
جامع اللوحات ألكسندر ريّس: للفن الرقمي مستقبل مشرق في منطقتنا
بمنطقةِ «الحمرا» في بيروت، أسَّس ألكسندر ريّس، جامعُ اللوحاتِ الرقميَّة، «دي جان آرت جاليري» DiGen Art Gallery، الأوَّلُ للفنِّ الرقمي في لبنان. «سيدتي» جالت في المكان، وحاورت مؤسِّسها؛ ثمَّةَ متعةٌ في الحديثِ مع ألكسندر، فهو شابٌّ متحمِّسٌ للفنِّ الرقمي، ووسائطه، ونتاجاتِ المبدعين العربِ في المجال. يقولُ لنا عن تخصُّصه: «يتفاعلُ الجيلُ الجديدُ بقوَّةٍ مع هذا النوعِ من الفنِّ المُعدِّ باستخدامِ الآلة، كما يتقاربُ عاطفياً منه». ويرجعُ ريّس إلى تاريخِ الفنِّ الرقمي في العالم، وإلى مبدعين عبَّدوا الطريقَ له مثل فيرا مولنار، الفنانة التي تعدُّ عرَّابةَ هذا الفنِّ، وهي الراحلةُ عن دنيانا عن عمرٍ يناهزُ الـ 99 عاماً. ويوضحُ أن «أشكال التعابيرِ الأولى عن الفنِّ الرقمي، تحقَّقت من خلال البرمجةِ الإبداعيَّةِ حينما كانت الكمبيوتراتُ ضخمةً، ويشغلُ الواحدُ منها مساحةَ غرفةٍ، ودون شاشةٍ! بالتالي، للوصولِ إلى اللوحةِ الفنيَّةِ الرقميَّة، كان على الفنان أن يقضي وقتاً طويلاً، ويبذل جهداً كبيراً». يضيفُ: «تطوُّرُ هذا التعبيرِ الفني، تحقَّق عن طريق الذكاء الاصطناعي على هيئة صورٍ وفيديوهاتٍ»، ثمّ يغوصُ في الفنِّ الرقمي، وأصوله، ويستذكرُ قولاً للفنانِ البصري الأمريكي رومان فيروستيكو، مفاده بأن «الزخارف الهندسيَّة الإسلاميَّة، هي سلفُ فنِّ الخوارزمياتِ الحديث، ما يحثُّ على الإفادة من هذا التراثِ، لتكون العربُ في طليعةِ ثورةِ الفنِّ الرقمي». في الآتي، نصُّ الحوار مع ريّس.
تقاطعُ الفنِّ والتكنولوجيا
ما الأسبابُ التي دفعتك إلى تأسيسِ «دي جان آرت جاليري»؟
جذبني تقاطعُ الفنِّ والتكنولوجيا، لا سيما البرمجةُ الإبداعيَّةُ، وفنُّ الذكاء الاصطناعي ، وهما من الأساليبِ الفنيَّةِ التي أعتقدُ أنها تعكسُ عصرنا الراهن. مع ظهورِ معارضِ الفنِّ الرقمي في الولاياتِ المتحدة الأمريكيَّة وأوروبا، أدركتُ أن هناك فجوةً في الشرقِ الأوسط، وقادني شغفي بهذه الأشكالِ الفنيَّةِ إلى جلب تعبيراتٍ مبتكرةٍ عنها إلى المنطقة، ابتداءً من لبنان، موطني.
جذور الفن الرقمي العربي
ماذا عن جذورِ الفنِّ الرقمي العربي والتجاربِ الأولى فيه؟
يُقدِّرُ «دي جان آرت جاليري»، بعمقٍ، تاريخَ الفن الرقمي ، وفي هذا السياق، أمتلكُ أعمالاً فنيَّةً لروَّادٍ في المجالِ أمثال فيرا مولنار، ومانفريد مور، اللذين فتحَا الطريقَ لهذا الوسيطِ في ستينياتِ القرن الماضي، لكنْ الفنُّ الرقمي في العالم العربي، ليس موثَّقاً بشكلٍ جيدٍ! فبخلافِ بعض الشخصياتِ الملحوظةِ في المجال مثل سامية حلبي، هناك قليلٌ من الاعترافِ بالفنانين الرقميين العرب! لذا تمتدُّ مهمة «الجاليري» إلى البحثِ عن المساهمين الأقلّ شهرةً بالفنِّ الرقمي في منطقتنا، وتسليط الضوءِ عليهم.
مَن هم المهتمُّون بالفنِّ الرقمي في العالمِ العربي؟
إضافةً إلى «دي جان آرت» في بيروت، هناك "جاليري" آخر للفنِّ الرقمي، أُسِّس في دبي منذ فترة، إلى جانبِ قسمِ الفنِّ الرقمي في معرضِ « آرت دب »"، الذي افتُتح قبل أعوامٍ قليلة، ويكتسبُ تدريجياً شهرةً وأهميَّةً. ألاحظُ أن الفنَّ الرقمي، يُمكِّن من جذب شريحة واسعة من الناس، لا سيما الجيل الجديد الذي قد يشعرُ بالصعوبةِ أمام تعقيداتِ الفنِّ المعاصر، وحصريَّةِ المعارضِ التقليديَّة، وكأنَّ الأخيرةَ موجَّهةٌ لفئةٍ معيَّنةٍ من الجمهور!
سوق الفن الرقمي
الـ NFTs، أي «الرموز غير القابلةِ للاستبدال»، هل تمثِّلُ الطريقةَ الوحيدةَ لتسويق الفنِّ الرقمي؟
الـ NFTs تكنولوجيا جديدةٌ، تستفيدُ من تقنيةِ «بلوك تشين»، أو «سلسلة الكتل» التي تدعمُ العملات المشفرة ، والمنتجاتِ ذات الصلةِ بها مثل الرموزِ غير القابلةِ للاستبدال، ما يُيسِّر عمليتَي تسويقِ وتسعيرِ أعمال الفنِّ الرقمي، مع ضمانِ المصداقية. إلى ذلك، بيعت أعمالُ الفنِّ الرقمي من خلال وسائلَ مختلفةٍ قبل ظهورِ تقنية NFTs، لكنْ مع الأخيرةِ، ازداد تملُّك الفنِّ الرقمي، ما أعاد الحياةَ إلى جزءٍ من الفنِّ، كان غالباً مُتجاهلاً، بصورةٍ جزئيَّةٍ، بسبب التحدِّياتِ المتعلِّقةِ بالتسويق والتسعير.
المزاداتِ العالميَّة
هل يؤثِّرُ وصولُ بعض الأعمالِ إلى المزاداتِ العالميَّة "كريستيز، مثلاً" في تطوُّرِ الفنِّ الرقمي؟
بالتأكيد. لقد قامت المزاداتُ بدورٍ حيوي في تعزيزِ الفضاءِ الخاصِّ بالفنِّ الرقمي. على سبيل المثال، خصَّصت «سوذبيز» فرعَ « ميتافيرس » للفنِّ الرقمي حصراً، ويشهدُ الفرعُ نمواً مستمراً. وإضافةً إلى المزادات، هناك متاحفُ عالميَّةٌ، أفسحت مساحاتٍ لعرض أعمالٍ، تنتمي إلى الفنِّ الرقمي مثل مركز «بومبيدو» في باريس، ومتحفِ الفنِّ الحديثِ في نيويورك «موما»، الذي عرضَ نتاجَ الفنانِ الرقمي رفيق أنادول، ما يشيرُ إلى الاعترافِ والدمجِ الأوسعِ للفنِّ الرقمي بالمؤسَّساتِ الفنيَّةِ المُعتمدة.
حوارٌ بين الفنان والجهاز
في ظل استخدامِ الذكاءِ الاصطناعي بالأعمالِ الفنيَّة، هل تنسبُ هذه الأعمالُ للفنانين، أم الذكاءِ الاصطناعي؟
دون الفنانِ، لن تكون هناك رغبةٌ بالفنِّ، أو رؤيةٌ خلفه، فالإنسانُ يملأ الجهازَ بالمعنى. كذلك يقومُ الفنانُ، الذي يستخدمُ الذكاء الاصطناعي واسطةً، بحوارٍ مع الجهاز، والأخيرُ أداةٌ مساعدةٌ له من أجل تحقيقِ أفكاره بالكامل. أيضاً يمكن أن يقدِّم الجهازُ مفهوماً عن الجمالِ، ويؤدي دوراً في العمليَّةِ الإبداعيَّةِ الفريدة، لذا يجبُ على الفنانِ التنقُّلُ بمهارةٍ في إطارِ هذا التفاعل.
الفنّ الرقمي في المنطقة العربيّة
كيف ترى مستقبلَ الفنِّ الرقمي في المنطقةِ العربيَّة؟
أتصوَّرُ مستقبلاً مُشرقاً للفنِّ الرقمي في منطقتنا، فهذا الفنُّ يتَّصلُ بصورةٍ عميقةٍ بأسئلةِ الإنسانِ المعاصرِ واهتماماته، كما يحصدُ إعجابَ مزيدٍ من الناس، وجامعي الفنِّ. تجدرُ الإشارةُ هنا إلى أن منطقتنا، من الناحيةِ التاريخيَّةِ، كانت تتبعُ غالباً الاتجاهاتِ الغربيَّة، لكننا نشهدُ في الوقتِ الراهن على مؤسَّساتٍ في المنطقةِ العربيَّة مثل «آرت دبي»، تتصدَّرُ المشهدَ في مجالِ الفنِّ الرقمي. إلى جانب ذلك، قد لا يعرفُ أشخاصٌ كثرٌ التاريخَ الغني لمنطقتنا، وتحديداً فنَّ الخوارزميات، في إطارِ الفن الإسلامي ، الذي يمثِّلُ أوَّل جذورِ الفنِّ الرقمي، وعليه تملأني الحماسةُ للإفادةِ من هذا التراثِ حتى نكون في طليعةِ ثورةِ الفنِّ الرقمي.
ما ردُّك على الذين يُقلِّلون من قيمةِ الفنِّ الرقمي؟
سأردُّ عبر التأكيدِ، أن عديداً من أشكالِ الفنِّ، واجه تحدِّياتٍ في بداياتِ ظهوره، مثلاً انتقدت المؤسَّساتُ الفنيَّةُ التقليديَّة، ورفضت عرضَ لوحاتٍ لفنانين انطباعيين، ما دفعَ بهم إلى إقامةِ معارضَ بديلةٍ! بالمثل، كانت علبُ «حساء كامبل» الرمزيَّة لآندي وارهول، التي تعكسُ استهلاكيَّةَ الشعب الأمريكي، غير مفهومةٍ في البداية. نصيحتي لأي شخصٍ، يقتربُ من الفنِّ الرقمي، أن يحافظَ على عقلٍ مفتوحٍ، ويبقى فضولياً، وأن يطرحَ الأسئلةَ أيضاً. بخلاف ذلك، تمثِّلُ تصوُّراتنا السابقةُ قناعاً، يحولُ بيننا وبين تقديرِ الجمال الذي يكمنُ خلفها.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


مجلة سيدتي
٠٣-٠٥-٢٠٢٥
- مجلة سيدتي
جامع اللوحات ألكسندر ريّس: للفن الرقمي مستقبل مشرق في منطقتنا
بمنطقةِ «الحمرا» في بيروت، أسَّس ألكسندر ريّس، جامعُ اللوحاتِ الرقميَّة، «دي جان آرت جاليري» DiGen Art Gallery، الأوَّلُ للفنِّ الرقمي في لبنان. «سيدتي» جالت في المكان، وحاورت مؤسِّسها؛ ثمَّةَ متعةٌ في الحديثِ مع ألكسندر، فهو شابٌّ متحمِّسٌ للفنِّ الرقمي، ووسائطه، ونتاجاتِ المبدعين العربِ في المجال. يقولُ لنا عن تخصُّصه: «يتفاعلُ الجيلُ الجديدُ بقوَّةٍ مع هذا النوعِ من الفنِّ المُعدِّ باستخدامِ الآلة، كما يتقاربُ عاطفياً منه». ويرجعُ ريّس إلى تاريخِ الفنِّ الرقمي في العالم، وإلى مبدعين عبَّدوا الطريقَ له مثل فيرا مولنار، الفنانة التي تعدُّ عرَّابةَ هذا الفنِّ، وهي الراحلةُ عن دنيانا عن عمرٍ يناهزُ الـ 99 عاماً. ويوضحُ أن «أشكال التعابيرِ الأولى عن الفنِّ الرقمي، تحقَّقت من خلال البرمجةِ الإبداعيَّةِ حينما كانت الكمبيوتراتُ ضخمةً، ويشغلُ الواحدُ منها مساحةَ غرفةٍ، ودون شاشةٍ! بالتالي، للوصولِ إلى اللوحةِ الفنيَّةِ الرقميَّة، كان على الفنان أن يقضي وقتاً طويلاً، ويبذل جهداً كبيراً». يضيفُ: «تطوُّرُ هذا التعبيرِ الفني، تحقَّق عن طريق الذكاء الاصطناعي على هيئة صورٍ وفيديوهاتٍ»، ثمّ يغوصُ في الفنِّ الرقمي، وأصوله، ويستذكرُ قولاً للفنانِ البصري الأمريكي رومان فيروستيكو، مفاده بأن «الزخارف الهندسيَّة الإسلاميَّة، هي سلفُ فنِّ الخوارزمياتِ الحديث، ما يحثُّ على الإفادة من هذا التراثِ، لتكون العربُ في طليعةِ ثورةِ الفنِّ الرقمي». في الآتي، نصُّ الحوار مع ريّس. تقاطعُ الفنِّ والتكنولوجيا ما الأسبابُ التي دفعتك إلى تأسيسِ «دي جان آرت جاليري»؟ جذبني تقاطعُ الفنِّ والتكنولوجيا، لا سيما البرمجةُ الإبداعيَّةُ، وفنُّ الذكاء الاصطناعي ، وهما من الأساليبِ الفنيَّةِ التي أعتقدُ أنها تعكسُ عصرنا الراهن. مع ظهورِ معارضِ الفنِّ الرقمي في الولاياتِ المتحدة الأمريكيَّة وأوروبا، أدركتُ أن هناك فجوةً في الشرقِ الأوسط، وقادني شغفي بهذه الأشكالِ الفنيَّةِ إلى جلب تعبيراتٍ مبتكرةٍ عنها إلى المنطقة، ابتداءً من لبنان، موطني. جذور الفن الرقمي العربي ماذا عن جذورِ الفنِّ الرقمي العربي والتجاربِ الأولى فيه؟ يُقدِّرُ «دي جان آرت جاليري»، بعمقٍ، تاريخَ الفن الرقمي ، وفي هذا السياق، أمتلكُ أعمالاً فنيَّةً لروَّادٍ في المجالِ أمثال فيرا مولنار، ومانفريد مور، اللذين فتحَا الطريقَ لهذا الوسيطِ في ستينياتِ القرن الماضي، لكنْ الفنُّ الرقمي في العالم العربي، ليس موثَّقاً بشكلٍ جيدٍ! فبخلافِ بعض الشخصياتِ الملحوظةِ في المجال مثل سامية حلبي، هناك قليلٌ من الاعترافِ بالفنانين الرقميين العرب! لذا تمتدُّ مهمة «الجاليري» إلى البحثِ عن المساهمين الأقلّ شهرةً بالفنِّ الرقمي في منطقتنا، وتسليط الضوءِ عليهم. مَن هم المهتمُّون بالفنِّ الرقمي في العالمِ العربي؟ إضافةً إلى «دي جان آرت» في بيروت، هناك "جاليري" آخر للفنِّ الرقمي، أُسِّس في دبي منذ فترة، إلى جانبِ قسمِ الفنِّ الرقمي في معرضِ « آرت دب »"، الذي افتُتح قبل أعوامٍ قليلة، ويكتسبُ تدريجياً شهرةً وأهميَّةً. ألاحظُ أن الفنَّ الرقمي، يُمكِّن من جذب شريحة واسعة من الناس، لا سيما الجيل الجديد الذي قد يشعرُ بالصعوبةِ أمام تعقيداتِ الفنِّ المعاصر، وحصريَّةِ المعارضِ التقليديَّة، وكأنَّ الأخيرةَ موجَّهةٌ لفئةٍ معيَّنةٍ من الجمهور! سوق الفن الرقمي الـ NFTs، أي «الرموز غير القابلةِ للاستبدال»، هل تمثِّلُ الطريقةَ الوحيدةَ لتسويق الفنِّ الرقمي؟ الـ NFTs تكنولوجيا جديدةٌ، تستفيدُ من تقنيةِ «بلوك تشين»، أو «سلسلة الكتل» التي تدعمُ العملات المشفرة ، والمنتجاتِ ذات الصلةِ بها مثل الرموزِ غير القابلةِ للاستبدال، ما يُيسِّر عمليتَي تسويقِ وتسعيرِ أعمال الفنِّ الرقمي، مع ضمانِ المصداقية. إلى ذلك، بيعت أعمالُ الفنِّ الرقمي من خلال وسائلَ مختلفةٍ قبل ظهورِ تقنية NFTs، لكنْ مع الأخيرةِ، ازداد تملُّك الفنِّ الرقمي، ما أعاد الحياةَ إلى جزءٍ من الفنِّ، كان غالباً مُتجاهلاً، بصورةٍ جزئيَّةٍ، بسبب التحدِّياتِ المتعلِّقةِ بالتسويق والتسعير. المزاداتِ العالميَّة هل يؤثِّرُ وصولُ بعض الأعمالِ إلى المزاداتِ العالميَّة "كريستيز، مثلاً" في تطوُّرِ الفنِّ الرقمي؟ بالتأكيد. لقد قامت المزاداتُ بدورٍ حيوي في تعزيزِ الفضاءِ الخاصِّ بالفنِّ الرقمي. على سبيل المثال، خصَّصت «سوذبيز» فرعَ « ميتافيرس » للفنِّ الرقمي حصراً، ويشهدُ الفرعُ نمواً مستمراً. وإضافةً إلى المزادات، هناك متاحفُ عالميَّةٌ، أفسحت مساحاتٍ لعرض أعمالٍ، تنتمي إلى الفنِّ الرقمي مثل مركز «بومبيدو» في باريس، ومتحفِ الفنِّ الحديثِ في نيويورك «موما»، الذي عرضَ نتاجَ الفنانِ الرقمي رفيق أنادول، ما يشيرُ إلى الاعترافِ والدمجِ الأوسعِ للفنِّ الرقمي بالمؤسَّساتِ الفنيَّةِ المُعتمدة. حوارٌ بين الفنان والجهاز في ظل استخدامِ الذكاءِ الاصطناعي بالأعمالِ الفنيَّة، هل تنسبُ هذه الأعمالُ للفنانين، أم الذكاءِ الاصطناعي؟ دون الفنانِ، لن تكون هناك رغبةٌ بالفنِّ، أو رؤيةٌ خلفه، فالإنسانُ يملأ الجهازَ بالمعنى. كذلك يقومُ الفنانُ، الذي يستخدمُ الذكاء الاصطناعي واسطةً، بحوارٍ مع الجهاز، والأخيرُ أداةٌ مساعدةٌ له من أجل تحقيقِ أفكاره بالكامل. أيضاً يمكن أن يقدِّم الجهازُ مفهوماً عن الجمالِ، ويؤدي دوراً في العمليَّةِ الإبداعيَّةِ الفريدة، لذا يجبُ على الفنانِ التنقُّلُ بمهارةٍ في إطارِ هذا التفاعل. الفنّ الرقمي في المنطقة العربيّة كيف ترى مستقبلَ الفنِّ الرقمي في المنطقةِ العربيَّة؟ أتصوَّرُ مستقبلاً مُشرقاً للفنِّ الرقمي في منطقتنا، فهذا الفنُّ يتَّصلُ بصورةٍ عميقةٍ بأسئلةِ الإنسانِ المعاصرِ واهتماماته، كما يحصدُ إعجابَ مزيدٍ من الناس، وجامعي الفنِّ. تجدرُ الإشارةُ هنا إلى أن منطقتنا، من الناحيةِ التاريخيَّةِ، كانت تتبعُ غالباً الاتجاهاتِ الغربيَّة، لكننا نشهدُ في الوقتِ الراهن على مؤسَّساتٍ في المنطقةِ العربيَّة مثل «آرت دبي»، تتصدَّرُ المشهدَ في مجالِ الفنِّ الرقمي. إلى جانب ذلك، قد لا يعرفُ أشخاصٌ كثرٌ التاريخَ الغني لمنطقتنا، وتحديداً فنَّ الخوارزميات، في إطارِ الفن الإسلامي ، الذي يمثِّلُ أوَّل جذورِ الفنِّ الرقمي، وعليه تملأني الحماسةُ للإفادةِ من هذا التراثِ حتى نكون في طليعةِ ثورةِ الفنِّ الرقمي. ما ردُّك على الذين يُقلِّلون من قيمةِ الفنِّ الرقمي؟ سأردُّ عبر التأكيدِ، أن عديداً من أشكالِ الفنِّ، واجه تحدِّياتٍ في بداياتِ ظهوره، مثلاً انتقدت المؤسَّساتُ الفنيَّةُ التقليديَّة، ورفضت عرضَ لوحاتٍ لفنانين انطباعيين، ما دفعَ بهم إلى إقامةِ معارضَ بديلةٍ! بالمثل، كانت علبُ «حساء كامبل» الرمزيَّة لآندي وارهول، التي تعكسُ استهلاكيَّةَ الشعب الأمريكي، غير مفهومةٍ في البداية. نصيحتي لأي شخصٍ، يقتربُ من الفنِّ الرقمي، أن يحافظَ على عقلٍ مفتوحٍ، ويبقى فضولياً، وأن يطرحَ الأسئلةَ أيضاً. بخلاف ذلك، تمثِّلُ تصوُّراتنا السابقةُ قناعاً، يحولُ بيننا وبين تقديرِ الجمال الذي يكمنُ خلفها.


الاقتصادية
٢٢-٠٤-٢٠٢٥
- الاقتصادية
هل تحوّل الفن الرقمي إلى فقاعة اقتصادية أم مسار استثماري في العالم العربي؟
خلال افتتاح معرض "مكننة" في مركز الدرعية لفنون المستقبل الذي يُسلّط الضوء على أركيولوجيا فنون الوسائط الجديدة في العالم العربي، يقف العمل "آرك" للفنان السعودي عبدالله راشد، كمرآة ساخرة وواقعية لسوق الفن الرقمي. في "خط زمني"، يعرض راشد شريطا رقميا مليئا بإعلانات مبيعات لأعمال فنية بقيم مبالغ فيها، محاكيا ذروة جنون الـNFT في 2021، حين غزت الإعلانات شاشات الفنانين أكثر من الأعمال نفسها. والمفارقة أن العمل الذي يسخر من سوق الـNFT، تحوّل هو نفسه إلى NFT وبيع بسعر مرتفع لأحد كبار مقتني الأعمال الرقمية! ليأتي السؤال هل تحوّل الفن الرقمي إلى فقاعة اقتصادية أم إلى مسار استثماري فعلي في العالم العربي؟ هنا تقول القيّمة الفنية آلاء يونس لـ"الاقتصادية"، إن الوسائط الجديدة تتيح للفنان إنتاج نسخ عدة من العمل نفسه، ما يفتح المجال لاقتناءه من قبل جمهور أوسع داخل بلده وخارجه. أضافت، أن هذه الإمكانية تؤثر بشكل مباشر في سعر العمل الفني وانتشاره، حيث توفر التكنولوجيا أدوات تساعد على تسويق الأعمال الفنية رقميا، دون أن تكون بالضرورة مرتفعة السعر، وهو ما يعزز من قابلية تداولها. في حين يرى الفنان السعودي أحمد ماطر، أن سوق الفن الرقمي تتبع إلى سوق الفن العالمية، وكأنها أشبه بالبورصة؛ ففي بعض الأحيان تشهد حضورا رائعا وطفرات كبيرة، وأحيانا أخرى تنخفض بطبيعة الحال. ويعتقد ماطر أن استمرارية المعارض، ونقاشات الفنانين، واهتمام جامعي الأعمال الفنية هي عوامل قادرة على تحريك هذه السوق ودعمها. يشير إلى أن الحديث لم يعد فقط عن سوق الفن، بل عن الاقتصاد الإبداعي، الذي يشمل مجالات أوسع وأكثر تنوعا، فهناك حراك فني وثقافي مهم جدا، بدأ يتسارع سواء في اقتناء الفنون أو في تمكين الفنانين من ممارسة أعمالهم الإبداعية في شتى المجالات. وبحسب ماطر، تتجه الفنون اليوم إلى اقتصاد أكثر تطورا وتداخلا مع معطيات الحياة، بحيث يصبح الفن محفزا على الابتكار وطرح ما هو جديد في شتى الصناعات. أما يونس، فتشير إلى أن الفكرة الأساسية وراء الأعمال مثل "خط زمني" لـ"آرك" عن موجة ظهرت لـ NFTs بأسعار مرتفعة وسريعة جدا، قبل أن تبدأ بالتراجع أو التحوّل إلى نماذج مختلفة من التفاعل الفني. وتطرقت إلى تجارب فنانين عرب خاضوا هذا المسار، مثل سامية حلبي التي عرضت أعمالا كـNFT، ووليد رعد الذي أنشأ منصة رقمية عالمية لتداول هذا النوع من الأعمال. بالعودة إلى ماطر، فقد تحدث عن مشاركته في مجموعة اشتغلت على أعمال من نوع "جنريتيف NFT"، حيث يمكن لأي شخص كتابة كود وإنتاج عمل فني متغيّر. ويشير إلى أن حضور الـNFT بدأ يتراجع مقارنة بفترات سابقة، لكنه يرى في الفن الرقمي بشكل عام وعدا أكبر وأكثر استقرارا للفنانين والمجال الإبداعي مستقبلا. رغم التحديات والتقلبات التي يشهدها سوق الفن الرقمي، يبدو أن المسار قد بدأ يتشكل ببطء، مدفوعا برغبة الفنانين والمقتنين في استكشاف إمكانيات جديدة تتجاوز المعايير التقليدية. وبين من يرى في الـNFT فقاعة انتهت ومن يراها تجربة تقنية قابلة للتطور، يبقى سؤال جوهري مطروحا: هل يستطيع الفن الرقمي في العالم العربي أن يثبت مكانته كأصل فني واقتصادي في آنٍ واحد، أم أنه لا يزال يبحث عن جمهوره الحقيقي؟

سعورس
١٦-٠٣-٢٠٢٥
- سعورس
الإعلام الرقمي في عصر الميتافيرس
الميتافيرس هو مفهوم يشير إلى عالم رقمي غامر ومتكامل، حيث يمكن للمستخدمين التفاعل، العمل، اللعب، والتسوق داخل بيئات افتراضية غامرة. يعتمد هذا العالم على الواقع الافتراضي (VR) والواقع المعزز (AR) والذكاء الاصطناعي (AI) لإنشاء تجارب قريبة من الواقع. في الميتافيرس يمكن للأفراد إنشاء هويات رقمية والتنقل بين مساحات افتراضية مختلفة مثل مكاتب العمل، القاعات الافتراضية، وحتى المدن الرقمية. يتميز هذا العالم بالاقتصادات الافتراضية حيث يمكن شراء وبيع العقارات الرقمية، الأصول المشفرة (NFTs)، والسلع الافتراضية، مما يعزز من إمكانيات التفاعل والإعلان. ألغى الميتافيرس القيود الجغرافية، مما مكّن الأفراد من مختلف أنحاء العالم من حضور الفعاليات الافتراضية دون الحاجة إلى السفر، وقد أدى هذا الابتكار إلى زيادة قياسية في معدلات الحضور والتفاعل. ومن أبرز الأمثلة أسبوع الموضة الافتراضي في (Metaverse Fashion Week) الذي جذب أكثر من 100 ألف زائر في عام 2022، بمشاركة علامات تجارية كبرى مثل دولتشي أند غابانا وتومي هيلفيغر مما رسّخ نموذجًا جديدًا للتفاعل الجماهيري. أحدث تطور المحتوى ثلاثي الأبعاد نقلة نوعية في مجالات الأخبار، الترفيه، ووسائل التواصل الاجتماعي، حيث أصبحت منصات الإعلام تعتمد على السرد التفاعلي لتعزيز تفاعل الجمهور وزيادة معدلات الاحتفاظ بالمحتوى، فعلى سبيل المثال، قامت العديد من وسائل الإعلام الغربية بإطلاق نشرات إخبارية مدعومة بتقنيات الواقع الافتراضي، مما يسمح للمستخدمين باستكشاف الأخبار في بيئة 360 درجة تفاعلية. بحسب دراسة أعدتها جامعة ستانفورد أن السرد القصصي عبر تقنيات ثلاثية الأبعاد والواقع المعزز يزيد من معدلات تذكر المعلومات بين 65 % و70 % مقارنة بالمحتوى النصي، وهو ما يؤكد الأهمية المتزايدة للمحتوى الغامر في الإعلام الحديث، لا سيما وأنه من المتوقع أن ينمو سوق الفعاليات الافتراضية ليصل إلى 297 مليار دولار بحلول عام 2030، بمعدل نمو سنوي 20 % هذا التحول لا يزيد من انتشار الفعاليات فحسب، بل يجعلها أكثر كفاءة من حيث التكلفة لمنظميها. وفي المقابل تستفيد العلامات التجارية من الإعلانات المدعومة بالذكاء الاصطناعي في بيئات الميتافيرس، حيث توفر تجارب إعلانية مخصصة عبر اللوحات الإعلانية الافتراضية، والإعلانات داخل الألعاب، والحملات التفاعلية، حيث أطلقت علامات تجارية فاخرة مثل جوتشي ونايكي متاجر افتراضية داخل الميتافيرس، حيث يمكن للمستخدمين شراء مقتنيات رقمية واستخدامها في عوالمهم الافتراضية. كما حققت حملة (Coca-Cola NFT Masterpiece) نجاحًا كبيرًا، ما أثبت فعالية استراتيجيات التسويق في العوالم الرقمية. ختاماً: لم يعد دمج الفعاليات الافتراضية، المحتوى ثلاثي الأبعاد، الإعلانات الذكية، والمؤتمرات الصحفية التفاعلية مجرد تجربة في الميتافيرس، بل أصبح المعيار الجديد للإعلام الحديث. مع النمو السريع لتبني تقنيات الميتافيرس، سيصبح مستقبل الإعلام، والترفيه، والتسويق غامراً وتفاعلياً وابتكارًا من أي وقت مضى.