
الخيار الإيراني ليس قدرا عراقيا!
عاد الكاظمي إلى بغداد للمرّة الأولى منذ ما يزيد على عامين. تذكّر عودة الرجل الذي تعرّض لكل أنواع الهجمات، بما في ذلك محاولة إغتيال عن طريق إستهداف منزله بواسطة مسيّرة في تشرين الثاني – نوفمبر 2021، بأن لا خيار آخر أمام العراق سوى التصالح مع نفسه أوّلا. إنّه تصالح بين كل مقومات المجتمع من شيعة وسنّة وأكراد وتركمان، وإستعادة للعمق العربي للبلد ثانيا وليس أخيرا. يكون ذلك عبر خلق توازن مختلف داخل العراق، توازن مشابه لما كانت عليه الحال أيام حكومة الكاظمي الذي سعى إلى استعادة الدولة العراقيّة لهيبتها بعيدا عن النفوذ الذي مارسته ميليشيات "الحشد الشعبي" التي لم تكن يوما سوى أداة في يد لـ"الحرس الثوري" الإيراني. لا هدف لميليشيات المذهبيّة التي يتكوّن منها "الحشد" سوى لعب الدور المطلوب في إخضاع العراق للإرادة الإيرانيّة ورغبات "المرشد الأعلى".
لم يكن مطلوبا، في طبيعة الحال وفي يوم من الأيام، أن يكون العراق معاديا لإيران. من غير المنطقي لعبه هذا الدور على الرغم من أن الهدف الأوّل للنظام الذي قام في طهران منذ العام 1979 إخضاع العراق من منطلق مذهبي. الدليل على ذلك الحرب العراقيّة – الإيرانية بين 1980 و1988. في أساس تلك الحرب التي اتخذت طابعا كارثيا على البلدين، الرغبة التي راودت الخميني، منذ سيطرته على إيران، في "تصدير الثورة" إلى البلدان المجاورة. كان العراق الهدف الأوّل للخميني من منطلق أنّ فيه أكثريّة شيعية. أكثر من ذلك، كان لديه حقد ذو طابع شخصي على العراق وكلّ ما هو عراقي.
لعب صدّام حسين، للأسف الشديد، اللعبة التي أرادها مؤسّس "الجمهوريّة الإسلاميّة" وعمل من أجلها. كان الهجوم، الذي شنه العراق على إيران في 22 أيلول – سبتمبر 1980، ردّا على سلسلة من الإستفزازات التي تعرّض لها. كان الخدمة الأكبر التي يمكن تقديمها للنظام الإيراني الجديد. في الواقع، لعب صدّام بعقله الريفي، من حيث يدري أو لا يدري، دورا مهمّا في تمكين الخميني من إثارة الشعور الوطني الفارسي من جهة وفي تمكينه من التخلص من الجيش الإيراني عن طريق إرساله إلى جبهات القتال من جهة أخرى. لم يكن الجيش الإيراني في مرحلة ما بعد سقوط الشاه مواليا للخميني، بل كان مستعدا للإنقضاض على نظام الملالي متى أتيحت له الفرصة. جاءت الحرب مع العراق لتسهل عملية إبعاد القوات النظاميّة عن المدن. قدّم صدام حسين للخميني الخدمة التي كان يحلم بها.
منذ قيام النظام الإيراني الذي يؤمن بنظرية الوليّ الفقيه، وُجدت صيغة تعايش وتبادل للمصالح بين الملالي مع الإدارات الأميركيّة المختلفة بدءا بجيمي كارتر وصولا إلى باراك أوباما. تغيّرت الأمور في حدود معيّنة مع دخول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض للمرة الأولى قبل ثماني سنوات. مزّق ترامب الاتفاق في شأن الملف النووي الإيراني وسمح لاحقا بإغتيال قاسم سليماني في الثالث من من كانون الثاني – يناير 2020. كان سليماني الرجل الأقوى في النظام الإيراني بعد "المرشد" علي خامنئي، بل كان قائد "فيلق القدس" في "الحرس الثوري" رأس الحربة في المشروع التوسّعي الإيراني.
ما تغيّر في الوقت الراهن يتجاوز العلاقات الأميركيّة – الإيرانية التي عرفت طهران في كلّ وقت التحكم بها عن طريق الإبتزاز وهو ابتزاز خضع له الرؤساء الأميركيون بكلّ طيبة خاطر. ذهب جورج بوش الإبن في العام 2003 إلى أبعد من التعاون مع "الجمهوريّة الإسلاميّة". ذهب إلى حدّ تسليم العراق على صحن من فضّة إلى إيران!
ما تغيّر في العمق، في أيامنا هذه، خسارة "الجمهوريّة الإسلاميّة" الحروب التي خاضتها على هامش حرب غزّة. مع خسارة هذه الحروب، خسرت سوريا في ضوء فرار بشار الأسد إلى موسكو. خسرت لبنان بعدما هزمت إسرائيل "حزب الله" شرّ هزيمة. لم يبق لإيران في المنطقة سوى العراق. لا أهمّية لليمن والحوثيين سوى في حدود معيّنة، خصوصا إذا أخذنا في الإعتبار أن الاقتصاد المصري، وليس الاقتصاد الإسرائيلي، يعتبر المتضرر الأوّل من سعي الحوثيين إلى تهديد الملاحة في البحر الأحمر.
التقط مصطفى الكاظمي اللحظة الإقليمية ليعود إلى بغداد، على الرغم من كل التهديدات التي يتعرّض لها. من الواضح أنّه بات أمام العراق خيار آخر، غير الخيار الإيراني. قد تكون تلك الرسالة هي التي حملها مصطفى الكاظمي إلى بغداد مع ما تعنيه من إمكان إقامة تحالف عريض يضمّ الشيعة العرب والسنّة والأكراد والتركمان ومجموعات أخرى ترى في العراق المتوازن مشروعا قابلا للحياة بدل أن يكون العراق مجرّد تابع لـ"الجمهوريّة الإسلاميّة".
أمام العراق فرصة لنزع النير الإيراني والعودة إلى لعب دوره على الصعيد الإقليمي في ظلّ نوع من التوازن لم يستطع من المحافظة عليه بعد انتخابات 2022... التي تنكّر مقتدى الصدر لنتائجها بشكل مفاجئ بعد فوز تياره فيها. مرّة أخرى ليس منطقيا أن يكون العراق في مواجهة مع إيران. المنطقي أنّ يرفض البقاء تحت هيمنة "الحشد الشعبي" من جهة وأن يثبت، من جهة أخرى، أن المشروع الإيراني القاضي بالهيمنة على البلد ليس قدرا.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


يا بلادي
منذ 3 ساعات
- يا بلادي
بولوس في الجزائر.. حركة مجتمع السلم ترحب بالزيارة والبوليساريو تلتزم الصمت
قام مسعد بولوس ، المستشار الخاص للرئيس الأمريكي دونالد ترامب لشؤون أفريقيا، بزيارة رسمية إلى الجزائر يومي 26 و27 يوليو. ورافقه في هذه الزيارة جوشوا هاريس. ورغم أن بولوس لم يتطرق إلى قضية الصحراء في تصريحاته للصحافة عقب اجتماعه مع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، إلا أن حركة صحراويون من أجل السلام أعربت عن ترحيبها بالدور الأمريكي في البحث عن حل لهذا النزاع. وأكد الأمين العام للحركة، حاج أحمد بريكالا، في تصريح لموقع يابلادي أن "الولايات المتحدة تلعب دوراً مهماً في السعي نحو حل النزاع في الصحراء الغربية". وأضاف قائلاً: "منذ ولايته الأولى في البيت الأبيض، شدد الرئيس ترامب على أن مفتاح السلام والاستقرار في شمال أفريقيا يكمن في المصالحة بين المغرب والجزائر. وحركة صحراويون من أجل السلام تثمن التزام الولايات المتحدة بالبحث عن حل سلمي وعادل ودائم للنزاع، والدور الذي يمكن أن تلعبه كضامن لهذا الحل". "لقد تفاعلنا مع هذه الزيارة لأن حركة صحراويون من أجل السلام تمثل الطريق الثالث، نحن نطمح إلى تسوية سلمية لهذا الملف ونحن مستقلون في قراراتنا." أما جبهة البوليساريو فقد التزمت الصمت حيال الموضوع، حيث اكتفت وسائل الإعلام التابعة لها بنشر تقرير صادر عن وكالة الأنباء الجزائرية حول لقاء مسعد بولوس بوزير الخارجية الجزائري، أحمد عطاف. وفي اليوم التالي لزيارة المستشار الخاص لدونالد ترامب إلى الجزائر، اجتمعت الأمانة العامة لجبهة البوليساريو يوم الاثنين 28 يوليوز لـ"مناقشة القضايا الداخلية والخارجية".


الأيام
منذ 21 ساعات
- الأيام
تفاصيل محادثات مستشار ترامب والرئيس الجزائري
أنهى مسعد بولس كبير مستشاري البيت الأبيض في شؤون إفريقيا والعالم العربي والشرق الأوسط، وصهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، زيارته الرسمية إلى الجزائر التي دامت ليومين، وذلك في إطار جولة له بشمال أفريقيا، تشمل أيضا المغرب. وفي تصريح للصحافة عقب استقباله من قبل الرئيس عبد المجيد تبون، قال بولس، إنه ناقش مع الرئيس الجزائري رؤية الإدارة الأمريكية بقيادة ترامب، حول سبل التعاون لتحقيق المصالح المشتركة، مشيرا إلى أن اللقاء شكل فرصة استعرض فيها عبد المجيد تبون تصوره بشأن التحديات الحاسمة التي تواجه أفريقيا، والفرص المتاحة للتنسيق في مواجهتها، خصوصا في منطقة الساحل. وبدا لافتا للنظر في الندوة الصحافية التي عقدها مع تبون في ختام محادثتهما، خلو كلمة بولس من أي إشارة إلى قضية الصحراء المغربية أمام وسائل الإعلام، علما أن واشنطن تصطف إلى جانب المغرب في عدالة قضيته الأولى، حيث كان ترامب خلال ولايته الرئاسية الأولى قد أعلن اعتراف أمريكا بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، وهو الموقف الذي ترسخ مع ولايته الثانية، حين جددت أمريكا على لسان وزير خارجيتها مارك روبيو في ابريل المنصرم، دعم بلاده لـ'مقترح الحكم الذاتي الجدي وذي المصداقية والواقعي كأساس وحيد لحل عادل ودائم لهذا النزاع'. زيارة صهر ترامب إلى شمال إفريقيا التي تأتي في سياق جولة لإحياء الدور الأمريكي في حل الخلافات الدولية، يرتقب أن تشمل المغرب وسبقتها تصريحات أدلى بها لقناة العربية، أكد فيها أنه 'من المهم التوصل إلى حل نهائي' لملف الصحراء الذي عمر 50 سنة. واعتبر المستشار الأمريكي أن 'الجزائر مستعدة أن تقبل بأي حل تقبل به البوليساريو'. وعبّر عن أمل الولايات المتحدة في 'أن تكون أفضل العلاقات هي علاقات الأخوة بين الجزائر والمغرب، والتي ليست بأفضل حالاتها في الوقت الحالي'.


المغرب اليوم
منذ يوم واحد
- المغرب اليوم
ترامب يحدد النطاق المتوقع للرسوم الجمركية العالمية بين 15 و20 في المئة
رجَح الرئيس الأميركي دونالد ترامب ، الإثنين، أن يفرض رسوماً جمركية شاملة تتراوح بين 15% و20% على واردات الولايات المتحدة من الدول التي لم تُبرم اتفاقيات تجارية منفصلة مع واشنطن. وقال ترامب، خلال مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر في تورنبيري، اسكتلندا: "بالنسبة للعالم، أعتقد أن النسبة ستكون في حدود 15% إلى 20%... أنا فقط أحاول أن أكون لطيفاً". وأضاف: "أعتقد أنها ستكون في هذا النطاق، على الأرجح أحد هذين الرقمين"، وفقا لتقرير نشرته شبكة "CNBC" الأميركية. وتُعد هذه الأرقام ذات أهمية خاصة، لأنها تمثل زيادة عن الرسوم الأساسية التي أعلنها ترامب في أبريل الماضي، والتي بلغت 10%. وقد تُشكّل هذه الزيادة عبئاً إضافياً على الدول الصغيرة التي كانت تأمل أن تبقى الرسوم أقرب إلى 10%. وكان وزير التجارة الأميركي هاورد لوتنيك قد أشار في وقت سابق من الشهر الجاري إلى أن الدول الأصغر، بما في ذلك "دول أميركا اللاتينية، ودول الكاريبي، والعديد من الدول الأفريقية"، ستخضع لرسوم أساسية تبلغ 10%. لكن ترامب قال الإثنين: "سنقوم بتحديد رسم جمركي للعالم بأسره، وهذا ما سيدفعه من يريد ممارسة التجارة في الولايات المتحدة، لأنك لا تستطيع أن تجلس وتعقد 200 اتفاقية". تأتي تصريحات ترامب في ظل عدم توصل العديد من الدول إلى اتفاقيات تجارية مع الولايات المتحدة، قبل أيام قليلة من الموعد النهائي الذي حدده ترامب في الأول من أغسطس لبدء تنفيذ الرسوم. وأفاد مسؤولون في إدارة ترامب مؤخراً بأن البيت الأبيض "ليس تحت ضغط" لإبرام المزيد من الاتفاقيات التجارية، ما يعزز التوجه نحو فرض الرسوم كبديل للاتفاقات الثنائية. وقال الممثل التجاري الأميركي جيميسون غرير، الإثنين، لشبكة CNBC: "لقد سمعنا الرئيس مراراً يقول إنه راضٍ عن الرسوم الجمركية، وهو يفضّل إرسال خطاب وفرض رسم، بدلاً من توقيع اتفاق". ويُذكر أن الرسوم المقترحة، التي تتراوح بين 15% و20%، تتماشى مع بعض الاتفاقيات التي أبرمتها الولايات المتحدة مؤخراً مع شركاء تجاريين كبار، حيث أعلن ترامب الأسبوع الماضي فرض رسوم بنسبة 15% على اليابان، وفي يوم الأحد فرض رسوماً مماثلة على معظم السلع الأوروبية. في المقابل، واجهت بعض الدول مثل البرازيل ولاوس رسوماً أعلى بكثير بلغت 40% و50% على التوالي. وقال ترامب، إنه سيقوم بالإعلان عن الرسوم على قطاع الأدوية في القريب العاجل.