logo
غزة تحت الحصار والجوع.. بين فوضى التوزيع ومصايد الموت

غزة تحت الحصار والجوع.. بين فوضى التوزيع ومصايد الموت

صدى البلدمنذ 3 ساعات
في غزة، وبعد أكثر من 22 شهرًا من الحرب والحصار، لم يعد الخطر يقتصر على القصف، بل تجاوز ذلك إلى جوع قاتل يتربص بالسكان من كل جانب.
الحشود الجائعة تتدافع على الفتات القليل من المساعدات، وسط الفوضى والرعب، لتجد نفسها في مواجهة نيران القناصة، أو في شباك العصابات الإجرامية التي باتت تتقاسم المساعدات وتتحكم بمصير المحتاجين. رغم وعود التهدئة ومبادرات الإغاثة، يظل الواقع الإنساني في القطاع في حالة انهيار متسارع، تكشفه شهادات الناجين، وتقارير المنظمات الدولية، ومواقف تتسم أحيانًا بالغموض من الأطراف الفاعلة.
المساعدات في مرمى النار
منذ إعلان إسرائيل عن وقف جزئي للقصف تحت ضغط دولي متزايد بسبب تفشي المجاعة، بدأت المساعدات الإنسانية تعود تدريجيًا إلى قطاع غزة. غير أن المنظمات الدولية اعتبرت الكميات الواردة ضئيلة جدًا مقارنة بالحاجة الماسة لسكان محاصرين منذ شهور.
وفي كل مرة تصل فيها هذه المساعدات، تتكرر المشاهد المأساوية: حشود منهكة، تندفع صوب الشاحنات أو نقاط الإنزال الجوي، كما حدث في الزوايدة وسط القطاع حين تدافع العشرات نحو طرود ألقتها طائرة، ليتحول المشهد إلى فوضى وغبار واشتباك بالأيدي والسكاكين. يقول أمير زقوت: "دفع الجوع الناس إلى التناحر... الناس يتقاتلون بالسكاكين".
ضحايا الجوع لا القصف فقط
في منطقة زيكيم شمال غزة، يقول أحد الناجين وهو يحمل كيس دقيق: "كادت عجلة شاحنة أن تسحق رأسي، وأصبت أثناء انتشال الكيس".
وفي رفح جنوبًا، كان محمد أبو طه واقفًا في طابور منذ الفجر بحثًا عن كيس دقيق، حين اندلع إطلاق نار أدى إلى تدافع الناس وسقوط قتلى وجرحى. قال: "مشهد مأساوي: دماء في كل مكان، جرحى، وقتلى".
ووفق الأمم المتحدة، قُتل نحو 1400 فلسطيني منذ 27 مايو/أيار، معظمهم برصاص الجيش الإسرائيلي أثناء انتظارهم المساعدات. بينما يرد الجيش الإسرائيلي بأن نيرانه "تحذيرية".
عراقيل متعمدة
المنظمات الدولية لم توجّه أصابع الاتهام للواقع فقط، بل إلى الإجراءات الإسرائيلية التي تعرقل وصول المساعدات، سواء من خلال التأخير في التصاريح أو فرض طرق عبور خطرة أو منع القوافل من التحرك في اللحظات الأخيرة.
يقول مسؤول أممي:
"غيّر الجيش الإسرائيلي خطط التحميل في زيكيم فجأة، ما أدى إلى خلط الحمولات وإجبار القافلة على المغادرة دون تأمين كافٍ".
وفي معبر كرم أبو سالم، أُجبرت المنظمات على سلك طرق محفوفة بالمخاطر، بدل الطرق الآمنة إلى المستودعات وسط القطاع.
سرقة منظمة للسلاح الأبيض
عصابات إجرامية صارت لاعبًا بارزًا في هذه الفوضى، تهاجم المستودعات وتنهب الشاحنات، ثم تبيع المساعدات بأسعار خيالية. يقول الباحث محمد شحادة:
"إنها تجربة داروينية لا ينجو فيها إلا من يملك القوة والطاقة، أما الأكثر جوعًا فيُقصَون".
ويضيف رئيس بعثة "أطباء بلا حدود" في غزة، جان-غي فاتو:
"تُرسل العصابات أطفالًا ليموتوا بالرصاص في نقاط التوزيع. لقد أصبحت هذه مهنة جديدة".
في أسواق غزة، يُباع كيس الدقيق بـ400 دولار، ويُشترى فقط من لا يزال لديه ما يدفع.
حماس، الاتهام القديم المتجدد
اتهمت إسرائيل مرارًا حركة حماس بنهب المساعدات، ما استخدم كذريعة لحظرها بين مارس/آذار ومايو/أيار 2025. وفي مايو، ظهرت "مؤسسة غزة الإنسانية" بدعم إسرائيلي–أميركي، لتصبح الجهة المفترضة لتوزيع الإغاثة، لكن بقية المنظمات ترفض العمل معها، وتصف نقاط توزيعها بـ"مصائد الموت".
وفيما تصر إسرائيل على أن حماس تسرق المساعدات وتطلق النار على المدنيين، فإن مصادر داخل جيشها قالت لصحيفة نيويورك تايمز إن "لا دليل على أن حماس تسرق المساعدات من الأمم المتحدة بانتظام".
ويقول الباحث شحادة إن "حماس أصبحت ضعيفة للغاية، وخلاياها متناثرة وتعمل بشكل غير مركزي، ويستحيل أن تُسيطر على الأرض حاليًا".
انهيار السلطة وتفشي الفوضى
في السابق، ساعدت شرطة غزة التابعة للسلطة – وتضم عناصر من حماس – في تأمين المساعدات، لكن الآن، ومع غيابها، يسود الفراغ، وتتصاعد معدلات السرقة والنهب.
وتقول بشرى الخالدي من منظمة أوكسفام:
"دعونا إسرائيل مرارًا لتسهيل وتأمين عمليات الإغاثة، لكن هذه الدعوات قُوبلت بتجاهل واسع".
شبكات إجرامية بإشراف عسكري؟
تشير اتهامات أممية وإعلامية إلى احتمال دعم الجيش الإسرائيلي لعصابات محلية في غزة. وقد تحدث جوناثان ويتال، منسق الشؤون الإنسانية في الأراضي الفلسطينية، عن وجود "سرقة منظمة للمساعدات تحت أعين القوات الإسرائيلية".
وتتردد أسماء مثل "القوات الشعبية"، وهي ميليشيا مسلحة بقيادة ياسر أبو شباب من قبيلة بدوية جنوب غزة، اتُهمت بنهب شاحنات المساعدات. ويُقال إن إسرائيل سلّحت هذه الجماعات لمعاداة حماس.
ويقول ميكائيل ميلشتاين من مركز موشيه ديان إن أفرادًا من هذه الجماعات "متورطون في تجارة المخدرات والأنشطة الإجرامية".
مأساة بلا أفق واضح
في ظل استمرار الحرب، وتفاقم الجوع، وتعقّد المشهد بين أطراف متشابكة: حماس، الجيش الإسرائيلي، العصابات، والمؤسسات الإنسانية؛ يجد سكان غزة أنفسهم محاصرين بين القصف والجوع والفوضى.
وسط هذا الظلام، يظل الأمل الوحيد في حل سياسي شامل، وضمان حماية مدنية فاعلة، ورفع القيود التي تُفرغ المساعدات من معناها. وحتى يتحقق ذلك، يبقى سكان غزة يدفعون وحدهم ثمن صراع لا يُبقي ولا يذر.
وفي ظل حملات التشويه المتصاعدة التي تستهدف مصر ودورها الريادي في دعم القضية الفلسطينية، أكد الدكتور أيمن الرقب، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس والقيادي الفلسطيني، أن الموقف المصري الثابت في مواجهة مخططات الاحتلال لتهجير الشعب الفلسطيني أزعج إسرائيل ودفعها إلى الترويج لمزاعم كاذبة للتحريض على القاهرة، مستغلين منصات إعلامية ومواقع تواصل مشبوهة.
وأضاف الرقب في تصريحات لـ 'صدى البلد'، أن مصر لم تتوانَ عن فتح معبر رفح وإدخال المساعدات رغم التعقيدات، ووقفت إلى جانب الشعب الفلسطيني بإرادة سياسية وإنسانية صلبة.
وأوضح الرقب أن الدعوات التي ظهرت مؤخرًا للتظاهر أمام السفارات المصرية في الخارج دعوات مشبوهة ومرفوضة، لا تخدم سوى المشروع الصهيوني الساعي لتفتيت الموقف العربي، مؤكدًا أن التظاهر الحقيقي يجب أن يكون أمام السفارات الإسرائيلية أو الأمريكية، باعتبارهما المسؤولين الأساسيين عن العدوان على غزة. واعتبر أن مجرد توجيه الغضب نحو مصر هو تشويه متعمد للواقع يصب في مصلحة الاحتلال.
واختتم الرقب بتأكيده على التقدير الكبير الذي يكنّه الشعب الفلسطيني لمصر، رسميًا وشعبيًا، مشددًا على أن الشكر واجب لكل ما قدمته القاهرة من مساعدات إنسانية وسياسية، وأن مواقفها الشريفة تستحق الدعم لا الإساءة. كما دعا الفلسطينيين إلى الحذر من الانسياق وراء حملات مغرضة لا تهدف إلا إلى النيل من الحليف العربي الأهم في دعم القضية الفلسطينية.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

نصائح سعودية لدمشق: احتواء الأقليات والإصلاح السياسي
نصائح سعودية لدمشق: احتواء الأقليات والإصلاح السياسي

القناة الثالثة والعشرون

timeمنذ 16 دقائق

  • القناة الثالثة والعشرون

نصائح سعودية لدمشق: احتواء الأقليات والإصلاح السياسي

كشفت مصدر سوري مقرب من دوائر القرار السعودية، لـ"المدن"، أن الحكومة السورية تلقت توصيات ونصائح من المملكة العربية السعودية، متعلقة بضرورة الإصلاح السياسي ومشاركة الأقليات في الحكم، وذلك بهدف الخروج من حالة عدم الاستقرار في البلاد. وقال المصدر إن التوصيات سُلمت إلى دمشق، وتتعلق بضرورة احتواء الأقليات في سوريا، من خلال منحهم بعض المناصب القيادية في الدولة السورية. وأضاف أن النصائح تهدف بالدرجة الأولى إلى تمكين الحكومة السورية، لإدارة البلاد بكفاءة أعلى، والتركيز على تحسين الجانب الاقتصادي، الأمر الذي لا بد منه للاستقرار. وأوضح المصدر أن النصائح السعودية التي سُلمت لدمشق، تعبر كذلك عن وجهة نظر الأردن، خصوصاً أن الأخيرة يهمها كثيراً استقرار الجارة سوريا. إقصاء المتشددين من جهة أخرى، أكد المصدر أن الرياض نصحت دمشق بإبعاد الشخصيات الإشكالية عن المناصب القيادية، خصوصاً المتشددة منها، نزولاً عند هواجس الأقليات السورية، والولايات المتحدة والغرب. وقال إن السعودية تعتقد أنه بإمكان دمشق إعطاء مناصب هامة لأبناء الأقليات السورية، لضمان مشاركتهم في الحكم، وكذلك امتثالا للمطالب الأميركية، على اعتبار أن الرياض هي الضامنة للإدارة السورية أمام واشنطن. ووفق المصدر، فإن أحداث العنف التي شهدتها السويداء ذات الغالبية الدرزية، أضرّت كثيراً بصورة الإدارة السورية في أميركا، غير أن الوقت لا يزال سانحاً لتجاوز ارتدادات الفترة الماضية. هل تستجيب دمشق؟ لكن لا يبدو للمصدر أن دمشق مستعدة للامتثال لكل النصائح السعودية. وقال: "السلطة السورية تتسم بالعناد عندما يتعلق الأمر بشكل الحكم، والاقتراب من أي إجراء يضعف الحكم المركزي". لكن موقف السعودية ودعمها القوي لدمشق قد يدفع بالحكومة السورية إلى الاستماع لتوصيات الرياض، التي تعزز من حضورها في البلاد. وتعتزم السعودية استئناف استثماراتها في سوريا بنحو 4 مليارات دولار، بعد توقف المشاريع السعودية في سوريا منذ 12 عاما، حسبما ما أفادت مصادر سعودية رسمية، موضحة أن الرياض تعتزم المساهمة في قطاعات الزراعة والصحة والتعليم والبناء والعقارات وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والطاقة والتجارة والتصنيع. وبذلك، يبدو أن السعودية مصرة على النهوض بسوريا، مستندة على العلاقات القوية التي تربطها مع الإدارة السورية، وعلى حاجة الأخيرة للدعم الاقتصادي والسياسي. علاقة "جيدة" مع "قسد" كذلك، يمكن للرياض أن تلعب دوراً مفصلياً في نزع فتيل توتر محتمل بين دمشق وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، التي تربطها علاقات مع السعودية. ويدل على ذلك، ترحيب قائد "قسد" مظلوم عبدي، بأي دور سعودي إيجابي يمكن للرياض أن تلعبه في حال دخولها كوسيط مع الحكومة السورية، وذلك في مقابلة أجراها مع قناة "العربية"، الأسبوع الماضي. وتشير قراءات سعودية إلى أن الرياض تعتمد في مقاربتها للملف السوري، على السياسة والأمن والاقتصاد، وتعتقد أن استقرار سوريا لا ينعزل عن استقرار المنطقة برمتها، ما يدفعها إلى الاهتمام بإدارة سوريا في هذه المرحلة الصعبة والحساسة. انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة. انضم الآن شاركنا رأيك في التعليقات تابعونا على وسائل التواصل Twitter Youtube WhatsApp Google News

ترامب يشترط دعم إسرائيل للحصول على "تمويل الطوارئ"
ترامب يشترط دعم إسرائيل للحصول على "تمويل الطوارئ"

ليبانون ديبايت

timeمنذ ساعة واحدة

  • ليبانون ديبايت

ترامب يشترط دعم إسرائيل للحصول على "تمويل الطوارئ"

قالت الوكالة الاتحادية الأميركية لإدارة الطوارئ، في بيان نقلًا عن إدارة الرئيس دونالد ترامب، إن الولايات والمدن الأميركية لن تتلقى تمويلاً للاستعداد للكوارث الطبيعية إذا قررت مقاطعة الشركات الإسرائيلية. وبموجب شروط الوكالة للمستفيدين من المنح، يتعين على الولايات أن تقرّ بعدم قطع "علاقاتها التجارية مع الشركات الإسرائيلية تحديدًا" كي تكون مؤهلة للحصول على الأموال. وأظهرت 11 إشعارًا صادرة عن الوكالة، اطلعت عليها وكالة رويترز، أن هذا الشرط يشمل ما لا يقل عن 1.9 مليار دولار تستخدمها الولايات لتغطية تكاليف معدات البحث والإنقاذ، ورواتب مديري الطوارئ، وأنظمة الطاقة الاحتياطية، ونفقات أخرى. ويُعد هذا الإجراء أحدث مثال على استخدام إدارة ترامب التمويل الاتحادي لتعزيز رسالتها السياسية على مستوى الولايات. وكانت الوكالة قد أعلنت في يوليو الماضي أنها ستطالب الولايات بإنفاق جزء من أموال مكافحة الإرهاب الاتحادية لمساعدة الحكومة في القبض على المهاجرين، في خطوة تعكس أولويات الإدارة الأميركية. ويستهدف هذا الشرط حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها، وهي حملة تهدف لممارسة ضغوط اقتصادية على إسرائيل لإنهاء احتلالها للأراضي الفلسطينية. تصاعدت أصوات مؤيدي هذه الحملة خلال عام 2023 بعد اندلاع الحرب المدمرة لإسرائيل على قطاع غزة، التي أسفرت عن سقوط عشرات الآلاف من الضحايا المدنيين، وسببت كارثة إنسانية وصلت إلى حد المجاعة، ما أدى إلى وفاة المئات بسبب الجوع أو القتل بنيران الجيش الإسرائيلي أمام مراكز المساعدات. وقال متحدث باسم وزيرة الأمن الداخلي كريستي نويم في بيان: "ستطبق الوزارة كل قوانين وسياسات مكافحة التمييز، ومن بينها ما يتعلق بحركة مقاطعة إسرائيل التي ترتكز صراحة على معاداة السامية"، وفق زعمه. ورغم أن هذا الشرط يحمل طابعًا رمزيًا إلى حد كبير، فإن دورية قانونية صادرة عن جامعة بنسلفانيا كشفت أن 34 ولاية أميركية على الأقل من أصل 50 لديها بالفعل قوانين أو سياسات مناهضة لحركة المقاطعة. وفي إشعار صدر الجمعة الماضية، طالبت الوكالة المدن الكبرى بالموافقة على السياسة الخاصة بإسرائيل للحصول على 553.5 مليون دولار مخصصة لمكافحة الإرهاب في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية. وأظهر الإشعار أن مدينة نيويورك ستحصل على أكبر حصة من التمويل، حيث من المقرر أن تتلقى 92.2 مليون دولار، استنادًا إلى تحليل الوكالة "للخطر النسبي للإرهاب" في المدينة.

من باريس إلى اليرزة: كيف يُدار سيناريو تمويل الجيش بصمت؟
من باريس إلى اليرزة: كيف يُدار سيناريو تمويل الجيش بصمت؟

القناة الثالثة والعشرون

timeمنذ ساعة واحدة

  • القناة الثالثة والعشرون

من باريس إلى اليرزة: كيف يُدار سيناريو تمويل الجيش بصمت؟

بقدر اهمية ما تناوله رئيس الجمهورية جوزاف عون في خطابه من اليرزة، عن حصر السلاح بيد الدولة، سجل "شرط" المليار الدولار السنوية للقوى الامنية والعسكرية لمدة عشر سنوات، بندا اساسيا وركيزة من ركائز الخطة اللبنانية، حيث لا حصر للسلاح واحتكار للقوة من قبل الدولة"، دون ان تكون لها قواتها العسكرية القادرة على القيام بالمهام الموكلة اليها. يعود الكلام في الاساس الى اقتراح دولي ظهر قبل سنوات، في ظل الانهيار الاقتصادي الحاد الذي مر به لبنان، والذي أثر بشكل مباشر على رواتب ومخصصات القوى الأمنية والعسكرية، حيث برزت فكرة تأمين مليار دولار سنويًا كمساعدات خارجية لدعم هذه المؤسسات على مدى عشر سنوات، حيث نوقشت يومها في الأروقة الدبلوماسية والسياسية، كسبيل وحيد للحفاظ على استقرار لبنان الأمني، وتفادي انهيار المؤسسات العسكرية والأمنية التي تُعتبر آخر ركائز الدولة يومها، الا انها اصطدمت بفيتو اميركي مخفي. مصدر وزاري سابق واكب المرحلة كشف ان الخطة العشرية موضوعة منذ سنوات، بتفاصيلها، وكيفية توزيع المبلغ على الحاجات والمتطلبات، الاساسية التالية: - رواتب ومخصصات، لضمان رواتب كافية ومحترمة للعسكريين وعناصر الأمن، تُمكنهم من العيش بكرامة، لما لذلك من تاثير على ولائهم وتماسكهم. - تطوير البنية التحتية، لتحديث الثكنات والمراكز الأمنية، وصيانة المعدات العسكرية والآليات. - تأمين المعدات والأسلحة، لتجهيز القوى الأمنية بأحدث المعدات والأسلحة اللازمة للحفاظ على الأمن ومكافحة الإرهاب. - برامج تدريب وتطوير، لرفع مستوى الكفاءة المهنية والقدرات القتالية لدى القوى الأمنية. وتابع المصدر، إن الدافع الأساسي وراء هذا الاقتراح كان المخاوف من تفاقم الانهيار الاقتصادي والأمني ، بهد ثورة 17 تشرين، مع اتجاه عدد كبير من العسكريين إلى التفكير في ترك الخدمة، أو الانخراط في أعمال أخرى، ما هدد بانهيار المؤسسات الأمنية، وفتح الباب أمام الفوضى، وتفاقم الجرائم، وتزايد نفوذ المجموعات الخارجة عن القانون. الا انه رغم الأهمية القصوى لهذا الاقتراح، يتابع المصدر، فقد واجه تحديات ومعوقات كبيرة، تبلغها يومها المسؤولون السياسيون والعسكريون، من اكثر من زائر اميركي واوروبي وعربي، معيدين الاسباب الى: - غياب الإرادة السياسية، حيث لا تزال العديد من القوى السياسية لا تُقدم الدعم الكافي للقوى الأمنية، وتفضل إبقاءها ضعيفة لتُحكم سيطرتها على القرار. - الشفافية والمساءلة، حيث ثمة تخوفات من أن تؤدي المساعدات المالية الكبيرة إلى زيادة الفساد، خاصة في ظل ضعف الشفافية في المؤسسات اللبنانية. - ثقة المجتمع الدولي المفقودة بالدولة اللبنانية ومؤسساتها، في أدنى مستوياتها، فلطالما ترددت الدول المانحة في تقديم دعم مالي كبير دون وجود إصلاحات سياسية واقتصادية جذرية، ومكافحة حقيقية للفساد. وفي هذا السياق، نظمت فرنسا مؤتمرًا دوليًا في باريس في تشرين الاول 2024، جمع أكثر من 70 دولة ومنظمة دولية، وأسفر عن تعهدات مالية بقيمة مليار دولار، منها 800 مليون دولار للمساعدات الإنسانية و200 مليون دولار لدعم القوات الأمنية اللبنانية، الا ان التنفيذ لم يبصر النور. - مسألة السيادة، اذ تُعتبر هذه المساعدات تدخلاً في سيادة الدولة اللبنانية، مما قد يُثير حساسيات سياسية، ويُعقد عملية إقرارها وتنفيذها. - اشكالية توزيع المساعدات، حيث تُثار تساؤلات حول كيفية توزيع هذه المساعدات، ومن هي الجهة التي ستُشرف على صرفها، وسط مخاوف من أن تُستخدم في صفقات فساد. - المصدر المالي، حيث يُعتبر تأمين مليار دولار سنويًا لمدة عشر سنوات تحديًا كبيرًا للدول المانحة. من جهتها ترى اوساط دبلوماسية غربية، إن استقرار لبنان لم يعد يُقاس بمؤشراته الاقتصادية أو الانتخابية، بل بقدرة مؤسساته الأمنية على احتواء الانهيار الاجتماعي والسياسي. ولهذا، فإن دعم القوى الأمنية لم يعد فقط مسألة إنسانية أو تقنية، بل ركيزة من ركائز الأمن الإقليمي، من منع تسرب السلاح، الى احتواء اللاجئين، ووقف تمدد التنظيمات المتطرفة. واشارت الاوساط الى ان هذا الطرح، لم يتحوّل إلى مبادرة رسمية بعد، بل يشكّل انعكاسًا لتحوّل في النظرة الغربية إلى ما تبقى من الدولة اللبنانية. فالمجتمع الدولي، بعد تخلّيه شبه الكامل عن دعم الطبقة السياسية، يرى في المؤسسات الأمنية الورقة الوحيدة القابلة للحماية والاستثمار، انما ضمن اطر تنظيمية جديدة، تحاكي المهام والوظائف، دون ان تشكل تخمة وعبئا على المجتمعين اللبناني والدولي، من خلال اعتماد خطط عشوائية من ضمن هيكليات مترهلة لاستيعاب اعداد خدمة لاهداف سياسية، كما درجت العادة ولا زالت، خاتمة، بانه لا يخفى على أحد أن أي مساعدات بهذا الحجم ستُدار وفق ضوابط سياسية دقيقة، فالدول المانحة لن تموّل جهازًا أمنيًا معزولًا عن الرقابة، بل ستسعى إلى خلق "بيئة إصلاحية"، تتيح لها النفاذ إلى مفاصل القرار الإداري والمالي. عليه فإن طرح دعم القوى الأمنية بمليار دولار سنويًا ليس تفصيلاً مالياً فقط، بل رهان استراتيجي على مستقبل لبنان كوطن لا يزال يُنظر إليه كمفتاح لاستقرار شرق المتوسط. فهل تنجح الدولة في استثمار الاهتمام الدولي؟ أم تضيّعه كما ضيّعت فرصاً كثيرة من قبله؟ ميشال نصر -الديار انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة. انضم الآن شاركنا رأيك في التعليقات تابعونا على وسائل التواصل Twitter Youtube WhatsApp Google News

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store