
دعوة إلى الرحمة في زمن الانقسام
محمد بن أنور البلوشي
نعيشُ في عالم يزداد استقطابًا بالكراهية والانقسام والسعي المحموم وراء السلطة. وليس الله من يجب أن يُلام على هذا الكره الذي تسلل إلى كل طبقات المجتمع، بل نحن البشر؛ الذين، رغم ما نملكه من قدرات هائلة ومواهب عظيمة، غالبًا ما اخترنا التدمير بدلًا من الرحمة، والانقسام بدلًا من الوحدة.
والأدوات والطاقات التي وهبنا الله إياها لم تكن أبدًا من أجل الحرب أو التمييز أو بناء الحواجز سواء كانت مادية أو عاطفية أو فكرية. لقد خُلقنا لننهض ببعضنا، ونخدم بعضنا، ونتوحد كإنسانية واحدة.
يقول الفيلسوف إريك فروم في عمله الشهير "فن المحبة"، إن الحب ليس مجرد شعور سلبي، بل هو فعل إرادي قوي والتزام حقيقي تجاه الإنسانية. وقد كتب: "الحب هو الجواب الوحيد العاقل والمُرضي لمشكلة الوجود البشري." ومع ذلك، وفي مجتمعاتنا المعاصرة، يُنظر إلى الحب على أنَّه ضعف، بينما تُعتبر العدوانية والأنانية والسيطرة علامات على القوة.
هذا الفكر السام لا ينعكس فقط في العلاقات الإنسانية؛ بل يتجلى أيضًا في السياسات العالمية والاقتصاديات الدولية. خذ على سبيل المثال السنوات الأخيرة من القيادة السياسية في الولايات المتحدة، وتحديدًا في عهد الرئيس دونالد ترامب. فقد ركزت سياسة "أمريكا أولًا" على المصلحة الوطنية على حساب التعاون الدولي، وكان من أبرز تجلياتها المثيرة للجدل فرض سياسات جمركية عدوانية، خاصة ضد الصين.
من الناحية النظرية، يُفترض أن تكون التعريفات الجمركية أدوات لحماية الصناعات المحلية. ولكن عمليًا، غالبًا ما تتحول إلى أدوات لحروب اقتصادية. فقد فرضت إدارة ترامب تعريفات جمركية بمليارات الدولارات على البضائع الصينية، بحجة ممارسات تجارية غير عادلة وسرقة الملكية الفكرية وعجز تجاري هائل. ورغم أن بعض هذه المخاوف كانت واقعية، إلا أن الأسلوب الأحادي والمتصادم أدى إلى توتر العلاقات الدولية، وزيادة الأسعار على المستهلكين الأمريكيين، وفرض تعريفات انتقامية من الجانب الصيني، مما عمّق الفجوة بين أكبر اقتصادين في العالم.
وبحسب دراسة أجراها معهد بيترسون للاقتصاد الدولي عام 2020، فإن الشركات والمستهلكين الأمريكيين تحملوا تقريبًا العبء الكامل لهذه التعريفات، حيث ارتفعت أسعار البضائع المستوردة بشكل ملحوظ. كما تضرر المزارعون الأمريكيون بشدة من الرد الصيني، مما دفع الحكومة الأمريكية إلى صرف مليارات الدولارات كتعويضات.
المشكلة هنا لا تقتصر على الجانب الاقتصادي أو السياسي؛ بل هي في جوهرها أزمة أخلاقية. فعندما تُبنى السياسات على العداء بدلًا من التعاطف، فإن آثارها تتجاوز أرقام التجارة، لتؤثر في رؤية الشعوب لبعضها البعض، وفي كيفية إدراك المواطن للثقافات الأخرى، وحتى في طريقة تفكير الأجيال القادمة وتفاعلها مع العالم.
لقد أثبت التاريخ مرارًا وتكرارًا أن المجتمعات تزدهر ليس بالخوف أو القوة، بل بالوحدة والرحمة. فكر في خطة مارشال بعد الحرب العالمية الثانية، عندما استثمرت الولايات المتحدة في إعادة إعمار أوروبا، لا من منطلق الهيمنة، بل كرسالة تضامن إنساني. وقد وضعت هذه المبادرة أسس السلام والازدهار لعقود قادمة.
كذلك، جاء تأسيس الاتحاد الأوروبي- رغم التحديات الحالية- نتيجة لرغبة صادقة في إنهاء قرون من الحروب، من خلال الدمج الاقتصادي والثقافي.
ونحن اليوم، نقف مجددًا على مفترق طرق. فالتحديات العالمية مثل التغير المناخي، والأوبئة، وعدم المساواة الاقتصادية، لا يمكن حلها بسياسات انعزالية أو حروب تجارية. إنها تتطلب التعاون، والفهم، والأهم من ذلك: الحب.
الحب هنا لا يعني فقط العاطفة، بل احترام كرامة كل أمة، وفتح باب الحوار العادل، والاعتراف بأن مصائرنا مترابطة.
يجب أن نتذكر أن الكراهية التي نشهدها في الأخبار، أو نلمسها في السياسات، أو حتى نعيشها في بيوتنا، ليست قدرًا محتومًا، بل خيارًا. وكذلك الحب، هو خيار أيضًا.
لدينا القدرة على اختيار سياسات ترفع الآخرين بدلًا من سحقهم، وكلمات تشفي بدلًا من أن تجرح، وأفعال تقرّب بين البشر بدلًا من أن تفرقهم.
لقد منحنا الله الإرادة الحرة، والعقل، والرحمة. وهذه النعم لم تُعط لنا كي نغرق في العداء، بل لنصنع عالمًا يزدهر فيه الحب رغم الخلافات.
في زمنٍ يتفاقم فيه الحقد، لم تخذلنا السماء، بل نحن من يجب أن ننهض ونستعيد الهدف الذي خُلقنا من أجله: أن نحب، ونداوي، ونبني عالمًا يستحق أن نورّثه.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


جريدة الرؤية
منذ ساعة واحدة
- جريدة الرؤية
وفاة سالم بن ناصر البوسعيدي وزير المواصلات الأسبق
مسقط -الرؤية بقلوب يملؤها الإيمان بقضاء الله وقدره، تنعى أسرة البوسعيدي وفاة فقيدها المغفور له بإذن الله: السيد سالم بن ناصر بن خلفان البوسعيدي، وزير المواصلات الأسبق، الذي انتقل إلى جوار ربه يوم الاثنين الموافق 28 من شهر ذو القعدة لعام 1446 هـ، الموافق 26 مايو 2025 م، بعد حياة حافلة بالعطاء والطيبة فقد تقلد عدة مناصب حكومية في سبعينيات وثمانينات القرن الماضي، كما تقلد منصب رئيس مجلس إدارة الشركة العمانية المتحدة للتأمين. وقد ووري جثمان الفقيد الثرى في مسقط، وسط حضور جمع من الأهل والأصدقاء ومحبيه، الذين ودّعوه بالدعاء والرجاء إلى الله أن يتغمده بواسع رحمته.


جريدة الرؤية
منذ 10 ساعات
- جريدة الرؤية
الإطار العام لحوافز الإجادة المؤسسية وجودة المعلم
علي بن حمد بن عبدالله المسلمي aha.1970@ في ظل النهضة المتجددة التي يقودها حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم - حفظه الله ورعاه - في سلطنة عُمان، وسعيها الدؤوب في تطوير الأنظمة والقوانين؛ من أجل تجويد العمل، وفي إطار رؤية 2040، ومن أجل الإبداع والابتكار في العمل المؤسسي والإطار الفردي، طُبِّقت في بداية عام 2022 منظومة قياس الأداء الفردي والإجادة المؤسسية، كما تم تدشين الإطار العام لحوافز الإجادة المؤسسية نهاية 2024؛ لحفز الموظفين، واكتشاف المبادرين والمبتكرين المجيدين، وتحقيق قدر أكبر من المنافسة، والعدالة بين الجميع في ظل تكافؤ الفرص. وبما أن وزارة التربية والتعليم تنضوي تحت مظلة الوزارات الحكومية والمشرفة على التعليم؛ طبقت هذه المنظومة مثلها مثل الوحدات الحكومية الأخرى. ويُعد المعلم أحد موظفيها، وهو حجر الزاوية في العملية التعليمية، وهو من أهم مدخلاتها في النظام التعليمي، وهو بلا شك صانع التغيير فيها وربانها، وصانع للأجيال، وهو مهندس العملية التعليمية ومخرجاتها؛ ومن أجل تجويد عمله وكي يتسنى له المنافسة الشريفة في منظومة إجادة وإطارها المؤسسي، وفي ظل التطوير والتجديد التي تنتهجه الحكومة، لا بد من النظر إلى التحديات التي يواجهها، ولا شك أن الملاحظات التي نتجت عنها تقارير الرقابة الإدارية والمالية للحكومة العام الماضي؛ والتي أسفرت في أحد بنودها عن أن المعلم يقوم بأعمال غير أعماله بنسبة 38%، لدليل على ذلك؛ لذا ينبغي النظر إلى تلك الأعمال بعين الاعتبار؛ من أجل جودة التعليم، وإعادة النظر في المهام الموكلة له؛ ليتسنى له تجويد عمله في ظل الهدف المنشود للمنظومة: الإبداع، والابتكار، والمبادرة، والمنافسة. والواقع التربوي يشي بذلك، فإذا نظرنا إلى حجم المعوقات التي تعيق عمله وتحد من جودة أعماله، وتثقل من كاهله، والناظر إلى المهام الموكلة إليه؛ لتنوء بها أولو العصبة، وتنعكس سلبًا على المخرجات التعليمية وأثرها على المستفيدين منها ومؤسسات التعليم العالي. ومن هذه المعيقات: المناوبة اليومية صباح مساء في ظل متغيرات المناخ والفصول الأربعة، وانعدام مظلات الاستراحة، والاحتياط نتيجة الإجازات بأنواعها، وتأخر تعيين المعلمين، والتنقلات الداخلية والخارجية، والدورات والمشاركات، وتربية الفصل، والإشراف على الأنشطة المدرسية، واللجان المدرسية والطلابية وشؤون الطلبة، والامتحانات، والإشراف على شركة النظافة والأمن والسلامة المدرسية، والجمعية، والصحة المدرسية، ومجالس أولياء الأمور والمناسبات الوطنية والدينية، والمسابقات المحلية والدولية، والإرشاد والتوجيه، والمشاريع المدرسية، وتنمية الموهوبين من الطلبة، ومعالجة متدني التحصيل الدراسي، وملتقيات أولياء الأمور وزيارتهم، والإشراف الفني والإداري الذي يخضعون له، ومعالجة ووضع الخطط الدراسية وخطة إجادة، والمشاركة في خطط الإنماء المهني، وخضوعهم لبرامج المعهد التخصصي للمعلمين، وحضور المشاغل على المستوى المدرسي والمحلي وتنفيذها، ومتابعة الأنظمة الجديدة: كالبوابة التعليمية ومنصة كلاسيرا (نور التعليمية) ونظام مورد ومنظرة وإجادة ونظام المراسلات والبريد الإلكتروني والتعليم عن بُعد، وهلُم جرًّا. يقول القائل إن هناك وظائف مساندة.. نعم، موجودة، لكنها غير كافية، وإن وُجِدت نوعًا ما، فلا توجد نسبة وتناسب بين أعداد الطلبة والوظيفة المتاحة وحجم الأعمال المطلوبة. وإذا حللنا جميع هذه المعوقات التي تثقل كاهل المعلم؛ لوجدنا أنها تحول دون تجويد مهمته الأساسية وهي التدريس، وتؤثر على المستوى التعليمي لطلبته، وتنعكس سلبًا على أدائه؛ وبالتالي تنعكس على جودة المخرجات التعليمية. بالإضافة إلى أن هناك بعض الأعمال تقلل من مكانة المعلم وهيبته، فالمعلم كما قال الشاعر أحمد شوقي: قم للمعلّم وفّه التبجيلا // كاد المعلّم أن يكون رسولا ولذا نقترح على وزارة التربية والتعليم الاستفادة من النظام التعليمي في دولة قطر الشقيقة، وأنظمة بلاد المغرب العربي كتونس مثلًا، وأنظمة الدول المتقدمة كفنلندا خير مثال، التي رفعت الأغلال عن كاهل المعلم وجعلت مهمته الرئيسية التدريس؛ حتى يتسنى له الإبداع والتطوير، وتجويد عمله، ونيل حقه في منظومة إجادة وإطارها المؤسسي، وتمتعه بالصحة النفسية والجسدية، ويتحقق له الرضا الوظيفي.


الشبيبة
منذ 17 ساعات
- الشبيبة
بعد غدٍ.. رئيسُ إيران يقوم بزيارةٍ رسميّةٍ لسلطنة عُمان
مسقط - العمانية أعلت وكالة الأنباء العمانية منذ قليل أن فخامةُ الرئيس الدّكتور مسعود بزشكيان رئيسُ الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة بزيارةٍ رسميّةٍ لسلطنة عُمان ابتداء من بعد غدٍ الثلاثاء. جاء ذلك في بيانٍ صادرٍ من ديوان البلاط السُّلطاني فيما يأتي نصُّه: //توطيدًا لعلاقات الصّداقة الطيّبة الممتدّة بين سلطنة عُمان والجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانية، ودعمًا لأوجه التّعاون الثنائيّة القائمة بينهما، وانطلاقًا من حرص قيادتي البلدين على كلّ ما من شأنه تعزيزها وتطويرها نحو آفاقٍ أرحب لمستقبلٍ أكثر إشراقًا ونماءً وازدهارًا، سيقوم /بمشيئةِ اللهِ تعالى/ فخامةُ الرئيس الدّكتور مسعود بزشكيان رئيسُ الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة بزيارةٍ رسميّةٍ لسلطنة عُمان لمدة يومين ابتداءً من يوم الثلاثاء الموافق السابع والعشرين من مايو لعام ٢٠٢٥م، وسيتم خلال هذه الزيارة بحثُ عددٍ من المجالات والجوانب ذات الاهتمام المشترك؛ خدمةً لمصالح البلديْن الصديقيْن وبما يحقّق تطلّعات وآمال شعبيْهما، إضافة إلى بحث بعض الموضوعات التي تهمّ الجانبين في ضوء المستجدّات الإقليميّة والدّولية. وفّق الله سعي القيادتين الحكيمتين، وكلّل جهودهما لما فيه الخير والرّخاء لبلديْهما، وللأمّة الإسلاميّة والعالم أجمع، إنه سميعٌ مُجيب//.