
الحل في زوال الاحتلال
إن حل الدولتين في نظر من تبنّوه من المجتمع الدولي هو حل يفرضه الواقع، وهو في نظر المجموعة العربية حلٌّ لا ثاني له بسبب فشل كل الحلول بعد آخر مواجهة عربية إسرائيلية، والتي أعقبها تشتُّت غير مسبوق للتيار العربي وسقوط فكرة القضية الفلسطينية ذات الأبعاد القومية العربية.
إن حل الدولتين بالنظر إلى هذه المعطيات مغامرة دولية في ظل كيان صهيوني رافض لكل الحلول، ومتشبّث بفكرة أن أرض الميعاد لا تتسع لشعبين ورافض لأي دولة فلسطينية من أي فصيل، حمساوي أو فتحاوي أو غيره.
في عزّ الحشد الدولي لمقترح حل الدولتين، يكثف اليمينيان المتطرفان 'بن غفير' و'سموتريتش' تصريحاتهما العنصرية وخرجاتهما الاستفزازية، ودعواتهما إلى إقامة مزيد من البؤر الاستيطانية باقتطاع مساحات كبيرة من الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية في خطوة غير مسبوقة بهذا الحجم وبهذا الإصرار الصهيوني على تجاهل السلطة الفلسطينية.
حل الدولتين فكرة قابلة للتحقيق بحسب المتحمسين لها والداعين إليها، وإذا جاريناهم وسلّمنا لهم بذلك جدلا، فإن ذلك لن يتحقق إلا بأخذ هذه الأمور بعين الاعتبار:
1- يجب أن تسبق عملية التفكير في حل الدولتين، العمل على وقف عمليات الاستيطان التي ازدادت وتيرتها مع استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة والتي طالت أجزاء من الضفة الغربية، فالاستيطان مانع من موانع حل الدولتين لتعارضه مع القانون الدولي ولكونه شكلا من أشكال الاحتلال الذي لا يتحقق معه أي حل. لقد ضربت إسرائيل بقرارات مجلس الأمن بوقف الاستيطان عرض الحائط وبنت في المدة التي أعقبت الحرب الأخيرة مع غزة قبل عملية 'طوفان الأقصى' عددا معتبرا من المستوطنات التي تشكل الدرع الأمامي لإسرائيل في مواجهة أي خطر محتمل من القوى المعادية حسب تعبير الإعلام الحربي الصهيوني. إن حل الدولتين لن يتحقق ولن يكتب له الصمود في حالة التحقق إذا لم تحل معضلة الاستيطان وإذا لم تتوقف الجهات الداعمة لإسرائيل على ضخّ المليارات في الخزينة الإسرائيلية لمساعدتها على تنفيذ مشاريعها الاستيطانية والتوسعية.
هل إسرائيل مستعدة لوقف حربها على غزة وفق ما يتناسب مع إرادة المجتمعين في مؤتمر نيويورك ووفق ما يتناسب قبل ذلك مع إرادة المجتمع الدولي، أم وفق ما يتناسب مع تصورها ومواقفها التي يتشبث بها نتنياهو وفريقه الأمني؟ وهل ستوقف إسرائيل استهداف المدنيين؟ وهل ستذعن إسرائيل لإرادة المجتمع الدولي وتقبل بحل الدولتين وتقبل بفكرة السلام أصلا؟
2- إن اختبار مدى قدرة المجتمع الدولي على تنفيذ فكرة حل الدولتين يكمن أولا وقبل أي شيء في قدرته على وقف الإبادة الجماعية ومسلسل التجويع ضد سكان غزة، ومن دون ذلك سيبقى حل الدولتين حبرا على ورق وفكرة نظرية بعيدة عن الواقع. كيف يمكن تصور نجاح حل الدولتين في ظل الإخفاق الدولي في وقف مسلسل الإبادة الجماعية، وفي ظل التمادي الصهيوني في تجاوز الهيئات الدولية والإمعان في فرض سياسة الأمر الواقع؟ إن المجتمع الدولي أمام اختبار صعب إذا تجاوزه فما بعده أهون، وإذا لم يتجاوزه فما بعده أصعب إن لم يكن ضربا من المستحيل غير القابل للتجسيد.
3- إن حل الدولتين سيكون بلا طعم ولا لون ولا رائحة إذا لم تتمكن الجنائية الدولية من تنفيذ قراراها بشأن نتنياهو، وإذا لم تنفَّذ إجراءات المنع من الدخول التي أصدرتها بعض الدول ضد بن غفير وسموتريتش بسبب تحريضهما على العنف ودعوتهما إلى احتلال غزة وفتح باب الهجرة الطوعية لسكانها لإفراغ غزة من الفلسطينيين وإحكام السيطرة عليها وإخضاعها للسلطة الإسرائيلية المطلقة.
4- إن حل الدولتين إذا كُتب له النجاح، سيصطدم لا محالة برفض إسرائيلي لأن التاريخ اليهودي يخبرنا بأن إسرائيل كيان مارق غير قابل للتعايش مع أي كيان آخر، وبالتالي سنعود ولو بعد مدة إلى نقطة الصفر. إن إسرائيل لن تقبل بحل الدولتين ولا بأي حل، ولن تقبل بدولة فلسطينية لا على حدود 4 جوان 1967 ولا على غيرها وستبقى كيانا عدوانيا ليس له قابلية للسلام ومصدرا للإرهاب مهما كان سقف الاتفاقات التي ستُبرم بينها وبين الدولة الفلسطينية المراد إقامتها على حدود 67.
هل التزمت إسرائيل بقرار مجلس الأمن رقم 242 الصادر في 22 نوفمبر1967 بإقامة دولة فلسطينية على حدود 67؟ وهل إسرائيل مستعدة للاعتراف بالدولة الفلسطينية التي يكرسها حل الدولتين؟ وهل هناك ضمانات دولية كافية لحماية الدولة الفلسطينية الناشئة ووقف عمليات الضم القسري للأراضي الفلسطينية؟ إن المجتمع الدولي -كما أسلفت- أمام امتحان صعب وربما مستحيل في ظل تعنُّت الكيان الصهيوني وإصراره على مواصلة مشاريع الضم والاستيطان في غزة والضفة الغربية. وهل التزمت إسرائيل بالبند الخاص بوضع المقدسات الإسلامية وبوضع القدس عموما؟ وهل ستوافق إسرائيل على حل الدولتين وتعترف بالقدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية؟ إن كل المؤشرات تدل على أن إسرائيل لن تلتزم بشيىء من ذلك بل هناك فرضية قوية بأنها ستصعّد عدوانها ضد الدولة الناشئة، وعندها سيعود المجتمع الدولي إلى نقطة البداية، وفي نظري أنه لا حل إلا بزوال الاحتلال، وهو حلٌّ مشروع ولكن دونه عقبات كثيرة وإشكالات عميقة، علاوة على كونه متجاوزا تاريخيا في ظل الوضع الجديد الذي انتهى إليه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
من أهم التوصيات التي تضمّنتها مسودة مؤتمر حل الدولتين الذي عُقد في مقر الأمم المتحدة بنيويورك في 28 و29 جويلية 2025: الاتفاق على إجراءات جماعية لإنهاء الحرب في غزة، وإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي على أساس حل الدولتين، وإدانة جميع الهجمات ضد المدنيين، وحظر أخذ الرهائن، وإدانة هجمات حماس في 7 أكتوبر 2023 وهجمات إسرائيل ضد المدنيين، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة تعيش بسلام جنبا إلى جنب مع إسرائيل.
هل إسرائيل مستعدة لوقف حربها على غزة وفق ما يتناسب مع إرادة المجتمعين في مؤتمر نيويورك ووفق ما يتناسب قبل ذلك مع إرادة المجتمع الدولي، أم وفق ما يتناسب مع تصورها ومواقفها التي يتشبث بها نتنياهو وفريقه الأمني؟ وهل ستوقف إسرائيل استهداف المدنيين؟ وهل ستذعن إسرائيل لإرادة المجتمع الدولي وتقبل بحل الدولتين وتقبل بفكرة السلام أصلا؟ لا أظن أن إسرائيل ستلتزم بهذه التوصيات، وإن حدث ذلك فإنه سيكون أمرا فارقا أقرب إلى الإعجاز منه إلى الإنجاز.
إن حل الدولتين هو آخر ما تبقى في جعبة المجتمع الدولي وفي حالة إخفاقه فإنّ فلسطين ستكون في وضع لا تُحسد عليه، وضع أكثر عدوانية ودموية، وعندها ستزداد شوكة الكيان وسيصبح الإجماع الدولي في خبر كان.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


البلاد الجزائرية
منذ 11 ساعات
- البلاد الجزائرية
حادث تحطم طائرة الاستطلاع للحماية المدنية .. وفد وزاري يحل بولاية جيجل - الوطني : البلاد
حل صباح اليوم الأربعاء، بولاية جيجل، وفد وزاري هام يتكون من ابراهيم مراد، وزير الداخلية والجماعات المحلية والتهيئة العمرانية، العقيد بوعلام بوغلاف المدير العام للحماية المدنية، يوسف بلمهدي وزير الشؤون الدينية والأوقاف و ممثل عن وزارة الخارجية ، للوقوف على شهداء الواجب المهني أعوان و إطارات الحماية المدنية ضحايا الحادث المأساوي لتحطم طائرة الإستطلاع لمصالح الحماية المدنية "زيلين" بمطار فرحات عباس، الذي وقع يوم أمس الثلاثاء . وقد استُشهد، أمس الثلاثاء، أربعة أفراد من عناصر الحماية المدنية في حادث سقوط طائرة استطلاع وتعرّف من نوع 'زيلين'، تابعة للمجموعة الجوية للحماية المدنية، وذلك خلال مهمة تدريبية على مستوى مطار فرحات عباس بولاية جيجل. الحادث الأليم وقع أثناء تنفيذ مهمة تدريبية دورية، حيث كانت الطائرة تقل أربعة أشخاص يؤدّون واجبهم المهني بكل تفانٍ وإخلاص. ألقى الممثل الدائم للجزائر لدى الأمم المتحدة، عمار بن جامع، كلمة خلال جلسة مجلس الأمن المخصصة لمناقشة الوضع في الشرق الأوسط، بما في ذلك القضية الفلسطينية، سلط فيها الضوء على حجم الكارثة الإنسانية في غزة، مؤكدًا أن الجزائر لن تقف مكتوفة الأيدي أمام معاناة الفلسطينيين. أعلنت وزارة التربية الوطنية عن تمديد آجال تقديم طلبات نقل الأساتذة خارج إدارتهم المستخدمة (الدخول والخروج الولائي) بعنوان السنة الدراسية 2025-2026، وذلك لفائدة الأساتذة المرسمين في الأطوار التعليمية الثلاثة (الابتدائي، المتوسط والثانوي) المتواجدين في وضعية القيام بالخدمة


الشروق
منذ يوم واحد
- الشروق
الحل في زوال الاحتلال
ليس القصد من هذا العنوان التهوين من مقترح حل الدولتين الذي يحظى بتأييد دولي متزايد، وإنما القصد منه بيان طبيعة الكيان الصهيوني غير القابل للتعايش مع الآخر، لأن هذا الكيان مؤسَّس على معتقدات توراتية وتلمودية لا تعترف بحق الوجود لغير اليهود ممن يسمّون في الفكر التلمودي 'الأغيار'، ولأن هذا الكيان ذو طبيعة استيطانية توسُّعية والدليل على ذلك أنه يفكر في عزِّ الحشد الدولي لحل الدولتين في احتلال غزة وضم الضفة الغربية، ولأن هذا الكيان لا يرضى بأي حل إلا حل التوطين اليهودي في أرض فلسطين وتهجير الفلسطينيين إلى الخارج أو جمعهم في رقعة جغرافية ضيقة بفلسطين، لا يملكون قرارهم، ومجرّدون من حقوقهم، ولا حق لهم في إدارة شؤونهم. إن حل الدولتين في نظر من تبنّوه من المجتمع الدولي هو حل يفرضه الواقع، وهو في نظر المجموعة العربية حلٌّ لا ثاني له بسبب فشل كل الحلول بعد آخر مواجهة عربية إسرائيلية، والتي أعقبها تشتُّت غير مسبوق للتيار العربي وسقوط فكرة القضية الفلسطينية ذات الأبعاد القومية العربية. إن حل الدولتين بالنظر إلى هذه المعطيات مغامرة دولية في ظل كيان صهيوني رافض لكل الحلول، ومتشبّث بفكرة أن أرض الميعاد لا تتسع لشعبين ورافض لأي دولة فلسطينية من أي فصيل، حمساوي أو فتحاوي أو غيره. في عزّ الحشد الدولي لمقترح حل الدولتين، يكثف اليمينيان المتطرفان 'بن غفير' و'سموتريتش' تصريحاتهما العنصرية وخرجاتهما الاستفزازية، ودعواتهما إلى إقامة مزيد من البؤر الاستيطانية باقتطاع مساحات كبيرة من الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية في خطوة غير مسبوقة بهذا الحجم وبهذا الإصرار الصهيوني على تجاهل السلطة الفلسطينية. حل الدولتين فكرة قابلة للتحقيق بحسب المتحمسين لها والداعين إليها، وإذا جاريناهم وسلّمنا لهم بذلك جدلا، فإن ذلك لن يتحقق إلا بأخذ هذه الأمور بعين الاعتبار: 1- يجب أن تسبق عملية التفكير في حل الدولتين، العمل على وقف عمليات الاستيطان التي ازدادت وتيرتها مع استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة والتي طالت أجزاء من الضفة الغربية، فالاستيطان مانع من موانع حل الدولتين لتعارضه مع القانون الدولي ولكونه شكلا من أشكال الاحتلال الذي لا يتحقق معه أي حل. لقد ضربت إسرائيل بقرارات مجلس الأمن بوقف الاستيطان عرض الحائط وبنت في المدة التي أعقبت الحرب الأخيرة مع غزة قبل عملية 'طوفان الأقصى' عددا معتبرا من المستوطنات التي تشكل الدرع الأمامي لإسرائيل في مواجهة أي خطر محتمل من القوى المعادية حسب تعبير الإعلام الحربي الصهيوني. إن حل الدولتين لن يتحقق ولن يكتب له الصمود في حالة التحقق إذا لم تحل معضلة الاستيطان وإذا لم تتوقف الجهات الداعمة لإسرائيل على ضخّ المليارات في الخزينة الإسرائيلية لمساعدتها على تنفيذ مشاريعها الاستيطانية والتوسعية. هل إسرائيل مستعدة لوقف حربها على غزة وفق ما يتناسب مع إرادة المجتمعين في مؤتمر نيويورك ووفق ما يتناسب قبل ذلك مع إرادة المجتمع الدولي، أم وفق ما يتناسب مع تصورها ومواقفها التي يتشبث بها نتنياهو وفريقه الأمني؟ وهل ستوقف إسرائيل استهداف المدنيين؟ وهل ستذعن إسرائيل لإرادة المجتمع الدولي وتقبل بحل الدولتين وتقبل بفكرة السلام أصلا؟ 2- إن اختبار مدى قدرة المجتمع الدولي على تنفيذ فكرة حل الدولتين يكمن أولا وقبل أي شيء في قدرته على وقف الإبادة الجماعية ومسلسل التجويع ضد سكان غزة، ومن دون ذلك سيبقى حل الدولتين حبرا على ورق وفكرة نظرية بعيدة عن الواقع. كيف يمكن تصور نجاح حل الدولتين في ظل الإخفاق الدولي في وقف مسلسل الإبادة الجماعية، وفي ظل التمادي الصهيوني في تجاوز الهيئات الدولية والإمعان في فرض سياسة الأمر الواقع؟ إن المجتمع الدولي أمام اختبار صعب إذا تجاوزه فما بعده أهون، وإذا لم يتجاوزه فما بعده أصعب إن لم يكن ضربا من المستحيل غير القابل للتجسيد. 3- إن حل الدولتين سيكون بلا طعم ولا لون ولا رائحة إذا لم تتمكن الجنائية الدولية من تنفيذ قراراها بشأن نتنياهو، وإذا لم تنفَّذ إجراءات المنع من الدخول التي أصدرتها بعض الدول ضد بن غفير وسموتريتش بسبب تحريضهما على العنف ودعوتهما إلى احتلال غزة وفتح باب الهجرة الطوعية لسكانها لإفراغ غزة من الفلسطينيين وإحكام السيطرة عليها وإخضاعها للسلطة الإسرائيلية المطلقة. 4- إن حل الدولتين إذا كُتب له النجاح، سيصطدم لا محالة برفض إسرائيلي لأن التاريخ اليهودي يخبرنا بأن إسرائيل كيان مارق غير قابل للتعايش مع أي كيان آخر، وبالتالي سنعود ولو بعد مدة إلى نقطة الصفر. إن إسرائيل لن تقبل بحل الدولتين ولا بأي حل، ولن تقبل بدولة فلسطينية لا على حدود 4 جوان 1967 ولا على غيرها وستبقى كيانا عدوانيا ليس له قابلية للسلام ومصدرا للإرهاب مهما كان سقف الاتفاقات التي ستُبرم بينها وبين الدولة الفلسطينية المراد إقامتها على حدود 67. هل التزمت إسرائيل بقرار مجلس الأمن رقم 242 الصادر في 22 نوفمبر1967 بإقامة دولة فلسطينية على حدود 67؟ وهل إسرائيل مستعدة للاعتراف بالدولة الفلسطينية التي يكرسها حل الدولتين؟ وهل هناك ضمانات دولية كافية لحماية الدولة الفلسطينية الناشئة ووقف عمليات الضم القسري للأراضي الفلسطينية؟ إن المجتمع الدولي -كما أسلفت- أمام امتحان صعب وربما مستحيل في ظل تعنُّت الكيان الصهيوني وإصراره على مواصلة مشاريع الضم والاستيطان في غزة والضفة الغربية. وهل التزمت إسرائيل بالبند الخاص بوضع المقدسات الإسلامية وبوضع القدس عموما؟ وهل ستوافق إسرائيل على حل الدولتين وتعترف بالقدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية؟ إن كل المؤشرات تدل على أن إسرائيل لن تلتزم بشيىء من ذلك بل هناك فرضية قوية بأنها ستصعّد عدوانها ضد الدولة الناشئة، وعندها سيعود المجتمع الدولي إلى نقطة البداية، وفي نظري أنه لا حل إلا بزوال الاحتلال، وهو حلٌّ مشروع ولكن دونه عقبات كثيرة وإشكالات عميقة، علاوة على كونه متجاوزا تاريخيا في ظل الوضع الجديد الذي انتهى إليه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. من أهم التوصيات التي تضمّنتها مسودة مؤتمر حل الدولتين الذي عُقد في مقر الأمم المتحدة بنيويورك في 28 و29 جويلية 2025: الاتفاق على إجراءات جماعية لإنهاء الحرب في غزة، وإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي على أساس حل الدولتين، وإدانة جميع الهجمات ضد المدنيين، وحظر أخذ الرهائن، وإدانة هجمات حماس في 7 أكتوبر 2023 وهجمات إسرائيل ضد المدنيين، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة تعيش بسلام جنبا إلى جنب مع إسرائيل. هل إسرائيل مستعدة لوقف حربها على غزة وفق ما يتناسب مع إرادة المجتمعين في مؤتمر نيويورك ووفق ما يتناسب قبل ذلك مع إرادة المجتمع الدولي، أم وفق ما يتناسب مع تصورها ومواقفها التي يتشبث بها نتنياهو وفريقه الأمني؟ وهل ستوقف إسرائيل استهداف المدنيين؟ وهل ستذعن إسرائيل لإرادة المجتمع الدولي وتقبل بحل الدولتين وتقبل بفكرة السلام أصلا؟ لا أظن أن إسرائيل ستلتزم بهذه التوصيات، وإن حدث ذلك فإنه سيكون أمرا فارقا أقرب إلى الإعجاز منه إلى الإنجاز. إن حل الدولتين هو آخر ما تبقى في جعبة المجتمع الدولي وفي حالة إخفاقه فإنّ فلسطين ستكون في وضع لا تُحسد عليه، وضع أكثر عدوانية ودموية، وعندها ستزداد شوكة الكيان وسيصبح الإجماع الدولي في خبر كان.


الشروق
منذ يوم واحد
- الشروق
آخرُ سلاح للعدو سيفشل في غزة
اُستخدِمَت كافة الأسلحة ضد الفلسطينيين في غزة.. لم يترك الأعداء الصهاينة أيَّ وسيلة للقتل والإبادة إلا وفَعَّلُوها، إلا أنهم فشلوا في كسر إرادة شعب يطلب الحرية.. وسَيفشلون مع استخدام التجويع والقتل والعطش كآخر سلاح كما فشلوا مع غيره بإذن الله بالرغم مما سيخلّفه من ضحايا يُعدُّون بالآلاف وما سينتج عنه من آلام غير مسبوقة في التاريخ.. عزاؤنا أنه مع هذا الفشل الأخير ستكون بداية نهاية هذا المشروع الصهيوني الذي ظل أكثر من قرن يوهم الناس بأحقية وجوده في فلسطين وبمظلوميته عبر التاريخ. لقد باتت بوادر ذلك واضحة للعيان اليوم.. في جميع أنحاء العالم، لم تبق سوى فئة قليلة من المتطرِّفين وحاملي جينات المستعمِر العنصري البغيض والنازيين الجدد المختفين خلف غطاء المدنية المُزيَّفة يساند بعضُها بعضا لتبرير القتل جوعا وعطشا للأبرياء الصامدين على أرضهم. بعض هؤلاء المتطرفين تُمثِّلهم قيادة الكيان الصهيوني اليوم، وآخرون مازالوا في أمريكا وفي بعض بلاد العالم يستخدمون للأسف سلطة المال والإعلام للاستمرار في تشويه الحقائق الميدانية وتقديم المجاعة على أنها 'قلة غذاء' والعطش أنه 'قلة ماء' والقتل العشوائي بأنه استهداف لـ'إرهابيين'.. هذه العبارات الكاذبة فقدت معناها أمام الحقائق الدامغة، التي لم تعد تُقنع أحدا اليوم! لم يبق شعبٌ في العالم يتعاطف مع الصهاينة ولا مع كيانهم المُصطَنع المسمى 'إسرائيل' بعد الذي حدث ويحدث في غزة. تأكدت البشرية جمعاء اليوم أن الذين يحتلون فلسطين باسم اليهودية، اليهودية منهم براء، ولا صلة لهم بالسامية اطلاقا، ولا يمكنهم الإدِّعاءُ بأنهم كانوا ذات يوم ضحايا المحرقة؛ ذلك أن ما يقومون به في غزة أكبر من المحرقة، تنكيل بالمستضعفين من الفلسطينيين الأبرياء وتعذيب لهم إلى حد الموت جوعا أو مرضا سواء كانوا في غزة أو في سجون الاحتلال خلافا لكافة الشرائع والقوانين التي تعارفت عليها الإنسانية. لذلك نقول إن هذا السلاح الأخير الذي بات يستخدمه هؤلاء المتوحشون أعداء الإنسانية قد فشل، ولن يتمكَّنوا من الاستمرار في استخدامه أكثر مما فعلوا إلى حد الآن، ذلك أنهم سيكونون أمام خيارين كلاهما يؤدّي إلى النتيجة ذاتها: انهيار المشروع الصهيوني الذي قام على أساسه كيانهم وبداية العدّ التنازلي لكل الكيانات الأخرى الداعمة له عسكريًّا وماليًّا وسياسيًّا وإعلاميًّا إن هم استمروا في الإبادة والتجويع انهاروا، وإن هم قرّروا احتلال غزة بالكامل هُزِموا عسكريًّا. لقد حُسِمت المعركة بعد اللجوء إلى سلاح التجويع، وفشل العدو فشلا ذريعا.. لقد بيَّنت غزّة للعالم حقيقة هؤلاء الذين يزعمون أنهم يحكمون العالم من خلال المال والإعلام والفساد، وعرّتهم على حقيقتهم أمام البشرية وهم يتعاونون ظلما وعدوانا على تزييف حقيقة أكبر مجاعة يشهدها شعبٌ على أرضه، وأبشع إبادة شاملة تُرتكب ضده بعنوان محاربة فصيل مقاوم أو بِمُبرّر السعي لاستعادة جنود أسِروا أثناء عملية عسكرية تحريرية مع بداية معركة 'طوفان الأقصى' لم ترفض المقاومة قطّ إطلاق سراحهم مقابل التحرير، ولن يستطيع أي صهيوني بعد اليوم التعريف بنفسه في أيِّ بقعة من العالم، بل لن يستطيع الجهر بأنه 'إسرائيلي' الجنسية.. لقد باتت مثل هذه العبارة مُقزِّزة لكل من يسمعها ومثيرة للسّخط والغضب حيثما قيلت.. لم يكن هذا موجودا قبل الطوفان، وسَيزداد أكثر بِتمادي العدوِّ الصهيوني على إصراره بعدم الاعتراف بالحق الفلسطيني في الوجود… فعلى كل مُشكِّك في جدوى معركة 'طوفان الأقصى' مراجعة حساباته ومواقفه. كل الشعوب التي ضحَّت بدماء أبنائها وبناتها انتصرت في آخر المطاف، وكذلك يفعل الفلسطينيون اليوم؛ منتصرون بإذن الله.