية من جهات مشبوهة، تتضمن تنسيقات تجارية باهظة الثمن تصل مئات آلاف الشواكل، مقابل إدخال شاحنة واحدة من البضائع للقطاع، ما يمسّ بثوابت العمل التجاري الوطني، ويؤسس لآليات غير شفافة في السوق، وتضرّ بالصالح العام، وتُحدث خللاً في مبدأ تكافؤ الفرص بين التجار، وتُعمّق الفجوة بين التجار والمواطنين، وتزيد من الأعباء اليومية لمن لا يمتلكون قوت يومهم". تكّدس السيولة في الضفة الغربية، وانهيار المنظومة المصرفية مقابل الشح النقدي الهائل في قطاع غزة، انتهج الاحتلال الإسرائيلي سياسة أخرى في الضفة الغربية منذ مايو/أيار 2025، تتمثل بتكديس الشيكل داخل خزائن البنوك الفلسطينية، ما اضطرها لتقييد صارم على سقف الإيداع النقدي من العملة بالنسبة للفلسطينيين. كذلك قامت البنوك في الضفة بخفض سقف الإيداع إلى خمسة آلاف شيكل شهرياً، بعد أن كانت تسمح بإيداعات تصل عشرين ألفاً في اليوم الواحد، بسبب رفض البنوك الإسرائيلية استقبال هذا الفائض. يأتي ذلك على الرغم من أن الاتفاقيات الاقتصادية بين السلطة والاحتلال الإسرائيلي تُخوّل الأولى بتحويل فائض الشيكل من بنوكها المحلية لبنك إسرائيل المركزي مقابل عملات أجنبية، للحفاظ على التوازن النقدي. ووصل متوسط فائض عملة الشيكل سنوياً قرابة 20 مليار شيكل، أي 5.47 مليار دولار، تتكدس في خزائن البنوك، وتتحمل عليها كلفة نقل وتخزين وتأمين. جديد الأزمة المالية في الضفة، ما أصدره سموتريتش قبل ساعات من إلغاء الإعفاء من التعاون مع البنوك الفلسطينية الأمر الذي يدفع إلى انهيارها. وفي حال نفذ تهديده هذا، فستنقطع العلاقة بين النظامين الماليين الإسرائيلي والفلسطيني، في تحرك قد يؤدي لحرمان الفلسطينيين من الحصول على السلع والخدمات الحيوية. لكن الاحتلال الإسرائيلي منذ بدء الحرب على غزة، ورغم ازدياد الفائض، وضع قيوداً صارمةً على التحويلات البنكية الفلسطينية، بقرار سياسي من وزير المالية بيتسلئيل سموتريتش، الذي أعلن عن مخططات الضم والتهجير في الضفة الغربية. هذه الأزمة المتفاقمة "بدأت تسفر عن جدل وارتباك كبيرين في الأسواق الفلسطينية"، بحسب مسؤول في جمعية البنوك في فلسطين فضل عدم ذكر اسمه لـ"عربي بوست"، لافتاً إلى أن الأزمة ألقت بظلال من الشك على قدرة السلطة على التعامل معها، ومخاوف من تحولها من أزمة نقدية بحتة إلى أزمة وطنية، وعودة الفلسطينيين لتخزين أموالهم بعيداً عن البنوك، ما قد يحرم الاقتصاد من إعادة استثمار هذه الأموال. وحذر المسؤول "من تفاقم أزمة تراكم مليارات الشواكل، لأن استمرارها يهدد الاستقرار المالي والاقتصادي، وقد يؤدي لتوقف تسوية التزامات التجار مع نظرائهم الإسرائيليين، وخروجها من التداول". كما أنه توقع ظهور جملة نتائج سلبية تتمثل في تعذّر الوفاء بالتزامات التجار، واضطرار البعض للجوء للسوق السوداء، وارتفاع سعر صرف الدولار في السوق الفعلية، وفرض البنوك قيودا مشددة على استقبال الشيكل، ودعوة الفلسطينيين لاستخدام وسائل الدفع الإلكتروني لتقليل الاعتماد على النقد الورقي، وسط تحذيرات من تخزين الأموال (تحت البلاطة) بالطريقة البدائية القديمة". أزمة تكدس السيولة وصولاً لمخاوف إفلاس السلطة أسباب عديدة وراء الأزمة المتفاقمة في الضفة الغربية، رصدها المسؤول في جمعية البنوك في فلسطين، في النقاط التالية: – تراجع المصادر الرئيسية لدخول الشيكل من إسرائيل لأسواق الضفة منذ اندلاع الحرب. – شبه توقف العمال الفلسطينيين في إسرائيل والمستوطنات، وتراجع معدلاتهم الى بنسبة 86% في الربع الأول من 2025 بعدد 25 ألف عامل، مقارنة مع الربع الثالث 2023، وهو الربع الأخير قبل الحرب بعدد 178 ألفاً، أي أن 86% من فاتورة الأجور الشهرية لم تعد تدخل للأسواق الفلسطينية. وبالتالي تراجع الفاتورة الشهرية من 1.5 مليار شيكل شهرياً إلى 210 ملايين شيكل شهرياً فقط. – تراجع أموال المقاصة التي ترسلها إسرائيل إلى السلطة الفلسطينية بموجب اتفاق باريس الاقتصادي إلى متوسط 500 مليون شيكل شهرياً مقارنة مع متوسط 750 مليون شيكل حتى الربع الثالث من 2023، إبان اندلاع الحرب. – في الوقت الذي يعاني منه القطاع من شح السيولة النقدية، أرسلت بنوكه كميات كبيرة من "الكاش" خلال شهور الحرب باتجاه نظيرتها في الضفة، مما راكم الأزمة. – فوارق أسعار السلع في أسواق التجزئة بالضفة مقارنة مع السوق الإسرائيلية، أي أن أسواقها أصبحت السوق الاستهلاكية الأساسية للمقدسيين وفلسطينيي48، بحيث أصبحت مصباً للشيكل من خلال بيعه لمحال صرافة بأسعار بعيدة عن سعر السوق. شل النظام المالي الفلسطيني دفعاً للتهجير العديد من النتائج تنتظر اقتصاد الضفة بسبب هذه الأزمة، لعل أخطرها أن فرض البنوك الإسرائيلية سقفاً على تحويلات الشيكل من نظيرتها الفلسطينية سيشلّ النظام المالي الفلسطيني، بحسب المسؤول سابق الذكر. وحذر من أن يخلق ذلك ضغوطاً معيشية قد تدفع آلاف الفلسطينيين للهجرة خارج الضفة بحثاً عن فرص نجاة، لأن التراكم النقدي في البنوك يهدد بمنع القروض، وتجميد النشاط الاقتصادي، ما يرفع البطالة، ويقلل الناتج المحلي في الضفة. وتعتمد البنوك الفلسطينية كلياً على نظيرتها الإسرائيلية في عملياتها اليومية، وتسوية المدفوعات بعملة الشيكل، وتحويل أموال المقاصة، والتمويل التجاري، وبدون هذه العلاقة، تصبح معزولة عن النظام المالي العالمي، وتفقد القدرة على العمل بوصفها مؤسسات مصرفية حقيقية. بالتالي ستؤدي الأزمة لتراكم كتلة نقدية ضخمة داخلها دون قدرة على التصريف أو التدوير، ما ينذر بأزمة سيولة خانقة ستنعكس على المواطنين، والتجار، والشركات، وحتى على مؤسسات السلطة ذاتها التي تعاني أصلاً من الوصول إلى حافة الإفلاس، بحسب تحذيرات مسؤولين فلسطينيين وحتى إسرائيليين. تجدر الإشارة أن ميزانية السلطة تعتمد أساساً على أموال المقاصة (من ضرائب وإيرادات) التي تجبيها إسرائيل، وتحوّلها شهرياً، وتشكّل نحو 65% من الإيرادات العامة. ومع توقفها، تصبح السلطة عاجزة عن دفع رواتب الموظفين، أو تمويل الخدمات الصحية والتعليمية، أو حتى سداد التزاماتها المالية الأساسية، ما يهدد بواقع اقتصادي واجتماعي خطير، وارتفاع في معدلات الفقر، وتصاعد الاحتجاجات الشعبية، وشلل شبه كامل في مؤسسات السلطة، ويثير مخاوف من سيناريو الفوضى الأمنية.


بوست عربي
منذ 5 أيام
- بوست عربي
خامنئي يريد صفقة نووية 'تنقذ' بلاده مع الاحتفاظ بتخصيب اليورانيوم.. هذه تفاصيل الرد الإيراني على المقترح الأمريكي الأخير
في نهاية شهر مايو/أيار، أرسلت إدارة الرئيس دونالد ترامب لأول مرة مقترحاً مكتوباً لشكل الاتفاق النووي الذي تريده واشنطن. قدّم المقترح ستيف ويتكوف، مبعوث ترامب الخاص إلى الشرق الأوسط ورئيس الفريق المفاوض الأمريكي، إلى سلطنة عُمان، الوسيط بين طهران وواشنطن، لإرساله إلى إيران. منذ ذلك الحين، لم تهدأ التكهنات بشأن محتوى المقترح الأمريكي، خاصة بعد خطاب وصف بأنه "حادّ اللهجة" من المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، جاء في ذكرى وفاة مؤسس الجمهورية الإسلامية في إيران، روح الله الخميني، الأربعاء 4 يونيو/حزيران، انتقد فيه بشدة المقترح الأمريكي، مشدداً على الخطوط الحمراء للجمهورية الإسلامية وحقها الأصيل في تخصيب اليورانيوم. جاءت هذه الكلمة القوية من خامنئي لتثير التساؤلات حول طبيعة هذا الرد الحاد من رأس السلطة في إيران، وما إذا كانت المفاوضات مع الولايات المتحدة وصلت إلى طريق مسدود أو تعاني أزمة كبيرة تحول دون إتمامها. التخصيب لفترة مؤقتة وصفت مصادر دبلوماسية إيرانية مطلعة لـ"عربي بوست" المقترح الأمريكي المُرسل إلى إيران بـ"الغامض"، كما أن مسألة حق إيران في تخصيب اليورانيوم التي تضمنها المقترح لم تلقَ أي قبول لدى القادة الإيرانيين. وفي هذا الصدد، يقول دبلوماسي إيراني مقرّب من الفريق المفاوض الإيراني لـ"عربي بوست": تقترح واشنطن في هذا المقترح أن تقوم إيران بتخصيب اليورانيوم عند مستويات أقل من المنصوص عليها في الاتفاق النووي لعام 2015، بشكل مؤقت، ومن ثم يُمنع على طهران التخصيب نهائياً. وبحسب المصدر ذاته، فإن واشنطن طرحت في مقترحها أن تقوم طهران بتخصيب اليورانيوم عند مستوى 2%، وكان الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015 يسمح لإيران بتخصيب اليورانيوم عند 3.67%. لكن بعد أن قام دونالد ترامب خلال ولايته الأولى بالانسحاب من الاتفاق النووي لعام 2015، أو ما يُعرف بخطة العمل الشاملة المشتركة، في مايو/أيار 2018، قامت إيران بزيادة نسب تخصيبها لليورانيوم إلى أن وصلت إلى أكثر من 60%، وهي درجة نقاء قريبة من الدرجة المطلوبة لصنع سلاح نووي. كما جاء في تفاصيل المقترح الأمريكي المقدَّم لطهران أن تكون فترة تخصيب اليورانيوم المنخفضة مؤقتة، لمدة تمتد إلى عام أو عامين، وفي هذه الأثناء سيتم إنشاء محطات نووية جديدة لإيران، وتأسيس تحالف إقليمي مشترك لتخصيب اليورانيوم خارج الأراضي الإيرانية، إلى أن تحصل طهران على الوقود النووي بإشراف دولي. في هذا السياق، يقول مصدر سياسي إيراني مقرّب من دوائر صنع القرار في طهران، ولديه اطّلاع واسع على الأمر: واشنطن تريد بناء محطات نووية جديدة لإيران مع إغلاق أبرز المنشآت الإيرانية (نطنز وفوردو)، وأن تنضم إيران إلى التحالف الإقليمي الذي سوف يضم الولايات المتحدة والسعودية والإمارات وسلطنة عُمان، لتخصيب اليورانيوم، والذي سيكون تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بالإضافة إلى الولايات المتحدة. وأضاف لـ"عربي بوست" أنه فور الانتهاء من بناء المحطات النووية الجديدة وتأسيس التحالف الإقليمي لتخصيب اليورانيوم، سيكون على طهران إيقاف تخصيب اليورانيوم تماماً داخل الأراضي الإيرانية. وجدير بالذكر أن فكرة إنشاء تحالف إقليمي لتخصيب اليورانيوم قدّمها وزير الخارجية الإيراني ورئيس الوفد الإيراني المفاوض، عباس عراقجي، إلى ستيف ويتكوف في الجولة الثالثة من المفاوضات غير المباشرة بين طهران وواشنطن، بحسب المصادر الإيرانية التي تحدثت لـ"عربي بوست". وتقول المصادر الإيرانية المطلعة إن إيران اقترحت فكرة إنشاء "كونسورتيوم" إقليمي لتخصيب اليورانيوم كخطوة لإثبات حسن النية الإيرانية. ويعلق مسؤول حكومي مقرّب من الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان على فكرة الاتحاد الإقليمي، قائلاً لـ"عربي بوست": عندما اقترحت إيران هذه الفكرة، كانت تهدف إلى أن تثبت للجميع سلمية برنامجها النووي، وبمشاركة أطراف إقليمية، سيكون تخصيب اليورانيوم الإيراني تحت أنظار الجميع، وداخل الأراضي الإيرانية، وبإشراف كامل من الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وأضاف: "كما اقترح عراقجي أن تمتلك إيران النسبة الأكبر في هذا الاتحاد، وعندما طلب ويتكوف مشاركة واشنطن، وافقت طهران على أن تمتلك الولايات المتحدة أقل نسبة من المشاركة في هذا الاتحاد". وأضاف المصدر ذاته قائلاً لـ"عربي بوست": "لكن ما اقترحته واشنطن في المقترح الأخير، فيما يتعلق بمسألة الاتحاد الإقليمي لتخصيب اليورانيوم، يتعارض مع الخطوط الحمراء الإيرانية، وهي: التمسك بتخصيب اليورانيوم على الأراضي الإيرانية، وأن تكون الولايات المتحدة شريكاً بنسبة ضئيلة، ولا يمكن لها المشاركة في عمليات التفتيش، التي ستكون حصراً للوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة". تهدف الولايات المتحدة من خلال إنشاء الاتحاد الإقليمي لتخصيب اليورانيوم، إلى السماح لإيران بإنتاج وقود نووي بنسبة منخفضة فقط تكفي لمحطات الطاقة النووية، وضمان عدم قيام إيران بتخصيب اليورانيوم بمفردها بنسب عالية لصنع قنبلة نووية. هل ستوافق طهران؟ بحسب حديث المصادر الإيرانية المطلعة لـ"عربي بوست"، فإن المقترح الأمريكي يمنح طهران حق تخصيب اليورانيوم بنسبة 2% لفترة قصيرة، ومن ثم يتم وقف جميع أنشطة التخصيب داخل الأراضي الإيرانية، مع غلق أكبر المنشآت النووية الإيرانية، على أن تحصل طهران على الوقود النووي للمحطات الجديدة التي سيتم تأسيسها بإشراف أمريكي، لوضعها تحت السيطرة والرقابة الكاملة من خلال الاتحاد الإقليمي لتخصيب اليورانيوم بنسب منخفضة أيضاً. بالإضافة إلى ذلك، أشارت المصادر الإيرانية إلى أن واشنطن اقترحت أيضاً تفكيك جميع أجهزة الطرد المركزي الحديثة المستخدمة في تخصيب اليورانيوم، مع إبعاد كميات اليورانيوم المخصّب بنسب عالية خارج الأراضي الإيرانية، وتم اقتراح روسيا على سبيل المثال. لكن في 4 يونيو/حزيران، وخلال إحياء ذكرى وفاة الخميني، مؤسس الجمهورية الإسلامية في إيران، قال خامنئي أمام القادة العسكريين والسياسيين: "ردّنا على هراء الحكومة الأمريكية معروف، إن تخصيب اليورانيوم قضية رئيسية وأساسية في الصناعة النووية الإيرانية، وقد وضع العدو إصبعه عليها". وأضاف: "إذا كان لدينا مائة محطة للطاقة النووية ولكن لا يوجد تخصيب، فلن يكون ذلك مفيداً لنا. نقول للجانب الأمريكي: ماذا تفعلون؟ لماذا تتدخلون في تخصيب إيران لليورانيوم؟ ما شأنكم؟". وكانت إيران قد أبلغت الولايات المتحدة مراراً وتكراراً أنه لا يمكنها التنازل عن حقها في تخصيب اليورانيوم، وأنها مستعدة لتقديم كافة الضمانات للولايات المتحدة والغرب بأنها لا تنوي امتلاك سلاح نووي. بعد حديث خامنئي الحاد، سارعت التكهنات بالقول إن خطابه كان بمثابة رفض صريح للمقترح الأمريكي. لكن، هل رفض خامنئي فعلياً الاقتراح الأمريكي كما زعمت بعض التقارير الإعلامية؟ يُجيب عن هذا التساؤل محلل سياسي مقرّب من مكتب خامنئي، قائلاً لـ"عربي بوست": "أساء الكثيرون تفسير كلام خامنئي، ولكن هذا التفسير مضلّل ويشوبه الكثير من الجهل. خامنئي لم يرفض ولم يُغلق الباب أمام الدبلوماسية مع واشنطن". وأضاف المصدر ذاته قائلاً: "ما فعله خامنئي طبيعي، وقد فعله سابقاً أثناء المفاوضات التي سبقت الاتفاق النووي لعام 2015، لكنه أكد فقط على الخطوط الحمراء لإيران، كما أكد لمعارضي التفاوض مع واشنطن في الداخل أن إيران لن تقدم مثل هذه التنازلات النووية للولايات المتحدة، ولن تتخلى عن مليارات الدولارات التي أنفقتها على بناء منشآتها النووية". وأكد الحديث ذاته عباس غلامي، خبير السياسة الخارجية والمقرّب من الحرس الثوري الإيراني، قائلاً لـ"عربي بوست": "لم يرفض خامنئي المفاوضات مع واشنطن، وحديثه لم يكن إعلاناً لرفض المقترح الأمريكي كما زعم البعض، بل كان تأكيداً على المبادئ الأساسية للجمهورية الإسلامية في التفاوض مع الأمريكيين. القيادة الإيرانية تريد استكمال مسار الدبلوماسية، وتسعى لإنجاح المفاوضات". ووصف المسؤول الحكومي المقرّب من الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان مدى رغبة القيادة الإيرانية في إنجاز صفقة نووية مع واشنطن بأنها "أكثر من أي وقت مضى"، قائلاً لـ"عربي بوست": "خامنئي يعلم جيداً أن إنقاذ البلاد من مشاكلها الاقتصادية لن يتم إلا عبر اتفاق مع الأمريكيين، لذلك فهو يرغب في التوصل إلى صفقة نووية مع إدارة ترامب، ولكنه في الوقت نفسه يريد ضمان عدم انتهاك واشنطن لهذه الصفقة مستقبلاً، وضمان حقوق إيران في التخصيب، ورفع العقوبات". بماذا سترد طهران؟ أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، إسماعيل بقائي، أن طهران لن تتعجّل في الرد على المقترح الأمريكي، وأنها ستصوغ ردها بما يتناسب مع حقوق ومصالح الشعب الإيراني، وهو ما أكده أيضاً كبير الدبلوماسيين الإيرانيين عباس عراقجي. وصفت المصادر الإيرانية المطلعة التي تحدثت لـ"عربي بوست" بعض الخطوط العريضة التي ستكون من ضمن الرد الإيراني المرتقب على المقترح الأمريكي. يقول دبلوماسي إيراني مقرّب من فريق التفاوض لـ"عربي بوست": "إيران، في ردها على الولايات المتحدة، تتمسك بحقها في تخصيب اليورانيوم حتى ولو بنسبة قليلة، كما وافقت على فكرة إنشاء تحالف إقليمي لتخصيب اليورانيوم، وتتمسك بأن يكون هذا الاتحاد على الأراضي الإيرانية، في إحدى الجزر الإيرانية القريبة من دول الخليج". وأضاف المصدر ذاته قائلاً لـ"عربي بوست": "كما أن القيادة الإيرانية سترفض تماماً فكرة إغلاق المنشآت النووية الإيرانية الأساسية، ولن تقبل أن تساعد واشنطن في بناء محطات طاقة نووية للإيرانيين. لدينا مئات العلماء النوويين، ولن نتخلى عنهم بهذه السهولة ونتركهم عاطلين". وقال المحلل السياسي المقرّب من مكتب خامنئي لـ"عربي بوست": "القيادة الإيرانية تعلم جيداً أنها لو تخلت عن حقها في تخصيب اليورانيوم واعتمدت على شراء الوقود النووي من الغرب، فإنها لن تحصل على شيء. في الماضي، رفضت أوروبا إمداد إيران بالوقود النووي لتشغيل محطات الطاقة النووية. فكيف، بعد أن وصلنا إلى هذه المستويات من التخصيب، نتخلى عنها؟ هذا تنازل كبير لن يستطيع خامنئي ولا بزشكيان تسويقه في الداخل الإيراني". وأكد المصدر ذاته أن القيادة الإيرانية ترى أن حق طهران في تخصيب اليورانيوم هو أقوى ورقة تمتلكها في المفاوضات مع واشنطن، قائلاً لـ"عربي بوست": "تخصيب اليورانيوم ليس فقط مسألة وطنية أو سيادة واستقلال، بل هو ما يضمن لإيران الحصول على التنازلات الأمريكية في عملية التفاوض هذه". وأشارت المصادر التي تحدثت لـ"عربي بوست" إلى أن المقترح الأمريكي لم يتناول بشكل جيد مسألة رفع أو تخفيف العقوبات عن إيران. وقال المسؤول الحكومي المقرّب من مسعود بزشكيان لـ"عربي بوست": "مسألة العقوبات قضية هامة بالنسبة للحكومة الإيرانية، فالعقوبات الظالمة المفروضة علينا هي السبب الذي دفعنا للتفاوض مع الأمريكيين، ولابد من حصول إيران على ضمانات برفع هذه العقوبات". وأضاف المصدر الحكومي قائلاً: "هناك مئات العقوبات التي فرضتها واشنطن على طهران منذ انسحاب ترامب من الاتفاق النووي، ويجب التفاوض على كيفية رفع بعضها وتعليق البعض الآخر، وخاصة العقوبات الثانوية التي تعرقل الاستثمار الأجنبي في إيران، وليس فقط الاكتفاء برفع الحظر عن بعض أموال إيران المجمدة في الدول الأخرى". وتوقعت المصادر السابق ذكرها، أن توافق طهران على استكمال المفاوضات ويتم تحديد موعد الجولة السادسة من المفاوضات الغير مباشرة بين طهران وواشنطن، واستبعد المصدر الدبلوماسي الإيراني فكرة رفض إيران لإستكمال المفاوضات في الوقت الحالي، قائلا لـ"عربي بوست"، "لن تسير الأمور هكذا، سنرسل ردنا إلى واشنطن وسيكون من الضروري عقد جلسة أخرى لمناقشة القضايا العالقة بين البلدين، والمسائل الغامضة في المقترح الأمريكي".