
وثيقتان من رحم الحرب
من رحم الحرب
خالد فضل
الوثيقتان اللتان شغلتا الساحة السياسية والإعلامية في السودان وخارجه، ولدتا من رحم الحرب بعد أن أتمّت حملها لعامين متتاليين.
فتعرككم عرك الرحى بثفالها *** وتلقح كشافا ثم تنتج فتتئم
فتنتج لكم غلمان أشأم كلهم *** كأحمر عاد ثم ترضع فتفطم
قائل هذه الأبيات زهير بن أبي سلمى، من الشعراء العرب قبل ظهور الإسلام في شبه جزيرتهم، لكنها الحكمة إرث البشر عبر الحقب، وإشارته كانت إلى حرب مشهورة في تاريخ الصراعات المسلحة بين القبائل العربية هي حرب داحس والغبراء، ولعل التاريخ يعيد نفسه هنا في أرض السود (السودان) كما أطلق عليها العرب منذ غابر الأيام، بصورة تكاد تطابق ثقافة وروح تلك الأيام قبل أكثر من خمسة عشر قرناً.
في تقرير لهيومن رايتس ووتش نُشر مؤخراً، حول مذبحة كمبو طيبة شرق ود مدني؛ عقب إعادة تحريرها الثاني في غضون عام واحد بوساطة نفس القوات بقيادة (الأشوس) كيكل في المرّة الأولى، و(المجاهد) كيكل في التحرير الثاني، وفي كلا التحريرين كان العدو هو الجماعات الإرهابية التابعة للبرهان في التحرير الأول، والتابعة لحميدتي في التحرير الثاني. وفي التحريرين حدثت المجازر ضد المدنيين (ود النورة نموذجاً في التحرير الأول). المهم عقب التحرير الثاني، وقعت مجزرة الكمبو المشار إليه، ويقطنه مجموعات قبلية وعرقية من البرقو والتاما والمراريت؛ وهي مجموعات سودانية زنجية (سوداء البشرة)، جاء في إفادات بعض الناجين/ات أنّ المقاتلين الذين ارتكبوا المجزرة كانوا يخاطبون الضحايا بلفظ (عبيد). هذه الصورة تقابلها إفادات بعض الناجين/ات من مجزرة الجنينة في أقصى غرب السودان، والتي استهدفت بها عناصر المساليت بشكل خاص، وهي مجموعة إثنية سودانية زنجية (سوداء)، فقد كانت العناصر الوالغة في دمائهم تخاطبهم بنفس المفردة (يا عبيد). وهذا يظهر ائتلاف المجموعات المنتسبة لأصول عربية- أصلها الجزيرة العربية- ضد المجموعات ذات الجذور غير العربية (السوداء) في أرض السودان!! ويبدو دوران الحرب بين تلك المجموعات وكأنها حرب داحس والغبراء بين أحفاد عبس وذبيان.
التوأمان اللذان ولدا من رحم الحرب في شكل وثيقتين، تمّ تخصيبهما وحملهما على مدى شهور الحرب وإفرازاتها. ورغم توأمتهما إلا أنهما مختلفان تماماً. فوثيقة بورتسودان؛ وسميّت الوثيقة الدستورية المعدّلة، تهدف إلى قيام سلطة قابضة، يقودها العسكريون في القوات المسلحة تستند على الشريعة الإسلامية، وتنهي فترتها الانتقالية بانتخابات عامة تحت تلك السيطرة. وكان الجنرال ياسر العطا قد أشار قبل بضعة شهور إلى تلك الوثيقة، وأنّ قائد الجيش لابد أن يظل قائداً للبلاد حتى بعد ثلاث أو أربع دورات انتخابية عقب الفترة الانتقالية. بعبارة أخرى من (الانتقال إلى اللحد). فيما أستندت وثيقة التأسيس- كما أسماها أهلها- إلى شرعية ثورة ديسمبر، وتهدف إلى تأسيس نظام ديمقراطي فيدرالي علماني. ومنح حق تقرير المصير للشعوب السودانية في حالة عدم قيام ذلك النظام.
في الواقع الوثيقتان قدمتا رؤيتين في أتون الحرب، وعكستا يومياتها ووقائعها بشكل جلي، وعبّرتا عن مواقف طرفيها الأساسيين؛ الجيش/ الدعم السريع، فقد ظلت مواقفهما متباعدة منذ الايام الأولى، رغم إتفاق قائديها البرهان/ حميدتي في توصيفهما المبكر بأنها حرب عبثية كما في تعبير البرهان، وأنّ الرابح فيها خسران بتعبير حميدتي. لكن توالي المواقف والخطاب الدعائي على الأقل يشير إلى ترجيح كفة حميدتي في وصفه للحرب وسعيه لإيقافها، فقد ظلّ الدعم السريع يعلن موافقته على أي مبادرة طرحت لوقف الحرب، وظل خطابه السياسي الدعائي يشير إلى التزامه بقيام سلطة انتقالية مدنية تقود نحو التحول الديمقراطي، ويتذكّر ذلك الخطاب ثورة ديسمبر بين الفينة والأخرى، وحتى في ميثاق التأسيس، وسميت الحكومة المزمع إعلانها حكومة السلام والوحدة. بينما ظلّ خطاب الجيش ومواقفه ترفض لأي مبادرة لوقف الحرب، وتتبنى بشكل صريح فكرة السحق التام أو الاستسلام، ولا يرد في خطابه الدعائي أي ذكر لثورة ديسمبر أو الانتقال الديمقراطي. بل تمّ تصنيف دعاة وقف الحرب والمنادين بالدولة المدنية الديمقراطية كمطلوبين للعدالة، وأشار البرهان إلى تكوين حكومته بتوصيف تصريف أعمال أو حكومة حرب.
هذه هي البيئة التي ولد فيها التوأمان، جيش يستعين في الحرب بعشرات المليشيات ذات التكوين القبلي والجهوي والعقائدي الإسلامي، ولا يسنكف تكوين أوتدريب بعضها من خارج الحدود، يقابله قوات الدعم السريع التي تستعين بمليشيات قبلية وجهوية حتى من غير السودانيين؛ ولا تظهر المليشيات العقائدية الإسلامية فيه. جيش يتحالف مع فصائل منقسمة من تنظيمات سياسية وحركات مسلحة، وهي ذات الصورة في الدعم السريع. ومكررة في تحالف صمود الذي أختط ّ طريقا ثالثاً ينأي عن التحالفين، بينما هناك تحالف التغيير الجذري بقيادة الحزب الشيوعي وبعض فصائل التكوينات النقابية والمهنية ولجان المقاومة، يبدو متفقاً مع تحالف الجيش ضد الدعم السريع من ناحية، لكنه ضد سيطرة الجيش من ناحية أخرى. فهو ينظر في النهاية إلى الطرفين كأعداء لثورة الشعب في ديسمبر ويرجو الاستناد إليها كشرعية وحيدة.
واقع اجتماعي يمور أساساً في غالبيته بنوازع الفرقة والشتات، تعتوره مفاهيم الإقصاء المتبادل والاستقطاب الحاد، وتسود فيه لغة الكراهية والتحقير على أسس ما دون الوطنية، بل ما دون الإنسانية نفسها. ومشاهد التوحش في هذه الحرب فضحت ما يعتمل في النفوس وما يدور في الرؤوس بدون مواربة.
في هذه البيئة الاجتماعية المعطوبة يصبح النظر إلى الوثيقتين التوأمتين كإنعكاس فقط للمواقف المسبقة. لأنّ النظر بحكمة وروية سيؤدي دون شك إلى ترجيح إحداهما، ولما كان معظم الناس لا يقبلون الخسارة، أو مراجعة مواقفهم فإنّ روح الإصرار والعناد تظل هي محرّك الموقف مع/ ضد وليس معيار صوابه أو خطأه. وعليه تتم التعبئة المضادة باستخدام كل محركات البحث عمّا يواري الجوهر . وتظل الحرب الرحم الولود:
فتغلل لكم ما لا تغل لأهلها *** قرى بالعراق من قفيز ودرهم
كما قال الشاعر الحكيم منذ خمسة عشر قرنا أو تزيد.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


التغيير
١٠-٠٥-٢٠٢٥
- التغيير
وقف الحرب مع دخولها مرحلة خطرة
1 منذ الحرب الأولى اشرنا الي خطر اطالة أمدها، مما يؤدي للمزيد من الدمار، والتي أحدثت دمارا كبيرا في البلاد الذي زاد تصاعدت مع دخول الحرب مرجلة. خطرة كما في استخدام المسيرات المدمرة الجارية الان للبنيات التحتية والميناء والمطارات ومحطات الكهرباء والماء، ومستودعات الوقود مما جعل الحياة جحيما لا يطاق، كما حدث في بورتسودان ونيالا وعطبرة وكوستي. الخ، وتحولت أمال كل من طرفيها في انتصار حاسم وسريع إلى عصف مأكول بعد أن طالت الحرب واستطالت لأكثر من عامين ، مما يتطلب وقفها فورا ، فهي حرب أضرت بالمواطنين وخلقت أوضاعا انسانية بالغة السوء. كما اشرنا ان الحرب هدفها السلطة وحماية المصالح الطبقية لجنرالات الحرب في اللجنة الأمنية والدعم السريع بعد الثروات الضخمة التي راكمتها 'حميدتي وشركاته' التي تقدر بأكثر من 20 مليار دولار ، وشركات الجيش التي تقدر استثماراتها بأكثر من 10 مليار دولار ، وتستحوذ على 82% من موارد البلد ، اضافة لميزانية الأمن والدفاع التي تستحوذ على 76% من ميزانية الدولة ، ولحماية مصالح الرأسمالية الطفيلية التي تدور في فلكها ، ومصالح القوى الدولية والإقليمية التي تقف خلفهما وتدعمهم بالمال والسلاح للاستمرار في نهب ثروات البلاد بالاستيلاء على الأراضي والموانئ والذهب وبقية المحاصيل النقدية. ٢ اضافة الي أن من اسباب الحرب تدخل المحاور الاقليمية والدولية في فرض 'الوثيقة الدستورية' المعيبة التي كافأت جنرالي الحرب بالمشاركة في السلطة ،وكرّست الإفلات من العقاب بعد جرائم الحرب وضد الانسانية التي قاموا بها ، وتقنين الجنجويد دستوريا بدلا من حله حسب شعار الثورة ، واستمرار ارسال المرتزقة من الجنجويد لحرب اليمن، مما شجع للاستمرار في جرائم انقلاب 25 أكتوبر 2021 ، وجرائم الحرب الدائرة الآن. الحرب تأتي في ظل اشتداد حدة صراع الضواري الرأسمالية والاقليمية والدولية لنهب ثروات السودان وافريقيا في ظل الأزمة المتفاقمة للنظام الرأسمالي العالمي، كما برز من الحرب الروسية – الاوكرانية، ورفع ميزانيات الحرب والتسليح في كبري الدول الرأسمالية ورصد التريليونات من الدولارات للتسليح ، كما في تهديد صقور الحرب في أمريكا بالحرب الشاملة لإعادة مجد الولايات المتحدة الذي بدأ يتهاوى مع بداية انهيار الدولار والنظام المصرفي، والمناورات العسكرية في الصين حول تايوان، فالحرب هي نتاج طبيعي لتفاقم أزمة النظام الرأسمالي الذي ينتج الفقر والدمار والحروب وتهجير الشعوب بعد نهب ثرواتها، مما يتطلب اوسع جبهة عالمية ضد الحرب ومن أجل السلام والحرية والعدالة. ٣ كل ذلك يتطلب أوسع جبهة جماهيرية لوقف الحرب واستعادة مسار الثورة ، مواصلة النضال الجماهيري لدرء آثار الحرب ، واستعادة السلام المستدام والحكم المدني الديمقراطي وعودة العسكر للثكنات ، وخروج الجيش ومليشيات الجنجويد وكل المليشيات من السياسة والاقتصاد، والاسراع في الترتيبات الأمنية لنزع سلاح المليشيات وتسريحها (دعم سريع، مليشيات الكيزان، وبقية المليشيات، وقوات الحركات ) ودمجها في المجتمع، وقيام الجيش القومي المهني الموحد الذي يعمل تحت إشراف الحكومة المدنية، وعود شركات الجيش والحركات والمليشيات، والأمن والدعم السريع والشرطة والأمن لولاية وزارة المالية، وتقديم مجرمي الحرب للمحاكمات، الخ ، ومواصلة الثورة حتى تحقيق أهدافها.


التغيير
٠٥-٠٥-٢٠٢٥
- التغيير
العدل الدولية تفصل اليوم في دعوى السودان ضد الإمارات
في جلسات استماع مطلع مايو الجاري، أكد القائم بأعمال وزير العدل السوداني معاوية عثمان أن 'الدعم' المزعوم الذي قدمته الإمارات لقوات الدعم السريع 'يبقى المحرك الرئيسي للإبادة الجماعية'. ينتظر اليوم الإثنين أن تعلن محكمة العدل الدولية قرارها بشأن قضية رفعها السودان ضد الإمارات العربية المتحدة يتهمها فيها بالضلوع في إبادة جماعية بدارفور. وفي القضية، تتهم الخرطوم أبو ظبي بالتواطؤ في إبادة جماعية بدعمها قوات الدعم السريع المنخرطة منذ أبريل 2023 في حرب مع الجيش السوداني. ومن جانبها، تنفي الإمارات تقديم دعم لقوات الدعم السريع، وتصف القضية بأنها 'مسرحية سياسية' تنطوي على 'محاولة أخرى لصرف الانتباه عن هذه الحرب الكارثية' التي أودت بعشرات آلاف الأشخاص وشردت الملايين وتسببت بمجاعة في أجزاء كبيرة من البلاد الواقعة في شمال شرق أفريقيا. ويشار إلى أنه في جلسات استماع مطلع مايو الجاري، أكد القائم بأعمال وزير العدل السوداني معاوية عثمان أن 'الدعم' المزعوم الذي قدمته الإمارات لقوات الدعم السريع 'يبقى المحرك الرئيسي للإبادة الجماعية'. أما الإمارات فنفت تلك الاتهامات ووصفت الخطوة بأنها 'خدعة دعائية ومسرحية سياسية' و'بُنيت على افتراءات وأكاذيب' قائلة إنها تهدف إلى 'محاولة لصرف الانتباه عن هذه الحرب الكارثية'. هذا، ويأمل السودان بأن يلزم قضاة المحكمة الإمارات بوقف دعمها المفترض للدعم السريع وتعويض ضحايا الحرب. فيما يقول خبراء قانونيون إن قضية السودان قد تتعثر بسبب مسائل الاختصاص القضائي. ويذكر أنه لدى توقيعها اتفاقية الأمم المتحدة لمنع الإبادة الجماعية في العام 2005، أدخلت الإمارات 'تحفظا' عن بند رئيسي يُمكّن الدول من ملاحقة إحداها الأخرى أمام محكمة العدل الدولية في أي نزاعات تنشأ بينهما. وبينما يدور سجال بين محامي الطرفين حول التفسيرات القانونية للاختصاص القضائي، تستمر الخسائر البشرية للنزاع في الارتفاع. وقد تأكد مقتل نحو 540 مدنيا في ولاية شمال دارفور السودانية في الأسابيع الأخيرة. ونددت الأمم المتحدة الأسبوع الماضي بأعداد 'مرعبة' للقتلى وبتفشي العنف الجنسي. كما أصبحت ولاية شمال دارفور ساحة معركة رئيسية في الحرب التي اندلعت في 15 أبريل 2023 بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة نائبه السابق محمد حمدان دقلو 'حميدتي'. ويقول تقرير مدعوم من الأمم المتحدة، إن المجاعة تضرب خمس مناطق في السودان، بما في ذلك مخيما زمزم وأبو شوك وأنحاء في جنوب البلاد. وأسفرت الحرب في السودان عن مقتل عشرات الآلاف وتسببت في ما وصفته وكالات الإغاثة بأكبر أزمة نزوح وجوع في العالم.


التغيير
٠١-٠٥-٢٠٢٥
- التغيير
المؤتمر الوطني يرتب السياسة الداخلية والخارجية بعد تعيين دفع الله، وصديق
بينما لم يمر أكثر من يوم على تصريحه بأن قيادة الجيش لا علاقة لها بالحركة الإسلامية، أصدر البرهان قرارين بتعيين اثنين من منسوبي الحركة الإسلامية في الخدمة المدنية. أحدهما صار رئيساً لمجلس الوزراء المؤقت، والثاني كلف بان يكون وزيرا للخارجية. وتزامن هذان القراران بتسريبات لم تنفها بورتسودان حتى الآن فحواها ان البرهان عقد اجتماعاً مع قادة الحركة الإسلامية في مقر ما. وخلص الاجتماع إلى عدد من القرارات المتعلقة بالحرب، وكذا شؤون أخرى تهم المتحالفين هناك. والحقيقة أننا لا نحتاج إلى هذه التسريبات فقط لنتبين علاقة التنسيق بين قيادة الجيش والإسلاميين، خصوصاً بعد الفترة التي تلت انقلاب البرهان – حميدتي في الخامس والعشرين من أكتوبر 2021. فالبرهان اعتمد على حاضنته الكيزانية الجديدة في كل مرفق حكومي منذ ذلك التاريخ. فقد أعاد كل الذين فصلتهم لجنة إزالة التمكين في مرافق الدولة، ونقض كل قراراتها، وأعاد المنصب، والمال، والنفوذ، للذين تورطوا في سرقة المال العام، وغيرها من أشكال الفساد التي برع فيها الكيزان. ولا يحتاج أي مراقب للأوضاع في السودان بعد سطوة البرهان على مقاليد الحكم أن يكتشف أنه – ومن خلفه الكيزان – استداروا بمكر على ما ترتب على ثورة ديسمبر من إجراءات إصلاحية. والمتابع لمواقف غالب الإسلاميين بعد الانقلاب والحرب يلحظ الدفاع الحميم عن قرارات البرهان ضد الثورة، وكذلك التعاون الوثيق بينهم والجيش، وتوحد مواقفهم السياسية، والإعلامية، والحربية، مع موقف البرهان. لا ننسى لدفع الله الحاج الذي تقلد منصب رئيس الوزراء دوره البالغ للدفاع عن الدعم السريع في المنظمة الدولية حينما كان ممثلاً للسودان رغم الانتهاكات الموثقة. أما عمر الصديق الذي أصبح وزيراً للخارجيّة فقد خدم الدبلوماسية مدافعاً عن نظام البشير لمدى تجاوز ثلاثة عقود. وكما نعلم أن استمرارهما في أداء الدور الدبلوماسي طوال زمن الإنقاذ كفيل بولائهما للمؤتمر الوطني. إذن فكذب البرهان بأنه لا علاقة لمشيئته العسكرية والسياسية بالحركة الإسلامية محاولة اعتباطية لإخفاء المعلوم بالضرورة. فلا حاضنة للبرهان في هذه الحرب ترسم له المسار، وتدافع عنه الآن، خلاف كوادر المؤتمر الوطني. البرهان فاقد للأهلية العسكرية، والسياسية، ولذلك يعتمد المكر، والخداع، والبهتان، وسائلَ للحفاظ على السلطة لا غير. وبهذا النهج قاد البلاد إلى هذا الوضع الذي لا يحسد عليه، ومع ذلك ما يزال كثيرون يصدقون أن جيشه سيقود البلد إلى بر الأمان خلال إدارته للحرب. ولو عذرنا دعم الإسلاميين له الآن، فلا عذر لمثقفين لم يكشفوا خداعه، ومكر الحركة الإسلامية على حد سواء. بالتعيين الجديد لدفع الله، وصديق، يكون المؤتمر الوطني قد حقق اختراقاً كبيراً في عودته الظاهرة لاستعادة سلطة بورتسودان. ووفقاً لهذا الإجراء سترتب الأوضاع الداخلية والخارجية وفقاً لإملاءات قادة الحزب المنحل على المسؤولين الجدد.