
ندوة عن إعادة الإعمار في لبنان... التجارب والدروس
عقد استديو أشغال عامة، بالشراكة مع المعهد الفرنسي للشرق الأدنى - IFPO، ندوة بعنوان "إعادة الإعمار في لبنان: التجارب والدروس" في الحمرا - بيروت. استضافت الندوة الباحثين/ات والناشطين/ات في مجال التخطيط الحضري منى خشن وهناء علم الدين وإسماعيل الشيخ حسن ورنا حسن.
أتت هذه الندوة في إطار النسخة الرابعة من سلسلة ندوات "حوار - مدينة - ناس" التي أطلقها استديو أشغال عامة بالتعاون مع المعهد الفرنسي للشرق الأدنى في العام 2022. وتحمل النسخة الرابعة هذا العام عنوان "إعادة إعمار بلاد الشام".
ناقشت الندوة أربع تجارب تمثّل كل منها تخلّي الدولة عن مسؤوليتها وانسحابها من الصورة: إعادة إعمار وسط بيروت وتلزيمه لشركة خاصة، إدارة إعادة إعمار الضاحية الجنوبية بعد عدوان 2006 من قبل حزب سياسي، هيمنة الجهات الممولة الخارجية على عملية إعادة إعمار القرى الجنوبية (2006)، وإعادة إعمار مخيم نهر البارد ضمن إطار محلي بالشراكة مع وكالة الأونروا. وعلى الرغم من غياب الدولة في كل من هذه التجارب، تعكس كل تجربة التوجّه الاقتصادي والسياسي للدولة. فلكلّ نموذج سياقه الخاص وحقبته وتوجّهاته الأيديولوجية والسياسية.
وفي ضوء ما تقدّم، أمل استديو أشغال عامة أن "تساهم هذه الندوة وندوات لاحقة بنقاش شكل الإعمار الذي يحتاج إليه لبنان اليوم. فلبنان أمام استحقاق يعكف الجميع على الهروب منه، وهو الحاجة إلى إعادة إعمار شاملة تكون معالجة دمار الحرب جزءاً منها، وتشمل شكل الدولة والاقتصاد والعلاقات الاجتماعية. ففي النهاية، لن تكون عملية الإعمار إلا تعبير عن الخيارات السياسية والاقتصادية لهذه المرحلة التي لا يعرف أحد شكلها بعد".
نتيجةً لنقاش التجارب، أتت أسئلة الندوة الرئيسية: أي دور للدولة نحتاج في هذه المرحلة؟ هل نحتاج إلى إطار تشريعي شامل ولكنه يتفاعل مع الواقع، فيأخذ في الاعتبار حجم الدمار وأنواعه المختلفة وما ينتج عنها من تحديات متنوّعة حسب الجغرافيا وخصائص المكان وطبيعة الملكية وشرعية البناء؟ وهل تحتاج عملية إعادة الإعمار إلى إطار جامع لمؤسسات الدولة بدل المشاريع المتفرّقة التي تكرّر الجهود وتقسّم العمل ضمن حدود بلديات تُناقض الامتداد الطبيعي والجغرافي والاجتماعي للمدن والقرى؟
ركزّت التجارب الأربع على أهمية مسح الأضرار بطرق شفافة، نتيجةً لأهمية المسح وقدرته على توجيه القرارات إما باستكمال عملية الهدم وإما بالحفاظ على النسيج العمراني والاجتماعي.
تحدّثت الباحثة منى خشن عن كيف أن الأضرار في وسط بيروت بعد الحرب الأهلية لم تكن بحجم ما تم هدمه وبأن الوسط لم يكن فارغاً من السكان كما أُشيع، ممّا جعل عملية إعادة الإعمار أداة استكمال لتهجير الناس والقضاء على العلاقات الاقتصادية في وسط بيروت.
وتحدث الباحث إسماعيل الشيخ حسن عن تحديد قيمة تعويض المباني التي مسحت للهدم وربط احتساب الوحدة السكنية بمساحة ثابتة خلال إعادة إعمار القرى الجنوبية، كخطوة شجّعت المساحين والناس على إدراج مباني أكثر في خانة الهدم.
من جهتها، ركّزت الباحثة هناء علم الدين على تجربة "وعد" وقضية العودة السريعة في إعادة الإعمار والتحدّيات التي نتجت في عدم إمكانية تحسين الحيّز المشترك ضمن الإطار الذي وضعه الحزب المشرف على العملية.
بدورها، فنّدت الباحثة رنا الحسن تجربة إعادة إعمار مخيم نهر البارد من منطلق التشاركية في التخطيط واستشارة أكبر عدد ممكن من مستخدمي المكان لتعبّر عملية إعادة الإعمار عن نشاطاتهم وحاجاتهم، التي عادةً ما تُطمَس ليحلّ مكانها مصالح الأقوى. فحين سُئل الأولاد مثلاً عن استخدامهم للمكان خلال النقاشات التشاركية، تبيّن كيف أن مساحات اللعب لم تكن في حسابات من يتمّ سؤالهم عادة، وهم الرجال الذين غالباً ما يوجّهون النقاش حول إيجاد مكان لركن السيارات فقط.
كما فتحت رنا النقاش عن أداة التخطيط المديني كأداة للتفاوض بين مصالح السكّان المختلفة. وفي هذا السياق، أثار إسماعيل الشيخ حسن مسألة البعد المعنوي في عملية التخطيط ما بعد الحرب، فشارك قصة بيت في عيتا الشعب أراد صاحبه أن يرمّم البيت ويحوّل غرفة فيه إلى دار مفتوحة كونه المساحة التي استشهد فيه شابان مقاومان من القرية عند قصفه من قبل الاحتلال، إلا أن البيت جُرف في الصباح التالي دون علمه. وأشار إلى أن قضية إعادة الإعمار ليست مسألة إسكان فقط كما يحدث بعد زلزال مثلاً، بل هناك قوى توسعية كولونيالية تريد احتلال الأرض وفصل الناس عنها.
في حين عاد سكان الضاحية والجنوب بعد إعادة الإعمار على رغم إشكالياتها، لم يعد سكان وعمّال وسط بيروت إلى البلد، كما لم يعد حتى الآن 20% من سكان مخيم نهر البارد. وقد أثارت منى خشن موضوع العودة كقضية مركزية تنتج من هذه الحرب. فسألت كيف يسكن الناس إلى حين انتهاء إعادة الإعمار؟ وهل أصبحت الحاجة إلى إنتاج سياسة سكنية شاملة ملحّة أكثر من أي وقت مضى وضرورة وطنية وفعل مقاوم؟ فـ80% من العائدين اليوم غير قادرين على تحمّل كلفة الإيجار التي ارتفعت بشكل غير مسبوق في المناطق المتضررة ومحيطها.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

المدن
منذ 4 ساعات
- المدن
اليرموك يستعيد بعضاً من حياته.. "مقروطة" وذكريات ضائعة
في لوبيا، أحد شوارع مخيم اليرموك جنوب دمشق، يُطالب الفلسطيني عمر أكرم الحسين (أبو أكرم) الذي لايتجاوز راتبه التقاعدي الـ28 دولاراً، وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، أن تقرضه بعض المال في محاولة لإعادة ترميم بيته، وأن لا تقتصر تلك المساعدات على القاطنين في المخيم فقط.. وفي حديثه لـ"المدن"، يذكر أنه هنا منذ عام 1970، ومنزله اليوم غير قابل للسكن، ويقول: "ما احتاجه تأهيل غرفة واحدة على الأقل". دمار كبير وبحسب المكتب الإغاثي الاهلي، فإنّ الحرب التي استمرت لـ14 عاماً، دمرت 20% من أحياءٍ اليرموك بشكل كامل، مثل أحياء 8 آذار، وجزء من حي المغاربة، وجزء من حي شارع المنصورة، وشارع الثلاثين، والأبنية التي تطلُّ على الشارع الرئيسي". وهناك 40% من الأحياء تدمرت بشكلٍ جزئي، وهي منتشرة على مساحة المخيم، أما باقي التدمير فنتج عن عمليات ما عُرف بـ"التعفيش" التي استمرت لمدة عامين تقريباً. وتُشبه حكاية المتقاعد أبو أكرم، حكاية تيسير عيسى، الناشط الفلسطيني في مجال الإغاثة، فرغم ثنائه على برنامج "الأونروا" الإغاثي، والذي يشمل بحدود 60% من المباني المدمرة في المخيم، لكنه يعتبر أن الشرط الذي تضعه الوكالة بوجود صاحب القرض في منزله، لا يشجع الباقين خارج المخيم على العودة السريعة إلى منازلهم. ويقول لـ"المدن": "على الجهات الرسمية السورية، والمؤسسات الأممية، أن تساهم في إعادة بناء مخيم اليرموك، حيث يعمل المجتمع المدني وحيداً في مساعدة الأهالي على العودة، فهناك عدّة مرافق عادت للعمل منها: مدرستان للأونروا، ومركز إداري، والمركز الصحي ومركز الإعانة، والحديقة الملحقة بتلك الأبنية". بدوره يؤكد المكتب الإغاثي الأهلي، أنه يعيش اليوم في المخيم، بين 3700 إلى 4000 عائلة، أي بحدود 15 ألف فلسطيني. في آخر المخيم، يرافق نائل حمّيد (أبو ياسر)، القائم حالياً على ترتيب وتنظيم أمور المقابر، وأحد قادة المجتمع المحلي، مجموعة من العائدين الذين واروا للتو أحد أقربائهم الثرى. يقول: "لمقبرة الشهداء الجديدة الكثير من الرمزية، حيث تضم رموزاً من الراحلين في النضال الفلسطيني، ونحن اليوم نحاول إعادة تنظيمها، بعد أن قامت عناصر من داعش بتكسير معظم شواهد القبور". المقروطة وليس بعيداً عن المقبرة، وضع محمد عطية حلاوة (85 عاماً)، أربعة من البسكويت، وبعض علب الدخان، وبعض المشروبات الباردة على بسطة خشبية داخل ما تبقى من بناء مدمر، يبيع العائدين من أهل المخيم في محاولة جمع ما يسد رمقه. وفيما كان غبار الخرسانة يغطي رأس أبو محمد موعد (49 عاماً)، وهو يحاول إصلاح ما بقي من محله في شارع لوبيا، كان يُحدثنا بالقول: "هذا الشارع كان المركز الاقتصادي للمخيم، وقد دُمر بالكامل. ومعظم هذه المباني تقريباً لا يمكن إنقاذها". في أول شارع لوبيا، كان أنور يبيع "المقروطة" وهي حلوى فلسطينية شعبية، حيث يصر أن مخيم اليرموك هو جنة فلسطينيي دمشق ومركز ذكرياتهم الضائعة وسط الدمار.. وفي الطريق الذي يلتقي فيه مخيم اليرموك بمخيم فلسطين، أو ما بقي منه، كان بعض عمال البناء يحاولون إعادة ترميم بقايا قبة مسجد فلسطين، حيث يقول المخرج السوري علي العقباني لـ"المدن": "إذا أردنا أن نصوّر فيلماً عن غزة، فلن نحتاج أن نذهب إلى خان يونس، فكلّ المشاهد التي سنحتاجها للتصوير هي هنا، وربما أكثر بشاعة". يّذكر أن مخيم اليرموك كان شُيّد على أرض تبعد 8 كيلومتر فقط عن وسط دمشق، وأصبح في نهاية الأمر أحد أهم أحياء العاصمة السورية، ومركزاً تجارياً وجاذباً للاستثمارات.


الميادين
منذ 7 ساعات
- الميادين
غوتيريش: المساعدات المصرح بها لغزة "ضئيلة للغاية"
قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، في تصريح، اليوم الجمعة، إن "على إسرائيل بصفتها قوة احتلال أن توافق على السماح بدخول وتسهيل المساعدات اللازمة إلى قطاع غزة". وتابع غوتيريش أن 80% من مساحة قطاع غزة صنفتها "إسرائيل" إما منطقة عسكرية أو منطقة خاضعة لأمر بإخلائها. ولفت الأمين العام للأمم المتحدة إلى أن المساعدات المصرح بها لغزة حتى الآن "ضئيلة للغاية" بينما هناك حاجة إلى تدفق كبير للإمدادات. اليوم 09:57 22 أيار وأكد غوتيريش أن الأمم المتحدة لن تشارك في أي خطة لا تحترم القانون الدولي والمبادئ الإنسانية والنزاهة والاستقلال والحياد. وفي السياق، اعتبرت وكالة "الأونروا"، في تصريح صحفي، اليوم الجمعة، أن المساعدات التي تدخل إلى قطاع غزة "لا تكفي"، وأنها "أشبه بإبرة في كومة قش". وشددت الوكالة على أن التدفّق المنتظم والفعّال والمستمرّ للمساعدات هو السبيل الوحيد لمنع تفاقم الكارثة الحالية، مشيرةً إلى أن الحد الأدنى المطلوب هو 500 إلى 600 شاحنة يومياً، تُدار من خلال الأمم المتحدة، بما في ذلك "الأونروا". ورأت "الأونروا" أنه "لا ينبغي لأحد أن يتفاجأ من مشاهد المساعدات الثمينة وقد تُنهَب أو تُسرق"، لافتةً إلى أن سكان غزة تعرّضوا للتجويع والحرمان من أبسط الأساسيات، بما في ذلك المياه والأدوية، لأكثر من 11 أسبوعاً. وكانت منظمة "أطباء بلا حدود" قد اتهمت "إسرائيل"، قبل يومين، باستخدام إمدادات المساعدات، التي أكدت المنظمة أنّها "غير كافية بشكل مثير للسخرية"، للادعاء برفع الحصار عن قطاع غزة، واصفةً كمية المساعدات التي سمحت "إسرائيل" بدخولها إلى قطاع غزة بـ"ستار دخاني للتظاهر بأن الحصار قد انتهى".


بيروت نيوز
منذ 21 ساعات
- بيروت نيوز
إسرائيل هندستها.. خطة أميركية بديلة لإغاثة غزة تواجه رفضًا أمميًا واسعًا
تستعد مؤسسة 'إغاثة غزة' المدعومة من الولايات المتحدة لبدء عملياتها في القطاع الفلسطيني بحلول نهاية أيار الجاري، وسط اعتراضات حادة من الأمم المتحدة التي اعتبرت أن النموذج الجديد لتوزيع المساعدات يفتقر إلى النزاهة والحياد، مؤكدة أنها لن تشارك في تنفيذه. المؤسسة، التي أنشئت في جنيف في شباط الماضي، تخطط لإدارة سلسلة من مواقع التوزيع 'الآمنة' في أنحاء مختلفة من القطاع، بدعم لوجستي وأمني من شركتين أميركيتين خاصتين. وقد حصلت بالفعل على تعهدات تمويل تتجاوز 100 مليون دولار، لكن من دون الكشف عن مصدر هذه الأموال. وبينما تقول المؤسسة إنها تسعى لحل عملي لا يتعارض مع المبادئ الإنسانية، وتؤكد رفضها لأي مشاركة في التهجير القسري، إلا أن الأمم المتحدة ترى أن الخطة تفرض قيودًا سياسية وعسكرية على المساعدات وتُستخدم كورقة مساومة في الصراع، وفق ما صرّح به توم فليتشر، وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية. وفيما تعهدت إسرائيل بالسماح للمؤسسة بالعمل دون تدخل مباشر منها، يبرز دورها غير المباشر في هندسة هذه الخطة، بعد منعها دخول المساعدات إلى غزة منذ أوائل مارس، ورفضها التعاون مع الأونروا التي تشكل العمود الفقري للعمل الإغاثي هناك. وكانت إسرائيل قد اتهمت الوكالة بالتحريض والإرهاب، وهي اتهامات تنفيها الأونروا وتخضع للتحقيق الأممي. ورغم أن المؤسسة تؤكد عدم تسليمها أي بيانات شخصية لإسرائيل، إلا أن الأمم المتحدة ترى أن الآلية القائمة حاليًا – التي تشمل الفحص الإسرائيلي والتوزيع الأممي – أثبتت فعاليتها، ولا حاجة لإعادة اختراع العجلة، على حد تعبير المتحدث باسمها. في غضون ذلك، تتزايد المخاوف من المجاعة، إذ حذّر مرصد الأمن الغذائي العالمي الأسبوع الماضي من أن نحو نصف مليون فلسطيني يواجهون خطر المجاعة، أي ربع سكان القطاع. وبينما تتواصل الضغوط الدولية على إسرائيل لفتح معابر جديدة وتسهيل دخول الإغاثة، يبدو أن المؤسسة الأميركية الناشئة تسعى لملء فراغ سياسي وإنساني لا يزال مثار جدل عميق.