
من ألبانيزي إلى المقاومة.. شواهد التغيير في النظام الدولي
ونشر مركز الجزيرة للدراسات ورقة تحليلية بعنوان " ألبانيزي، المقاومة، وديناميات التغيير في النظام الدولي" لمدير إدارة البحوث بالمركز عز الدين عبد المولى سلطت الضوء على ما اعتبرته أزمة متفاقمة بين أركان النظام الدولي، تُفقده الانسجام وتدفع به نحو تغيير عميق. وتساءلت عن مؤشرات هذا التغيير، ومساراته، وإلى أين يمكن أن تقود في نهاية المطاف؟
في 9 يوليو/تموز 2025، أعلن وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو فرض عقوبات على المقررة الأممية الخاصة لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية فرانشيسكا ألبانيزي. وكانت إدارة الرئيس دونالد ترامب قد مارست في السابق ضغوطا على المنظمة الأممية لإقالة ألبانيزي على خلفية عملها الحقوقي ودعوتها لمحاسبة قادة إسرائيل على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في قطاع غزة.
جاءت العقوبات الأميركية بعد أيام من نشر تقرير كشفت فيه المقررة الأممية وفريقها عن انخراط أكثر من 60 شركة عالمية كبرى في تمويل المستوطنات ودعم الحرب الإسرائيلية على غزة. وطالب التقرير بمحاسبة المسؤولين التنفيذيين في تلك الشركات أمام القانون الدولي.
هذه العقوبات ليست الأولى التي تفرضها الإدارة الأميركية على شخصيات أممية أو مؤسسات دولية، فقد سبق لها أن فرضت -في فبراير/شباط 2025- عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية ، شملت المدعي العام كريم خان ، وزملاءه بعد أن أصدرت المحكمة -في نوفمبر/تشرين الثاني 2024- مذكرتي اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت.
هذه العقوبات ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، ولكنها تحمل خطورة بالغة لسببين:
أولا: لكونها مفروضة من القوة العظمى التي تتفرد بقيادة النظام الدولي وليس من قوى هامشية.
ثانيا: لكونها لم تُفرض على من يخرق قواعد هذا النظام أو قوانينه المنظمة، بل على العكس من ذلك، فُرضت على من يسعى لتطبيق تلك القواعد والقوانين على من ينتهكها ولا يعترف بها.
لذلك، ينبغي النظر إليها باعتبارها انعكاسا لحالة قلق متصاعد إزاء المؤسسات الدولية والأممية التي نشأت بعد الحرب العالمية الثانية، تتجاوز الأشخاص المعنيين بالعقوبات.
ديناميات التغيير في النظام الدولي
في ظل تسارع التحولات الدولية، تتصاعد مؤشرات على أن العالم يعيش لحظة تاريخية من التحوّل العميق في بنية النظام الدولي، بما يشمل مراكز القوة، وأشكال الصراع، وطبيعة الفاعلين، وحتى القيم والمعايير الحاكمة للعلاقات الدولية.
واليوم، تشهد بنية هذا نظام الدولي تصدعات جدية، فالقيم التي أسّسته تهتز، والمؤسسات الأممية تُظهر عجزا بنيويا، كما تجلّى في حرب غزة، حيث عجزت الأمم المتحدة ووكالاتها عن وقف الإبادة التي تنفذها إسرائيل بدعم غربي، مما يعكس فقدان الثقة في فعالية النظام الحالي، واحتمال انهياره وولادة منظومة بديلة.
والتحول من نظام دولي إلى آخر لا يحدث فجأة، بل يمر عبر فترات انتقالية مضطربة يسودها ما يسميه أنطونيو غرامشي "ظهور الوحوش"، أي انهيار المعايير وتغوّل القوى دون ضوابط.
وتشمل مظاهر التوحش:
ازدراء القوانين الدولية.
التدخلات العسكرية.
تغيير الحدود بالقوة.
شن الحروب، كما يحدث في غزة، حيث يعكس العدوان الإسرائيلي حالة وحشية متجسدة تنتهك كل الأعراف الدولية وسط صمت أو تواطؤ القوى الكبرى.
تحولات هيكلية كبرى
تدل المؤشرات الحالية على تغييرات هيكلية وليست جزئية في النظام الدولي، وهي تشمل:
1- من نظام أحادي إلى تعددية قطبية:
منذ نهاية الحرب الباردة، هيمنت الولايات المتحدة على النظام الدولي بصفتها القوة العظمى الوحيدة. إلا أن هذا التفرد بدأ يواجه تحديات جدية مع صعود قوى مثل روسيا والصين، إضافة إلى بروز تكتلات دولية جديدة مثل بريكس.
روسيا -رغم أزمتها بعد تفكك الاتحاد السوفياتي- استعادت جزءا كبيرا من قوتها ونفوذها، وبرز ذلك في تدخلها العسكري بأوكرانيا.
أما الصين، فقد صعدت بهدوء عبر مسارات اقتصادية وتكنولوجية، وتجاوزت كونها قوة إقليمية لتصبح مرشحة لدور قيادي في نظام متعدد الأقطاب.
2- من الجغرافيا السياسية إلى الجغرافيا الاقتصادية:
الصراع لم يعد يدور فقط حول النفوذ الجغرافي، بل باتت القوة الاقتصادية المحرّك الأهم. وتعد الصين نموذجا رائدا في ذلك، إذ بنت نفوذها عبر مشاريع ضخمة مثل " الحزام والطريق" (أو طريق الحرير الجديد، وتقوم على إنشاء حزام بري من سكك الحديد والطرق عبر آسيا الوسطى وروسيا، وطريق بحري يسمح للصين بالوصول إلى أفريقيا وأوروبا)، في حين تتبلور مشاريع منافسة مثل "الكوريدور" الأميركي الهندي (وهو ممر اقتصادي مقترح يهدف إلى ربط الهند بالشرق الأوسط وأوروبا)، و"طريق التنمية" العراقي التركي الذي يربط الشرق الأوسط بأوروبا.
3- من مركزية الدولة إلى صعود الفاعلين من غير الدول:
رغم استمرار دور الدولة، فإن هناك تراجعا تدريجيا لمركزيتها، يقابله صعود تكتلات إقليمية مثل الاتحاد الأوروبي ، وفاعلين جدد مثل الشركات العابرة للقارات، وشبكات التواصل، والجماعات المسلحة. هؤلاء أصبحوا قادرين على التأثير في القرارات الدولية، بل والمشاركة في الحرب والسلم.
إعلان
4- من عولمة غربية إلى عولمة مفتوحة:
العولمة الحالية -بطابعها الغربي- فرضت نماذج ثقافية واقتصادية غربية على بقية دول العالم. ومع الاتجاه نحو انبعاث نظام دولي متعدد الأقطاب، سينفسح المجال أمام مشاركة فاعلين جدد في صياغة عولمة مفتوحة على تعدد مراكز القوة والنفوذ، وعلى اختلاف النماذج الاقتصادية والتنموية، وعلى تنوع السبل أمام المجتمعات لتطوير قدراتها وبناء نهضتها الخاصة أو الجماعية.
5- من الحروب التقليدية إلى الصراعات المركبة:
الحروب لم تعد تقليدية فقط، بل أصبحت هجينة ومعقدة، تتضمن أبعادا سيبرانية وإعلامية واقتصادية وحتى نفسية، كما أصبحت الحروب بالوكالة، والعمليات السرية، والصراعات داخل الدول باتت أكثر شيوعا من المواجهات العسكرية المباشرة.
6- تحديات قيمية وأخلاقية:
من أبرز ملامح الأزمة الحالية هو التباين الفاضح بين القيم المؤسسة للنظام الدولي وسلوك القوى الكبرى. السيادة الوطنية، وحق تقرير المصير، واحترام القانون الدولي، كلها مبادئ تُنتهك يوميا، كما يظهر في حرب غزة، حيث تمارس إسرائيل إبادة جماعية مدعومة، وسط صمت أممي ودولي.
بالمقابل، تظهر حركات المقاومة الفلسطينية كمدافع عن القيم الإنسانية العالمية، وتحظى بتعاطف شعبي واسع حول العالم، في مؤشر على تحوّل أخلاقي عالمي يعيد رسم الحدود بين العدل والقوة.
الخلاصة: تحول شامل لا مجرد تبديل أقطاب
التحولات الجارية ليست فقط تغييرا في مركز القيادة العالمية، بل هي تغيير شامل في النموذج الحاكم للنظام الدولي. نحن أمام ولادة نظام جديد، يتجاوز تعدد الأقطاب إلى تعدد الرؤى والمقاربات والمصالح والفاعلين، وقد يستغرق هذا التحول سنوات وربما عقودا، يتخللها اضطراب وتوحش، قبل أن تتبلور قواعد واستقرار عالمي جديد.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 28 دقائق
- الجزيرة
نقابة عمال بلجيكا تتحدى الحكومة وتتعهد بالتصدي لنتنياهو
قال رئيس نقابة العمال في بلجيكا، ديدي ليبي، إن العمال سيتصدون لإسرائيل طالما أن الحكومة لن تفعل ذلك، مؤكدا أن ما يجري في قطاع غزة هو فضيحة مكتملة الأركان تصدم الرأي العام الشعبي والسياسي. وكانت نقابات الاتحاد الوطني للعمال البلجيكيين قد دعت لرفض العمل مع رحلات الطيران المتجهة إلى تل أبيب اعتراضا على الإبادة والانتهاكات التي ترتكبها إسرائيل ضد الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية. واليوم الأربعاء، قالت شركة بروكسل للطيران إن رحلتها المتجهة إلى تل أبيب ستشغل بطاقم متطوع بعد امتناع عمال المناولة الأرضية عن تحميل الأمتعة احتجاجا على ما تقوم به إسرائيل في غزة. وأكد ليبي، في مقابلة مع الجزيرة، أن الساسة يكتفون بالتصريحات المناهضة لإسرائيل دون اتخاد خطوات فعلية لمنعها من مواصلة جرائمها، وأن العمال قرروا التصرف بأنفسهم ما لم تتصرف الحكومة. وأوضح العقوبات الفورية والاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة هما السبيل الوحيد للجم الحكومة الإجرامية التي يقودها بنيامين نتنياهو، المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية. وقال ليبي إن على العمال أن يقودوا هذا الطريق لأنهم يشعرون بغضب كبير، وإن على العمال والشعب قيادة المبادرات لوقف الإبادة الجماعية في غزة كما حدث عندما تمت الدعوة لقطع العلاقات مع روسيا بسبب أوكرانيا. ولم تجد شركة بروكسل للطيران أي متطوع لتشغيل رحلتها المتجهة إلى تل أبيب صباح اليوم، بسبب الغضب الكبير في صفوف العمال، مما دفعها لاستئجار متطوعين، كما يقول ليبي. جريمة لا يمكن قبولها واعتبر ليبي أن ما يحدث في غزة "لا يمكن قبوله"، وأن قتل 6 صحفيين يمثل جريمة لا يمكن السكوت عليها، مضيفا "سوف نستمر بأخذ زمام المبادرة حتى نظهر عزمنا على مواجهة حكومة نتنياهو التي ترتكب إبادة جماعية"، وتابع "سوف نواصل حتى تقوم حكومتنا بما عليها واتخاذ تدابير ملموسة ضد حكومة نتنياهو بدلا من الاكتفاء بالتصريحات"، مؤكدا أن عدم فرض عقوبات والاعتراف بدولة فلسطين يعني السماح لإسرائيل بمواصلة ما تقوم به. وفي وقت سابق اليوم، أدان وزير خارجية بلجيكا بشدة حظر دخول وسائل الإعلام لغزة، ودعا لتحقيق مستقل في قتل الصحفيين وقال إن مقتل 6 منهم مؤخرا "يثير القلق لأنه طال القلة القليلة التي لا تزال تنقل ما يجري بالقطاع".


الجزيرة
منذ 28 دقائق
- الجزيرة
إسرائيل تقضم أراضي سبسطية وتسعى لتحويل إرثها إلى رواية توراتية
عند التلال الواقعة شمال مدينة نابلس، تقف بلدة سبسطية شاهدة على تعاقب حضارات امتدت من العصر البرونزي حتى الحقبة الإسلامية.. حجارتها الضخمة وساحاتها الرومانية وضريح النبي يحيى، تحكي قصة مدينة كانت يوما عاصمة سياسية وإدارية لحقب تاريخية متعاقبة. لكن هذه الشواهد باتت اليوم في قلب معركة استيطانية شرسة، تحاول إسرائيل من خلالها إعادة صياغة تاريخ المنطقة، واقتطاع ثلث مساحتها تحت ستار "الحفاظ على التراث اليهودي" المزعوم. لم تولد الرواية الإسرائيلية حول سبسطية في لحظة عابرة، ولم تكن وليدة أحداث الأمس أو اليوم، بل هي ثمرة خطة ممتدة لسنوات، نسجت خيوطها بعناية لإقناع العالم بأن هذه الأرض وما تحويه من آثار وحجارة وأبنية إرث يهودي خالص يحق لإسرائيل امتلاكه. خلف واجهة البحث الأكاديمي والتنقيب الأثري، موّلت تل أبيب عشرات الحفريات في وضح النهار وفي عتمة الليل، بحثا عمّا يدعم روايتها التوراتية. ولم تكتفِ بذلك، بل حشدت لأجلها أبواقا سياسية وإعلامية وتاريخية، تتحدث بلسان واحد لتثبيت هذه القصة على أنها "الحقيقة الوحيدة" أمام الرأي العام العالمي، في تجاهل صريح للقوانين الدولية التي تجرّم الاستيلاء على التراث في الأراضي المحتلة أو تغيير هويته. في هذا التقرير يوثق فريق "الجزيرة تحقق" كيف تمضي إسرائيل في مسعى ممنهج لإعادة صياغة تاريخ سبسطية، وتحويل إرثها المتنوع إلى رواية توراتية أحادية تزعم أنها ملك حصري لها، ومنح الغطاء القانوني لعملية سلب وانتهاك تتناقض مع كل المواثيق الدولية. رواية توراتية في السادس من أغسطس/آب 2025، فوجئ أهالي سبسطية بقرار إسرائيلي يقضي بتحويل نحو 1775 دونما -أي قرابة ثلث البلدة- إلى ما يسمى "منتزه السامرة القومي"، استنادا إلى مزاعم توراتية تزعم أن سبسطية هي عاصمة "مملكة إسرائيل القديمة" وموطن ملوكها مثل عمري وآخاب. وحسب رئيس سبسطية محمد عازم، فإن القرار لم يكن مفاجئا تماما، بل تتويجا لحملة إسرائيلية ممتدة منذ سنوات، شملت حفريات علنية وسرية، وتمويل أبحاث أكاديمية، واستقدام بعثات تنقيب محلية ودولية، بهدف تكريس هذه الرواية أمام الرأي العام العالمي. ورغم إدراج سبسطية على قائمة التراث العالمي الإسلامي لدى منظمة الإيسيسكو عام 2024، ووجودها على القائمة المؤقتة لليونسكو، فإن الاحتلال يواصل المضي بخططه، متجاهلا القوانين الدولية التي تحظر تغيير الوضع القائم في الأراضي المحتلة أو التصرف بموروثها الثقافي. مشروع استيطاني بغطاء أثري لا يقتصر المشروع الإسرائيلي على "حماية" الآثار، بل يهدف -كما يوضح أهالي البلدة ومسؤولوها- إلى عزل المنطقة الأثرية عن باقي أراضي سبسطية، وفتحها أمام المستوطنين ودوائر الاحتلال المختلفة، في إطار سياسة "الضم الناعم"، التي تترجم على الأرض بتوسيع المستوطنات وإقامة بؤر جديدة. رئيس البلدية محمد عازم قال لـ"الجزيرة" إن قرار الاحتلال بالاستيلاء على ما يقارب ثلث مساحة البلدة جاء امتدادا لإعلان الحكومة الإسرائيلية ضم الضفة الغربية، مستغلا حقيقة أن المواقع الأثرية في سبسطية تقع ضمن مناطق "ج" الخاضعة لسيطرته الكاملة. وأشار عازم إلى أن ما يجري هو "تتويج فعلي" لقرارات الضم عبر ما وصفه بـ"الضم الناعم"، من خلال خطوات ملتوية تشمل توسيع المستوطنات القائمة وإقامة بؤر استيطانية جديدة، بما يكرس السيطرة الإسرائيلية على الأرض ويعزلها عن محيطها الفلسطيني. وأضاف عازم أن ما تمت مصادرته يتجاوز بكثير احتياجات أي حديقة عامة، مشيرا إلى أن الأراضي المصادرة تقدر بـ1800 دونم، وأن الهدف الحقيقي هو فرض السيادة الإسرائيلية على الموقع وقطع صلته بأصحابه الفلسطينيين. أدوات سياسية وقانونية المسعى الإسرائيلي تدعمه أدوات سياسية وتشريعية، أبرزها مشروع قانون قدمه عضو الكنيست عن حزب الليكود عميت هاليفي في يوليو/تموز 2024، يقضي بضم الآثار في الضفة الغربية إلى سلطة الآثار الإسرائيلية، ومعاملتها معاملة المواقع الأثرية داخل إسرائيل. تصريحات هاليفي في الكنيست كانت واضحة "لا توجد هنا أي حقوق قومية لشعب آخر". وفي مايو/أيار الماضي، خصصت الحكومة الإسرائيلية 32 مليون شيكل لترميم "مكتشفات أثرية" في سبسطية وتحويلها إلى وجهة سياحية، في خطوة يصفها باحثون فلسطينيون بأنها جزء من خطة ممنهجة لإنكار أي أحقية فلسطينية في تاريخ المنطقة. خطاب في خدمة الاستيطان وزيرة حماية البيئة الإسرائيلية عيديت سليمان، خلال اقتحامها الموقع الأثري في يونيو/حزيران الماضي، صرحت بأن "السامرة القديمة هي عاصمة مملكة إسرائيل وأحد أهم مواقع التراث لشعبنا.. لا وجود للشعب الفلسطيني، وبالتالي لا وجود لمواقع تراثية فلسطينية". كلماتها تعكس بوضوح الرؤية الإسرائيلية: التاريخ الفلسطيني غير معترف به، والموقع جزء من "الهوية القومية اليهودية". View this post on Instagram A post shared by עידית סילמן – Idit Silman (@iditsilman) رئيس مجلس مستوطنات شمال الضفة الغربية يوسي دغان ذهب أبعد من ذلك حين قال من داخل سبسطية "النصر يعني أخذ الأرض، النصر هو السيادة، والسيادة هي الأمن". وفي يونيو/حزيران الماضي، أعلنت وسائل إعلام إسرائيلية عن ما وصفته بـ"نتائج جديدة" لأعمال تطوير الحديقة الوطنية المسماة "السامرة" في الموقع الأثري بسبسطية. ووفق هذه التقارير، فقد تم الكشف عن أرضية حجرية وأعمدة مزخرفة، إضافة إلى قاعدة حجرية منقوشة كانت تستخدم كأساس لنصب تذكاري خاص يقع بجوار بوابة المدينة. ورغم الطابع الأثري لهذا الاكتشاف المزعوم، يراه باحثون ومسؤولون فلسطينيون جزءا من إستراتيجية الاحتلال لفرض سيطرته الميدانية على الموقع وتغذية روايته التوراتية، التي تسعى لربط كل مكتشف أثري في سبسطية بإرث يهودي حصري. التاريخ الحقيقي لسبسطية حسب المؤرخين، يعود تاريخ سبسطية إلى العصر البرونزي (3200 قبل الميلاد)، وخضعت لحكم الآشوريين والفارسيين والرومان، وفي عام 30 قبل الميلاد، أطلق عليها الملك هيرود اسم "سبسطي" (المبجلة)، وشهدت في عهده نهضة عمرانية شملت المسرح الروماني وشارع الأعمدة وساحة البازيليكا. هذه الحقائق، كما يؤكد الباحث في تاريخ وآثار فلسطين، ومدير عام مديرية السياحة والآثار في نابلس، ضرغام فارس، تثبت أن الفلسطينيين -بمختلف أديانهم- هم الوريث الطبيعي لكل الحضارات التي مرت على هذه الأرض، وأن أي معالم يهودية قديمة هي جزء من هذا الموروث المشترك، وليست دليلا على أحقية الاحتلال في الأرض. وقال فارس للجزيرة "حين نرى معبدا أثريا أو كنيسا قديما، ندرك أن هذا المعلم جزء من موروثنا الثقافي، ونعلم أن أجدادنا هم من صلّوا فيه، لا أجداد اليهودي المحتل القادم من خارج فلسطين". وأضاف فارس معلقا على نتائج الحفريات الإسرائيلية في سبسطية "جميع ما كشفت عنه أعمال التنقيب في سبسطية وفي فلسطين عموما يثبت أن الشعب الفلسطيني -بمختلف أديانه- هو الوريث الشرعي والطبيعي لتاريخ وحضارات هذه الأرض على مر العصور، وامتداد للسكان الأصليين، وأن كل ما تحتويه فلسطين من موروث ثقافي، مادي أو غير مادي، هو ملك للفلسطينيين". وتابع أن ما يروّج عن وجود ديانة يهودية في سبسطية خلال العصر الحديدي "مجرد سردية دينية توراتية، دحضها المؤرخون بالاستناد إلى اللقى والشواهد الأثرية". وأردف "اليهود الذين جلبتهم الحركة الصهيونية من مختلف أنحاء العالم هم غرباء احتلوا فلسطين، لا تربطهم بها أي صلة تاريخية أو عرقية، وكل ما يملكونه هو رابط ديني يمنحهم حق السياحة الدينية، لا حق الاحتلال والسيادة". تزييف منهجي وتحاول إسرائيل، في إطار فرض شرعيتها المزعومة على سبسطية، ترويج رواية تزعم أن الفلسطينيين -سلطة وشعبا- لا يحافظون على التراث والآثار، بل يتعمدون تخريبها لطمس ما تسميه "الإرث اليهودي" والحضارة التي كانت قائمة في الماضي. ولتدعيم هذا الادعاء، اعتمدت تل أبيب على مقطع فيديو يوثق احتراق أجزاء من المنطقة الأثرية في سبسطية، أعادت حسابات إسرائيلية نشره عام 2022، بينما زعمت وسائل الإعلام العبرية حينها أن الحريق مفتعل وأن من يقف وراءه هم "مخربون فلسطينيون". وذهبت وسائل الإعلام الإسرائيلية أبعد من ذلك، فأشارت إلى أن "المخربين العرب" لم يكتفوا بإضرام النار، بل شوهوا بعض المكتشفات الأثرية، وكتبوا شعارات باللغة العربية على جدران الموقع، في محاولة لإسناد رواية تقول إن الفلسطينيين يسعون لمحو أي دليل على "التاريخ اليهودي" المزعوم. وفي خضم الترويج لهذه الرواية، شاركت المحامية الإسرائيلية نيتسانا دارشان لايتنر الفيديو ذاته عام 2022، وكتبت معلقة "لا يُصدق، مخربون فلسطينيون أضرموا النار وتسببوا بأضرار في موقع التراث اليهودي بالحديقة الوطنية السامرة القديمة. هذه المدينة التاريخية كانت عاصمة مملكة إسرائيل في عهد الملوك، ولا يُعقل أن يُحرق في قلب البلاد تاريخنا وآثارنا التي تعود لنا، بأيدي الفلسطينيين، بينما الحكومة لا تفعل شيئا". وفي السياق نفسه، قال إيتان ميليت، المنسق الميداني لمنطقة يهودا والسامرة في منظمة "ريجافيم" الاستيطانية، "ما يحدث في سبسطية هو حرب على السردية. السامرة -أهم موقع تاريخي لشعب إسرائيل، وعاصمة مملكة إسرائيل لمئات السنين- تُنهب وتُدمر ببساطة على يد السلطة الفلسطينية، في محاولة لخلق سردية تاريخية فلسطينية. يجب أن نعود إلى السامرة" . لكن رئيس بلدية سبسطية محمد عازم استعاد تفاصيل تلك الحادثة قائلا إن الحريق كان "مفتعلا" من قبل الاحتلال، موضحا "كان عدد من عمال البلدية ووزارة السياحة والآثار الفلسطينية ينجزون أعمال تنظيف للأعشاب التي تغطي الحجارة الرومانية والأبنية الأثرية. وبعد انتهاء عملهم، فوجئنا بوجود قوات الاحتلال في الموقع، لتشتعل النيران بعدها مباشرة، ويمنع دخول أي فلسطيني إلى المنطقة". ويضيف عازم أن الحريق استُخدم حينها ذريعة لمنع الفلسطينيين من استكمال أعمال الترميم والصيانة، ووسيلة للهجوم على البلدية وأهالي سبسطية، مؤكدا أن "هذا ادعاء كاذب، فأبناء سبسطية حافظوا على هذا الإرث لأكثر من 5 آلاف عام". سرقة وتزييف للتاريخ وسلّط رئيس بلدية سبسطية، محمد عازم، والباحث في تاريخ وآثار فلسطين، ضرغام فارس، الضوء على ما وصفاه بـ"السرقات الممنهجة" ومحاولات تزييف التاريخ التي ينفذها الاحتلال في المنطقة، بهدف إثبات روايته المزعومة وطمس الحق الفلسطيني في الأرض. ويؤكد عازم أن بحوزة البلدية توثيقات لسرقة أتربة غنية بالقطع المعدنية والأثرية ونقلها إلى وجهات مجهولة، إضافة إلى استيلاء "الإدارة المدنية" الإسرائيلية على مدفن أثري يقع في منطقة "ب" الخاضعة للسيطرة الفلسطينية، متسائلا "أين يذهب الاحتلال بهذه الأتربة؟ وأين اختفت القطع الأثرية التي صودرت؟". ويضيف أن أعمال الحفر التي تنفذها "دائرة الآثار" الإسرائيلية ووزارة التراث في قلب المنطقة الأثرية تهدف إلى تزييف التاريخ، مشيرا إلى أن الاحتلال أدخل خلال السنوات الماضية حجارة لا علاقة لها بالحقبة التاريخية للمدرج الروماني، وبنى جدرانا داخله لا تمت للتسلسل الزمني للحضارات التي مرت على سبسطية بصلة. وفي تفنيده لادعاء الاحتلال بأن قراراته تستهدف "حماية" المواقع الأثرية، قال عازم "ممن سيحمي الاحتلال هذه الآثار؟ من لصوص الظلام الذين يعملون ليلا ويسرقون ناتج الحفريات؟ هؤلاء هم تجار الآثار في دولة الاحتلال. في المقابل، لا يوجد أي تاجر في الضفة يمكنه اقتناء قطعة أثرية، لأن القانون الفلسطيني يجرّم ذلك، والسلطة الفلسطينية عبر شرطة السياحة والآثار تلاحق كل من يقوم بأعمال التنقيب، لكننا نصطدم دائما بمنع الاحتلال لهذه الملاحقة بحجة وجود نشاطاته في المنطقة، ما يقيد تحركات الأجهزة الأمنية الفلسطينية". من جهته، قدم الباحث ضرغام فارس نماذج لهذه السرقات، منها حادثة 19 يناير/كانون الثاني 2023 حين استولى الاحتلال على تابوت حجري أثري أثناء قيام طواقم الوزارة بأعمال تنقيب إنقاذي في سبسطية، واحتجز الموظفين لساعات. وآخر هذه الحوادث التنقيب الجاري حاليا في البلدة ونقل مواد أثرية إلى جهات مجهولة. ويصف فارس هذه الأعمال بأنها انتهاك خطير للتراث الفلسطيني ومخالفة صريحة للاتفاقيات الدولية، منها اتفاقية لاهاي لعام 1954 لحماية الملكية الثقافية في حالة النزاع المسلح وبروتوكولاها (1954 و1999)، واتفاقية 1970 الخاصة بحظر ومنع استيراد وتصدير ونقل ملكية الممتلكات الثقافية. وفي رد على مزاعم الاحتلال حول "إهمال" الفلسطينيين للمواقع الأثرية، قال فارس "هذه آثار أجدادنا، ونحن أحرص الناس على الحفاظ عليها. منذ تأسيس وزارة السياحة والآثار عام 1995، ركزت الوزارة جهودها على برامج حماية التراث في سبسطية، بدءا من المسح والتوثيق الأثري والمعماري، مرورا بأعمال الصيانة الطارئة والحفريات الإنقاذية والمنظمة، وصولا إلى ترميم المباني الأثرية وتأهيل البنية التحتية لتوفير بيئة سياحية ملائمة". ما يجري في سبسطية ليس معزولا، فالقدس كانت ولا تزال النموذج الأبرز لمحاولات الاحتلال فرض سيطرته على المواقع الأثرية عبر مزاعم "الهيكل الأول والثاني". وتحدث رئيس الهيئة المقدسية لمناهضة التهويد ناصر الهدمي لـ"الجزيرة" عن مساعي الاحتلال لفرض سيطرته على مدينة القدس، عبر الترويج لوجود "الهيكل الأول والثاني" فيها. وقال الهدمي إن بعثات وعلماء آثار أجروا حفريات في محاولة لإثبات إرث يهودي بالقدس، لكن النتائج جاءت "مخيبة لآمال الاحتلال والعلماء على حد سواء"، إذ زادت الأدلة على إثبات الوجود الإسلامي في المدينة، خلافا للرواية الإسرائيلية. وأضاف أن علماء الآثار فندوا ادعاءات الاحتلال بوجود فترة "الهيكل الأول والثاني" في القدس، معتبرا أن ذلك يخالف المنهج العلمي في التاريخ والآثار، حيث لا يجوز تسمية حقبة زمنية كاملة باسم معلم يُزعم وجوده في مكان ما. وأوضح أنه حتى لو ثبت وجود الهيكل -وهو ما لا يوجد عليه أي دليل حتى الآن- فإن تضخيم تلك الفترة لا يقارن بعصور أخرى، مثل الفترة البرونزية، مشيرا إلى أن تاريخ القدس يمتد لنحو 7 آلاف عام، أي قبل الميلاد بـ5 آلاف سنة، بينما لم تتجاوز فترة الهيكلين المزعومة 140 عاما، وهي قصيرة وهامشية مقارنة بعمر المدينة. وأكد الهدمي أنه لا توجد أي رواية تاريخية موثوقة تدعم هذا الادعاء، وأن الاحتلال يعتمد في ذلك على نصوص التوراة والتلمود فقط، كما هو الحال في قضية سبسطية. وعن مزاعم الاحتلال في سبسطية، قال الهدمي إن "سرقة الآثار وتزويرها ديدن الاحتلال، الذي لا يملك شيئا في فلسطين ويحاول الاستيلاء على كل شيء". وأشار إلى أن الاحتلال لم ينجح حتى الآن في تقديم دليل علمي معتمد من علماء الآثار والتاريخ المعتبرين يثبت الوجود اليهودي بالشكل الذي يروج له، معتبرا أن "الوجود اليهودي على أرض فلسطين كان طارئا في الفترات السابقة، وسيبقى كذلك، في حين أن الوجود العربي الفلسطيني والإسلامي هو وجود طويل وثابت، سبق اليهود ورافقهم وسيستمر بعد زوال دولة الاحتلال". وزارة السياحة والآثار الفلسطينية دعت مرارا منظمة اليونسكو لإرسال بعثة تقصي حقائق إلى سبسطية، وتوثيق الانتهاكات، والضغط على الاحتلال لوقف إجراءاته الأحادية. اليونسكو بدورها طالبت إسرائيل في مايو/أيار الماضي بالامتناع عن أي أعمال قد تضر بالموقع، وبالالتزام بالقانون الدولي. لكن على الأرض، تواصل الجرافات الإسرائيلية وأطقم التنقيب عملها، فيما يقاوم الأهالي -بدعم باحثين ومؤرخين- للحفاظ على إرث يعتبرونه شاهدا على هويتهم وحقهم التاريخي في هذه الأرض.


الجزيرة
منذ 28 دقائق
- الجزيرة
حماس تدعو لمسيرات عالمية ضد العدوان على غزة
دعت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) الشعوب العربية والإسلامية وأحرار العالم لمواصلة الحراك الجماهيري ضد العدوان والإبادة والتجويع في غزة. وقالت الحركة، في بيان، "لتكن أيام الجمعة والسبت والأحد مسيرات غضب عالمية ضد الاحتلال وداعميه حتى وقف العدوان وفتح المعابر". ودعت الحركة "لأوسع فعاليات تضامنا مع الشهداء أنس الشريف ومحمد قريقع وزملائهما ضد جرائم الاحتلال بحق الصحافة". كما أكدت ضرورة تصعيد الحراك الجماهيري عالميا تنديدا بالعدوان الصهيوني والدعم الأميركي ورفضا للصمت الدولي، وطالبت بالمشاركة في المسيرات أمام السفارات الإسرائيلية والأميركية لفضح جرائم الإبادة والتجويع. ويعيش قطاع غزة في الوقت الراهن واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في التاريخ، إذ انتشرت المجاعة في ظل حصار مشدد تفرضه إسرائيل منذ أكثر من 10 أشهر، والذي اشتد بعد الإغلاق الكامل للمعابر في 2 مارس/آذار الماضي. وقد أدى هذا الحصار إلى تفشي سوء التغذية الحاد، لا سيما بين الأطفال والمرضى، مع تسجيل وفيات نتيجة الجوع في مناطق متفرقة من القطاع، في ظل عجز المستشفيات عن توفير الرعاية الطبية وانهيار البنية التحتية للقطاع الصحي. ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 ترتكب إسرائيل بدعم أميركي إبادة جماعية في غزة خلّفت 61 ألفا و499 شهيدا و153 ألفا و575 مصابا من الفلسطينيين وما يزيد على 10 آلاف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين، ودمار واسع في القطاع وكارثة إنسانية غير مسبوقة.