
مساهمة: لماذا العلاقة مع روما وواشنطن مثمرة ومع باريس متعثرة؟
أود في هذا المجال التركيز على أمرين حسب فهمي: الجزائر منفتحة على الرئيس ترمب والجزائر ليس لديها مشكلة مع تيار أقصى اليمين المحافظ.
لنبدأ بالفكرة الأولى، نعرف جميعا أن الرئيس ترمب شخصية نرجسية يفعل ما يقول سواء كان القرار صحيحا أو خاطئا، فقد فاز بشفافية في الانتخابات الأميركية تخوله اتخاذ القرارات.
في حالة الجزائر تحتفظ بلادنا بعلاقات تاريخية ومميزة مع أميركا تعود إلى ثلاثة قرون تقريبا، فلماذا نفسدها الآن؟ لكن ماذا يريد ترمب من الجزائر؟ ترمب يريد أمورا كثيرة. يريد جائزة نوبل للسلام ويريد من الجزائر أن تحل الخلاف مع المغرب بالقدر الذي يساعده على حل مشكلة الصحراء الغربية، وبالتالي إضافة نقاط في ملف سعيه للظفر بجائزة نوبل للسلام. ترمب يحاول إطفاء حرب أوكرانيا ووقف حرب غزة ووقف فتنة السودان والخلاف بين الكوريتين وووو. هل يستطيع ترمب وقف هذه الحروب؟ الأمر يخصه هو. بالنسبة للجزائر، ربما تكون حصلت على وجهة نظر الرئيس ترمب في ولايته الثانية لكيفية حل الخلاف التقليدي بين الجزائر والمغرب، وسنعرف ذلك في قابل الأيام أو الشهور.
يريد ترمب من الجزائر عقودا طاقوية، فالرئيس الأميركي الحالي يعادي تماما الطاقة النظيفة والطاقة الكهربائية، وهو سيبقى في البيت الأبيض 4 سنوات أو أقل بقليل. قرأنا ونعلم أن شركة إكسون موبيل وشفرون الأميركيتين مهتمتين بالعودة إلى السوق الجزائرية. وهاتان الشركتان ذراع قوي جدا في مؤسسات القرار الأميركي. يريد ترمب إذن مشاريع في البترول والغاز الطبيعي والغاز الصخري. هنا، يمكن الإشارة إلى قانون المناجم الجديد المعدل. ويمكن الفهم بوضوح أن هذا التعديل القانوني يتماشى مع الوضع الجيو- سياسي العالمي، ومساعي ترمب الدؤوبة للحصول على صفقات المعادن الثمينة سواء مع أوكرانيا أو الصين أو إندونيسيا. هنا وجب التدقيق في مضمون هذه العقود مع أميركا في الحالة الجزائرية، لأن الأمر يتعلق بمصالح الجزائر وأجيال الجزائر وليس بطموح الرئيس الأميركي.
لنناقش الفكرة الثانية في زيارة مستشار ترمب إلى الجزائر. الرسالة تقول بوضوح: الجزائر ليس لديها مشكلة في التعامل مع تيار المحافظين المتشددين، أي تيار أقصى اليمين طالما فاز هذا التيار في انتخابات دولة ما ويتحدث باسم تلك الدولة ولا يؤذي الجزائر ومصالحها.
يقفز إلى الأذهان الخلاف المتفجر مع فرنسا الآن بسبب وزير يميني متطرف يقود وزارة الداخلية وليس كل الدولة الفرنسية. بهدوء نفصل في هذه النقطة. جورجيا ميلوني هي رئيسة وزراء إيطاليا وقد وصلت إلى السلطة من خلال خطابها اليميني المتطرف وحكومتها تعد الحكومة الأكثر يمينية منذ الحرب العالمية الثانية. لكن لماذا العلاقة بين روما والجزائر في أفضل مستوياتها؟ الجواب: لأن روما تحافظ على مصالح شعبها ولا تؤذي الجزائر؟
لماذا أوفد الرئيس ترمب الذي يمثل أقصى اليمين الأميركي مستشاره الأبرز لزيارة الجزائر؟ الجواب: لأن ترمب يريد مصلحة أميركا أولا ومتى وجد مصلحة معنا سيدافع عنها؟
لماذا إذن هناك من يريد التسويق لفكرة أن الخلاف بين الجزائر وفرنسا هو خلاف مع تيار أقصى اليمين وليس مع وزير الداخلية الفرنسي برونو روتايو، الطامح لخلافة ماكرون في قصر الإليزيه؟ الجواب: العلاقة مع فرنسا متشعبة ومختلفة بالطبع عن العلاقة مع دول أخرى ولكن واضح تماما أن وزير الداخلية يريد استخدام مهاجمة المهاجرين الجزائريين والدولة الجزائرية وقودا لحملته الانتخابية المسبقة لسنة 2028، لكن هل تنتبه الدولة الفرنسية إلى أن مصالحها تتعرض للضرر كلما استمر مثل هذا الوزير أو غيره في التصرف باسم الدولة الفرنسية ضد مصالح الدولة الفرنسية وشعبها؟ الجواب في باريس طبعا.
نعود إلى زيارة مستشار ترمب إلى الجزائر لنشير إشارة أخيرة: لدينا نحو أربع سنوات يقود خلالها ترمب العالم وليس فقط أميركا، وعلينا ألا نعطيه الفرصة أو المبرر لمهاجمة الجزائر أو إضعافها. أما بالنسبة لفرنسا، فربما يجب الانتظار حتى التعديل الحكومي المقبل، أو الانتخابات المقبلة، مع الوضع في الحسبان أن الرئيس ترمب لا يحب ماكرون وأيضا لا يثق في بوتين، فهل تنجح الجزائر في ضبط بوصلتها جيدا تجاه واشنطن وباريس وموسكو؟ ذلك ما نأمل.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


خبر للأنباء
منذ 5 ساعات
- خبر للأنباء
جيش الاحتلال الإسرائيلي: من بين الأهداف التي تم استهدافها في لبنان مستودعات أسلحة ومنصة إطلاق وبنية تحتية تابعة لحزب الله
ترامب: أوقفنا الكثير من الحروب في الشرق الأوسط وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي: حزب الله أعاد تنظيم صفوفه ونسانده في الخطوات التي سيتخذها ترامب: سنعمل على إنهاء حرب أوكرانيا في الأيام والأسابيع المقبلة ترامب: سنفرض رسوما جمركية كبيرة جدا على الرقائق وأشباه الموصلات جيش الاحتلال الإسرائيلي: من بين الأهداف التي تم استهدافها في لبنان مستودعات أسلحة ومنصة إطلاق وبنية تحتية تابعة لحزب الله إعلام فلسطيني: شهداء ومصابون بقصف الاحتلال خيمة نازحين في خان يونس جنوبي قطاع غزة مسؤول في البيت الأبيض: قد يُعقد اجتماع ترامب وبوتين الأسبوع المقبل القناة 12 الإسرائيلية: الخطة العسكرية ستبدأ باحتلال كامل مدينة غزة والجيش سيطلب من سكانها الـ900 ألف مغادرتها وزير الخارجية الإيراني: نحن بحاجة إلى إطار عمل جديد للتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية البيت الابيض: سنفرض رسوما جمركية إضافية على #الهند بنسبة 25% لأنها تستورد نفطا من #روسيا الرئيس المصري: الدولة المصرية تواصل العمل من أجل وقف حرب غزة وإيصال المساعدات الإنسانية والتعاون لإطلاق سراح الرهائن والأسرى


خبر للأنباء
منذ 5 ساعات
- خبر للأنباء
مسؤول في البيت الأبيض: قد يُعقد اجتماع ترامب وبوتين الأسبوع المقبل
مسؤول في البيت الأبيض: قد يُعقد اجتماع ترامب وبوتين الأسبوع المقبل قبل 5 ساعة و 1 دقيقة


الشروق
منذ 10 ساعات
- الشروق
عن "قسوة" حماس و"وحشيتها المطلقة"!
بدل أن يكون أداة لتحقيق السلم الدولي وفضّ النزاعات المسلحة بين الدول وإنهاء الحروب التي تنشب في شتى أنحاء العالم، وهي مهمته الأولى منذ إنشائه فور انتهاء الحرب العالمية الثانية، أثبت مجلس الأمن الدولي أنّه مجرّد أداة في يد الولايات المتحدة والغرب وربيبهم الصهيوني، فقد عجز تماما عن إنهاء حرب الإبادة التي يشنّها الكيان على غزة منذ 22 شهرا، وعجز عن إدانة جرائم الإبادة والتطهير العرقي والتجويع المنهجي للفلسطينيين لتهجيرهم من بلدهم، ولم يكتف بذلك، بل عقد ليلة الأربعاء جلسة طارئة درس فيها وضعية الأسرى الصهاينة في غزة، بطلب من الاحتلال الذي اتّهم 'حماس' بتجويعهم عمدا، على طريقة 'رمتني بدائها وانسلّت'! من أجل 20 أسيرا صهيونيا حيا في غزة، اجتمع مجلس الأمن الدولي، بعد أن بثّت المقاومة فيديوهات تظهر أسيرين يعانيان الإنهاك والوهن والهزال بسبب الجوع، في حين أنّ 2.3 مليون فلسطيني بالقطاع يعانون مجاعة حادّة منذ أسابيع عديدة بسبب ندرة المساعدات الإنسانية التي لا يسمح الاحتلال بدخولها إلى غزة، وقد توفي منهم إلى حدّ الساعة 193 من شدّة الجوع، منهم 96 طفلا، فضلا عن 1516 شهيد و10067 جريح من طالبي المساعدات، والقائمة لا تزال مفتوحة.. لكنّ ذلك كلَّه لم يكن كافيا ليعقد مجلس الأمن الدولي جلسة طارئة، واجتمع فقط حينما بثّت المقاومة صور أسيرين جائعين! قبل أن يجتمع هذا المجلس الذي يخضع لهيمنة غربية مطلقة، كان عدد من قادة الدول الغربية قد انتفضوا بدورهم لمنظر الأسيرين الصهيونيين وشنّوا حملة جائرة وحاقدة على 'حماس' وتبنّوا سردية الاحتلال التي تتهم الحركة بتجويع أسراه عمدا؛ إذ وصف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب صور الأسيرين بـ'المروّعة'، وقالت مسؤولة الشؤون الخارجية للاتحاد الأوروبي كايا كالاس، إنها 'تكشف عن بربرية حماس'، وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إنها 'تعبّر عن قسوة مطلقة ووحشية بلا حدود'، وحتى وزير خارجية صربيا، ماركو غوريتس، عدّها 'شهادة على الوحشية غير المعقولة لآسريهم، ونحافتهم جريمة فظيعة'، وتجاهل هؤلاء المسؤولون الغربيون تماما صور أطفال غزة وهم يموتون جوعا بعد أن تحوّلوا إلى هياكل عظمية، وصور الفلسطينيين وهم يقتلون كل يوم أمام مراكز توزيع المساعدات برصاص جنود الاحتلال بكل همجية وسادية، وإمعانا في التحيّز والظلم والبغي، اتّهموا 'حماس' بتجويع الأسرى الصهاينة مع أنّهم متيقّنون أنّ المجاعة منتشرة في غزة كلّها بفعل السياسة الإجرامية للاحتلال، ولا يمكن للأسرى أن يتناولوا طعاما لا يحصل عليه الفلسطينيون! منذ قرابة سنتين، والاحتلال يرتكب إبادة واسعة في غزة ويقتل عشرات الأطفال والنساء وبقيّة المدنيين يوميا في مجازر مهولة، ويهدم البيوت والمستشفيات والمدارس على رؤوس الفلسطينيين، ويحرقهم أحياء في خيمهم، لكن أغلب قادة الغرب كانوا يتجاهلون المحرقة المتواصلة ويلزمون الصمت، بل إنّ بعضهم واصل دعم الاحتلال بالأسلحة والذخائر للاستمرار في ارتكاب جرائمه، وشجّع هذا الصمت والتواطؤ الغربي الاحتلال على محاولة التطهير العرقي للسكان وتهجيرهم إلى سيناء عبر التجويع والحصار، فكانت 'خطة الجنرالات' ثم 'عربات جدعون' ومحاولة إنشاء 'المدينة الإنسانية' في رفح، وغلق المعابر منذ 2 مارس الماضي ومنع إدخال أيّ مساعدات إنسانية إلى القطاع حتى تفشّت المجاعة وبدأ الناس يموتون من الجوع وصور الأطفال والكبار الذين تحوّلوا إلى هياكل عظمية تملأ شاشات الفضائيات… لكنّ قادة الغرب لم يتحرّكوا عمليا لإنهاء المجاعة، ولم يتحدّث أي منهم عن تجرّد الاحتلال من إنسانيته وعن قسوته الشديدة وهمجيته التي فاقت كلّ الحدود، وسمعنا فقط قادة أوروبيين يقولون إنّ صور الجوع في غزة 'غير مقبولة'.. نعم.. هي فقط مجرّد صور 'غير مقبولة' في نظرهم! ولكنّ حينما نشرت المقاومة صور أسيرين جائعين بفعل سياسة حكومتهما الجائرة، انتفض هؤلاء بسرعة وبدأوا يتّهمون المقاومة بـ'الوحشية والبربرية' وأيّدوا دعوة وزارة الخارجية الصهيونية لعقد جلسة طارئة لمجلس الأمن الدولي لدراسة 'الوضع المتردّي للرهائن في غزة'! إنّها الذاتية المقيتة عندما تتحكّم في النفوس وتدفعها إلى التعامي عن الحقائق السّاطعة كالشمس، والعنصرية البغيضة في أبشع صورها، والكره الغربي الأعمى لكلّ ما هو عربي وإسلامي. ومع ذلك، أحسن عدد من ممثلي الدول الدائمة وغير الدائمة في مجلس الأمن الدولي صنعا حينما استغلوا فرصة الجلسة 'الاستثنائية' لمحاكمة العدوّ الصهيوني على جريمة نشر المجاعة في غزة لإبادة أهلها أو إجبارهم على الهجرة، وطالبوا بالوقف الفوري للحرب وفتح المعابر وإيصال المساعدات، وانتقدوا الغرب على سياسة الكيل بمكيالين والتغاضي عن جرائم الاحتلال، ورفع ممثل الجزائر، عمار بن جامع، صور أطفال فلسطينيين استشهدوا بفعل المجاعة، ونبّه قادة العالم إلى أنّ الأجيال القادمة ستسأل: 'أين كنتم عندما كانت غزة تتضوّر جوعا، وعندما مات الأطفال وهم يبحثون عن الخبز، وحينما سحق شعب بأكمله باسم الأمن؟'، وانتقد ضمنيّا كل قادة الغرب المتحيّزين للاحتلال وقال: 'التاريخ سيسجّل أسماء الذين كثيرا ما يعطون دروسا للآخرين باسم حقّ الدفاع عن النفس، أولئك الذين ينكرون الجريمة وكانوا شركاء فيها، وأولئك الذين صمتوا وكانوا شهود عار'.