
صدامات وملاسنات تُفجّر مؤتمر الاتحاد الاشتراكي بالناظور
ففي الوقت الذي كان يُنتظر فيه أن يشكل المؤتمر لحظة تقييم وترتيب للبيت الداخلي، فاجأ لشكر الحاضرين بإعلان ترشيح محمد أبركان، النائب البرلماني ورئيس جماعة إعزانن، للانتخابات التشريعية المقبلة، في خطوة وُصفت بأنها 'انقلاب على القانون الأساسي للحزب' الذي يخول لجنة الترشيحات مهمة اختيار المرشحين، لا الكاتب الأول.
وبحسب مصادر حزبية، دخل لشكر قاعة 'الوحدة' التي احتضنت المؤتمر وهو يحمل 'صكوك البرلمان'، في إشارة إلى فرض مرشحه دون استشارة القواعد أو العودة للمؤتمر الوطني، قبل أن يُعلن تعيين أبركان كاتبا إقليميا للحزب، ما اعتُبر تمهيدًا واضحًا لبسط نفوذه واستمراره على رأس الحزب خارج منطق التداول الديمقراطي.
القاعة تحوّلت إلى حلبة سجال مفتوح، حيث اندلعت مشادات كلامية وملاسنات حادة بين القيادات والمنتسبين، تبادل خلالها الحاضرون الاتهامات والشتائم، في مشهد غير مسبوق يُلخّص عمق الأزمة السياسية والتنظيمية التي يعيشها الحزب العريق.
مصادر من داخل الحزب أكدت أن الكلمة الافتتاحية للكاتب الأول لم تأتِ بجديد، بل كرر فيها العبارات ذاتها التي ألقاها في مؤتمرات سابقة، متجاهلًا متطلبات المرحلة وتطلعات القواعد الحزبية إلى خطاب يجمع ولا يُقصي. واعتُبرت هذه الممارسات دليلًا على استمرار القيادة الحالية في اعتماد منطق 'الترضيات وتقسيم الغنائم'، بدل احترام آليات الديمقراطية الداخلية.
قيادي بارز في الحزب صرّح بأن ما حدث في مؤتمر الناظور ليس سوى انعكاس لأزمة وطنية أعمق تهدد مستقبل الاتحاد الاشتراكي، مؤكدا أن الحزب اليوم أمام لحظة مفصلية: إما التجاوز الجماعي للصراعات الداخلية وبناء حزب تشاركي قوي، أو الانزلاق نحو مزيد من التشرذم قد يُفقده ما تبقى من رصيده الانتخابي.
وفي ظل اقتراب المؤتمر الوطني، تتعالى الأصوات داخل الحزب مطالبة بإصلاح حقيقي يعيد الثقة للمُنتمين ويؤسس لقيادة تشاركية، بدل الاستمرار في التسيير الفردي والقرارات الانفرادية التي أصبحت علامة فارقة في عهد إدريس لشكر.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


كش 24
منذ 7 أيام
- كش 24
احتجاز الصحافي المغربي البقالي يصل إلى البرلمان
سياسة وجهت النائبة عن فيدرالية اليسار الديمقراطي، فاطمة التامني، مساء أمس، سؤالا كتابيا إلى وزير الخارجية ناصر بوريطة، تدعوه فيه إلى التدخل "لحماية المواطن المغربي محمد البقالي، المعتقل من قِبَل السلطات الإسرائيلية المحتلة". ووصفت البرلمانية اعتراض القوات الإسرائيلية لسفينة "حنظلة" في المياه الدولية للبحر الأبيض المتوسط بأنه "حادث خطير وغير مسبوق". وقد اقتاد صباح اليوم الاحد، الجيش الاسرائيلي سفينة "حنظلة"، إلى ميناء أشدود. اقرأ أيضاً برنامج دعم السكن يرفع أسعار العقار ومطالب بتقييم البرنامج وجهت النائبة البرلمانية نادية تهامي، عضو فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب، سؤالا كتابيا إلى وزيرة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، فاطمة الزهراء المنصوري، تطالب فيه بإجراء تقييم مرحلي لبرنامج دعم السكن، بهدف تصحيح النواقص التي يعاني منها البرنامج حاليا. وأشادت تهامي في سؤالها بقرار الحكومة دعم الأسر بشكل مباشر لاقتناء السكن الأول، معتبرة ذلك خطوة إيجابية تسهم في تعزيز امتلاك المغاربة لمساكنهم، لكنها أشارت إلى وجود صعوبات عملية وميدانية ظهرت بعد تطبيق البرنامج للسنة الثانية على التوالي، حيث دعت الوزارة إلى تقييم شامل لتحديد وتصحيح الإشكالات التي أدت إلى تقليص عدد المستفيدين على الصعيدين العددي والمجالي. وأكدت النائبة أن تطبيق الدعم بصيغة موحدة على كامل التراب الوطني لم يأخذ بعين الاعتبار الفوارق المجالية المتعلقة بأسعار العقار وتكاليف الإنجاز وقيمة التسويق، مشيرة إلى أن هذا النهج لم يستثمر مبدأ التمييز الترابي الإيجابي، الذي يمكن أن يساهم في الحد من الفوارق المجالية وتقليصها. وأضافت تهامي أن اعتماد معيار مرجعي موحد مبني على أسعار العقار في المدن الكبرى أدى، ربما دون قصد من الحكومة، إلى رفع أسعار العقارات، مما قلص قدرة الفئات محدودة الدخل على الاستفادة من الدعم وامتلاك السكن الأول. وأشارت إلى أن هذا الوضع يظهر بشكل خاص في المدن المتوسطة مثل سيدي سليمان، سيدي قاسم، مكناس، القنيطرة، سطات، الخميسات، العرائش، وغيرها من المدن، حيث تسبب البرنامج في ارتفاع أسعار العقارات بشكل ملحوظ. وذكرت أن أسعار بعض العقارات التي كانت تقدر بـ18 إلى 20 مليون سنتيم قفزت إلى 25 مليون سنتيم وما فوق، كما ارتفعت أسعار الشقق التي كانت تتراوح بين 35 و40 مليون سنتيم إلى 45 مليون سنتيم وما فوق، مما يعني عمليا عدم استفادة المواطنين من الدعم. وأكدت النائبة البرلمانية أن نجاح برنامج الدعم يتطلب إعداد دراسة مسبقة لتحديد سعر مرجعي خاص بكل إقليم أو عمالة، إضافة إلى إبرام اتفاقيات مع المهنيين لضمان تحقيق أهداف البرنامج على أرض الواقع. وطالبت نادية تهامي الوزيرة المنصوري بالكشف عن الأرقام المسجلة منذ انطلاق البرنامج، وتوزيعها الجغرافي، وكذلك الإجراءات المتخذة لضمان استفادة أكبر عدد ممكن من الأسر في مختلف أنحاء البلاد. سياسة ادريس لشكر يعد بـ'ميلاد جديد' لحزب 'الوردة' والاتحاديون يتجهون لمنحه 'التمديد' يبدو أن الطريق أصبحت سالكة أمام ادريس لشكر، الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، للحصول على ولاية رابعة، وذلك بعد أن اعتبرت اللجنة التحضيرية بأنه يمكن التمديد لولاية أخرى للكاتب الأول للحزب عبر إعداد مقرر يُصادق عليه من قبل ثلثي المؤتمرين في المؤتمر الثاني عشر والذي يرتقب أن ينعقد أواسط أكتوبر القادم ببوزنيقة. وربط الاتحاديون إمكانية سلك هذا التوجه بـ"مصلحة الحزب"، بينما سبق لعدد من قيادييه أن أكدوا دعمهم لمقترح التمديد، معتبرين بأن السياق يقتضي ذلك. وقال ادريس لشكر، في تصريحات صحفية على هامش انعقاد المجلس الوطني للحزب، إن "الوردة" سيشهد ميلاداً جديداً وقوياً خلال المؤتمر القادم، وأكد، من جهته، عدم وجود حالة استثنائية لتعديل النظام الأساسي والتنصيص على ولاية رابعة له على رأس الحزب. لكنه أشار بدوره إلى أن المؤتمر هو من يحدد مثل هذه القرارات. ووعد ادريس لشكر بمراجعة الوثائق المرجعية للحزب، بشكل يواكب التحولات الإيديولوجية والسياسية الكبرى التي يشهدها العالم، ومعها الواقع المغربي والذي يفرض تطوير ما أسماه لشكر بالتراث الفكري للاتحاد الاشتراكي والذي عانى في العقود السابقة من تراجع وهجه وشعبيته. سياسة سفير إسباني سابق: المغرب يفرض نفسه كنموذج لـ 'حكامة متبصرة' أكد السفير الإسباني السابق في الرباط، ريكاردو دييز هوشلايتنر، أن مسلسل التحول الشامل الذي انخرط فيه المغرب تحت قيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس يجعل منه نموذجا لـ "حكامة متبصرة وإصلاحات مستدامة". وقال ريكاردو دييز هوشلايتنر، في حديث خص به مكتب وكالة المغرب العربي للأنباء بمدريد، بمناسبة الذكرى السادسة والعشرين لاعتلاء جلالة الملك عرش أسلافه المنعمين، "لقد كنت شاهدا على التطور اللافت الذي شهده المغرب بفضل رؤية ملكية مستنيرة والتزام موصول من جلالة الملك بالتنمية والاستقرار". وأشاد الدبلوماسي الإسباني، في هذا السياق، بدينامية التحديث التي يقودها جلالة الملك، مشددا على أن المملكة أرست نموذجا "مثاليا" للتنمية والتقدم ما فتئ يؤتي ثماره على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي. واعتبر دييز هوشلايتنر أن المنجزات الكبرى التي حققتها المملكة في كافة المجالات تجعل منها فاعلا مؤثرا وشريكا استراتيجيا أساسيا في الفضاء الأورو-متوسطي. وأبرز الدبلوماسي الإسباني متانة العلاقات المغربية الإسبانية، مؤكدا أن الروابط التي تجمع بين المملكتين ما فتئت تتعزز بفضل علاقة الثقة والتقدير المتبادل بين قائدي البلدين، وتعاون ثنائي متعدد القطاعات "نشط للغاية". كما شدد على تميز الشراكة الإستراتيجية بين الرباط ومدريد، لاسيما في مجالات التجارة والأمن والطاقة والهجرة، وذكر في هذا السياق بأن إسبانيا تُعد، منذ سنة 2012، الشريك التجاري الأول للمغرب، في حين يرسخ المغرب مكانته بصفته أحد أبرز الشركاء الاقتصاديين لإسبانيا خارج الاتحاد الأوروبي. وفي معرض حديثه عن الأواصر الإنسانية والثقافية العميقة القائمة بين الشعبين، سلط السيد دييز هوشلايتنر الضوء على غنى التبادلات في مجالات متنوعة مثل الموسيقى وفن الطبخ والرياضة، مشيرا إلى أن "كرة القدم تظل مصدر شغف مشترك بين المغاربة والإسبان". وأعرب في هذا الصدد عن ثقته في قدرة المملكة على إنجاح تنظيم كأس العالم 2030 بمعية إسبانيا والبرتغال، وهو حدث عالمي يشكل "فرصة رائعة لتعزيز المعرفة المتبادلة والصداقة بين مجتمعينا". سياسة


بلبريس
منذ 7 أيام
- بلبريس
الاتحاد الاشتراكي يُحضّر لوثيقة مذهبية ومؤتمر مفصلي (فيديو)
على بعد أسابيع قليلة من موعد مؤتمره الوطني الثاني عشر، المرتقب في منتصف أكتوبر المقبل، يعيش حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية لحظة مفصلية تتقاطع فيها رهانات تنظيمية وسياسية وفكرية، إذ عقدت للجنة التحضيرية للمؤتمر اجتماعًا بالرباط قدمت خلاله مخرجات عمل لجانها الموضوعاتية، التي انكبت على إعداد مشاريع مقررات وأوراق مرجعية تمهيدًا لمؤتمر توصف أجواؤه بـ'التأسيسية لمرحلة جديدة'. في هذا السياق، أدلى الكاتب الأول للحزب، إدريس لشكر، بتصريحات مثيرة، مؤكداً أنه شارك في اجتماع اللجنة التحضيرية لا بصفته كاتبًا أول، بل كعضو ضمن اللجنة، معربا عن ارتياحه للأجواء التي سادت الاجتماعات، والتي اعتبرها استثناءً مقارنة بما تشهده بعض الأحزاب من صراعات حول المواقع والطموحات الشخصية. وفي هذا السياق، أكد أن المؤتمر سيناقش فكرة إحداث مرصد وطني لمراقبة الانتخابات، مفتوح على جميع الفاعلين الديمقراطيين، من أحزاب ونقابات ومجتمع مدني، من أجل حماية أصوات المواطنين، خاصة في ظل سنة انتخابية وصفها بـ'الحاسمة'. ولم يُخف لشكر طموحه لفتح نقاش فكري عميق داخل الحزب، مشيرًا إلى أن الاتحاد الاشتراكي لم يُنتج وثيقة مذهبية متكاملة منذ نصف قرن، منذ التقرير الإيديولوجي في المؤتمر الاستثنائي، ومحاولات لم تكتمل سنة 1984. وتساءل: 'ألا يَحِن الوقت لإنتاج تقرير مذهبي جديد للاتحاد الاشتراكي؟'، مؤكداً أن التحولات الوطنية والدولية تفرض مراجعة المفاهيم والأدبيات القديمة وتطويرها لتناسب مغرب اليوم. وذهب أبعد من ذلك حين ربط هذا التجديد الفكري بمفاهيم مثل الدولة القوية العادلة والمجتمع الحداثي المتضامن، معتبراً أن الحزب كان سبّاقًا إلى طرحها، قبل أن تتحول إلى لغة شائعة حتى بين خصومه السياسيين، معلنا أن العمل قائم على تجميع مخرجات عمل عشر لجان موضوعاتية في تقرير تركيبي قد يشكل الوثيقة المذهبية الجديدة للاتحاد الاشتراكي سنة 2025، إيذاناً بولادة فكرية وسياسية جديدة. من جانبه، أوضح عبد الحميد جماهري، عضو المكتب السياسي للحزب، أن اجتماع اللجنة التحضيرية كان مناسبة لاستعراض خلاصات اللجان التي انكبت على مختلف الملفات، من الإعلام إلى القضايا الاجتماعية والثقافية والنسائية، مؤكدا أن المرحلة المقبلة ستتوج بانعقاد المجلس الوطني، كمحطة سياسية ستشهد عرض تقرير الكاتب الأول باسم القيادة الحزبية، وفتح باب النقاش حوله. واعتبر جماهري أن المؤتمر المقبل ليس مجرد محطة تنظيمية، بل لحظة لتقييم مسار الحزب منذ حكومات التناوب، ومساءلة مساهمته في التحولات التي شهدها المغرب طيلة سبعين سنة من التأسيس، وخمسين سنة من المؤتمر الاستثنائي، كما شدد على أن المؤتمر يأتي في سياق وطني عنوانه التوافقات الكبرى التي تُشرف عليها المؤسسة الملكية، وعلى الحزب أن يعيد تحديد موقعه ضمن هذا المشهد، وأن يُسهم في تعميق الديمقراطية وحماية العدالة وتعزيز الدولة الاجتماعية. وأشار إلى أن المؤتمر سيبحث أيضاً في سبل تطوير البنية التنظيمية الداخلية، واستعادة موقع الحزب في الخريطة السياسية، عبر مخطط تواصلي وسياسي وتنظيمي أكثر فاعلية واستقراراً. ويأتي هذا الحراك الداخلي في سياق استعداد الاتحاد الاشتراكي لعقد مؤتمره الثاني عشر، وسط رهانات متداخلة تتعلق بإعادة ترتيب البيت التنظيمي وتجديد الرؤية السياسية، في محاولة لاستعادة المبادرة داخل المشهد الحزبي الوطني.


المغرب اليوم
٢٣-٠٧-٢٠٢٥
- المغرب اليوم
وحدات وانفصالات ومراجعات في المشرق!
أن نتحدّث اليوم عن الأوطان والدول، والحدود والسيادات، في منطقة المشرق، فهذا يبدو أقرب إلى مناسبات دفن الموتى. وهناك عشرات البراهين التي يمكن تقديمها برهاناً على تلك الخاتمة غير السعيدة، التي يجعلها أقلّ إسعاداً أنّنا في أمسّ الحاجة راهناً إلى أوطان ودول وحدود وسيادات. تقيم في هذا الواقع عاطفتان متناقضتان: من جهة، ميول سلطويّة حادّة ومتطرّفة تريد عبر الإخضاع والغلبة أن تحكم سواها المغاير لها. ومن جهة أخرى، ميول انفصاليّة تامّة وحاسمة، تستعير اللغة القوميّة العربيّة القديمة في رفض «كيانات سايكس بيكو المصطنعة» لتصل إلى نتائج مختلفة جذريّاً مفادها المطالبة بكيانات أصغر. وقد رأينا، منذ تدخّل «حزب الله» في سوريّا أنّ الحدود الوطنيّة لا تحدّ شيئاً. فالحكمة الرائجة اليوم أنّ الجماعات الدينيّة والمذهبيّة والعشائريّة تعبر الحدود الوطنيّة كي تتضامن مع أبناء دينها ومذهبها وعشيرتها على الطرف الآخر من الحدود الورقيّة. والعاطفتان قويّتان تقليديّاً بما يكفي ويفيض، لا يؤثّر في ذلك، إلاّ في الحدّ الادنى، الخطاب الآيديولوجيّ للأطراف المعنيّة، بسلطويّيها وانفصاليّيها، ووعودها التحريريّة والتوحيديّة وغير ذلك. فقوّة الدولة، بوصفها سلطة أمنيّة أساساً، هي ممّا تستعرضه تجارب المشرق بسخاء لا ينافسه إلاّ سخاء الاعتراض عليها من مواقع الجماعات الأهليّة المُستَبعَدة. ففي العراق مثلاً ربّما كان مؤسّس الوجهة هذه الضابط بكر صدقي، الذي أنزل بالأشوريّين مذبحة سميل في 1933، لينفّذ هو نفسه، بعد ثلاث سنوات، الانقلاب العسكريّ الأوّل في العالم العربيّ. وفي ذروة العصر الآيديولوجيّ، قدّم العراق تجربة أخرى بليغة الدلالة. فمع محاولة انقلاب عبد الوهاب الشوّاف في 1959، وصدام القوميّين العرب والشيوعيّين، قاد أحمد عجيل الياور، زعيم قبيلة شُمّر، مقاتلين أرادوا «الدفاع عن القوميّة العربيّة» مصحوبين بأقاربهم الشمّريّين السوريّين ممّن هبّوا لإنجاد أبناء عمومتهم في الموصل. وكان استطراد ذلك بعد بضعة أشهر ارتكاب الشيوعيّين الكرد مجزرة في كركوك بحقّ الأقلّيّة التركمانيّة. أمّا في سوريّا، فيُعدّ أديب الشيشكلي الذي نفّذ الانقلابين الثالث والرابع في تاريخ بلده الحديث، المهندس المبكر للحكم «القويّ». لكنّه هو نفسه مَن قصف مدينة السويداء وجوارها، ونكّل بسكّانها الدروز، كما حوّل قمع المعارضين، الذي مارسه حسني الزعيم وسامي الحنّاوي باعتباط وتعثّر، منهجاً متماسكاً ومؤدلجاً. وبسبب اختلاف الظروف اللبنانيّة كانت تصدر ممارسة «القوّة» المهدِّدة للحياة المدنيّة ولشعور الجماعات بالمساواة، عن «دول» الظلّ أكثر كثيراً ممّا تأتي من الدولة الفعليّة. هكذا، وبذريعة «تحرير فلسطين» أو «مقاتلة إسرائيل»، تعاقب على أداء هذه الوظيفة المقاومة الفلسطينيّة و«حزب الله» اللبنانيّ، وهما بالتعريف طرفان أهليّان. وغالباً ما كان شعار «الوحدة» تحويراً لشبق القوّة هذا. فسوريّا، أكثر بلدان المشرق افتتاناً بالوحدة، رأت فيها مدخلاً لتكبير نفسها عبر ضمّ بلدان المشرق الأصغر. لكنّ ظروف ما بعد «العدوان الثلاثيّ» في 1956 حملتها على الوحدة مع مصر، لا مع لبنان والأردن، ومع جمال عبد الناصر، لا مع زعماء الطوائف والقرى. هكذا، وبشيء من «مكر التاريخ» على طريقتنا، وجدت سوريّا أنّها صغّرت نفسها بالوحدة ولم تكبّرها، فكان انفصال 1961. ولاحقاً اتّعظ البعثيّون بالتجربة فاستولوا على سلطة صبغوها بالتوحّش فيما كانوا ينسبون إليها أكثر المهمّات والوعود الآيديولوجيّة تضخّماً وتقديساً. وكان من النتائج الملازمة إمعان المجتمع في التفسّخ الطائفيّ والأهليّ. فالآيديولوجيا المعلنة، كائناً ما كان الرأي فيها، عاشت دائماً كاليتيم على مأدبة اللئيمين – طلب السلطة وتوحيشها، ونشر الكراهية والميل الانفصاليّ في المجتمع. وقد سبق لستالين أن قدّم لنا درساً بالغ الغنى على هذا الصعيد: فعلى عكس الموقف النظريّ الماركسيّ واللينينيّ حول ذواء الدولة واضمحلالها، اندفع المؤتمر الثامن عشر للحزب الشيوعيّ السوفياتيّ، عام 1939، إلى المطالبة بتعزيز الدولة إبّان الانتقال إلى الاشتراكيّة. هكذا بات التخلّص منها يتمّ من طريق توطيدها! وأهمّ من ذلك أنّ التحوّل هذا جاء مباشرةً بعد «التطهير الكبير» أو «الإرهاب العظيم». أمّا الدول التي تستثمر في المآسي، كإسرائيل أو إيران أو تركيّا، فأدوارها تندرج في النتائج، لا في الأسباب الغنيّة التي تحتكرها نزعتا السلطويّة والانفصاليّة القُصويان. ومنذ اليونان القديمة، علّمنا «المعلّم» أرسطو أنّ ثمّة «وسطاً ذهبيّاً» هو «الفضيلة» الواقعة بين «رذيلتين». فالكرم هو الوسط بين البخل والتبذير، والشجاعة هي الوسط بين الجبن والتهوّر، وهكذا... فهل تكون الفيدراليّة لبلدان المشرق هي ذاك الوسط الذهبيّ بين النزعتين المدمّرتين، أي القوّة المسمّاة وحدة، والانفصال أو التقسيم وحروبه العابرة للحدود؟ ربّما جاز ذلك. لكنّ المؤكّد، على أيّ حال، أنّ الذين يحذّرون من المسّ بالخرائط بحجّة أنّ الاقتتال سوف يندلع لاحقاً داخل المكوّن الواحد، يضعون ما «قد» يحدث في مواجهة ما يحدث ممّا لا يُطاق. وهذا ما لا يرتكبه إلاّ من ينسبون إلى أنفسهم معرفة بـ«حركة التاريخ» يصحبها جهل بما سوف يحصل بعد عشر دقائق.