logo
مـن محـدوديـة المــوارد إلـى ريــادة التـحــول المـائــيالأمن المائي.. أولوية وطنية

مـن محـدوديـة المــوارد إلـى ريــادة التـحــول المـائــيالأمن المائي.. أولوية وطنية

الرياضمنذ 4 أيام
دمج الطاقة المتجددة في عمليات التحلية
حياة أكثر استقرارًا وجودة للأجيال القادمة
تواجه المملكة العربية السعودية تحديًا استراتيجيًا يتمثل في تحقيق الأمن المائي في ظل محدودية الموارد الطبيعية، وارتفاع الطلب المتسارع الناتج عن التوسع العمراني والنمو السكاني والنهضة الصناعية والزراعية. هذا التحدي لم يعد مجرد مسألة خدمية، بل أصبح أولوية وطنية ترتبط ارتباطًا مباشرًا بالأمن القومي والاستقرار الاقتصادي والاجتماعي. وفي إطار رؤية المملكة 2030، تبنت السعودية توجهًا شاملًا لإعادة هيكلة قطاع المياه، عبر سياسات تطويرية تهدف إلى رفع كفاءة الإنتاج، وتحسين جودة الخدمة، وترشيد الاستهلاك، وتوطين التقنيات والصناعات المرتبطة بالمياه. لم تعد المملكة تكتفي بالحلول التقليدية، بل أصبحت تسابق الزمن لتبني أحدث ما توصلت إليه التقنيات العالمية في مجالات التحلية، والمعالجة، وإدارة الموارد المائية، مستفيدة من خبراتها السابقة وموقعها الريادي في مجال تحلية المياه. وقد انعكس هذا التوجه في إطلاق مشاريع استراتيجية ضخمة، مثل 'برنامج التحول الوطني للمياه'، وزيادة الاعتماد على الطاقة المتجددة في تشغيل محطات التحلية، إلى جانب دعم الشركات المحلية العاملة في قطاع المياه، وتحفيز البحث العلمي والابتكار، كما أسهمت هذه الجهود في تمكين الكفاءات الوطنية، رجالًا ونساءً، من المشاركة الفاعلة في صياغة مستقبل مائي مستدام وآمن.
المياه مورد استراتيجي
يشكّل الأمن المائي أحد المرتكزات الحيوية التي أولتها المملكة العربية السعودية اهتمامًا بالغًا ضمن أولوياتها الاستراتيجية، إدراكًا منها بأن المياه ليست مجرد مورد طبيعي، بل عنصر أساس في منظومة الأمن الوطني الشامل. وفي السياق السعودي، يتجاوز مفهوم الأمن المائي توفير المياه للاستخدامات اليومية، ليتسع ليشمل إدارة الموارد بشكل مستدام، وضمان توافر المياه للاستهلاك الآدمي، والزراعة، والصناعة، والطاقة، بما يحقق التوازن بين الاحتياجات الحالية والطموحات المستقبلية. ويأتي هذا المفهوم منسجمًا مع توجهات رؤية المملكة 2030، التي أكدت على أن المياه مورد استراتيجي يتطلب إدارة ذكية قائمة على الكفاءة والحوكمة والابتكار. فالأمن المائي في المملكة لم يعد يُعالج كملف فني أو خدمي منفصل، بل بات جزءًا لا يتجزأ من الرؤية التنموية الكبرى، وحاضرًا بقوة في السياسات الوطنية والبرامج التحولية، ومترابطًا مع الأمن الغذائي، والطاقة، والتنمية المستدامة. كما يُعد الأمن المائي عنصرًا رئيسًا في الأمن الغذائي، حيث تعتمد الزراعة بشكل مباشر على وفرة المياه وجودتها، في حين يُمثل أيضًا ركيزة أساسية للأمن الاقتصادي، إذ تدخل المياه في تشغيل الصناعات، ودعم المدن الاقتصادية، وتوفير بيئة استثمارية متكاملة. ومن هنا، تتعامل المملكة مع إدارة المياه باعتبارها مسألة سيادية تتطلب رؤية استراتيجية، وتخطيطًا طويل المدى، وتكاملاً بين القطاعات، وهو ما انعكس في تأسيس هيئات متخصصة، وتفعيل منظومة تشريعية وتنظيمية متقدمة لإدارة هذا المورد الحيوي.
رؤية 2030 وتحول قطاع المياه
مع إطلاق رؤية المملكة العربية السعودية 2030، دخل قطاع المياه في البلاد مرحلة جديدة من التطوير والتحول الهيكلي، بعد أن أصبح هذا القطاع محورًا رئيسًا في خطط التنمية المستدامة. وقد حرصت الرؤية على معالجة قضية المياه ليس كخدمة استهلاكية فحسب، بل كركيزة استراتيجية ترتبط بالأمن المائي، والاقتصاد، وجودة الحياة، واستدامة الموارد. ومن هذا المنطلق، رُسمت سياسات طموحة لإعادة هيكلة القطاع، وتحسين كفاءة خدماته، ورفع جودة البنية التحتية، وضمان استمرارية الموارد للأجيال القادمة. وجاءت رؤية 2030 لتضع الاستدامة البيئية والاقتصادية في قلب سياسات المياه، انطلاقًا من فهم عميق لأهمية هذا المورد في دعم التحول الوطني. فالمياه تُعد عنصرًا حاسمًا لتحقيق الأمن الغذائي والصناعي، كما أنها تمسّ بشكل مباشر جودة الحياة في المدن والمناطق الريفية. لذلك، شجعت الرؤية على إدارة الموارد المائية بطريقة متكاملة، ورفع كفاءة الاستهلاك، وتعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص في تقديم الخدمات المائية. وقد تضمّنت مستهدفات الرؤية تحسين جودة الخدمات المقدّمة للمواطنين، وضمان الاستدامة المالية والتشغيلية، وتوفير بيئة محفّزة للاستثمار في قطاع المياه، عبر إدخال تقنيات حديثة وإجراءات رقابية صارمة لمراقبة الاستهلاك، وتقليل الفاقد المائي، وتعزيز الوعي المجتمعي. في السابق، اعتمدت المملكة بشكل كبير على المياه الجوفية كمصدر رئيسي للاستخدام البشري والزراعي، إلا أن هذا المصدر لم يكن مستدامًا على المدى البعيد، مما دفع الدولة، في ظل الرؤية، إلى التحول نحو مصادر غير تقليدية أكثر استدامة وكفاءة.
وفي هذا الإطار، توسعت المملكة في مشاريع تحلية مياه البحر، واستثمرت في تطويرها لتصبح أكثر كفاءة وأقل تكلفة وأفضل من حيث الأثر البيئي. وبفضل هذه الخطط، أصبحت السعودية اليوم الدولة الأولى عالميًا في إنتاج المياه المحلاة. لكن الرؤية لم تتوقف عند حدود التحلية، بل دفعت نحو دمج الطاقة المتجددة في عمليات التحلية، من خلال مشاريع تعتمد على الطاقة الشمسية والنووية مستقبلاً، لتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، وخفض انبعاثات الكربون، وتقديم نموذج عالمي لتحلية صديقة للبيئة. من أبرز الأمثلة على ذلك: محطة 'الشعيبة' لتحلية المياه بالطاقة الشمسية، التي تعدّ من أكبر المشاريع المستدامة في المنطقة.
هيكلة شاملة لقطاع المياه
استجابة لمتطلبات الرؤية، خضع قطاع المياه في المملكة لإعادة هيكلة تنظيمية شاملة تهدف إلى رفع الكفاءة، وتسهيل مراقبة الأداء، وتوزيع الأدوار بوضوح بين الجهات المختلفة. ومن أبرز الخطوات في هذا الاتجاه: إنشاء شركة المياه الوطنية كمشغل رئيسي لخدمات المياه والصرف الصحي في مختلف مناطق المملكة، مع صلاحيات واضحة لتحسين الأداء التشغيلي والتجاري ، إطلاق الاستراتيجية الوطنية للمياه 2030، التي وضعت أهدافًا دقيقة لإدارة المياه، بما يشمل الموارد السطحية، والمياه المجددة، والمياه المحلاة ، الخصخصة التدريجية لخدمات المياه، من خلال إتاحة الفرصة للقطاع الخاص للمشاركة في تقديم الخدمات، وتشغيل المحطات، مما ساعد على رفع مستوى الكفاءة التشغيلية، وتوفير فرص استثمارية جديدة، ونقل المعرفة والخبرة إلى الداخل، إنشاء هيئة تنظيم المياه والكهرباء، للإشراف على جودة الخدمة والتسعير، وضمان التنافسية بين مقدمي الخدمة، وحماية المستهلك.
هذه الخطوات التنظيمية لم تكن عشوائية، بل جاءت وفق خارطة طريق واضحة ومتكاملة، تضمن ألا يكون الأمن المائي رهينة لظروف طارئة أو موارد ناضبة، بل مرتكزًا تقوم عليه مشاريع تنموية ضخمة تمتد لعقود قادمة.
توطين الصناعات المرتبطة بالمياه
في إطار التحول الاقتصادي الذي تقوده رؤية المملكة 2030، يُعد توطين الصناعات المرتبطة بقطاع المياه أحد المسارات الاستراتيجية التي توليها الدولة أهمية كبيرة. فالمياه ليست مجرد خدمة استهلاكية، بل قطاع صناعي وتقني متكامل يضم مئات الأدوات والأنظمة والمنتجات التي يمكن تصنيعها محليًا، ما يُسهم في تعزيز المحتوى المحلي، وخلق فرص وظيفية، ونقل التقنية، وتقليل الاعتماد على الاستيراد. وقد بدأت المملكة باتخاذ خطوات عملية وجادة نحو بناء قاعدة صناعية وطنية قادرة على تصنيع وتطوير مكونات أنظمة المياه مثل المضخات، الفلاتر، العدادات الذكية، أنظمة التحكم، وأجهزة التحلية المتقدمة. وتحرص الجهات المعنية على دعم هذا التوجه من خلال إطلاق برامج تحفيزية للصناعة المحلية، وتوفير بيئة تنظيمية جاذبة للمستثمرين، وتسهيل التراخيص، وربط المشاريع الصناعية بالمشاريع الوطنية الكبرى في قطاع المياه. لطالما كان قطاع المياه يعتمد لعقود على توريد الأجهزة والمعدات من الخارج، ما شكّل عبئًا ماليًا، وأضعف القدرة على صيانة الأنظمة محليًا أو تطويرها. ومع انطلاق مشاريع التوطين، بدأت مصانع محلية في إنتاج معدات كانت تُستورد بالكامل في السابق، من بينها أنظمة الفلترة المتقدمة، مضخات المياه الصناعية، ووحدات التحكم الذكية. ولا يقتصر التوجه على تصنيع المعدات التقليدية، بل يشمل أيضًا تصميم أنظمة جديدة تتلاءم مع طبيعة المناخ الصحراوي القاسي في المملكة، مثل تقنيات مقاومة التآكل والصدأ، ومعدات موفرة للطاقة، ووحدات تحلية صغيرة مخصصة للقرى والمناطق النائية.
وإدراكًا لأهمية الابتكار في هذا القطاع، شجعت المملكة على الاستثمار في البحث والتطوير في مجالات المياه، خصوصًا ما يتعلق بالتقنيات المناسبة للبيئة المحلية. فبدلًا من استنساخ حلول مستوردة قد لا تلائم الظروف المناخية أو الجيولوجية، بدأت الجهات المعنية بدعم مراكز أبحاث وهندسة تعمل على تطوير حلول ذكية مخصصة للمملكة.
وتُمنح اليوم الأولوية في الدعم والتمويل للمشاريع التي تُعزز الكفاءة المائية، وتستخدم تقنيات متقدمة مثل الذكاء الاصطناعي، إنترنت الأشياء، أو الطاقة المتجددة، في إدارة الموارد وتوزيع المياه. كما يُعمل على تشجيع الابتكار المحلي في مجالات استشعار التسربات، وإدارة الشبكات عن بُعد، والمعالجة الذكية لمياه الصرف.
تجربة محلية تنمو بثبات
على مدى السنوات القليلة الماضية، ظهرت نماذج سعودية ناجحة في مجال تصنيع تقنيات المياه، من بينها مصانع بدأت بإنتاج معدات تحلية صغيرة ومتوسطة الحجم، وأخرى دخلت في تصنيع العدادات الذكية، وأنظمة الري الموفرة للمياه، بدعم من برامج التوطين الحكومية. وقد أسهم ذلك في خفض تكلفة الاستيراد، وتقليل مدة تنفيذ المشاريع، ورفع مستوى الجاهزية المحلية لمواجهة الطلب المتزايد. وقد أثبتت هذه التجارب أن توطين الصناعات المائية ليس خيارًا تنمويًا فقط، بل مسار استراتيجي يُعزز سيادة القرار الوطني على أحد أهم الموارد الحيوية في البلاد، ويخلق بيئة صناعية متكاملة تدعم الاقتصاد، وتُرسّخ مكانة المملكة كمركز إقليمي لتقنيات المياه.
الأمن المائي.. من الرؤية إلى الواقع
يمثّل الأمن المائي في المملكة العربية السعودية أحد أبرز نماذج التحول الذي تقوده رؤية 2030، حيث لم يعد هذا القطاع يُدار بالوسائل التقليدية أو ضمن الأطر النمطية، بل بات مشروعًا وطنيًا متكامل الأبعاد، تتقاطع فيه التنمية المستدامة مع السيادة الاقتصادية، وتندمج فيه التقنيات الحديثة مع الاستراتيجيات طويلة المدى.
لقد أظهرت المملكة، من خلال برامجها ومبادراتها، أن الحفاظ على المياه لا يقتصر على إدارة الاستهلاك أو توسعة البنية التحتية فحسب، بل يشمل كذلك الاستثمار في الإنسان، وتمكين الكفاءات الوطنية، وتوطين الصناعات، وتحفيز الابتكار، وتعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص. فتحقيق الأمن المائي اليوم، هو استثمار في المستقبل، وضمان لحياة أكثر استقرارًا وجودة للأجيال القادمة. وقد أثبتت المملكة قدرتها على التحول من الاعتماد على موارد ناضبة إلى تطوير مصادر جديدة ومستدامة كتحلية مياه البحر بالطاقة المتجددة، والارتقاء بإدارة المياه إلى مستويات عالمية من الكفاءة والحوكمة. وفي ذات السياق، رسّخت المملكة منظومة تنظيمية متقدمة تعزز الشفافية، وتدعم التنافسية، وتضمن استمرارية الخدمة وجودتها. ولا يمكن الحديث عن التحول في قطاع المياه دون الإشارة إلى الدور المتصاعد للمرأة السعودية، التي أصبحت شريكًا فاعلًا في قيادة المشاريع، والهندسة، والبحث العلمي، والتشغيل الفني، في صورة حديثة تعكس ما أحدثته الرؤية من تحولات جوهرية في بنية سوق العمل، وتوزيع الفرص بعدالة وكفاءة. إن استشراف مستقبل الأمن المائي في المملكة اليوم، يفتح الباب نحو منظومة متكاملة تعزز الاستقرار المائي في منطقة تتسم بندرة الموارد وتقلبات المناخ. فالرؤية لم تضع حلولًا مؤقتة، بل أرست أسسًا لبناء قطاع قادر على مواجهة التحديات وتحقيق الاستدامة، من خلال الابتكار، والتوطين، وتمكين الإنسان. وفي هذا المشهد الوطني المتكامل، يتضح أن الأمن المائي لم يعد خيارًا، بل أصبح واجبًا تنمويًا ومسؤولية وطنية مشتركة، تتوزع أدوارها بين الدولة والمجتمع، بين العلم والعمل، بين الماضي الذي علمنا قيمة الماء، والمستقبل الذي لن يستقيم بدون أمن مائي راسخ.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

مراكز الأبحاث واستشراف المستقبل
مراكز الأبحاث واستشراف المستقبل

عكاظ

timeمنذ 8 ساعات

  • عكاظ

مراكز الأبحاث واستشراف المستقبل

العناية بمراكز الأبحاث على مستوى الكمّ والنوع وعضويّة المراكز، يعزز استشراف المستقبل؛ في ظل تعاظم الدور الحضاري للمملكة على مستوى العالم، وحرص رؤية 2030 على رصد التحولات المجتمعية، ودراسة الظواهر الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، ما يسهم في بناء السياسات الرشيدة ويدعم القرار الإستراتيجي. وتتنافس دول وتفاخر بعدد مراكزها المتخصصة، والمموّلة بسخاء بميزانيات تمكّن من استقطاب الكفاءات، لدراسة الواقع، وتتبع الخطابات، واستنتاج المعطيات، والإسهام في دعم صناعة قرار القطاعات الحكومية والأعمال، بالأبحاث والأفكار والتصورات والرؤى الناجمة عن تحليل وتقييم مؤشرات التنمية، والتعاطي معها باحترافية، واستطلاع الآراء وتقصّي ردود الأفعال، وتوطيد العلاقات والتعاون مع المراكز البحثية العالمية لكسب المزيد من الخبرات. ولعلّ صياغة تشريعات خاصة بالمراكز وحوكمتها، وإلزام الوزارات المعنية بالإنسان والأمن والبيئة، بتأسيس مراكز تحت مظلتها، غدت ضرورة من ضرورات المرحلة، فالقرار الموضوعي يحظى بالقبول والإجماع، متى أسهمت في صناعته وصياغته مراكز بحث وتفكير، وباحثون يغوصون بعمق في حراك المجتمع وتحولاته، ويقدمون دراسات ناجزة بحيثياتها الشاملة والمتكاملة. ولا يقتصر دور المراكز على تقديم المقترحات، وإجراء الدراسات والأبحاث، بل من أدوارها إعداد التقارير، وتنظّم المؤتمرات، وتصدر الدوريات العلمية المتخصصة في مختلف الشؤون والمجالات والقضايا، وتقدم تحليلًا ومعلومات غنية تخدم الأفراد والكيانات، وتتيح فضاءات واسعة للمستقبليات، وتتنبأ بالأوضاع، ولا فرق بين ما كان منها تابعاً لجهات حكومية أو أكاديمية، أو مستقلاً. أخبار ذات صلة

"صقور الإمارات" تحتضن تراث زايد الوطني
"صقور الإمارات" تحتضن تراث زايد الوطني

الشرق السعودية

timeمنذ 9 ساعات

  • الشرق السعودية

"صقور الإمارات" تحتضن تراث زايد الوطني

ستشهد دولة الإمارات العربية، افتتاح متحف ضخم في قلب المنطقة الثقافية في جزيرة السعديات، في ديسمبر 2025، هو متحف زايد الوطني، الذي صمّمته شركة الهندسة المعمارية البريطانية "فوستر" . يستوحي المتحف تصميمه من شكل أجنحة الصقور وهي تحلّق، ويتألف من 5 أبراج زجاجية ضخمة تسحب تيارات الهواء البارد عبر المتحف، لمواجهة درجات الحرارة المرتفعة في الدولة، إذ يجمع المتحف بين تقنيات الاستدامة القديمة والحديثة بما يتلاءم مع مناخ الإمارات. سُمّي المتحف تيمناً بالشيخ زايد بن سلطان آل نهيان (1918-2004)، أوّل رئيس للإمارات السبع في الدولة. ويأتي تأسيسه تكريماً لجهوده وشغفه بالبيئة والتراث الوطني. لؤلؤة أبوظبي ستكون لؤلؤة أبوظبي، وهي أقدم لؤلؤة طبيعية في العالم، ويبلغ عمرها 800 عام، من بين أبرز معالم المتحف، وستُعرض بشكل دائم في معرض "إلى أجدادنا"، الذي قال المتحف إنه "يدرس أدلة على النشاط البشري في هذا الجزء من العالم يعود تاريخه إلى 300 ألف عام، بالإضافة إلى التجارة المبكرة مع المجتمعات الأخرى في منطقة الخليج العربي". كما سيشكل المصحف الأزرق، الذي يعود تاريخه إلى الفترة بين 800 و 900 ميلادي، عامل جذب رئيسي. إذ وجد الباحثون آيات قرآنية مخبأة تحت طبقة زخرفية معقّدة من ورق الذهب على إحدى صفحاته. يضم المتحف 6 معارض دائمة موزّعة على طابقين، تغطي 300 ألف عام من التاريخ البشري، فضلاً عن معرض مؤقت. وستضم المجموعة قطعاً أثرية من جميع أنحاء الإمارات، بما في ذلك قطع من العصر الحجري القديم، والعصر الحجري الحديث، والعصر البرونزي، والعصر الحديدي. وقالت إدارة المتحف في بيان: "تروي هذه القطع الأثرية قصة صمود وذكاء المجتمعات الأولى في البلاد، بدءاًمن أقدم نظام ري بالأفلاج في العالم، وصولًا إلى أدلة على تعدين النحاس في العصر البرونزي". يعود متحف زايد الوطني برحلة عبر تاريخ دولة الإمارات، إلى أداة حجرية عمرها 300 ألف عام، عُثر عليها في جبل حفيت في العين. وباستخدام أسلوب سردي متميز، "وتربط القطع المعروضة في صالات بين الماضي القديم والتقاليد المتجذرة التي عُرف بها أهل المنطقة"، بحسب المتحف. وقال مدير المتحف، بيتر ماجي: "سيركز المتحف على حياة المؤسس وإنجازاته، كما سيعكس على نطاق أوسع المسار التاريخي للبلاد من أقدم العصور إلى الماضي القريب". أضاف: "يستمد متحف زايد الوطني جذوره من قيم الأب المؤسس، والتسامح الديني الذي تمتع به، إذ عُثر على أول دليل على وجود كنيسة مسيحية مبكرة، تعود إلى القرن السابع، على إحدى الجزر قبالة سواحل أبوظبي عام 1959. وأوضح ماجي "أن البحث جزء أساسي من مهمة المتحف، ومع أن الأبحاث التي تجري داخل المؤسسة بالغة الأهمية، لكن للمتحف دور أساسي في تعزيز بيئة البحث العلمي في البلاد". وقال: "في حين أن المتحف يتلقى تمويلاً حكومياً، فإنه يخطط لتحقيق إيرادات أيضاً". تشير استراتيجية الإمارات للسياحة 2030، إلى أن أبوظبي تخطط لاستقطاب نحو 40 مليون سائح سنوياً بحلول عام 2030. وعند افتتاحه، سينضم متحف زايد الوطني إلى المؤسسات الثقافية الأخرى في جزيرة السعديات، بما في ذلك متحف اللوفر أبوظبي، ومتحف "تيم لاب" فينومينا أبوظبي، ومتحف جوجنهايم أبوظبي، ومتحف التاريخ الطبيعي المرتقب افتتاحه.

«المتاحف» بالتعاون مع «التراث» تدعو الباحثين للمشاركة في مؤتمر البحر الأحمر
«المتاحف» بالتعاون مع «التراث» تدعو الباحثين للمشاركة في مؤتمر البحر الأحمر

الرياض

timeمنذ 9 ساعات

  • الرياض

«المتاحف» بالتعاون مع «التراث» تدعو الباحثين للمشاركة في مؤتمر البحر الأحمر

أطلقت هيئة المتاحف بالتعاون مع هيئة التراث، دعوة للمشاركة في مؤتمر البحر الأحمر بنسخته الثانية عشرة، الذي سيقام خلال الفترة من 9 إلى 12 أبريل 2026، في متحف البحر الأحمر المرتقب افتتاحه في مبنى باب البنط التاريخي، الواقع في قلب منطقة جدة التاريخية المسجلة على قائمة التراث العالمي لليونسكو منذ عام 2014. ويأتي هذا الحدث في إطار مساعي المملكة؛ لتعزيز الحضور الثقافي والبحثي في المنطقة، وتفعيل دور المتاحف كجسور للتواصل الحضاري والمعرفي. ومنذ انطلاق نسخته الأولى في عام 2002، رسخ مؤتمر البحر الأحمر مكانته كأهم منصة دولية لدراسة البحر الأحمر كوحدة جغرافية وتاريخية فريدة، تجمع بين عمق التاريخ وتنوع الجغرافيا وغنى التفاعل البشري. وشهد المؤتمر عبر مسيرته الطويلة استضافات نوعية في مؤسسات عالمية، مثل: المتحف البريطاني، وجامعة ساوثهامبتون، وجامعة إكستر، وجامعة تبوك، وجامعة نابولي «لورينتالي»، وجامعة وارسو، وبيت الشرق والبحر الأبيض المتوسط، وجامعة كريت، وجامعة برشلونة المستقلة. وللمرة الأولى، ينعقد المؤتمر في قلب منطقة البحر الأحمر نفسها، في خطوة نوعية تعكس الأهمية الإستراتيجية والثقافية لجدة والمملكة العربية السعودية على الساحة الإقليمية والدولية. ويركز المؤتمر هذا العام على جملة من القضايا المحورية التي تجمع بين البعد الأكاديمي والتطبيقي، وفي مقدمتها الحفاظ على التراث الثقافي والمقتنيات المتحفية، ويطرح المؤتمر تساؤلات حول كيفية صون ذاكرة المنطقة وتراثها المادي وغير المادي في ظل التغيرات البيئية والاجتماعية المتسارعة، إضافة إلى مناقشة مشروعات التوثيق والحفظ الرقمية، وإشراك المجتمع المحلي في حماية إرثه العريق. كما يغطي المؤتمر محاور علمية واسعة، من بينها استكشاف البحر الأحمر بوصفه فضاءً متحركًا لتداخل الحدود الثقافية والجغرافية، إذ يناقش المشاركون كيفية تشكل وتحوّل هذه الحدود عبر العصور ودور البحر الأحمر كجسر يربط بين إفريقيا، وشبه الجزيرة العربية، وبلاد الشام، والمحيط الهندي، إلى جانب محور التجارة البحرية والاتصال الذي يسلط الضوء على البحر الأحمر كشريان حيوي للتجارة والتبادل الثقافي، ويركز على الموانئ التاريخية، مثل: برنيس ومصوع وجدة، ودورها في التبادل الحضاري بين الشعوب. كما يستعرض المؤتمر محور البيئة والإنسان أحدث البحوث البيئية والأثرية لفهم أنماط النشاط البشري والتكيّف مع البيئة والتغيرات المناخية التي شهدتها المنطقة عبر الزمن، إلى جانب محور المشاهد الثقافية الذي يتناول المدن والموانئ والمستوطنات البشرية القديمة على ضفاف البحر الأحمر، ويحلل دور الجغرافيا والبنية التحتية في رسم معالم هذه المواقع، ويهتم المؤتمر كذلك بمحور التراث الثقافي والحفاظ عليه، إذ يناقش الإستراتيجيات والتقنيات الحديثة للحفاظ على التراث الأثري والمقتنيات المتحفية والمشاهد البيئية، مع التركيز على التوثيق وإشراك المجتمعات المحلية في عمليات الصَّون والتفسير، وفي محور التراث الثقافي المغمور بالمياه، تُستعرض جهود استكشاف وحفظ المواقع الأثرية البحرية وحطام السفن القديمة وطرق التجارة المغمورة، إلى جانب التحديات البيئية المرتبطة بها، أما محور التفاعلات بين الثقافات، فيستعرض كيف كان البحر الأحمر ممرًا للتبادلات الثقافية والحضارية بين مصر، وشبه الجزيرة العربية، وشرق إفريقيا، وحضارات المحيط الهندي، وكيف نشأت هويات ثقافية جديدة نتيجة هذا التلاقي المستمر. ودعت هيئة المتاحف وهيئة التراث جميع الباحثين والمهتمين بمجالات الآثار والبيئة والتاريخ والأنثروبولوجيا والمتاحف إلى تقديم ملخصات أوراقهم البحثية باللغة الإنجليزية (بحد أقصى 300 كلمة) في موعد أقصاه 15 أكتوبر 2025، عبر البريد الإلكتروني: مع إتاحة الفرصة لتقديم ملصقات علمية ضمن فعاليات المؤتمر، حيث تخضع جميع الملخصات لمراجعة لجنة علمية متخصصة لضمان جودة المشاركات. وفي بادرة لدعم البحث العلمي وتعزيز المشاركة الإقليمية والدولية، أعلنت الهيئة عن تخصيص (5) منح سفر للباحثين الذين تُقبل أوراقهم البحثية؛ لتغطية تكاليف السفر والإقامة ورسوم التسجيل، مع إعطاء أولوية للباحثين من منطقة البحر الأحمر والدول النامية. وتؤكد هيئة المتاحف وهيئة التراث أن استضافة هذا المؤتمر في متحف البحر الأحمر تمثل تتويجًا لجهود المملكة في دعم الحراك الثقافي والعلمي، وتعكس مكانتها كوجهة جاذبة للباحثين، وصانعة للحوار المعرفي بين حضارات البحر الأحمر، وأن هذا الحدث سيسهم في فتح آفاق جديدة للتعاون البحثي، والحفاظ على التراث المشترك، وإبراز الدور التاريخي والثقافي للبحر الأحمر كجسر للتلاقي الإنساني والحضاري عبر العصور.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store