
مصطفى حافظ : ضابط مصر وشهيد فلسطين... دم لا ينطفئ ووصية مشتعلة
إنه مصطفى حافظ... الضابط المصري الذي جاء إلى غزة لا ضيفاً، بل ابناً بارّاً، وحارساً للكرامة، وفارساً للدم العربي الحرّ.
هو الاسم الذي كتبته فلسطين في سجلّ أبنائها، رغم أنه وُلد على ضفاف النيل، لأنّ الانتماء في معجم الشهداء لا يُقاس بالبطاقة، بل بصدق الدم.
كان مصطفى حافظ يؤمن أنّ فلسطين ليست ورقة تفاوض، ولا قصيدة تُلقى في المهرجانات، بل هي معركة أبدية، تُخطّ بالدم وتُصاغ بالنار.
اختار الشهادة طريقاً، ليعلن أنّ كلّ رصاصة تطلق في غزة، وكلّ حجر يُلقى في القدس، وكلّ خندق يُحفر في الضفة، ما هي إلا استكمال لوعد قطعه هو وكلّ من ساروا على دربه.
واليوم، وبعد ما يقارب سبعة عقود على رحيله، يستمر الشعب الفلسطيني في كتابة أسطورته على مدار عامين من المواجهة والصمود.
عامان من الحصار، والقصف، والجوع، والدم، لم تنجح في كسر الإرادة أو في دفع الراية إلى الانكسار.
عامان يُعيدان إلى ذاكرتنا شبح مصطفى حافظ، روحه، خطاه في الأزقة، خطواته في الممرات السرية، صوته وهو يلقّن المقاتلين معنى الفداء.
وُلد مصطفى حافظ في مصر، وتخرّج في الكلية الحربية، ثم التحق بجهاز المخابرات العامة المصرية. منذ البداية، لم يكن مجرد ضابط عادي، بل حمل مشروعاً أكبر من رتبته ومهامه: مشروع تحرير فلسطين.
بعد نكبة 1948، أُوكلت إليه مهمة في قطاع غزة، آنذاك تحت الإدارة المصرية. هناك، رأى بعيونه مأساة اللاجئين، وسمع وجع المخيمات، وتلمّس حلم العودة في عيون الأطفال. قرّر أن يتجاوز دور "الضابط" إلى دور "الفدائي المؤسس"، فصار رمزاً للدم العربي المشترك.
أسس مصطفى حافظ جهاز الفدائيين الفلسطينيين، المعروف بالكتيبة 141. جمع أكثر من ألف مقاتل، كثير منهم من السجون، وبعضهم من القرى المدمّرة. 16 تموز 10:00
16 تموز 08:31
بين كانون الأول/ديسمبر 1955 وآذار/مارس 1956، نفّذت الكتيبة نحو 180 عملية فدائية داخل فلسطين المحتلة، أسفرت عن مقتل ما يزيد على 1,378 جندياً ومستوطناً إسرائيلياً، وفق ما وثّقه المؤرّخ الفلسطيني عبد القادر ياسين.
تحوّلت غزة إلى كابوس يومي للاحتلال، وصار اسم مصطفى حافظ يلاحق قادة الكيان الصهيوني، حتى وصفه دافيد بن غوريون بأنه "أخطر أعداء إسرائيل".
عندما فشلت "إسرائيل" في مواجهته ميدانيّاً، لجأت إلى الغدر. أرسل الموساد طرداً مفخخاً إلى مكتبه في غزة، في 11 تموز/يوليو 1956، وحين انفجر الطرد، ارتقى مصطفى حافظ شهيداً، ليكتب بدمه الفصل الأبهى في ملحمة الفداء.
بعد خمسة عشر يوماً، في 26 تموز/يوليو 1956، اعتلى الرئيس جمال عبد الناصر منصة ميدان المنشية بالإسكندرية، ليعلن تأميم قناة السويس، ويزفّ للأمة نبأ استشهاد مصطفى حافظ. قال في خطابه:
"استشهد مصطفى حافظ - قائد جيش فلسطين - وهو يؤدّي واجبه من أجلكم، ومن أجل العروبة، ومن أجل القومية العربية... كانوا يجدون فيه تهديداً مباشراً لهم، فاغتيل بأخسّ أنواع الغدر. ولكنهم هل يعتقدون أنهم بقتل مصطفى حافظ لن يجدوا من يحلّ محله؟ سيجدون في مصر وبين ربوعها كلّ المصريين، كلّ واحد منهم يحمل هذه المبادئ ويؤمن بهذه المثل العليا".
هكذا، ربط عبد الناصر بين مقاومة فلسطين، وتحرير قناة السويس، معلناً أنّ معركة العروبة واحدة، والميدان واحد.
بعد اغتياله، شنّ الاحتلال الصهيوني حملة اعتقالات شرسة في غزة أثناء العدوان الثلاثي، اعتقل خلالها أكثر من أربعة آلاف شاب، وفرّ المئات إلى سيناء.
لكنّ المقاومة لم تُكسر، وظلّت غزة تصنع فدائييها، وتعيد إنتاج روح مصطفى حافظ في كلّ جولة جديدة.
وهكذا، يظلّ مصطفى حافظ حيّاً في كلّ زقاق من غزة، في كلّ حارة من نابلس، في كلّ مخيم، في كلّ حجر يواجه مدرّعة، وفي كلّ طفل يخطّ اسم فلسطين على كرّاسته بدل الأحلام المؤجّلة.
إنه حيٌّ في صمود الأمهات اللواتي يودّعن أبناءهن إلى الجبهة كما يودّعنهم إلى المدرسة، وفي صيحات الشباب الذين يكتبون بيانهم الأول بالدم لا بالحبر.
إننا، حين نقرأ سيرة مصطفى حافظ، لا نقرأ حكاية رجل مضى، بل نعيد قراءة مشروع كامل: مشروع المقاومة الذي لا يقبل المساومة، مشروع الدم الذي يرفض أن يجفّ، مشروع الكرامة التي لا تعرف الهزيمة.
اليوم، وبعد ما يقرب من عامين على ملحمة شعب فلسطين المتواصلة، نفهم أكثر من أيّ وقت مضى أنّ دم مصطفى حافظ لم يُهدر، بل تحوّل إلى شرايين جديدة تنبض في جسد الأمة.
كلّ شهيد اليوم هو مصطفى حافظ جديد، كلّ مقاوم يخرج من بين الركام هو وعد جديد بأنّ الراية لن تسقط، وأنّ الحلم لن ينكسر، وأنّ فلسطين لا تزال قِبلة الأحرار الأولى، وميدان اختبار الصدق الأخير.
يا أبناء هذه الأمة، يا من أرهقكم صليل الخيانات وأثقل كاهلكم غبار الهزائم، عودوا إلى دم مصطفى حافظ لتستعيدوا يقين النصر.
تذكّروا أنّ فلسطين، مذ كتب أول شهيد وصيته، لم تعد قضية جغرافيا، بل صارت معنى وجودنا كلّنا.
سلامٌ على روحك يا مصطفى حافظ، وسلامٌ على كلّ مقاوم يواصل خطاك، وسلامٌ على أمةٍ ما زالت تعرف أنّ الشهداء لا يموتون، بل يظلون في كلّ قلب حرّ، قناديل لا تنطفئ.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الميادين
منذ 2 ساعات
- الميادين
المشّاط: جاهزون لوحدة الموقف ضد الإجرام الصهيوني وندعو إلى تحرك عربي عاجل لفك حصار غزة
دعا رئيس المجلس السياسي الأعلى في اليمن، مهدي المشّاط، جميع الدول العربية والإسلامية، حكاماً وشعوباً، إلى "اتخاذ موقف قوي وموحد تجاه الحصار والتجويع الصهيوني للأشقاء في قطاع غزة". وقال المشّاط في تصريح لوكالة الأنباء اليمنية (سبأ): "يجب أن نُسمع العالم، الذي أخرسته آلة الزيف والدجل الصهيونية، موقفنا في وجه الإبادة الوحشية لأهلنا في غزة". وأضاف: "على الجميع أن يعي أنّ الكيان الإسرائيلي هو المشكلة، وأن اللهاث وراء أوهام الحلول معه ضرب من التيه والضياع، ولنتصدَّ لكل صوت يهدف إلى حرف البوصلة عن العدو الحقيقي". وأشار المشّاط إلى أنّ "الأطفال الذين يموتون من الجوع في غزة لا انتماء لهم إلا الفطرة الإنسانية، فلا نخذلهم بالصمت والتقاعس". اليوم 23:02 اليوم 21:10 وأعرب عن الأمل في أنّ تتحرك جميع الدول العربية والإسلامية، حكاماً وشعوباً، لإنقاذ غزة من الإبادة الجماعية، مؤكداً أنّ الأمة بأمس الحاجة إلى الموقف القوي والموحد لدفع الخطر الداهم قبل أن يطال الجميع. وتابع: "من لا موقف له في غزة وفلسطين لن يستطيع دفع الخطر حين يداهمه، ومن لم تقضّ مضاجعه وتكدّر صفو عيشه المشاهد المأسوية للأموات جوعاً في غزة، فهو متبلّد الإحساس وفاقد لعزته ودينه وإسلامه وإنسانيته". وأضاف: "لنهبّ جميعاً لغسل العار عن أمتنا قبل أن يلعننا التاريخ وتطأ وجوهنا أقدام الصهاينة، ولا عذر للجميع أمام الله، فالمسؤولية تقع على الجميع". وجدد المشّاط التأكيد "أننا جاهزون في الجمهورية اليمنية لنكون في طليعة التوجه نحو وحدة الموقف والتعاون في مواجهة الإجرام الصهيوني اللعين وداعميه، وننتظر الإشارات الرسمية من الدول العربية والإسلامية". ووجّه في ختام حديثه رسالة إلى حكام العرب والمسلمين قال فيها: "إذا عجزتم عن التحرك، دعوا الشعوب تتحرك ليكون لها موقف، وإذا لم تتحرك الشعوب فإن عقوبة الصمت والسكوت ستصل إلى كل شعوب أمتنا، والله المستعان".


الميادين
منذ 2 ساعات
- الميادين
القسام تتوعّد الاحتلال بتكتيكات جديدة من شمال القطاع إلى جنوبه
قالت كتائب الشهيد عز الدين القسّام، الجناح العسكري لحركة حماس، في بيان لها، اليوم الأربعاء، إنها تواصل لليوم الـ655 على التوالي "قهر العدو الغازي عن أرض غزة العزة"، مؤكدة أنّ "المجاهدين من شمال قطاع غزة إلى جنوبه للعدو بالمرصاد". وأضافت كتائب القسام أن ضربات مقاتليها "تتوالى في عدة محاور من القطاع، موقعةً المئات من جنود العدو بين قتيل وجريح". وتابعت: "ضربات المجاهدين أصابت الآلاف من الجنود بالأمراض النفسية والصدمات". كما أشارت الكتائب إلى أن مقاتليها "دمّروا مئات الآليات العسكرية الصهيونية كلياً أو جزئياً". اليوم 16:31 20 تموز القسّام أكّدت أن المقاومة ستبقى على جاهزية تامة لمواصلة معركة استنزاف طويلة ضد قوات الاحتلال، مهما كان شكل عدوانه، وخططه العدوانية". وتوعّدت الاحتلال بأنه سيُفاجَأ بتكتيكات وأساليب جديدة ومتنوعة، لتصبح مقاومة غزة "أعظم مدرسة عسكرية لمقاومة شعب بمواجهة محتليه في التاريخ". وقبل أيّام أيضاً، قالت كتائب القسام، على لسان الناطق باسمها أبو عبيدة، إن استراتيجيتها في هذه المرحلة هي "إيقاع مقتلة بالعدو، وتنفيذ عمليات نوعية، والسعي لأسر جنود". وتأتي هذه التصريحات في وقت تواصل فيه المقاومة الفلسطينية تصديها للاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة، مدمرة آلياته، وموقعة جنوده بين قتيل وجريح. في السياق، أعلنت المقاومة، اليوم، عن تنفيذ العديد من العمليات والكمائن النوعية، في مناطق مختلفة من القطاع، وعرضت مشاهد لمقاتليها أثناء تنفيذهم بعض هذه العمليات.


الميادين
منذ 2 ساعات
- الميادين
حماس: نبذل جهودنا للتوصل إلى اتفاق يوقف الإبادة ويرفع الحصار عن غزة
أعلنت حركة المقاومة الإسلامية حماس، اليوم الاثنين، أنها تبذل كل جهودها وطاقتها على مدار الساعة، لإنهاء المعاناة المتفاقمة في قطاع غزة. وحدّدت حماس، في بيانٍ، أنّ ذلك يشكّل أولوية قصوى لديها في تحرّكها المتواصل مع الوسطاء والدول والجهات المعنية كافة من أجل وقف المجاعة والحرب. وأوضحت الحركة، أنّ ذلك يأتي في وقتٍ يمعن فيه الاحتلال الإسرائيلي في حرب الإبادة الجماعية ضدّ الشعب الفلسطيني في قطاع غزة. #شاهد.. صحافيون في #غزة يشربون المياه والملح لتجنب الدوخة في ظل استمرار المجاعة.#الميادين اليوم 19:23 اليوم 18:54 وأكدت حماس أنّها تدرك حجم الابتزاز الذي يمارسه الاحتلال من خلال ارتكاب المجازر في غزة، في محاولة يائسة لانتزاع مواقف لم يتمكّن من فرضها على طاولة المفاوضات. وشدّدت على أنها ماضية بـ"مسؤولية وعقلانية، وبأقصى سرعة ممكنة"، في استكمال مشاوراتها واتصالاتها مع القوى والفصائل الفلسطينية، من أجل الوصول إلى اتفاق. ولفتت الحركة إلى أنّ السعي هو للوصول إلى اتفاق مُشرّف يفضي إلى وقف العدوان وإنهاء الإبادة الجماعية، وتحقيق الأهداف في الإعمار، ورفع الحصار، وضمان حياة كريمة لسكان قطاع غزة. "أولادي صحوني من النوم حكولي: جبلنا طحين"شهادات للميادين عقب المجزرة الإسرائيلية بحق منتظري المساعدات في زيكيم شمال غزة: "كنا بدنا نعيش... بدنا طحين، لقينا القذائف والرصاص بدل المساعدات..."#الميادين #خاص_الميادين #غزة الاحتلال الإسرائيلي حرب الإبادة الجماعية ويستمر بفرض حصار وتجويع بحق الشعب الفلسطيني في غزة، حيث يستشهد المدنيون وبينهم الأطفال بسبب الجوع وسوء التغذية.