تمارا خزوز تكتب: النزاهة الأكاديمية .. وسوق التعليم "السوداء"
بينما يشتد الجدل حول جودة التعليم ومستوى النزاهة الأكاديمية، تبرز ملامح «سوق سوداء» في عالم التدريس الخصوصي، تزدهر خارج الأطر الضريبية والرقابية، وتتداول حولها الروايات عن عمليات بيع وشراء أسئلة امتحانات وأبحاث ورسائل وأوراق أكاديمية في مختلف المستويات التعليمية، وذلك أمام مرأى ومسمع الجميع.
الحكاية، في تقديري، تبدأ من هنا؛ قطاع تهيمن عليه «سوق سوداء»، يقابله صمت من قبل الأطراف المعنية، ولكل منها أسبابه الموجبة، فكيف نتوقع إذا تحسنًا في جودة التعليم أو حفاظًا على النزاهة الأكاديمية؟
الطرف الأول، والأضعف في هذه المعادلة، هم بالطبع أولياء أمور الطلبة في البرنامج الوطني (التوجيهي)، المنهكون ماديًا ومعنويًا في سعيهم لوضع أبنائهم على خريطة المنافسة محليًا ودوليًا، وكذلك أقرانهم في البرامج الدولية. فعندما تصبح تكلفة الدراسة، مقارنةً بعوائدها المتواضعة بعد التخرج في السوق المحلي، كارثية، ندرك حجم استنزاف الطبقة الوسطى لمواردها ومدخراتها في تعليم أبنائها ضمن هذه المسارات.
أولياء الأمور يخضعون حكمًا لعقود إذعان مادية ونفسية يفرضها منطق سوق التدريس الخصوصي «السوداء»، عندما تتحول فكرة وجود طالب متفوق في الأسرة من ثقافة استعراض اجتماعي قديمة إلى حاجة اقتصادية ملحّة، تُعلَّق عليه الآمال ليكون طوق نجاة لينتشل أسرته التي تعاني ظروفًا معيشية قاسية.
وللتوضيح، الحديث هنا لا يشمل الحالات التي يقدم فيها المعلمون دروس إسناد لمعالجة فجوات معرفية، أو دعمًا نفسيًا يكسب الطالب الثقة، أو تدريبًا إضافيًا للطلاب المتفوقين، ما دام الأمر يتم بالتراضي وبأجر معقول. المقصود هو الطرف الآخر من المعادلة، الشخص — وليس المعلم، لأن اللقب لا يستحقه — الذي يستغل ظروف الأهل بطمع وجشع، ويخضع أتعاب الدروس الخصوصية لمضاربة سعرية، في حالة مهينة من التنازل المهني والأخلاقي.
مضاربة لن يصدقها إلا من خاض التجربة؛ فبحسب أولياء أمور، تصل أسعار ساعة الدرس الخصوصي لبعض مواد البرامج الدولية إلى 120 دينارا للطالب الواحد، علمًا بوجود حصص جماعية. أما دروس التوجيهي فتتراوح بين 15 و20 دينارًا للساعة، وترتفع إلى 25 أو 30 مع اقتراب الامتحان، والطريف أن هذه التسعيرة تختلف باختلاف المنطقة الجغرافية.
إشكالية هذا المشهد مزدوجة؛ أولها شبهة التهرب الضريبي، إذ يتم الدفع نقدًا أو عبر المحافظ المالية، والثانية تضارب المصالح، عندما يعطي المعلم دروسًا خصوصية مدفوعة لطلابه في المدرسة، فيخلّ بمبدأ العدالة التعليمية. فالطالب الذي يدفع يتلقى شرحا أوفى في المنزل، بينما يُترك غير المقتدر وسط التشويش والاكتظاظ داخل الصف، ناهيك عن معلم منهك يعمل حتى منتصف الليل، ويصارع نهارًا تحت ضغط الوقت وكثافة المنهاج.
الطرف الأخير هو وزارة التربية والتعليم، ومديريات التعليم الخاص، وإدارات المدارس الحكومية والخاصة، وهي في وضع لا تُحسد عليه؛ فمن جانب تصارع لتطوير المنظومة التعليمية في ظل شح الموارد والاعتماد على المساعدات الخارجية، ومن جانب آخر تعجز عن محاربة الظاهرة. حتى المدارس الخاصة التي وضعت شروطا تمنع التدريس الخصوصي لم تتمكن من ضبط المسألة ما دام ذلك يحدث خارج أسوارها، وما دام السوق يدر أرباحًا تصل إلى ثلاثة أو خمسة أضعاف راتب المعلم الرسمي. وفي ظل الارتفاع غير المسبوق في تكاليف المعيشة، تصبح هذه المهمة شبه مستحيلة.
لا شك أنها قضية بالغة الخطورة والتعقيد؛ فهي تتجاوز فكرة التحصيل الإضافي أو تحسين الدخل إلى صميم العلاقة التعليمية التربوية. فعندما يفقد المعلم حياده المهني ويدخل في علاقة مالية مباشرة مع طلابه، مظهرًا تفضيلًا لمن يدفع، ومقصيًا غير المقتدر، تصبح هذه وصفة جاهزة لانعدام النزاهة الأكاديمية. بالمقابل فإن جذر المشكلة هو غياب العدالة واختلال مبدأ تكافؤ الفرص؛ فأولياء الأمور والطلبة والمعلمون جميعهم في قلب المعاناة: ولي أمر يستنزف موارده، طالب تحت ضغط نفسي، ومعلم يضطر للعمل مساءً، وآخر يستغل الظرف لتحقيق أرباح فاحشة.
للأمانة، لا أملك حلولًا تفصيلية وأترك ذلك لذوي الاختصاص، لكني على يقين أن أزمة «النزاهة الأكاديمية» تبدأ من سوق التدريس الخصوصي «السوداء»، وأنها قضية رأي عام حان وقتها!
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


صراحة نيوز
منذ 17 دقائق
- صراحة نيوز
ارتفاع قيمة النقد المتداول في الأردن خلال النصف الأول 2025 بنسبة 3.6%
صراحة نيوز – ارتفعت قيمة النقد المُصدر في الأردن خلال النصف الأول من العام الحالي بنسبة 3.6% مقارنة بالفترة نفسها من 2024، لتصل إلى نحو 7.003 مليار دينار، وفقاً لبيانات البنك المركزي الأردني. وأظهرت البيانات أن الفئة الأكثر تداولا من حيث القيمة كانت فئة الـ50 دينارا، بقيمة بلغت 5.361 مليار دينار، تلتها فئة الـ20 دينارا بنحو 1.075 مليار دينار. أما فئة الـ10 دنانير فجاءت في المرتبة الثالثة، بقيمة 257 مليون دينار، ثم فئة الـ5 دنانير بـ149 مليون دينار تقريبا. وبالنسبة لفئتي الدينار والعملات المسكوكة، فقد تقاسمتا قيمة متقاربة بلغت نحو 81 مليون دينار لكل منهما، أي ما نسبته 2.5% من إجمالي النقد المتداول في السوق المحلية. وبحسب البنك المركزي، بلغ إجمالي النقد المتداول خلال الستة أشهر الأولى من 2025 نحو 6.371 مليون دينار، مقارنة بـ6.073 مليون دينار في نفس الفترة من العام الماضي، مسجلاً بذلك نمواً ملحوظاً يعكس توسع النشاط الاقتصادي وزيادة الطلب على النقد الورقي والعملات المعدنية.

سرايا الإخبارية
منذ 27 دقائق
- سرايا الإخبارية
5.361 مليار دينار قيمة النقد المتداول من فئة 50 دينارا في السوق المحلية
سرايا - زادت قيمة النقد المُصدر في الأردن خلال النصف الأول من العام الحالي، بنسبة 3.6%، مقارنة بالفترة ذاتها من 2024، ليصل إلى 7.003 مليار دينار تقريبا، وفقا لبيانات البنك المركزي الأردني. وبحسب البيانات الأخيرة للبنك، فإن النقد المتداول في الأردن، يتوزع على أكثر من فئة، حيث كانت الفئة الأولى الأكثر وجودا، هي فئة الــ50 دينارا، وبقيمة بلغت 5.361 مليار دينار، بينما بالمرتبة الثانية جاء فئة الـ 20 دينارا بقيمة بلغت قرابة 1.075 مليار دينار. وفي المرتبة الثالثة من ناحية القيمة ضمن النقد المتداول في الأردن، لغاية نهاية النصف الأول من العام الحالي، تأتي فئة الــ10 دنانير، وبفارق كبير عن فئتي الـ50 والـ20 دينارا، بـ257 مليون دينار، ثم تأتي فئة الــ5 دنانير، وبقيمة 149 مليون دينار تقريبا. أما فئتي الدينار، والعملات المسكوكة، فتتشاركان في القيمة ذاتها، بفوارق بسيطة ضمن النقد المتداول في السوق المحلية، وبقيمة 81 مليون دينار تقريبا لكل منهما، وبنسبة 2.5% من القيمة الإجمالية. وتشير البيانات إلى أن إجمالي النقد المتداول بلغ في 6 شهور من العام الحالي، قرابة، 6.371 مليون دينار، مقابل 6.073 مليون دينار، خلال الفترة ذاتها من العام الماضي.


الوكيل
منذ 34 دقائق
- الوكيل
كم بلغ سعر غرام الذهب عيار 21 في الأردن الاحد
الوكيل الإخباري- استقرت أسعار الذهب في السوق المحلية، الاحد ، ليسجل سعر غرام الذهب عيار 21، إلى 67.6 دينارا لغايات البيع من محلات الصاغة، مقابل 65.4 دينارا لجهة الشراء. وفقا للنقابة العامة لأصحاب محلات تجارة وصياغة الحلي والمجوهرات، بلغت أسعار الغرام الواحد من الذهب عيارات 24 و18 و14 لغايات البيع من محلات الصاغة عند 77.6 و60 و45.7 دينارا على التوالي. اضافة اعلان