حريق سنترال رمسيس.. نيران كشفت الهشاشة الرقمية وتجاهل التحذيرات
قبل خمس سنوات فقط، حذّر البنك الدولى فى تقرير رسمى بعنوان «تقييم الاقتصاد الرقمى فى مصر – مايو 2020»، من الاعتماد الكبير على هيئة الاتصالات الحكومية (TE)، ليشكل ذلك نموذجًا كلاسيكيًا ل"نقطة فشل واحدة»، وشدد التقرير على أن انهيار هذه النقطة يمكن أن يُحدث تأثيرًا متسلسلًا (cascading effects) على العديد من القطاعات يعتمد بشكل كبير على الاتصال الرقمى.الإشكالية التى حذر منها، وهنا التزم بالترجمة الحرفية لهذا التقرير، تأتى من التركيز على بنية تحتية مركزية قديمة، تفتقد المقاومة أمام المخاطر الحديثة كالزلازل، والفيضانات، والحرائق أو الهجمات الإلكترونية، وقد أوصى التقرير بما يلي:-بناء مسارات متوازية للشبكة تربط المناطق الحساسة، مثل مدن القاهرة الكبرى، وليست مستندة فقط إلى المبانى المركزية.-توظيف تكنولوجيا تأمين إضافية كأنظمة إنذار مبكر ضد الحرائق والرطوبة، وربط هذه الأنظمة بوحدات طوارئ داخلية توفر الحماية الفعلية.-العمل على خطة شاملة لتوزيع المخاطر تشمل إنشاء مرافق بديلة (مراكز بيانات جديدة، سنترالات احتياطية) تكون جاهزة للتشغيل الفورى وقت الأزمات.كل هذه التوصيات التقنية كانت واضحة ومبنية على دراسات ميدانية وإحصائية لمخاطر البيئة والبنية التحتية الرقمية فى مصر، لكن هذه التوصيات لم تنفذ.. وجاء الحريق ليترجم كل ما حذر منه التقرير حرفيًا..فعقب اندلاع الحريق، انقطعت خدمات الإنترنت والمكالمات فى مناطق واسعة من القاهرة الكبرى، وواجه المستخدمون صعوبة فى إجراء مكالمات بين الشبكات، بينما بقى الاتصال داخل الشبكة الواحدة مستقرًا نسبيًا.أعلنت منظمة «نت بلوكس» أن الاتصال بالإنترنت فى مصر انخفض إلى 62٪ من مستواه الطبيعى. وقد تعطل عدد من التطبيقات والمنصات الرقمية والخدمات الحكومية والخاصة التى تعتمد على الاتصال اللحظى، فى مشهد كشف مدى الاعتماد غير المدروس على نقطة مركزية واحدة.لم يكن قطاع الاتصالات هو الوحيد الذى اهتز بسبب الحريق، بل امتد الأثر مباشرة إلى قلب النظام المالى فى البلاد، حين فوجئ المتعاملون بإعلان البورصة المصرية صباح الثلاثاء 8 يوليو 2025 أنها ستفتح جلسة التداول من خلال «الكوربيه» مباشرة عن طريق السماسرة، فى محاولة لتجاوز تعطل شبكة الاتصالات الناتجة عن الحريق. لكن بعد أقل من ساعة، تراجعت البورصة عن القرار بشكل مفاجئ، وأعلنت إلغاء الجلسة بالكامل، فى إجراء استثنائى يُعد الأول من نوعه منذ 2011، ورغم تأكيد إدارة البورصة أن الأنظمة الداخلية لم تتأثر، فإن تعطل الربط الإلكترونى مع شركات السمسرة، وتوقف الموقع الرسمى، وصعوبة بث الأسعار اللحظية، أدت إلى قرار بالتعليق، دون أى توضيح بشكل علنى عما يحدث فعليًا أو حتى أساب العجز عن تنفيذ الخطة البديلة التى أعلنتها بنفسها قبل دقائق.هذا الغموض، وعدم صدور أى بيان فنى أو مؤتمر صحفى يشرح الموقف، عزز الشعور بالارتباك المؤسسى، وساهم فى تصدير صورة سلبية عن السوق المصرية أمام المستثمرين المحليين والدوليين.فى أسواق المال المتقدمة، يُعد توقف البورصة- ولو لدقائق- حدثًا استثنائيًا يستدعى استجابة فورية. وعادة ما تصدر الجهات المنظمة فى مثل هذه الحالات بيانات تفصيلية، وتُعقد مؤتمرات صحفية، ويتم إقرار إجراءات تعويضية تشمل: تمديد ساعات التداول، وفتح جلسات استثنائية، وتجميد الرسوم مؤقتًا، أو منح إعفاءات للمستثمرين المتضررين، كما يتم تقديم فرص لتعديل أوامر التداول دون تكاليف إضافية، وتُنشر تقارير واضحة تشرح ما حدث وتُحمّل المسؤولية إن وُجدت.فى المقابل، لم تشهد السوق المصرية بعد الحادث أى خطوة من هذا النوع. ولم تُمدد ساعات التداول فى الأيام التالية، ولم تُطرح أى آلية تعويض للشركات أو شركات السمسرة التى واجهت خسائر تشغيلية، ولم يحصل المتعاملون الصغار على أى دعم- ولو رمزيًّا- يعكس إدراك السوق حجم الضرر. وحتى مع التوقف الكامل، لم تُعلن البورصة عن عدد الأوامر التى تأثرت أو قيمتها، ولم يتم تقييم الخسائر الناتجة عن الجلسة الملغاة، رغم أن عدد أيام التداول فى مصر لا يتجاوز عادة 220-230 يومًا سنويًا بسبب الإجازات الرسمية. وبالتالي، فإن خسارة يوم تداول تعنى فعليًا خسارة 0.5٪ من السنة المالية النشطة فى البورصة، وهى نسبة كبيرة فى منطق أسواق المال.الأكثر لفتًا للنظر كان تبرير قرار إلغاء الجلسة بأنه جاء «لضمان العدالة السوقية»، وهو مبرر يثير تساؤلات مشروعة، إذ إن وظيفة السوق فى الأساس هى الاستمرار فى التداول حتى فى الظروف غير المثالية، طالما أتيحت القنوات التقنية الرئيسية، وهو ما لم يتم التحقق منه بوضوح. كان يمكن للبورصة أن تُفعل الحد الأدنى من التشغيل عبر الكوربيه، أو تعلن صراحة أن البنية البديلة لم تصمد، لكن ما حدث هو تجنب الشرح، ثم الصمت التام. بدلًا من أن تكون البورصة أداة لامتصاص أثر الأزمة واحتوائها، تحولت إلى عامل مضاعف لها، وأسهم هذا الخلل فى توسيع نطاق التأثير السلبى على المستوى الدولى، دون خطة واضحة أو مساءلة، أو حتى اعتراف بوجود ثغرات إدارية وفنية يجب إصلاحها.القطاع المصرفى لم يكن أوفر حظًا، رغم اتخاذه إجراءات فورية فى محاولة لاحتواء الأزمة، فقد تعطّلت أجهزة الصراف الآلى، وتوقفت تطبيقات الدفع مثل «إنستاباى» و»فورى»، ما أدى إلى ارتباك واسع داخل فروع البنوك وطوابير طويلة أمامها. ما اضطر البنك المركزى المصرى إلى اتخاذ إجراءات عدة عاجلة، أبرزها تمديد ساعات العمل حتى الخامسة مساءً، وزيادة الحد الأقصى للسحب النقدى إلى 500 ألف جنيه لتغطية المدفوعات وضمان عدم توقف الأسواق عن الحركة، وتفعيل خطط الطوارئ بالتنسيق مع شركات الاتصالات، إلا أن غياب تقنيات مرونة التشغيل المتبعة عالميًا مثل "Stand-In Processing" جعل الخدمة البنكية عاجزة عن احتواء الأزمة فى ساعاتها الأولى..الأمر الذى يؤكد ضرورة تحوط البنوك بشكل أكبر تجاه خلل التشغيل الرقمى والذى يعد البنية التحتية الأساسية لعمل الأنظمة المالية الآن سواء من خلال بناء مراكز بيانات احتياطية، تضمن التحول الأتوماتيكى عليها أو من خلال خطط طوارئ متكاملة وتنوع شبكات الربط وإيجاد واجهات اتصال بديلة للخدمات الرقمية توفر العمل بنظام «الأوفلاين» جزئيًا.تجاوزت تداعيات الحريق حدود الاقتصاد الرقمى إلى واقع الحياة اليومية، تأخرت 22 رحلة جوية بمطار القاهرة نتيجة تعطل أنظمة التنسيق، وتوقفت أنظمة حجز القطارات، وتعطلت بعض الخطوط الساخنة لخدمات الطوارئ، ومع ذلك، لم تصدر الجهات المعنية أى بيانات دقيقة عن حجم الخسائر أو تكلفة تعطل الخدمات.تصريحات المسؤولين بعد الحادث اتسمت بالتفاوت بين التطمين المبالغ فيه والتهوين المقصود.. وزير الاتصالات أكد أن مصر لا تعتمد على سنترال رمسيس وحده، مع توجيه تعويضات للضحايا والمصابين، أما رئيس الوزراء، فصرح بأن الدولة تحركت فورًا، وأن تعافى الشبكة يؤكد كفاءة البنية التحتية، لكن هذا لم يُخفِ غياب أى إعلان واضح بشأن تعويض المؤسسات والمواطنين المتضررين، أو تقديم تقييم اقتصادى شفاف للخسائر.إن حريق سنترال رمسيس ينبغى ألا يُختزل فى مشهد النيران أو فى استعادة مؤقتة للخدمة. ما حدث كان اختبارًا حقيقيًا للبنية الرقمية للدولة، وقد كشفت النتيجة عن ضعف فى الجاهزية، وغياب فى شفافية التعامل، وتقصير فى التعويض والمحاسبة.فى الدول التى تمتلك بنية مؤسسية متقدمة، حوادث من هذا النوع تُقابل عادة بسلسلة واضحة من الإجراءات:1. فتح تحقيق فنى علنى ومستقل ينشر نتائجه للمجتمع.2. تقييم الأثر المالى والتقنى للأزمة على جميع القطاعات.3. تخصيص حزم دعم وتعويضات مؤقتة للمؤسسات والأفراد المتضررين.4. تفعيل خطط بديلة واضحة لاستمرارية العمل (Business Continuity Plans).5. مراجعة شاملة للبنية التحتية الرقمية وتوزيع المخاطر والنسخ الاحتياطية.6. إصدار تشريعات تُلزم الجهات المشغّلة بوضع خطط طوارئ وإدارتها بشكل منتظم.7. تحمّل المسؤولية، ومحاسبة أى تقصير علنيًا لا داخليًا.وحتى لا تتحول الأزمات والكوارث والانكشافات الجسيمة إلى مجرد «أخطاء طارئة» يخبو أثرها بعد أيام من تداولها، علينا أن نعترف بأن الاعتماد على الزمن والنسيان وذاكرة السمك كأدوات علاج لا يصنع دولة، بل يصنع مجتمعًا هشًا، معرضًا للكارثة التالية بلا خطة ولا حماية. فليس من الحصافة أن تُبنى المؤسسات على افتراض أن الذاكرة الجماعية قصيرة.إن ما احترق فى سنترال رمسيس ليس مجرد مبنى، بل الثقة فى قدرة المنظومة الرقمية على حماية مواطنيها ومؤسساتها فى لحظة الأزمة.والسؤال الآن لم يعد «ماذا حدث؟»، بل «متى نبدأ الإصلاح؟»، قبل أن تندلع النار فى أماكن أخرى![email protected]

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

مصرس
منذ 6 أيام
- مصرس
حريق سنترال رمسيس.. نيران كشفت الهشاشة الرقمية وتجاهل التحذيرات
فى مساء الإثنين 7 يوليو 2025، اندلع حريق مروّع فى مبنى سنترال رمسيس التاريخى بوسط القاهرة، أحد أعمدة البنية التحتية للاتصالات فى مصر.. لم تكن النيران وحدها هى الخطر، بل ما كشفه الحريق من هشاشة المنظومة الرقمية، انقطاعات بالجملة، شلل مصرفى، توقف للبورصة، وتعطل خدمات أساسية تمس حياة المواطن اليومية. قبل خمس سنوات فقط، حذّر البنك الدولى فى تقرير رسمى بعنوان «تقييم الاقتصاد الرقمى فى مصر – مايو 2020»، من الاعتماد الكبير على هيئة الاتصالات الحكومية (TE)، ليشكل ذلك نموذجًا كلاسيكيًا ل"نقطة فشل واحدة»، وشدد التقرير على أن انهيار هذه النقطة يمكن أن يُحدث تأثيرًا متسلسلًا (cascading effects) على العديد من القطاعات يعتمد بشكل كبير على الاتصال الرقمى.الإشكالية التى حذر منها، وهنا التزم بالترجمة الحرفية لهذا التقرير، تأتى من التركيز على بنية تحتية مركزية قديمة، تفتقد المقاومة أمام المخاطر الحديثة كالزلازل، والفيضانات، والحرائق أو الهجمات الإلكترونية، وقد أوصى التقرير بما يلي:-بناء مسارات متوازية للشبكة تربط المناطق الحساسة، مثل مدن القاهرة الكبرى، وليست مستندة فقط إلى المبانى المركزية.-توظيف تكنولوجيا تأمين إضافية كأنظمة إنذار مبكر ضد الحرائق والرطوبة، وربط هذه الأنظمة بوحدات طوارئ داخلية توفر الحماية الفعلية.-العمل على خطة شاملة لتوزيع المخاطر تشمل إنشاء مرافق بديلة (مراكز بيانات جديدة، سنترالات احتياطية) تكون جاهزة للتشغيل الفورى وقت الأزمات.كل هذه التوصيات التقنية كانت واضحة ومبنية على دراسات ميدانية وإحصائية لمخاطر البيئة والبنية التحتية الرقمية فى مصر، لكن هذه التوصيات لم تنفذ.. وجاء الحريق ليترجم كل ما حذر منه التقرير حرفيًا..فعقب اندلاع الحريق، انقطعت خدمات الإنترنت والمكالمات فى مناطق واسعة من القاهرة الكبرى، وواجه المستخدمون صعوبة فى إجراء مكالمات بين الشبكات، بينما بقى الاتصال داخل الشبكة الواحدة مستقرًا نسبيًا.أعلنت منظمة «نت بلوكس» أن الاتصال بالإنترنت فى مصر انخفض إلى 62٪ من مستواه الطبيعى. وقد تعطل عدد من التطبيقات والمنصات الرقمية والخدمات الحكومية والخاصة التى تعتمد على الاتصال اللحظى، فى مشهد كشف مدى الاعتماد غير المدروس على نقطة مركزية واحدة.لم يكن قطاع الاتصالات هو الوحيد الذى اهتز بسبب الحريق، بل امتد الأثر مباشرة إلى قلب النظام المالى فى البلاد، حين فوجئ المتعاملون بإعلان البورصة المصرية صباح الثلاثاء 8 يوليو 2025 أنها ستفتح جلسة التداول من خلال «الكوربيه» مباشرة عن طريق السماسرة، فى محاولة لتجاوز تعطل شبكة الاتصالات الناتجة عن الحريق. لكن بعد أقل من ساعة، تراجعت البورصة عن القرار بشكل مفاجئ، وأعلنت إلغاء الجلسة بالكامل، فى إجراء استثنائى يُعد الأول من نوعه منذ 2011، ورغم تأكيد إدارة البورصة أن الأنظمة الداخلية لم تتأثر، فإن تعطل الربط الإلكترونى مع شركات السمسرة، وتوقف الموقع الرسمى، وصعوبة بث الأسعار اللحظية، أدت إلى قرار بالتعليق، دون أى توضيح بشكل علنى عما يحدث فعليًا أو حتى أساب العجز عن تنفيذ الخطة البديلة التى أعلنتها بنفسها قبل دقائق.هذا الغموض، وعدم صدور أى بيان فنى أو مؤتمر صحفى يشرح الموقف، عزز الشعور بالارتباك المؤسسى، وساهم فى تصدير صورة سلبية عن السوق المصرية أمام المستثمرين المحليين والدوليين.فى أسواق المال المتقدمة، يُعد توقف البورصة- ولو لدقائق- حدثًا استثنائيًا يستدعى استجابة فورية. وعادة ما تصدر الجهات المنظمة فى مثل هذه الحالات بيانات تفصيلية، وتُعقد مؤتمرات صحفية، ويتم إقرار إجراءات تعويضية تشمل: تمديد ساعات التداول، وفتح جلسات استثنائية، وتجميد الرسوم مؤقتًا، أو منح إعفاءات للمستثمرين المتضررين، كما يتم تقديم فرص لتعديل أوامر التداول دون تكاليف إضافية، وتُنشر تقارير واضحة تشرح ما حدث وتُحمّل المسؤولية إن وُجدت.فى المقابل، لم تشهد السوق المصرية بعد الحادث أى خطوة من هذا النوع. ولم تُمدد ساعات التداول فى الأيام التالية، ولم تُطرح أى آلية تعويض للشركات أو شركات السمسرة التى واجهت خسائر تشغيلية، ولم يحصل المتعاملون الصغار على أى دعم- ولو رمزيًّا- يعكس إدراك السوق حجم الضرر. وحتى مع التوقف الكامل، لم تُعلن البورصة عن عدد الأوامر التى تأثرت أو قيمتها، ولم يتم تقييم الخسائر الناتجة عن الجلسة الملغاة، رغم أن عدد أيام التداول فى مصر لا يتجاوز عادة 220-230 يومًا سنويًا بسبب الإجازات الرسمية. وبالتالي، فإن خسارة يوم تداول تعنى فعليًا خسارة 0.5٪ من السنة المالية النشطة فى البورصة، وهى نسبة كبيرة فى منطق أسواق المال.الأكثر لفتًا للنظر كان تبرير قرار إلغاء الجلسة بأنه جاء «لضمان العدالة السوقية»، وهو مبرر يثير تساؤلات مشروعة، إذ إن وظيفة السوق فى الأساس هى الاستمرار فى التداول حتى فى الظروف غير المثالية، طالما أتيحت القنوات التقنية الرئيسية، وهو ما لم يتم التحقق منه بوضوح. كان يمكن للبورصة أن تُفعل الحد الأدنى من التشغيل عبر الكوربيه، أو تعلن صراحة أن البنية البديلة لم تصمد، لكن ما حدث هو تجنب الشرح، ثم الصمت التام. بدلًا من أن تكون البورصة أداة لامتصاص أثر الأزمة واحتوائها، تحولت إلى عامل مضاعف لها، وأسهم هذا الخلل فى توسيع نطاق التأثير السلبى على المستوى الدولى، دون خطة واضحة أو مساءلة، أو حتى اعتراف بوجود ثغرات إدارية وفنية يجب إصلاحها.القطاع المصرفى لم يكن أوفر حظًا، رغم اتخاذه إجراءات فورية فى محاولة لاحتواء الأزمة، فقد تعطّلت أجهزة الصراف الآلى، وتوقفت تطبيقات الدفع مثل «إنستاباى» و»فورى»، ما أدى إلى ارتباك واسع داخل فروع البنوك وطوابير طويلة أمامها. ما اضطر البنك المركزى المصرى إلى اتخاذ إجراءات عدة عاجلة، أبرزها تمديد ساعات العمل حتى الخامسة مساءً، وزيادة الحد الأقصى للسحب النقدى إلى 500 ألف جنيه لتغطية المدفوعات وضمان عدم توقف الأسواق عن الحركة، وتفعيل خطط الطوارئ بالتنسيق مع شركات الاتصالات، إلا أن غياب تقنيات مرونة التشغيل المتبعة عالميًا مثل "Stand-In Processing" جعل الخدمة البنكية عاجزة عن احتواء الأزمة فى ساعاتها الأولى..الأمر الذى يؤكد ضرورة تحوط البنوك بشكل أكبر تجاه خلل التشغيل الرقمى والذى يعد البنية التحتية الأساسية لعمل الأنظمة المالية الآن سواء من خلال بناء مراكز بيانات احتياطية، تضمن التحول الأتوماتيكى عليها أو من خلال خطط طوارئ متكاملة وتنوع شبكات الربط وإيجاد واجهات اتصال بديلة للخدمات الرقمية توفر العمل بنظام «الأوفلاين» جزئيًا.تجاوزت تداعيات الحريق حدود الاقتصاد الرقمى إلى واقع الحياة اليومية، تأخرت 22 رحلة جوية بمطار القاهرة نتيجة تعطل أنظمة التنسيق، وتوقفت أنظمة حجز القطارات، وتعطلت بعض الخطوط الساخنة لخدمات الطوارئ، ومع ذلك، لم تصدر الجهات المعنية أى بيانات دقيقة عن حجم الخسائر أو تكلفة تعطل الخدمات.تصريحات المسؤولين بعد الحادث اتسمت بالتفاوت بين التطمين المبالغ فيه والتهوين المقصود.. وزير الاتصالات أكد أن مصر لا تعتمد على سنترال رمسيس وحده، مع توجيه تعويضات للضحايا والمصابين، أما رئيس الوزراء، فصرح بأن الدولة تحركت فورًا، وأن تعافى الشبكة يؤكد كفاءة البنية التحتية، لكن هذا لم يُخفِ غياب أى إعلان واضح بشأن تعويض المؤسسات والمواطنين المتضررين، أو تقديم تقييم اقتصادى شفاف للخسائر.إن حريق سنترال رمسيس ينبغى ألا يُختزل فى مشهد النيران أو فى استعادة مؤقتة للخدمة. ما حدث كان اختبارًا حقيقيًا للبنية الرقمية للدولة، وقد كشفت النتيجة عن ضعف فى الجاهزية، وغياب فى شفافية التعامل، وتقصير فى التعويض والمحاسبة.فى الدول التى تمتلك بنية مؤسسية متقدمة، حوادث من هذا النوع تُقابل عادة بسلسلة واضحة من الإجراءات:1. فتح تحقيق فنى علنى ومستقل ينشر نتائجه للمجتمع.2. تقييم الأثر المالى والتقنى للأزمة على جميع القطاعات.3. تخصيص حزم دعم وتعويضات مؤقتة للمؤسسات والأفراد المتضررين.4. تفعيل خطط بديلة واضحة لاستمرارية العمل (Business Continuity Plans).5. مراجعة شاملة للبنية التحتية الرقمية وتوزيع المخاطر والنسخ الاحتياطية.6. إصدار تشريعات تُلزم الجهات المشغّلة بوضع خطط طوارئ وإدارتها بشكل منتظم.7. تحمّل المسؤولية، ومحاسبة أى تقصير علنيًا لا داخليًا.وحتى لا تتحول الأزمات والكوارث والانكشافات الجسيمة إلى مجرد «أخطاء طارئة» يخبو أثرها بعد أيام من تداولها، علينا أن نعترف بأن الاعتماد على الزمن والنسيان وذاكرة السمك كأدوات علاج لا يصنع دولة، بل يصنع مجتمعًا هشًا، معرضًا للكارثة التالية بلا خطة ولا حماية. فليس من الحصافة أن تُبنى المؤسسات على افتراض أن الذاكرة الجماعية قصيرة.إن ما احترق فى سنترال رمسيس ليس مجرد مبنى، بل الثقة فى قدرة المنظومة الرقمية على حماية مواطنيها ومؤسساتها فى لحظة الأزمة.والسؤال الآن لم يعد «ماذا حدث؟»، بل «متى نبدأ الإصلاح؟»، قبل أن تندلع النار فى أماكن أخرى![email protected]


نافذة على العالم
١١-٠٧-٢٠٢٥
- نافذة على العالم
أخبار الاقتصاد : جهاز تنمية المشروعات يوقع عقد تمويل مع شركة تأجير تمويلي بـ80 مليون جنيه
الجمعة 11 يوليو 2025 02:30 مساءً نافذة على العالم - أكد باسل رحمى الرئيس التنفيذى لجهاز تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر، حرص الجهاز على إتاحة وتوفير مختلف أنواع الدعم التمويلي والفنى لأصحاب المشروعات بمختلف أنواعها، لمساعدتها على التطوير والتوسع، ومن ثم توفير المزيد من فرص العمل اللائقة والمستدامة للمواطنين، فضلا عن تعزيز قدرتها على الإنتاج وتمكين المنتجات المحلية من الانتشار والوصول للأسواق. جاءت تصريحات رحمى بمناسبة توقيع عقد تمويل جديد بين الجهاز وشركة للتأجير التمويلى والتخصيم بإجمالى 80 مليون جنيه، وذلك بنظام التخصيم التجاري، حيث شهد التوقيع باسل رحمى الرئيس التنفيذى لجهاز تنمية المشروعات، وقام بالتوقيع أسامة بكرى رئيس القطاع المركزى لتمويل المشروعات المتوسطة والصغيرة بالجهاز، وآمال إيليا رئيس مجلس إدارة شركة تدبير، وذلك بحضور محمد مدحت نائب الرئيس التنفيذى للجهاز. قال "رحمي"، إن العقد الجديد الموقع مع شركة للتأجير التمويلي، يهدف إلى توفير التمويل اللازم للمواطنين فى جميع المحافظات لإقامة مشروعات متوسطة وصغيرة فى شتى المجالات؛ خاصة المجالات الصناعية والإنتاجية، بالإضافة إلى مساعدة المشروعات القائمة بالفعل على التطوير والتوسع والإحلال والتجديد، مما يعزز من قدراتها الإنتاجية، مضيفا أنه سيتم التركيز على المشروعات الصناعية والإنتاجية، على أن يتم التمويل بنظام التخصيم التجارى المباشر والعكسى بحد أدنى 250 ألف جنيه للمشروع الواحد وحد أقصى 15 مليون جنيه بالنسبة للمشروعات الصغيرة و30 مليون جنيه بالنسبة للمشروعات المتوسطة. وأكد الرئيس التنفيذى لجهاز تنمية المشروعات، أن هذا التوقيع يأتى فى إطار استكمال الجهاز لخطة عمله لتنوع مصادر التمويل لأصحاب المشروعات سواء بالتعاون مع البنوك والمصارف الكبرى أو الشركات التمويلية مما يسهم فى تلبية احتياجات عملاءه المختلفة، مشيرا إلى أن هذا العقد يتم تمويله من خلال اتفاقية البنك الدولى مشروع تحفيز ريادة الاعمال من أجل خلق فرص عمل. أشار "رحمي"، إلى أن جهاز تنمية المشروعات يقدم من خلال تلك التعاقدات مع شركات التأجير التمويلى و التخصيم أدوات تمويل متنوعة لدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة، بما يتناسب مع طبيعة كل نشاط ويعزز قدرتها على النمو، وتشمل (التخصيم التجاري) وهو تمويل المبيعات الآجلة لتوفير سيولة فورية تساعد فى إدارة التدفقات النقدية للمشروع و(التخصيم العكسي)، وهو تمويل مشتريات المشروع من الموردين بالأجل لدعم دورة التشغيل دون تأخير. و (التأجير التمويلي) وهو تمويل شراء الأصول عن طريق تأجيرها بعقود طويلة الأجل، دون الحاجة لرأس مال مقدم . لفت إلى حرص الجهاز على نشر الثقافة الضريبية بين المشروعات الممولة من خلاله و تعريفهم بالتيسيرات الضريبية الواردة فى القانون الجديد ومساعدتهم فى الخطوات المستندية اللازمة للدخول فى القطاع الرسمى للدولة. جدير بالذكر أن الجهاز سبق وأن منح تمويلا بحوالى 30 مليون جنيه وتمت إتاحته لعملاء تدبير طبقا لمستهدفات الجهاز، ونجحت تدبير فى استهداف الشركات الصغيرة والمتوسطة بفعالية، مما أسفر عن إتاحة الآلاف من فرص العمل للمواطنين فى العديد من المجالات الحيوية، منها على سبيل المثال لا الحصر: التكنولوجيا، والصناعات الغذائية والمشروبات، والرعاية الصحية، وتمكنت تدبير خلال تلك الفترة من إتاحة تمويلات تقدر بقرابة 60 مليون جنيه للشركات، مع تحقيق نسبة 100% من المستهدف لعملاء التأجير التمويلى والتخصيم.


نافذة على العالم
١٠-٠٧-٢٠٢٥
- نافذة على العالم
تقارير مصرية : وزيرا العدل والتخطيط يشهدان توقيع مذكرة تفاهم مع مؤسسة التمويل الدولية
الخميس 10 يوليو 2025 05:50 مساءً نافذة على العالم - شهدا اليوم الخميس المستشار عدنان فنجرى وزير العدل والدكتورة رانيا المشاط وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولى، توقيع مذكرة تفاهم بين وزارة العدل المصرية ومؤسسة التمويل الدولية (IFC) – إحدى مؤسسات مجموعة البنك الدولى – بشأن التعاون فى إطلاق منظومة الإنذار المبكر للشركات الصغيرة والمتوسطة، وذلك بديوان عام وزارة العدل بالعاصمة الإدارية الجديدة. جاء ذلك فى إطار جهود الدولة لدعم بيئة الأعمال وتعزيز قدرة الشركات على مواجهة التحديات المالية. تهدف هذه المنظومة إلى تمكين الشركات من اكتشاف المؤشرات المبكرة للتعثر المالى، والتعامل معها بشكل استباقى، من خلال توفير أدوات تقييم ذاتية ودعم فنى واستشارات قانونية ومالية متخصصة، بما يتماشى مع أفضل الممارسات الدولية ويعزز من قدرة الشركات على الاستمرار والنمو فى بيئة اقتصادية تنافسية. وفى كلمتها، أكدت الدكتورة رانيا المشاط، أن مؤسسة التمويل الدولية تعد شريكًا استراتيجيًا رئيسيًا فى جهود الدولة المصرية لدعم وتنمية القطاع الخاص وهى تلعب دورًا محوريًا فى تيسير التمويل وتوفير الدعم الفنى وتعزيز مناخ الاستثمار وقد تجلّى هذا التعاون فى العديد من المبادرات والمشروعات النوعية التى تتكامل مع خطة التنمية الوطنية، بما فى ذلك الشراكة فى مجالات التحول الرقمى وتمكين رواد الأعمال وتنمية الشركات الصغيرة والمتوسطة وبما يتماشى مع أهداف رؤية مصر 2030. وأوضحت أن مشروع أدوات الإنذار المبكر يأتى ليشكل إحدى هذه المبادرات التى تعبّر عن نهج استباقى فى تعزيز قدرة الشركات الصغيرة والمتوسطة على التعامل مع التحديات المالية وتفادى الوقوع فى التعثّر أو الإفلاس والاستعداد لها بشكل أفضل، حيث تُشكّل هذه النوعية من الشركات أكثر من 97% من إجمالى الشركات العاملة فى مصر، وتوفر فرص العمل لما يفوق 75% من القوى العاملة، مما يجعل دعم استدامتها وتوسّعها أولوية وطنية تستدعى تطوير أدوات عملية تساعدها على تحسين جاهزيتها المالية وتعزيز قدرتها على التكيّف والنمو، ولذلك فإن نظام أدوات الإنذار المبكر الذى يجرى تطويره بالتعاون مع وزارة العدل ومؤسسة التمويل الدولية سيمكن هذه الشركات من رصد التحديات المالية المحتملة فى وقت مبكر ويوفر لها خدمات استشارية مجانية تساعدها فى اتخاذ التدخلات التصحيحية اللازمة. ومن جانبه، أعرب المستشار عدنان فنجرى وزير العدل عن ترحيبه بالتعاون مع مجموعة البنك الدولى، وخاصة مؤسسة التمويل الدولية، مؤكدًا أن هذه المنظومة تمثل امتدادًا لتوجه وزارة العدل نحو تطوير بيئة التشريعات الاقتصادية وتحقيق العدالة الوقائية، بما يسهم فى الحد من حالات التعثر، ويعزز مناخ الاستثمار ويضمن استقرار السوق. كما شدد على التزام الوزارة بتوفير الأطر القانونية والتنفيذية التى تضمن نجاح المنظومة واستدامتها. وفى هذا السياق، صرّح شيخ عمر سيلا، المدير الإقليمى لمؤسسة التمويل الدولية لشمال إفريقيا والقرن الإفريقى، "نفتخر فى مؤسسة التمويل الدولية (IFC) بشراكتنا مع وزارة العدل المصرية لإطلاق نظام آليات الإنذار المبكر (EWT)، وهى خطوة للأمام نحو تمكين الشركات ومؤسسات الأعمال، خاصة الشركات الصغيرة والمتوسطة، التى تُعد محرك الازدهار الاقتصادى فى مصر". وأضاف "من خلال تزويد الشركات بالوسائل اللازمة لتحديد التحديات المالية والحصول على الخدمات الاستشارية الضرورية والسريعة، تعمل مؤسسة التمويل الدولية على تعزيز مرونة الأعمال، بما يضمن نموًا اقتصاديًا مستدامًا فى جميع أنحاء البلاد." هذا وتعكس مذكرة التفاهم رؤية تكاملية بين مؤسسات الدولة والشركاء الدوليين لبناء منظومة متكاملة للإنذار المبكر، تواكب المعايير الدولية وتلبى احتياجات الشركات فى مختلف المراحل، بما يرسخ مكانة مصر كبيئة جاذبة ومستقرة للاستثمار. توقيع مذكرة تفاهم بين وزارة العدل ومؤسسة التمويل الدولية