
هل يشكل مؤتمر نيس نقطة تحول لإنقاذ المحيطات؟
يختتم اليوم الجمعة مؤتمر الأمم المتحدة الثالث للمحيط الذي تحتضنه مدينة نيس الفرنسية لمواجهة حالة طوارئ متفاقمة تخيم على محيطات العالم، في ظل تبييض الشعاب المرجانية وانهيار مخزونات الأسماك وتسجيل درجات حرارة البحار والمحيطات أرقاما قياسية.
وستتوج المحادثات باعتماد إعلان سياسي والكشف عن "خطة عمل نيس للمحيطات" التي ترمي إلى مواكبة حجم الأزمة وتسريع العمل على الحفاظ على المحيطات واستخدامها المستدام.
وقال وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الاقتصادية والاجتماعية لي جونهوا، وهو أيضا الأمين العام للمؤتمر: "يواجه المحيط أزمة غير مسبوقة بسبب تغير المناخ، والتلوث بالبلاستيك، وفقدان النظام البيئي، والإفراط في استخدام الموارد البحرية".
وأعرب جونهوا عن أمله في أن يكون المؤتمر ملهما إلى "طموح غير مسبوق، وشراكات مبتكرة، وربما منافسة صحية"، مشددا على ضرورة التعاون الدولي لتجنب الأضرار التي لا رجعة فيها.
وجمع المؤتمر قادة العالم والعلماء والناشطين ومديري الشركات لمعالجة الأزمة المتنامية في محيطات العالم، لإطلاق تعهدات طوعية وتوقيع معاهدات رسمية، وإقامة شراكات جديدة، فضلا عن تعزيز المساءلة الضرورية في مجال مكافحة التدهور البحري.
احترار وتبييض مرجاني
وتواجه المحيطات تهديدات وشيكة، ففي أبريل/نيسان، وصلت درجات حرارة سطح البحر العالمية إلى ثاني أعلى مستوياتها على الإطلاق لذلك الشهر، وفقا لخدمة كوبرنيكوس الأوروبية لتغير المناخ.
وتشهد منطقة البحر الكاريبي والمحيط الهندي وأجزاء من المحيط الهادي أوسع ظاهرة تبييض مرجاني في التاريخ المسجل.
وتؤوي الشعاب المرجانية ربع الأنواع البحرية وتشكل أساسا لمليارات الدولارات التي تدرها الأنشطة السياحية ومصايد الأسماك التي تتلاشى، وقد يطلق انهيارها العنان لآثار مُتتالية على التنوع البيولوجي والأمن الغذائي والقدرة على التكيف مع تغير المناخ.
ويمتد الضرر إلى ما هو أعمق من ذلك، حيث لا يزال المحيط يمتص أكثر من 90% من الحرارة الزائدة الناتجة عن انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وهي وظيفة قد تقترب من حدودها القصوى.
وحذر الأمين العام للمؤتمر من أن "تحديات مثل التلوث البلاستيكي، والصيد الجائر، وفقدان التنوع البيولوجي، وتحمض المحيطات، والاحتباس الحراري، جميعها مرتبطة بتغير المناخ".
ورغم التحديات، كانت هناك بعض الإنجازات اللافتة. ففي عام 2022 أبرمت منظمة التجارة العالمية اتفاقية شاملة للتخلص التدريجي من الإعانات الضارة التي تغذي الصيد الجائر، مما أتاح بصيص أمل نادر من العزم متعدد الأطراف.
وفي العام التالي، وبعد عقود من الجمود، اعتمدت الدول معاهدة أعالي البحار، لحماية الحياة البحرية في المياه الدولية. ومن المقرر الآن أن يدخل هذا الاتفاق حيز التنفيذ في قمة نيس، لكن المسؤول الأممي حذر من أن الاستجابة العالمية في هذا المجال غير كافية.
ورغم ذلك لا تزال حماية المحيطات تعاني من نقص مزمن في التمويل، حيث يتلقى الهدف 14 من أهداف التنمية المستدامة وهو "الحياة تحت الماء"، أقل الموارد من بين أهداف التنمية المستدامة الـ17 التي اتفقت الدول الأعضاء على تحقيقها بحلول عام 2030.
وتقدر الأمم المتحدة كلفة حماية النظم البيئية البحرية واستعادتها على مدى السنوات الخمس المقبلة بنحو 175 مليار دولار سنويا.
خطة عمل نيس للمحيطات
يرى خبراء أن موضوع المؤتمر، وهو تسريع العمل وتعبئة جميع الجهات الفاعلة للحفاظ على المحيطات واستخدامها بشكل مستدام، يعكس تحولا من التصريحات إلى التنفيذ.
فعلى مدى 5 أيام، تناول المشاركون القضايا الكبرى بما فيها كيفية وقف الصيد غير المشروع، والحد من التلوث البلاستيكي، وتوسيع نطاق الاقتصادات الزرقاء المستدامة. ومن المتوقع إصدار مئات التعهدات الجديدة، لتضاف إلى أكثر من ألفي التزام طوعي قُطِع منذ مؤتمر المحيط الأول عام 2017.
وتتماشى خطة عمل نيس للمحيطات مع إطار كونمينغ-مونتريال العالمي للتنوع البيولوجي، وهو اتفاق أبرم عام 2022 ويدعو إلى حماية ما لا يقل عن 30% من النظم البيئية البحرية والبرية بحلول عام 2030.
إلى جانب التعهدات الجديدة، ستتضمن الخطة إعلانا رسميا، وصفه لي جونهوا بأنه سيكون "وثيقة سياسية موجزة وعملية المنحى لمعالجة الأزمة المترابطة التي تواجه محيطاتنا".
وأضاف لي جونهوا: "يركز مشروع الإعلان السياسي، الذي تقوده أستراليا وكابو فيردي، على الحفاظ على المحيطات والاقتصادات المستدامة القائمة على المحيطات، ويتضمن تدابير ملموسة لتسريع العمل".
الأزمة بالأرقام والحلول
-يدخل ما يصل إلى 12 مليون طن متري من البلاستيك إلى المحيط سنويا، أي ما يعادل شاحنة قمامة كل دقيقة. وفي مؤتمر نيس، يأمل المندوبون في التوصل إلى اتفاق عالمي لمعالجة التلوث البلاستيكي من مصدره.
-أكثر من 60% من النظم البيئية البحرية متدهورة أو تُستخدم بشكل غير مستدام. ويهدف المؤتمر إلى تعزيز الجهود الرامية إلى حماية 30% من المحيط بحلول عام 2030، وإطلاق خارطة طريق لإزالة الكربون من النقل البحري.
-انخفضت المخزونات السمكية العالمية ضمن الحدود البيولوجية الآمنة من 90% في سبعينيات القرن الماضي إلى 62% فقط في عام 2021. ويسعى المؤتمر إلى تمهيد الطريق لاتفاقية دولية جديدة بشأن مصايد الأسماك المستدامة.
-يعتمد أكثر من 3 مليارات شخص على التنوع البيولوجي البحري في معيشتهم. واستجابة لذلك، يسعى المؤتمر إلى تعزيز تمويل الاقتصادات الزرقاء وتعزيز الحلول المجتمعية.
وبعد عقد من الزمان على توقيع اتفاق باريس التاريخي (2015) التي حددت أهدافا للحد من الاحتباس الحراري، يسعى مؤتمر نيس إلى وضع المحيط في صميم العمل المناخي، لا كفكرة ثانوية، بل كساحة معركة أمامية لحماية المحيطات.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 20 ساعات
- الجزيرة
الدبلوماسية البيئية.. التفاوض من أجل الحياة
كان عقد السبعينيات من القرن العشرين عقدًا ثوريًا فيما يتعلق بالبيئة وقضاياها؛ فلم يكن مصطلح "البيئة" قبل ذلك بذات الدلالة التي يمثلها اليوم، ولم تكن الأنشطة البشرية بتلك الخطورة التي تمثلها على الكوكب وأنظمته الإيكولوجية كما نراها حاليًا. فتقنيات الرصد والتحليل الخاصة بالبيئة لم تكن كما نشهدها اليوم من حيث الدقة والاهتمام، وإن كان الحديث عن التلوث وآثار النشاط الصناعي ليس وليد اليوم، بل يعود ذلك إلى بدايات الحقبة الثورية الصناعية. إذ طالما كتب العديد من المفكرين والأدباء عن هواء المدينة الملوث، وما سببته عوادم المصانع من مخاطر على الهواء ومصادر المياه ومجاريها، بل واشتهر تيار أدبي في تلك الفترة بالدعوة إلى الطبيعة وبساطة الريف وحياته، وانتشرت الكتابات النقدية التي تتعرض للمجتمع الصناعي وتعقيداته، وما سببه من أضرار للطبيعة. أصبحت البيئة هاجسًا لدى الجميع لما بدأنا نراه من آثار الاعتداء البشري على الكوكب والطبيعة؛ إذ لم يعد الأمر مجرد تكهنات وتحذيرات من آثار ومخاطر محتملة، بل أصبح واقعًا نعيشه يوميًا ونحاول النجاة منه بيد أن ذلك بقي في نطاقات ضيقة ومحدودة وأقرب إلى المحلية، حتى جاء القرن العشرون، ومعه ذلك الطوفان الشرس من الأنشطة الصناعية والعمرانية، والأنشطة العسكرية بأسلحتها الفتاكة، وأدخنة المصانع وعوادم المركبات المتزايدة يومًا بعد يوم بشكل جنوني مع ما تحمله من الغازات الدفيئة، والقطع الجائر للغابات والأشجار، واستخدام الكيماويات والمبيدات الحشرية القاتلة لكل صور الحياة في البر والبحر والجو، إضافة إلى الأنشطة الإشعاعية والتجارب النووية، خاصة في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وما نلقيه في البحار والمحيطات من نفايات بلاستيكية بالأطنان، وما يسببه الاحتباس الحراري من مخاطر على صحة الشعاب المرجانية وقدرة المحيطات على التوازن الحراري والتحكم في المناخ. حتى إذا كان عقد السبعينيات، بدأنا نحصد تلك الآثار المتراكمة ببطء مع مرور الزمن، ليس فقط على مستوى المجتمعات المحلية، بل امتدت تلك الآثار إلى الدول المتجاورة، بل واتسع نطاق التأثيرات الضارة إقليميًا وقاريًا، حتى صار اليوم دوليًا عبر البحار والتربة والهواء والغذاء. وأصبح مصطلح "البيئة" مصطلحًا خطيرًا، فرض نفسه بقوة ليس فقط في الأكاديميات العلمية والهيئات البحثية، بل على مائدة السياسة الدولية وعلى مستوى القادة وصناع القرار، وصار رقمًا صعبًا في معادلات الاقتصاد والتنمية. لم يكن ذلك في الحسبان حتى بدأ النزيف البيئي يعلن عن وجوده الصارخ؛ فقد أصبحت البيئة هاجسًا لدى الجميع لما بدأنا نراه من آثار الاعتداء البشري على الكوكب والطبيعة؛ إذ لم يعد الأمر مجرد تكهنات وتحذيرات من آثار ومخاطر محتملة، بل أصبح واقعًا نعيشه يوميًا ونحاول النجاة منه، وأن نبحث سبل إنقاذ كوكبنا المريض قبل أن تصبح الأوضاع كارثية وتتجاوز قدرتنا على الحل.. بل إنها بدأت تأخذ هذا المنحى بالفعل. كانت الأزمات البيئية تأخذ طابع الصدام والصراع؛ فالتنافس على الموارد الطبيعية كان أحد دوافع الحروب قديمًا وحديثًا، والتعامل مع الموارد يتم بصيغة السيادة والسيطرة، إلا أن المخاطر المتتالية فرضت على أجندة القادة حتمية اللجوء إلى التفاوض والحوار، وإيجاد سبيل آخر غير الصدام الذي يفاقم الكارثة والأزمة ولا يحلها. مثال ذلك في الصراع الذي شهدناه مؤخرًا بين باكستان والهند، وخلافهما القديم بسبب موارد المياه وخاصة مياه نهر السند، رغم أنه في عام 1960 تم توقيع اتفاقية بينهما، خففت كثيرًا من حدة الصراع، وأثبتت أن التفاوض حل لا بديل عنه من أجل العيش المشترك وتقاسم الموارد. ويزيد الصراع الخطورة أكثر وأكثر على أنظمتنا البيئية الهشة، التي بدأت تعاني بشدة تحت وطأة تطرف أنشطتنا البشرية من أجل المزيد والمزيد من جني الأرباح بأي ثمن، حتى لو كان الثمن نفاد تلك الموارد، أو انهيار البيئات التي أنتجتها عبر ملايين السنين منذ نشأة الارض. فبرزت الدبلوماسية التي تدعو إلى التفاوض السياسي من أجل وقف الحروب أو فض النزاعات، وإقرار صيغ مناسبة لتقاسم الثروات، وتحديد مناطق النفوذ، وتقليل فرص الصدام المهلك؛ فصارت البيئة مكونًا أساسيًا جديدًا في الدبلوماسية، وعلى مائدة التفاوض بين الدول. ورغم حداثة المفاوضات الخاصة بالمخاطر التي تهدد الأنظمة البيئية، فإن لها جذورًا قديمة وسوابق دبلوماسية، كما حدث في القرن الثامن عشر أثناء النزاع الأوروبي، وحروب الوراثة التي دارت بين روسيا بقيادة فريدريك الأكبر من جهة والنمسا وساكسونيا وحلفائهما من جهة أخرى، حيث تفاوض فريدريك على معاهدة سلام مع مملكة ساكسونيا عام 1748، واتفق الطرفان على الحفاظ على غاباتهما المشتركة. كانت هذه المعاهدة من أولى الاتفاقيات الدولية التي أقرت بأهمية حماية البيئة، وقد شكلت هذه الاتفاقية سابقة للجهود الدبلوماسية المستقبلية، وأظهرت قوة الدبلوماسية البيئية في حل النزاعات وتعزيز التعاون بين الدول. كان الحدث الأبرز والثوري بالنسبة للدبلوماسية البيئية هو مؤتمر ستوكهولم في سبعينيات القرن المنصرم؛ حيث شجعت السويد على عقد قمة هي الأولى من نوعها في تخصيص اجتماع دولي لقضايا البيئة. كانت تلك الدعوة أقرب إلى إعلان حالة طوارئ بيئية لإنقاذ كوكب معتل، بدأت ظواهر مرضه تتضاعف وتصيب الجميع، بلا تفرقة ولا اعتراف بحدود سياسية ولا انتماءات عرقية، وهو ما جعل مهمة الحوار الدولي أسهل من أجل حماية بيئة الكوكب، باعتبارها البيت الذي يؤوينا جميعًا. من منظور دبلوماسي، كان مؤتمر ستوكهولم عام 1972 إنجازًا كبيرًا.. لقد تجاوز حدود نظام الأمم المتحدة الذي اعتمد على مفهوم سيادة الدولة، وشدّد على أهمية العمل المشترك من أجل الصالح العام. وأصدر المؤتمر إعلانًا تضمن مبادئ لتوجيه الإدارة البيئية العالمية مستقبلًا، ومهد الطريق من أجل اتفاقات ومفاوضات أخرى جاءت بعده، مثل مؤتمر الأرض وبروتوكول مونتريال، الذي يعد أحد أنجح الاتفاقيات في تاريخ الأمم المتحدة والدبلوماسية الدولية بصفة عامة؛ حيث التزمت الدول التي وقعت عليه بالاتفاقية من أجل إنقاذ طبقة الأوزون، وإيقاف استخدام مركبات الكلورفلوركربون، التي تسبب تآكل تلك الطبقة الحامية للكوكب من مخاطر أشعة الشمس. لقد شعر الجميع بالخطر، وبدأنا بالتحرك.. واعتبر البعض تلك الفترة وبعض نجاحاتها بمثابة عصر صعود للدبلوماسية البيئية، إلا أن الخطر عاد من خلال المصالح الرأسمالية الضيقة، وصعود أيديولوجيات يمينية لا تقيم للبيئة اعتبارًا، مثلما نرى الآن في الإدارة الأميركية الجديدة برئاسة دونالد ترامب، وانسحاب الولايات المتحدة -وهي واحدة من الدول الكبرى المتسببة بأضرار هائلة لبيئة الأرض- من اتفاقيات بيئية دولية، مثل اتفاقية باريس للمناخ وغيرها من الالتزامات البيئية للحد من استخدام الوقود الأحفوري، المتهم الأكبر في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. وهذا الأمر شجع دولًا أخرى على الانسحاب والتنصل من الالتزامات البيئية، وعدم أخذ العلم ودراسات العلماء والباحثين على محمل الجد، بل والتشكيك فيها. لقد شكل ذلك تراجعًا خطيرًا، وتحديًا هائلًا أمام الدبلوماسية البيئية الدولية لتخوض معارك من أجل حماية الكوكب، ومستقبل الحياة عليه لنا وللأجيال القادمة، والالتزام البيئي في قرارات الساسة، والوقوف أمام الدول المارقة والشركات الكبرى وأصحاب المصالح المتربحين من الكوارث، والذين لا يعبؤُون بشيء سوى الربح والمزيد من الربح، ولو أدى ذلك إلى انهيار الكوكب كله فوق رؤوسنا جميعًا.


الجزيرة
منذ يوم واحد
- الجزيرة
بيانات لناسا: الظواهر الجوية المتطرفة تزداد وتشتد
كشفت بيانات جديدة من وكالة الفضاء الأميركية (ناسا) عن ارتفاع كبير في شدة الظواهر الجوية المتطرفة على الكوكب، مثل الجفاف والفيضانات وتواترها على مدى السنوات الخمس الماضية. وتظهر البيانات أن مثل هذه الأحداث المتطرفة أصبحت أكثر تواترا وأطول أمدا وأكثر شدة، حيث وصلت أرقام العام الماضي 2024 إلى ضعف متوسط الفترة بين 2003 و2020. ويقول الباحثون إنهم مندهشون وقلقون من أحدث الأرقام الصادرة عن قمر "غريس" التابع لناسا، والذي يرصد التغيرات البيئية في الكوكب. ويشيرون إلى أن تغير المناخ هو السبب الأرجح لهذا الاتجاه الظاهر على الرغم من أن شدة الظواهر المتطرفة يبدو أنها ارتفعت بشكل أسرع من درجات الحرارة العالمية. وقال خبير من مكتب الأرصاد الجوية في الوكالة إن ازدياد الظواهر الجوية المتطرفة كان متوقعا منذ فترة طويلة، ولكنه أصبح واقعا ملموسا الآن. وحذر من أن الناس غير مستعدين لمثل هذه الظواهر الجوية التي ستكون خارج نطاق التجارب السابقة. وقال الدكتور بايلينغ لي من مختبر العلوم الهيدرولوجية في مركز غودارد لرحلات الفضاء التابع لناسا "من الصعب تحديد ما يحصل هنا بدقة، لكن أحداثا أخرى تشير إلى أن الاحتباس الحراري هو العامل المسبب، نشهد المزيد والمزيد من الأحداث المتطرفة حول العالم، وهذا أمر مثير للقلق بالتأكيد". وبناء على بيانات سابقة استخدم الباحثون صيغة رياضية لحساب التأثير الكلي لظاهرة مناخية من حيث شدتها مقيسة بإجمالي المساحة المتضررة، ومدة الظاهرة، ومدى جفافها أو رطوبتها، وحذرت الدراسة من أن اضطراب النظام المائي سيكون من أهم عواقب أزمة المناخ. وأشارت الدراسة إلى أن شدة الظواهر الجوية المتطرفة ترتبط ارتباطا وثيقا بمتوسط درجات الحرارة العالمية أكثر من ارتباطها بظاهرة النينيو أو التيار المحيطي المؤثر، أو غير ذلك من مؤشرات المناخ. ويشير ذلك -حسب الدراسة- إلى أن استمرار ارتفاع درجة حرارة الكوكب سوف يتسبب في حدوث حالات جفاف وفيضانات أكثر تكرارا وأكثر شدة وأطول وأكبر حجما. وقال البروفيسور ريتشارد بيتس رئيس قسم تأثيرات تغير المناخ في مكتب الأرصاد الجوية وجامعة إكستر تعليقا على تقرير ناسا "هذا تذكير صارخ بأن ارتفاع درجة حرارة الكوكب يعني فيضانات وجفافا أشد، لطالما تنبأنا بهذا، ولكنه أصبح واقعا ملموسا الآن". ويشير بيتس إلى أن العالم غير مستعد للتغيرات في هطول الأمطار الغزيرة والجفاف التي تحدث حاليا، في جميع أنحاء العالم بنى الناس أساليب معيشتهم على الطقس الذي اعتادوا عليه هم وأسلافهم، مما يجعلهم عرضة لظواهر جوية متطرفة أكثر تواترا وقسوة، وهي ظواهر تتجاوز التجارب السابقة. وإلى جانب تكثيف الجهود بشكل عاجل لخفض الانبعاثات لوقف الاحتباس الحراري علينا مواكبة التغيرات التي تحدث بالفعل، لنتمكن من التكيف معها بشكل أفضل. وكان تقرير صدر مؤخرا عن منظمة "ووتر إيد" الخيرية قد أكد أن التقلبات الشديدة بين الفيضانات والجفاف تدمر حياة الملايين من البشر، حيث تشهد العديد من المدن الكبرى أحداثا متقلبة من الجفاف إلى الفيضانات أو من الحرارة إلى البرودة أو العكس. من جهتها، حذرت الجمعية الملكية للأرصاد الجوية في المملكة المتحدة من أن مثل هذه التحولات المفاجئة من طرف إلى آخر تسبب ضررا أكبر من الأحداث الفردية وحدها، حيث تؤثر على الزراعة والبنية الأساسية والتنوع البيولوجي والصحة البشرية. وأشار تقرير الجمعية إلى أن "ارتفاع درجات الحرارة يؤدي إلى تعطيل العوامل الرئيسية مثل التيار النفاث والدوامة القطبية، مما يؤدي إلى تغيير أنماط الطقس لدينا". وقال آشر مينز من مركز تيندال لأبحاث تغير المناخ في جامعة إيست أنجليا بالمملكة المتحدة إن دراساتهم غير المنشورة التي أجريت أظهرت أيضا تكثيفا أكبر لكل من الجفاف والفيضانات، بالإضافة إلى التحولات المفاجئة بين الظروف الرطبة والجافة الشديدة. وفي الوقت نفسه، يشير أحدث تقرير صادر عن المنظمة العالمية للأرصاد الجوية إلى احتمال بنسبة 80% أن يتفوق عام واحد على الأقل من الأعوام الخمسة المقبلة على عام 2024 باعتباره العام الأكثر دفئا على الإطلاق. ويشدد التقرير على أن درجات الحرارة العالمية من المقرر أن تستمر في الارتفاع على مدى السنوات الخمس المقبلة، مما يزيد مخاطر المناخ وتأثيراته على المجتمعات والاقتصادات والتنمية المستدامة.


الجزيرة
منذ يوم واحد
- الجزيرة
البصمة الكربونية للبشر أقدم وأوضح مما كان يُعتقد
تشير دراسة جديدة إلى أن البصمة البشرية على ظاهرة الاحتباس الحراري كانت واضحة على الأرجح في الغلاف الجوي للأرض قبل وقت طويل مما كان يُعتقد سابقا، وأنه كان يمكن اكتشافها في وقت أبكر. وباستخدام مزيج من النظرية العلمية والملاحظات الحديثة ونماذج الكمبيوتر المتعددة والمتطورة، وجد الباحثون أن إشارة واضحة لتغير المناخ الناجم عن الأنشطة البشرية كانت على الأرجح قابلة للتمييز بثقة عالية في وقت مبكر من عام 1885، قبل ظهور السيارات التي تعمل بالوقود، ولكن بعد فجر الثورة الصناعية. وتثير النتائج، التي تم تفصيلها في ورقة بحثية نشرت بمجلة وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم الأميركية، احتمال أن تكون البشرية قد أعادت تشكيل مناخ الكوكب بطريقة يمكن اكتشافها لفترة أطول مما كان يُعتقد سابقا. بدأ العلماء بتسجيل ملاحظات درجات حرارة السطح بحلول منتصف القرن الـ19. ويُعتقد عموما أن بداية ظهور إشارة بشرية قابلة للرصد في درجات حرارة السطح تعود إلى أوائل القرن الـ20 ومنتصفه، مع أن أجزاء أخرى من النظام المناخي أظهرت علامات تغير في أوقات مختلفة. في هذه الدراسة، طرح الباحثون في مجال المناخ السؤال التالي: باستخدام أدوات المراقبة المتوفرة اليوم، متى كان من الممكن اكتشاف علامات تغير المناخ الناجم عن أنشطة الإنسان في الغلاف الجوي في أقرب وقت ممكن؟ تناولت الدراسة تحديدا الإشارات في طبقة الستراتوسفير، وهي الطبقة الثانية من الغلاف الجوي. وتحدث معظم الظواهر الجوية في أدنى طبقة، وهي طبقة التروبوسفير. وبينما تُسخّن انبعاثات غازات الدفيئة الطبقة السفلى من الغلاف الجوي، فإنها تُمارس تأثيرا معاكسا على طبقة الستراتوسفير، خاصة أجزاءها العليا، واستخدم الباحثون هذه المعرفة لفحص نماذج المناخ التي تعود بالزمن إلى الوراء بحثا عن علامات لهذه التأثيرات. وقال سانتر من مؤسسة وودز هول لعلوم المحيطات: "لقد كان الأمر مفاجئا حقا بالنسبة لي، كان بإمكاننا تحديد إشارة تبريد الستراتوسفير الناجمة عن الأنشطة البشرية بثقة عالية في غضون 25 عاما من بدء المراقبة إذا كانت لدينا في ذلك الوقت عام 1860 القدرة على القياس التي لدينا اليوم". ويشير سانتر إلى أنه كان من الممكن اكتشاف إشارة تغير المناخ في الغلاف الجوي للقرن 19 بعد زيادة قدرها 10 أجزاء في المليون فقط في تركيزات ثاني أكسيد الكربون في الـ40 عاما بين 1860 و1899. وللمقارنة، ارتفعت مستويات ثاني أكسيد الكربون المسببة للاحتباس الحراري بنحو 50 جزءا في المليون بين عامي 2000 و2025، كما قال سانتر. وبشكل عام، ارتفعت مستويات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي بنحو 140 جزءا في المليون منذ النقطة التي حددها العلماء في البداية والتي كان من الممكن اكتشافها. وقالت غابي هيجرل، من جامعة إدنبره في أسكتلندا، إن "النتائج تُظهر أنه كان من الممكن اكتشاف ذلك بسرعة كبيرة. وهذا يُبرز التأثير القوي لتزايد غازات الاحتباس الحراري على الغلاف الجوي العلوي، مقارنةً بالتقلبات فيه". من جهتها، قالت أندريا شتاينر، عالمة المناخ في مركز فيجنر للمناخ والتغير العالمي بجامعة غراتس في النمسا، إن الدراسة تظهر أن تغير المناخ الناجم عن الأنشطة البشرية كان يمكن اكتشافه في وقت مبكر في الغلاف الجوي مقارنة بالسطح.