
القوة الناعمة أو الخشنة وأين المصلحة؟
قبل وفاته بثلاثة أسابيع تحدث جوزيف ناي مفكر «القوة الناعمة» عن خيبته الكبرى من سياسات الرئيس ترمب. ومن وجهة نظره، فإنّ أميركا فقدت جاذبيات القوة الناعمة عندما أرادت التسيُّد على العالم بالقوة العسكرية وبالإرغام الاقتصادي. لقد ضعُفت أميركا كثيراً بحيث تضطر إلى التهديد بالحرب على طول الخط. وفي مقابل ذلك، سياسات البلطجة للحماية في مقابل المال أو الاتفاقيات طويلة المدى. بيد أنّ أكثر ما أثّر في ناي إلى جانب تسريح عشرات الألوف من الموظفين من الحكومة ووكالاتها هذه الملاحقات (مثل محاكم التفتيش) للجامعات العريقة والمتفوقة التي شاركت في بناء سمعة الولايات المتحدة الأكاديمية والبحثية بعد الحرب العالمية الثانية.
قبل الحديث عن مدى حقيقة اتهامات ناي، يكون من الملائم طرح سؤال القوة والضعف. وقد ثبت أن الولايات المتحدة قوية وقوية جداً. ومع أنه لا يحب الحروب كما يقول؛ فإنّ الرئيس ترمب يذكر في كل حين أن أميركا تملك أقوى جيشٍ في العالم، وأنه سيزيده قوة، ويزيد بذلك أميركا حمايةً ومناعة. وهو يهدف من ذلك إلى إرعاب العالم لمنع الحروب وليس لإشعالها كما يقول. وبالفعل، فإنّ القوة الأميركية أثبتت وجودها بدليل تجنب الجميع مواجهتها والاستماتة في الدخول بمفاوضاتٍ معها. تبدو روسيا العظمى منضوية ومستميتة في مفاوضة ترمب. لكأنما ما شنّ بوتين حربه إلّا ليتحدث إليه الرئيس الأميركي! أما الصين، فتبذل كلَّ جهد حتى لا تدخل في تصادم مع أميركا للمصلحة الاقتصادية الراجحة. لكن حتى في بحر الصين ومشكلة تايوان لا يزال التفاوض ممكناً رغم التهديد والوعيد المتبادل بين الطرفين. من يتحدى «أميركا ترمب» إذن؟ لا أحد يستطيع أو يفكّر. وهكذا، فأميركا لم تضعف، بل زادت قوةً وثقة بدليل أنها تفرض السلام من دون حروب. وبالطبع السلام لا يُرضي كل الأطراف، لكنه خيرٌ من الحرب بما لا يُقاس!
في الوقت الذي يتجه فيه الرجل لفرض سلامٍ عالمي لا يزال الاقتصاد الأميركي على رأس اقتصادات العالم، الجميع يشكون من «الهيمنة»، لكن الجميع وعلى رأسهم الصين لا يستطيعون الاستغناء عن أميركا ليس بصفتها سوقاً اقتصادية هائلة فقط؛ بل لأن أميركا صنعت للعالم نظام حياةٍ تزداد سيطرته كل يوم. القوة العسكرية والقوة الاقتصادية لا تزالان تؤمّنان لأميركا تفوقاً لا يسعُ عاقلاً التنكر له أو إنكاره. ناي زعلان بالطبع من هذا الفرض بالذات، بينما كان الرضا العالمي السابق لا يُشعر بالفرض ولا بالإرغام رغم نقد اليساريين أنه كان دائماً كذلك!
ذكر ناي ميادين أُخرى لاختفاء الجاذبية، ومنها كما سبق القول تسريح عشرات الألوف من الموظفين. وتصغير حجم الدولة صار آيديولوجياً لدى اليمين في أوروبا وأميركا، ولا ندري كم يؤثر ذلك على الخدمات، لكننا نعلم أنّ تسريح الموظفين تم من ضمن الموظفين الفيدراليين وليس من موظفي الولايات. لكنّ الحسومات من الإنفاق تتعلق أيضاً بالتعليم والصحة والبيئة، وبعضها مما تتشارك به أميركا مع العالمَين المتحضر والنامي(!) نحن نتحدث عن التزامات أميركا تجاه النظام الدولي والقانون الدولي الإنساني ومفوضيات ووكالات الأغذية والزراعة، وقبل ذلك وبعده حلف الأطلسي الذي يكاد الرئيس ترمب يتخلى عنه علناً!
ولنصل إلى الدعم الكبير للبحث العلمي والمنَح بالجامعات العظيمة مثل هارفارد وكولومبيا وجورج تاون وأخريات. هي بالطبع جامعات خاصة، لكنها في نظام التعليم العالي المفتوح والليبرالي كانت تشكّل دعايةً كبيرةً للولايات المتحدة؛ لأنها تحظى باعترافٍ عالميٍّ كبير. وقد درّستُ في أميركا في التسعينات بجامعاتٍ مختلفةٍ زهاء عشر مرات، وشهدت كم كان الطلاب متنوعين وكيف كانوا يتربون على أنهم يتعلمون الحرية والعدالة والتنوير إلى جانب الفيزياء والطب والحقوق... ودراسات الشرق الأوسط! لكننا نسينا أنه حدث الشيء نفسه وأفظع منه بين 1968 و1975 في معظم الجامعات الأميركية الخاصة والحكومية: المظاهرات الصاخبة ضد حرب فيتنام!
هناك مشكلة مزدوجة مع الجمهوريين ومع الديمقراطيين. فالجمهوريون لا يستطيعون الزعم أنها سياسات منتظمة ولها أهداف محددة ويمكن الدفاع عنها في المؤسسات. أما الديمقراطيون فهم ساكتون ومتخاذلون كأنما لا يحبون الليبراليات التي اندفعوا فيها من وراء كامالا هاريس!

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


سواليف احمد الزعبي
منذ 8 ساعات
- سواليف احمد الزعبي
الذخائر غير المنفجرة تهدد حياة سكان غزة
#سواليف تجسد قصة الشقيقين محمد وأحمد العرايشي، معاناة سكان قطاع #غزة تحت وطأة #الحرب و #الدمار. ففي صباح أحد الأيام، خرج الشقيقان بحثا عن #رغيف_خبز لإخوتهم الصغار، ليكتشفا بين الأنقاض جسما اعتقدا أنه دمية، لكنه كان #قنبلة غير منفجرة تعود لمخلفات #الجيش_الإسرائيلي، ما أدى إلى #كارثة مؤلمة.. هذا وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى وجود آلاف الذخائر غير المنفجرة التي تهدد حياة المدنيين. وحذّرت منظمة 'هانديكاب إنترناشونال' من أن الذخائر غير المنفجرة تشكل أحد أكبر التحديات طويلة الأمد في قطاع غزة، إذ تنتشر في جميع أنحاء القطاع، مما يعيق وصول المساعدات الإنسانية وإعادة بناء البنية التحتية الأساسية. نيكولاس أور، المسؤول عن مكافحة الألغام في الأراضي الفلسطينية المحتلة، أشار إلى أن غزة مغطاة بالقنابل غير المنفجرة حتى في أصغر الأماكن، ما يعوق الجهود الإنسانية ويزيد من صعوبة الوصول إلى المباني المتضررة. وأوضح أور أن الوضع في غزة خطير للغاية، حيث لا يمكن حماية المدنيين في ظل استمرار وجود هذه الذخائر، مما يجعل من الصعب إزالة هذه المخاطر بشكل فعال. كما أضاف أن إزالة الذخائر ستتطلب جهودًا دولية متضافرة وتمويلًا كبيرًا، مشابهًا لما يتم القيام به في مدن أوروبية مثل باريس ولندن التي لا تزال تزيل ذخائر من الحرب العالمية الثانية. وأشار إلى أن الذخائر غير المنفجرة تشكل تهديدًا مباشرًا للمدنيين الذين يحاولون استعادة ممتلكاتهم من تحت الأنقاض.


رؤيا
منذ 11 ساعات
- رؤيا
وداع استثنائي لماسك بحضور ترمب.. مفتاح البيت الأبيض وكدمة مفاجئة
في لحظة رمزية سلّم ترامب لماسك "مفتاح البيت الأبيض" وسط تصفيق الحضور شهدت العاصمة الأمريكية حفل وداع غير تقليدي للملياردير إيلون ماسك، حضره الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب، حيث تخلل الحفل كلمات رسمية وأخرى عفوية، إضافة إلى لحظات لافتة. بدأ الحفل بلقطة عامة لترمب وهو يتحدث أمام الحضور، قبل أن يعرض مقطع فيديو على جهاز كمبيوتر محمول. ومع انتهاء العرض، دوّى التصفيق في القاعة. وواصل ترمب حديثه قائلاً عن ماسك:"العديد من أشخاص DOGE، إيلون، سيبقون هنا، لن يغادروا. وحتى إيلون، هو فعليًا لن يغادر. أعتقد أنه سيظل يتنقل ذهابًا وإيابًا. لدي شعور أن هذا المشروع بمثابة طفله، وأعتقد أنه سيواصل العمل عليه كثيرًا." في لحظة رمزية، سلّم ترامب لماسك "مفتاح البيت الأبيض"، وسط تصفيق الحضور، ثم أفسح المجال لماسك للتحدث، حيث أكد استعداده للبقاء في موقع الصداقة والدعم السياسي قائلاً:"أتوقع أن أواصل تقديم المشورة متى ما أراد الرئيس ذلك... نعم، أتوقع أن أبقى صديقًا ومستشارًا. وبالطبع، إذا طلب مني الرئيس أي شيء، فأنا في خدمته." وفي لفتة إنسانية طريفة، سُئل ماسك عن الكدمة الظاهرة في عينه، ليجيب مازحًا:"لم أكن في فرنسا، فقط كنت ألهو مع طفلي الصغير X، وقلت له: هيا، اضربني في وجهي. وبالفعل فعلها. حتى ضربة طفل في الخامسة من عمره يمكن أن تترك أثرًا." وعلّق ترمب مازحًا: "هل X هو من فعلها؟ نعم، بإمكانه فعلها. لو تعرفه، لفهمت ذلك." اختتم الحفل بلقطة أخيرة لترمب وهو يودّع الحضور، واضعًا بذلك نهاية لمشهد وداعي جمع السياسة بالتقنية في لحظة فريدة من نوعها.

سرايا الإخبارية
منذ 12 ساعات
- سرايا الإخبارية
في خضم توتر اقتصادي بين البلدين .. ترمب يعلن اعتزامه التحدث مع شي جين بينج
سرايا - أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب، أنه سيتحدث إلى نظيره الصيني شي جين بينج على أمل التوصل إلى حل لخلافاتهما بشأن التجارة والرسوم الجمركية، وسط تصاعد المخاوف من انهيار "الهدنة التجارية" القائمة بين أكبر اقتصاديين في العالم. وقال ترمب للصحافين في البيت الأبيض: "سأتحدث إلى الرئيس شي جين بينجح بالتأكيد، وآمل أن نتوصل إلى حل". وأفادت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، بأن "الهدنة التجارية" القائمة بين الولايات المتحدة والصين مهددة بالانهيار، في ظل غضب إدارة ترمب من بطء إجراءات الصين في تصدير المعادن النادرة. وقالت مصادر مطلعة على الأمر للصحيفة، إن إبرام الاتفاق الذي تم التوصل إليه خلال محادثات جنيف في وقت سابق من الشهر الجاري، كان مشروطاً بتقديم بكين"تنازلات" في ملف المعادن النادرة، وهي من المكونات الأساسية في صناعة هواتف آيفون، والسيارات الكهربائية، والأسلحة المهمة مثل مقاتلات F-35 وأنظمة الصواريخ. وذكرت المصادر أن المفاوضين التجاريين الأميركيين قدموا لنائب رئيس مجلس الدولة الصيني خه ليفنج طلباً بأن تستأنف بكين تصدير المعادن النادرة، مقابل أن توافق الولايات المتحدة على تعليق مؤقت للرسوم الجمركية لمدة 90 يوماً. ووافق المسؤول الصيني على المطلب الأميركي في الساعات الأخيرة من "المباحثات الماراثونية" مع وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت والممثل التجاري الأميركي جيميسون جرير، ووفقاً للمصادر. قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب إنه حقق الأسبوع الماضي إنجازات عدة، أبرزها إبرام اتفاق التجارة الحرة مع الصين، مشيراً إلى أنه يأتي في سياق الانفتاح على بكين. وبموجب الاتفاق، علّق الجانبان معظم الرسوم الجمركية، وهو ما لاقى ترحيباً من المستثمرين والشركات حول العالم. لكن منذ جنيف، استمرت بكين في إجراءاتها البطيئة للموافقة على تراخيص تصدير المعادن النادرة وعناصر أخرى ضرورية لتصنيع السيارات والرقائق وغيرها. واتخذت الإدارة الأميركية، في وقت سابق من الأسبوع الجاري، خطوات لإلغاء تأشيرات دخول الطلاب الصينيين، كما علّقت بيع بعض التقنيات الحيوية للشركات الصينية. اتهامات بانتهاك الاتفاق وقال ترمب في منشور على منصة "تروث سوشيال"، صباح الجمعة، إن الصين"انتهكت بالكامل الاتفاق المبرم معنا"، مضيفاً: "لقد أبرمت اتفاقاً سريعاً مع الصين لإنقاذهم من وضع كنت أعتقد أنه سيكون سيئاً للغاية"، لكنه استدرك معبراً عن غضبه: "وداعاً للطيبة". ولاحقاً، حثت الصين الولايات المتحدة على إنهاء "القيود التمييزية" ضد بكين، داعيةً للتعاون في الحفاظ على "التوافق" الذي تم التوصل إليه خلال المحادثات رفيعة المستوى التي جرت في جنيف. وقال المتحدث باسم السفارة الصينية في الولايات المتحدة، ليو بنجيو، في بيان، إنه "منذ المحادثات الاقتصادية والتجارية بين الصين والولايات المتحدة في جنيف، حافظ الجانبان على التواصل بشأن مخاوف كل منهما في المجالين الاقتصادي والتجاري في فعاليات ثنائية، ومتعددة الأطراف على مستويات متعددة". وأضاف: "مؤخراً، أعربت الصين مراراً عن قلقها للولايات المتحدة بشأن إساءة استخدامها لإجراءات الرقابة على الصادرات في قطاع الرقائق الإلكترونية وغيرها من الممارسات ذات الصلة"، داعياً واشنطن لـ"تصحيح أفعالها الخاطئة فوراً، وإنهاء القيود التمييزية". في المقابل، قال نائب رئيس موظفي البيت الأبيض للشؤون السياسية، ستيفن ميلر، إن إدارة ترمب تستعد لاتخاذ إجراءات جديدة تستهدف الصين، معتبراً أن "هذا الأمر يفتح المجال أمام الولايات المتحدة لاتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لضمان الامتثال في المستقبل". حثت الصين، الولايات المتحدة على إنهاء "القيود التمييزية" ضد بكين، فيما ذكر البيت الأبيض أن واشنطن تستعد لاتخاذ إجراءات جديدة تستهدف الصين. وفي مقابلة مع شبكة CNN، أكد ميلر، أن "هناك تدابير تم اتخاذها، وهناك تدابير ستتخذ، وأخرى قيد الدراسة"، لافتاً إلى أنه "سيكون من غير الحكمة أن تواصل الصين هذا النهج، بدلاً من أن تسلك طريق التعاون". وأفاد 3 مسؤولين بإدارة ترمب لشبكة CNN، بأن سلسلة "الإجراءات العقابية" الأخيرة ضد الصين، جاءت نتيجة اعتقاد مسؤولين أميركيين بأن بكين لم تفِ بالتزاماتها التي قدمتها خلال المحادثات التجارية التي جرت في وقت سابق من الشهر الجاري. وأعرب المسؤولون عن "إحباطهم" من عدم التزام الصين بالتعهدات التي كان من المفترض أن تخفف من حدة الخلاف التجاري بين البلدين، في الوقت الذي يسعون فيه للتوصل إلى اتفاق شامل قبل منتصف أغسطس المقبل، وهو موعد إنتهاء مهلة تعليق الرسوم الجمركية. وتسلط هذه الخلافات الضوء على العلاقة المتوترة بين أكبر اقتصادين في العالم. فعلى الرغم من اتفاق الجانبين بعد محادثات سويسرا على خفض الرسوم الجمركية المرهقة، إلا أن الفجوة اتسعت بشأن سلاسل التوريد التي تعتبرها كل دولة ضرورية لأمنها القومي.