
نقص الزنك والحديد واليود... عوامل صامتة تعرقل نمو الطفل العقلي والجسدي
رغم الجهود المتزايدة لمكافحة سوء التغذية بين الأطفال، إلا أن التركيز غالبًا ما ينحصر في جانب الكمية – أي الحصول على السعرات الحرارية الكافية، مع تجاهل جانب النوعية، وبشكل خاص الفيتامينات والمعادن الدقيقة. هذه العناصر الأساسية، مثل الزنك، الحديد، اليود، فيتامين D، وفيتامين B12، تُعد ضرورية لنمو الأطفال وتطورهم الجسدي والعقلي، إلا أن نقصها لا يُناقش بالقدر الكافي، خاصة في المجتمعات العربية.
يُعرف نقص الفيتامينات الدقيقة بأنه "الجوع الخفي"، لأن أعراضه لا تكون واضحة على الفور، ولكنها تتراكم تدريجيًا لتُسبب اضطرابات خطيرة في نمو الطفل. فعلى سبيل المثال، الزنك يلعب دورًا رئيسيًا في انقسام الخلايا والتئام الأنسجة، ونقصه يُمكن أن يُؤدي إلى بطء في النمو الجسدي، وتأخر في البلوغ، وضعف في المناعة. أما الحديد، فهو ضروري لنقل الأوكسيجين إلى خلايا الجسم والدماغ، ونقصه يؤدي إلى فقر الدم، وقلة التركيز، وتراجع الأداء الدراسي.
من جانب آخر، يُعد فيتامين D حجر الأساس في امتصاص الكالسيوم، وهو عامل محوري في نمو العظام والأسنان. الأطفال الذين يعانون من نقص فيتامين D يكونون أكثر عرضة لتشوهات العظام، مثل الكساح وتأخر المشي. أما فيتامين B12، فهو مهم للوظائف العصبية وتطور الدماغ، ونقصه قد يُؤدي إلى تأخر في الكلام وصعوبات في التعلم. أما اليود، الذي غالبًا ما يُهمل رغم أهميته، فهو ضروري لإنتاج هرمونات الغدة الدرقية، التي تُنظّم النمو والتطور العقلي، ونقصه قد ينعكس سلبًا على معدل الذكاء وسرعة الاستيعاب لدى الطفل.
ما يزيد الأمر تعقيدًا أن هذه النواقص لا تحدث دائمًا نتيجة قلة الغذاء، بل أحيانًا بسبب سوء الامتصاص الناتج عن مشاكل في الجهاز الهضمي، أو بسبب الاعتماد الزائد على الأغذية المعالجة والفقيرة بالمواد الغذائية الحقيقية. كما تلعب بعض العادات الغذائية الخاطئة دورًا في تعزيز هذا النقص، مثل الإكثار من العصائر المُعلّبة والمأكولات الجاهزة على حساب الفواكه، الخضروات، والبروتينات الحيوانية أو النباتية المتوازنة.
إنّ الحل لا يكمن فقط في إعطاء المكملات الغذائية بشكل عشوائي أو عند ظهور أعراض واضحة، بل في تبنّي نهج وقائي متكامل، يتطلب تضافر الجهود بين الأهل، والمدارس، والمجتمعات، والنظام الصحي ككل. تبدأ هذه المقاربة من تثقيف الأهل حول أهمية التنويع الغذائي، ليس فقط من حيث الكمية، بل أيضًا من حيث الجودة والمصادر الغذائية التي تزود الجسم بالعناصر الدقيقة الضرورية. وينبغي أن تشمل الوجبات اليومية للأطفال مكونات متنوعة من البروتين الحيواني والنباتي، الحبوب الكاملة، الخضروات الورقية، الفواكه الطازجة، والبذور والمكسرات، بالإضافة إلى الدهون الصحية مثل زيت الزيتون والأفوكادو.
ولا تقتصر أهمية هذا النهج على الوقاية من نقص الفيتامينات، بل يمتد ليؤسس لنمط حياة صحي يدوم مدى الحياة. كما أن تعزيز الثقافة الغذائية في المدارس، ودمج مواضيع التغذية الصحية ضمن المناهج التعليمية، يُمكن أن يلعب دورًا محوريًا في بناء وعي صحي مستدام لدى الأطفال أنفسهم، ما يعزز من قدرتهم على اتخاذ خيارات غذائية سليمة لاحقًا في حياتهم.
من جهة أخرى، يُنصح بإجراء فحوصات دورية شاملة للأطفال، لا سيما في الحالات التي يظهر فيها تأخر في النمو، أو ضعف في الأداء المدرسي، أو زيادة في معدلات الإصابة بالأمراض والالتهابات. هذه الفحوصات يمكن أن تساعد في اكتشاف النقص قبل أن يتحوّل إلى مشكلة مزمنة تؤثر على حياة الطفل وسلامته الجسدية والعقلية.
وفي نهاية المطاف، يُمثّل نقص الفيتامينات الدقيقة خطرًا صامتًا، لكنه عميق الأثر، يهدد مستقبل الأجيال القادمة على المستويين الصحي والمعرفي. ولا يمكن بناء مجتمعات منتجة، مبدعة، وقادرة على التنافس عالميًا، دون الاستثمار الحقيقي في صحة الأطفال منذ سنواتهم الأولى، من خلال التغذية المتوازنة، والرعاية الوقائية المستمرة، وصياغة سياسات صحية شاملة تُعطي الأولوية للوقاية بدلًا من انتظار العلاج. فصحة الأطفال ليست خيارًا فرديًا، بل مسؤولية جماعية ومصلحة وطنية.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


صدى البلد
منذ 2 ساعات
- صدى البلد
إدوارد يحيي حفلا غنائيا في الساحل الشمالي.. 18 يوليو
يستعد الفنان إدوارد، لإحياء حفل غنائي ساهر له في الساحل الشمالي يوم الجمعة 18 يوليو المقبل. ويأتي حفل إدوارد بعدما طرح أغنيته الجديدة التي تحمل اسم عجبني، عبر موقع الفيديوهات يوتيوب ومنصات الموسيقى المختلفة تزامنا مع الموسم الصيفي. بوستر حفل إدوارد المعروف أن إدوارد، بدأ حياته الفنية كمطرب وعازف جيتار، قبل أن يتم اكتشافه في التمثيل والكوميديا التي اشتهر من خلالها. إدوارد واصابته بالسرطان كشف الفنان إدوارد، لأول مرة تفاصيل إصابته بمرض السرطان، مشيرا إلى أن اكتشفت إصابتي بالمرض صدفة. وقال الفنان إدوارد، إن "قعدت 4 أيام مبخشش الحمام ومبكلش لقمة، وابتديت أتعب جدًا، وروحت للدكتور قالي إني عندي شبه شلل في المعدة، ووقتها نشرت بوست بحذر فيه الناس من حقن التخسيس دي". وأضاف إدوارد، إن :"الدكتور عمل لي فحوصات، ولقى كيس مية على الكلية اليمين، وبعد شوية فجأة بيقولي عندك كانسر في الكلى"، مضيفًا: "روحت لكذا دكتور، وكلهم أكدوا إن عندي سرطان في المرحلة الأولى، ولازم الكلية كلها تتشال". تفاصيل مرض إدوارد فى مشهد حزين هز مشاعر الجميع، حيث لم يتمالك الفنان إدوارد دموعه وهو يروي تجربة آلامه المريرة ومدي صعوبتها مع حقن التخسيس. حل الفنان إدوارد ضيفا على الإعلامية إسعاد يونس في برنامج صاحبة السعادة على قناة dmc، وقال إن بداية القصة كانت عندما طلب منه المخرج محمد سامي تغيير شكله من أجل دور في مسلسل رمضاني، فقرر اللجوء إلى حقن التخسيس التي ساعدته في فقدان نحو 15 كيلو من وزنه خلال ستة أشهر فقط. لكن المفاجأة جاءت بعد وقت قصير من التوقف عن استخدامها، حيث بدأ يشعر بآلام حادة في المعدة وعدم قدرته على تناول الطعام أو دخول الحمام، مع ارتفاع مستمر في درجة حرارته. وتابع إدوارد وهو متأثر أن حالته ساءت بشكل كبير حتى أصيب بجلطة في القلب، اضطر بسببها إلى إجراء عملية قسطرة وتركيب ثلاث دعامات، ورغم حالته الصحية الحرجة، عاد في اليوم التالي لتصوير حلقة خاصة من برنامجه وكأن شيئًا لم يحدث. وأضاف أن الفحوصات بعد ذلك كشفت عن إصابته بمرض آخر خطير لم يكن يتوقعه، ليؤكد أن ما مرّ به كان مرحلة صعبة بكل المقاييس، مشيرًا إلى أن تجربته أصبحت رسالة تحذيرية لكل من يفكر في الاعتماد على هذه الوسائل لإنقاص الوزن دون إشراف طبي.


ليبانون 24
منذ 11 ساعات
- ليبانون 24
الكفير.. مشروب صحي أم مبالغة في الترويج؟
يُعرف الكفير بأنه مشروب مخمّر غني بالبروبيوتيك والعناصر الغذائية، ويحظى بشعبية متزايدة لفوائده المرتبطة بصحة الجهاز الهضمي والمناعة. ورغم اعتباره بديلاً للزبادي، إلا أن تأثيراته قد تتجاوز ذلك. الكفير مشروب تقليدي نشأ في منطقة القوقاز، ويُحضّر بتخمير الحليب (أو بدائله) باستخدام "حبوب الكفير"، وهي مستعمرات من البكتيريا والخمائر. ينتج عن التخمير مشروب حامضي غني بالبروبيوتيك، يتنوع بين كفير الحليب، الماء، وجوز الهند. الفوائد الصحية: - الهضم: يعزز توازن الميكروبيوم ويخفف أعراض القولون العصبي. - المناعة: يدعم إنتاج الأجسام المضادة ويحتوي على فيتامين B12. - السكري: يساهم في ضبط مستويات السكر وتحسين المؤشرات الأيضية. - العظام: غني بالكالسيوم وفيتامين K2 الذي يدعم كثافة العظام. - المزاج: يساعد على تحسين الحالة النفسية عبر تأثيره على "محور الأمعاء-الدماغ". وهو حتمًا مناسب لمن يعانون من عدم تحمل اللاكتوز، لكنه قد لا يُناسب أصحاب المناعة الضعيفة أو من لديهم حساسية شديدة للحليب. ويمكن أن يسبب بعض الأعراض الهضمية في البداية. إذا الكفير ليس مشروبًا سحريًا، لكنه إضافة فعالة لنظام غذائي متوازن، خاصة لمن يبحثون عن دعم طبيعي للهضم والمناعة والمزاج، شرط تناوله باعتدال ومع استشارة طبية عند الحاجة.


الديار
منذ 17 ساعات
- الديار
صراع لا نهاية له في دارفور.. جرائم حرب وعنف جنسي وانهيار غذائي
اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب أعربت المحكمة الجنائية الدولية عن اعتقادها بأن "جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية" ترتكب في دارفور غرب السودان، فيما حذرت الأمم المتحدة من تضاعف عدد الأطفال الذين يعانون سوء تغذية. وحذرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) من أن عدد الأطفال الذين يعانون سوء تغذية حادا في ولاية شمال دارفور حيث تدور معارك شرسة في غرب السودان تضاعف مقارنة بما كان عليه في 2024. وفي بيان أصدرته الجمعة، قالت اليونيسف إن أكثر من 40 ألف طفل يعانون من سوء التغذية الحاد الوخيم في شمال دارفور تلقوا العلاج بين يناير ومايو من هذا العام، وهو ضعف العدد المسجل للفترة نفسها من العام 2024. ونقل البيان عن شيلدون يت، ممثل اليونيسف في السودان، قوله إن "أطفال دارفور يعانون من الجوع بسبب النزاع، وهم محرومون من المساعدات المنقذة للحياة". وفي بيانها أوضحت اليونيسف أنه في سائر أنحاء ولايات إقليم دارفور، زادت حالات سوء التغذية الحاد الوخيم بنسبة 46% خلال الأشهر الخمسة الأولى من هذا العام مقارنة بالفترة عينها من 2024. في غضون ذلك، أفادت الأمم المتحدة هذا الأسبوع بأن ما يقرب من 40% من الأطفال دون سن الخامسة في الفاشر يعانون من سوء التغذية الحاد، بما في ذلك 11% يعانون من سوء التغذية الحاد الوخيم. وفي بيانها، أعلنت اليونيسف أن زيادات ملحوظة في سوء التغذية رصدت في مناطق سودانية أخرى تضررت مؤخرا من القتال. وأوضحت المنظمة الأممية أنه خلال الأشهر الخمسة الأولى من هذا العام زادت معدلات سوء التغذية الحاد الوخيم بأكثر من 70% في ولاية شمال كردفان المجاورة، وبنسبة 174% في العاصمة الخرطوم، وبنحو 700% في ولاية الجزيرة بوسط البلاد، وذلك بالمقارنة مع الفترة نفسها من 2024. وفي سياق آخر، أعلن الادعاء العام في المحكمة الجنائية الدولية الخميس أن هناك "أسبابا وجيهة للاعتقاد بأن جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية" لا تزال ترتكب في دارفور، الإقليم الواقع في غرب السودان والغارق في حرب أهلية. وقالت نزهت شميم خان، نائبة المدعي العام للمحكمة، أمام مجلس الأمن الدولي إنه "بناء على تحقيقاتنا المستقلة، فإن موقف مكتبنا واضح: لدينا أسباب وجيهة للاعتقاد بأنّ جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ارتكبت ولا تزال ترتكب في دارفور". ولم تسم نائبة المدعي العام الجهة أو الجهات المتهمة بارتكاب هذه الجرائم. وأوضحت أن المحققين التابعين لمكتب المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية ركّزوا في الأشهر الأخيرة على الجرائم التي ارتُكبت في غرب إقليم دارفور، بما في ذلك من خلال مقابلات أجروها مع ضحايا فروا إلى تشاد المجاورة. وقالت القاضية الفيجية مخاطبة أعضاء مجلس الأمن الدولي إن "الوضع الإنساني بلغ مستوى لا يطاق: المستشفيات والقوافل الإنسانية وغيرها من الأهداف المدنية تبدو كلها مستهدفة. المجاعة تتفاقم، والمساعدات الإنسانية لا تصل إلى من هم في أمس الحاجة إليها. الناس محرومون من الماء والغذاء. الاغتصاب والعنف الجنسي يستخدمان كسلاح. عمليات الاختطاف لطلب فدية مالية أو لدعم صفوف جماعات مسلحة أصبحت أمرا شائعا". وحذرت شميم خان من أن الوضع قد يتفاقم و"الأمور قد تسوء أكثر". في غضون ذلك، من المتوقع أن يصدر قضاة المحكمة الجنائية الدولية قريبا أول حكم بشأن الجرائم التي ارتكبت في دارفور قبل عشرين عاما، وذلك في قضية علي محمد علي عبد الرحمن، المعروف باسمه الحركي علي كوشيب الذي انتهت محاكمته في أواخر 2024. وبهذا الشأن قالت شميم خان "أود أن أوضح لأولئك الموجودين على الأرض في دارفور حاليا، ولمن يرتكبون فظائع لا يمكن تخيلها بحق السكان، إنهم قد يشعرون بالإفلات من العقاب – كما كانت الحال مع علي كوشيب في الماضي – لكنّنا نعمل بجد لضمان أن لا تكون محاكمة علي كوشيب سوى الأولى فحسب". ومنذ نيسان 2023، تدور في السودان حرب بين الجيش وقوات الدعم السريع أسفرت عن سقوط عشرات آلاف القتلى وتهجير أكثر من 14 مليون شخص بين نازح ولاجئ.