
اكتشاف أثري تحت الركام.. ما مصير القرى الأثرية بعد سقوط نظام الأسد؟
عثر الأهالي في مدينة معرة النعمان على مدافن رومانية وبيزنطية تعود لأكثر من 2000 عام، وذلك في الحيين الشمالي والجنوبي أثناء إزالة ركام القصف الجوي والمدفعي، وكانت المدينة قد تعرّضت لحملة قصف عنيفة عام 2019، انتهت بتهجير سكانها وتدمير معظم مبانيها، بما في ذلك المتحف الأثري الشهير الذي نُهب بالكامل من قِبل قوات النظام السابق.
بالقرب من المدينة تقع قرى أثرية مثل شنشراح وسرجيلا، وهي مدن رومانية قديمة كانت مقصدا للسياح قبل اندلاع الثورة. غير أن هذه المواقع تحولت خلال السنوات الأخيرة إلى مراكز عسكرية، وتعرضت لعمليات حفر وتخريب للبنى التحتية الأثرية، كما أصبحت ساحة قتال واسعة أدت إلى تدمير أجزاء منها.
يقول أحمد عنان، مسؤول في دائرة آثار إدلب، في حديث خاص لـ"الجزيرة نت"، إن سوريا تمتلك إرثا حضاريا يمتد لآلاف السنين، وكانت من أبرز مراكز الحضارة في العالم. لكن هذا التراث لم يسلم من التعديات، سواء من قِبل قوات النظام والمليشيات الموالية لها أو نتيجة الفوضى في بعض المناطق.
وأوضح عنان أن العديد من المواقع الأثرية تعرضت للتخريب والنهب، بالإضافة إلى التنقيب العشوائي واستخدام الحجارة الأثرية في البناء وتجريف المواقع لأغراض زراعية، ورغم الظروف الصعبة، واصلت دائرة آثار إدلب جهودها لحماية التراث، من خلال توثيق المواقع وتقييم الأضرار، والتنسيق مع الجهات المحلية لرصد المخالفات ضمن الحرم الأثري.
وأشار إلى توقيف عدد من المواطنين وكتابة تعهدات بحقهم بعد تعديات على مواقع أثرية، مؤكدا أن العمل يواجه صعوبات كبيرة، أبرزها نقص الكوادر ووسائل النقل بعد فصل معظم العاملين السابقين من قِبل النظام.
أبرز المواقع الأثرية في سوريا
تزخر سوريا بعشرات المواقع الأثرية التي تعكس غناها الحضاري والتاريخي، وتعد من أبرز الكنوز الثقافية في العالم، ففي شمال البلاد، تنتشر المدن المنسية، وهي 7 باركات أثرية تعود إلى العصور الرومانية والبيزنطية، خمس منها تقع في محافظة إدلب واثنتان في حلب.
كما تحتضن إدلب مدينة إبلا القديمة، ومتحف معرة النعمان، والجامع الكبير في معرة النعمان، ومتحف إدلب الوطني، إلى جانب معالم المدينة القديمة، وقلعة حارم، والشغر، وسرمدا. أما حلب، فتتميز بقلعتها الشهيرة ومتحفها العريق، إضافة إلى معبد عين دارة قرب عفرين.
وتضم دمشق القديمة معالم فريدة مثل قلعة دمشق، وأسواق الحميدية، وخان أسعد باشا، إلى جانب المدرسة الظاهرية ومتحف الطب. وفي حمص، تبرز قلعة الحصن إحدى أعظم الحصون الصليبية، إلى جانب مسجد خالد بن الوليد.
أما في قلب البادية السورية فتقع آثار تدمر الشهيرة، في حين تحفل محافظات حماة واللاذقية وطرطوس بكنوز مثل قلعة ومتحف مصياف، وأفاميا، وأوغاريت، وقلعة صلاح الدين، وقلعة المرقب، وجزيرة أرواد. كما تزخر المنطقة الجنوبية بمدن تاريخية كبرى مثل بصرى، وشهبا، وماري، ودورا أوروبوس، بينما تنتشر في الشرق قلعة جعبر وسور الرقة، فضلا عن عشرات التلال الأثرية المنتشرة في محافظة الحسكة، التي تعود إلى حضارات موغلة في القدم.
خطط حكومية ومبادرات دولية
أشار عنان إلى أنه كانت هناك خطة موجودة قبل "التحرير" لإعادة تأهيل متحف إدلب، وتوثيق المواقع باستخدام نظام GIS، وتحديث قانون الآثار. لكن المعارك أعاقت التنفيذ. ومع تعيين وزير جديد للثقافة، وُضعت حماية الآثار ضمن الأولويات، وشاركت وفود من منظمات دولية في جهود الدعم، كما شاركت المديرية العامة للآثار في معارض دولية كإيطاليا.
ودعت المديرية جميع الموظفين السابقين الراغبين بالعودة إلى العمل لترميم الكادر البشري. أما بخصوص القطع المسروقة، فأكد عنان أن سوريا عضو في اتفاقيات دولية تلزم الدول بإعادة الآثار المسروقة، وتعمل المديرية على توثيق المفقودات وتعميمها عبر الإنتربول.
ساهم الفقر والفراغ الأمني في انتشار التنقيب العشوائي وبيع القطع في السوق السوداء، ما جعل الآثار موردا ماليا لبعض الجماعات المسلحة.
في حديث للجزيرة نت، كشف الباحث ومدير مركز آثار إدلب أيمن النابو عن انتهاكات واسعة طالت المواقع الأثرية، متهما الأجهزة الأمنية والمليشيات بعمليات تهريب منظمة، ومشيرا إلى ضعف أداء المديرية العامة للآثار والمتاحف.
وأوضح أن حماية المواقع قبل الثورة كانت تعتمد على الأجهزة الأمنية وليس المؤسسات الثقافية، ما أدى إلى مركزية مفرطة وغياب الرؤية المهنية. وبعد الثورة، تحولت تلك الأجهزة إلى مليشيات تُعنى بتهريب الآثار تحت أنظار المديرية، التي فقدت صلاحياتها، باستثناء بعض مراكز المدن الكبرى حيث يمكن إثارة الإعلام.
وأشار النابو إلى أن المواقع ذات الشهرة العالمية فقط حظيت باهتمام رسمي، في حين تُركت آلاف المواقع، لا سيما الطينية أو العائدة لفترات الشرق القديم، عرضة للإهمال والنهب. وكشف عن سرقات طالت متاحف حماة وتدمر والرقة، حيث وصلت بعض القطع إلى إدلب ولبنان وحتى متاحف في تل أبيب.
وأكد أن تهريب كل قطعة يعني فقدان جزء من الهوية الوطنية، وأن التنقيبات العشوائية أفرزت مكتشفات مهمة لكنها نُهبت دون توثيق علمي.
وانتقد النابو منظمة اليونسكو التي تعاملت فقط مع النظام بوصفه "الجهة الشرعية"، متجاهلة الفرق العاملة في مناطق المعارضة، مؤكدا أن أغلب مشاريعها اتسمت بالفساد، خاصة تلك التي أشرفت عليها "الأمانة السورية للتنمية".
أمل بمقاربة جديدة
وختم النابو بالتعبير عن أمله في أن تخرج المديرية العامة للآثار من عباءة النظام السابق، وأن تتبنى رؤية قائمة على المهنية الثقافية والإدارية، لحماية التراث السوري بوصفه هوية وطنية وواجهة مشرفة لسوريا المستقبل.
جدير بالذكر أن هناك محاولات حكومية لتوثيق المواقع والقطع الأثرية رقميا باستخدام تقنيات الواقع الافتراضي والـGIS، بهدف الحفاظ على المعلومات في حال تعرضت المواقع للتدمير الكامل. هذه المبادرات ما زالت في بداياتها، لكنها تمثل أملا في الحفاظ على "الذاكرة الرقمية" للتراث السوري.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 4 ساعات
- الجزيرة
مشروع "الهيئة": أن تعرف ما تريد خلال الطريق
"المجزرة التي تُنسى محكوم عليها بالتكرار، النعمة التي تُنسى مصيرها الأفول" ((كتبت هذه المادة بناء على العديد من المقابلات التي أجراها الكاتب في سوريا وإضافة إلى الاطلاع على مصادر عدة، اختار صياغة هذا كله في قالب درامي، ووضع الخلاصات على لسان شخصية متخيلة تماما)). نجلس هنا أسفل الجبل، قال لي -أبو دجانة- وهو يطلق بصره نحو جبل قاسيون. قلت: ولماذا لا نصعد الجبل؟ صعود الجبل يحتاج إلى كلمة سر. ظننته يمزح، فضحكت، لاحقًا تبين لي أن صعود الجبل فعلًا يحتاج إلى كلمة سر! تجري فيه العديد من الإصلاحات، ويغلقه رجال هيئة تحرير الشام (الأمن حاليًّا) ولا يمكن عبور الحاجز إلا بكلمة سر شفاهية. بدا لي ذلك منسجمًا مع شخصية الجبل، كلمة سر تفتح لك الطريق. قاسيون المهيب يجلس فوق دمشق وكأنه شاهد عليها، يحمل فوقه "الصخرة الحمراء" في "مغارة الدم"، أداة الجريمة الأولى في التاريخ، صخرة قابيل التي قتل بها شقيقه هابيل فشهق الجبل من هول الجريمة وتجمد فمه ناحتًا مدخل المغارة، هكذا تقول الأسطورة. هذا البلد مثقل بالتاريخ إلى حدّ التعب، لا تخطو قدماك في مكان إلا وقد عبرته إمبراطوريات وقادة وعلماء، وهو كذلك محملٌ بالمستقبل (دابق، الأعماق، الغوطة.. أسماء مواجهات لم تأت بعد)، وهنا "المنارة البيضاء شرقي الجامع الأموي حيث موعدنا مع نزول سيدنا ابن مريم" قال القيم على الجامع الأموي وهو يحكي لنا مستقبل المكان أيضًا. أما ضيفنا أبو دجانة فهو كالآخرين، تخلى عن كنيته "القاسية" ولبس بدلة أنيقة وربطة عنق، وكالآخرين أيضًا تعلم التحدث بلغة وزراء الخارجية "انطلاقًا من الأراضي السورية -الدول الشقيقة – دول الجوار – التنوع الثقافي في سوريا".. وهكذا، تحتاج أن ينقضي الجزء الأول من الحوار لكي تلج بعدها في أعماق كوادر الهيئة وربما (بل غالبًا) لا تفلح، فالطبقة التي تكثفّت على السطح من الخطاب تبدو متشابهة وكأنها تعميم مكتوب؛ تعد بحلم الدولة وتبشر بالاستقرار، وتتكلم وكأن هناك كاميرا خفية في مكان ما تصور الإجابات. الحقائق الملثمة: في المفترقات لا يأتي الحق على حصان أبيض، بل أحيانًا يستقل حافلة خضراء، يسلّم منطقة، ينسحب من أخرى ويقاتل رفاقه، أحيانًا يكون الحق ملثمًا، وفي مفترقات معينة يقف الباطل بعيدًا عن الحق مقدار خطوة واحدة، ثم يتمايز، أحيانًا أخرى يكون الخيار الوحيد بين باطل وباطل أقل، لكن المشكلة أن عليك أن تقرر قبل أن تفكر، الوقت الذي تقضيه في التفكير كافٍ لخسارة معسكر. ليست الحقيقة بهذا الوضوح الذي نتوهمه، ولا مصممة على مقاس الشعراء كي يمدحوها، الفتنة دائمًا عمياء، وحين تكون في داخلها نادرًا ما تميّز طبيعة الشيء الذي تواجهه، حتى إذا أدبر أسفر لتتبين حينها موضع قدميك، وكثيرًا ما تزل قدمٌ بعد ثبوتها. "تسألني عما تعلمته؟" قال أبو دجانة فيما يشبه الخلاصة. ثم أكمل بشيء من الأسى: "كم كنت أتمنى أن أعرف قبل أن أبدأ. كم كانت تصوراتنا مثالية وساذجة. كنا مع كل مفترق طرق نتخلى عن شيء من هذه المثالية ونتحلى بدرجة أعلى من الواقعية، لقد عبر بنا الشيخ (أبو محمد الجولاني) كل هذه المفاوز ولهذا نثق فيه اليوم، أنتم لا تعرفونه، نحن نعرفه. نعرفه جيدًا." (الحقيقة ليست بالوضوح الذي تصوره برامج الكرتون وقصص الأطفال، هذا صحيح، لكنها ليست بالغموض الذي عادة ما يتذرع به، ذاك التذرع الذي يتوسع في كل مرة حتى يجد الإنسان نفسه يدوس الحقيقة بحثا عنها!) وبدأ أبو دجانة يسرد القصة من البداية: "منذ دخل الشيخ أرض الشام أواخر عام 2011 بصحبة ستة مقاتلين من العراق (وخمسين ألف دولار شهريًّا من البغدادي) كي يؤسس جبهة النصرة، كان يحلم بفتح دمشق، ويبشّر بذلك اليوم، يتحدث عنه كأنه يراه واقعًا، كان يقرأ لنا رواية كتبها بنفسه عن فارس أنقذ التاريخ، فك وثاقه من آسريه الذين أحكموا تقييد يديه كي لا يكتب شيئًا، آمنّا أنه الوحيد القادر على فعل ذلك، وآمن هو أيضًا بذلك، وفعله حقًّا!" "لم يكن هذا ليحدث بسهولة، لقد أعدّنا الله عبر مفترقات كثيرة وصعبة لهذا اليوم، مفترقات قاسية وأحيانًا كانت شديدة الالتباسات، حدّث المرء نفسه خلالها طويلًا وغمرته الشكوك، رغم أننا نادرًا ما كنا نجد وقتًا حتى للشك، في بيئة مثل التي أحاطتنا كان الانتظار يعني الموت." المفترق الأول: إخوة الغلوّ واجههم المفترق الأول في أبريل/نيسان عام 2013، حين أعلن أبو بكر البغدادي قيام دولة العراق والشام وحل جبهة النصرة ، فقفز الجولاني إلى حضن تنظيم القاعدة، مستفيدًا من مظلتها في حماية تجربته الوليدة أمام زحف "الدولة"، خسر الكثير من الكوادر الذين فضلوا جاذبية الدولة على جبهة النصرة، وحتى يوليو/تموز 2014 بدت النجاة خطة كافية وقتها، كان تنظيم الدولة يلتهم الأراضي والفصائل، وشهدت دير الزور أشد المعارك التي قادها "أبو ماريا القحطاني" عن جبهة النصرة، الرجل القوي الذي سيُعذب لاحقًا في سجون الهيئة ثم يُقتل بتفجير يُعتقد أن تنظيم الدولة وراءه عام 2024. :تنظيم الدولة هو الذي انشق عنّا!"، قال أبو دجانة، "لقد ذهب بعيدًا في تطرفه، حينها اختبرت الالتباس الأول، لقد قاتلت إخوة بدؤوا معنا المسيرة بعد أن اختاروا الانضمام لتنظيم الدولة، لم يكن الأمر سهلًا بعض الفصائل تورّعت وتأخرت في قتالهم لذلك تمددوا سريعًا، فضلًا عن عقائدية المقاتل عند تنظيم الدولة، إنهم بالفعل طلاب موت، كادت تجربتنا تفنى حينما تدخلت أحرار الشام لمساندتنا، وعبر بنا الشيخ هذه الأزمة." (ظهور تنظيم الدولة في سوريا كان حدثًا مزلزلًا، لقد أخذ المكونات السلفية في الفصائل وذهب بها لأقصاها، مُسببًا صدمة حقيقية تُنفّر اليوم من أي تشابه مع هذه المكونات، وبدلًا من البحث عن الوسط فإن ظهور غلو متشدد يمهّد لظهور غلو متساهل نقيضًا له، لاحقًا، يصبح التخويف من النموذج المتشدد تنظيرًا بحد ذاته وبرنامجًا للعمل). – ما الذي ميز طريقة عملكم في البداية؟ سألتُه "أسلوبنا وقتها كان العمليات العسكرية ضد نظام الأسد. تجنبنا حروب الاستنزاف ونموذج الرباط الذي يحتاج إلى مقاتلين كثر، ولم نجد أنفسنا مضطرين إلى المحافظة على مناطق محررة ثابتة. بدلًا من ذلك، انصبّ تركيزنا على بناء قوات هجومية بعقيدة قتالية عالية وفاعلية عملياتية قادرة على إحداث فارق على الأرض، وركزّنا على آلية اختيار الكوادر بدقة، أصبحت شروطنا أقل حدة لصالح إدماج قطاع واسع من الفصائل الصغيرة معنا، وغيرنا أسلوبنا في العمل وفق ذلك. وقتها، لم يكن "المشروع" قد تبلور في أذهاننا، كنا نظن أن ما نعتقده هو المشروع بحد ذاته وهذا كافٍ، لكنه لم يكن كذلك، لقد اتضحت الأمور مع الوقت." (كلمة "المشروع" تتردد كثيرًا على ألسنة شباب الهيئة بوصفها رديفًا للـ"حكم"، لكن في الواقع الحكم بذاته وسيلة ضرورية لتبليغ "المشروع"، إذن -مجددا- ما هو المشروع؟ يجري الإحالة إلى ما في عقل الرجل أكثر من الإحالة إلى أفكار محددة، مما يشي بأن المشروع جرى اختصاره في شخص القائد) المفترق الثاني: الأم العجوز في الثامن والعشرين من يوليو/تموز 2016، كانت الحركة الأم "القاعدة" قد شاخت تمامًا، ولم تعد مظلّتها تمنع الأمطار بل هي نفسها أصبحت مصدرًا للبلل، لم تعد "القاعدة" جذابة وشيخها الظواهري أصبح بعيدًا معزولًا وغارقًا في الشعور بالخذلان، أعلن الجولاني بعد أن أماط اللثام عن وجهه فك الارتباط مع تنظيم القاعدة وولدت بذلك "جبهة فتح الشام"، لكن الكوادر التي ظلت وفية للقاعدة انشقت معلنة عن تنظيم "حراس الدين". كانت ضرورة، قال أبو دجانة، الكثير من الفصائل كانت تمتنع عن التحالف معنا بسبب عبء اسم "القاعدة" فهي كما تعلم مصنفة حركةً إرهابية دوليًّا، المهم في النهاية هو الأهداف وليس الوسائل، عليك أن تفكر في الأمر وكأنه سباق رالي طويل، كل مئة متر علينا أن نبدّل العجلات بأخرى أكثر ملاءمة للمرحلة القادمة، لذلك بعد سنة واحدة أسسنا "هيئة تحرير الشام" سعيًا لإدماج أكبر قدر من الفصائل التي نتفق معها، لقد قسمنا الفصائل وقتها إلى نوعين: نوع ليس لديه مشروع وهذا كان من السهل إدماجه وترتيب وضعه، ونوع لديه مشروع مغاير لا يصب في مصلحة الحالة الجهادية وهذا عرضنا عليه التحالف، ثم قاتلناه حين أصرّ على التمسك بخيار تفتيت الساحة. المفترق الثالث: إخوة الطريق في 21 يوليو/تموز 2014 بدأنا بحملة "ردع المفسدين"، كان الفساد قد استشرى -للأسف- على يد فصائل الجيش الحر، وبدأ السكان يستنجدون بنا، لم يكن لدى هذه الكوادر انضباط فردي ولا مشروع للحكم. الحملة طالت أحرار الشام التي حمتكم من تنظيم الدولة في إدلب، أليس كذلك؟. قلتُ مستدركا. أسرع مجيبًا: "دعني أوضح لك، في النهاية يجب أن نلتف حول مشروع واحد، لقد عانينا طويلًا من تشرذم المشاريع، الكثير من الفصائل كان لديها ارتباطات دولية، وعدم وجود مشروع جامع كانت تكلفته باهظة. لقد سبق هذه الحملة إطلاقنا أول تصور لمشروع إقامة إمارة إسلامية وتطبيق الشريعة، في هذه المرحلة بدأنا نفكر في ضرورة السيطرة على الجغرافيا، الانتقال من العمل الأمني وحرب العصابات إلى تجربة الإدارة والحكم. وانطلاقًا من ريف إدلب في جبل الزاوية تحديدًا بدأنا في تأسيس تجربة السيطرة على الجغرافيا وتفعيل القضاء الشرعي. قاتلنا جبهة ثوار سوريا التابعة للجيش الحر، وخلال عامي 2014 و2016 تمدد مشروعنا وبدأنا نُحكم السيطرة على مناطق واسعة من ريف حلب وإدلب وحماة، في 2017 بدأت أحرار الشام تجمع حولها فصائل الجيش الحر، وشكلّت مشروعًا لإدارة المناطق المحررة، مما مثّل تهديدًا حقيقيًّا لنا، وفي ظل امتناعها عن الاتحاد معنا لم يكن معقولًا قبول أكثر من مشروع في نفس المنطقة، فقاتلناهم." كان قتالًا على مساحات النفوذ وتوحيد المشاريع وهذا في العمل السياسي يمكن فهمه، ولكن لماذا كنتم تصيغونه صياغات تكفيرية؟ لم يكن هناك تكفير لهذه الفصائل أبدًا.كان هناك مزاج عام يفضي إلى التكفير؟ بمعنى يكفي تعبيرات من نوع "هؤلاء يحالفون الكفار"، "لديهم تنسيق مع أجهزة مخابرات"، "يعملون ضد الدين"، حتى تتلقّاها القيادات الوسيطة والدعاة بوصفها مبررًا للتكفير لاحقًا (القضايا التي فعلتموها واحدة تلو الأخرى بعد تسلّم الحكم). ابتسم الرجل، وأكمل حديثه بعيدًا عن هذه النقطة. "لم تكن فترة سهلة، ولم يكن لدينا سيطرة على كل الخطابات داخل الجماعة، في النهاية أفضى هذا الاقتتال إلى ما فيه مصلحة الجميع، سيطرنا على باب الهوى (مصدر الدخل الأساسي للفصائل حينها)، ومن هذه اللحظة أصبح مشروع حكم إدلب ناضجًا، تشكلت حكومة الإنقاذ في عام 2017، استمرت الاشتباكات مع الفصائل حتى عام 2019 ، كان آخرها قتال أحرار الشام وحركة نور الدين زنكي في ريف حلب الغربي، وبعدها بسط المشروع سيطرته، كانت فترة خسر فيها الجميع ما بقي من مناطق نفوذ خارج الشمال السوري، فأصبح ريف حلب وإدلب مركز التنافس الوحيد." (ثم جاءت الحملة الروسية عام 2019 لتهز كيان من بقي من حاملي سلاح، وتهدد باقتلاع التجربة من جذورها. خسرت الفصائل نحو نصف مساحة سيطرتها، وجرى تثبيت خطوط وقف إطلاق النار باتفاق سوتشي بين الرئيسين أردوغان وبوتين في مارس/آذار 2020). المفترق الرابع: إنه الحكم (بذور الحكم بدأت عام 2017، (البعض يعتبرها بدأت قبل هذا التاريخ)، وتدريجيًّا كانت الوقائع تدفع "المشروع" تلك الكلمة الغامضة لتقمُّص شكل الطريق، حيث بدأت تقل قيمة الأدبيات، والروافد، والتوجهات الفكرية، ويحل مكانها كاريزما القائد وسلطة الإنجاز وشبكات المصالح، كانت الصيرورة تتكفل بصياغة الشكل، وكان الشكل نفسه يعيد صياغة الجوهر أيضًا). بدأ أبو دجانة يشرح تفاصيل هذه المرحلة. "في أسلوب الحكم، أخذت طريقة العمل في البداية طابعًا قريبًا من جبهة النصرة، يمتاز باللامركزية النسبية، وإتاحة صلاحيات واسعة للإدارة المحلية، وهذا نظام كان يصلح لتلك المرحلة. أسميناه نظام الكتل "القوات"، تخضع كل وحدة إقليمية لأمير وهو القائد العسكري ويصحبه "الشرعي" في حين كانت الأحكام المحلية متروكة بشكل كبير لتقدير القضاة المحليين وهم الشرعيون. في عام 2018، ذهب الشيخ لتفكيك هذه البنى، فهذا النمط يصلح للتنظيمات العسكرية لكنه يتناقض مع بناء حكم مركزي موحد، حينها شكلنا ما يعرف بإدارة المناطق المكونة من 350 عضوًا مُنظّمين في أقسام محلية عبر مناطق إدلب السبع، التي كانت حلقة وصل بين "حكومة الإنقاذ" و"هيئة تحرير الشام"، وعوضت النقص الموجود في الحكومة وحلت مكان العصب القديمة في المناطق." (هكذا أصبح هناك حكومة مقربة وحكومة ظل موالية، تعمل على سحب النفوذ تدريجيًّا من المكونات والعناصر الجهادية السابقة لتشكل طبقة حكم جديدة، لم تستوعب الوجهة الجديدة للمشروع. لقد حرصت تجربة إدلب على تخليص نفسها تدريجيًّا من أي مظاهر قد تفزع المانح الدولي أو المراقب العالمي الذي لديه قائمة قصيرة ومختزلة للمظاهر التي تشعره بالقلق. على سبيل المثال سعت مؤسسة "سواعد الخير" و"الخلاص"، لبث سمت إسلامي عام في الأماكن العامة، بما في ذلك التضييق على الاختلاط بين الجنسين في الأماكن العامة، فأغلقتهما الهيئة. وحين بدأت مظاهر الانفتاح تكسو المدينة بعد 2020، حاول بعض الدعاة والهيئات تنظيم قانون ينظم هذا الوضع، لكن الهيئة لم تؤيد القانون ولم تعارضه بل جمدّته.كان التحول يسير تدريجيًّا نحو استجلاب شرعية خارجية ولكن بهدوء يضمن عدم انفلات الفئات المحافظة والمتدينة ضد "المشروع"). "لم نستفرد بإدارة البلد، كان نموذجنا تشاركيًّا" أوضح أبو دجانة، ثم أكمل "انضمت لحكمنا نخب التكنوقراط داخل الجسم الحكومي وأتحنا لمنظمات غير حكومية الدخول في قطاعات الصحة والتعليم، كان دعمنا يزداد بين النخب المحلية، من مهنيين ورواد أعمال وشخصيات قبلية، في حين كان السخط على التجربة يتصاعد من النشطاء والصحفيين وكوادر حزب التحرير. كيف جرى التعامل مع التوجه المعارض؟ كثيرًا ماكنا نسمع عن تعذيب في السجون مثلًا، إلى أي درجة جرى ضبط التغول الأمني على الناس؟انظر، لقد وقعت تجاوزات كثيرة، خصوصًا عندما تعرضنا لـ"فتنة خلية العملاء"، فتنة كادت تودي بنا، (وهنا صمت الرجل قليلا وسرقته الخيالات إلى مكان غامض من الذكرى) ثم قال: تخيل أن يُعتقل أكثر من 170 شخصًا بتهمة العمالة، بعضهم قيادات صف أول، لم يكن الأمر سهلًا، ثم لاحقًا يتبين أن ثمة مكيدة أو خطأ جرى داخل مسار التحقيق من البداية، لقد كانت فترة قاسية وشديدة الصعوبة، بل دعني أقل ربما كانت هذه أصعب محنة مررنا بها." فضائل المأسسة عملنا بجدّ على مأسسة أنفسنا، كنا نقرأ ما يحدث معنا، نتعلم من أخطائنا، من خصومنا، لكن كنا نفتقر إلى قوة التنظيم. كانت الألوية تقاتل بدون فكر عملياتي، وأحيانا تنسحب بعض الكوادر من القتال إذا سقطت قُراهم، مشروع التحرير كان يشغل الشيخ لذا أردنا إعادة بناء كل شيء على أسس متينة، بدأنا بتوحيد القوات العسكرية عبر إطلاق برامج جديدة للتدريب بعقيدة قتالية موحّدة لكل القوات، وأنشأنا غرفة عمليات "الفتح المبين"، التي ساهمت في التنسيق العسكري بين الفصائل (من بينها أحرار الشام وفيلق الشام)، كما أسسنا أكاديمية عسكرية عملت على رفع الجنود إلى مصاف المقاتلين النظاميين القادرين على تشكيل نواة لعمل جاد وحقيقي. كما أدخلنا العديد من التخصصات مثل: قوات النخبة "العصائب الحمراء"، ووحدات القتال الليلي التي جاءت استجابة لتحدي قتال النظام ليلًا عام 2019 مما أفقدنا الكثير من المناطق. طورّنا مشروع مسيّرات شاهين، التي شكلّت رعبًا حقيقيًّا لقوات النظام حين بدأت عملية ردع العدوان، في حين كثفت أجهزة استخباراتنا عملها في جمع معلومات عن العدو. وحين حانت الظروف المناسبة للانقضاض على النظام كان الشيخ موجودًا ليقرر ذلك، ودعني أخبرك أن هذه إحدى أهم فضائله، الجرأة في موضعها، كان يمكن أن يفشل الهجوم، أن يحدث شيء آخر غير ما حدث، لم نكن على يقين من نجاح العملية لذلك أسميناها "ردع العدوان"، ولم يكن مداها في أكثر العقول خيالًا يتجاوز حلب، لكن الله وحده هو الذي منّ علينا بهذا الفتح. (فات الرجل أن يقول إن فتح الجبهات كان أحد المطالب الأساسية التي رفعها "الحراك" الذي خرج ضد حكم الجولاني في إدلب قبل العملية بوقت قصيرة، وهو ما يعني أن المزاج الثوري والشعبي كان قد وصل لحالة من الغليان جعلت قرار المواجهة حتميًّا، وإن كانت كتابة التاريخ تخفي اليوم دور الفصائل والكتل والأفراد وتحصرها في قصة شخص) ودّعت الرجل بعد مقابلة استمرت أربع ساعات ولم يعرف كلانا بأي انطباع خرج الآخر، نظر إليّ محاولًا الاستكشاف، وقال: "القادمون من الخارج، يأتون على هيئة رجلين: الأول يريد أن يعرف هل تغيرنا حقًّا أم ما زلنا "وحوشًا" ليرفع تقارير للغربيين والجهات المانحة، والثاني يريد أن يعرف لأي درجة تغيرنا كي يعود إلى أمتنا ويطمئنها أننا لسنا خونة؟!".


الجزيرة
منذ 6 ساعات
- الجزيرة
وزير خارجية السعودية في دمشق للقاء الشرع ودعم الاقتصاد السوري
وصل وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود، رفقة وفد اقتصادي رفيع المستوى، إلى العاصمة السورية دمشق اليوم السبت، وذلك في زيارة رسمية. ومن المقرر أن يلتقي الوزير السعودي الرئيس السوري أحمد الشرع ، كما سيعقد الوفد الاقتصادي المرافق له جلسة مشاورات مع نظرائهم من الجانب السوري، تهدف لبحث سبل العمل المشترك بما يسهم في دعم اقتصاد سوريا، ويعزز من بناء المؤسسات الحكومية فيها، ويحقق تطلعات الشعب السوري الشقيق. فرص استثمارية كبيرة ومنتصف الشهر الجاري، قال وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان إن فرص الاستثمار في سوريا ستكون كثيرة بعد رفع العقوبات الأميركية، وذلك بعد يوم من إعلان الولايات المتحدة المفاجئ رفع جميع العقوبات المفروضة على الحكومة في سوريا. وأضاف الأمير فيصل أن دعم المملكة لسوريا سيشهد تقدما ملحوظا بعد رفع العقوبات الأميركية. ووصف الوزير السعودي "قرار رفع العقوبات بأنه جريء ومهم"، مشيرا إلى أن السعودية ستكون داعمة لاستقرار سوريا وازدهارها. وقال إن "قرار رفع العقوبات الأميركية كان ضروريا لاستقرار سوريا"، مضيفا "نأمل رفع العقوبات الأوروبية عن سوريا". وكان ترامب أعلن خلال قمة بين الولايات المتحدة ودول الخليج في الرياض أن الولايات المتحدة سترفع جميع العقوبات المفروضة على حكومة سوريا، وأن واشنطن تبحث إمكانية تطبيع العلاقات مع دمشق.


الجزيرة
منذ 8 ساعات
- الجزيرة
الحجاج السوريون يتوجهون لأداء الحج من العاصمة دمشق
انطلقت قوافل الحجاج السوريين لأول مرة منذ 14 عاما من العاصمة دمشق صوب الأراضي المقدسة. اقرأ المزيد المصدر : الجزيرة