logo
أمريكا دخلت اللحظة السوفيتية !الراحل فاضل الربيعي

أمريكا دخلت اللحظة السوفيتية !الراحل فاضل الربيعي

ساحة التحريرمنذ 5 ساعات

أمريكا دخلت اللحظة السوفيتية !
الراحل فاضل الربيعي
القليلونَ فقط -من المحلّلينَ والمتابعينَ- مَنْ يتذكّر اليوم، ما حدثَ في الماضي القريب، عندما شَهِدَ العالمُ ما يمكنُ تسميتهُ بـ(اللّحظةِ السّوفيتيّةِ عام 1989-1990) آنذاك كانَ الرئيسُ السّوفياتيّ بوريس يلتسين يترنّحُ من السّكرِ في اللّقاءاتِ الرسميّة، ومعه كانَ الاتّحادُ السّوفياتيّ يترنّحُ دونَ سكرٍ،و كان يلتسن زعيماً كحوليّاً وفاسداً ومُثيراً للسخريةِ، والعالم كلّهُ آنذاك سَخِرَ منهَ ومن بلاده، ومثل عملاقٍ بقدمين من طين، انهارَ الاتّحادُ السوفياتيّ العظيم فجأةً في لحظةٍ ماجنةٍ، حينَ وقعَ انقلابٌ عسكريٌّ انتهى بتفكّكه. ترنّحَ العملاقُ وسقطَ فجأةً وسطَ ذهولِ العالم. اليوم، تبدو الولاياتُ المتّحدةُ الأمريكيّةُ، وكأنّها دخلت (اللّحظةَ السّوفيتيّة) ذاتها، فثمّة زعيمٌ يترنح، وبلدٌ عملاقٌ يتصدّعُ بطريقةٍ مفضوحةٍ. ترامب الأمريكيّ من هذا المنظور يُكرّرُ صورةَ يلتسن السّوفياتيّ، ولكنْ بدلاً من أنْ يبدوَ ترامب سكّيراً، سيبدوُ مُهرِّجاً.. ماذا يعني هذا؟ يعني هذا ببساطة، أنَّ العالمَ دخلَ من جديد في حالةِ سيولة سبقَ وأنْ دخلَها مع انهيارِ الاتّحادِ السّوفياتيّ، بيد أنَّ العالمَ مع ذلكَ يُعيدُ تشكيلَ نفسهِ كمادّةٍ صلبةٍ من جديد، لأنّهُ يُغادرُ عصراً ويدخلُ عصراً جديداً. بكلامٍ موازٍ؛ دونالد ترامب الأمريكيّ هو بوريس يلتسن السّوفياتيّ، وهما معاً منْ يصنعا اللّحظة ذاتها. كِلاهما جاءَ للقيامِ بالواجبِ المطلوبِ منه. تفكيكُ البلد القديم ببنائِهِ المُتهالِكِ وجدرانِهِ المُتصدّعة. أحدهما اختارَ شخصيّة (السكّير) والآخر اختارَ شخصيّةَ (المهرّج)، إنّها حفلةُ إعادةِ بناءِ العالمِ من جديد، وعلى القادةِ أنْ يتقنّعوا/ يتنكرّوا في هيئةٍ مُحددّةٍ.
في عام 1987 نشر المستقبليّ الأمريكيّ آليفين توفلر ثلاثةُ كتبٍ هي الأشهرُ بين كتبه (الموجةُ الثالثةُ Third wave، وخرائطُ العالمِ World maps، وتوزيع/ تشظّي السُّلطة Power distribution)، ففي الكتاب الأوّل تنبأَ توفلر بانهيارِ الاتّحادِ السوفياتيّ في غضونِ بضعِ سنوات، وهذا ما تحقّقَ بشكلٍ مُذهل، فبعدَ بضعِ سنواتٍ بالفعلِ من صدورِ الكتابِ سقطَ العملاقُ ذو القدمين الطّينيتّين. في هذا الوقتِ، وحين صدرَ كتاب توفلر، كنتُ أعيشُ مع أُسرتي في بلغراد (يوغسلافيا)، وصادفَ أنّني ومجموعةٌ من الشّبابِ الفلسطينيّينَ قرّرنا القيام برحلةٍ سريعةٍ لرومانيا المجاورة، في بوخارست – رومانيا، تحدثتُ مع الملحقِ الثّقافيّ في السّفارةِ الفلسطينيّة، فقال لي إنّهُ عَلِمَ من أصدقاءَ لهُ في قيادةِ الحزبِ الشّيوعيّ الرومانيّ أنَّ الرئيسَ شاوشيسكو طلبَ ترجمة كتابِ توفلر، ثمّ وزّعَ بنفسِهِ عشر نسخٍ منه فقط على أعضاءِ في المكتبِ السياسيّ للحزبِ الشّيوعيّ الرّومانيّ، وكان شاوشيسكو مرعوباً ممّا يجري في العالم، وأيقنَ أنَّ هذه النبوءةَ ليست مجرّدَ نبوءة.
حينَ عدتُ إلى بلغراد دعوتُ إلى منزلي رفاقاً لي من الحزبِ الشّيوعيّ اليوغسلافيّ، كنّا نسهرُ معاً باستمرار، فجاءَ ثلاثةٌ منهم فقط مع زوجاتِهم، وكنتُ أُلاحظُ أنَّ زوجاتِ رفاقي اليوغسلاف كُنَّ حزيناتٍ وهنَّ يُحدثنَ زوجتي عن (تنظيفِ البنادق). انتبهتُ إلى سياقِ الحديثِ لكنّني لمْ أفهم النقاشَ بدقّةٍ، ولذا بادرتُ إلى طرحِ السّؤالِ الآتي الذي كان يلحُ عليّ: 'هل بدأتم حقاً بتنظيفِ (البواريد)؟ هذا يعني أنَّ يوغسلافيا تتّجهُ نحو الحربِ؟'، ثم سألتهم: 'والآن قولوا لي ما الذي جاءَ من أجلهِ غورباتشوف اليوم، لقد رأيتُ في التلفزيون أنّهُ جاءَ لزيارةِ الرئيسِ اليوغسلافيّ ميلوسوفيتش، لكنّه غادرَ بعدَ ساعةٍ واحدةٍ فقط، وكان مُتجهِماً وبدا عليهِ الانزعاجُ، ما الذي يحدث؟' فقال لي أحدهم: اسمع يارفيق، جاءَ غورباتشوف اليوم برسالةٍ من الأمريكيّينَ مفادُها الآتي: سيّد سلوبودان ميلوسوفيتش فكّكَ يوغسلافيا بهدوءٍ أو سنأتي لتفكيكِها بالقوّة، وأذكرُ أنّني في اليوم التالي، كنتُ ضمن المتظاهرينَ في شارعِ تيتو -في قلبِ بغراد- حينَ ذهينا إلى البرلمانِ نُحيّي الرئيس سلوبودان ميلوسوفيتش الذي قالَ وهو يُخاطبُنا: سأموتُ دِفعاً عن يوغسلافيا موحّدة، سأقاتلُ إلى النهاية. كان الأمريكيونَ يريدونَ منه تفكيكَ يوغسلافيا إلى (فيدراليّات) وليس تحويلَ يوغسلافيا إلى دولةٍ فيدراليّة؛ أي كانوا يخطّطونَ لتمزيقِها، وكان رسولُهم غورباتشوف هو الدّمية التي تحكّمَ بها السكّير بوريس يلتسن.
في هذهِ اللّحظة، وحين كانَ غورباتشوف يقومُ بتفكيكِ الاتّحادِ السوفياتيّ، تمّ تدبيرُ (الثورةِ الأمريكيّة) ضدّ شاوشيسكو التي انتهت بقتلِهِ بطريقةٍ بَشِعةٍ، وفي يومِ مصرعِ الرئيسِ الشّهيد شاوشيسكو الذي يُوصَفُ ظلماً بالمجرمِ والقاتل –وياللمفارقة- كانت بوخارست تعلنُ رسميّاً أنّها بلدٌ (دون ديونٍ خارجيّة)؛ أي صفر ديون. في هذه اللّحظةِ السوفيتيّة المأسويّة، كانَ صدّام حسين يدخلُ الكويتَ، وكثيرونَ يعتقدونَ حتّى اليوم أنَّ الرجلَ تصرّفَ بحماقةٍ وحسب، وبرأييّ؛ الأمرُ كان مُختلفاً، فكان العراقُ يُدركُ أنَّ خرائطَ العالم التي تَنبّأَ بها توفلر وُضِعَت قيد التطبيق، ولذا حاولَ صدّام حسين العبثَ بالخرائطِ، وكان أوّل ما فعلهُ أنْ جعلَ الكويتَ (محافظةً عراقيّةً)، وكانت المعادلةُ بالنسبةِ لبلدٍ طرفيٍّ صغير من بلدانِ العالمِ الثّالث، وهو يراقبُ تفكّك الإمبراطوريّاتِ والدولِ على النحو الآتي: ما دامَ الأمريكيّونَ سيعبثونَ بخرائطِ العالم، فعلى العالمِ أنْ يعبثَ بخرائطِ أمريكا. لمْ يكن صدّام حسين احمق وفي النهايةِ هو رئيسُ دولةٍ إقليميّةٍ مهمّةٍ كانَ لديها ما يكفي من المعطياتِ عمّا يجري في العالم، ومهما يكن، وأيّاً يكن (ما إذا كانَ غزو الكويت حماقةً أمْ لا) فليسَ هذا الأمرُ المهمُّ في هذا التحليل، المهمُّ أنْ نلاحظَ هذا الجو الدوليّ الذي بدأَ بالتشكّل.
وهكذا، وقُبيلَ احتلالِ العراقِ (مارس/ آذار 2003) بثلاثةِ أشهرٍ تقريباً، وحينَ مضى أكثرُ من عقدٍ من الزّمنِ على انهيارِ العالمِ القديم، وحينَ كنتُ أعيشُ مع أُسرتي في هولندا، ذهبتُ إلى بغدادَ بدعوةٍ من وزيرِ الخارجيِةِ المرحوم طارق عزيز، بالنسبةِ لي كانَ الأُستاذ طارق عزيز -رحمه الله- صديقاً، وكنتُ أعرفهُ منذُ وقتٍ طويل، وفي بغداد التي عُدتُ إليها من المنفى بعد نحو 30 عاماً -كمعارضٍ- التقيتُ السيّدَ عزة الدوري (عزة إبراهيم نائبُ الرئيسِ صدّام حسين). وسالتُه خلالَ لقاءٍ استمرَّ لساعاتٍ، (ما أرويه –هنا- هو تاريخٌ، وللجميعِ الحقّ في اتّخاذِ أيّ موقف، لكن يجبُ احترامُ الواقعةِ التي أرويها لأنّني أكتبُ بموضوعيّةٍ وللتاريخ). مالذي يريدهُ الأمريكيّونَ منكم، أعني ما الذي طلبوهُ منكم بالضبط؟ لماذا هذا الإلحاحُ على إسقاطِ النظامِ في بغدادَ، رجاء قلْ لي ماذا طلبَ الأمريكيّونَ منكم؟ فقالَ لي حرفيّاً ما يأتي (وباللّهجةِ العراقية):
– يا رفيق.. طلبوا منّا شيئاً قُلنا لهم لا نقدر عليه. خذوهُ بالقوّة.
فقلتُ لهُ على الفور:
– شكراً لكَ.. فَهِمت ما طلبوهُ منكم، لقد طلبوا منكم ما طلبوهُ من بلغراد.
ولذا، اختفى الاتّحادُ السّوفياتيّ من الوجود.
لكنَّ آلفين توفلر أضافَ ما يأتي: انتبهوا، بعدَ خمسة وثلاثينَ أو أربعينَ عاماً سوفَ تختفي الولاياتُ المتّحدةُ الأمريكيّة أيضاً، فقط لأنَّ العصرَ الذي وُلِدَت فيه ووُلد فيه الاتّحاد السوفياتي قد تلاشى وجاءَ عصرٌ جديدٌ، سوفَ يتمزّقُ المجتمعُ الأمريكيّ بثوراتِ السّودِ/ الزنوجِ وطموحِ الولاياتِ الغنيّة، وفي هذا الكتابِ أيضاً، تنبّأ توفلر بـ(أيديولوجيّاتٍ جديدةٍ) سوفَ تحلُّ محلَّ إيديولوجيّاتِ العصرِ الصناعيّ، وفي خرائطِ العالمِ تنبّأ بأوروبا أُخرى غير التي نعرفها، سوف تختفي أوروبا الغربيّة التي نعرفها، هذه التي قالَ عنها وزيرُ الدّفاعِ الأمريكيّ رامسفيلد بعدَ أسبوعٍ فقط من احتلالِ العراقِ ومن العاصمةِ بغداد: 'وداعاً أوروبا العجوز'. كثيرونَ لمْ يصدّقوا ما قالهُ وليد المعلّم أعظمُ وزيرِ خارجيّةٍ لسورية المُعاصرة، حين خاطبَ الصّحفيّينَ في مكتبةِ الأسد قبلَ أعوام: انسوا أوروبا، لقد شطبناها من الخريطةِ، هناك أوروبا جديدةٌ تولدُ هي أوروبا الشّرقيّة (الأرثوذكسيّة من بلغاريا حتّى اليونان). ولذا يحاولُ الناتو نشرَ أسلحتهُ في أراضيها بيأس، إنّها أوروبا الجديدة التي سوفَ تُلاقي روسيا الجديدة وأمريكا الجديدة (بعدَ عشرِ سنوات)، ولأنَّ الولاياتِ المتّحدةَ الأمريكيّةَ هي اليوم في اللّحظةِ السوفيتيّة، فهذا يعني أنَّ العالمَ دخلَ عصرَ (توريعِ السّلطةِ) أو تشظّي السُّلطة.
في قلبِ هذه اللّحظةِ التاريخيّةِ أصبحت سورية مطبخَ العالمِ الجديد -ويا للأسف-؛ أيّ المكان الذي سوفَ تتقرّرُ فيه حصصُ وأحجامُ الدولِ. إنّها المكانُ الذي سوفَ يتمكّنُ فيه العالمُ من الانتقالِ النهائيّ من (حالةِ السيولةِ) إلى (حالةِ الصَّلابةِ).
لقد لَعِبَ بوريس يلتسن دورَهُ كسكّيرٍ ثمَّ سلّمَ الأمانةَ لبوتين، وترامب اليوم يلعبُ دورَهُ كمهرّجٍ قبلَ أنْ يُسلّمَ الأمانةَ لـ(بوتين أمريكيّ) يُعيدُ بناءَ أمريكا المُتهالِكة. في مزحةٍ عابرةٍ قال بوتين تعليقاً على قراراتِ ترامب 'إنّهُ ينفّذُ ما تطلبهُ الآلة'. نعم، هناك (آلةٌ) تأمرُ الرئيسَ أنْ يبدوَ سكّيراً أو مُهرِّجاً، ولكن شرطَ أنْ ينفذَ، ليس مهمّاً ما هي هيئتهُ، سكّيراً يكونُ أو مهرّجاً، ليخترَ ما يشاء. المهمُ أنْ ينفّذَ. في نبوءةِ توفل نقرأ الآتي: الولاياتُ المتّحدةُ الأمريكيّةُ على طريقِ الاتّحادِ السوفياتيّ سوف تختفي وتتفككّ، لكنّها سوفَ تَعودُ في شكلٍ آخرَ. عاملُ السيّاراتِ التروتسكي الذي أصبحَ من أنبياءِ أمريكا، لا ينطقُ عن هَوى. إنّهُ مُتنبئ وليسَ نبيّاً، أي كاهنٌ في المؤسّسةِ الرأسماليّةِ التي تقبضُ على عنقِ العالمِ وقد خرجَ إلى الأسواِق ليتنبأَ مُحذِّراً أنَّ أمريكا دخلت اللّحظة السوفيتيّة، وسوفَ تنهارُ كما انهارَ الاتّحادِ السّوفياتيّ، وأنَّ المهرّجَ الأمريكيّ مثل السكّيرِ السّوفياتيّ يمكنُ أنْ يسقطَ في أيّ لحظةٍ وفجأةً. القوى العظمى كما قالَ ماو تسي تونغ ذاتَ يوم: عملاقٌ بقدمينِ من طين، وحين يترنّحُ العملاقُ في لحظةِ سكرٍ أو تهريجٍ لا فرقَ؛ فإنَّ القدمينِ الطّينيّين سوفَ تتداعيانِ وتتلاشى (المادّةُ الصمغيّة) اللّاصقةُ فيهما.
‎2025-‎06-‎16

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

حاملة الطائرات الأميركية 'نيميتز' تتجه نحو الشرق الأوسط
حاملة الطائرات الأميركية 'نيميتز' تتجه نحو الشرق الأوسط

وكالة الصحافة المستقلة

timeمنذ 2 ساعات

  • وكالة الصحافة المستقلة

حاملة الطائرات الأميركية 'نيميتز' تتجه نحو الشرق الأوسط

المستقلة/-في خطوة تعكس تصاعد التوترات في الشرق الأوسط، غادرت حاملة الطائرات الأميركية 'نيميتز' صباح الاثنين بحر جنوب الصين متجهة غرباً نحو المنطقة، وفقاً لبيانات موقع 'مارين ترافيك' لتتبع حركة السفن، وذلك بعد إلغاء رسوّ كان مقرراً لها في مدينة دانانغ الفيتنامية. وكان من المتوقع أن تصل 'نيميتز' إلى الميناء الفيتنامي في 20 يونيو/حزيران، إلا أن مصدرين، أحدهما دبلوماسي، أكدا لوكالة 'رويترز' أن الزيارة أُلغيت لأسباب 'عملياتية طارئة'، بحسب ما أبلغت السفارة الأميركية في هانوي أحد المصدرين. وحتى الآن، لم يصدر تعليق رسمي من السفارة الأميركية حول الإلغاء المفاجئ. وتنتمي 'نيميتز' إلى مجموعة 'نيميتز كاريير سترايك' التي نفذت مؤخراً عمليات أمنية في بحر جنوب الصين ضمن ما وصفته البحرية الأميركية بـ'الوجود الروتيني' في المحيطين الهندي والهادئ. إلا أن تحركها الأخير باتجاه الشرق الأوسط في ظل التصعيد المتزايد بين إسرائيل وإيران، يفتح الباب واسعاً أمام تأويلات ترتبط بموقف واشنطن من هذا النزاع الإقليمي. حشد بحري مزدوج ورسائل ردع إرسال 'نيميتز' إلى الشرق الأوسط يوازيه وجودُ حاملة الطائرات 'كارل فينسن' في المنطقة، ما يشير إلى أن الولايات المتحدة لا تكتفي بالمراقبة، بل تُظهر نوايا ردعية واضحة تجاه طهران. التحرك، بحسب مراقبين، يحمل رسالة مفادها أن واشنطن 'تحشد القوة المدمّرة' تحسباً لانزلاق عسكري واسع. وبحسب بيانات التتبع، تحتاج 'نيميتز' من 10 إلى 14 يوماً للوصول إلى بحر العرب، إلا أنها قادرة على الدخول الفوري في العمليات القتالية بمجرد اقترابها، إذ تضم بين 70 إلى 90 طائرة، وترافقها مجموعة قتالية تصل إلى 15 قطعة بحرية تشمل مدمرات وفرقاطات وغواصات. موقف ترامب: بين الحذر والضغوط الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وفي تصريح لشبكة 'ABC'، ألمح إلى احتمال تدخل الولايات المتحدة لدعم إسرائيل في استهداف البرنامج النووي الإيراني، لكنه شدد على أن بلاده 'غير منخرطة في المواجهة حالياً'. غير أن تطور الميدان قد يدفع ترامب نحو التصعيد، خاصة في ظل الضغوط المتزايدة من دوائر الكونغرس والدوائر المقربة منه، في حال تعثرت إسرائيل في حسم المواجهة. قواعد أمريكا في مرمى الرد الإيراني رغم أن واشنطن تتجنب استخدام قواعدها العسكرية المنتشرة في الخليج والعراق والأردن بشكل مباشر في العمليات الهجومية، إلا أن هذه القواعد تبقى أهدافاً محتملة لأي رد إيراني، سواء شاركت في العمليات أم لم تشارك، ما يزيد من تعقيد قرار التصعيد الأميركي. وتشير تقارير إلى أن الولايات المتحدة تحتفظ بـ63 قاعدة برية وجوية في المنطقة، إضافة إلى حضور لافت في قاعدة إستراتيجية بالمحيط الهندي، حيث تُخزَّن قاذفات 'بي-2' القادرة على حمل قنابل 'جي بي يو-57' المعروفة بـ'أم القنابل'، ما يعزز من قدرات واشنطن للرد السريع إن دعت الحاجة. المصدر: يورونيوز

خبراء امريكان يقدمون اجابات  حول اهم اسئلة الحرب
خبراء امريكان يقدمون اجابات  حول اهم اسئلة الحرب

الحركات الإسلامية

timeمنذ 4 ساعات

  • الحركات الإسلامية

خبراء امريكان يقدمون اجابات حول اهم اسئلة الحرب

قدم مجموعة من خبراء معهد واشنطن لسياسات الشرق الادني . تحليلات تتناول الأبعاد العسكرية والنووية للضربات الإسرائيلية لايران، والرد الايراني ، والتحركات المحتملة لإدارة ترامب، إلى جانب ردود الفعل الشعبية داخل إيران، وغيرها من التطورات. وذلك خلال الاجابة علي اهم اسئلة الحرب لماذا هاجمت إسرائيل الآن؟ يقول الباحث ماثيو ليفيت في غضون ساعات من الهجوم، أصدرت قوات الدفاع الإسرائيلية بياناً يوضح أنه تم طلب منها المضي قدماً في العملية لأن "المعلومات الاستخبارية المتراكمة" خلال الأشهر العديدة الماضية أشارت إلى أن برنامج الأسلحة النووية الإيراني كان "يقترب من نقطة اللاعودة". وبشكل أكثر تحديداً، فإن جهود النظام "لإنتاج آلاف الكيلوغرامات من اليورانيوم المخصب" وإنشاء "مجمعات إثراء لاممركزة ومحصنة في منشآت تحت الأرض" تشكل برنامجاً غير مشروع لإثراء اليورانيوم إلى مستويات الأسلحة. وخلصت قوات الدفاع الإسرائيلية إلى أن إيران يمكن أن تحقق هذا الهدف "في فترة زمنية قصيرة". بالإضافة إلى ذلك، أشار التقرير إلى "تقدم ملموس" في جهود طهران "لإنتاج مكونات أسلحة مكيفة لهجوم نووي". وكان النظام يحرز مثل هذا التقدم في التسليح لبعض الوقت، ولكن "أكثر من ذلك" منذ بداية حرب غزة. والجدير بالذكر أن هذا التقييم يختلف بشكل حاد عن الخلاصة المقدمة في تقرير مارس من مدير الاستخبارات الوطنية الأمريكي، وهي أن إيران "لا تبني سلاحاً نووياً". ووفقاً لقوات الدفاع الإسرائيلية، أظهرت معلومات استخبارية كُشفت حديثاً أنه حتى أثناء التفاوض مع الولايات المتحدة، كانت إيران "تتقدم في خطة سرية" لتسريع التقدم التكنولوجي عبر جميع عناصر برنامجها النووي، مع "عمل علماء كبار سراً لتطوير جميع المكونات لتطوير سلاح نووي". في عالم ما بعد السابع من أكتوبر، لم تعد السلطات الإسرائيلية راغبة في أن تأمل الأفضل بينما الأعداء المتعهدون بتدميرها يجمعون الأسلحة اللازمة لتحقيق ذلك الهدف. وبالتالي، خلصوا إلى أن "دولة إسرائيل لم تُترك لها خيار" سوى الدفاع عن مواطنيها. وأصبح هذا الموقف ممكناً من خلال العمليات السابقة على جبهات متعددة. على مدى العام الماضي، نجحت القوات الإسرائيلية فعلياً في نزع أنياب حزب الله، والقضاء على تهديد القصف الصاروخي الضخم من لبنان، وشل الكثير من نظام الدفاع الجوي الإيراني، وتعطيل إنتاجه للصواريخ الباليستية. كيف تؤثر الضربة على حسابات الردع الأمريكية؟ يقول الباحث مايكل آيزنشتات تبدو أهداف العملية الإسرائيلية واضحة: قطع رأس القيادة العليا للقوات المسلحة الإيرانية والبرنامج النووي؛ قمع دفاعاتها الجوية لإفساح المجال للهجمات اللاحقة؛ مهاجمة مجمع صواريخها أرض-أرض لإعاقة رد فعال؛ والأهم من ذلك، تدمير برنامجها النووي. وقد استهدفت ضربات المتابعة اليوم على ما يبدو ضباطاً عُينوا لخلافة أولئك الذين قُتلوا الليلة الماضية، مما يشير إلى أن إسرائيل تسعى لمنع القيادة العسكرية الإيرانية من التعافي بعد الصدمة التي أحدثتها الضربات الأولى. يجب النظر إلى هذه الأحداث كتتويج لحملة إسرائيلية سرية استمرت ثلاثين عاماً لتعطيل وتأخير البرنامج النووي الإيراني. كما تمثل الطلقة الافتتاحية لمرحلة جديدة ستسعى إلى إيجاد تفاعلات بين العمل العسكري السري والعلني المتقطع، بهدف عام هو تعطيل الجهود لإعادة تكوين البرنامج في الأشهر (ربما السنوات) القادمة. حتى الآن، كان الرد العسكري الإيراني الوحيد المعروف هو ضربة مضادة تضمنت 100 طائرة بدون طيار انتحارية. ويبقى أن نرى ما إذا كان الضغط العسكري المستمر سيمنعها من حشد رد أوسع وأكثر فعالية ضد إسرائيل، وما إذا كانت ستهاجم المصالح الأمريكية في المنطقة وتخاطر بتوسيع الصراع. وبالنظر إلى المستقبل، يبرز سؤالان كبيران. هل يمكن لهذه الضربات أن تمهد الطريق لدبلوماسية نووية متجددة مع إيران في ظل شروط أكثر ملاءمة؟ وإذا رفضت طهران عروض الدبلوماسية المتجددة، فهل ستنتقل إسرائيل (ربما بتشجيع أمريكي) إلى مهاجمة قيادة النظام والبنية التحتية الاقتصادية للبلاد، لتسهيل العمل من جانب الشعب الإيراني للإطاحة بالجمهورية الإسلامية؟ هل الدبلوماسية النووية متوقفة؟ يقول الباحث باتريك كلاوسون في أعقاب الهجوم الإسرائيلي، أعلنت إيران التعليق إلى أجل غير مسمى للمحادثات غير المباشرة مع الولايات المتحدة، والتي كان من المقرر أن تجري جولتها السادسة في عُمان في 15 يونيو. مهما كانت رغبة طهران في التوصل إلى اتفاق، فإنه سيكون من الصعب عليها أن تشرح للجماهير في الداخل أو الخارج لماذا ستواصل المفاوضات. حتى المؤيد الرئيسي للمحادثات النووية، وزير الخارجية عباس عراقتشي، ألقى باللوم على الولايات المتحدة في الهجمات. في حين أن بيانات من العديد من الحكومات - بما في ذلك بعض المتعاطفة مع إيران، مثل الصين - دعت إلى محادثات لتهدئة الوضع، فإن السيناريو الأكثر تفاؤلاً هو استئناف المفاوضات في وقت لاحق، بعد فترة تهدئة. وإذا ضربت إيران الأصول الأمريكية أو اتخذت إجراءات أخرى طائشة - وهو سيناريو محتمل - فمن المرجح أن تُغلق المحادثات تماماً. لقد هددت إيران سابقاً بمغادرة معاهدة عدم الانتشار النووي إذا تعرضت للهجوم. وبينما قد لا تذهب إلى هذا الحد، يمكن أن تقرر تقليل تعاونها مع تفتيش الوكالة الدولية للطاقة الذرية، كما فعلت بعد العمليات الإسرائيلية السابقة. وفي الوقت نفسه، تجعل الضربات الإسرائيلية من غير المعقول سياسياً أن تنفذ الحكومات الأوروبية تعهدها المتكرر - وهو أنه إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق نووي، فإنها ستعيد فرض عقوبات الأمم المتحدة على إيران قبل انتهاء صلاحية سلطة "الإرجاع السريع" الممنوحة بموجب قرار مجلس الأمن 2231 في أكتوبر. في واشنطن، صرح الرئيس ترامب علناً أن "إيران يجب أن تعقد صفقة، قبل ألا يبقى شيء". والجدير بالذكر أنه أخبر طهران أن اليوم هو "اليوم 61"، في إشارة إلى إنذاره النهائي البالغ ستين يوماً. ماذا يجب على الولايات المتحدة أن تفعل؟ تقول الباحثة دانا سترول في الأيام والأسابيع المقبلة، ستحتاج واشنطن إلى معايرة دعمها لأعمال إسرائيل مع هدفين حاسمين آخرين: (1) منع دورة تصاعدية يمكن أن تؤدي إلى هجمات ضد الشركاء العرب أو القوات الأمريكية في المنطقة، أو صراع إيراني-إسرائيلي أوسع، و(2) الحفاظ على الهدف الأمريكي الرئيسي المتمثل في ضمان عدم وجود مسار لإيران نحو سلاح نووي. لمدة خمس إدارات رئاسية على الأقل، أعطت السياسة الأمريكية الأولوية للدبلوماسية لمعالجة الطموحات النووية الإيرانية مع الاحتفاظ بالخيارات العسكرية في حالة فشل الدبلوماسية. بعد الموعد النهائي البالغ ستين يوماً الذي فرضه الرئيس ترامب في أبريل لاختبار استعداد إيران لتراجع برنامجها، تباطأت المحادثات إلى زحف بسبب إصرار طهران على الاحتفاظ بقدرات إثراء اليورانيوم. وعلى الرغم من أن الضربات الإسرائيلية ستؤخر البرنامج بشكل كبير، فمن غير المرجح أن تخمد الطموحات النووية للنظام أو تقضي على جميع قدراته التقنية ذات الصلة. في المستقبل، ربما تكون أهم مؤشرات الدعم الأمريكي للحملة العسكرية الإسرائيلية تشمل ما يلي: بيانات عامة تعزز ضرورة الضربات؛ التزامات بمواصلة توفير المعدات العسكرية والمساعدة اللوجستية وأشكال الدعم الأخرى للعملية؛ ودور نشط في الدفاع عن إسرائيل ضد الانتقام الإيراني المتوقع. حتى الآن، اتخذ الرئيس ترامب خطوات أولية في جميع هذه الجبهات: لقد أعرب علناً عن دعمه للحملة، وأكد أن المزيد من المعدات العسكرية الأمريكية سيتم نقلها، وسمح للقوات الأمريكية بأن تتعاون بنشاط في إسقاط وابل إيران الانتقامي الأولي المكون من 100 طائرة هجوم بدون طيار في الأجواء الأردنية. لقد توقف عن إصدار أوامر بعمل هجومي أمريكي ضد إيران، إما بشكل أحادي أو بالتعاون مع إسرائيل. وفي الوقت نفسه، حذر وزير الخارجية ماركو روبيو إيران الليلة الماضية من عدم مهاجمة المصالح أو الأفراد الأمريكيين. لدفع هذه النقطة إلى المنزل، مع ذلك، سيحتاج إلى توضيح أن الولايات المتحدة ستستجيب عسكرياً إذا حدثت مثل هذه الهجمات. يجب على واشنطن أيضاً توضيح التزامها بالمساعدة في الدفاع عن الشركاء العرب في الشرق الأوسط. وهذا مهم بشكل خاص نظراً لمخاوفهم المستمرة بشأن هجوم إيران عام 2019 على المنشآت النفطية السعودية - وهو حادث لم تتخذ إدارة ترامب الأولى إجراءً ذا معنى بشأنه. يمكن القول أن أكثر الطرق سرعة لمنع دورة التصعيد الإيراني-الإسرائيلي هو الإعلان بشكل حاسم عن نية أمريكا لدعم إسرائيل. وهذا من شأنه أن يجبر ما تبقى من القيادة الإيرانية على أن تقرر ما إذا كانت ستختبر عزم واشنطن وتخاطر بدخول القوات الأمريكية المعركة. كيف يتفاعل الشعب الإيراني؟ يقول الباحث هولي داغريس ضربات إسرائيل الليلية تركت العديد من الإيرانيين مهتزين وغاضبين. الكثير من هذا الغضب يتم توجيهه إلى قادتهم - على سبيل المثال، بعض الإيرانيين يتساءلون لماذا لم تكن هناك صفارات إنذار جوي أو ملاجئ للاحتماء، مع تسليط الضوء على الأقل على سنوات من موارد الدولة التي أُنفقت بدلاً من ذلك في شن حرب على النساء. يجد المؤسسة الدينية نفسها الآن في موقف دفاعي، وليس فقط لأنها فشلت في حماية المدنيين وكبار رجال الجمهورية الإسلامية من هجمات إسرائيل. كما يجب عليها أن تجيب عن العواقب الأوسع للسياسات التي عزلت البلاد عن المجتمع العالمي الأوسع الذي يريد العديد من الإيرانيين المشاركة فيه. وبالفعل، كثفت الضربات من التوترات المتفاقمة بالفعل، والعديد من الإيرانيين يريدون رؤية الجمهورية الإسلامية تختفي. ومع ذلك، بشكل حاسم، معظمهم لا يريدون هذه النتيجة أن تأتي على حساب إراقة الدماء والحرب. مثل هذه المشاعر تكشف معضلة أوسع للمؤسسة. بغض النظر عما إذا كانت طهران تشن انتقاماً قاسياً أم لا، فإنها تخاطر بالاضطرابات المحلية، خاصة إذا واصلت إسرائيل عمليتها المبلغ عنها متعددة الأيام. لقد قيدت السلطات بالفعل استخدام الإنترنت وهددت باتخاذ إجراءات قانونية ضد مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي المحتفلين، مما يشير إلى حملة قمع استباقية. ومع ذلك، فإن الفشل المتصور في الوقوف أمام إسرائيل يمكن أن يقوض الرواية الأساسية للمؤسسة حول "المقاومة" بين الأقلية من المؤيدين المتبقين لديها. ستكشف الأيام المقبلة ما إذا كانت طهران تعطي الأولوية للحماس الثوري أم الاستقرار الداخلي. كلا المسارين ينطوي على مخاطر كبيرة لبقاء النظام.

أمريكا دخلت اللحظة السوفيتية !الراحل فاضل الربيعي
أمريكا دخلت اللحظة السوفيتية !الراحل فاضل الربيعي

ساحة التحرير

timeمنذ 5 ساعات

  • ساحة التحرير

أمريكا دخلت اللحظة السوفيتية !الراحل فاضل الربيعي

أمريكا دخلت اللحظة السوفيتية ! الراحل فاضل الربيعي القليلونَ فقط -من المحلّلينَ والمتابعينَ- مَنْ يتذكّر اليوم، ما حدثَ في الماضي القريب، عندما شَهِدَ العالمُ ما يمكنُ تسميتهُ بـ(اللّحظةِ السّوفيتيّةِ عام 1989-1990) آنذاك كانَ الرئيسُ السّوفياتيّ بوريس يلتسين يترنّحُ من السّكرِ في اللّقاءاتِ الرسميّة، ومعه كانَ الاتّحادُ السّوفياتيّ يترنّحُ دونَ سكرٍ،و كان يلتسن زعيماً كحوليّاً وفاسداً ومُثيراً للسخريةِ، والعالم كلّهُ آنذاك سَخِرَ منهَ ومن بلاده، ومثل عملاقٍ بقدمين من طين، انهارَ الاتّحادُ السوفياتيّ العظيم فجأةً في لحظةٍ ماجنةٍ، حينَ وقعَ انقلابٌ عسكريٌّ انتهى بتفكّكه. ترنّحَ العملاقُ وسقطَ فجأةً وسطَ ذهولِ العالم. اليوم، تبدو الولاياتُ المتّحدةُ الأمريكيّةُ، وكأنّها دخلت (اللّحظةَ السّوفيتيّة) ذاتها، فثمّة زعيمٌ يترنح، وبلدٌ عملاقٌ يتصدّعُ بطريقةٍ مفضوحةٍ. ترامب الأمريكيّ من هذا المنظور يُكرّرُ صورةَ يلتسن السّوفياتيّ، ولكنْ بدلاً من أنْ يبدوَ ترامب سكّيراً، سيبدوُ مُهرِّجاً.. ماذا يعني هذا؟ يعني هذا ببساطة، أنَّ العالمَ دخلَ من جديد في حالةِ سيولة سبقَ وأنْ دخلَها مع انهيارِ الاتّحادِ السّوفياتيّ، بيد أنَّ العالمَ مع ذلكَ يُعيدُ تشكيلَ نفسهِ كمادّةٍ صلبةٍ من جديد، لأنّهُ يُغادرُ عصراً ويدخلُ عصراً جديداً. بكلامٍ موازٍ؛ دونالد ترامب الأمريكيّ هو بوريس يلتسن السّوفياتيّ، وهما معاً منْ يصنعا اللّحظة ذاتها. كِلاهما جاءَ للقيامِ بالواجبِ المطلوبِ منه. تفكيكُ البلد القديم ببنائِهِ المُتهالِكِ وجدرانِهِ المُتصدّعة. أحدهما اختارَ شخصيّة (السكّير) والآخر اختارَ شخصيّةَ (المهرّج)، إنّها حفلةُ إعادةِ بناءِ العالمِ من جديد، وعلى القادةِ أنْ يتقنّعوا/ يتنكرّوا في هيئةٍ مُحددّةٍ. في عام 1987 نشر المستقبليّ الأمريكيّ آليفين توفلر ثلاثةُ كتبٍ هي الأشهرُ بين كتبه (الموجةُ الثالثةُ Third wave، وخرائطُ العالمِ World maps، وتوزيع/ تشظّي السُّلطة Power distribution)، ففي الكتاب الأوّل تنبأَ توفلر بانهيارِ الاتّحادِ السوفياتيّ في غضونِ بضعِ سنوات، وهذا ما تحقّقَ بشكلٍ مُذهل، فبعدَ بضعِ سنواتٍ بالفعلِ من صدورِ الكتابِ سقطَ العملاقُ ذو القدمين الطّينيتّين. في هذا الوقتِ، وحين صدرَ كتاب توفلر، كنتُ أعيشُ مع أُسرتي في بلغراد (يوغسلافيا)، وصادفَ أنّني ومجموعةٌ من الشّبابِ الفلسطينيّينَ قرّرنا القيام برحلةٍ سريعةٍ لرومانيا المجاورة، في بوخارست – رومانيا، تحدثتُ مع الملحقِ الثّقافيّ في السّفارةِ الفلسطينيّة، فقال لي إنّهُ عَلِمَ من أصدقاءَ لهُ في قيادةِ الحزبِ الشّيوعيّ الرومانيّ أنَّ الرئيسَ شاوشيسكو طلبَ ترجمة كتابِ توفلر، ثمّ وزّعَ بنفسِهِ عشر نسخٍ منه فقط على أعضاءِ في المكتبِ السياسيّ للحزبِ الشّيوعيّ الرّومانيّ، وكان شاوشيسكو مرعوباً ممّا يجري في العالم، وأيقنَ أنَّ هذه النبوءةَ ليست مجرّدَ نبوءة. حينَ عدتُ إلى بلغراد دعوتُ إلى منزلي رفاقاً لي من الحزبِ الشّيوعيّ اليوغسلافيّ، كنّا نسهرُ معاً باستمرار، فجاءَ ثلاثةٌ منهم فقط مع زوجاتِهم، وكنتُ أُلاحظُ أنَّ زوجاتِ رفاقي اليوغسلاف كُنَّ حزيناتٍ وهنَّ يُحدثنَ زوجتي عن (تنظيفِ البنادق). انتبهتُ إلى سياقِ الحديثِ لكنّني لمْ أفهم النقاشَ بدقّةٍ، ولذا بادرتُ إلى طرحِ السّؤالِ الآتي الذي كان يلحُ عليّ: 'هل بدأتم حقاً بتنظيفِ (البواريد)؟ هذا يعني أنَّ يوغسلافيا تتّجهُ نحو الحربِ؟'، ثم سألتهم: 'والآن قولوا لي ما الذي جاءَ من أجلهِ غورباتشوف اليوم، لقد رأيتُ في التلفزيون أنّهُ جاءَ لزيارةِ الرئيسِ اليوغسلافيّ ميلوسوفيتش، لكنّه غادرَ بعدَ ساعةٍ واحدةٍ فقط، وكان مُتجهِماً وبدا عليهِ الانزعاجُ، ما الذي يحدث؟' فقال لي أحدهم: اسمع يارفيق، جاءَ غورباتشوف اليوم برسالةٍ من الأمريكيّينَ مفادُها الآتي: سيّد سلوبودان ميلوسوفيتش فكّكَ يوغسلافيا بهدوءٍ أو سنأتي لتفكيكِها بالقوّة، وأذكرُ أنّني في اليوم التالي، كنتُ ضمن المتظاهرينَ في شارعِ تيتو -في قلبِ بغراد- حينَ ذهينا إلى البرلمانِ نُحيّي الرئيس سلوبودان ميلوسوفيتش الذي قالَ وهو يُخاطبُنا: سأموتُ دِفعاً عن يوغسلافيا موحّدة، سأقاتلُ إلى النهاية. كان الأمريكيونَ يريدونَ منه تفكيكَ يوغسلافيا إلى (فيدراليّات) وليس تحويلَ يوغسلافيا إلى دولةٍ فيدراليّة؛ أي كانوا يخطّطونَ لتمزيقِها، وكان رسولُهم غورباتشوف هو الدّمية التي تحكّمَ بها السكّير بوريس يلتسن. في هذهِ اللّحظة، وحين كانَ غورباتشوف يقومُ بتفكيكِ الاتّحادِ السوفياتيّ، تمّ تدبيرُ (الثورةِ الأمريكيّة) ضدّ شاوشيسكو التي انتهت بقتلِهِ بطريقةٍ بَشِعةٍ، وفي يومِ مصرعِ الرئيسِ الشّهيد شاوشيسكو الذي يُوصَفُ ظلماً بالمجرمِ والقاتل –وياللمفارقة- كانت بوخارست تعلنُ رسميّاً أنّها بلدٌ (دون ديونٍ خارجيّة)؛ أي صفر ديون. في هذه اللّحظةِ السوفيتيّة المأسويّة، كانَ صدّام حسين يدخلُ الكويتَ، وكثيرونَ يعتقدونَ حتّى اليوم أنَّ الرجلَ تصرّفَ بحماقةٍ وحسب، وبرأييّ؛ الأمرُ كان مُختلفاً، فكان العراقُ يُدركُ أنَّ خرائطَ العالم التي تَنبّأَ بها توفلر وُضِعَت قيد التطبيق، ولذا حاولَ صدّام حسين العبثَ بالخرائطِ، وكان أوّل ما فعلهُ أنْ جعلَ الكويتَ (محافظةً عراقيّةً)، وكانت المعادلةُ بالنسبةِ لبلدٍ طرفيٍّ صغير من بلدانِ العالمِ الثّالث، وهو يراقبُ تفكّك الإمبراطوريّاتِ والدولِ على النحو الآتي: ما دامَ الأمريكيّونَ سيعبثونَ بخرائطِ العالم، فعلى العالمِ أنْ يعبثَ بخرائطِ أمريكا. لمْ يكن صدّام حسين احمق وفي النهايةِ هو رئيسُ دولةٍ إقليميّةٍ مهمّةٍ كانَ لديها ما يكفي من المعطياتِ عمّا يجري في العالم، ومهما يكن، وأيّاً يكن (ما إذا كانَ غزو الكويت حماقةً أمْ لا) فليسَ هذا الأمرُ المهمُّ في هذا التحليل، المهمُّ أنْ نلاحظَ هذا الجو الدوليّ الذي بدأَ بالتشكّل. وهكذا، وقُبيلَ احتلالِ العراقِ (مارس/ آذار 2003) بثلاثةِ أشهرٍ تقريباً، وحينَ مضى أكثرُ من عقدٍ من الزّمنِ على انهيارِ العالمِ القديم، وحينَ كنتُ أعيشُ مع أُسرتي في هولندا، ذهبتُ إلى بغدادَ بدعوةٍ من وزيرِ الخارجيِةِ المرحوم طارق عزيز، بالنسبةِ لي كانَ الأُستاذ طارق عزيز -رحمه الله- صديقاً، وكنتُ أعرفهُ منذُ وقتٍ طويل، وفي بغداد التي عُدتُ إليها من المنفى بعد نحو 30 عاماً -كمعارضٍ- التقيتُ السيّدَ عزة الدوري (عزة إبراهيم نائبُ الرئيسِ صدّام حسين). وسالتُه خلالَ لقاءٍ استمرَّ لساعاتٍ، (ما أرويه –هنا- هو تاريخٌ، وللجميعِ الحقّ في اتّخاذِ أيّ موقف، لكن يجبُ احترامُ الواقعةِ التي أرويها لأنّني أكتبُ بموضوعيّةٍ وللتاريخ). مالذي يريدهُ الأمريكيّونَ منكم، أعني ما الذي طلبوهُ منكم بالضبط؟ لماذا هذا الإلحاحُ على إسقاطِ النظامِ في بغدادَ، رجاء قلْ لي ماذا طلبَ الأمريكيّونَ منكم؟ فقالَ لي حرفيّاً ما يأتي (وباللّهجةِ العراقية): – يا رفيق.. طلبوا منّا شيئاً قُلنا لهم لا نقدر عليه. خذوهُ بالقوّة. فقلتُ لهُ على الفور: – شكراً لكَ.. فَهِمت ما طلبوهُ منكم، لقد طلبوا منكم ما طلبوهُ من بلغراد. ولذا، اختفى الاتّحادُ السّوفياتيّ من الوجود. لكنَّ آلفين توفلر أضافَ ما يأتي: انتبهوا، بعدَ خمسة وثلاثينَ أو أربعينَ عاماً سوفَ تختفي الولاياتُ المتّحدةُ الأمريكيّة أيضاً، فقط لأنَّ العصرَ الذي وُلِدَت فيه ووُلد فيه الاتّحاد السوفياتي قد تلاشى وجاءَ عصرٌ جديدٌ، سوفَ يتمزّقُ المجتمعُ الأمريكيّ بثوراتِ السّودِ/ الزنوجِ وطموحِ الولاياتِ الغنيّة، وفي هذا الكتابِ أيضاً، تنبّأ توفلر بـ(أيديولوجيّاتٍ جديدةٍ) سوفَ تحلُّ محلَّ إيديولوجيّاتِ العصرِ الصناعيّ، وفي خرائطِ العالمِ تنبّأ بأوروبا أُخرى غير التي نعرفها، سوف تختفي أوروبا الغربيّة التي نعرفها، هذه التي قالَ عنها وزيرُ الدّفاعِ الأمريكيّ رامسفيلد بعدَ أسبوعٍ فقط من احتلالِ العراقِ ومن العاصمةِ بغداد: 'وداعاً أوروبا العجوز'. كثيرونَ لمْ يصدّقوا ما قالهُ وليد المعلّم أعظمُ وزيرِ خارجيّةٍ لسورية المُعاصرة، حين خاطبَ الصّحفيّينَ في مكتبةِ الأسد قبلَ أعوام: انسوا أوروبا، لقد شطبناها من الخريطةِ، هناك أوروبا جديدةٌ تولدُ هي أوروبا الشّرقيّة (الأرثوذكسيّة من بلغاريا حتّى اليونان). ولذا يحاولُ الناتو نشرَ أسلحتهُ في أراضيها بيأس، إنّها أوروبا الجديدة التي سوفَ تُلاقي روسيا الجديدة وأمريكا الجديدة (بعدَ عشرِ سنوات)، ولأنَّ الولاياتِ المتّحدةَ الأمريكيّةَ هي اليوم في اللّحظةِ السوفيتيّة، فهذا يعني أنَّ العالمَ دخلَ عصرَ (توريعِ السّلطةِ) أو تشظّي السُّلطة. في قلبِ هذه اللّحظةِ التاريخيّةِ أصبحت سورية مطبخَ العالمِ الجديد -ويا للأسف-؛ أيّ المكان الذي سوفَ تتقرّرُ فيه حصصُ وأحجامُ الدولِ. إنّها المكانُ الذي سوفَ يتمكّنُ فيه العالمُ من الانتقالِ النهائيّ من (حالةِ السيولةِ) إلى (حالةِ الصَّلابةِ). لقد لَعِبَ بوريس يلتسن دورَهُ كسكّيرٍ ثمَّ سلّمَ الأمانةَ لبوتين، وترامب اليوم يلعبُ دورَهُ كمهرّجٍ قبلَ أنْ يُسلّمَ الأمانةَ لـ(بوتين أمريكيّ) يُعيدُ بناءَ أمريكا المُتهالِكة. في مزحةٍ عابرةٍ قال بوتين تعليقاً على قراراتِ ترامب 'إنّهُ ينفّذُ ما تطلبهُ الآلة'. نعم، هناك (آلةٌ) تأمرُ الرئيسَ أنْ يبدوَ سكّيراً أو مُهرِّجاً، ولكن شرطَ أنْ ينفذَ، ليس مهمّاً ما هي هيئتهُ، سكّيراً يكونُ أو مهرّجاً، ليخترَ ما يشاء. المهمُ أنْ ينفّذَ. في نبوءةِ توفل نقرأ الآتي: الولاياتُ المتّحدةُ الأمريكيّةُ على طريقِ الاتّحادِ السوفياتيّ سوف تختفي وتتفككّ، لكنّها سوفَ تَعودُ في شكلٍ آخرَ. عاملُ السيّاراتِ التروتسكي الذي أصبحَ من أنبياءِ أمريكا، لا ينطقُ عن هَوى. إنّهُ مُتنبئ وليسَ نبيّاً، أي كاهنٌ في المؤسّسةِ الرأسماليّةِ التي تقبضُ على عنقِ العالمِ وقد خرجَ إلى الأسواِق ليتنبأَ مُحذِّراً أنَّ أمريكا دخلت اللّحظة السوفيتيّة، وسوفَ تنهارُ كما انهارَ الاتّحادِ السّوفياتيّ، وأنَّ المهرّجَ الأمريكيّ مثل السكّيرِ السّوفياتيّ يمكنُ أنْ يسقطَ في أيّ لحظةٍ وفجأةً. القوى العظمى كما قالَ ماو تسي تونغ ذاتَ يوم: عملاقٌ بقدمينِ من طين، وحين يترنّحُ العملاقُ في لحظةِ سكرٍ أو تهريجٍ لا فرقَ؛ فإنَّ القدمينِ الطّينيّين سوفَ تتداعيانِ وتتلاشى (المادّةُ الصمغيّة) اللّاصقةُ فيهما. ‎2025-‎06-‎16

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store