
محادثات سرية حول خلافة خامنئي وسط تصعيد نووي وعسكري
في ظل الغموض الذي يحيط بالوضع الداخلي الإيراني، أكد دبلوماسيون أميركيون وأوروبيون وجود محادثات سرية تدور خلف الكواليس بشأن مرحلة ما بعد المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، وسط مخاوف متزايدة من انهيار القيادة الإيرانية، وتداعيات كارثية محتملة على الأمن الإقليمي والدولي، لا سيما في ما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني.
وبحسب شبكة CBS News، فإن هذه المشاورات تشمل تقييم السيناريوهات المحتملة لخلافة خامنئي (86 عامًا)، الذي يُعتقد أنه يعاني من أمراض مزمنة أبرزها السرطان، ويعيش حاليًا في عزلة شبه تامة خوفًا من الغارات الإسرائيلية، التي تصاعدت وتيرتها بشكل غير مسبوق في الأسابيع الأخيرة.
الحكومة الإيرانية في حالة ارتباك
تشير المصادر إلى تدهور واضح في كفاءة عمل الحكومة الإيرانية، مع انقطاع واسع في الاتصالات، بما في ذلك الإنترنت والمكالمات الدولية، مما يحدّ من قدرة إيران على التفاعل مع الخارج، ويعقّد أي محاولات دبلوماسية لخفض التصعيد.
ولا يزال خامنئي – الذي يُعد صاحب الكلمة الفصل في القضايا السيادية – متحصنًا خلف جدران الصمت، رافضًا التجاوب مع مبادرات دبلوماسية عرضتها عدة عواصم.
'فرصة أخيرة' للدبلوماسية قبل الانفجار
في هذا السياق، حذر مسؤولون أميركيون وأوروبيون من أن الدبلوماسية تمتلك نافذة زمنية ضيقة لا تتجاوز الأسبوعين، وهي المهلة التي حدّدها الرئيس الأميركي دونالد ترمب قبل اتخاذ قرار بشأن الانخراط في الهجوم الإسرائيلي ضد إيران أو إبقاء الباب مفتوحًا أمام التسوية السياسية.
وقد بدأت بالفعل جولة دبلوماسية حساسة الجمعة الماضية في جنيف، جمعت وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي بنظرائه من فرنسا وبريطانيا وألمانيا، إلى جانب المسؤولة العليا للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس.
وسبق الاجتماع لقاءات تشاورية أجراها وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي مع نظيره الأميركي ماركو روبيو والمبعوث الأميركي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف في البيت الأبيض.
خلافة خامنئي في قلب الحسابات الغربية
مع تفاقم التهديدات، أصبح مستقبل القيادة الإيرانية موضع نقاش صريح في الأروقة الغربية. فخلف الكواليس، يتداول الدبلوماسيون فرضيات متعددة بشأن من قد يخلف خامنئي، وما إذا كانت هذه الشخصية المقبلة ستتبنى نهجًا أكثر تصعيدًا أو مرونة تجاه الغرب، خصوصًا في ملف البرنامج النووي والأنشطة الإقليمية.
كما تثير السيناريوهات القاتمة تساؤلات حول سلامة المنشآت النووية في حال حدوث فراغ في السلطة أو اندلاع اضطرابات داخلية. وتشير تقديرات إلى أن قصف منشأة فوردو – المحصنة تحت الأرض – قد يؤدي إلى كارثة بيئية وصحية تطال دول الجوار، ما يجعل مسألة تأمين المواد الانشطارية أولوية قصوى في هذه المشاورات السرية.
واشنطن تعرض تنازلات مقابل التراجع النووي
لا تزال الولايات المتحدة تطرح على طهران خيارًا قديمًا-جديدًا: السماح لها بامتلاك برنامج نووي مدني، شريطة أن تتخلى عن تخصيب اليورانيوم محليًا.
وتدعم مسقط هذا المقترح عبر صيغة 'كونسورتيوم إقليمي' يخضع لإشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
لكن الاستجابة الإيرانية لم تكن حاسمة. فبحسب مصادر أميركية، لم ترد طهران حتى الآن على آخر عرض قدّمه ويتكوف، واكتفت بتصريحات إعلامية فضفاضة دون تعاطٍ مباشر مع فحوى المقترحات.
عراقجي: مستعدون للحوار ولكن بشروط
في تصريحات عقب اجتماع جنيف، قال عباس عراقجي إن بلاده مستعدة 'لإعادة النظر في خيار الدبلوماسية'، لكنه شدد على أن 'قدرات إيران الدفاعية ليست مطروحة للتفاوض'. وهو ما اعتبره مراقبون مؤشراً على تردد طهران في تقديم تنازلات جدية.
وفي المقابل، أبدى وزيرا الخارجية الفرنسي والبريطاني موقفًا أكثر وضوحًا: 'لا يمكن حل مشكلة النووي الإيراني بالوسائل العسكرية فقط'، و'لن نسمح لإيران بامتلاك سلاح نووي'، على الترتيب.
وفي تل أبيب، أشار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى أن القيادة الإيرانية 'تخدع' إدارة ترمب، مستغلّة الدبلوماسية كغطاء لكسب الوقت.
بينما تؤكد مصادر أميركية أن الرئيس لا يريد الانجرار لحرب شاملة، رغم احتفاظه بخيار استخدام القوة، بما في ذلك قنبلة MOP الخارقة للتحصينات لضرب منشآت فوردو إذا فشلت الدبلوماسية.
ووسط هذا المشهد المليء بالضبابية، تظل هوية خليفة خامنئي وعقلية القيادة المقبلة أحد أهم الأسئلة التي تؤرق صناع القرار في الغرب. فهل ستظهر شخصية مستعدة للانفتاح، أم سيدفع الفراغ القيادي طهران نحو مزيد من التطرف؟.
وفي ظل تعثر المحادثات وازدياد التوتر، لا تستبعد العواصم الغربية أن تشهد المنطقة حدثًا مفصليًا خلال أسابيع، قد يرسم ملامح جديدة للعلاقة بين إيران والعالم، وللهلال النووي في الشرق الأوسط.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الرأي
منذ 2 ساعات
- الرأي
ترامب يعيد طرح فكرة إقالة باول: ربما سأضطر لتغيير رأيي
طرح الرئيس الأميركي دونالد ترامب مرة أخرى فكرة إقالة رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، الذي طالما هاجمه بسبب أسعار الفائدة التي يريد خفضها. وكتب ترامب في منشور مطوّل على موقع «تروث سوشيال» منتقداً سياسة الاحتياطي الفيدرالي: «لا أعرف لماذا لا يتجاوز المجلس (باول). ربما، ربما فقط، سأضطر إلى تغيير رأيي في شأن إقالته، ولكن بغض النظر، ستنتهي فترة ولايته قريباً». وأضاف: «أتفهّم تماماً أن انتقادي الشديد له يجعل من الصعب عليه القيام بما ينبغي عليه القيام به، وهو خفض أسعار الفائدة، لكنني جرّبت كل الطرق المختلفة». ولطالما اعتُبر رؤساء مجلس الاحتياطي الفيدرالي في مأمن من الإقالة الرئاسية لأسباب غير سوء التصرف أو سوء السلوك، لكن ترامب هدّد باختبار هذه الفرضية القانونية من خلال تهديداته المتكررة بإقالة باول. وكثيراً ما يتراجع ترامب عن تلك التهديدات. وقال في البيت الأبيض في 12 يونيو: «لن أقوم بإقالته». وأبقى الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة ثابتة يوم الأربعاء في نطاق 4.25–4.5 في المئة، وتوقّع تباطؤ النمو وكذلك ارتفاع معدلات البطالة والتضخم بحلول نهاية العام. وتنتهي ولاية باول في مايو 2026، ومن المتوقّع أن يرشّح ترامب خلفاً له في الأشهر المقبلة. وخفّف حكم المحكمة العليا في مايو من المخاوف من أن ترامب قد يعزل باول، إذ وصف القضاة مجلس الاحتياطي الفيدرالي بأنه «كيان فريد من نوعه وشبه خاص».


الرأي
منذ 2 ساعات
- الرأي
إيران لن تقبل بـ «تصفير النووي» وترامب يُمهّد لتحرك قبل نهاية الأسبوعين
- تل أبيب تقتل 3 قياديين في الحرس... والحوثيون يهددون الأميركيين مُجدّداً - طهران تعتبر المقترحات الأوروبية «غير واقعية» في اليوم التاسع من حرب «العدوين اللدودين» التدميرية، أعلنت إسرائيل، انها دمرت منشأة أصفهان، وأخرت «لسنتين أو ثلاث سنوات» البرنامج النووي، في وقت أبلغ الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، هاتفياً، ان بلاده «لن تقبل بخفض الأنشطة النووية إلى الصفر تحت أي ظرف من الظروف، وسيكون ردنا على استمرار عدوان النظام الصهيوني أشد وطأة وحزماً». وبينما يحبس العالم أنفاسه، لحدود وتداعيات الدعم الأميركي لإسرائيل، مع تحرك قاذفات «بي - 2» إلى جزيرة غوام في المحيط الهادئ، أعلن الرئيس دونالد ترامب، أن مهلة «أسبوعين» التي حددها الخميس ليقرر ما إذا كان سيوجه ضربة لإيران هي «حد أقصى»، وأنه قد يتخذ قراره قبل انتهائها. واعتبر أن مديرة الاستخبارات الوطنية تولسي غابارد، «أخطأت» عندما أشارت إلى عدم وجود أدلة على أن طهران، تصنع سلاحاً نووياً. ورأى أن الدول الأوروبية لا يمكنها أن تلعب دوراً في وضع حد للحرب، مؤكدا أن «إيران لا تريد التحدث مع أوروبا، يريدون التحدث معنا». وفي السياق، التقى وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، بنظرائه من بريطانيا وفرنسا وألمانيا، إضافة إلى الاتحاد الأوروبي، الجمعة في جنيف، بحثاً عن مسار للعودة إلى الدبلوماسية وإمكانية وقف إطلاق النار. لكن مسؤولاً إيرانياً رفيع المستوى قال لـ «رويترز»، إن المقترحات الأوروبية «كانت غير واقعية وإن الإصرار عليها لن يقرب الطرفين من التوصل إلى اتفاق». وأكد ان «منع إيران من التخصيب تماماً هو طريق مسدود». تأخير البرنامج النووي ومع تمسّك طهران برفض التفاوض مع ظل الضربات، قال وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر لصحيفة «بيلد» الألمانية، «بحسب التقييمات التي نسمعها، أخّرنا بالفعل لمدة سنتين أو ثلاث على الأقل إمكانية امتلاكهم قنبلة نووية». وأضاف ان «القضاء على هؤلاء الأشخاص الذين قادوا تسليح البرنامج النووي ودفعوا بهذا الاتجاه، أمر بالغ الأهمية». عسكرياً، قصف سلاح الجو الإسرائيلي ليل الجمعة - السبت «للمرة الثانية الموقع النووي في أصفهان»، مشيراً الى استهداف منشأة لإنتاج أجهزة الطرد المركزي. وأكد مصدر عسكري، أمس، استكمال تدمير المنشآة. وكانت وكالتا «مهر» و«فارس» نقلتا عن مسؤول محلي وقوع الهجوم و«عدم رصد أي تسرب لمواد خطرة». إضافة إلى ذلك، شن الجيش الإسرائيلي غارات على «بنية تحتية لتخزين الصواريخ وإطلاقها في وسط إيران»، وبنى تحتية عسكرية في جنوب غربي البلاد. وأعلن في بيان، أنه «قضى» على القيادي في «فيلق القدس» سعيد إيزادي، «حلقة الوصل» بين إيران وحركة «حماس». كذلك أعلن الجيش «القضاء» على بهنام شهرياري، مشيراً الى أنه «قائد وحدة نقل الوسائط القتالية التابعة لفليق القدس»، في غارة على سيارته في غرب إيران، والقيادي الآخر في الحرس أمين بور جودكي الذي قاد «مئات» الهجمات بالمسيرات ضد إسرائيل. الدقة والفعالية في غضون ذلك، يواصل الحرس الثوري استهداف «مراكز عسكرية وصناعات دفاعية ومراكز قيادة ومراقبة» إضافة إلى قواعد عسكرية في الدولة العبرية. وفي تصريحات لشبكة «سي إن إن»، قال مسؤول رفيع المستوى إن طهران انتقلت من اعتمادها السابق على كثافة النيران الصاروخية، إلى التركيز على الدقة والفعالية، مشيراً إلى أن بلاده تستخدم الآن صواريخ دقيقة ومتطورة لاستهداف مراكز عسكرية وأمنية حساسة. وأشار إلى أن الصواريخ الإيرانية نجحت في تجاوز أنظمة دفاعية متطورة. الحوثيون يهددون من جانبهم، هدد الحوثيون، باستهداف السفن الأميركية في البحر الأحمر، في حال تدخلت واشنطن الى جانب حليفتها إسرائيل في الحرب ضد إيران. وبحسب أحدث حصيلة للسلطات الإسرائيلية، أدت الضربات الإيرانية الى مقتل 25 شخصاً في الدولة العبرية. وذكرت وكالة أنباء نشطاء حقوق الإنسان (هرانا)، وهي منظمة إيرانية غير حكومية مقرها في الولايات المتحدة، أن الضربات أسفرت عن وقوع 657 قتيلاً وألفي جريح على الأقل. في الأثناء، لايزال الاتصال بالإنترنت في إيران غير مستقر ومقيّد إلى حدّ بعيد، بينما تعذّر الوصول إلى العديد من المواقع. مئات الأميركيين غادروا إيران وإفادات عن توقيف اثنين كشفت برقية داخلية لوزارة الخارجية الأميركية، أن المئات من الرعايا الأميركيين غادروا إيران باستخدام طرق برية خلال الأسبوع الماضي. وأفادت البرقية، التي اطلعت عليها «رويترز»، الجمعة، بأنه بينما غادر العديد منهم من دون مشاكل، واجه «الكثير» من المواطنين «تأخيرات ومضايقات» أثناء محاولتهم الخروج. وذكرت، من دون إعطاء مزيد من التفاصيل، أن عائلة واحدة لم تحدد هويتها أبلغت عن احتجاز اثنين من الأميركيين الذين حاولوا مغادرة إيران. وتسلط البرقية الداخلية المؤرخة في 20 يونيو الجاري، الضوء على التحدي الذي تواجهه واشنطن في محاولة حماية ومساعدة مواطنيها في بلد لا تربطها به علاقات دبلوماسية وفي حرب قد تتورط فيها قريباً. وحضت الخارجية في تحذير من السفر في وقت سابق من الجمعة، مواطنيها الراغبين في مغادرة إيران على استخدام الطرق البرية عبر أذربيجان أو أرمينيا أو تركيا. والمجال الجوي الإيراني مغلق. وجاء في التحذير أن «الرعايا الأميركيين معرضون لخطر كبير من الاستجواب والاعتقال والاحتجاز في إيران». وكشفت رسالة إلكترونية داخلية منفصلة للوزارة اطلعت عليها «رويترز»، أنه حتى الجمعة، قام أكثر من 6400 مواطن أميركي بتعبئة هذا النموذج للإجلاء من إسرائيل. ترامب يريد نوبل للسلام نسب الرئيس دونالد ترامب، لنفسه، الجمعة، الفضل في التوصل إلى اتفاق سلام بين جمهورية الكونغو الديمقراطية ورواندا، كان جرى التفاوض عليه في واشنطن، مبدياً امتعاضه من عدم منحه جائزة نوبل للسلام تقديراً لجهوده حتى الآن.وكتب الرئيس الأميركي، على منصته «تروث سوشيال»، «انه يوم عظيم لأفريقيا، وبصراحة، يوم عظيم للعالم».لكن نبرة التفاؤل تراجعت عندما اشتكى ترامب من تجاهل لجنة نوبل النروجية له ولدوره في التوسط في النزاعات بين الهند وباكستان وصربيا وكوسوفو.كما طالب بأن ينسب إليه الفضل في «حفظ السلام» بين مصر وإثيوبيا، والتوسط في «اتفاقيات أبراهام».وخاض ترامب حملته الانتخابية كـ«صانع سلام» سيستخدم مهاراته التفاوضية لإنهاء الحروب في أوكرانيا وقطاع غزة بسرعة، لكن النزاعين لايزالان مستمرين بعد خمسة أشهر من توليه منصبه.ونفى المسؤولون الهنود، أي دور له في وقف إطلاق النار مع باكستان.في غضون ذلك، أعلنت إسلام أباد الجمعة، أنها سترشح ترامب رسمياً لجائزة نوبل للسلام لعام 2026 «تقديراً لتدخله الدبلوماسي الحاسم» خلال النزاع الأخير.ولم يخف الرئيس انزعاجه من عدم حصوله على نوبل، حيث أثار الأمر في فبراير الماضي، خلال اجتماع في المكتب البيضوي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.وفاز الرئيس باراك أوباما بالجائزة بعد توليه منصبه بفترة وجيزة في عام 2009، لكن ترامب اعتبر خلال حملته الانتخابية لعام 2024 من أن سلفه الديمقراطي لم يكن جديراً بهذا الشرف.


الجريدة
منذ 3 ساعات
- الجريدة
تباين أوروبي - أميركي حول «صفر تخصيب» وطهران متمسكة بوقف النار أولاً
في وقت تزيد المطالبات والتحركات الإقليمية والدولية بضرورة وقف الحرب بين إسرائيل وإيران لتجنيب المنطقة والعالم تداعيات خطيرة، بدا في الساعات الأخيرة أن هناك عقداً وعراقيل لا تزال ماثلة أمام المسار الدبلوماسي لوقف الحرب من خلال العمل من أجل وقف لإطلاق النار، والعودة الى مسار المفاوضات النووية. فحتى الساعة لا تزال واشنطن تتمسك بمبدأ «صفر تخصيب» أي منع إيران من إجراء أي عمليات تخصيب بنفسها، كما ترفض الطلب من تل أبيب وقف هجماتها، وهو الشرط الذي تضعه إيران للعودة الى المفاوضات فيما يتمسك الرئيس الأميركي دونالد ترامب بحل جذري للمسألة الإيرانية وليس مجرد وقف لإطلاق النار. وفيما رفضت الدول الأوروبية ومعها واشنطن الوساطة الروسية، فشلت المفاوضات التي جرت في جنيف بين وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي ونظرائه في الترويكا الأوروبية (فرنسا، بريطانيا، ألمانيا) في تحقيق اختراق، فيما شكك ترامب بقدرة المسار الأوروبي على وقف الحرب، مشيراً إلى أن طهران ترغب في التحدث مع واشنطن وليس مع أي طرف آخر. وفي اتصال مع الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، أمس، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إن الأوروبيين «سيسرّعون وتيرة المفاوضات» مع طهران بهدف «الخروج من الحرب وتفادي مخاطر أكبر»، مشيراً إلى أنه أبلغ بزشكيان بـ «قلقه العميق من البرنامج النووي الإيراني»، مجدداً التأكيد على أن طهران «لا يمكنها الحصول على السلاح النووي». وقال الرئيس الفرنسي، الذي رفضت بلاده أي تغيير للنظام في إيران بالقوة، كما حذرت من خطوة الضربات الإٍسرائيلية على المنشآت النووية، إنه يتوجب على الإيرانيين «تقديم كل الضمانات لتأكيد أن غاياتهم من البرنامج النووي سلمية». وبحسب معلومات «الجريدة»، فقد اقترح الأوروبيون العودة إلى اتفاق 2015 النووي الذي خرج منه ترامب، مع إضافة بند يسمح بالرقابة على صواريخ إيران لمنعها من تصنيع صواريخ ثقيلة قادرة على حمل رؤوس نووية، وأن تقطع إيران صلاتها بالمجموعات الإقليمية المسلحة الموالية لها، وتسهل إيجاد حل لإطلاق الرهائن في غزة. وهذا يعني أن أوروبا تتبنى عملياً معظم مطالب ترامب، غير أنها منفتحة مبدئياً على تقييد قدرات إيران في تخصيب اليورانيوم بدل اقتراح واشنطن «صفر تخصيب». وقال مصدر دبلوماسي إيراني لـ «الجريدة» إن عراقجي رفض أي حديث عن البرنامج الصاروخي الإيراني، أو الحديث عن وقف تخصيب اليورانيوم، مطالباً بوقف الهجوم الإسرائيلي قبل أي مفاوضات. وكان مسؤولون ايرانيون أبدوا انفتاحاً على مبدأ تقييد التخصيب للعودة إلى مستوى قريب من 3.67 في المئة الذي يسمح به اتفاق 2015. وكان ترامب قال أمس الأول إن «إيران لا تريد التحدث إلى أوروبا. إنهم يريدون التحدث إلينا. لن تتمكن أوروبا من المساعدة في هذا الأمر». واستبعد ترامب الضغط في الوقت الحالي على إسرائيل لتقليل غاراتها الجوية للسماح باستمرار المفاوضات. وأضاف «أعتقد أن تقديم هذا الطلب صعب الآن. إذا كان الطرف المنتصر فسيكون الأمر أصعب قليلاً مما إذا كان الطرف الخاسر، لكننا مستعدون وراغبون وقادرون. تحدثنا مع إيران، وسنرى ما سيحدث». وإذ أشار إلى اعتقاده بأن إيران يمكنها امتلاك سلاح نووي «في غضون أسابيع، أو بالتأكيد في غضون أشهر»، أكد ترامب أنه سيستغرق أسبوعين لاتخاذ قرار بشأن ما إذا كانت الولايات المتحدة ستدخل الصراع إلى جانب إسرائيل، قائلاً إنه وقت كافٍ «لرؤية ما إذا كان الناس سيعودون إلى رشدهم أم لا». وتشير تقارير إلى أن ترامب يبحث عن موافقة طهران على تفكيك برنامجها النووي بنفسها على طريقة «السيناريو الليبي»، وأنه يرغب في استمرار الضغط الإسرائيلي على إيران كتكتيك تفاوضي لدفع طهران إلى القبول. ولا يزال ترامب يتحدث عن مبدأ «صفر تخصيب»، أي منع إيران من القيام بتخصيب اليورانيوم بنفسها. من الأفكار التي طرحها المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف يقتضي بتأسيس كونسورتيوم إقليمي لتخصيب اليورانيوم يؤمن المخصب منه لإيران، ولكل دول المنطقة. كما يطالب ترامب بوضع قيود على تصنيع إيران صواريخ ثقيلة لا تستطيع حمل رؤوس نووية. وتقول إسرائيل إنها لن توقف هجماتها حتى تقضي على البرنامج النووي الإيراني وقدرات طهران الصاروخية والتي تراها تهديداً وجودياً لها. وقال مسؤول إيراني كبير لـ«رويترز» إن إيران مستعدة لمناقشة قيود على تخصيب اليورانيوم، لكنها سترفض أي اقتراح يمنعها من تخصيبه تماماً «خصوصاً الآن في ظل الضربات الإسرائيلية». وجدد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي تأكيد استعداد طهران استئناف التفاوض مع واشنطن حول برنامجها النووي، مشدداً على أن ذلك مرهون بإيقاف الهجوم الإسرائيلي. وقال عراقجي في لقاء مطول مع شبكة إن. بي. سي نيوز الإعلامية الأميركية عقب محادثات جنيف إن طهران «ليست مستعدة للتفاوض طالما استمر العدوان»، مضيفاً أن الهجوم الإسرائيلي يجعل طهران «غير متأكدة من قدرتها على الوثوق بالمحادثات الدبلوماسية». وحول إمكانية التوصل إلى اتفاق مع الولايات المتحدة خلال مهلة الأسبوعين التي حددها ترامب، قال عراقجي إن «الأمر متروك لإدارة ترامب لإظهار عزمها على السعي إلى حل تفاوضي». وتابع «أعتقد أنه إذا كان الأميركيون جادين في العودة إلى الدبلوماسية فتكفي مكالمة هاتفية من واشنطن إلى تل أبيب لإيقاف كل شيء... وعندها سنفكر في الدبلوماسية مرة أخرى». واستدرك وزير الخارجية الإيراني قائلاً «ربما لم تكن واشنطن مهتمة حقاً بالمسار التفاوضي، وإنها قد تكون استخدمت المحادثات كغطاء للهجوم الجوي الإسرائيلي»، موضحاً «لا نعرف كيف يمكننا الوثوق بهم بعد الآن... ما فعلوه كان في الواقع خيانة للدبلوماسية». وحول مطالب الدول الغربية بتخلي إيران عن تخصيب اليورانيوم قال عراقجي إن إيران «لن تتخلى» عن تخصيب اليورانيوم، مؤكداً «حق كل دولة» في تخصيب اليورانيوم للأغراض السلمية. وأضاف أن «هذا ما تم تأكيده لمبعوث الرئيس الأميركي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف» الذي مثّل واشنطن في جولات المحادثات الأخيرة بين البلدين. وقال وزير الدفاع البريطاني إن وزراء خارجية الترويكا الأوروبية أبلغوا عراقجي أن بلدانهم لا تؤيد استمرار إيران في تخصيب اليورانيوم. وفيما يستعد عراقجي لزيارة موسكو غداً الاثنين، شدد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على أنه قدّم مقترحات لحل الصراع، مؤكداً أنه أجرى اتصالات مع الرئيس الأميركي، ورئيس الوزراء الإسرائيلي، والرئيس الإيراني، وطرح عليهم رؤيته. وأوضح بوتين أن بلاده لا تسعى لأداء دور الوسيط، بل لطرح «أفكار بنّاءة». وعن المطالبة الغربية لطهران بوقف التخصيب، قال بوتين إن موسكو تدعم حق إيران في استخدام الطاقة النووية لأغراض سلمية، مشيراً إلى استعداد روسيا لتقديم الدعم اللازم في هذا المجال، وأضاف: «يجب إبداء المرونة في المفاوضات من إيران ومن إسرائيل أيضاً... وهناك طرق وسبل لإيجاد حلول لهذه القضية». وأكد بوتين أن إيران صرّحت مراراً بعدم سعيها لامتلاك أسلحة نووية، لافتاً إلى أن «الوكالة الدولية للطاقة الذرية لم تعثر على أدلة تشير إلى أن إيران تمتلك أو تسعى لامتلاك هذه الأسلحة». وجدد الرئيس الروسي موقف بلاده الرافض لانتشار أسلحة الدمار الشامل في أي مكان بالعالم، مشيراً إلى أن إيران أصدرت قراراً يحظر استخدام الأسلحة النووية، معتبراً أن ذلك أمر بالغ الأهمية يجب أن يؤخذ بجدية، في إشارة الى فتوى المرشد الإيراني علي خامنئي بحظر تصنيع أو امتلاك أو استخدام أسلحة الدمار الشامل. أردوغان إلى ذلك، شنّ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان هجوماً لاذعاً على إسرائيل، وحذر مما وصفها بمحاولة إعادة هيكلة المنطقة ضمن نظام «سايكس بيكو جديد»، مؤكداً أن تركيا لن تسمح بذلك، غير أنه أكد للوزير عراقجي أن هناك حاجة لإجراء محادثات مباشرة بين واشنطن وطهران في أقرب وقت ممكن، وأن أنقرة مستعدة للعب دور الوسيط في النزاع النووي. وفي كلمة امام الدورة الـ51 لوزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي في إسطنبول، أدان الرئيس التركي الهجوم الإسرائيلي على إيران، متهما تل أبيب بمحاولة إفشال المفاوضات النووية. وأضاف أردوغان أن «الصمت الدولي إزاء التصرفات الإسرائيلية يمنحها مزيداً من القوة للاستمرار في سياساتها المدمرة»، مشيراً إلى أن «حكومة نتنياهو تمثل العقبة الأكبر أمام إحلال السلام وتحقيق الاستقرار الإقليمي». وأعرب عن ثقته بقدرة إيران على تجاوز المرحلة الحالية، قائلاً: «لا شك لديّ في أن الشعب الإيراني قادر على الصمود، ونحن متفائلون بأن النصر سيكون حليف إيران». وأضاف أن السكوت عن سياسات إسرائيل العدوانية في فلسطين أدى إلى توسيع عدوانها بالمنطقة، وحث الدول ذات النفوذ على إسرائيل على عدم الاستماع إلى «سمومها»، والسعي إلى حل للصراع عبر الحوار والحيلولة دون اتساع نطاق الحرب. ودعا أيضا الدول الإسلامية إلى تكثيف جهودها لفرض إجراءات عقابية ضد إسرائيل، استناداً إلى القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة. وقبل ذلك اتهم وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، إسرائيل بجر المنطقة إلى «كارثة تامة»، في اليوم التاسع من الحرب بين تل أبيب وطهران. وأضاف فيدان في قمة منظمة التعاون الإسلامي «ليس هناك مشكلة فلسطينية، لبنانية، سورية، يمنية، أو إيرانية، بل هناك بوضوح مشكلة إسرائيلية»، داعياً إلى وقف «العدوان غير المحدود» ضد إيران. وفي كلمته أمام الاجتماع الوزاري لمنظمة التعاون الإسلامي، أكد الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي جاسم البديوي، أمس، إدانة المجلس لاعتداءات الاحتلال الإسرائيلي على إيران التي «تثبت مرة أخرى استهتار حكومة الاحتلال الإسرائيلية ورعونتها وعدم اكتراثها بالقانون الدولي». وجدد الدعوة التي وجهها مجلس التعاون بشأن ضرورة العودة إلى المسار الدبلوماسي والتحلي بضبط النفس وإبقاء قنوات الاتصال والدبلوماسية مفتوحة باعتبار ذلك «مساراً وحيداً لتفادي الانفجار الإقليمي». وأشاد البديوي في الوقت نفسه بدور الوساطة الإيجابي لسلطنة عمان في الدفع باتجاه المفاوضات الأميركية - الإيرانية، داعياً جميع الأطراف إلى إعلاء صوت الحكمة والدبلوماسية وتجنب الانزلاق نحو مواجهة قد تتجاوز حدود الجغرافيا. واختتم كلمته بالإشارة إلى أن «السياسات المتزنة والرؤى الحكيمة في دول المجلس طالما كانت صمام الأمان في مواجهة اضطرابات السياسة وتقلباتها وهي الدليل على أن الاستقرار هو نتيجة مباشرة لقيادات حكيمة تحسن التخطيط وتتفهم تطلعات شعوبها وتدير التوازنات بذكاء استراتيجي». وأضاف أنه «بينما يهلك البعض في أتون الصراعات تواصل دول مجلس التعاون تقدمها بثبات وتتحول إلى أقطاب اقتصادية ودبلوماسية على الساحة الدولية»، مشيراً إلى أنه «بدلاً من أن تكون منطقتنا ساحة لتجاذبات القوى الإقليمية يمكن أن نراها أرضاً موحدة قوية ومنافساً حضارياً واقتصادياً على الساحة الدولية».