الجواز السوداني.. من حق دستوري إلى سلاح لتصفية الحسابات
وروى الناشط المدني والسياسي المقيم في العاصمة الأوغندية كمبالا، نجم الدين دريسة، ل«التغيير» تفاصيل ما حدث معه أثناء محاولته تجديد جواز سفره الذي تنتهي صلاحيته في ديسمبر 2025. فبعد أن استكمل جميع الإجراءات في السفارة السودانية، من إدخال البيانات، ودفع الرسوم البالغة 250 دولارًا، والتصوير الفوتوغرافي، وحتى تعديل اسمه في النظام، في 15 يوليو الماضي حتى حصوله على إيصال الاستلام.
وحين عاد ليستلم جوازه، تكرر تأجيل الموعد مرتين، قبل أن يُبلَّغ أخيرًا داخل السفارة بأنه "محظور".
من الإخطار المسبق للحجب بعد الموافقة
بعد أسبوعين، حضر دريسة – رئيس الشبكة الإعلامية المدنية، والناطق الرسمي السابق لتحالف القوى المدنية "قمم" – إلى السفارة بعد سماعه بوصول دفعة جوازات، فأُبلغ بأن جوازه لم يصل بعد، وطُلب منه العودة في الأسبوع التالي.
وفي بداية أغسطس، وبعد مراجعة القسم المختص بالاستلام، كان الجواب: "غير موجود". لاحقًا، علم من مسؤولي السفارة بأنه "محظور".
بالنسبة لدريسة، كان هذا أشبه ب"القرصنة"، إذ كان من المفترض إبلاغه بالحظر منذ البداية، لا بعد استكمال الإجراءات ودفع الرسوم.
أمر الحظر يأتي من " بورتسودان" استنادًا إلى قوائم معدة مسبقًا
ناشط مدني
وأوضح في حديثه ل«التغيير» أن مسؤولي السفارة يعلمون جيدًا أنه ناشط مدني وله مواقف معلنة ضد سلطة بورتسودان ، مؤكدًا أن الجواز حق دستوري لا يجوز لأي جهة مصادرته.
وأكد أنه استفسر من رئيس فريق الجوازات بالسفارة، إلا أنه أوضح رداً على استفسارته أن عمله "فني بحت"، وأن أمر الحظر يأتي من " بورتسودان" استنادًا إلى قوائم معدة مسبقًا من سلطة الأمر الواقع هناك.
واتهم دريسة سلطة عبد الفتاح البرهان بحرمان الناشطين الداعين إلى وقف الحرب من حق المواطنة والحصول على الهوية، معتبرًا أن سلطة بورتسودان تبحث عن شرعية لمواصلة الحرب وزيادة معاناة السودانيين.
وفي المقابل، أشار إلى أن حكومة "تأسيس" تدعو للوحدة والسلام وتجنب الانتقام، لافتًا إلى الفارق الكبير بين السلطتين، ومؤكدًا أنه "ليس دفاعًا عن تأسيس"، لكن من باب أولى – على حد قوله – أن يبحث عن "حقوقه المسلوبة" في تلك الجهة ما دامت سلطة بورتسودان تمنعه حق الهوية.
تكشف قصة دريسة عن أسلوب جديد في سياسة حرمان السودانيين – خاصة السياسيين والنشطاء – من الوثائق الثبوتية. ففي السابق، كان يُبلّغ الشخص بالحظر قبل بدء الإجراءات، أما الآن، فتُستوفى الرسوم وتُنجز المعاملات، ثم تُسحب الجوازات لاحقًا من بورتسودان مقر العاصمة البدلية لحكومة الأمر الواقع في السودان.
في السابق، كان الإجراء المعتاد – وفق ما أوضح عضو هيئة محامي الطوارئ محمد صلاح – هو إبلاغ الشخص المحروم من الجواز بأن اسمه محظور قبل البدء في المعاملات. لكن التطور الجديد يتمثل في استكمال كافة الخطوات، بما في ذلك تحصيل الرسوم، ثم سحب الجواز لاحقًا في بورتسودان كما حكى دريسة.
وذكر صلاح أن هذا السلوك يشير إلى وجود تلاعب ومحاولات لفرض سلطة أمر واقع وتضييق الخناق على النشطاء والمواطنين، لا سيما المنتمين إلى مجموعات جغرافية معينة، بما يتماشى مع الدعاية السائدة في مناطق سيطرة الجيش.
الحظر بلا بلاغات انتهاك للمواطنة
وأضاف صلاح أن الجواز يُعد حقًا أصيلًا من حقوق المواطنة، ولا يجوز قانونًا حرمان أي شخص منه إلا بناءً على بلاغ محدد يُحال إلى النيابة، ليصدر وكيل النيابة الأعلى قرار الحظر وفق مبررات واضحة.
هذا السلوك يشير إلى وجود تلاعب ومحاولات لفرض سلطة أمر واقع وتضييق الخناق على النشطاء والمواطنين
وأكد أن ما يجري حاليًا هو حظر لأعداد كبيرة من الأشخاص دون فتح بلاغات أو توضيح أسباب، ما يعكس طابعًا أمنيًا واستغلالًا لمؤسسات الدولة لحرمان المواطنين من حقوقهم الأساسية في الهوية والتنقل.
وأشار إلى أن سلطة الأمر الواقع في بورتسودان لا تملك قوانين أو لوائح معلنة للتعامل مع هذه الحالات، وأن ما يُعرف ب"قانون الوجوه الغريبة" ليس قانونًا رسميًا، لكنه يُستخدم في ذات السياق لحرمان المدنيين من إثبات الهوية عبر لوائح أمنية غير مبررة وغير معلنة، وربما بناءً على توجيهات سرية.
واعتبر أن هذه الممارسات تخالف القانون، وتتيح للمواطنين التوجه بشكاوى إلى هيئات الأمم المتحدة للمطالبة بحقوقهم.
ولفت صلاح إلى أن هذه الإجراءات تُفاقم حالة الانقسام في السودان، بسلطتين في مناطق سيطرة الجيش والدعم السريع، مؤكدًا أن هناك مواطنين لا يمكنهم استخراج جواز من نيالا أو بورتسودان ، متسائلًا عن مصيرهم.
ودعا عضو الهيئة الحقوقية إلى ممارسة ضغط واضح لمنع أي حظر أو انتهاك لحق المواطنين في السفر دون قرارات قضائية، وحتى في حال وجود قرارات، يجب أن تصدر من المحكمة بعد سماع دفاع الشخص المعني. كما شدد على ضرورة مناقشة الحلول العملية لمصير الذين رُفض تجديد جوازاتهم، بما في ذلك إمكانية إصدار وثائق سفر بديلة ومعترف بها مؤقتًا، إلى حين إيجاد حل نهائي.
دوافع سياسية
أفادت مصادر مطلعة ل«التغيير» أن النائب العام الجديد هو الأكثر تمسكًا بسياسة حرمان السياسيين والنشطاء من استخراج أو تجديد الجوازات، رغم إبداء مسؤولين في بورتسودان استعدادًا لمعالجة الملف أثناء زيارة خبير الأمم المتحدة المعني بحقوق الإنسان في السودان، رضوان نويصر. ويربط البعض موقفه بخلفية شخصية، كونه أُقيل سابقًا بواسطة لجنة إزالة التمكين في عهد حكومة عبد الله حمدوك، ما يثير شبهة "الانتقام السياسي".
وتؤكد المعلومات أن الحظر لا يقتصر على النشطاء والسياسيين، بل يمتد إلى مجموعات وقبائل يُعتقد أنها حواضن للدعم السريع، بحيث يمكن أن يُمنع الشخص من الوثائق الرسمية لمجرد انتمائه الأسري أو حمله اسمًا معينًا. كما أن غالبية سكان مدن نيالا والجنينة والضعين عاجزون عن استخراج أوراقهم الثبوتية بدعوى أن هذه المناطق خارج سيطرة بورتسودان ، وهو ما يعزز الانقسام، ويدفع كثيرين للتقارب مع حكومة "تأسيس".
الحظر لا يقتصر على النشطاء والسياسيين. يمتد إلى مجموعات وقبائل يُعتقد أنها حواضن للدعم السريع
اللجوء إلى الآليات الدولية
وفي ندوة إسفيرية نظمها "تحالف المدافعين عن حقوق الإنسان" (سودان ديفندرز) حول الحرمان من الوثائق الثبوتية وحرية التنقل بين القوانين والممارسة، قال خبير القانون الدولي، العميد السابق لكلية القانون بجامعة الخرطوم ، د. محمد عبد السلام، إن التحالف تقدم بمذكرة إلى الخبير الأممي ، رضوان نويصر بشأن الانتهاكات الممنهجة لحق المواطنين في الوثائق الثبوتية وحرية الحركة.
وأوضح أن مسألة الحصول على الوثائق ترتبط دائمًا بسياقات النزاعات، وأن النشطاء – خاصة العاملين في المعارضة بالخارج – هم الأكثر تعرضًا للإشكالات في استخراج الوثائق، ما يقيّد حقهم في التنقل.
وحول إمكانية اللجوء إلى الآليات الدولية، أكد عبد السلام أن هناك قنوات عديدة يمكن تفعيلها، مثل المقررين الخاصين لحقوق الإنسان، واللجنة الدولية للتحقيقات، واللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، مشددًا على أن المجتمع المدني يستطيع أن يؤدي دورًا منسقًا في هذا المسار.
ولفت إلى أن حرية الحركة والتعليم والصحة حقوق أصيلة للمواطنين، ولا يجوز انتقاصها على أساس الانتماء السياسي أو الديني أو العرقي.
حواجز قانونية وبيروقراطية
من جانبها، أكدت مسؤولة قسم سيادة القانون والمحاسبة بالأمم المتحدة ، إسعاف بن خليفة، أن أي قيد على حرية التنقل يجب أن يكون منصوصًا عليه في القانون، وأن تُستخدم معايير دقيقة بشأن سحب أو تعليق الجوازات، مع ضمان وجود مسار للتظلم أو الطعن قضائيًا أو إداريًا، حتى لا تصبح القرارات شخصية أو تقديرية مطلقة. وشددت على ضرورة احترام المبدأ القانوني الذي يقضي بألا تُفرغ القيود الحق من جوهره.
وأضافت خلال حديثها في ندوة تحالف المدافعين عن حقوق الإنسان" (سودان ديفندرز)، أن حظر جوازات السفر يجب أن يستند فقط إلى ضرورات واضحة، مثل حماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة، محذّرة من وضع حواجز قانونية وبيروقراطية تعسفية أمام المواطنين، خاصة في دول تمر بأزمات سياسية مثل السودان، حيث تتضاعف العقبات أمام من يعبّرون عن آرائهم أو مواقفهم تجاه إدارة الشأن العام.
وأشارت إلى أن من أبرز هذه العقبات انعدام إمكانية وصول مقدمي الطلبات إلى السلطات المختصة، وغياب المعلومات حول طلبات التجديد أو استخراج وثائق جديدة.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الوئام
منذ 34 دقائق
- الوئام
الأمم المتحدة ترحب بالحوار البناء في قمة ألاسكا
رحبت الأمم المتحدة بنتائج القمة التي جمعت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأمريكي دونالد ترمب في ألاسكا، مؤكدة أن استمرار الحوار البناء بين الدول الأعضاء يُعد خطوة إيجابية نحو تعزيز الاستقرار العالمي. وقال ستيفان دوجاريك، المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، في بيان إن المنظمة 'أحاطت علماً' بالمحادثات التي عقدت بين الزعيمين يوم الجمعة، مشددًا على أن الأمم المتحدة ترى في هذا النوع من اللقاءات ركيزة أساسية لتقليل حدة التوترات الدولية وتشجيع الحلول الدبلوماسية. وقد جرت القمة في قاعدة 'إلمندورف-ريتشاردسون' العسكرية بمدينة أنكوريج بولاية ألاسكا، واستمرت نحو ساعتين و45 دقيقة، بحضور مسؤولين رفيعي المستوى من الجانبين. فقد شارك من الجانب الروسي وزير الخارجية سيرغي لافروف ومساعد الرئيس يوري أوشاكوف، بينما مثل الولايات المتحدة وزير الخارجية ماركو روبيو والممثل الخاص للرئيس الأمريكي ستيفن ويتكوف. ويُنظر إلى هذا اللقاء على أنه محاولة جديدة لفتح قنوات تواصل مباشرة بين موسكو وواشنطن، في وقت يشهد فيه العالم توترات سياسية وأمنية متزايدة.


سويفت نيوز
منذ ساعة واحدة
- سويفت نيوز
مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان: مقتل أكثر من 1,760 فلسطينيًا لمحاولتهم الحصول على المساعدات
واشنطن – واس : أكد مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في الأرض الفلسطينية المحتلة استمرار قوات الاحتلال الإسرائيلية، في استهداف وقتل الفلسطينيين الذين يسعون للحصول على المساعدة، منذ 27 مايو وحتى 13 أغسطس الجاري، موثقًا مقتل ما لا يقل عن 1,760 فلسطينيًا أثناء محاولتهم الحصول على المساعدة في محيط مواقع مؤسسة غزة الإنسانية، وعلى طول مسارات قوافل الإمدادات، مشددًا على أهمية التحقيق في كل هذه الجرائم بشكل عاجل ومستقل، ومحاسبة المسؤولين عنها.وجددت الأمم المتحدة تحذيرها من أن الوضع المتردي بالفعل يتفاقم، دون تدفق موثوق وسريع وآمن وغير مقيّد للإمدادات إلى قطاع غزة.وأفاد المكتب الأممي المعني بتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) وشركاؤه في المجال الإنساني بأن التأخيرات والعوائق المستمرة الأخرى، تؤثر على جهود جمع الإمدادات من المعابر وإيصالها إلى المحتاجين. وأوضح (أوتشا) باستمرار تلقي تقارير مزعجة للغاية عن مقتل وإصابة أشخاص خلال بحثهم عن المساعدات، ففي الفترة بين 27 مايو و8 أغسطس، عالج مستشفى الصليب الأحمر الميداني في رفح أكثر من 4,500 مصاب، معظمهم أفادوا بإصابتهم أثناء محاولتهم الوصول إلى مواقع توزيع الغذاء. مقالات ذات صلة


Independent عربية
منذ 6 ساعات
- Independent عربية
إيران... الحرب وتفعيل "آلية الزناد" على الأبواب
خلال الحرب التي استمرت 12 يوماً، جرى تداول مقطع فيديو قديم للمرشد الإيراني علي خامنئي يقول فيه: "لن تكون هناك حرب، ولن نتفاوض"، لكن رواد مواقع التواصل الاجتماعي سارعوا للتعليق بسخرية: "ها هي الحرب وقعت، والمفاوضات جرت أيضاً". ومع بقاء شبح حرب جديدة يخيم على إيران في المستقبل المنظور، يبدو أن خامنئي يراهن على أنه إذا ما تجاوز مواجهة عسكرية وبقي النظام قائماً، فإنه قادر أيضاً على تخطي خطر تفعيل "آلية الزناد" عبر ما يسميه "الصبر الاستراتيجي"، إلى حين انتهاء ولاية الرئيس الأميركي دونالد ترمب. وتقضي هذه الآلية بإعادة فرض العقوبات الدولية تلقائياً على قطاعات أساسية في الاقتصاد الإيراني. غير أن تصريحات المسؤولين الإيرانيين توحي بمحاولة للتقليل من أثر هذه العقوبات، في خطوة تبدو كمقدمة لتهيئة الرأي العام لاحتمال اللجوء إلى تفعيل "آلية الزناد". لا تزال بريطانيا وفرنسا وألمانيا، مثل إيران، أعضاء على الورق في خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي)، ولديها حتى شهر أكتوبر (تشرين الأول) المقبل مهلة لتفعيل "آلية الزناد"، لكن يتعين عليها عملياً بدء الإجراءات الإدارية لذلك خلال نحو أسبوعين. وحذرت الترويكا الأوروبية طهران من أن أمامها حتى نهاية شهر أغسطس (آب) الجاري للامتثال، غير أن تقارير تشير إلى أن النظام الإيراني لم يُبدِ ترحيباً بمقترح الدول الثلاث لتمديد مهلة الآلية ستة أشهر والدخول في مفاوضات مباشرة مع الولايات المتحدة. وفي المقابل، أبلغت بريطانيا وفرنسا وألمانيا الأمم المتحدة أنها مستعدة لتفعيل الآلية إذا ما لم يتحقق أي تقدم. ومن الواضح أن عودة العقوبات الدولية ستفاقم الأزمة الاقتصادية التي تمر بها إيران، لكن يبقى السؤال: لماذا رحب مسؤولو النظام الإيراني بهذا المسار؟ اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) قبل شهرين من الهجوم الإسرائيلي، تلقى خامنئي رسالة من ترمب عرض فيها اتفاقاً يقضي، بحسب ما يُقال، بإنهاء الأنشطة النووية الإيرانية بشكل كامل. ورغم علمه بأن انتهاء مهلة الـ60 يوماً سيعني مواجهة الخيار العسكري، رفض المرشد الإيراني العرض وفتح الباب أمام الحرب. واليوم، وبعد أن تعرضت منشآت نووية رئيسية لأضرار جسيمة، وقتل عشرات القادة العسكريين والخبراء النوويين، فيما يبقى المجال الجوي الإيراني مكشوفاً، يبدو أن خامنئي، لأسباب منها خلافه الشخصي مع ترمب، بعيد عن القبول بـ"استسلام غير مشروط" كما وصفه الرئيس الأميركي صراحة. وفي ولاية ترمب الأولى، رفض المرشد عرضاً مماثلاً، ما زاد من وطأة العقوبات على إيران. تشير التطورات المتعلقة بالملف النووي الإيراني ومشروع النفوذ الإقليمي للنظام الإيراني إلى أن طهران قد تسعى، من خلال مزيج من المناورات الدبلوماسية، وإثارة الغموض حول الأنشطة النووية، وترك نافذة تفاوضية جزئية، وبعض التغييرات الشكلية الداخلية، إلى تجاوز السنوات الثلاثة والنصف المتبقية من ولاية الرئيس ترمب، معتمدة، كما هو المعتاد، على شراء الوقت. وتأتي التصريحات المتناقضة لمسؤولي النظام الإيراني بشأن مدى تضرر المنشآت النووية في وقت وصلت فيه العلاقات مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى أدنى مستوياتها، مع إعلانهم جهلهم بمصير 400 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب، والتعبير عن رغبة بالتفاوض في الوقت نفسه الذي ينفون فيه إمكانية التفاوض، في هذا السياق نفسه. كما جاءت عودة علي لاريجاني، صاحب الخبرة في العمل مع دول المنطقة وأوروبا، إلى منصب أمين المجلس الأعلى للأمن القومي ضمن هذا التوجه. ففي زيارته الأخيرة إلى العراق، قال لاريجاني إن "المقاومة ليست بحاجة لوصاية"، وفي بيروت نفى أي تدخل في الشؤون الداخلية للبنان. وبعد يوم واحد من هذه الزيارات، قال نائب وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، إنه كخبير في الشؤون العسكرية يرى أن الحرب غير محتملة في الوقت الحالي. وتشير تصريحات المسؤولين الإسرائيليين إلى أن الهجمات الأخيرة أجلت تقدم البرنامج النووي الإيراني نحو عام كامل. ومن جانبه، يؤكد ترمب، مع علمه بهذه الفترة الزمنية، أن هدفه هو تدمير المنشآت النووية للنظام الإيراني، مؤكداً أنه لا يستعجل الدخول في مفاوضات لكنه مستعد لشن هجوم جديد. وفي وقت أبقت فيه السياسات الخارجية الطائفية والمهنية الإيرانية أسيرة كابوس الحرب والعقوبات، ما يزيد من تدهور الاقتصاد يومياً بعد يوم، ظهر اللاعبون المحليون والدوليون لتحقيق هدف آخر وهو: "الحفاظ على النظام" وبالنسبة لخامنئي وحلفائه، ثمة لون أعلى من سواد الحرب والعقوبات و"آلية الزناد"، وهو: "بياض سقوط النظام". نقلاً عن "اندبندنت فارسية"