
عن الحنين الكسول إلى «الزمن الجميل»
لا يوجد شيء اسمه زمنٌ جميل. الزمن يمضي من دون هوادةٍ من دون إذنك ولن يعود. الزمن هو اللحظة التي بين يديك، والماضي يبقى مجرّد وهمٍ يحاول البعض استرداده. دائماً تتداول على نطاقٍ واسع فيديوهات عن ما يسمى «الزمن الجميل»... صور قديمة لبيوتٍ، وسيارات، وهواتف أرضيةٍ رثّة، وألعاب، وأدوات طهيٍ، وأدويةِ تطبيب، كلها تعبّر عن زمنٍ مضى كان الناس فيه هلكى من نقص الترف العلمي وجوعى لرفاهية التطوّر التقني، وهلكى من أمراضٍ تعالج الآن بإبرةٍ في ثانيةٍ واحدة، كالجدري والحصبة، والحمى وغيرها.
لو سألتَ أحداً وخيّرته أن يعيش في ذلك الزمن الذي يسافر فيه الناس بمشقّةٍ، زمن ليس فيه هاتف يتواصلون عبره مع الآخرين... يتطببون ببدائيةٍ مميتة، يتعالجون بالكيّ، ويلعبون بالحجارةِ والتراب، ويستمعون إلى الراديو بعناء، ويفكّون الحرف ويتعلمون القراءة بمشقةٍ، زمن كان المولود فيه يقفز نحو الحياة وينجو من الموت بأعجوبةٍ، لو خيّرت أحداً بين ذلك الزمن القاحل وبين زمننا هذا حيث تفوّق وسائل السفر، والتقدم العلمي والصناعي والتكنولوجي، والرفاهية الدنيوية، وتفوّق وسائل التعليم والتعلم، زمن سهولة كل شيء تقريباً، هذا عدا ما نشهده من فتوحات الذكاء الاصطناعي، والتفوّق في العلاج الطبي، فبالتأكيد -إن كان عاقلاً- سيختار زمننا الحاضر.
عن موضوع الذكاء الاصطناعي والطبابة أذكّر بما كتبه الأستاذ عميد خالد عبد الحميد «الذكاء الاصطناعي... وجهاً لوجه مع الطبيب»، فيه يقول: «تخيّل جرّاحاً يخطّط لعملية جراحية معقدة، ويستعين بنظام ذكاء اصطناعي حلّل عشرة آلاف حالة مماثلة من ثلاثين دولة ليقترح عليه أفضل المسارات الجراحية وأكثرها أماناً، أو طبيباً يتلقى تنبيهاً فورياً عندما يرصد النظام الذكي خللاً محتملاً في جرعة دواء، بناءً على تحليل نصف مليون تقرير عالمي عن التفاعلات الدوائية! هذا لم يعد سيناريو مستقبلياً؛ بل هو الدور الجديد الذي بات يؤديه الذكاء الاصطناعي داخل العيادات الحديثة».
سبق وكتب الأستاذ ممدوح المهيني مقالةً مهمةً بعنوان: «خدعة اسمها الماضي الجميل»، مما ورد بها: «هذه الفكرة خارج سياق الأحاديث اليومية، ولكنها مهمة لأنها تحدد رؤية الأشخاص، خصوصاً الأجيال الجديدة لأنفسهم وللعالم من حولهم. وتساعد على فهم كيف تطورت البشرية خلال قرون طويلة وفهم حركة التاريخ التي لا تعود للماضي. وهذه الفكرة مهمة أيضاً للانسجام مع الواقع والحداثة والمدنية التي غيّرت عالمنا للأفضل والإيمان بقيمها وعدم تنجيسها بل الاندماج الكامل بها والمشاركة في ازدهارها، وليس الانتقاص بحكم أنها صنيعة الغرب، وبالتالي الإحساس بالذنب والاغتراب وتمني عودة الماضي الجميل حتى لو كان مجرد كذبة رومانسية غير قابلة للتحقق».
نعم الذكريات جزء من تجربة الإنسان، وهذا أمرٌ طبيعي، لكن سكنى التاريخ وماضيه يعبّر عن كسلٍ في فهم الحاضر والتواؤم معه والانخراط فيه.
الحاضر يحمل فتوحاتٍ علميّة مذهلة لم تكن متاحةً حتى قبل عشر سنواتٍ من الآن. نصحو يومياً على فكرةٍ جديدة، وابتكارٍ تكنولوجي خارق، وعلاج طبي ناجع، وتسهيلِ تقنيّ مبهر.
إن اجترار الماضي باعتباره أنقى من حاضرنا هذا هو ممارسة نوستالجية كسولة غير مفيدة بل تضرّ بعلاقة الأجيال الصاعدة بحاضرهم وتؤثر على إيمانهم بمستقبلهم، من الطبيعي أن تستمع إلى أغنيةٍ قديمة، أو تستعيد قصائد وقصصاً وحكايات، ولكن الخطير أن تسكن الزمن الذي قيلت وأُنتجتْ فيه.
الخلاصة؛ إن الزمن الجميل قولٌ فيه بمكانٍ ما إضراب عن الوجود، وفيه كسلٌ عن فهم الحاضر، وعجز عن تصوّر المستقبل، وتوريث هذه المقولة للأجيال يجعلها أكثر عرضةً لكراهية الواقع والاحتجاج عليه، كل زمنٍ في طوامّه وكوارثه، وعليه فإن الحاضر بكل تقدّمه وفتوحاته وبما فيه من هنَّات هو الأجمل، وكل لحظةٍ نتفوّق فيها دنيوياً وعلمياً نكون في حالةٍ جماليّة خارقة هي أجمل من كلّ ماض.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


مجلة سيدتي
منذ 34 دقائق
- مجلة سيدتي
اعتماد المدينة المنورة مدينة صحية للمرة الثانية
تم اعتماد المدينة المنورة مدينة صحية من قِبل منظمة الصحة العالمية للمرة الثانية، بصفتها ثاني أكبر مدينة مليونية صحية في الشرق الأوسط. وجاء هذا الاعتماد بعد استيفاء المدينة المنورة لـ80 معيارًا من معايير المنظمة. وبهذه المناسبة رفع الأمير سلمان بن سلطان بن عبدالعزيز ، أمير منطقة المدينة المنورة، أسمى آيات الشكر والعرفان لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وللأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد رئيس مجلس الوزراء -حفظهما الله-. يذكر أنّ الأمير سلمان بن سلطان بن عبدالعزيز تسلم شهادة الاعتماد من وزير الصحة الأستاذ فهد بن عبدالرحمن الجلاجل، بحضور أمين منطقة المدينة المنورة الرئيس التنفيذي لهيئة تطوير المنطقة المهندس فهد البليهشي. اعتماد المدينة المنورة مدينة صحية وأكد أمير منطقة المدينة المنورة أنّ اعتماد المدينة المنورة مدينة صحية يُجسّد التزام القيادة الرشيدة -أيدها الله- بجعل الإنسان محور التنمية، وتحقيق جودة الحياة في مدن المملكة العربية السعودية، ويعكس حجم التكامل والتناغم بين الجهات الحكومية والأهلية والمجتمعية في المنطقة. وأشار إلى أنّ المدينة المنورة ماضية في استكمال مسيرة التحول الحضري والصحي، بما يُسهم في بناء بيئة مستدامة وصحية، ويضعها في موقع متقدّم إقليميًّا ودوليًّا، بوصفها نموذجًا تنمويًّا رائدًا ضمن مستهدفات رؤية السعودية 2030. المدينة المنورة ثاني أكبر مدينة مليونية صحية وبحسب وكالة الأنباء السعودية "واس" أوضح وزير الصحة الأستاذ فهد بن عبدالرحمن الجلاجل، أنّ اعتماد المدينة المنورة مدينة صحية مليونية يُجسّد تكامل الجهود الوطنية لتعزيز جودة الحياة وتحقيق بيئات صحية مستدامة، ويُعد تأكيدًا للالتزام ب رؤية السعودية 2030 نحو مجتمع حيوي ووطن مزدهر، لتكون المدينة المنورة ثاني أكبر مدينة مليونية صحية في الشرق الأوسط بعد مدينة جدة. وأعرب الجلاجل عن شكره وتقديره لأمير منطقة المدينة المنورة على دعمه المتواصل وجهوده في تعزيز الجوانب الصحية، مشيدًا بتعاون مختلف الجهات الحكومية والخاصة وغير الربحية التي أسهمت في تحقيق هذا المنجز الوطني، الذي يضع صحة الإنسان في مقدمة الأولويات. ما معايير اعتماد المدن الصحية؟ تجدر الإشارة إلى أنّ منظمة الصحة العالمية كانت قد حدّدت (80) معيارًا دوليًّا موزعة على (9) محاور رئيسة لاعتماد المدن الصحية، تشمل: المشاركة المجتمعية، والتنمية المحلية، والشراكة بين القطاعات، وتوفّر المعلومات المجتمعية، وجودة المياه والصرف الصحي، وسلامة الغذاء، وتعزيز الرعاية الصحية ، والوقاية والاستعداد والاستجابة للطوارئ، والتعليم، ومحو الأمية وتنمية المهارات، إلى جانب القروض الصغيرة والتنمية الاقتصادية. وتعكس هذه المعايير التزامًا شاملًا بتعزيز أنماط الحياة الصحية وخلق بيئات معيشية مستدامة. توسع السعودية باعتماد المدن الصحية يُشار إلى أنّ المدينة المنورة كانت قد اعتُمدت لأول مرة مدينة صحية في عام 2019، وأُعيد الاعتماد هذا العام 2025 لتكون مدينة صحية مليونية. ويأتي ذلك ضمن التوسع الملحوظ الذي تشهده المملكة في اعتماد المدن الصحية، حيث ارتفع العدد إلى (16) مدينة صحية معتمدة من منظمة الصحة العالمية حتى عام 2025، ما يعكس التزامًا مستمرًا بتعزيز الصحة الوقائية ورفع جودة الحياة في مختلف مناطق المملكة، ويُجسّد التكامل بين الجهات المعنية، لترسيخ مكانة المملكة الريادية في تطوير بيئات صحية ومستدامة.


عكاظ
منذ 43 دقائق
- عكاظ
علاج ثوري بالخلايا الجذعية يحرر مرضى السكري من الأنسولين
حقق علماء إنجازاً كبيراً في مجال علاج السكري من النوع الأول، عبر تطوير علاج بخلايا جذعية مبرمجة قادرة على إنتاج الأنسولين داخل الجسم، مما يغني المرضى عن الحقن اليومية. وأظهرت نتائج التجارب، أن 70% من المرضى توقّفوا تماماً عن استخدام الأنسولين، بينما انخفضت الجرعات المطلوبة للبقية بشكل كبير. العلاج يعتمد على زرع خلايا بنكرياسية مُنتجة لهرمون الأنسولين، يتم اشتقاقها من خلايا جذعية مأخوذة من المريض نفسه، ما يقلل احتمالات الرفض المناعي. ويأمل الباحثون أن يصبح العلاج متاحاً على نطاق واسع خلال عامين بعد اكتمال التجارب السريرية النهائية. ويُعد هذا الاختراق، من أهم الإنجازات في علاج داء السكري، كونه يستهدف جذور المرض، ولا يكتفي بإدارة أعراضه. كما يوفر جودة حياة أعلى للمصابين، ويخفف من المضاعفات المزمنة المرتبطة بالمرض طويل الأمد. أخبار ذات صلة


عكاظ
منذ ساعة واحدة
- عكاظ
أداة ذكاء اصطناعي تسرّع تشخيص سرطان الجلد
كشفت دراسة حديثة تطوير أداة جديدة تعتمد على الذكاء الاصطناعي تُمكّن الأطباء من تسريع تشخيص سرطان الجلد بدقة، خصوصاً في المناطق النائية التي تفتقر إلى الأخصائيين. ووفقاً لفريق البحث، فإن الأداة الجديدة أظهرت كفاءة عالية في تحليل الصور الجلدية وتحديد المؤشرات المبكرة للمرض، بما يسهم في بدء العلاج في مراحل مبكرة، ويقلّل من معدلات التأخر في التشخيص. وأشار التقرير إلى أن النظام تم اختباره على آلاف الصور لمصابين في مراحل مختلفة، وحقق نتائج إيجابية مقارنة بالتشخيص اليدوي، خصوصاً في الحالات الصعبة التي يصعب رصدها بالعين المجردة. وتسعى فرق التطوير إلى دمج هذه التقنية في أنظمة الرعاية الأولية، لدعم الأطباء في المناطق ذات الإمكانات المحدودة، وتحسين جودة الخدمات الصحية. ... دقة تحليل أعلى ... دعم للمناطق النائية ... نتائج تفوق التشخيص اليدوي أخبار ذات صلة