
في نقد المقاربة المغربية لتدبير الشأن الديني في أوروبا مؤسسات ومجالس مغربية تتزاحم على تدبير الشأن الديني! (1/5)
إيطاليا تلغراف نشر في 30 أبريل 2025 الساعة 12 و 00 دقيقة
إيطاليا تلغراف
الدكتور التجاني بولعوالي
أستاذ الدراسات الإسلامية والعربية لدى جامعة لوفان في بلجيكا
رئيس مركز اجتهاد للدراسات والتكوين في بلجيكا
لا يمكن إعطاء موضوع المسجد عامة والإمام خاصة في السياق الأوروبي والبلجيكي حقه دون التوقف عند الجهود المتميزة التي تقدمها الشريحة المغربية منذ موجات الهجرة العمالية الأولى في ستينات القرن الماضي، ولا تخلو أي مدينة صغيرة أو كبيرة يعيش فيها المغاربة بمختلف البلدان الأوروبية من مسجد يحمل اسمهم، ويعكس الطابع الثقافي والإثني للقبيلة أو المنطقة الأصلية التي ينحدرون منها. ويمكن التمييز بين نمطين من المؤسسات المغربية العاملة في السياق الأوروبي.
النمط الأول: يتعلق بالجمعيات والمساجد والمراكز والمدارس التي أسسها مغاربة على مر عقود الإقامة في أوروبا، وقد أفضى ذلك إلى تراكم مُهمّ فيما يرتبط بما هو مؤسسي وإداري ومنهجي، بالطبع لا يخلو من سلبيات وتحديات، غير أنه تراكم تصاعدي إيجابي، حيث لم يعد مغاربة أوروبا اليوم يركزون على أهمية التعليم والترشيد الديني للأجيال الأخيرة فقط، بل أصبحوا يراهنون أيضا على جودة هذا التعليم وذلك الترشيد ومخرجاته ونتائجة الإيجابية.
وقد نشأ في العقد الأخير وعي عميق بين أوساط مغاربة أوروبا بضرورة تأهيل مؤسسة المسجد والرقي بوظيفة الإمام في السياق الأوروبي العلماني والتعددي المعاصر، ليس فقط على مستوى لغة التخاطب والتواصل، بل على مستوى الخطاب الديني المعتمد أيضا.
ويلاحظ أن معظم هذه المؤسسات والمراكز 'المغربية' تعمل بشكل مستقل عن السياسيات الدينية الرسمية المغربية، بالمقارنة مع مثيلاتها لاسيما التركية، التي تظل في ولاء تام، إما للدولة التركية عبر مؤسسة رئاسة الشؤون الإسلامية التركية 'ديانت'، وإما في تبعية للمنظمات التركية الأصلية، مثل ميلي كوروز والسليمانية والخدمة.
النمط الثاني: يتحدد في المؤسسات المغربية الرسمية المكلفة بمغاربة أوروبا والعالم. ويتعلق الأمر بثلاث مؤسسات معتمدة تتخصص كل واحدة منها في مجال معين حسب الظواهر والمراسيم المؤسسة والمنظمة لها. وتعتبر مؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج أقدمها تاريخيا حيث تأسست عام 1990 من طرف الملك الراحل الحسن الثاني، وهي تشتغل بقضايا الهجرة المغربية من خلال مختلف البرامج التربوية والثقافية والاجتماعية والقانونية والتنموية. أما مجلس الجالية المغربية بالخارج فذو طابع استشاري يضطلع بوظائف الإحاطة بإشكالات الهجرة واستشرافها والمساهمة في تنمية العلاقات بين المغرب وحكومات ومجتمعات بلدان إقامة المهاجرين المغاربة. في حين تتحدد مهمة المجلس الأوروبي للعلماء المغاربة في وضع إطار مرجعي ديني لمغاربة أوروبا وتحقيق الأمن الروحي وتحفيز الحوار.
والغريب في الأمر أن هذه المؤسسات الثلاث تتقاطع في اهتمامها بالشأن الديني المغربي في أوروبا. ورغم أن لكل واحدة منها إطارها القانوني الواضح، إلا أنها تتزاحم فيما بينها لتمثيل الشأن الديني المغربي في أوروبا، أو على الأقل لحيازة موطئ لها في الجغرافية الدينية لمغاربة أوروبا. ولم يعد يقتصر عملها على الوعظ التقليدي فقط، بل يتجاوزه إلى تنظيم التكوين المستمر والبحث الأكاديمي والندوات الدولية.
وعادة ما يخلق هذا التقاطع الوظيفي نوعا من اللبس واللاوضوح، لأنه بدل أن تركز كل مؤسسة على المهام التي يخولها لها القانون المغربي فإنها تحاول الإسهام أيضا في مقاربة الشأن الديني سواء عقب كل مستجد يطرأ على مغاربة أوروبا ويمس الجانب الديني بشكل أو بآخر، أو عبر شتى المبادرات التي يتمثل أغلبها في الندوات المكرورة والتكوينات الشكلية واللقاءات النظرية، والتي قلما تمسّ الإشكالات القانونية والفقهية والسياسية والاجتماعية والهوياتية التي يتخبط فيها مغاربة أوروبا عامة ومؤسسة المسجد بما فيها وضعية الإمام خاصة.
وتجدر الإشارة إلى أن تجربة المغرب في تدبير الشأن الديني وتكوين الأئمة ونشر الإسلام المعتدل بدأت تسترعي الاهتمام من بعض الدوائر السياسية الأوروبية. وقد تعزز هذا المجال الحيوي بمعهد محمد السادس لتكوين الأئمة المرشدين والمرشدات، الذي تم تدشينه في 27 مارس 2015. وقد طلبت دول مثل مالي وتونس وفرنسا من المغرب توفير التدريب لأئمتها، كما أبدت بلجيكا اهتمامًا بهذا الأمر. يذهب الباحث محمد حصحاص إلى أن الأنموذج المغربي يعمل على إضفاء الطابع المؤسسي على التدريب الديني للأئمة لتجنب احتمال أن يصبح أداة في أيدي الحركات السياسية التي قد تؤدي إلى التطرف أو تظهر معارضة سياسية، وهو أنموذج يروق للمؤسسات الأوروبية. ثم يمثلُ حصحاص لذلك بالمجلس الأوروبي للعلماء المغاربة، الذي تبنى هذا الأنموذج منذ 2010، عبر تنظيم ندوات علمية حول القضايا الدينية وتقديم التدريب والإرشاد للأئمة في جميع أنحاء أوروبا الغربية. (ينظر: The European Imam, A Nationalized Religious Authority, p. 87-88)
ونوافق الباحث حصحاص إلى حد كبير فيما يتعلق ببعض الأنشطة 'العلمية' التي تنظمها المؤسسات المغربية المعنية بالشأن الديني لمغاربة أوروبا، بما فيها المجلس الأوروبي للعلماء المغاربة، لكن في الوقت نفسه نشير إلى أن هذه الأنشطة والفعاليات النظرية والشكلية، على كثرتها وتنوعها، لم تنتقل بالمقاربة المغربية إلى أوساط مغاربة أوروبا، سواء في مساجدهم ومراكزهم وجمعياتهم التي تعدّ بالآلاف أو عبر وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي التي تشكل الوسيلة الأساس للوصول إلى أجيال الهجرة الأخيرة. ثم إن أنموذج التدين المغربي المتسامح لا يتراوح مكانه، لأنه رغم مرور عقود طويلة من استقرار المغاربة في أوروبا، فلا تزال مؤسساتهم الدينية تعاني الكثير، من سوء التدبير الاستراتيجي، وغياب التمويل القار، وغياب التنسيق الفعال، وزحف الإيديولوجيات الدينية الخارجية. ولا يمكن تنزيل ذلك التدين المغربي النموذجي في ظل هذه الوضعية الصعبة، التي ينبغي أن تصحح وتجدد وتؤهل أولا. ولعل الضحية الأولى في هذه المعادلة المختلة هو الإمام، الذي ينبغي أن يكون عاملا فاعلا في الشأن الديني، لا مجرد عنصر سالب توجهه أوامر المسؤولين داخل مؤسسة المسجد وخارجها.
وحتى لا نحيد عما تقتضيه الموضوعية البحثية سوف نُعرف في المقالات اللاحقة بكل مجلس أو مؤسسة بشكل مقتضب، ثم نقدم أمثلة من بعض الأنشطة المتعلقة بالشأن الديني ومؤسسة المسجد ووظيفة الإمام التي نظمتها وتنظمها هذه المؤسسات المغربية الرسمية، على أن نختم كل مقالة بمناقشة نقدية موضوعية لطبيعة تعاطي هذه المؤسسات مع الشأن الديني المغربي في السياق الأوروبي تركيزا على موضوعات المسجد والإمام. ونعتمد في هذا الصدد نوعا من النقد التقويمي الموضوعي من منطلق بحثي صرف، وذلك بغرض الخروج من هذا البحث بنتائج واقعية وعملية حول المقاربة المغربية الرسمية لتنظيم الشأن الديني لدى مغاربة أوروبا.
يتبع..
إيطاليا تلغراف
السابق
اختتام معرض الرباط للنشر والكتاب… جدلٌ ما زال مفتوحاً

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


إيطاليا تلغراف
منذ 21 ساعات
- إيطاليا تلغراف
حماس ليست منظمة إرهابية، بل حركة مقاومة وطنية!
إيطاليا تلغراف بقلم/ التجاني بولعوالي تم كتابة هذه المقالة في الأصل باللغة الهولندية بهدف وضع القارئ الغربي في الصورة الحقيقية لما يحصل في فلسطين وغزة. هذا القارئ الذي لا يستطيع تبيّن الحقيقة بسبب التزييف الإعلامي والتوظيف السياسي وهيمنة المفاهيم والسرديات المغلوطة، ومن بينها اعتبار المقاومة الفلسطينية عامة ومقاومة حركة حماس خاصة ممارسة إرهابية ضد المواطنين الإسرائيليين. وقد حاولنا بلورة مجموعة من الحقائق التاريخية في فقرات مختصرة ومركزة؛ لعلّ صداها يصل إلى المواطن الأوروبي والغربي المضلل إعلاميا والمقولب سياسيا والمموّه فكربا. في الحقيقة، لا يمكن وضع المسلمين كلهم في سلة واحدة، فالإسلام يتسم بتنوع ثقافي هائل قد لا نجده في ديانات وثقافات أخرى. ومرد ذلك إلى أن انتشار الإسلام وتوسعه سواء قديما عبر الفتوحات العسكرية وتنقلات التجار والرحالة، كما حصل في أسيا وأفريقيا وأجزاء مهمة من أوروبا، أو حديثا عبر الهجرة لأسباب سياسية أو اقتصادية أو دراسية، حيث أصبح المسلمون يعيشون اليوم في أغلب قارات وبلدان العالم. وهذا التنوع لا يقتصر على ما هو ثقافي فقط، بل يتجاوزه إلى ما هو فقهي وقانوني وإلى طبيعة التدين الذي يتأثر بالجغرافيا والأعراف والسياسية. وقد أدى هذا إلى ظهور تيارات وتوجهات ومذاهب مختلفة ضمن الإسلام، منها ما هو فقهي، ومنها ما هو عقدي، ومنها ما هو سياسي، ومنها ما تمتزج فيه هذه الاختلافات كلها. وتجدر الإشارة هنا إلى مجموعة من التيارات المحسوبة على ما يطلق عليه 'الإسلام السياسي'، سواء الجهادي، مثل القاعدة وداعش وبوكو حرام وغيرها، أو المعتدل مثل جماعة الإخوان المسلمين بمختلف حركاتها وتفرعاتها وأحزابها السياسية التي تكاد تغطي أغلب الأقطار العربية والإسلامية، ومنها ما هو محظور كجماعة الإخوان المسلمين في مصر والأردن، وجماعة العدل والإحسان في المغرب، وغيرهما، ومنها ما هو مسموح له، مثل حزب النهضة في تونس، وحزب العدالة والتنمية في المغرب، وحزب العدالة والتنمية في تركيا، وجمعية الإصلاح الاجتماعي في الكويت، وغيرها. ومن بين الحركات الإسلامية النشيطة والحاضرة بشكل مكثف في الإعلام والسياسة منذ سنوات طويلة، حركة المقاومة الإسلامية، التي يطلق عليها اختصارا 'حماس'، والتي ازدادت شهرة مباشرة عقب أحداث 7 أكتوبر 2023، لا سيما في المشهد اليومي والإعلامي الأوروبي والغربي. وقد أصبحت كلمة 'حماس' تتردد على لسان كل إنسان غربي، لكن للأسف الشديد بشكل سلبي في الغالب العام، حيث تُقدم هذه الحركة على أنها حركة إرهابية. ونستغرب كثيرا عندما نسمع صحافيين في وسائل إعلام أوروبية وغربية، من قنوات تلفزية وجرائد ومنصات إلكترونية، يتبنون أيضا هذه النظرة السلبية إلى حركة حماس، ومنهم من كنا نعتبره في السابق موضوعيا ومحايدا. وقد ساهم مثل هذا الخطاب الإعلامي المدعوم إيديولوجيا وسياسيا من دول غربية مختلفة، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، في شيطنة حركات حماس، وإلصاق تهمة الإرهاب بها، دون التمييز الموضوعي بين سياق هذه الحركة التاريخي والسياسي وسياق غيرها من الحركات المتطرفة، مثل داعش وبوكو حرام. لكن لماذا يجب علينا أن لا نضع حركة حماس في السلة نفسها ونماثلها بالحركات المتطرفة في المنطقة العربية أو خارجها؟ في الواقع، لا يمكن الإجابة بشكل سليم عن هذا السؤال دون الرجوع إلى الجذور التاريخية لهذه الحركة، وهذا ما لا يعرفه أغلب المواطنين الأوروبيين والغربيين، وغالبا بسبب تأثير وسائل الإعلام المسيسة، وتواطؤ السياسات الغربية مع السرديات الإسرائيلية. بل وهذا ما يتجاهله أيضا عدد من المثقفين والمدرسين والإعلاميين والكتاب في الغرب، والذين كان يُنتظر منهم إنصاف القضية الفلسطينية، أو على الأقل التعاطي بموضوعية مع ما يرتكب من مجازر بشعة في غزة وفلسطين منذ حوالي قرن من الزمن. ويمكن تفسير هذا التجاهل، إما بسبب الخوف من المتابعة القضائية بتهمة معاداة السامية، أو بسبب المصالح السياسية أو الشخصية، أو بسبب تأثير المناهج التربوية والتاريخية والجغرافية التي يتلقاها التلاميذ في المدارس عن تاريخ فلسطين والاحتلال الإسرائيلي والقضية الفلسطينية على العموم. وعندما نتصفح المصادر التاريخية نجد أن حركة حماس ليست وليدة اليوم، بل تمتد جذورها تاريخيا لعقود طويلة؛ إلى ثلاثينات القرن الماضي أثناء ظهور جماعة الإخوان المسلمين مع حسن البنا، وظلت القضية الفلسطينية حاضرة في أجندتها السياسية، وتُوج ذلك بفتح فرع لجماعة الإخوان المسلمين في القدس عام 1945، وافتتاح مقر رئيس للجماعة في غزة في 1946. وفي عام 1973، تأسست الجمعية الخيرية الدينية الاجتماعية في غزة كفرع لجماعة الإخوان المسلمين من طرف أحمد ياسين. والغريب في الأمر أن الكيان الإسرائيلي شجع هذه المؤسسة على التوسع، وذلك بهدف ضرب منظمة التحرير الفلسطينية (فتح) بها. هذا، إذن، عن الجذور التاريخية لجماعة الإخوان المسلمين في فلسطين وغزة بكونها الحركة – الأم لما يعرف اليوم بحماس، والتي هي اختصار لاسم الحركة الذي هو 'حركة المقاومة الإسلامية'. ومنذ ديسمبر 1987 سوف يتم الإعلان الرسمي عن حركة حماس، وقد تزامن ذلك مع الانتفاضة الأولى التي اندلعت في الفترة من 1987 وحتى 1994. وكل من يطّلع على تاريخ الحركة الإسلامية الفلسطينية عامة، وحركة المقاومة الإسلامية 'حماس' خاصة، يدرك أنه لا يمكن مماثلتها بالجماعات الإسلامية العنيفة التي ظهرت أثناء العقود الأخيرة، في مختلف البلدان العربية والإسلامية، لأنه كما يظهر من اسم هذه الحركة ومن بيانها التأسيسي في ديسمبر 1987، أنها حركة مقاومة خالصة، ظهرت كرد فعل على الاحتلال الإسرائيلي لأرض فلسطين. وهذا يعني أنها لا تختلف سواء عن حركات المقاومة الأوروبية ضد النازية والفاشية في أربعينات القرن العشرين، أو عن حركات المقاومة في شمال أفريقيا والبلدان الإسلامية وفيتنام والهند والصين وجنوب إفريقيا وأمريكا اللاتينية وغيرها ضد الاستعمار الأوروبي والغربي التقليدي. لماذا أصبحت العديد من الدوائر الغربية السياسية والإعلامية والأكاديمية تتعامل اليوم مع حركة المقاومة الفلسطينية 'حماس' على أنها حركة إرهابية ينبغي محاصرتها قانونيا واقتصاديا والضرب بيد من حديد على قاداتها وأتباعها ومناصريها، بينما تقدم حركات المقاومة الأخرى في المناهج الدراسية والأبحاث الأكاديمية والبرامج الوثائقية على أن زعماءها أبطال عظماء ينبغي اعتمادهم قدوات لأطفالنا وتلامذتنا وطلابنا؟ ألم تكشف أحداث غزة الأخيرة بالملموس عن ازدواجية التعامل الأوروبي والغربي مع المسلمين عامة والفلسطينيين خاصة؟ ألم يفضح ما يُمارس في غزة من إبادة وتقتيل وتشريد عن زيف السردية الإسرائيلية وكذب صناعها وداعميها في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية؟ ألا تعني الحركة الاحتجاجية الهائلة التي تشهدها أغلب البلدان الأوروبية والغربية أن الحقيقة بدأت تنكشف للعالم، وأنه بات واضحا من هو الجلاد الحقيقي ومن هي الضحية الحقيقية؟ ألا تشكل موافقة 17 دولة في الاتحاد الأوروبي على مراجعة اتفاقية الشراكة مع إسرائيل ضربة موجعة للعدوان الصهيوني؟ وفي الختام، نخلص إلى أن أحداث غزة الدموية والمأساوية الأخيرة التي تديرها بلا رحمة ولا إنسانية الآلة الحربية الإسرائيلية بدعم عسكري ولوجستيكي وديبلوماسي من طرف الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في أوروبا وخارجها، من شأنها أن تجعل الكثير من الناس في أوروبا والغرب يعيدون النظر في السردية الإسرائيلية الزائفة حول أرض فلسطين المحتلة. وهذا ما نتوقعه لا سيما من فئة معينة من العقلاء والحكماء والشرفاء. ولعل هذا الأمر بدأ يُترجم على أرض الواقع من خلال تزايد الوعي الصحيح بالقضية الفلسطينية عامة وبطبيعة حركة المقاومة 'حماس' خاصة. إن الحركات الاحتجاجية التي تشهدها اليوم مختلف العواصم والمدن الأوروبية ضد المجازر الإسرائيلية في فلسطين، والتحولات التي بدأت تطرأ على المواقف السياسية الأوروبية تجاه إسرائيل، ما هي إلا دليل على أن المسألة الفلسطينية سوف تشهد منعطفا 'إيجابيا' جديدا. وإن لم يكن ذلك في الواقع الأوروبي والغربي الحالي، فعلى الأقل على مستوى التصور والوعي حيث تبدأ عملية التغيير الحقيقية، كما نعتقد. إيطاليا تلغراف


إيطاليا تلغراف
١٢-٠٥-٢٠٢٥
- إيطاليا تلغراف
في تقييم المقاربة المغربية لتدبير الشأن الديني في أوروبا مؤسسات ومجالس مغربية تتزاحم على تدبير الشأن الديني! (ج 1)
إيطاليا تلغراف الدكتور التجاني بولعوالي أستاذ الدراسات الإسلامية والعربية لدى جامعة لوفان في بلجيكا رئيس مركز اجتهاد للدراسات والتكوين في بلجيكا إشارة لابد منها! أود أن أستهل هذه السلسلة من المقالات بالإشارة إلى أنه سبق لي وأن عالجت موضوعها، سواء في كتابي الذي صدر عام 2023، والموسوم بـ 'وظيفة الإمام في السياق الأوروبي وضرورة التجديد: الحالة البلجيكية أنموذجا'، أو في لقاءات وفعاليات مختلفة. وقد ارتأيت أن أعيد نشرها مع بعض الإضافات الضرورية والتوضيحات اللازمة، لاسيما وأن الموضوع أصبح اليوم ذو راهنية خاصة في ظل النقاشات الحالية حول طبيعة المقاربة المغربية للشأن الديني لمغاربة أوروبا. وليس الهدف من هذا، الإساءة إلى أي شخص أو التقليل من أي مؤسسة (كما قد يؤول البعض!)، بل الاشتغال المنهجي بموضوع الشأن الديني المغربي في أوروبا، وما يمت إليه بصلة، مثل قضايا المسجد والإمام والتدين والمجالس المغربية المعنية بالشأن الديني وغيرها، وذلك باعتماد مقاربة موضوعية متجردة من أي تحيز شخصي أو إيديولوجي، بغرض تقييم هذه المسألة المصيرية في الهوية الدينية لمغاربة أوروبا، بما في ذلك الأجيال الأخيرة التي ولدت في أوروبا. وسوف أحاول جاهدا في هذا النقد التقييمي، وفي الوقت ذاته، التقويمي، الوقوف على مكامن القوة والقصور في المقاربة المغربية على حد سواء، دون تبخيس ما قدمته الدولة المغربية في هذا الصدد، وأيضا دون التغاضي عن الاختلالات التي تعتري المقاربة المغربية للشأن الديني المتعلق بمغاربة أوروبا. وآمل أن يؤخذ كلامي بعين الاعتبار، سواء من طرف الجهات المكلفة السياسية والدينية والديبلوماسية المكلفة بمغاربة أوروبا، أو من طرف وسائل الإعلام المغربية المهتمة بالحضور المغربي في الخارج، أو من طرف الباحثين ومختبرات البحث المتخصصة في قضايا الهجرة والعلاقات الدولية. تراكم مؤسسي مغربي في تدبير الشأن الديني لا يمكن إعطاء موضوع المسجد عامة والإمام خاصة في السياق الأوروبي والبلجيكي حقه دون التوقف عند الجهود المتميزة التي تقدمها الشريحة المغربية منذ موجات الهجرة العمالية الأولى في ستينات القرن الماضي، ولا تخلو أي مدينة صغيرة أو كبيرة يعيش فيها المغاربة بمختلف البلدان الأوروبية من مسجد يحمل اسمهم، ويعكس الطابع الثقافي والإثني للقبيلة أو المنطقة الأصلية التي ينحدرون منها. ويمكن التمييز بين نمطين من المؤسسات المغربية العاملة في السياق الأوروبي. النمط الأول: يتعلق بالجمعيات والمساجد والمراكز والمدارس التي أسسها مغاربة على مر عقود الإقامة في أوروبا، وقد أفضى ذلك إلى تراكم مُهمّ فيما يرتبط بما هو مؤسسي وإداري ومنهجي، بالطبع لا يخلو من سلبيات وتحديات، غير أنه تراكم تصاعدي إيجابي، حيث لم يعد مغاربة أوروبا اليوم يركزون على أهمية التعليم والترشيد الديني للأجيال الأخيرة فقط، بل أصبحوا يراهنون أيضا على جودة هذا التعليم وذلك الترشيد ومخرجاته ونتائجة الإيجابية. وقد نشأ في العقد الأخير وعي عميق بين أوساط مغاربة أوروبا بضرورة تأهيل مؤسسة المسجد والرقي بوظيفة الإمام في السياق الأوروبي العلماني والتعددي المعاصر، ليس فقط على مستوى لغة التخاطب والتواصل، بل على مستوى الخطاب الديني المعتمد أيضا. ويلاحظ أن معظم هذه المؤسسات والمراكز 'المغربية' تعمل بشكل مستقل عن السياسيات الدينية الرسمية المغربية، بالمقارنة مع مثيلاتها لاسيما التركية، التي تظل في ولاء تام، إما للدولة التركية عبر مؤسسة رئاسة الشؤون الإسلامية التركية 'ديانت'، وإما في تبعية للمنظمات التركية الأصلية، مثل ميلي كوروز والسليمانية والخدمة. النمط الثاني: يتحدد في المؤسسات المغربية الرسمية المكلفة بمغاربة أوروبا والعالم. ويتعلق الأمر بثلاث مؤسسات معتمدة تتخصص كل واحدة منها في مجال معين حسب الظواهر والمراسيم المؤسسة والمنظمة لها. وتعتبر مؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج أقدمها تاريخيا حيث تأسست عام 1990 من طرف الملك الراحل الحسن الثاني، وهي تشتغل بقضايا الهجرة المغربية من خلال مختلف البرامج التربوية والثقافية والاجتماعية والقانونية والتنموية. أما مجلس الجالية المغربية بالخارج فذو طابع استشاري يضطلع بوظائف الإحاطة بإشكالات الهجرة واستشرافها والمساهمة في تنمية العلاقات بين المغرب وحكومات ومجتمعات بلدان إقامة المهاجرين المغاربة. في حين تتحدد مهمة المجلس الأوروبي للعلماء المغاربة في وضع إطار مرجعي ديني لمغاربة أوروبا وتحقيق الأمن الروحي وتحفيز الحوار. مؤسسات ومجالس مغربية تتزاحم على تدبير الشأن الديني! ما يسترعي النظر هو أن المؤسسات الثلاث المذكورة أعلاه تتقاطع في اهتمامها بالشأن الديني المغربي في أوروبا. ورغم أن لكل واحدة منها إطارها القانوني الواضح، إلا أنها تتزاحم فيما بينها لتمثيل الشأن الديني المغربي في أوروبا، أو على الأقل لحيازة موطئ لها في الجغرافية الدينية لمغاربة أوروبا. ولا يقتصر عملُها على الوعظ التقليدي فقط، بل يتجاوزه إلى تنظيم التكوين المستمر والبحث الأكاديمي والندوات الدولية. وعادة ما يخلق هذا التقاطع الوظيفي نوعا من اللبس واللاوضوح، لأنه بدل أن تركز كل مؤسسة على المهام التي يخولها لها القانون المغربي، فإنها تحاول الإسهام أيضا في مقاربة الشأن الديني سواء عقب كل مستجد يطرأ على مغاربة أوروبا ويمس الجانب الديني بشكل أو بآخر، أو عبر شتى المبادرات التي يتمثل أغلبها في الندوات المكرورة والتكوينات الشكلية واللقاءات النظرية، والتي قلما تمسّ الإشكالات القانونية والفقهية والسياسية والاجتماعية والهوياتية التي يتخبط فيها مغاربة أوروبا عامة، ومؤسسة المسجد بما فيها وضعية الإمام خاصة. وتجدر الإشارة إلى أن تجربة المغرب في تدبير الشأن الديني وتكوين الأئمة ونشر الإسلام المعتدل بدأت تسترعي الاهتمام من بعض الدوائر السياسية الأوروبية. وقد تعزز هذا المجال الحيوي بمعهد محمد السادس لتكوين الأئمة المرشدين والمرشدات، الذي تم تدشينه في 27 مارس 2015. وقد طلبت دول مثل مالي وتونس وفرنسا من المغرب توفير التدريب لأئمتها، كما أبدت بلجيكا اهتمامًا بهذا الأمر. يذهب الباحث الدكتور محمد حصحاص إلى أن الأنموذج المغربي يعمل على إضفاء الطابع المؤسسي على التدريب الديني للأئمة لتجنب احتمال أن يصبح أداة في أيدي الحركات السياسية التي قد تؤدي إلى التطرف أو تظهر معارضة سياسية، وهو أنموذج يروق للمؤسسات الأوروبية. ثم يمثلُ حصحاص لذلك بالمجلس الأوروبي للعلماء المغاربة، الذي تبنى هذا الأنموذج منذ 2010، عبر تنظيم ندوات علمية حول القضايا الدينية وتقديم التدريب والإرشاد للأئمة في جميع أنحاء أوروبا الغربية. (ينظر: The European Imam, A Nationalized Religious Authority, p. 87-88) ونوافق الباحث حصحاص إلى حد كبير فيما يتعلق ببعض الأنشطة 'العلمية' التي تنظمها المؤسسات المغربية المعنية بالشأن الديني لمغاربة أوروبا، بما فيها المجلس الأوروبي للعلماء المغاربة، لكن في الوقت نفسه نشير إلى أن هذه الأنشطة والفعاليات النظرية والشكلية، على كثرتها وتنوعها، لم تنتقل بالمقاربة المغربية إلى أوساط مغاربة أوروبا، سواء في مساجدهم ومراكزهم وجمعياتهم التي تعدّ بالآلاف أو عبر وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي التي تشكل الوسيلة الأساس للوصول إلى أجيال الهجرة الأخيرة. ثم إن أنموذج التدين المغربي المتسامح لا يتراوح مكانه، لأنه رغم مرور عقود طويلة من استقرار المغاربة في أوروبا، فلا تزال مؤسساتهم الدينية تعاني الكثير، من سوء التدبير الاستراتيجي، وغياب التمويل القارّ، وغياب التنسيق الفعال، وزحف الإيديولوجيات الدينية الخارجية. ولا يمكن تنزيل ذلك التدين المغربي النموذجي في ظل هذه الوضعية الصعبة، التي ينبغي أن تصحح وتجدد وتؤهل أولا. ولعل الضحية الأهم في هذه المعادلة المختلة هو الإمام، الذي ينبغي أن يكون عاملا فاعلا في الشأن الديني، لا مجرد عنصر سالب توجهه أوامر المسؤولين داخل مؤسسة المسجد وخارجها. وحتى لا نحيد عما تقتضيه الموضوعية البحثية سوف نُعرف في المقالات اللاحقة بكل مجلس أو مؤسسة بشكل مقتضب، ثم نقدم أمثلة من بعض الأنشطة المتعلقة بالشأن الديني ومؤسسة المسجد ووظيفة الإمام التي نظمتها وتنظمها هذه المؤسسات المغربية الرسمية، على أن نختم كل مقالة بمناقشة نقدية موضوعية لطبيعة تعاطي هذه المؤسسات مع الشأن الديني المغربي في السياق الأوروبي تركيزا على موضوعات المسجد والإمام والتدين. ونعتمد في هذا الصدد نوعا من النقد التقويمي الموضوعي من منطلق بحثي صرف، وذلك بغرض الخروج من هذا البحث بنتائج واقعية وعملية حول المقاربة المغربية الرسمية لتنظيم الشأن الديني لدى مغاربة أوروبا. بالإضافة إلى ذلك، سوف نتناول المبادرة الملكية المتعلقة بإحداث 'المؤسسة المحمدية للمغاربة المقيمين بالخارج'، وننظر في طبيعة هذا المشروع الذي يبدو 'واعدا'، لاسيما وأنه يرمي إلى تصحيح المسار الطويل الذي قطعته مختلف المؤسسات والمجالس المكلفة بمغاربة أوروبا والعالم دون تحقيق الأهداف المسطرة في القوانين التأسيسية لها. وأكثر من ذلك، لم تكن في مستوى تطلعات مغاربة الخارج عامة، والأجيال المغربية الأخيرة خاصة. لذلك، نأمل أن تنجح المؤسسة المحمدية في تجميع الجهود المشتتة والصلاحيات المتفرقة وتوجيهها لخدمة مغاربة أوروبا والعالم بالدرجة الأولى، لا خدمة الأجندات الحزبية والسياسية والمصالح الشخصية. وفي الوقت نفسه، نأمل أن تعمل هذه المؤسسة على ترشيد الميزانيات الهائلة التي تُنفق على مجالس ومؤسسات وجمعيات لا تقدم شيئا يُذكر للمغاربة سواء في الداخل أو في الخارج. يُتبع.. إيطاليا تلغراف السابق هدية أمير قطر لترامب :طائرة فاخرة على مدرج السياسة الامريكية


إيطاليا تلغراف
٠٨-٠٥-٢٠٢٥
- إيطاليا تلغراف
مغاربة العالم وسعي بعض الناس لحرمانهم من بعض حقوقهم:
إيطاليا تلغراف بقلم عمر المرابط عضو مجلس الجالية ورئيس المنتدى المغربي للكفاءات والنخب 'ممكن' لا زلت أذكر ككل المغاربة من جيلي حفلات عيد العرش في عهد الحسن الثاني رحمة الله والتهاني التي كان يتلقاها من وداديات التجار والعمال المغاربة بالعديد من المدن خارج الوطن وكانت التلفزة المغربية تتحفنا بسرد لوائحهم، ولما جئت طالبا إلى فرنسا شاء القدر أن ألتقي ببعض هؤلاء من الذين كانوا ولا زالت وطنيتهم تتجاوز كل الحدود، لكنهم في أغلبيتهم الساحقة من العمال المغارية الذين جاؤوا إلى فرنسا كيد عاملة رخيصة وسواعد بَنَتْ فرنسا ما بعد الحرب العالمية الثانية واشتغلوا في مناجم الفحم ومصانع السيارات وكل المهن التي كان الفرنسيون يتعففون عن الاشتغال فيها، أو تلك التي كانت تنقصها الرجال والسواعد القوية. هذا، منذ أكثر من ثلاثة عقود، لكن عند وصولي لإكمال دراستي هنا في باريس التقيت أيضا شبابا جاؤوا لإكمال دراستهم العليا وحصلوا على شواهد كبرى، ولإعطاء مثال حي وحقيقي عايشته بنفسي كان لي قريبان أحدهما يمثل الصنف الأول من العمال النشطين الذين كانوا لا يفتؤون عن الاشتغال لخدمة الجالية فبالرغم من أن كلتا يديه قَطِعتا في حادث مميت كاد يفقد فيه حياته في مصنع للسيارات غرب باريس، إلا أن ذلك لم يمنعه من الانخراط في العمل النقابي والجمعوي لتعليم العربية لأبناء الجالية في مدينة صناعية غرب باريس كانت تضم معملا من أكير معامل صناعة السيارات في فرنسا، وقَدِّر لي أن أشتغل معهم في هذا المجال وكان أول عمل قمت به عند وصولي لفرنسا. كان هذا الصنف من العمال بسيطا في حياته، يحلم بالعودة إلى بلاده فيسكنفي الغربة في شقق ذات الكراء الرخيص HLM ليشتري منزلا كبيرا في المغرب، وليدخل صيفا إلى 'البلاد' مُحمّلا بالهدايا للقريب والبعيد، وكان يعتقد أن الحصول على جنسية بلد الإقامة نوع من أنواع الضلال بل الكفر ناهيك عن التنكر لبلدك الأصل، ولا زلت أذكر كيف جاء هذا القريب عند الوالد رحمه الله وهو من علماء القرويين، مستنكرا طلب وحصول قريبة لنا على الجنسية الفرنسية ، سائلا إياه هل يجوز ذلك شرعا، كيف وقد وأصبحت القريبة المسلمة موالية لبلد كان مستعمرا وعدوا للمغرب منذ زمن قريب. أما القريب الثاني، فقد جاء طالبا وحصل على شهادة الدكتورة في المعلوماتيات واشتغل في هيئة الطاقة الذرية وتزوج فرنسية مسلمة وحصل بطبيعة الحال على الجنسية الفرنسية مما مكنه الحصول على منصب عال داخل واحدة من أكبر معاهد البحث العلمي في مجالات الطاقة والدفاع والأمن وقُدّر لي أيضا الاشتغال معه في مديرية التقنيات المتقدمة، وكان يؤطر العديد من الطلبة والباحثين في مجالات جد حساسة من الناحية العلمية والأمنية. جاء أغلب الصنف الأول في ستينات وسبعينات القرن الماضي وعاش ظروفا صعبة وكما ساهم في بناء دول المهجر فقد ساهم في النشاط الاقتصادي للمغرب عبر تحويلاته المالية التي لم تنقطع لحد الآن، كما كان العائل الذي يَعُول العديد من العائلات خاصة في مناطق من المغرب معروفة بكثرة مهاجريها إلى الدول الأوروبية، وكان ولا زال من الذين يمكن أن تصدق فيهم الآية الكريمة: 'ويوثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة'، كانوا ولا زالوا أهل عزة وكرامة وكرم، بل وقاموا أيضا بإعانة الصنف الثاني من الطلبة المهاجرين الذين نجحوا في حياتهم وشكلوا نخبة من الكفاءات المغربية التي استطاعت الاندماج في بلد الإقامة نظرا لإتقانها لغة البلد المضيفعلاوة على الشهادات العليا التي حصلوا عليها ومكنتهم من الحصول على مناصب جد محترمة، وأصبحت خبرتهم العلية في العديد من المجالات تغازل من طرف الدول المقيمة وشركاتها الكبرى. هذا الصنف الثاني، لم يأت للغرب حاملا معه عقدة المستعمر، وبقي من بقي وعاد من عاد وقد راكم الجميع تجربة مهنية وخبرات عالية وعديدة في مجالات عدة، المغربُ في أشد الحاجة إليها، وهذا الصنف تعامل مع وضعه في بلدان الإقامة بواقعية كبيرة، فلم يتردد في طلب الجنسية ولم يطلب فتوى في ذلك فحيثما كانت مصلحة العباد فثمة شرع الله، واعتبر الجنسية مطية للحصول على حقوقه المدنية ثم تجاوزا للعديد من العقبات الإدارية والمهنية، بل وأصبح يطالب بحقوقه كمواطن في بلد الإقامة ومنها حقوقه الثقافية والدينية والمدنية والسياسية، ومنها حق الاختلاف شكلا ومضمونا مع احترام قوانين وأعراف بلدان الإقامة، كل هذا دون التخلي عن هويته المغربية، وثقافته الدينية، ولغته العربية أو الأمازيغية. لن أتحدث في هذا المقال الأول من نوعه في هذا الموضوع عن الصنف الثالث وهم أبناء الجيل الثاني والثالث والرابع ممن ولدوا هنا، لكن ارتباطهم العاطفي والوجداني مع المغرب قد يفوق بعض من غادروه عنوة طلبا لمستقبل أفضل، لكني سأتحدث بعجالة عن صنف رابع لم يعد لهم أي ارتباط عاطفي بالمغرب ولا يهمهم لا المغرب ولا أهله، ونفضوا أيديهم منه وإذا ما زاروه فهي لزبارة الأقارب، ولو استطاع أحدهم تغيير سحنته واسمه لفعل، وشخصيا كم مرة التقيت منهم من تنكر لبلده الأصل وهو لا يتكلم الفرنسية بلغة ركيكة ثم يقول لك اسمي جاك وسأحكي لكم قصتي مع جاك في مقال قادم. ختاما، ونحن نعيش زمن العولمة وتعدد الهويات، يبرز مغاربة العالم كنموذج استثنائي في الوفاء والانتماء لوطنهم الأم، المغرب. فرغم حملهم لجنسيات متعددة، يظل المغرب حاضرًا في وجدانهم، يشكل بوصلة انتمائهم ومصدر فخرهم. من بين كل هؤلاء، هناك فئة جد متعلقة بالمغرب وتخلص له الوفاء والولاء وإن حملت ألف جنسية أخرى، وقضية الولاء هذه لنا فيها عبرة وتبصرة للمُشككين في ولاء مغاربة العالم؛ من قاصري البصر والبصيرة الذين يكفيهم النظر إلى ذاك البلد الذي يختال ويتبختر، لأنه استطاع التأثير على كبريات العواصم الدولية وفي قراراتها، بأشخاص كلهم مزدوجي الجنسية على الأقل، لأن الولاء مثله مثل الإيمان محله القلب ولا تغيّره الأوراق الثبوتية ولا تزعزعهالظروف المعيشية، ثم يأتيك ذلك المُشكك المرتاب ويقول للصنف الثاني المذكور، لستم للمناصب ولستم أهل لها، يكفينا بل يكفونا منكم عمالنا في الخارج.