logo
إيران بين مطرقة "آلية الزناد" وسندان العزلة: مأزق نووي ودبلوماسية القلق

إيران بين مطرقة "آلية الزناد" وسندان العزلة: مأزق نووي ودبلوماسية القلق

اليوم الثامن٠٢-٠٥-٢٠٢٥

مع اقتراب انتهاء صلاحية الاتفاق النووي الإيراني (خطة العمل الشاملة المشتركة - JCPOA) في أكتوبر 2025، يجد النظام الإيراني نفسه في قلب عاصفة دبلوماسية غير مسبوقة. المخاوف تتصاعد في طهران من تفعيل "آلية الزناد" التي قد تعيد فرض العقوبات الدولية تلقائياً، ما يهدد بخنق الاقتصاد الإيراني ويضع النظام أمام أخطر اختبار وجودي منذ سنوات. في هذا السياق، تحولت الدبلوماسية الإيرانية إلى سباق مع الزمن، حيث كثفت طهران اتصالاتها مع العواصم الأوروبية، محاولةً تجنب الأسوأ عبر تقديم عروض للحوار والتعاون، بينما تلوّح أوروبا بعصا العقوبات دون تردد.
خلفية الأزمة: الاتفاق النووي على شفا الانهيار
الاتفاق النووي لعام 2015 كان يهدف إلى كبح برنامج إيران النووي مقابل رفع تدريجي للعقوبات. لكن منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق عام 2018 وإعادة فرض عقوبات أحادية الجانب، دخل الاتفاق في حالة موت سريري. اليوم، مع اقتراب موعد انتهاء بعض بنود القرار 2231 لمجلس الأمن، باتت الدول الأوروبية (فرنسا، بريطانيا، ألمانيا) - المعروفة باسم "E3" - تملك مفتاح تفعيل "آلية الزناد" التي تسمح بإعادة فرض كل العقوبات الأممية التي رُفعت قبل عشر سنوات.
وزير الخارجية الفرنسي، جان-نويل بارو، أوضح في جلسة لمجلس الأمن في 28 أبريل 2025 أن بلاده "لن تتردد لحظة واحدة في إعادة فرض العقوبات إذا لم يتم ضمان المصالح الأمنية الأوروبية". وأضاف أن هذه العقوبات "ستغلق بشكل دائم وصول إيران إلى التكنولوجيا والاستثمار والسوق الأوروبية، مع آثار مدمرة على الاقتصاد الإيراني". وأكد: "هذا ليس ما نريده، ولهذا أناشد إيران اتخاذ القرارات الضرورية اليوم لتجنب الأسوأ".
دبلوماسية القلق: طهران تتوسل الحوار وتلوّح بالتهديد
في ظل هذا الضغط، لجأت طهران إلى دبلوماسية نشطة ولكنها تعكس حالة قلق وتخبط. في 24 أبريل، وبعد جولات مكوكية إلى بكين وموسكو، أعلن وزير الخارجية عباس عراقجي استعداده لزيارة باريس وبرلين ولندن، مقترحاً لقاء طارئاً مع "E3" في روما قبل بدء جولة جديدة من المحادثات غير المباشرة مع واشنطن. كتب عراقجي على منصة X: "بدلاً من المواجهة، عرضت التعاون في كل القضايا ذات الاهتمام المشترك. للأسف، اختار الأوروبيون الطريق الصعب". وأضاف: "أنا مستعد للقيام بالخطوة الأولى عبر زيارات للعواصم الأوروبية".
رغم هذه العروض، لم تتلقَ طهران أي رد رسمي من الأوروبيين حتى اللحظة، ما يعكس حذراً أوروبياً من الانجرار إلى مناورة إيرانية جديدة قد تجهض الضغوط الدولية وتمنح النظام مزيداً من الوقت. في المقابل، لم تتوقف طهران عن التهديد، إذ صرّح متحدث لجنة الأمن القومي في البرلمان الإيراني أن "تفعيل آلية الزناد سيقابل برد قوي، منها الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي (NPT)".
مأزق النظام: بين العزلة الدولية والانهيار الداخلي
هذا التناقض بين التوسل بالحوار والتهديد بالتصعيد يكشف عمق الأزمة داخل النظام الإيراني. من جهة، يدرك النظام أن العودة إلى العقوبات الأممية تعني عزلة اقتصادية وسياسية خانقة، قد تعجّل بانهيار اقتصادي واجتماعي يصعب احتواؤه. من جهة أخرى، يدرك أن تقديم تنازلات حقيقية في الملف النووي قد يفقده دعم قاعدته المتشددة ويكشف هشاشته أمام الداخل الغاضب.
المحللون يرون أن النظام الإيراني لم يعد يملك أوراق قوة حقيقية، بل يناور بين تهديد أوروبا بالانسحاب من NPT، وبين محاولات كسب الوقت عبر عروض الحوار. لكن أوروبا، التي تملك اليوم مفتاح "آلية الزناد"، تبدو أكثر تصميماً على عدم التساهل، خاصة بعد أن أظهرت طهران مراراً عدم التزامها بالاتفاقات السابقة، واستمرت في تطوير برنامجها النووي.
المعارضة: تفعيل "آلية الزناد" هو الحل الوحيد
المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، بقيادة مريم رجوي، كان قد حذر منذ توقيع الاتفاق النووي من أن "تجاوز ستة قرارات لمجلس الأمن عبر اتفاق غير موقع لن يمنع النظام من الوصول إلى القنبلة النووية". وتؤكد المعارضة أن السبيل الوحيد لمنع النظام من امتلاك السلاح النووي هو تفعيل "آلية الزناد" وإعادة العمل بجميع العقوبات السابقة، معتبرة أن أي تأجيل أو تساهل يمنح النظام فرصة لمزيد من الخداع والمراوغة.
لحظة الحقيقة تقترب
مع اقتراب موعد انتهاء الاتفاق النووي، يقف النظام الإيراني أمام مفترق طرق مصيري: إما قبول الشروط الدولية وتقديم تنازلات حقيقية، أو مواجهة عزلة خانقة قد تسرّع من أزماته الداخلية. أوروبا، التي تملك اليوم زمام المبادرة، تبدو مستعدة لاستخدام كل أدوات الضغط، بينما تراقب واشنطن عن كثب استعداداً لجولة جديدة من المواجهة أو التفاوض.
في النهاية، تبقى الحقيقة أن النظام الإيراني، بمحاولاته اليائسة للمناورة، لم يعد قادراً على إخفاء ضعفه، وأن لحظة الحقيقة باتت أقرب من أي وقت مضى، سواء أكان ذلك عبر طاولة المفاوضات أو عبر عودة العقوبات الشاملة التي قد تعيد رسم المشهد السياسي والاقتصادي في إيران والمنطقة بأسرها.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

فرنسا: مصمّمون على الاعتراف بدولة فلسطين… غزّة أشبه بـ'معسكر موت'
فرنسا: مصمّمون على الاعتراف بدولة فلسطين… غزّة أشبه بـ'معسكر موت'

المدى

timeمنذ 8 ساعات

  • المدى

فرنسا: مصمّمون على الاعتراف بدولة فلسطين… غزّة أشبه بـ'معسكر موت'

أكدت فرنسا، اليوم، تمسكها بالاعتراف بدولة فلسطين، معربة عن دعمها لمراجعة اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، بحسب وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو. وقال بارو إن تسهيل إسرائيل وصول المساعدات الإنسانية إلى غزة 'غير كاف'، داعياً تل أبيب إلى ضمان تقديم مساعدات ضخمة وفورية من دون أي عوائق للقطاع الفلسطيني. وقال: 'من المؤكد أن الجيش الإسرائيلي يمنع وصول جميع المساعدات الإنسانية منذ ما يقرب من ثلاثة أشهر، وقد قرر فتح الباب قليلاً، لا سيما لأسباب سياسية داخلية'. وأشار إلى أن هذه المساعدات غير كافية. وحذّر الوزير الفرنسي في مقابلة مع إذاعة 'فرانس إنتر' من أن الوضع في غزة غير قابل للاستمرار؛ لأن العنف الأعمى ومنع المساعدات الإنسانية من قبل الحكومة الإسرائيلية جعلا غزة أشبه بـ'معسكر موت'. ودعا بارو إلى وقف هذا الوضع فوراً 'فالجميع يدرك أنه اعتداء صارخ على الكرامة الإنسانية، وانتهاك لجميع قواعد القانون الدولي، ويتعارض أيضاً مع أمن إسرائيل، الذي توليه فرنسا أهمية، لأن من يزرع العنف يحصد العنف'. وقال الوزير الفرنسي إن باريس تدعم مراجعة اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل لمعرفة ما إذا كانت إسرائيل تحترم التزاماتها تجاه حقوق الإنسان، وأضاف بشأن المساعدات 'هذا غير كاف على الإطلاق.. هناك حاجة إلى مساعدات فورية وضخمة'. وأشار بارو إلى العقوبات المفروضة على المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية، واحتمال تعليق اتفاقية الشراكة بين إسرائيل والاتحاد الأوروبي، التي اقترحتها هولندا بدعم من فرنسا. وأضاف: 'لهذه الاتفاقيات بُعد سياسي وتجاري، لذا لا مصلحة لإسرائيل ولا للاتحاد الأوروبي في تعليقها، لكن وضع المدنيين في غزة يتطلب منا اتخاذ خطوة إضافية'. وقال بارو: 'هدفنا منذ 7 أكتوبر هو نزع سلاح 'حماس' وتحرير الرهائن، لكن ما نريده أيضاً هو أمن إسرائيل.. لا يمكننا أن نترك لأطفال غزة إرثاً من العنف والكراهية. لهذا السبب نحن مصممون على الاعتراف بدولة فلسطين'. واعتبر الوزير الفرنسي أن 'موقف الحكومة الإسرائيلية يُعرّض أمن إسرائيل في المستقبل للخطر'. وتابع: 'ندعم الأصوات في إسرائيل وخارجها التي تدعو الحكومة الإسرائيلية إلى التعقل'.

عراقجي يردّ على ويتكوف: التخصيب سيستمرّ
عراقجي يردّ على ويتكوف: التخصيب سيستمرّ

المدى

timeمنذ 2 أيام

  • المدى

عراقجي يردّ على ويتكوف: التخصيب سيستمرّ

أكد وزير الخارجية الإيران عباس عراقجي، أن أنشطة التخصيب في إيران ستتواصل، وذلك ردًا على تصريحات المبعوث الأميركي الخاص لشؤون الشرق الأوسط ستيف ويتكوف في مقابلة مع شبكة 'ABC News'، والتي قال فيها إن الولايات المتحدة لن تسمح حتى بنسبة 1% من التخصيب في إيران. واضاف عراقجي: 'هذه التصريحات بعيدة تمامًا عن واقع المفاوضات، وعمليات التخصيب في إيران ستستمر'. وقال عراقجي في تصريح للصحفيين على هامش منتدى طهران للحوار: 'إذا كانوا مهتمين بضمان عدم إنتاج سلاح نووي، فنحن مستعدون للتعاون في هذا الشأن. أما إذا كانت مطالبهم غير واقعية، فمن الطبيعي ألا تُلبّى'.

إيران: لم نتلقَّ مقترحاً مكتوباً من واشنطن خلال محادثات الملف النووي
إيران: لم نتلقَّ مقترحاً مكتوباً من واشنطن خلال محادثات الملف النووي

الرأي

timeمنذ 4 أيام

  • الرأي

إيران: لم نتلقَّ مقترحاً مكتوباً من واشنطن خلال محادثات الملف النووي

أعلن وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، اليوم الجمعة، أن بلاده لم تتلقَّ أي مقترح مكتوب في المفاوضات مع الولايات المتحدة في شأن برنامجها النووي، وذلك بعد أن قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن الإيرانيين لديهم «مقترح». وكتب عباس عراقجي في منشور على موقع إكس بعد ساعات من تصريحات ترامب «إيران لم تتلقَّ أي مقترح مكتوب من الولايات المتحدة سواء بشكل مباشر أو غير مباشر». رخ/شي/ص ك

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store