
مذهب النفاق.. من البراغماتية إلى التزييف الكامل
في عالم تتبدل فيه المبادئ كما تتبدل الوجوه في زحام المصالح، لم يعد النفاق مجرد سلوك معزول يُذم في الأخلاق، بل تحوّل إلى آلية بقاء تمارَس بذكاء مدهش، وتغلَّف أحيانًا بشعارات برّاقة عن المرونة، والواقعية، والذكاء الاجتماعي.
في زمن التناقضات الكبرى، يصير الكذب بضاعةً رائجةً، ويغدو الصدق رهانًا خاسرًا. ومع الوقت، تتآكل الفروق بين البراغماتية المشروعة والتزييف الكامل، حتى يصبح النفاق نمطًا رائجًا من أنماط التفكير والسلوك، لا يثير استهجانًا، بل يُحتفى به.
البراغماتية، وقد نشأت كفنّ للتكيف مع الواقع وتجاوز تناقضاته، انزلقت تدريجيًّا إلى ذريعة للانفصام الأخلاقي. بات الإنسان يفصل بين ما يقول وما ينوي، وبين ما يفعله وما يؤمن به
رحلة النفاق في اللغة والأخلاق
لم يعد ينظر إلى النفاق بوصفه خيانةً للذات أو نكوصًا عن المبدأ، بل أعيد إنتاجه في قوالب جديدة أكثر قبولًا: "الذكاء الاجتماعي"، "السياسة الواقعية"، "اللباقة الضرورية".. تغير الاسم، وبقي الفعل على حاله: قلب الحقائق بمهارة، وتبديل الأقنعة بتوقيت مدروس تمليه المصلحة، حتى صار النفاق يروج له بوصفه فنًّا للبقاء في عالم لا يكافئ الصدق، بل يدفع بالصادق إلى هامش المشهد.
وهكذا، تراجع الصدق من مقام الفضيلة البديهية إلى خانة الخيار المكلف، خيار تُسلب فيه السكينة، ويقايَض فيه بالمكانة، ويُراهن فيه على الوجود نفسه.
البراغماتية، وقد نشأت كفنّ للتكيف مع الواقع وتجاوز تناقضاته، انزلقت تدريجيًّا إلى ذريعة للانفصام الأخلاقي. بات الإنسان يفصل بين ما يقول وما ينوي، وبين ما يفعله وما يؤمن به، حتى أفرغت الأقوال من صدقها، والأفعال من دلالتها.. وما كان يقال في ميدان السياسة عن "البراغماتية"، بات يقال الآن في العلاقات، وفي دهاليز المؤسسات، وحتى في منابر الوعظ!
شيئًا فشيئًا، تسلل النفاق من هامش الأخلاق إلى مركز القرار النفسي والثقافي، حتى غدا قاعدةً صامتةً يتكئ عليها العقل الجمعي، ويُغض الطرف عنها تحت عنوان "الحكمة" و"النضج".
السوق يطلب المزيف.. حين يصبح النفاق اقتصادًا ناعمًا
لم يعد النفاق ترفًا شخصيًّا، بل تحول إلى ضرورة تسويقية! في الفضاءات الرقمية، تتكاثر الأقنعة: ابتسامات لا تعكس شعورًا حقيقيًّا، وذوات مصطنعة تروج بعناية.
كل "إعجاب" مزيف، وكل مجاملة بلا صدق، تغذية لنظام ناعم من التزييف، تخلت فيه الحقيقة عن مكانها لصالح التأثير اللحظي. في هذا السوق، لا مكان للأصالة، بل للأكثر قدرةً على أداء الدور المناسب في الوقت المناسب! ولأن الجماهير تفضل المظهر على الجوهر، أصبح النفاق أداةً للترقي، والصراحة عبئًا لا يتحمله من يسعى إلى النجاح في بيئة مشروطة بالأداء، لا بالصدق.
الصدق -رغم كلفته- هو القيمة الوحيدة التي تُكسبك احترام الذات؛ والتمسك بنزاهتك أيضًا شكل من أشكال العصيان الهادئ، والثبات الأخلاقي وسط عالم يتلون كل صباح
المجتمع المنافق.. خداع متبادل باسم الفضيلة
في مجتمعات ترفع شعارات سامية، وتغرق في ممارسات نقيضة، لم يعد النفاق استثناءً، بل نظام حياة مستقرًا، ترعاه العادة ويكافئه الواقع. الجميع يتحدث عن الشرف، لكن قلةً من الناس تلتزم به حين يغيب الرقيب، وترفع رايات العدالة في مؤتمرات تدار بأكثر الأساليب إقصاءً ونفاقًا، وتنشر صور الكرم على موائد مفرطة في التبذير، فيما الجار لا يجد رغيفًا.
هذه الازدواجية لا تعد انحرافًا عارضًا، بل نمطًا متجذرًا من التناقض الجمعي، إذ يتعلم الناس منذ الصغر أن يقولوا ما لا يفعلون، وأن يُظهروا غير ما يضمرون. والمفارقة أن الجميع يعلم، لكن أحدًا لا يعترض، وكأن النفاق صار فضيلةً توافقية.
ازدواجية التكوين.. تربية الصدق ومعاقبة الصادق
يعيش الفرد في هذا المناخ بين قطبين متنافرين: ضمير داخلي يطلب الصدق، وواقع خارجي يشترط الأقنعة. يطالَب المرء بأن يكون صريحًا مع نفسه، متصالحًا مع ذاته، لكنه يدرَّب -في المقابل- على المواربة منذ نعومة أظفاره.
تقول له المدرسة: "كن حرًا"، ثم تعاقبه إن فكر خارج المألوف! وتقول له الأسرة: "قل الحق"، ثم توبخه إن صدح بما لا يرضيها! وهكذا ينمو الإنسان على مفارقة قاتلة: أن يكون ذاته سرًّا، ويمثل غيرها علنًا! وفي هذا التمزق الصامت، تتآكل الذات تدريجيًّا، حتى يتحول النفاق من سلوك خارجي إلى قناعة داخلية وتبرير راسخ.
الوعي بوصفه مقاومةً هادئةً للنفاق
قد لا نستطيع القضاء على النفاق تمامًا، لكننا نملك أن نفضحه.. أن تقول الحقيقة -ولو بينك وبين نفسك- هو أول فعل مقاومة، وهو أيضًا إثبات على أن الإنسان لا يُختصر فيما يفرضه السوق أو المجتمع. وأن تعترف بأن العالم يكافئ المزيفين، لكنك لا تريد أن تكون منهم، هو بداية تحرر.
الصدق -رغم كلفته- هو القيمة الوحيدة التي تُكسبك احترام الذات؛ والتمسك بنزاهتك أيضًا شكل من أشكال العصيان الهادئ، والثبات الأخلاقي وسط عالم يتلون كل صباح.. وهكذا تقف على الضفة الصحيحة من التاريخ، حتى لو كنت وحدك.
النفاق ليس مجرد خلل أخلاقي، بل هو أزمة وعي عميقة.. وما دام الإنسان يبرر لنفسه الكذب الصغير كوسيلة للبقاء أو التكيف، فهو ماضٍ -لا محالة- نحو التبرير الأكبر: خيانة القيم باسم الحكمة. البراغماتية الحقيقية لا تناقض المبادئ، بل تعرف كيف توفق بين الوضوح والفاعلية، أما النفاق فهو انهيار داخلي بطيء؛ يبدأ بعبارة لطيفة لا تعبر عن شيء، وينتهي بعالم يكافئ الزيف ويقصي الحقيقة.
البراغماتية التي لا تراعي الأخلاق تتحول إلى مكر ناعم، بينما الصدق هو وحده الذي ينجو من محارق الزيف، ويصمد كحقيقة لا تبهت! وفي زمن تباع فيه الأقنعة أرخص من الحقيقة، يبقى الصادقون قلةً نادرة، لكنهم يشكلون الضمير الذي لا يموت. وإن كان الصدق لا يعلو في ضجيج الزيف، فإنه يظل النغمة الوحيدة التي لا تشوبها الأقنعة.
وفي وجه هذا الانحدار، يظل الإنسان الصادق هو الحقيقة النادرة، والموقف الذي لا يُنسى، والصوت الذي قد لا يعلو، لكنه يظل واضحًا في ضمائر من اختاروا ألا يتورطوا في خداع أنفسهم.. وأعلم أن التزييف لا يصنع نصرًا، ولو انكسرت الأكف من التصفيق.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 18 دقائق
- الجزيرة
مفوضية اللاجئين: نصف مليون سوري عادوا منذ سقوط نظام الأسد
أعلنت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين -اليوم الاثنين- أن عدد السوريين العائدين إلى بلادهم منذ سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد بلغ نصف مليون حتى منتصف مايو/أيار الجاري. وأفادت المفوضية بأن عدد السوريين العائدين إلى البلاد سجل معدلا بلغ 100 ألف عائد في الشهر، وسجلت أن هؤلاء العائدين تواجههم تحديات وصفتها بـ"الهائلة". وقالت لجين حسن، وهي مسؤولة الحماية في مكتب المفوضية في سوريا، إن عدد العائدين إلى سوريا يقترب من 500 ألف شخص. وأضافت أنهم "يبدؤون حياتهم من الصفر، وهم بحاجة ماسة إلى دعمنا". كما اعتبرت أن إعادة إدماج هؤلاء العائدين في مجتمعاتهم تمثل "حاجة ماسة الآن"، وأشارت إلى أن التحدي الرئيسي والأساسي الذي يواجه هذه المسألة يكمن في نقص التمويل. وأوضحت المفوضية أن سنوات الصراع والأزمات دمرت الاقتصاد السوري، وتركت المنازل والبنية التحتية في حالة من الخراب، بينما لا يزال الوضع الأمني في بعض المناطق هشا. وأكدت أن اللاجئين العائدين في حاجة إلى الأمن، من أجل العيش في سلام والبحث عن فرص العمل لكسب قوتهم وتسجيل أطفالهم في المدارس أو الحصول على الرعاية الصحية وغيرها من الخدمات الأساسية. وتعمل المفوضية مع السلطات السورية وشركاء آخرين على مساعدة اللاجئين السوريين والنازحين داخليا العائدين إلى مناطقهم الأصلية. وتشمل المساعدة إعادة تأهيل وإصلاح المنازل المتضررة، وتقديم الدعم القانوني لاستبدال وثائق الهوية والممتلكات المفقودة، فضلا عن إطلاق مبادرات لمساعدة الأشخاص على كسب عيشهم. وأشارت المفوضية إلى أنه مع تجاوز عدد السوريين العائدين من الدول المجاورة 500 ألف لاجئ، إلى جانب نحو 1.2 مليون نازح داخلي ممن عادوا إلى ديارهم خلال الأشهر الخمسة الماضية، تراجعت قدرتها على مساعدة جميع المحتاجين. واعتبرت المفوضية أن الانخفاض الحاد في تمويل المساعدات الإنسانية بسوريا يهدد مستقبل تعافي البلاد واستقرارها.


الجزيرة
منذ 43 دقائق
- الجزيرة
ضغط أم عقاب.. لماذا ألغى نائب ترامب زيارة إسرائيل؟
تتأرجح التخمينات بين الحديث عن خلافات حقيقية بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بشأن حرب غزة، وتصريحات تنفي وجود أزمة بين الطرفين، وأن الأمر لا يعدو تباينا في ترتيب الأولويات. ونقل موقع أكسيوس عن مسؤول أميركي قوله إن جيه دي فانس نائب الرئيس الأميركي تراجع عن التفكير في زيارة إسرائيل"حتى لا تفهم على أنها دعم من واشنطن لتوسيع تل أبيب عملياتها العسكرية في غزة". وفي هذا السياق، يرى الباحث الأول بمركز الجزيرة للدراسات لقاء مكي أن إلغاء زيارة دي فانس تعد ثاني ضربة بعد تجاهل ترامب زيارة إسرائيل في جولته الخليجية الأخيرة. ووفق حديث مكي لبرنامج "ما وراء الخبر"، فإن ترامب أراد بإرسال نائبه إلى إسرائيل "كسر حدة الخلاف بين الجانبين"، لكن بدء عملية " عربات جدعون" العسكرية من دون إبلاغ واشنطن أدى إلى إلغائها. وبناء على ذلك، أرادت واشنطن بهذه الخطوة -حسب مكي- إبلاغ إسرائيل ألا تتصرف لوحدها وأن عليها الاطلاع بالتفصيل على السلوك الإسرائيلي، وليس حينما يريد نتنياهو. بدوره، أعرب الكاتب المختص بالشؤون الإسرائيلية إيهاب جبارين عن قناعته بأن الضوء الأخضر الأميركي بدأ ينطفئ، ولكن لا توجد بوادر على إشهار الضوء الأحمر من واشنطن. وقال جبارين إن هناك تحفظا أميركيا ناعما، لكنه اعتبر ذلك "يندرج في سياق الضغط على إسرائيل، ولكن لم يصل إلى مرحلة العقاب". أما إسرائيل فتحاول التغيير من قواعد اللعبة ميدانيا، وإحراج الولايات المتحدة، مما قد يدفع نتنياهو إلى نوع من التمرد والعناد وإظهار واشنطن بأنها تخلت عنه في خضم معركة حاسمة. وخلص جبارين إلى أن إسرائيل تدرك أن لديها مساحة للمناورة مع الجانب الأميركي رغم الثمن الذي تدفعه دوليا. تذمر ترامب وبشأن سياسة الرئيس الأميركي، فأعرب مكي عن قناعته بأن ترامب بات متذمرا بسبب تأخر نتنياهو في الحسم بغزة وعدم تحقيق إنجاز حقيقي على الأرض، مما يخلق تداعيات إنسانية تضغط على أميركا في علاقاتها العربية والدولية، وتقدم رواية فلسطينية متضامنة دوليا. وأكد أن ترامب يتفق مع نتنياهو في عدم رؤية حركة المقاومة الإسلامية (حماس) والمقاومة في غزة، وكذلك لا تبتعد فكرة التهجير عن الرغبة الأميركية، مشيرا إلى أن نتنياهو يبقى "مشكلة مؤقتة، في وقت لا تزال فيه إسرائيل جزءا من الأمن القومي الأميركي". واستدل بقوله إن أميركا متماهية في الحرب وهي جزء منها، إذ تعد المزود الرئيسي للسلاح إلى إسرائيل وتحميها سياسيا. من جانبه، شدد جبارين على أن واشنطن لا تتحدث عن حل الدولتين ولا القضية الفلسطينية، إذ تكتفي بالتطرق إلى اليوم التالي لغزة فقط، مؤكدا أن واشنطن "لا تحاول منع إسرائيل من النصر، بل تحاول منع أن يجرها نتنياهو إلى الهزيمة". ولفت إلى استمرار إسرائيل في احتلال الأراضي الفلسطينية وحصارها والاستيطان فيها وتهويدها، مشيرا إلى أنها "أدوات ناعمة كلاسيكية تضر تكتيكيا ولكن ليس إستراتيجيا". وخلص مكي إلى أن ترامب يريد إنجاح الجولة الحقيقية من مفاوضات الدوحة بشأن وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، لكن إسرائيل تريد نزع سلاح حركة حماس وطرد قياداتها من غزة وتضع ذلك شرطا أساسيا لإنهاء الحرب، في حالة وصفها بالمستعصية. إعلان وقال إن مفاوضات الدوحة الحالية تمثل الفرصة الأخيرة لإنجاز اتفاق يطلق سراح الأسرى المحتجزين بغزة، مرجحا مقتل الأسرى إذا انطلقت عملية "عربات جدعون" بالقوة التي تتحدث عنها إسرائيل. في المقابل، دخلت إسرائيل معركة الدقيقة الـ90 -حسب جبارين- إذ تصعد عسكريا لتحقيق أمرين، وهما عدم وجود خيار دبلوماسي، وخلط الأوراق بتصعيد يهمش الأفق الجديد.


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
واشنطن بوست: مقربون من ترامب هددوا بالتخلي عن إسرائيل إذا لم توقف الحرب
وصفت صحيفة واشنطن بوست قرار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بإدخال مساعدات محدودة إلى قطاع غزة بأنه "تحول نوعي" جاء في أعقاب ضغوط علنية وأخرى خفية من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب ، التي حثّته على مدى أسابيع على إنهاء الحرب. وأشارت إلى أن مقربين من ترامب هددوا إسرائيل بالتخلي عنها إذا لم توقف الحرب. وأضافت أن ضغوط ترامب تزايدت مع تصعيد إسرائيل قصفها على غزة، واقترابها من نقطة اللاعودة في الحرب. ونقلت عن مصدر لم تسمه قوله إن لدى نتنياهو طريقة لإنهاء الحرب في الكنيست وفي إسرائيل، لكنه يفتقر إلى الإرادة السياسية. وكان نتنياهو قد أشار في وقت سابق إلى أنه سيسمح بدخول مساعدات "ضئيلة" إلى غزة للحفاظ على الدعم الأميركي. كما أشار إلى أنه في حين تخطط إسرائيل للسيطرة على "كل" غزة، اضطر إلى منع المجاعة الجماعية في القطاع "لأسباب عملية ودبلوماسية". وصرح الرئيس ترامب خلال جولته في المنطقة الأسبوع الماضي بأن "الكثير من الناس يتضورون جوعا" في غزة، كما استثنى إسرائيل من برنامج زيارته والصفقات التي وقعت وتجاوزت قيمتها تريليونات الدولارات. جزء من الاتفاق من ناحية أخرى، نقلت صحيفة "يسرائيل هيوم"، عن مسؤولين قولهم، إن إدخال المساعدات لغزة هو جزء من اتفاق الإفراج عن الأسير عيدان ألكسندر، خلافا للتصريحات الإسرائيلية. كما ذكرت القناة 12 الإسرائيلية أن إدخال المساعدات لغزة كان هو "الثمن" الذي فرضته حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على واشنطن للإفراج عن ألكسندر. وأشارت إلى أن المبعوث الرئاسي الأميركي ستيف ويتكوف ومبعوث شؤون الرهائن آدم بولر"أعطيا كلمتهما رغما عن إسرائيل" ونتنياهو لم يكن قادرا على التراجع. وقد طالب وزراء خارجية 22 دولة، من بينها فرنسا وألمانيا وبريطانيا وكندا واليابان وأستراليا، اليوم إسرائيل بـ"السماح مجددا بدخول المساعدات بشكل كامل وفوري" إلى غزة تحت إشراف الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية. وجاء في بيان مشترك صدر عن وزارة الخارجية الألمانية أن الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية "لا يمكنها دعم" الآلية الجديدة لتسليم المساعدات في غزة التي اعتمدتها إسرائيل. كما طالب وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر، بضخ المساعدات بشكل فوري إلى غزة، بسبب الضغوط من الاتحاد الأوروبي، والتهديدات بفرض عقوبات، بما في ذلك من الولايات المتحدة. وأوضح ساعر أن وزراء خارجية آخرين تحدثوا معه بهذا الشأن، وأن أعضاء ديمقراطيين وجمهوريين في الكونغرس الأميركي توجهوا إلى سفير إسرائيل في واشنطن بالرسالة ذاتها. ووصف رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر الوضع في غزة بأنه غير مقبول ولا يطاق، مشيرا إلى أن بلاده تعمل مع الشركاء لمعرفة ما يمكن القيام به في هذا الشأن. كما قالت رئيسة المفوضية الأوربية أورسولا فون دير لاين إن الوضع الإنساني في غزة "غير مقبول"، وطالبت بوصول المساعدات إلى من هم في حاجة إليها فورا، مؤكدة على أن المساعدات الإنسانية "يجب ألا تسيس أبدا". تسع شاحنات وقالت إذاعة الجيش الإسرائيلي إنه سيتم ادخال 9 شاحنات محملة بطعام الأطفال والمساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة خلال الساعات القليلة القادمة. في المقابل، قال مكتب الإعلام الحكومي في غزة إن ترويج الاحتلال إدخال 9 شاحنات مساعدات حتى إن صح فإنه "لا يمثل سوى قطرة في بحر الاحتياجات الإنسانية العاجلة". وأشار إلى أنه كان يفترض إدخال 44 ألف شاحنة مساعدات خلال الثمانين يوما الماضية، مؤكدا أن القطاع بحاجة إلى 500 شاحنة مساعدات و50 شاحنة وقود يوميا لكن الاحتلال لم يسمح بدخول حبة قمح واحدة منذ ثلاثة أشهر. وحمل الاحتلال والمجتمع الدولي المسؤولية الكاملة عن الجرائم الإنسانية المتواصلة، كما طالب بتحرك دولي فوري لفتح المعابر وإدخال الاحتياجات الإنسانية قبل فوات الأوان. يشار إلى أن إسرائيل تواصل لليوم الـ79 سياسة تجويع ممنهج لنحو 2.4 مليون فلسطيني بغزة، عبر إغلاق المعابر في وجه المساعدات الإغاثية والطبية. وبدعم أميركي ترتكب منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 جرائم إبادة جماعية في غزة، خلفت أكثر من 174 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، فضلا عن مئات آلاف النازحين.