logo
الصور "المثالية" أمنية شبابية عسيرة

الصور "المثالية" أمنية شبابية عسيرة

Independent عربيةمنذ 2 أيام

بين الصور المصقولة والمعدلة وفق خيارات عدة، واللحظات المنتقاة بعناية، تتشكل ضغوط خفية عبر مرآة وسائل التواصل الاجتماعي، تدفع إلى الانصياع إلى إملاءات تفرضها معايير الجمال. وبين صور مثالية لا تعترف بالعيوب ومطاردة كمال زائف، يصبح السعي إلى نيل القبول عبر "الإعجاب" والتعليقات، أكثر من مجرد تفاعل رقمي، بل عبئاً نفسياً يغذي القلق الاجتماعي ويحول التواصل إلى ساحة اختبار دائمة للذات.
يواجه مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي، خصوصاً الشباب، تحديات نفسية متزايدة بفعل ما يعرف بـ"الصورة المثالية" التي تروج لها هذه المنصات، إذ لا تقتصر هذه الصورة على مظاهر الجمال أو الأزياء فحسب، بل تتعداها إلى أنماط الحياة الفاخرة والنجاح السريع والسعادة الدائمة، مما يجعل كثيراً منهم يشعرون بأنهم أقل من غيرهم، وأن حياتهم لا ترقى إلى المستوى المطلوب.
مع تجاوز عدد مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي 4.9 مليار شخص حول العالم، تبدو هذه المنصات كنسيج رقمي يربط عناصر الحياة الحديثة بعضها ببعض، غير أن هذا الترابط الظاهري يخفي وراءه مفارقة مؤلمة، فعلى رغم كثافة التفاعل والتواصل اليومي، يعبر كثر عن شعور متزايد بالعزلة والوحدة، وكأن هذه الشبكات الرقمية قد انتزعت من التواصل الإنساني عمقه الحقيقي، وتحولت من أدوات بسيطة للتواصل إلى منظومات ثقافية ونفسية متداخلة تؤثر في الإدراك للذات وللعالم. ومع صعود ما يعرف بـ"المؤثرين" أصبحت هذه المنصات ساحات عرض لحياة مثالية مصقولة تبث على مدى الساعة. تظهر صور السفر المعدلة وأجساد اللياقة الخارقة والابتسامات الخالية من الشوائب، واقعاً مشوهاً يزرع في المتابعين، خصوصاً الشباب، شعوراً دفيناً بعدم الكفاية.
شغلت هذه الموجة المتصاعدة الباحثين والمهتمين، الذين أوضحوا أن المراهقين على وجه الخصوص عرضة لتأثير هذه الصور النموذجية، إذ تتشكل هوياتهم في ظل مقارنات دائمة وغير متكافئة، وبدلاً من أن تكون وسائل التواصل منابر للتعبير الذاتي والتواصل الإنساني، تحولت لدى كثر إلى مرآة قاسية لا تعكس الذات الحقيقية بل تقارنها بمعايير مستحيلة. وهكذا يتشكل جيل بأكمله في ظل سعي دائم وراء الكمال الافتراضي، ويركض خلف صورة لا يمكن الإمساك بها، ويكافح للحفاظ على تقديره لذاته في مواجهة عالم رقمي لا يعترف بالنقص، بل يجمل كل شيء... حتى الألم.
كشفت بيانات مركز السيطرة على الأمراض الأميركي (سي دي سي) عن أن معدلات الاكتئاب بين المراهقين ارتفعت بنسبة 60 في المئة خلال العقد الماضي (pixabay)
هشاشة نفسية
منذ سبعينيات القرن الماضي وضع عالم الاجتماع الشهير إيرفينغ جوفمان، نظرية "إدارة الانطباع"، إذ تناول فكرة أن الإنسان يقدم نسخاً مختلفة من ذاته في السياقات الاجتماعية المختلفة، والآن برعت وسائل التواصل الاجتماعي بتحويل هذا السلوك إلى أداء دائم أمام جمهور عالمي، مما زاد من الضغط النفسي.
تحولت وسائل التواصل الاجتماعي إلى ساحة تنافسية لعرض أفضل النسخ من الذات، مدعومة بفلاتر رقمية وتطبيقات تعديل الصور التي تسمح بإعادة تشكيل الوجه والجسم بضغطة زر. وتظهر إحصاءات من مؤسسة "كومون سينس ميديا" الأميركية أن أكثر من 80 في المئة من المراهقين قد حاولوا مرة واحدة في الأقل تعديل صورهم قبل نشرها على الإنترنت.
تقول أستاذة الفلسفة في جامعة وارويك ومؤلفة كتاب "بيرفكت مي"، هيذر ويدوز، "إن الجمال أصبح معياراً أخلاقياً في المجتمع الرقمي، ومن لا يلتزم به يعتبر مقصراً أو غير جذاب اجتماعياً"، وتشير إلى أن منصات مثل "إنستغرام" و"تيك توك" تعزز هذا التصور من خلال الخوارزميات التي تكافئ الصور الأكثر تنسيقاً والأجسام الأقرب إلى النمط السائد.
عزز ذلك فرضية أن الكمال يعد عاملاً مؤثراً بعمق في العلاقة بين استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والقلق الاجتماعي، إذ يرتبط ارتفاع مستوياته بزيادة القلق الاجتماعي، خصوصاً بين طلاب الجامعات، ما ذهب إليه بعض المتخصصين من أن الكمال المرتكز على مطالب داخلية وخارجية يغذي المخاوف من التقييم السلبي، مما يفضي إلى حال من التوتر والانكفاء الاجتماعي.
الأستاذة في مجال المعلومات في جامعة نورث كارولاينا، فرانشيسكا تريبودي، استخدمت مقياس الانشغال بالمظهر على وسائل التواصل الاجتماعي، لتبين أن الظهور الإيجابي المتكرر على وسائل التواصل لا يعكس دائماً ثقة ذاتية حقيقية، بل قد يكون في كثير من الحالات آلية تعويضية، سواء لتعزيز رأس المال الاجتماعي القائم، أو لسد فجوات الوحدة والدعم الضعيف. وذكرت أن "الإفراط في عرض المثالية قد يكون دافعه الحاجة إلى التقدير، والخوف من النبذ، أو السعي إلى الكمال الذي يرضي معايير اجتماعية صارمة. غير أن غياب هذه الآلية التعويضية، في حال انعدام التفاعل أو التقدير، قد يعري هشاشة الهوية النفسية ويفاقم الشعور بالعزلة والقلق، مما يسلط الضوء على التناقض بين الصورة الافتراضية والواقع النفسي الخفي".
تعزيز المثالية الجسدية والمادية يخلق شعوراً دائماً بعدم الكفاية لدى فئات عمرية حساسة (pixabay)
تحد صامت
حذر أطباء نفسيون ومؤسسات صحية من أن وسائل التواصل الاجتماعي تشكل تحدياً صامتاً للصحة النفسية، خصوصاً لدى الشباب واليافعين، فالسعي الحثيث لمضاهاة الصور "المثالية" التي تعج بها هذه المنصات، يعمق شعور المقارنة والنقص، ويسهم في تفاقم اضطرابات نفسية خطرة مثل القلق والتوتر والاكتئاب، وخطر عدم الرضا عن الجسم واضطرابات الأكل بين الشباب. وتشير منظمة الصحة العالمية إلى أن الانتحار يعد ثاني سبب رئيس للوفاة بين من تراوح أعمارهم ما بين 15 و29 سنة. وتكشف بيانات "مركز السيطرة على الأمراض الأميركي (سي دي سي) أن معدلات الاكتئاب بين المراهقين ارتفعت بنسبة 60 في المئة خلال العقد الماضي، في ظل ازدياد المقارنة الاجتماعية الناتجة من التفاعل مع محتوى الآخرين.
وتظهر دراسة استقصائية أجرتها "الجمعية الملكية للصحة العامة" في لندن على أكثر من 1500 مراهق، أن "إنستغرام" يصنف كأخطر منصة تواصل اجتماعي على الصحة النفسية والرفاهية، لما يسببه من آثار سلبية في صورة الجسد والنوم والخوف من تفويت الفرص (فومو)، وأن المنصة ارتبطت مباشرة بانخفاض السعادة والرضا عن الذات، لا سيما لدى الفتيات. ويؤكد المدير السابق للصحة النفسية في هيئة الخدمات الصحية البريطانية (أن أتش إس)، تيم كندال، أن وسائل التواصل الاجتماعي تعمل كمسرع لمشاعر القلق، لأنها تدفع المستخدمين إلى مطاردة الكمال الذي لا يمكن الوصول إليه.
وتبين الباحثة الصينية في أكاديمية شنتشن غريت، كانران وين، أن النمو المعرفي غير المكتمل لدى اليافعين يجعلهم أكثر عرضة للقلق الناجم عن "صناعة الذات المثالية"، إذ يصبح أداؤهم الرقمي مقياساً لذواتهم الحقيقية. بينما يظهر بحث "مشروع دوڤ لتقدير الذات" أن 60 في المئة من الفتيات و41 في المئة من الفتيان يشعرون بالضغط للظهور بمظهر معين.
ووفقاً لاستطلاع أجراه مركز "بيو" للأبحاث، فإن 55 في المئة من المراهقين يشعرون بالإرهاق من كم المعلومات المتاحة على وسائل التواصل الاجتماعي، لا سيما المتعلقة بمظهرهم، كذلك وجد بحث نشر في مجلة البث والإعلام الإلكتروني أن الأفراد الذين يتلقون كثيراً من الإعجاب والتعليقات على منشوراتهم قد يشعرون بتحسن موقت في تقدير الذات، لكن هذا التأثير قصير الأمد.
حذر أطباء نفسيون ومؤسسات صحية من أن وسائل التواصل الاجتماعي تشكل تحدياً صامتاً للصحة النفسية (pixabay)
خلل المنظومة
في بحث أجراه فهد الفقيهي وآخرون، شمل 2856 مشاركاً من السعودية تراوح أعمارهم ما بين 10 و24 سنة ولديهم حسابات على وسائل التواصل الاجتماعي، وجد أن 77.4 في المئة حاولوا تقليل استخدام وسائل التواصل لأسباب تتعلق بالصحة النفسية، و85.2 في المئة كانوا على دراية بالموارد المتاحة لدعم الصحة النفسية عبر هذه المنصات. كان المشاركون الأكبر سناً (الذين تراوح أعمارهم ما بين 16 و24 سنة) أكثر عرضة للتأثر النفسي بسبب وسائل التواصل الاجتماعي مقارنة بالمشاركين الأصغر سناً (الذين تراوح أعمارهم ما بين 10 و15 سنة). من ناحية أخرى كان المشاركون المتزوجون أو الحاصلون على مستوى تعليمي متوسط أو الذين يعيشون في المناطق الشمالية أو الغربية أو الشرقية، أقل عرضة للتأثر النفسي الناتج من وسائل التواصل الاجتماعي مقارنة بغيرهم.
أما الطالب الجامعي أحمد عبدالمغني محمد، من كلية الآداب في جامعة عين شمس المصرية، فقد أوضح أن "الاهتمام الزائد بالموضة ومجاراة ما يعرض في وسائل التواصل الاجتماعي، كشفا عن خلل واضح في المنظومة القيمية لدى شباب الجامعات، وعلى أثره حدث نوع من التخلي عن القيم الإيجابية المشتركة والمعايير الثقافية السائدة، وحل محلها الاعتقاد في المفاهيم التي تعرضها هذه الوسائل، ومنها مفهوم الجمال المثالي".
أما الباحثة في الجامعات السودانية، وجدان موسى، فتقول "ليست وسائل التواصل الاجتماعي مجرد أداة، بل هي عنصر أساس في تكوين الهوية. غالب الشباب يبدعون في تصوير شخصياتهم على الإنترنت، ويسعون إلى إثبات صحتها من خلال الإعجاب والتعليقات، ويمكن أن يكون هذا شيئاً إيجاباً من ناحية التطلع إلى الأفضل، ولكن من ناحية أخرى إذا زادت وتيرة المقارنة بالآخرين، يمكن أن تسبب نوعاً من عدم الرضا عن الذات، خصوصاً إذا كان نموذج المقارنة أحد المشاهير أو المؤثرين ممن صاغوا حياتهم ومعاشهم من خلال هذه الوسائل، فيشعر كثير من هؤلاء أنهم لن يتمكنوا أبداً من الوصول إلى مستوى ما يعرضونه".
إحساس زائف
يجسد تصاعد ظاهرة "تسويق المؤثرين"، لا سيما في قطاعات الموضة والتجميل، تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على أنماط الاستهلاك المعاصرة. فقد تحولت المنصات الرقمية إلى فضاءات يومية لإعادة إنتاج تصورات الرفاهية والجمال، إذ لم يعد المشاهير وحدهم من يقودون الرأي العام، بل أصبح المؤثرون، وهم غالباً من خلفيات عادية بنوا قاعدة عريضة من المتابعين، مرآة لمثل تسوقها العلامات التجارية بمهارة فائقة، وغالباً ما يولدون ثقة وتفاعلاً أكبر من تأييد المشاهير التقليدي، تنبع هذه الثقة من الصدقية المتصورة للمؤثرين الذين بنوا علاقات حقيقية مع جماهيرهم ومدى ارتباطهم بهم.
ووفقاً لتقرير صادر عن "منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية"، فإن هذا الشكل من التسويق "يمارس تأثيراً عميقاً في صورة الذات لدى الشباب، ويغذي تطلعات استهلاكية يصعب بلوغها، مما يفاقم القلق في شأن الهوية والمكانة الاجتماعية".

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتحذر الباحثة الأردنية المتخصصة في حوكمة الإنترنت وحقوق المستخدمين الرقميين، ريم المصري، من أن "خطورة هذا التسويق تكمن في تغليفه حلم الرفاهية بمظهر واقعي زائف، إذ تقدم الحياة المترفة على أنها نتيجة طبيعية لاقتناء منتجات معينة، من دون الالتفات إلى السياقات الاجتماعية والاقتصادية الحقيقية". ويذهب الرأي نفسه إلى ما أكده الأستاذ المشارك في كلية الاتصالات والإعلام بجامعة ديبول في شيكاغو، تيموثي كول، الذي يشير إلى أن "تعزيز المثالية الجسدية والمادية عبر المؤثرين يخلق شعوراً دائماً بعدم الكفاية لدى فئات عمرية حساسة".
إن الصورة التي ترسمها هذه الحملات ليست مجرد تسويق منتج، بل تسويق نمط حياة، وهو ما يجعل الشباب، ولا سيما الفتيات، عرضة لتبني سلوكيات استهلاكية قسرية بهدف اللحاق بمثالية متخيلة. وتكمن المفارقة في أن هذه الرسائل تمرر بأسلوب حميمي، من خلال سرديات يومية للمؤثرين تخلق إحساساً زائفاً بالقرب والصدقية، لذا يبرز تحد أخلاقي أمام الشركات يتمثل في إعادة تقييم دورها في صناعة وعي جماعي أكثر توازناً، يعلي من قيمة التنوع الواقعي والرفاه النفسي، لا مجرد البريق التسويقي.
الذات الرقمية
تناولت صحف عالمية مثل "الغارديان" و"نيويورك تايمز" القضية من منظور نقدي، ففي مقال للصحافية البريطانية دييدري كيهوي، شددت على ضرورة تعليم الشباب مهارات التفكير النقدي الرقمي.
أما الكاتبة الأميركية إيسكرا لورانس فقد دعت إلى تغيير ثقافي يضع الصحة النفسية في مقدمة الاهتمامات الرقمية، لا مجرد مظهر خارجي، كذلك فإن تقارير صحافية عدة نشرت أخيراً حذرت من تزايد ظاهرة "تشوه صورة الذات الرقمية"، التي تجعل المستخدم غير قادر على قبول شكله الطبيعي خارج الشاشة.
يقترح الخبراء جملة من الحلول العملية "تعزيز الوعي الرقمي، فيجب أن تتضمن المناهج الدراسية حصصاً مخصصة لفهم أخطار الصورة المثالية وتأثيرها في النفس، وتمكين الأهل والمربين عبر إرشادات عملية تساعدهم على التفاعل مع أبنائهم حول محتوى وسائل التواصل، والرقابة الذاتية بتشجيع المستخدمين على تقييم المحتوى الذي يتابعونه، وتخصيص وقت محدد لتصفح التطبيقات، كذلك ينبغي على الشركات المالكة لهذه الوسائل وضع ضوابط تقنية تحاصر انتشار المحتوى المزيف أو الضار".

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

حسين الشحات يثير التكهنات بشأن مستقبله مع الأهلي المصري
حسين الشحات يثير التكهنات بشأن مستقبله مع الأهلي المصري

صدى الالكترونية

timeمنذ 7 ساعات

  • صدى الالكترونية

حسين الشحات يثير التكهنات بشأن مستقبله مع الأهلي المصري

أثار حسين الشحات، نجم الأهلي المصري، التكهنات بشأن مستقبله مع الفريق بسبب منشور كتبه على حسابه بموقع إنستغرام. وكتب الشحات رسالة عبر خاصية ستوري حسابه بموقع 'إنستغرام': 'لا أحد يعرف أين نصيبه، ربنا يجعل نصيبنا في كل شيء نريده ويجعل به الخير'. وأثار هذا المنشور التكهنات حول إمكانية رحيله عن الأهلي بعد أن انضم إلى صفوف الفريق الأحمر في شهر يناير 2019 قادماً من العين الإماراتي.

"واتساب" يعلن عن ميزات جديدة لتحديثات الحالة
"واتساب" يعلن عن ميزات جديدة لتحديثات الحالة

العربية

timeمنذ 2 أيام

  • العربية

"واتساب" يعلن عن ميزات جديدة لتحديثات الحالة

أعلن تطبيق المراسلة الشهير واتساب ، المملوك لشركة ميتا، رسميًا أنه بصدد طرح ميزات جديدة بتحديثات الحالة تركز على الموسيقى بالإضافة إلى تحسينات أخرى. وشملت هذه الميزات الجديدة المقبلة إمكانية تحويل ست صور بحد أقصى إلى صورة مجمعة باستخدام أدوات التعديل التي يتيحها "واتساب" لتبدو هذه الصورة المجمعة كما يريدها المستخدم. وسيضيف "واتساب" أيضًا ميزة تتيح للمستخدم تحويل أي صورة إلى ملصق مُخصص يُمكن تغيير حجمه، وقصه، وإعادة وضعه مباشرةً داخل منشور الحالة، بحسب منشور مدونة لواتساب يوم الخميس. وتتضمن الميزات المقبلة أيضًا واحدة تمكن المستخدم من اختيار صورة واستخدام ملصق جديد يحمل اسم "أضف وسائط" (Add Yours) يتيح دعوة أصدقائه للتفاعل بصورهم الخاصة بناء على موضوع مشترك. وتعتبر هذه الميزة الأخيرة أداة تفاعلية مألوفة من تطبيق إنستغرام، المملوك لميتا أيضًا. وسيطرح "واتساب" أيضًا ميزة ستُمكن المستخدمين من إنشاء تحديث حالة يركز كليًا على أغنية محددة، وهو ما سيجعل المستخدمين غير مضطرين للاعتماد على فيديو أو صورة لتكون خلفية للأغنية المستخدمة. وقال "واتساب" إنه سيبدأ طرح هذه الميزات قريبًا وستكون متاحة لجميع المستخدمين -يشمل ذلك مستخدمي نظامي أندرويد و"iOS"- خلال الأشهر المقبلة.

الصور "المثالية" أمنية شبابية عسيرة
الصور "المثالية" أمنية شبابية عسيرة

Independent عربية

timeمنذ 2 أيام

  • Independent عربية

الصور "المثالية" أمنية شبابية عسيرة

بين الصور المصقولة والمعدلة وفق خيارات عدة، واللحظات المنتقاة بعناية، تتشكل ضغوط خفية عبر مرآة وسائل التواصل الاجتماعي، تدفع إلى الانصياع إلى إملاءات تفرضها معايير الجمال. وبين صور مثالية لا تعترف بالعيوب ومطاردة كمال زائف، يصبح السعي إلى نيل القبول عبر "الإعجاب" والتعليقات، أكثر من مجرد تفاعل رقمي، بل عبئاً نفسياً يغذي القلق الاجتماعي ويحول التواصل إلى ساحة اختبار دائمة للذات. يواجه مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي، خصوصاً الشباب، تحديات نفسية متزايدة بفعل ما يعرف بـ"الصورة المثالية" التي تروج لها هذه المنصات، إذ لا تقتصر هذه الصورة على مظاهر الجمال أو الأزياء فحسب، بل تتعداها إلى أنماط الحياة الفاخرة والنجاح السريع والسعادة الدائمة، مما يجعل كثيراً منهم يشعرون بأنهم أقل من غيرهم، وأن حياتهم لا ترقى إلى المستوى المطلوب. مع تجاوز عدد مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي 4.9 مليار شخص حول العالم، تبدو هذه المنصات كنسيج رقمي يربط عناصر الحياة الحديثة بعضها ببعض، غير أن هذا الترابط الظاهري يخفي وراءه مفارقة مؤلمة، فعلى رغم كثافة التفاعل والتواصل اليومي، يعبر كثر عن شعور متزايد بالعزلة والوحدة، وكأن هذه الشبكات الرقمية قد انتزعت من التواصل الإنساني عمقه الحقيقي، وتحولت من أدوات بسيطة للتواصل إلى منظومات ثقافية ونفسية متداخلة تؤثر في الإدراك للذات وللعالم. ومع صعود ما يعرف بـ"المؤثرين" أصبحت هذه المنصات ساحات عرض لحياة مثالية مصقولة تبث على مدى الساعة. تظهر صور السفر المعدلة وأجساد اللياقة الخارقة والابتسامات الخالية من الشوائب، واقعاً مشوهاً يزرع في المتابعين، خصوصاً الشباب، شعوراً دفيناً بعدم الكفاية. شغلت هذه الموجة المتصاعدة الباحثين والمهتمين، الذين أوضحوا أن المراهقين على وجه الخصوص عرضة لتأثير هذه الصور النموذجية، إذ تتشكل هوياتهم في ظل مقارنات دائمة وغير متكافئة، وبدلاً من أن تكون وسائل التواصل منابر للتعبير الذاتي والتواصل الإنساني، تحولت لدى كثر إلى مرآة قاسية لا تعكس الذات الحقيقية بل تقارنها بمعايير مستحيلة. وهكذا يتشكل جيل بأكمله في ظل سعي دائم وراء الكمال الافتراضي، ويركض خلف صورة لا يمكن الإمساك بها، ويكافح للحفاظ على تقديره لذاته في مواجهة عالم رقمي لا يعترف بالنقص، بل يجمل كل شيء... حتى الألم. كشفت بيانات مركز السيطرة على الأمراض الأميركي (سي دي سي) عن أن معدلات الاكتئاب بين المراهقين ارتفعت بنسبة 60 في المئة خلال العقد الماضي (pixabay) هشاشة نفسية منذ سبعينيات القرن الماضي وضع عالم الاجتماع الشهير إيرفينغ جوفمان، نظرية "إدارة الانطباع"، إذ تناول فكرة أن الإنسان يقدم نسخاً مختلفة من ذاته في السياقات الاجتماعية المختلفة، والآن برعت وسائل التواصل الاجتماعي بتحويل هذا السلوك إلى أداء دائم أمام جمهور عالمي، مما زاد من الضغط النفسي. تحولت وسائل التواصل الاجتماعي إلى ساحة تنافسية لعرض أفضل النسخ من الذات، مدعومة بفلاتر رقمية وتطبيقات تعديل الصور التي تسمح بإعادة تشكيل الوجه والجسم بضغطة زر. وتظهر إحصاءات من مؤسسة "كومون سينس ميديا" الأميركية أن أكثر من 80 في المئة من المراهقين قد حاولوا مرة واحدة في الأقل تعديل صورهم قبل نشرها على الإنترنت. تقول أستاذة الفلسفة في جامعة وارويك ومؤلفة كتاب "بيرفكت مي"، هيذر ويدوز، "إن الجمال أصبح معياراً أخلاقياً في المجتمع الرقمي، ومن لا يلتزم به يعتبر مقصراً أو غير جذاب اجتماعياً"، وتشير إلى أن منصات مثل "إنستغرام" و"تيك توك" تعزز هذا التصور من خلال الخوارزميات التي تكافئ الصور الأكثر تنسيقاً والأجسام الأقرب إلى النمط السائد. عزز ذلك فرضية أن الكمال يعد عاملاً مؤثراً بعمق في العلاقة بين استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والقلق الاجتماعي، إذ يرتبط ارتفاع مستوياته بزيادة القلق الاجتماعي، خصوصاً بين طلاب الجامعات، ما ذهب إليه بعض المتخصصين من أن الكمال المرتكز على مطالب داخلية وخارجية يغذي المخاوف من التقييم السلبي، مما يفضي إلى حال من التوتر والانكفاء الاجتماعي. الأستاذة في مجال المعلومات في جامعة نورث كارولاينا، فرانشيسكا تريبودي، استخدمت مقياس الانشغال بالمظهر على وسائل التواصل الاجتماعي، لتبين أن الظهور الإيجابي المتكرر على وسائل التواصل لا يعكس دائماً ثقة ذاتية حقيقية، بل قد يكون في كثير من الحالات آلية تعويضية، سواء لتعزيز رأس المال الاجتماعي القائم، أو لسد فجوات الوحدة والدعم الضعيف. وذكرت أن "الإفراط في عرض المثالية قد يكون دافعه الحاجة إلى التقدير، والخوف من النبذ، أو السعي إلى الكمال الذي يرضي معايير اجتماعية صارمة. غير أن غياب هذه الآلية التعويضية، في حال انعدام التفاعل أو التقدير، قد يعري هشاشة الهوية النفسية ويفاقم الشعور بالعزلة والقلق، مما يسلط الضوء على التناقض بين الصورة الافتراضية والواقع النفسي الخفي". تعزيز المثالية الجسدية والمادية يخلق شعوراً دائماً بعدم الكفاية لدى فئات عمرية حساسة (pixabay) تحد صامت حذر أطباء نفسيون ومؤسسات صحية من أن وسائل التواصل الاجتماعي تشكل تحدياً صامتاً للصحة النفسية، خصوصاً لدى الشباب واليافعين، فالسعي الحثيث لمضاهاة الصور "المثالية" التي تعج بها هذه المنصات، يعمق شعور المقارنة والنقص، ويسهم في تفاقم اضطرابات نفسية خطرة مثل القلق والتوتر والاكتئاب، وخطر عدم الرضا عن الجسم واضطرابات الأكل بين الشباب. وتشير منظمة الصحة العالمية إلى أن الانتحار يعد ثاني سبب رئيس للوفاة بين من تراوح أعمارهم ما بين 15 و29 سنة. وتكشف بيانات "مركز السيطرة على الأمراض الأميركي (سي دي سي) أن معدلات الاكتئاب بين المراهقين ارتفعت بنسبة 60 في المئة خلال العقد الماضي، في ظل ازدياد المقارنة الاجتماعية الناتجة من التفاعل مع محتوى الآخرين. وتظهر دراسة استقصائية أجرتها "الجمعية الملكية للصحة العامة" في لندن على أكثر من 1500 مراهق، أن "إنستغرام" يصنف كأخطر منصة تواصل اجتماعي على الصحة النفسية والرفاهية، لما يسببه من آثار سلبية في صورة الجسد والنوم والخوف من تفويت الفرص (فومو)، وأن المنصة ارتبطت مباشرة بانخفاض السعادة والرضا عن الذات، لا سيما لدى الفتيات. ويؤكد المدير السابق للصحة النفسية في هيئة الخدمات الصحية البريطانية (أن أتش إس)، تيم كندال، أن وسائل التواصل الاجتماعي تعمل كمسرع لمشاعر القلق، لأنها تدفع المستخدمين إلى مطاردة الكمال الذي لا يمكن الوصول إليه. وتبين الباحثة الصينية في أكاديمية شنتشن غريت، كانران وين، أن النمو المعرفي غير المكتمل لدى اليافعين يجعلهم أكثر عرضة للقلق الناجم عن "صناعة الذات المثالية"، إذ يصبح أداؤهم الرقمي مقياساً لذواتهم الحقيقية. بينما يظهر بحث "مشروع دوڤ لتقدير الذات" أن 60 في المئة من الفتيات و41 في المئة من الفتيان يشعرون بالضغط للظهور بمظهر معين. ووفقاً لاستطلاع أجراه مركز "بيو" للأبحاث، فإن 55 في المئة من المراهقين يشعرون بالإرهاق من كم المعلومات المتاحة على وسائل التواصل الاجتماعي، لا سيما المتعلقة بمظهرهم، كذلك وجد بحث نشر في مجلة البث والإعلام الإلكتروني أن الأفراد الذين يتلقون كثيراً من الإعجاب والتعليقات على منشوراتهم قد يشعرون بتحسن موقت في تقدير الذات، لكن هذا التأثير قصير الأمد. حذر أطباء نفسيون ومؤسسات صحية من أن وسائل التواصل الاجتماعي تشكل تحدياً صامتاً للصحة النفسية (pixabay) خلل المنظومة في بحث أجراه فهد الفقيهي وآخرون، شمل 2856 مشاركاً من السعودية تراوح أعمارهم ما بين 10 و24 سنة ولديهم حسابات على وسائل التواصل الاجتماعي، وجد أن 77.4 في المئة حاولوا تقليل استخدام وسائل التواصل لأسباب تتعلق بالصحة النفسية، و85.2 في المئة كانوا على دراية بالموارد المتاحة لدعم الصحة النفسية عبر هذه المنصات. كان المشاركون الأكبر سناً (الذين تراوح أعمارهم ما بين 16 و24 سنة) أكثر عرضة للتأثر النفسي بسبب وسائل التواصل الاجتماعي مقارنة بالمشاركين الأصغر سناً (الذين تراوح أعمارهم ما بين 10 و15 سنة). من ناحية أخرى كان المشاركون المتزوجون أو الحاصلون على مستوى تعليمي متوسط أو الذين يعيشون في المناطق الشمالية أو الغربية أو الشرقية، أقل عرضة للتأثر النفسي الناتج من وسائل التواصل الاجتماعي مقارنة بغيرهم. أما الطالب الجامعي أحمد عبدالمغني محمد، من كلية الآداب في جامعة عين شمس المصرية، فقد أوضح أن "الاهتمام الزائد بالموضة ومجاراة ما يعرض في وسائل التواصل الاجتماعي، كشفا عن خلل واضح في المنظومة القيمية لدى شباب الجامعات، وعلى أثره حدث نوع من التخلي عن القيم الإيجابية المشتركة والمعايير الثقافية السائدة، وحل محلها الاعتقاد في المفاهيم التي تعرضها هذه الوسائل، ومنها مفهوم الجمال المثالي". أما الباحثة في الجامعات السودانية، وجدان موسى، فتقول "ليست وسائل التواصل الاجتماعي مجرد أداة، بل هي عنصر أساس في تكوين الهوية. غالب الشباب يبدعون في تصوير شخصياتهم على الإنترنت، ويسعون إلى إثبات صحتها من خلال الإعجاب والتعليقات، ويمكن أن يكون هذا شيئاً إيجاباً من ناحية التطلع إلى الأفضل، ولكن من ناحية أخرى إذا زادت وتيرة المقارنة بالآخرين، يمكن أن تسبب نوعاً من عدم الرضا عن الذات، خصوصاً إذا كان نموذج المقارنة أحد المشاهير أو المؤثرين ممن صاغوا حياتهم ومعاشهم من خلال هذه الوسائل، فيشعر كثير من هؤلاء أنهم لن يتمكنوا أبداً من الوصول إلى مستوى ما يعرضونه". إحساس زائف يجسد تصاعد ظاهرة "تسويق المؤثرين"، لا سيما في قطاعات الموضة والتجميل، تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على أنماط الاستهلاك المعاصرة. فقد تحولت المنصات الرقمية إلى فضاءات يومية لإعادة إنتاج تصورات الرفاهية والجمال، إذ لم يعد المشاهير وحدهم من يقودون الرأي العام، بل أصبح المؤثرون، وهم غالباً من خلفيات عادية بنوا قاعدة عريضة من المتابعين، مرآة لمثل تسوقها العلامات التجارية بمهارة فائقة، وغالباً ما يولدون ثقة وتفاعلاً أكبر من تأييد المشاهير التقليدي، تنبع هذه الثقة من الصدقية المتصورة للمؤثرين الذين بنوا علاقات حقيقية مع جماهيرهم ومدى ارتباطهم بهم. ووفقاً لتقرير صادر عن "منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية"، فإن هذا الشكل من التسويق "يمارس تأثيراً عميقاً في صورة الذات لدى الشباب، ويغذي تطلعات استهلاكية يصعب بلوغها، مما يفاقم القلق في شأن الهوية والمكانة الاجتماعية". اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وتحذر الباحثة الأردنية المتخصصة في حوكمة الإنترنت وحقوق المستخدمين الرقميين، ريم المصري، من أن "خطورة هذا التسويق تكمن في تغليفه حلم الرفاهية بمظهر واقعي زائف، إذ تقدم الحياة المترفة على أنها نتيجة طبيعية لاقتناء منتجات معينة، من دون الالتفات إلى السياقات الاجتماعية والاقتصادية الحقيقية". ويذهب الرأي نفسه إلى ما أكده الأستاذ المشارك في كلية الاتصالات والإعلام بجامعة ديبول في شيكاغو، تيموثي كول، الذي يشير إلى أن "تعزيز المثالية الجسدية والمادية عبر المؤثرين يخلق شعوراً دائماً بعدم الكفاية لدى فئات عمرية حساسة". إن الصورة التي ترسمها هذه الحملات ليست مجرد تسويق منتج، بل تسويق نمط حياة، وهو ما يجعل الشباب، ولا سيما الفتيات، عرضة لتبني سلوكيات استهلاكية قسرية بهدف اللحاق بمثالية متخيلة. وتكمن المفارقة في أن هذه الرسائل تمرر بأسلوب حميمي، من خلال سرديات يومية للمؤثرين تخلق إحساساً زائفاً بالقرب والصدقية، لذا يبرز تحد أخلاقي أمام الشركات يتمثل في إعادة تقييم دورها في صناعة وعي جماعي أكثر توازناً، يعلي من قيمة التنوع الواقعي والرفاه النفسي، لا مجرد البريق التسويقي. الذات الرقمية تناولت صحف عالمية مثل "الغارديان" و"نيويورك تايمز" القضية من منظور نقدي، ففي مقال للصحافية البريطانية دييدري كيهوي، شددت على ضرورة تعليم الشباب مهارات التفكير النقدي الرقمي. أما الكاتبة الأميركية إيسكرا لورانس فقد دعت إلى تغيير ثقافي يضع الصحة النفسية في مقدمة الاهتمامات الرقمية، لا مجرد مظهر خارجي، كذلك فإن تقارير صحافية عدة نشرت أخيراً حذرت من تزايد ظاهرة "تشوه صورة الذات الرقمية"، التي تجعل المستخدم غير قادر على قبول شكله الطبيعي خارج الشاشة. يقترح الخبراء جملة من الحلول العملية "تعزيز الوعي الرقمي، فيجب أن تتضمن المناهج الدراسية حصصاً مخصصة لفهم أخطار الصورة المثالية وتأثيرها في النفس، وتمكين الأهل والمربين عبر إرشادات عملية تساعدهم على التفاعل مع أبنائهم حول محتوى وسائل التواصل، والرقابة الذاتية بتشجيع المستخدمين على تقييم المحتوى الذي يتابعونه، وتخصيص وقت محدد لتصفح التطبيقات، كذلك ينبغي على الشركات المالكة لهذه الوسائل وضع ضوابط تقنية تحاصر انتشار المحتوى المزيف أو الضار".

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store