logo
إجراء إسرائيلي يهدد مستقبل عشرات الطلبة الفلسطينيين بالضفة

إجراء إسرائيلي يهدد مستقبل عشرات الطلبة الفلسطينيين بالضفة

الجزيرةمنذ 12 ساعات
الخليل – مشاعر مختلطة بين القلق والصدمة انتابت عشرات العائلات الفلسطينية بمنطقة "اشكارة" جنوبي الضفة الغربية بعد أن استيقظت على إخطارات إسرائيلية معلقة على جدران المدرسة الأساسية الوحيدة في المنطقة النائية عن وسط مدينة يطا، تفيد بهدمها خلال سبعة أيام.
عند إنشاء المدرسة قبل خمسة أعوام اتسعت مساحة العمران في محيطها، ووجد السكان فيها ملاذا لأطفالهم، وجميعهم دون 10 أعوام، لكن الخوف أخذ يتسلل إلى نفوسهم وعلى مصير أطفالهم بعد صدور الإخطارات بحجة إقامتها دون ترخيص إسرائيلي -وهو إجراء من شبه المستحيل الحصول عليه- في المنطقة "ج"، ويأملون تدخل أطراف دولية وحقوقية لمنع الهدم.
ويلاحق الاحتلال الإسرائيلي الوجود الفلسطيني في المنطقة المصنفة "ج" وفق اتفاق أوسلو والمقدرة بنحو 60% من مساحة الضفة الغربية، والخاضعة تماما لسيطرته، إذ تشير معطيات هيئة مقاومة الجدار و الاستيطان الحكومية إلى ترحيل 30 تجمعا خلال 20 شهرا الماضية، أي منذ بدء حرب الإبادة على غزة.
قبل دخول الإجازة الصيفية، اعتاد الفلسطيني صدام أبو قبيطة أن يصطحب ثلاثة من أطفاله إلى المدرسة صباح كل يوم، ثم يعيدهم إلى المنزل نهاية الدوام.
اصطحاب الأطفال إلى المدارس ليس عاديا في بيئة الريف الفلسطيني، إذ إن المجتمعات المحلية تتمتع بأمان كبير، لكن ظروف سكان منطقة اشكارة، حيث توجد المدرسة المهددة، مختلفة، فالطريق إلى المدرسة محفوفة بالمخاطر.
يشير المواطن الفلسطيني إلى أنه اعتاد على إيصال أطفاله إلى المدرسة بمركبة مخصصة للمناطق الوعرة لحمايتهم من اعتداءات المستوطنين التي تكررت على السكان وأطفالهم وممتلكاهم، موضحا أنه في اليوم الذي يتغيب فيه عن المنزل أو لا يوجد وقت الدوام المدرسي يتغيب أطفاله حفاظا على سلامتهم.
يقول أبو قبيطة للجزيرة نت إن وجود المدرسة أمر أساسي لبقاء السكان ويصعب الاستغناء عنها، موضحا أنه يعيش منذ سماعه خبر القرار الإسرائيلي حالة ذهول ويفكر في مصير أطفاله وأطفال أقاربه وجيرانه.
وأضاف "إذا هدمت المدرسة -لا سمح الله- فإن البديل مدرسة سوسيا على بعد مئات الأمتار عبر طريق محفوف بالمخاطر حيث ينتشر قطاع الطرق من المستوطنين من جهة، والكلاب الضالة من جهة أخرى".
أما البديل الآخر فهو مدارس مدينة يطا التي تبعد عدة كيلومترات، لكنها تفتقد لخطوط المواصلات والسير على الأقدام محفوف أيضا بالمخاطر ذاتها.
وتوجه المواطن الفلسطيني إلى ممثل الاتحاد الأوربي في فلسطين ألكسندر ستوتزمان بشكل خاص والمنظمات الحقوقية للتدخل لوقف هدم المدرسة وإنقاذ 130 طفلا من خطر التجهيل.
ضغوط مستمرة
من جهته يوضح خضر نواجعة، أحد معلمي المدرسة المكونة من 7 غرف، أنها بنيت عام 2020 بجهود حكومية وأهلية ودولية، وتضم 130 طالبا وطالبة من الروضة حتى الصف الرابع الأساسي.
ولفت نواجعة إلى أن وجود المدرسة شجع العائلات الفلسطينية على البناء والسكن في محيطها، وباتت مرفقا تعليميا مهما بالنسبة لهم، وهدمها يعني خسارة كبيرة "ضمن مساعي الاحتلال والضغوط المستمرة على السكان لتهجيرهم".
على الصعيد الرسمي، أكدت وزارة التربية والتعليم الفلسطينية أنها تأخذ القرار الإسرائيلي على محمل الجد، وبدأت اتصالاتها مع أطراف عديدة في محاولة لمنع تنفيذ أمر الهدم.
وفي حديثه للجزيرة نت، قال الناطق باسم الوزارة صادق خضور إن "مدرسة فلسطين الأساسية المختلطة" تقع ضمن منطقة سوسيا التي تتعرض باستمرار لاعتداءات المستوطنين، وإن الإخطار بإخلائها تمهيدا لهدمها خلال سبعة أيام "جاء تتويجا لسلسلة مضايقات واعتداءات تعرضت لها، كما تعرض لها سكان المنطقة".
ولفت إلى أن المدرسة مشيدة من الزينكو والصفيح، وليست على طراز البناء الحديث من حجارة وإسمنت، ومع ذلك فإنها تخدم تجمعا فلسطينيا نائيا.
وقال إن استهدافها يندرج في إطار مسلسل طويل من استهداف المدارس الواقعة في التجمعات الفلسطينية بمنطقتي مسافِر جنوب مدينة الخليل، والأغوار بشكل خاص، والتي هجر 30 منها في أقل من عامين.
35 مدرسة للتحدي
وقال صادق خضور إن المدارس تشكل عامل استقرار لكثير من التجمعات، وهو ما يفسر استهدفها ضمن الضغوط الممارسة لمحاولة ترحيل أهالي تلك التجمعات، "فإزالة أي مدرسة يسهل عملية ترحيل سكانها".
شدد الناطق الرسمي على أن وزارة التربية والتعليم العالي تعتقد بأن بقاء هذه المدرسة وممارسة دورها جزء لا يتجزأ من الحق في التعليم، مشددا على أن الحفاظ عليها للأطفال خصوصا في المناطق النائية حق كفلته كل الأعراف والمواثيق الدولية.
بالأرقام، أشار صادق إلى أن عدد "مدارس التحدي والصمود"، في إشارة للمدارس الواقعة في المنطقة "ج" والتي يهددها خطر الهدم، يتجاوز 35 مدرسة يلتحق بها قرابة 1500 طالب وطالبة من الروضة إلى الصف الرابع.
وقال إن أغلب تلك المدارس صدرت بحقها إخطارات هدم أو تم استهدافها بالاعتداء عليها، مشيرا إلى 11 عملية هدم استهدفتها، وبعضها طالتها آلة الهدم أكثر من مرة، ومدارس أخرى أجبر سكان التجمع الذي تخدمه على الرحيل، مما تسبب في تفريغها كما حصل لمدرستي راس التين وعين سامية في بادية محافظة رام الله والبيرة.
وشدد المسؤول الفلسطيني على أن وجود المدارس في التجمعات المهددة "وسيلة تعزيز صمود السكان، حيث لا يزيد طلبة بعضها عن 15 فردا، في حين هناك مدارس تخدم أكثر من تجمع وأغلبها طلبتها بالعشرات".
جهد استثنائي
على صعيد العناصر التعليمية، يلفت الناطق الرسمي إلى "جهد استثنائي" يبذله المعلمون للوصول إلى تلك المدارس، حتى إن بعضهم يضطرون للتنقل في سيارات ذات دفع رباعي أو عبر حافلات توفرها الوزارة، مشيرا إلى تثبيت 46 منهم في الوظيفة الحكومية استثنائيا رغم توقف الحكومة عن التثبيت نتيجة الضائقة المالية التي تمر بها.
ولفت إلى حرص الوزارة على توفير كل الإمكانيات مع التحرك لدى مختلف السفارات والدول والمؤسسات الحقوقية لحماية مدارس مسافر يطا والأغوار.
ووفق أحدث معطيات نشرتها وزارة التربية والتعليم العالي، فقد استشهد 104 وأصيب 966 واعتقل 361 من طلبة مدارس الضفة الغربية، كما استشهد 4 معلمين وأصيب 21 واعتقل 182، بين 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 والأول من يوليو/تموز الجاري، في حين طالت الاعتداءات والتخريب 152 مدرسة في الضفة الغربية خلال الفترة ذاتها.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

تجسس واختبار للأسلحة: كيف تجني شركات عالمية أرباحًا هائلة من قتل الفلسطينيين؟
تجسس واختبار للأسلحة: كيف تجني شركات عالمية أرباحًا هائلة من قتل الفلسطينيين؟

الجزيرة

timeمنذ 36 دقائق

  • الجزيرة

تجسس واختبار للأسلحة: كيف تجني شركات عالمية أرباحًا هائلة من قتل الفلسطينيين؟

يُظهر أحدث التقارير الصادرة عن الأمم المتحدة تورّط مئات الشركات والمؤسسات المالية والتكنولوجية والجامعات وصناديق التقاعد والجمعيات الخيرية في تحقيق أرباح من الاحتلال الإسرائيلي والإبادة الجماعية للفلسطينيين. في تقرير قدّمته المقررة الخاصة للأراضي الفلسطينية المحتلة، فرانشيسكا ألبانيزي، ذُكرت أسماء 48 شركة ومؤسسة، منها: بالانتير تكنولوجيز، لوكهيد مارتن، ألفابت (Google)، أمازون، IBM، كاتربيلر، مايكروسوفت، ومعهد MIT، إضافة إلى بنوك وشركات مالية كبرى مثل بلاك روك، وشركات تأمين وعقارات وجمعيات خيرية، جميعها- في انتهاك للقانون الدولي- تجني المليارات من الاحتلال والإبادة الجماعية للفلسطينيين. يحتوي التقرير على قاعدة بيانات تضم أكثر من ألف كيان تجاري يتعاون مع إسرائيل، ويطالب هذه الشركات بقطع علاقاتها معها أو مواجهة المساءلة عن التواطؤ في جرائم حرب. ويصف التقرير الاحتلال الإسرائيلي المستمر بأنه "بيئة مثالية لاختبار الأسلحة وتكنولوجيا الشركات الكبرى- توفّر الطلب والعرض، بغياب الرقابة، وغياب المساءلة- بينما تجني المؤسسات الخاصة والعامة الأرباح دون عائق". يعتمد التقرير في إطاره القانوني على محاكمات الصناعيين بعد الهولوكوست، ولجنة الحقيقة والمصالحة في جنوب أفريقيا، لإثبات مسؤولية الشركات والمؤسسات المتورطة في الجرائم الدولية. ويشير إلى أن قرارات محكمة العدل الدولية تُلزم الكيانات بـ"الانسحاب الكامل وغير المشروط من أي تعاملات مرتبطة، وضمان تمكين الفلسطينيين من تقرير مصيرهم". قالت ألبانيزي: "الإبادة في غزة لم تتوقف لأنها مجزية، ومربحة لكثيرين جدًا. إنها تجارة. هناك شركات، حتى من دول تعتبر صديقة للفلسطينيين، تجني الأرباح منذ عقود من اقتصاد الاحتلال. إسرائيل استغلت دائمًا الأرض والموارد والحياة الفلسطينية، واستمرت الأرباح في الزيادة مع تحول اقتصاد الاحتلال إلى اقتصاد إبادة". وأضافت أن الفلسطينيين "وفروا ميادين لا حدود لها لاختبار التكنولوجيا والأسلحة وتقنيات المراقبة التي تُستخدم الآن ضد الناس من الجنوب إلى الشمال العالمي". يهاجم التقرير الشركات التي "توفر لإسرائيل الأسلحة والآليات اللازمة لتدمير المنازل والمدارس والمستشفيات وأماكن العبادة والمعيشة وسبل الرزق، مثل بساتين الزيتون". يصف التقرير الأراضي الفلسطينية بأنها "سوق أسيرة"؛ بسبب القيود الإسرائيلية على التجارة والاستثمار وزراعة الأشجار والصيد والحصول على المياه للمستوطنات. وقد جنت الشركات أرباحًا من هذه السوق من خلال "استغلال العمالة والموارد الفلسطينية، وتحويل الموارد الطبيعية، وبناء وتشغيل المستوطنات، وتسويق منتجاتها وخدماتها داخل إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة وعلى مستوى العالم". ويذكر التقرير أن إسرائيل تستفيد من هذا الاستغلال، بينما "تُكلف الاقتصاد الفلسطيني ما لا يقل عن 35% من الناتج المحلي الإجمالي". ويشير التقرير إلى أن البنوك ومديري الأصول وصناديق التقاعد وشركات التأمين "ضخت أموالًا في اقتصاد الاحتلال غير القانوني". كما أن "الجامعات- كمراكز للنمو الفكري والقوة- دعمت الأيديولوجيا السياسية التي يقوم عليها استعمار الأراضي الفلسطينية، وطوّرت أسلحة، وتغاضت أو دعمت العنف المنهجي، في حين ساهمت المشاريع البحثية الدولية في إخفاء محو الفلسطينيين تحت ستار الحياد الأكاديمي". كما طورت تقنيات المراقبة والسجن إلى أدوات لاستهداف السكان الفلسطينيين عشوائيًا. ويشير التقرير إلى أن الجرافات الثقيلة التي استُخدمت سابقًا في هدم المنازل والبنية التحتية في الضفة، تُستخدم اليوم في تدمير المدن في غزة، مما يمنع السكان من العودة وإعادة بناء مجتمعاتهم. وقد وفّرت الحرب على الفلسطينيين أيضًا "بيئة اختبار للقدرات العسكرية المتطورة: أنظمة الدفاع الجوي، والطائرات المسيرة، وأدوات الاستهداف بالذكاء الاصطناعي، وحتى برنامج الطائرة "إف-35″ الذي تقوده الولايات المتحدة. ثم يُسوق لهذه التكنولوجيا بأنها مُجربة في المعارك". منذ عام 2020، أصبحت إسرائيل ثامن أكبر مصدر للأسلحة في العالم. شركتاها الرئيسيتان هما إلبيت سيستمز (Elbit) وإسرائيل إيروسبيس إندستريز (IAI) تربطهما شراكات دولية عديدة بشركات أسلحة أجنبية، بما في ذلك برنامج "إف-35" بقيادة شركة لوكهيد مارتن الأميركية. تساهم العديد من المصانع العالمية في تصنيع مكونات طائرات "إف-35" في إسرائيل، بينما تقوم إسرائيل بتخصيص وصيانة هذه الطائرات بالتعاون مع لوكهيد مارتن الأميركية وشركات محلية. ومنذ أكتوبر/ تشرين الأول 2023، استخدمت إسرائيل مقاتلات "إف-35″ و"إف-16" لإلقاء ما يقدر بـ85 ألف طن من القنابل، معظمها غير موجه، مما أدى إلى مقتل وإصابة أكثر من 179 ألفًا و411 فلسطينيًا وتدمير غزة. كما أصبحت الطائرات بدون طيار وأجهزة المراقبة الطائرة من أدوات القتل اليومية في سماء غزة. طورت شركات مثل Elbit وIAI هذه الطائرات بالتعاون مع معهد MIT، وقد اكتسبت هذه الطائرات قدرات تلقائية وتشكيلات طيران جماعي خلال العقدين الماضيين. شركات مثل FANUC اليابانية توفر روبوتات لإنتاج الأسلحة، تستخدمها شركات مثل Elbit، وIAI، ولوكهيد مارتن. أما شركات الشحن كـ "إيه بي موللر مايرسك" الدنماركية، فنقلت معدات وأسلحة وموادَّ خامًا، بما يضمن تدفقًا ثابتًا للمعدات العسكرية الأميركية إلى إسرائيل بعد أكتوبر/ تشرين الأول 2023. ويشير التقرير إلى زيادة بنسبة 65% في الإنفاق العسكري الإسرائيلي من 2023 إلى 2024، ليصل إلى 46.5 مليار دولار، أحد أعلى المعدلات عالميًا للفرد. وحققت الشركات الأجنبية المنتجة للذخائر أرباحًا ضخمة من هذا. في الوقت نفسه، ربحت شركات التكنولوجيا من الإبادة عبر توفير بنية تحتية مزدوجة الاستخدام لجمع البيانات والمراقبة، مستفيدة من بيئة الاحتلال كأرض اختبار. تشمل هذه التقنيات: الكاميرات، المراقبة البيومترية، نقاط التفتيش الذكية، الطائرات دون طيار، الحوسبة السحابية، الذكاء الاصطناعي، وتحليلات البيانات لدعم العمليات العسكرية على الأرض. ويذكر التقرير أن شركات التكنولوجيا الإسرائيلية غالبًا ما تنشأ من بنية تحتية عسكرية، مثل شركة NSO Group التي أسسها أعضاء سابقون في وحدة 8200. وقد استُخدم برنامج بيغاسوس للتجسس على الناشطين الفلسطينيين، وبِيعت تقنياته عالميًا لاستهداف القادة والصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان. تقدم IBM، التي ساعدت سابقًا في تسهيل عمليات النازية في ألمانيا، اليوم تدريبًا للجيش والمخابرات الإسرائيليَين، خصوصًا وحدة 8200. ومنذ 2019، تدير الشركة قاعدة بيانات السكان والهجرة، مما يمكّن إسرائيل من مراقبة الفلسطينيين ودعم نظام التصاريح التمييزي. أما مايكروسوفت، فهي تعمل في إسرائيل منذ 1989، ومندمجة في السجون والشرطة والجامعات والمستوطنات. وقد دمجت منذ 2003 تقنياتها المدنية والعسكرية، واستحوذت على شركات إسرائيلية ناشئة في مجال الأمن السيبراني. وفي عام 2021، منحت إسرائيل عقدًا بـ1.2 مليار دولار لشركتي ألفابت (Google) وأمازون لتوفير البنية التحتية السحابية لـ(مشروع نيمبوس)، بتمويل من وزارة الدفاع. طورت إسرائيل أنظمة ذكاء اصطناعي مثل "لافندر"، و"غوسبل"، و"أين أبي؟"، لتحليل البيانات وتحديد الأهداف، مما يُعيد تشكيل الحرب الحديثة. وتوجد "أسباب معقولة"، وفق التقرير، للاعتقاد بأن شركة بالانتير قدمت تقنيات شرطة تنبُّئِية آلية، وبنية تحتية دفاعية؛ لتسريع تطوير البرمجيات العسكرية، ومنصة ذكاء اصطناعي للقرارات الفورية في ساحات المعارك. ورد مدير الشركة في أبريل/ نيسان 2025 على الاتهامات قائلًا إن من تقتلهم شركته في غزة هم "معظمهم إرهابيون، نعم هذا صحيح". أدوات التكنولوجيا المدنية استُخدمت منذ زمن طويل كأدوات استعمارية مزدوجة الاستخدام. وقد اعتمدت العمليات العسكرية الإسرائيلية بشكل كبير على معدات من شركات عالمية لتدمير المنازل والبنى التحتية والمزارع. ومنذ أكتوبر/ تشرين الأول 2023، ساهمت هذه المعدات في تدمير 70% من المباني، و81% من الأراضي الزراعية في غزة. زودت كاتربيلر إسرائيل منذ عقود بجرافات استخدمت في هدم منازل، مساجد، مستشفيات، وحتى دفن جرحى أحياء، وقتلت ناشطين مثل راشيل كوري. وحولت إسرائيل الجرافة D9 إلى سلاح آلي يُستخدم في كل عملية عسكرية تقريبًا منذ عام 2000. تشمل الشركات الأخرى المتورطة: إتش دي هيونداي الكورية، ودوسان التابعة لها، ومجموعة فولفو السويدية، التي توفر معدات تُستخدم في تدمير الممتلكات الفلسطينية. تشارك هذه الشركات أيضًا في بناء المستوطنات، بما يشمل البنية التحتية، واستخراج وبيع المواد والطاقة والمنتجات الزراعية، وحتى الترويج للسياحة في المستوطنات وكأنها وجهات عادية. وقد شُيد أكثر من 371 مستوطنة وبؤرة استيطانية، بتسهيل من هذه الشركات، في عملية تهدف لاستبدال السكان الأصليين الفلسطينيين. تشمل هذه المشاريع شركة هانسون إسرائيل، التابعة لشركة هيدلبرغ ماتيريالز الألمانية، التي نهبت ملايين الأطنان من صخور الدولوميت من محاجر في الضفة لبناء المستوطنات. شركات أجنبية ساهمت أيضًا في تطوير الطرق والبنية التحتية لربط المستوطنات بإسرائيل، بينما يُستثنى الفلسطينيون منها. تبيع شركات عقارية عالمية عقارات في المستوطنات لمشترين إسرائيليين وأجانب، مثل كيللر ويليامز ريالتي التي أقامت فروعًا في المستوطنات، ونظمت عروضًا عقارية في كندا وأميركا لبيع آلاف الشقق في المستوطنات. كما تعرض منصات التأجير مثل بوكينغ وإير بي إن بي عقارات في المستوطنات غير القانونية. تملك شركة برايت للألبان والأطعمة الصينية حصة أغلبية في شركة تنوفا الإسرائيلية، التي تستخدم أراضي مصادرة من الفلسطينيين في الضفة. في قطاع الطاقة، تستخرج شيفرون الغاز الطبيعي من حقلي ليفياثان وتمار، ودفع التحالف 453 مليون دولار ضرائب للحكومة الإسرائيلية في 2023، ويزود أكثر من 70% من استهلاك الطاقة في إسرائيل. تُعتبر شيفرون وبريتيش بتروليوم من أكبر مزودي النفط الخام لإسرائيل، إلى جانب خط أنابيب BTC الأذري، وخط CPC الكازاخي. وتُستخدم هذه الموارد في منشآت تخدم الاحتلال، بما في ذلك العمليات العسكرية في غزة. كما دعمت البنوك العالمية عملية الإبادة من خلال شراء سندات الخزانة الإسرائيلية. فمنذ 2022 وحتى 2024، ارتفع الإنفاق العسكري الإسرائيلي من 4.2% إلى 8.3% من الناتج المحلي، ما أدى إلى عجز 6.8%، تم تمويله عبر إصدار سندات بقيمة 8 مليارات في مارس/ آذار 2024، و5 مليارات في فبراير/ شباط 2025. من أبرز الداعمين: بنك بي إن بي باريبا، وباركليز، وصناديق إدارة أصول كبلاك روك (68 مليون دولار)، وفانغارد (546 مليونًا)، وبيمكو التابعة لأليانز (960 مليونًا). كما تحوّلت الجمعيات الخيرية الدينية إلى أدوات تمويل مشاريع غير قانونية، رغم القيود القانونية على هذا النوع من التمويل. يشير التقرير إلى أن الصندوق القومي اليهودي (KKL-JNF) و20 من فروعه موّلت مشاريع استيطانية مرتبطة بالجيش. ومنذ أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وفّرت منصات مثل إسرائيل غيفز التمويل للجنود والمستوطنين. كما دعمت منظمات مثل كريستيان فريندز أوف إسرائيل (الولايات المتحدة) وداتش كريستيان فور إسرائيل (هولندا) مشاريع استيطانية بمبلغ 12.25 مليون دولار في 2023. وينتقد التقرير الجامعات المتعاونة مع المؤسسات الإسرائيلية، ويذكر أن مختبرات MIT تنفذ أبحاثًا في مجال الأسلحة والمراقبة، بتمويل من وزارة الدفاع الإسرائيلية، تشمل التحكم بالطائرات المسيرة، وخوارزميات المطاردة، والمراقبة البحرية. الإبادة الجماعية تحتاج إلى شبكة عالمية وتمويل بالمليارات. لم يكن بإمكان إسرائيل تنفيذ هذا القتل الجماعي دون هذا النظام. الجهات التي تجني الأرباح من العنف الصناعي ضد الفلسطينيين، ومن تشريدهم، مجرمة مثل الوحدات العسكرية الإسرائيلية. ويجب محاسبتها كذلك.

"توزيع مذل".. أمنستي تتهم إسرائيل باستخدام التجويع سلاحا للإبادة في غزة
"توزيع مذل".. أمنستي تتهم إسرائيل باستخدام التجويع سلاحا للإبادة في غزة

الجزيرة

timeمنذ 36 دقائق

  • الجزيرة

"توزيع مذل".. أمنستي تتهم إسرائيل باستخدام التجويع سلاحا للإبادة في غزة

اتهمت منظمة العفو الدولية السلطات الإسرائيلية باستخدام التجويع سلاحا في الإبادة الجماعية للفلسطينيين في قطاع غزة، مؤكدة استمرار فرض حصار خانق وسياسات "مميتة ومُذلّة" لتوزيع الغذاء. وأوضحت المنظمة، أن تلك الإجراءات أدت إلى تفاقم معاناة السكان ودفعت مئات الآلاف إلى حافة الهلاك، خاصة الأطفال والنساء. ووثقت العفو الدولية، بشهادات أطباء وأسر ضحايا ونازحين، مشاهد مفجعة لأطفال أدخلوا المستشفيات بسبب سوء التغذية الحاد وجوع يهدد حياتهم يوميًا. وأكدت الأمينة العامة للمنظمة أنييس كالامار، أن حرمان الفلسطينيين عمدا من الغذاء والدواء يعمق الكارثة الصحية، وسط استمرار إسرائيل في منع دخول معظم المساعدات الإنسانية الحيوية، رغم أوامر محكمة العدل الدولية بالسماح بوصول الإغاثة دون عوائق. وخلال الشهر الذي تلا فرض خطة توزيع المساعدات ذات الطابع العسكري، قتل مئات الفلسطينيين وجرح آلاف آخرون أثناء محاولتهم الحصول على الغذاء، بينما وصفته كالامار بأنه "استهداف متعمد من القوات الإسرائيلية"، ونتيجة متوقعة لسياسات توزيع "غير مسؤولة ومميتة". وأشارت إلى أن أطفال غزة خصوصا، يعانون من سوء تغذية حاد وأمراض خطِرة قد تؤدي إلى الوفاة، وسط عجز النظام الصحي وندرة حليب الأطفال والأدوية. وأشارت التقارير إلى أن قطاع غزة شهد في الأشهر الأخيرة ارتفاعًا كبيرًا في معدلات وفيات الأطفال دون سن الخامسة إلى أكثر من الضعف، إضافة لارتفاع وفيات الأمهات وصعوبة وصول معظم الأطفال للمستشفيات بسبب القصف وأوامر التهجير. ودعت العفو الدولية المجتمع الدولي إلى التحرك الفوري، بالضغط على إسرائيل لرفع الحصار الكامل والسماح بوصول المساعدات دون قيد أو شرط، ووقف الإبادة الجماعية بحق سكان غزة. كما طالبت بتعليق جميع أشكال الدعم العسكري والاقتصادي لإسرائيل، وفرض عقوبات على المتورطين في الانتهاكات الجسيمة، والتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية لمحاسبة المسؤولين عن تلك الجرائم.

كيف يُعيد ناشطو العالم تعريف التضامن مع غزة؟
كيف يُعيد ناشطو العالم تعريف التضامن مع غزة؟

الجزيرة

timeمنذ 39 دقائق

  • الجزيرة

كيف يُعيد ناشطو العالم تعريف التضامن مع غزة؟

في عالم بات يتسم بتسارع التحولات التكنولوجية وتتآكل فيه القيم الإنسانية، وذلك في الوقت الذي بات العجز الجماعي عن وقف الإبادة والانتهاك المستمر لحقوق الإنسان في قطاع غزة مشهدًا متكررًا ومألوفًا، وتجاوز الصمت من كونه مجرَّدَ غياب أو موقفًا سلبيًا إلى أن يصبح شراكة ضمنية في الجريمة. أمام هذا الفراغ الأخلاقي، قرر الآلاف من الناشطين الدوليين حول العالم أن يعيدوا تعريف التضامن ليتجاوز مجرد الموقف الرمزي، ليصبح ممارسة فعلية تستنبط المخاطرة وتشتبك ميدانيًا مع الأحداث والتطورات، متجاوزين حدود الدول والمشهد الإعلامي الاستهلاكي، مستلهمين من التجارب التاريخية التي أثبتت أن الضغط المستمر قادر على زعزعة أعتى الأنظمة. فمن تونس إلى مدريد، ومن ستوكهولم إلى جوهانسبرغ، مرورًا بشواطئ صقلية وصحراء العريش، بدت تحركات الناشطين كخطوط اشتباك أخلاقي مع النظام الدولي القائم، متجاوزين شعارات التعاطف العابرة على المنصات التواصل الاجتماعي. بيدَ أنهم معتمدون عليها في الدعم والتحشيد والتنظير لأفكارهم التي تتجسد بإنشاء حركة مقاومة مدنية عابرة للقارات، مستندة للوعي بأن استمرار الاحتلال والحصار لا يُفسَّر فقط بآلة الحرب، بل أيضًا بتواطؤ البنى الاقتصادية والتقنية الكبرى، وأن التاريخ لن يرحم من تواطأ ومن صمت عن ظلم الإنسان يومًا. في قلب هذا المشهد تبرز تجربة أسماء درجة ابنة المغرب وتونس، الحاصلة على جنسية ألمانية، والتي تنقّلت بين كبرى المؤسسات العالمية: "دويتشه بنك"، "سيمنز"، "ديلويت"، وصولًا إلى منصب مديرة مشاركة في "أمازون ويب سيرفيسز"، الذراع التكنولوجية الأخطر في العالم. لكن الأهم من سيرتها هو خيارها الأخلاقي: الاستقالة الصامتة من منصبٍ مرموق فلم يكن أزيز الطائرات فوق غزة هو ما أيقظ ضميرها، بل لحظة الصمت الطويل في مكتبها الزجاجي وهي تعمل لصالح "أمازون"، عندما شعرت أن كل ما تبنيه هناك- من إستراتيجيات وأرقام وتحولات رقمية- لا معنى له إن كان سيُستخدم ضد حياة أحد، ولو كان طفلًا في غزة. فقد شعرت أسماء أن ما تساهم به تقنيًا قد يُستخدم كجزء من البنية القمعية الموجهة ضد الفلسطينيين، ضمن مشروع "نيمبوس" الذي يربط "أمازون" و"غوغل" لتزويد الاحتلال بأنظمة ذكاء اصطناعي تُستخدم لأغراض عسكرية. خرجت وهي تدرك أن الرحيل من أمازون ليس كافيًا. فالقمع لا يحدث فقط في غرف الاجتماعات، بل أيضًا في آليات الذكاء الاصطناعي، في الخوارزميات، في الصمت المتواطئ. فلم تكتفِ بالانسحاب، بل أسست تحالفًا أخلاقيًا للذكاء الاصطناعي في إسبانيا، داعية إلى إعادة مركزية القيم الإنسانية في تصميم الخوارزميات. تقول: "لا معنى لأي خطاب عن أخلاقيات الذكاء الاصطناعي لا يتوقف عند غزة. هناك تُختبر أخلاقياتنا، وهناك يتحدّد موقعنا الحقيقي من الكرامة الإنسانية". وتابعت: "لا بد أن نذكِّر الجميع بأن الذكاء الاصطناعي ليس مجرد أداة محايدة، بل بات يُستخدم اليوم كأداة قمع واحتلال. ويجب أن نعيد مساءلته من جذوره". لكن هذا الموقف النظري سرعان ما اتخذ طابعًا نضاليًا مباشرًا، حين أُطلقت الدعوة إلى "المسيرة العالمية نحو غزة"، بعنوان قافلة الصمود في 9 يونيو/ حزيران 2025 في محاولة لتحدي الحصار الإسرائيلي، شارك في هذه المبادرة، التي نظّمتها "تنسيقية العمل المشترك لأجل فلسطين"، أكثر من 1500 ناشط من تونس والجزائر والمغرب وموريتانيا، بينهم نقابيون وأطباء ومحامون، تجمّعوا في حوالي 14 حافلة و350 سيارة، محمّلين برسائل واضحة: كسر الحصار، وإدخال المساعدات الإنسانية، ورفع قضية غزة إلى مستوى الضغط الشعبي والأخلاقي. وكانت أسماء واحدة من المشاركين بعد أن ارتأت أن واجبها لا يكتمل إلا بالمشاركة الميدانية. فاستبدلت هاتفها، أعدّت مواد توعوية عن الاستخدامات العسكرية للتقنية، وانطلقت نحو مصر، مدركةً أنها قد تُمنع أو تُعتقل. وما حدث لاحقًا كان احتجاز في المطار، تفتيش، استجواب، ثم إفراج مشروط بمراقبة. في بادئ الأمر كانت القافلة تسير بشكل يليق بالشعوب العربية وأصالتها، ومع تجاوزها الحدود التونسية- الليبية نحو معبر رأس جدير، حظيت القافلة باستقبال شعبي دافئ في مدن قابس ومدنين وصفاقس، حيث تجمع وفد من أهالي المدن واستضافوا المتضامنين وأعدوا مأدبات تكريم لهم، في مشهد يُجسّد وحدة الشعوب العربية في نصرة القضية. ثم دخلت القافلة الأراضي الليبية يوم 10 يونيو/ حزيران لتبدأ المرحلة الثانية نحو مصر. هنا بدأت مشاركة أسماء التي انضمت من خلال الوصول جوًا إلى مصر أرض الالتقاء للتحرك إلى الحدود المصرية الفلسطينية، تقول أسماء: "من لحظة وصولي إلى مطار القاهرة لم تسر الأمور كما توقّعت أو بالأحرى بهذه السرعة!، فبعد أن ختم جواز سفري طلب مني الوقوف جانبًا، ثم تم نقلي مع مجموعة من الأشخاص إلى غرفة مغلقة، حيث تم تفتيش هواتفنا وعندما توجه العسكري ليسألني عن سبب الزيارة كنت مصممة على أني هنا للاحتفال بعيد ميلادي ولأني قمت باستبدال هاتفي مسبقًا فلم يكن فيه أي شيء يدينني، لقد جهزت كل شيء لأضمن ألا يتم ترحيلي قبل أن أؤدي الرسالة التي جئت من أجلها". تتابع أسماء: "في اليوم التالي، اتجهت إلى الإسماعيلية. من خلال طريق صحراوي طويل لتجنب نقاط التفتيش، وبعد أن وصلنا إلى نقطة الالتقاء الأولى وكدنا نتنفس الصعداء لاقترابنا جدًا من الهدف المنشود، خرجت علينا قوات بلباس مدني اعترضت طريق الحافلة تبعها قوات أمرت السائق بالعودة للقاهرة". إعلان كانت لحظة انكسار بدت قريبة، لكنها قررت أن تقفز من السيارة وتنضم للمسيرة. وسط الحشود، كانت تردّد الهتافات وتوثّق اللحظة بكاميرا هاتفها. هناك التقت حفيد نيلسون مانديلا وهو يهتف: "حرية فلسطين امتداد لحرية أفريقيا"، ثم تم تفريق التجمع تحت التهديد والقوة. تقول أسماء: " عدت إلى القاهرة ودموعي لم تتوقف لحظة، شعرت بخيبة أمل كبيرة، ووجوم لا يمكن التعبير عنه". قصة أسماء ليست استثناءً، بل جزءًا من موجة عالمية يتصدّرها ناشطون من الجنوب والشمال، من العرب، والأفارقة والأوروبيين والآسيويين. في قافلة "صمود"، اعتُقل بعضهم، وتعرّض آخرون للمنع. لكنهم أصرّوا على مواصلة الرحلة، ثم أعادوا ترتيب صفوفهم في تونس من جديد، في مشهد يُذكّر بتجارب التضامن الأممي مع جنوب أفريقيا إبان الفصل العنصري. فقد بدأت حركة المقاطعة الدولية ضد نظام الأبارتايد في جنوب أفريقيا منذ أواخر خمسينيات القرن العشرين، مدفوعة بمزيج من الوعي السياسي لدى الشعوب واستفحال السياسات العنصرية التي فرضها النظام على الأغلبية السوداء. واحدة من أولى الحملات الرمزية كانت حملة مقاطعة البطاطا عام 1959 ، والتي سلطت الضوء على ظروف العمل القسري في مزارع النظام، ما فجّر سلسلة من ردود الفعل داخليًا وخارجيًا. في العقود اللاحقة، تحوّل التضامن من فعل احتجاجي إلى منظومة ضغط متكاملة؛ فقد قادت اتحادات العمال والنقابات والطلاب في بريطانيا وكندا والسويد والولايات المتحدة، حراكًا شعبيًا واسع النطاق. رُفِض تفريغ السلع الجنوب أفريقية في ميناء ليفربول، وسُحبت صناديق التقاعد والاستثمارات من الشركات الداعمة للنظام العنصري. امتدت هذه الممارسات لتشمل قطاع الرياضة والفنون، حيث تم منع مشاركة جنوب أفريقيا في الأولمبياد والأحداث الثقافية الكبرى. وقد أثمر هذا الزخم الشعبي عن ضغوط مؤسسية، دفعت الأمم المتحدة إلى إصدار قرارات بعقوبات اقتصادية ضد بريتوريا بدءًا من عام 1962. ورغم مقاومة بعض الحكومات الغربية هذه الضغوط، فإن التراكم الكمي والنوعي للحراك الشعبي أدى إلى حصار سياسي واقتصادي خانق، بلغ ذروته في أواخر الثمانينيات. ومع دخول عقد التسعينيات ، انهار النظام العنصري ، وأُجريت أول انتخابات ديمقراطية في جنوب أفريقيا عام 1994. بهذا المعنى، فإن تجربة جنوب أفريقيا قدّمت نموذجًا بالغ الأهمية لحركات التضامن الحديثة، لا سيما في القضية الفلسطينية. فاليوم، تتحرك قوى مدنية عالمية ضد الاحتلال الإسرائيلي بنفس الأدوات تقريبًا: المقاطعة الأكاديمية والاقتصادية، سحب الاستثمارات، والتحرك الشعبي في الشارع، وعلى مستوى المؤسسات. التحولات الأخيرة تشير إلى لحظة مفصلية: فلسطين لم تعد قضية هامشية في الضمير العالمي، بل اختبارًا أخلاقيًا للحداثة ذاتها. لم يعد التضامن فعلًا إنسانيًا فقط، بل موقفًا سياسيًا ضد بنية الظلم العالمية. فهؤلاء الذين تركوا وظائفهم، أو سافروا إلى الحدود، أو تظاهروا في شوارع مدريد وجوهانسبرغ وكوالالمبور، لم يكونوا يُمارسون التعاطف، بل يشاركون في إعادة تعريف السياسة كأداة تحرر لا استعمار واستيطان. وعلى غرار تجربة جنوب أفريقيا، التي بدأت من هوامش النضال وتحولت إلى تيارٍ عابر للحدود، تعيد غزة اليوم تفعيل ذات البوصلة الأخلاقية. الفارق أن أدوات القمع اليوم أكثر تعقيدًا، مدعومة بالذكاء الاصطناعي والتقنيات الرقمية. لكن على الصعيد نفسه تطورت أدوات المقاومة لهذه الوسائل أيضًا، إذ أصبح التضامن الرقمي، والمقاطعة التقنية، والتحشيد الحقوقي أمام المحاكم الدولية، كلها أدوات مركزية في معركة نزع الشرعية عن الاحتلال. من هنا، فإن حركة التضامن الدولي لا تُقاس بعدد الذين وصلوا إلى غزة فعليًا، بل بمدى اختراقها المفاهيم التقليدية للالتزام الأخلاقي، مشكلين تضامنًا تجاوزَ الحد العاطفي والشعارات إلى المساءَلة للمنظومات الداعمة لسياسة الاحتلال الإسرائيلي أو المساهمة بشكل فعلي في الإبادة الجماعية التي تنفذ في قطاع غزة، من خلال مقاومة مدنية عابرة للجنسيات، فكل خطوة نحو غزة، وإن أُحبطت، تُحدث ثقبًا جديدًا في جدار التواطؤ. وكما ختمت أسماء حديثها: "لسنا مجرد متضامنين. نحن نُعيد تعريف من نكون في هذا العالم. وغزة ليست بعيدة، إنما في مركز كل الأسئلة الكبرى عن العدالة والتقنية والضمير البشري"، وتابعت: "أنا فقط أريد أن أقول لغزة: نحن هنا، ننظّم، نتحرّك.. ولن نتنازل حتى تنعموا بالحرية مثل كل الشعوب".

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store