
هل باتت إسرائيل تخشى المجتمع الدولي؟
لطالما كتبتُ أن الحكومة الإسرائيلية تنتهج سياسة خبيثة تتجنب فيها الاعتراف الرسمي باحتلال قطاع غزة. لكنها، في الواقع، تمارس الاحتلال بكل أبعاده: تتحكم بالمعابر، تحاصر السكان، تقصف من السماء ليلا ونهاراً، وتمنع الغذاء والدواء والماء. تسمي ذلك "عملية" لا احتلالًا، لأن الاعتراف القانوني بالاحتلال يحمّلها التزامات واضحة بموجب القانون الدولي، على رأسها تأمين الغذاء، والرعاية الصحية، والبنية التحتية للسكان. وهذه مسؤوليات ترفض إسرائيل تحمّلها.
إعلان الجيش الإسرائيلي عن "وقفات إنسانية" يومية في غزة، بدءًا من 27 تموز/يوليو، لا يعكس أي تحول أخلاقي، بل يكشف حالة ارتباك سياسي متصاعد. هذه الوقفات، التي تمتد لعشر ساعات في مناطق لا تنشط فيها القوات الإسرائيلية، جاءت بالتوازي مع تصاعد الضغط الدولي، وتزايد التقارير التي تتهم إسرائيل بارتكاب جريمة تجويع ممنهجة ترقى إلى الإبادة الجماعية.
مصادر مطلعة نقلت لصحيفة يديعوت أحرونوت أن الحكومة الإسرائيلية عاشت خلال الأيام الماضية حالة هستيريا حقيقية بسبب الضغوط الدولية، وأمرت بإعداد خطة "للسماح بكل شيء" لغزة "ودون قيود"، موضحة أن مسألة وصول المساعدات إلى حماس "لم تعد تعنيها حاليًا". وفي الوقت نفسه، أفادت قناة "كان" بأن المستوى السياسي يرفض حتى الآن توضيح أسباب إعلان وقف إطلاق النار لأغراض إنسانية، تاركًا المسؤولية للجيش وحده.
التجويع الذي يضرب قطاع غزة، خاصة في شماله، ليس خللًا تنظيميًا ولا عجزًا لوجستيًا، بل سياسة متعمدة. كانت الخطة أن يُحاصر الشمال ويُخنق حتى يُجبر السكان على النزوح، ثم يُعلن "النصر". لكن مئات الآلاف عادوا بعد وقف إطلاق النار، وكأن شيئًا لم يكن.
أما وسط القطاع، الذي زُعِم أنه "منطقة آمنة"، فتعرض لقصف عنيف طال خيام النازحين دون توقف. لا أحد يسيطر على غزة اليوم سوى الجيش الإسرائيلي: يحتلها، يتحرك فيها، يقصفها، يحاصرها. لكنه لا يعترف بمسؤوليته.
المشهد يعيد إلى الأذهان تجربة اليابان في الصين، حين رفضت طوكيو إعلان الحرب رسميًا لتجنب الالتزامات القانونية تجاه الأسرى، فاختارت قتلهم. كذلك تفعل إسرائيل: تحتل غزة دون اعتراف، وتترك السكان يموتون جوعاً.
أما ما تسميه إسرائيل "مراكز توزيع المساعدات"، فليست سوى مصائد قتل. أُنشئت هذه المراكز بدعم حكومي وتديرها شركات أمنية خاصة من المرتزقة، لغرض سياسي بحت: تسويق إنساني زائف يُرضي اليمين المتطرف ويُسكت الغرب.
منظمات الإغاثة الدولية رفضت التعاون معها، لأنها تدرك أن غياب التنظيم المحلي يؤدي إلى الفوضى والقتل، ويحرم الأشد حاجة من الوصول إلى الغذاء.
النموذج المستخدم في توزيع الطرود الغذائية مأخوذ عن برامج الأمم المتحدة في السودان واليمن، لكنه لا يصلح في غزة، حيث يتنقل السكان قسراً كل أسبوع بلا مأوى ثابت.
الخطة خلت تمامًا من المغذيات الطبية، وحليب الرضع، وأدوية سوء التغذية، وكأن الهدف لم يكن الإغاثة، بل إدارة الجوع.
لم تعد إسرائيل قادرة على تسويق خطابها القديم بشأن "سرقة المساعدات من قبل حماس".
صحيفة نيويورك تايمز نقلت عن أربعة مصادر إسرائيلية، بينهم ضباط، أن لا أدلة على سرقة المساعدات من قبل الحركة. وأكد تقرير داخلي صادر عن وكالة USAID الأمريكية الأمر نفسه. نظام توزيع الأمم المتحدة، بحسب هذه الشهادات، كان فعالًا وآمنًا.
وفي مواجهة هذا الانكشاف، لجأت إسرائيل إلى خطوات استعراضية: "وقفات إنسانية"، إسقاط مساعدات جوية، ممرات "آمنة"، وحتى إعادة الكهرباء لمحطة التحلية التي تخدم نحو 900 ألف شخص. كلها إجراءات تهدف إلى نفي التهمة الأخطر: التجويع المتعمد.
لكن هذه الخطوات جاءت متأخرة، وبعد وقوع الجريمة. وزارة الصحة في غزة أكدت أن 127 شخصًا ماتوا جوعًا منذ بدء الحرب، بينهم 85 طفلًا. مئات آخرون يعانون من سوء تغذية يهدد حياتهم، خاصة بين كبار السن والرضع والنساء الحوامل. والأسوأ: أكثر من 1,100 مدني قُتلوا أثناء انتظارهم الحصول على المساعدات.
هذه الأرقام ليست مجرد مأساة، بل لائحة اتهام مكتملة الأركان.
إسرائيل لا تخشى المجتمع الدولي بدافع أخلاقي، بل بدافع براغماتي. ما تخشاه هو خسارة شرعيتها السياسية والرمزية، وتحوّل قادتها من شركاء للغرب إلى متهمين في لاهاي.
لهذا تتحرك إسرائيل اليوم تحت ضغط التحقيقات والكاميرات والتقارير. ما تفعله ليس إنقاذًا للفلسطينيين، بل محاولة يائسة لإنقاذ صورتها. تُسقِط مساعدات محدودة، وتدّعي "التعاون" مع الأمم المتحدة التي اتهمتها قبل أيام بالفشل. المفارقة أن هذه التناقضات، بدلًا من تحسين صورتها، تُفضحها أكثر.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


معا الاخبارية
منذ 23 دقائق
- معا الاخبارية
نتنياهو يحسم موقفه وسيعرض خطة احتلال غزة على الحكومة الخميس للمصادقة
بيت لحم معا- بعد مشاورات أمنية مغلقة في مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي شارك فيها كل من وزير الحرب يسرائيل كاتس ورئيس الأركان، أكد مسؤولون في المكتب: "نتجه بخطى متسارعة نحو احتلال قطاع غزة". وبحسب مصادر مطلعة في دائرة رئيس الوزراء، فقد تعزز قرار نتنياهو بعد المناقشة الأمنية الخاصة حول القتال في غزة.وبحسب دائرة نتنياهو، فقد تعزز قرار المضي قدمًا في احتلال كامل للقطاع. وانتهى نقاش الكابنيت الأمني حول استمرار العملية في غزة، وتقرر استئنافه يوم الخميس لاتخاذ القرارات. وقال مكتب رئيس الوزراء في هذا الصدد: "عقد ب نتنياهو اليوم نقاشا أمنيا محدودا استمر نحو 3 ساعات، حيث عرض رئيس الأركان الخيارات لمواصلة الحملة في غزة وسيُعقد نقاش آخر في مجلس الوزراء يوم الخميس، حيث سيتم اتخاذ قرار بشأن استمرار الحملة".


فلسطين اليوم
منذ 23 دقائق
- فلسطين اليوم
الشيخ قاسم: لا سلاح يُنزع ولا سيادة تُباع للاحتلال
أكد الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم أن المقاومة في لبنان بخير، قوية وعزيزة، ومصممة على أن يبقى لبنان قوياً عزيزاً في وجه الضغوط والتهديدات. وقال إن المشكلة ليست في السلاح بل في العدوان الذي يتكرر ويتوسع، مضيفاً أن أي حل سياسي لا يمكن أن يتحقق دون توافق، مشدداً على أن الحزب لن يسمح لأحد بفرض الإملاءات عليه مهما كانت الجهة أو الوسيط. وأشار إلى أن الدولة اللبنانية يجب أن تبادر إلى وضع خطط فعلية لمواجهة الأخطار بدلاً من مطالبة المقاومة بنزع سلاحها، ولفت إلى أن البيان الوزاري يتحدث عن تحصين السيادة وردع المعتدين، متسائلاً عن دور الدولة الحقيقي في دفع البلاء عن لبنان. وأضاف أن التخلي عن سلاح المقاومة تلبية لطلب الاحتلال والولايات المتحدة ليس تحصيناً للسيادة، بل تخلياً عنها. وذكر أن دعم الجيش اللبناني مشروط بتأديته وظائف داخلية، وليس لمواجهة الاحتلال، وبالتالي فإن هذا الدعم لا يرقى إلى مستوى الدعم الحقيقي. وهدد بأن الاحتلال إن ذهب نحو عدوان واسع، فإن المقاومة سترد، وصواريخها ستسقط داخل الكيان، مؤكداً أن الحسابات الميدانية لا تصب في مصلحة الاحتلال. وشدد على أن حزب الله لا يقبل أن يكون عبداً لأي جهة تحت ذرائع الضغوط الخارجية أو التهويل السياسي، موضحاً أن الحزب غير موافق على أي اتفاق جديد، بل متمسك بالاتفاق الحالي، والمطلوب تنفيذ بنوده دون تحايل أو تحريف. وأكد أن ما طرحه المبعوث الأميركي براك لا يُعد اتفاقاً بل إملاءات تصب في مصلحة الاحتلال ولا تراعي مصالح لبنان ولا سيادته. وفي سياق آخر، تحدث الشيخ قاسم عن القائد الشهيد الحاج رمضان، فقال إنه كان يحرص على وحدة الفصائل الفلسطينية وعلى أن يكون حزب الله على مقربة منهم. وأضاف أن الحاج رمضان رأى في طوفان الأقصى معجزة لم تحققها أي قوة مقاومة، وأن الأقصى والقدس يرفعان من يخدمهما بإخلاص. ولفت إلى أن الحاج رمضان اعتنق رؤية الإمام الخميني باعتبار الكيان الصهيوني غدة سرطانية يجب اقتلاعها، مشيراً إلى أن قادة المقاومة ينظرون إلى قضية فلسطين على أنها قضية إنسانية تتجاوز الحدود الجغرافية، ما يوجب على كل الأحرار في العالم الوقوف إلى جانبها. وذكر الشيخ قاسم أن الحاج رمضان أمضى وقتاً طويلاً في مرج الزهور إلى جانب الفلسطينيين المبعدين، ما يعكس عمق التزامه بالقضية. وقال إن بناء لبنان يجب أن يستند إلى ثلاث ركائز هي التشارك والتعاون في رسم الأولويات ورفض الخضوع لأي وصاية أميركية أو دولية، مؤكداً أن مصلحة لبنان تكمن في استعادة السيادة والتحرير، بينما مصلحة الاحتلال هي في إضعاف لبنان وتفكيك عناصر القوة فيه. وختم بالإشارة إلى أن الاحتلال انقلب على اتفاق وقف إطلاق النار وخرقه آلاف المرات، ولفت إلى أن الورقة الأميركية تضمنت بنوداً تطالب بتفكيك أسلحة نوعية وتسليم قاذفات مختلفة للدولة اللبنانية خلال ثلاثين يوماً، وهو أمر لا يمكن القبول به لأنه يستهدف المقاومة مباشرة.


معا الاخبارية
منذ 23 دقائق
- معا الاخبارية
الدفاع المدني بغزة: حياة آلاف المواطنين معرضة للخطر أو الموت
غزة -معا- ناشدت المديرية العامة للدفاع المدني في غزة الأمم المتحدة والمؤسسات الإنسانية المساعدة العاجلة. وجاء في بيان نشرته مساء اليوم الثلاثاء، "نناشد الأمم المتحدة والمؤسسات الإنسانية إمدادنا بالوقود لتشغيل آلات ومعدات الإنقاذ". وقالت"نحذر من أن معظم أجهزة ومعدات الإنقاذ بالقطاع توقفت عن الاستجابة لعمليات الاستغاثة". واضافت"حياة آلاف المواطنين معرضة للخطر أو الموت".