logo
مصطفى حافظ : ضابط مصر وشهيد فلسطين... دم لا ينطفئ ووصية مشتعلة

مصطفى حافظ : ضابط مصر وشهيد فلسطين... دم لا ينطفئ ووصية مشتعلة

الميادين١٧-٠٧-٢٠٢٥
في زمن طغت فيه الصفقات على المبادئ، وتحوّل فيه العدو إلى ضيف على موائد الخيانات، ينهض من بين ركام التاريخ شهيدٌ يرفض أن يموت، يطلّ علينا من بين غبار الزمن وصمت الخيانات، صارخاً في وجوهنا: "لا حياة بلا مقاومة، ولا مقاومة بلا دم".
إنه مصطفى حافظ... الضابط المصري الذي جاء إلى غزة لا ضيفاً، بل ابناً بارّاً، وحارساً للكرامة، وفارساً للدم العربي الحرّ.
هو الاسم الذي كتبته فلسطين في سجلّ أبنائها، رغم أنه وُلد على ضفاف النيل، لأنّ الانتماء في معجم الشهداء لا يُقاس بالبطاقة، بل بصدق الدم.
كان مصطفى حافظ يؤمن أنّ فلسطين ليست ورقة تفاوض، ولا قصيدة تُلقى في المهرجانات، بل هي معركة أبدية، تُخطّ بالدم وتُصاغ بالنار.
اختار الشهادة طريقاً، ليعلن أنّ كلّ رصاصة تطلق في غزة، وكلّ حجر يُلقى في القدس، وكلّ خندق يُحفر في الضفة، ما هي إلا استكمال لوعد قطعه هو وكلّ من ساروا على دربه.
واليوم، وبعد ما يقارب سبعة عقود على رحيله، يستمر الشعب الفلسطيني في كتابة أسطورته على مدار عامين من المواجهة والصمود.
عامان من الحصار، والقصف، والجوع، والدم، لم تنجح في كسر الإرادة أو في دفع الراية إلى الانكسار.
عامان يُعيدان إلى ذاكرتنا شبح مصطفى حافظ، روحه، خطاه في الأزقة، خطواته في الممرات السرية، صوته وهو يلقّن المقاتلين معنى الفداء.
وُلد مصطفى حافظ في مصر، وتخرّج في الكلية الحربية، ثم التحق بجهاز المخابرات العامة المصرية. منذ البداية، لم يكن مجرد ضابط عادي، بل حمل مشروعاً أكبر من رتبته ومهامه: مشروع تحرير فلسطين.
بعد نكبة 1948، أُوكلت إليه مهمة في قطاع غزة، آنذاك تحت الإدارة المصرية. هناك، رأى بعيونه مأساة اللاجئين، وسمع وجع المخيمات، وتلمّس حلم العودة في عيون الأطفال. قرّر أن يتجاوز دور "الضابط" إلى دور "الفدائي المؤسس"، فصار رمزاً للدم العربي المشترك.
أسس مصطفى حافظ جهاز الفدائيين الفلسطينيين، المعروف بالكتيبة 141. جمع أكثر من ألف مقاتل، كثير منهم من السجون، وبعضهم من القرى المدمّرة. 16 تموز 10:00
16 تموز 08:31
بين كانون الأول/ديسمبر 1955 وآذار/مارس 1956، نفّذت الكتيبة نحو 180 عملية فدائية داخل فلسطين المحتلة، أسفرت عن مقتل ما يزيد على 1,378 جندياً ومستوطناً إسرائيلياً، وفق ما وثّقه المؤرّخ الفلسطيني عبد القادر ياسين.
تحوّلت غزة إلى كابوس يومي للاحتلال، وصار اسم مصطفى حافظ يلاحق قادة الكيان الصهيوني، حتى وصفه دافيد بن غوريون بأنه "أخطر أعداء إسرائيل".
عندما فشلت "إسرائيل" في مواجهته ميدانيّاً، لجأت إلى الغدر. أرسل الموساد طرداً مفخخاً إلى مكتبه في غزة، في 11 تموز/يوليو 1956، وحين انفجر الطرد، ارتقى مصطفى حافظ شهيداً، ليكتب بدمه الفصل الأبهى في ملحمة الفداء.
بعد خمسة عشر يوماً، في 26 تموز/يوليو 1956، اعتلى الرئيس جمال عبد الناصر منصة ميدان المنشية بالإسكندرية، ليعلن تأميم قناة السويس، ويزفّ للأمة نبأ استشهاد مصطفى حافظ. قال في خطابه:
"استشهد مصطفى حافظ - قائد جيش فلسطين - وهو يؤدّي واجبه من أجلكم، ومن أجل العروبة، ومن أجل القومية العربية... كانوا يجدون فيه تهديداً مباشراً لهم، فاغتيل بأخسّ أنواع الغدر. ولكنهم هل يعتقدون أنهم بقتل مصطفى حافظ لن يجدوا من يحلّ محله؟ سيجدون في مصر وبين ربوعها كلّ المصريين، كلّ واحد منهم يحمل هذه المبادئ ويؤمن بهذه المثل العليا".
هكذا، ربط عبد الناصر بين مقاومة فلسطين، وتحرير قناة السويس، معلناً أنّ معركة العروبة واحدة، والميدان واحد.
بعد اغتياله، شنّ الاحتلال الصهيوني حملة اعتقالات شرسة في غزة أثناء العدوان الثلاثي، اعتقل خلالها أكثر من أربعة آلاف شاب، وفرّ المئات إلى سيناء.
لكنّ المقاومة لم تُكسر، وظلّت غزة تصنع فدائييها، وتعيد إنتاج روح مصطفى حافظ في كلّ جولة جديدة.
وهكذا، يظلّ مصطفى حافظ حيّاً في كلّ زقاق من غزة، في كلّ حارة من نابلس، في كلّ مخيم، في كلّ حجر يواجه مدرّعة، وفي كلّ طفل يخطّ اسم فلسطين على كرّاسته بدل الأحلام المؤجّلة.
إنه حيٌّ في صمود الأمهات اللواتي يودّعن أبناءهن إلى الجبهة كما يودّعنهم إلى المدرسة، وفي صيحات الشباب الذين يكتبون بيانهم الأول بالدم لا بالحبر.
إننا، حين نقرأ سيرة مصطفى حافظ، لا نقرأ حكاية رجل مضى، بل نعيد قراءة مشروع كامل: مشروع المقاومة الذي لا يقبل المساومة، مشروع الدم الذي يرفض أن يجفّ، مشروع الكرامة التي لا تعرف الهزيمة.
اليوم، وبعد ما يقرب من عامين على ملحمة شعب فلسطين المتواصلة، نفهم أكثر من أيّ وقت مضى أنّ دم مصطفى حافظ لم يُهدر، بل تحوّل إلى شرايين جديدة تنبض في جسد الأمة.
كلّ شهيد اليوم هو مصطفى حافظ جديد، كلّ مقاوم يخرج من بين الركام هو وعد جديد بأنّ الراية لن تسقط، وأنّ الحلم لن ينكسر، وأنّ فلسطين لا تزال قِبلة الأحرار الأولى، وميدان اختبار الصدق الأخير.
يا أبناء هذه الأمة، يا من أرهقكم صليل الخيانات وأثقل كاهلكم غبار الهزائم، عودوا إلى دم مصطفى حافظ لتستعيدوا يقين النصر.
تذكّروا أنّ فلسطين، مذ كتب أول شهيد وصيته، لم تعد قضية جغرافيا، بل صارت معنى وجودنا كلّنا.
سلامٌ على روحك يا مصطفى حافظ، وسلامٌ على كلّ مقاوم يواصل خطاك، وسلامٌ على أمةٍ ما زالت تعرف أنّ الشهداء لا يموتون، بل يظلون في كلّ قلب حرّ، قناديل لا تنطفئ.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

الاحتلال يقرّ بمقتل جندي وإصابة 9 على الأقل بمعارك خان يونس جنوب غزة
الاحتلال يقرّ بمقتل جندي وإصابة 9 على الأقل بمعارك خان يونس جنوب غزة

الميادين

timeمنذ 2 ساعات

  • الميادين

الاحتلال يقرّ بمقتل جندي وإصابة 9 على الأقل بمعارك خان يونس جنوب غزة

أعلنت وسائل إعلام إسرائيلية مقتل جندي وإصابة 9 آخرين على الأقل من وحدة الاستطلاع الصحراوية، خلال ما وصفته بأنه "حدث أمني" دار في خان يونس جنوب قطاع غزة. اليوم 17:00 اليوم 16:18 وفي التفاصيل، ذكرت وسائل الإعلام، أنّ من بين المصابين 3 حالات وُصفت حالتهم بالحرجة للغاية، في حين وُصفت إصابات 4 آخرين بأنها خطِرة. بدوره، أقرّ "جيش" الاحتلال بإصابة ضابط وجندي من وحدة الاستطلاع بجروح خطرة خلال "حدث أمني". وفي وقتٍ سابق، أعلن "الجيش" الإسرائيلي عن مقتل ضابط تكنولوجيا وصيانة، وجندي من نخبة "غولاني" خلال معركة يوم أمس السبت، جنوبي قطاع غزة، حيث تحدثت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، عن عبوة ألصقها عناصر من حماس بناقلة الجند "نمر" في خان يونس، ما أدى إلى اشتعال النيران فيها.

ميرتس لنتنياهو: يجب وقف إطلاق النار.. وإيصال مساعدات عاجلة إلى سكان غزة
ميرتس لنتنياهو: يجب وقف إطلاق النار.. وإيصال مساعدات عاجلة إلى سكان غزة

الميادين

timeمنذ 2 ساعات

  • الميادين

ميرتس لنتنياهو: يجب وقف إطلاق النار.. وإيصال مساعدات عاجلة إلى سكان غزة

طالب المستشار الألماني فريدريش ميرتس، خلال مكالمة هاتفية مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بوقف فوري لإطلاق النار في قطاع غزة. وأعرب ميرتس عن قلقه البالغ من الكارثة الإنسانية التي يعيشها المدنيون الفلسطينيون في القطاع، داعياً في الوقت نفسه إلى إيصال مساعدات إنسانية عاجلة وآمنة إلى سكان غزة. اليوم 17:00 اليوم 16:28 وفي وقتٍ سابق، واجه المستشار الألماني فريدريش ميرتس، ضغوطاً متزايدة من داخل ائتلافه الحاكم ، لتبنّي موقف أكثر حزماً تجاه "إسرائيل"، في ظل التصعيد العسكري في قطاع غزة، بحسب ما نقلت وكالة "رويترز". ووفقاً للوكالة، طالب عدد من المسؤولين الألمان في الائتلاف بانضمام برلين إلى بيانٍ وقّعته 29 دولة غربية، دان القتل غير الإنساني للفلسطينيين ودعا إلى وقف فوري للحرب. ورغم تصاعد الانتقادات داخل ألمانيا لسلوك "إسرائيل" في غزة، غابت برلين بشكل لافت عن البيان المشترك الذي أصدره الاتحاد الأوروبي ودول بينها بريطانيا وفرنسا يوم الاثنين. وتأتي مطالبة ميرتس بوقف فوري لإطلاق النار في قطاع غزة في ظل تدهور الأوضاع الإنسانية بشكل غير مسبوق، نتيجة العدوان الإسرائيلي المتواصل منذ أشهر، والذي أسفر عن سقوط عشرات آلاف الشهداء والجرحى، معظمهم من النساء والأطفال، وتدمير واسع للبنية التحتية والمرافق الصحية.

الأردن والإمارات يسقطان مساعدات جوية على غزة
الأردن والإمارات يسقطان مساعدات جوية على غزة

LBCI

timeمنذ 4 ساعات

  • LBCI

الأردن والإمارات يسقطان مساعدات جوية على غزة

أفاد مصدر رسمي أردني لرويترز بأن الأردن والإمارات أسقطا اليوم الأحد ما مجموعه 25 طنًا من المساعدات على قطاع غزة في أول عملية إنزال جوي لهما منذ أشهر. وأشار المسؤول إلى أن الإنزال الجوي ليس بديلًا عن تسليم المساعدات برًا.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store