
كيف تدهورت أحوال الخطوط الجوية الليبية لتعمل بطائرتين فقط؟
وفي مطلع يوليو/تموز الجاري، أعلنت الشركة مرورها بضائقة مالية وصفتها بغير المسبوقة، وسط تداول أنباء حول حقيقة إفلاسها، وهو ما دفع الجزيرة نت لفتح ملف الشركة واستجلاء آراء الخبراء السياسيين والاقتصاديين حول مستقبلها وقطاع الطيران في ليبيا برمته.
بدوره، أوضح المتحدث باسم الخطوط الجوية الليبية أحمد الطيرة، للجزيرة نت، أن الشركة لا تمر بحالة إفلاس كما يُشاع، بل تواجه أزمة مالية مزمنة جراء الحروب المتوالية منذ 2011، مما أسفر عن تدمير معظم أسطولها المكوّن من 17 طائرة، ولم يتبقَّ منه سوى طائرتين فقط، وبالتالي تقلص عدد الوجهات إلى 3 فقط.
انهيار هيكلي
بالمقابل، يرى الخبير في النقل الجوي والطيران المدني محمد عيسى أن ما يمر به الطيران الليبي منذ 14 عاما ليس مجرد تراجع عارض نتيجة الحرب فقط وإنما تعود أسبابه للانهيار الهيكيلي العميق الذي مسّ بنية الشركة الإدارية والمالية والتنظيمية.
وشخّص عيسى للجزيرة نت أسباب الأزمة في غياب الحوكمة وتسييس القرار، بالإضافة إلى افتقار الإدارات المتعاقبة للحد الأدنى من المهنية والكفاءة، مما رسَّخ الفوضى الإدارية داخل الشركة.
وأشار عيسى إلى أن الشركة لم تتخذ أي إجراءات قانونية أو إدارية لمطالبة الدولة بتعويضات عن الأضرار التي لحقت بها نتيجة الحروب، رغم تعهدات رسمية سابقة بتحمّل أخطار الحرب، عدا عن عدم تقديمها أي دعوى قضائية ولا حتى مذكرات قانونية.
إعلان
ولفت عيسى إلى أن هذا القصور يتجاوز حدود الشركة نفسها ليشمل الشركة الليبية الأفريقية القابضة، وهي المالكة للخطوط الجوية الليبية، والتي اكتفت بالمراقبة دون تحمّل أدنى مسؤولية، ولم تسدد ما تبقى من رأس مال الشركة الذي يزيد على 563 مليون دينار (حوالي 104.26 ملايين دولار)، مما حرم الأخيرة من القدرة على صيانة أسطولها أو تشغيل طائراتها المتوقفة.
عوامل سياسية
من جهته، قال المحلل السياسي إلياس الباروني، للجزيرة نت، إن أزمة الخطوط الجوية الليبية تعبّر عن عمق التشظي السياسي والمؤسسي الذي تمر به الدولة، موضحا أن ما يظهر كأزمة تشغيل أو نقص تمويل ما هو إلا انعكاس مباشر لغياب مركزية القرار وتعدد الحكومات، مما أدى إلى تآكل البنية الإدارية والرقابية في مؤسسات النقل الجوي.
وأشار الباروني إلى أن تعدد الأجسام الإدارية المتحكمة في قطاع الطيران، وتحوله إلى مساحة للمحاصصة وتوزيع النفوذ، عطّل فاعلية المؤسسات وفتح المجال لتمدد الفساد في غياب منظومة رقابة ومحاسبة حقيقية.
وهذا الفراغ الرقابي ترافق مع غياب رؤية وطنية موحّدة تنظم القطاع ضمن خطة سيادية، مما أفقده قدرته على الاستجابة للتحديات واحتياجات السوق.
وأوصى الباروني بضرورة الشروع في خطوات تأسيسية تتجاوز الأزمة التقنية، وتشمل:
توحيد المؤسسات السيادية وإنهاء حالة الانقسام السياسي لضمان مرجعية واحدة.
ربط شركات الطيران المدني بهيئة وطنية مستقلة تتمتع بالكفاءة و الشفافية.
وضع سياسة عامة تنظم قطاع النقل الجوي ضمن رؤية اقتصادية ومؤسسية واضحة.
إعداد إستراتيجية عشرية لتأهيل وتحديث البنية التحتية وتوسيع شبكة الخطوط.
في حين طالب المتحدث باسم الخطوط الجوية الليبية، أحمد الطيرة، الدولة الليبية -حكومة ومؤسسات- بتحمل المسؤوليات تجاه الأضرار التي لحقت بالشركة نتيجة الحرب، وتعويضها عن خسارة طائراتها المدمّرة.
كما اقترح تسهيل حصول الشركة على العملة الصعبة من المصرف المركزي بالسعر الرسمي بدل السوق الموازي، لما لذلك من أهمية في صيانة الأسطول المتضرر وإعادة تأهيله.
خسارة الفرص
وعن الموقف الحكومي حيال الأزمة، أوضح وكيل وزارة المواصلات في حكومة الوحدة، وسام الإدريسي، للجزيرة نت، أن الوزارة شرعت بتنفيذ برنامج إعادة هيكلة شامل يهدف لإنقاذ الشركة عبر تقليص الملاك الوظيفي بإحالة 1670 موظفا إلى وزارتي العمل والخدمة المدنية لإطلاق التقاعد المبكر، مع دعم صرف المرتبات المتأخرة وبرامج الصيانة لضمان استمرارية التشغيل.
وأضاف أن الوزارة تتابع ملف الديون والتعويضات بالتنسيق مع الجهات العليا، مشيرا إلى التنسيق مع وزارة المالية لتوفير إعفاءات جمركية على قطع الغيار وللحصول على دعم مباشر لسعر وقود الطائرات.
من جهته، حذّر خبير الطيران محمد عيسى من الانعكاسات المصاحبة لانهيار أقدم ناقل وطني في البلاد، حيث إن تقلُّص عدد الطائرات القابلة للتشغيل وتراجع الوجهات نتج عنه ارتفاع أسعار التذاكر، إضافة إلى خسارة فرص اقتصادية وسياحية، وتآكل صورة الدولة الليبية خارجيا نتيجة انكماش ناقلها الوطني.
وحمّل عيسى الإدارة التنفيذية للخطوط الليبية ومعها الشركة القابضة مسؤولية التقاعس عن اتخاذ أي خطوات إستراتيجية جادة سواء عبر إعادة الهيكلة أو التصفية أو طرح حلول قانونية ومالية ضمن صلاحياتها.
وخلص الخبير عيسى إلى أن إنقاذ الخطوط الليبية لا يكون عبر إنفاق مالي جديد أو شراء طائرات فقط، وإنما إصلاحات جذرية داخلية تتضمن:
حوكمة إدارية قائمة على الكفاءة والنزاهة.
فصل قرار التشغيل عن النفوذين السياسي والمسلح.
إعادة تنظيم العلاقة القانونية مع الزبون.
مساءلة حقيقية لأداء القابضة وسلوكها المتراخي في دعم شركاتها التابعة.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 2 أيام
- الجزيرة
ليبيا تعرض شراكة اقتصادية بـ70 مليار دولار مع أميركا
عرض رئيس حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا عبد الحميد الدبيبة على مسعد بولس مستشار الرئيس الأميركي دونالد ترامب ، اليوم الأربعاء، شراكة اقتصادية بين البلدين تقدر بنحو 70 مليار دولار. جاء ذلك خلال استقبال الدبيبة، في العاصمة طرابلس، لمستشار ترامب للشؤون العربية والشرق الأوسط وأفريقيا، وفق منصة "حكومتنا" الليبية الرسمية على " فيسبوك". وناقش اللقاء فرص التعاون المشترك في مجالات الطاقة، والمعادن، والبنية التحتية، والصحة، والاتصالات. شراكات اقتصادية وأكد الدبيبة حرص الحكومة على بناء شراكات اقتصادية مع الولايات المتحدة ، تفتح المجال أمام كبرى الشركات الأميركية للمشاركة في مشاريع التنمية والاستثمار. وخلال اللقاء، قدّم الفريق الحكومي الليبي عرضا تفصيليا لأوجه الشراكة الإستراتيجية الاقتصادية الليبية، والمقدرة بنحو 70 مليار دولار. وتشمل هذه الشراكة مشاريع جاهزة في قطاعات الطاقة والمعادن والكهرباء والبنية التحتية والاتصالات، بما يتيح دخولا منظما ومباشرا للاستثمار الأميركي في السوق الليبي، حسب المنصة. وتحدث الجانبان عن مستجدات قطاع النفط والجهود المبذولة لتعزيز الشفافية وتحقيق عوائد مستدامة، كما تطرقا إلى "تطورات القضية الفلسطينية". وبشأن الحرب في غزة، عبَّر الدبيبة عن "إدانة ليبيا الشديدة لما يتعرض له الشعب الفلسطيني في غزة من جرائم وتجويع وعدوان مستمر"، وأكد "ضرورة الوقف الفوري للعدوان، ورفع الحصار، وتجنيب المدنيين ويلات الحرب". من جهته، عبّر بولس عن "دعم الإدارة الأميركية لجهود الاستقرار في ليبيا"، وشدد على اهتمام واشنطن بمواصلة التنسيق وتوسيع مجالات التعاون مع حكومة الوحدة الوطنية. ويقوم بولس بجولة في المنطقة قادته الأربعاء إلى تونس حيث التقى الرئيس قيس سعيد ، ومن المتوقع أن تشمل الجزائر، وفق وسائل إعلام مغاربية.


الجزيرة
منذ 3 أيام
- الجزيرة
تعجز عن دفع رواتبهم.. ماذا بعد تقليص الحكومة الفلسطينية دوام موظفيها؟
رام الله- بعد أن عجزت عن دفع أي جزء من رواتب موظفيها لشهرين متتاليين تتجه الحكومة الفلسطينية إلى تقليص عدد أيام الدوام في المؤسسات الرسمية، في محاولة منها للتخفيف عن نفسها والعبء عن موظفيها. وجاء قرار الحكومة بعد حراك للنقابات، في ظل استمرار حجب إسرائيل أموال المقاصة الفلسطينية، وهي أموال ضرائب عن الواردات إلى السوق الفلسطيني تجيبها إسرائيل في المنافذ التي تسيطر عليها ويفترض أن تحولها للسلطة الفلسطينية، وتراكمت تدريجيا حتى بلغت نحو 2.7 مليار دولار. كما جاء بالتزامن مع قرار أصدرته المحكمة الإدارية منتصف الشهر الجاري، ويقضي بالوقف المؤقت لتقليص الدوام، والذي كان أعلنه اتحاد نقابات المهن الصحية الفلسطينية كإجراء نقابي احتجاجي ضد عدم صرف الرواتب. وبينما حذر نقابي فلسطيني في حديثه للجزيرة نت من تأثر الخدمات المقدمة للمواطنين -خاصة الخدمات الصحية- قال خبير سياسي إن الأزمة المالية تندرج ضمن مخطط لتغيير الدور الوظيفي للسلطة الفلسطينية. تحذير من عجز وفي الوقت الذي حذرت فيه الحكومة من مرحلة قد تعجز فيها المؤسسات الوطنية عن الاستمرار في تقديم خدماتها أعلن مكتب الاتصال الحكومي تقليص دوام الموظفين، وبالفعل أعلنت بعض القطاعات اقتصار دوام الموظفين على يومين، ومنها مديريات التربية والتعليم، وذلك بعد عام كامل اقتصر فيه دوام المعلمين في المدارس على 4 أيام في الأسبوع. وكانت الأمانة العامة لمجلس الوزراء الفلسطيني أعلنت الأربعاء الماضي عن ترتيبات جديدة لمدة شهر تنظم دوام الموظفين العموميين في المؤسسات الحكومية "مرنة ومؤقتة تضمن استمرارية العمل وتقديم الخدمات، دون الإخلال بحقوق المواطنين أو عمل المؤسسات". وتنص التعليمات الجديدة على "منح رؤساء الدوائر الحكومية صلاحية تنظيم الدوام داخل مؤسساتهم، بما يتناسب مع طبيعة عمل كل موظف وظروف كل دائرة". ووفق الخبير الاقتصادي سمير حليلة في مقال نشرته وسائل إعلام محلية، فإن فاتورة رواتب موظفي السلطة تبلغ 8.8 مليارات شيكل سنويا (نحو 2.6 مليار دولار)، موضحا أن قطاع الأمن يستحوذ على 37% من الرواتب، والتعليم 33%، والصحة 11%، في حين تستمر الأزمة المالية بلا أفق واضح للحل. وفي رسائل إلى قادة العالم أول أمس الأحد قال الرئيس الفلسطيني محمود عباس إن السلطة "تتعرض لحصار مالي واقتصادي غير مسبوق (..)، في محاولة واضحة لتقويض عمل الحكومة الفلسطينية وشل قدرتها على الوفاء بالتزاماتها تجاه شعبنا". لا قدرة على الاستمرار وفي تعليقة على لجوء الحكومة إلى التقليص، قال أسامة النجار نقيب الطب المخبري رئيس اتحاد نقابات المهن الصحية للجزيرة نت إن الموظفين حاولوا التكيف مع الواقع الموجود بحيث يستمرون في تقديم الخدمة ويحافظون على حياتهم الكريمة على الأقل بالحد الأدنى، وذلك من خلال تقليص أيام العمل والدوام في أيام عمل أخرى مع عدم انقطاع الخدمة عن المواطنين. لكنه أضاف أن "هذا الأمر لن يستمر طويلا، لأن قدرة الموظفين على الاحتمال وصلت الحد الأقصى، بعد مضي 45 شهرا لم يتلقوا فيها رواتبهم إنما أجزاء من الراتب، في ظل التزامات مالية متراكمة كبيرة جدا". ولا يرى النجار أفقا لحل الأزمة في المدى المنظور "سواء لدى الحكومة أو لدى العالم بأجمعه في ظل استمرار إسرائيلي في حجز المقاصة وحربها على كل شيء فلسطيني". وحذر النقابي الفلسطيني من أن استمرار الأزمة "يلقي بظلال سوداء وكبيرة جدا على وزارة الصحة والخدمات الصحية المقدمة للمواطنين أيضا". مأساة حقيقية وقال النجار "نحن مقبلون خلال فترة قريبة على مأساة حقيقة في القطاع الصحي إذا لم يتدخل العالم لحل هذه الأزمة وإعادة الأموال للشعب الفلسطيني، وعودة الخدمات الصحية بشكل منتظم ومستمر لشعبنا". ولفت إلى أن الضائقة المالية جعلت موظفين في القطاع الصحي لا يجدون أجرة المواصلات إلى أماكن العمل أو ثمن علبة حليب لأطفالهم، مضيفا "حتى الطبيب في عيادته الخاصة لم يعد يزوره مرضى لعدم على دفع الكشفية لانعدام السيولة بين أيدي الناس". وأشار النجار إلى أن فكرة تقليص الدوام بدأت في عهد حكومة محمد اشتية قبل سنوات، ولجأت إليه مختلف النقابات بحيث أصبح الدوام بواقع 3 أيام بدل 5 حتى لا تنقطع الخدمة عن المواطنين، وبالتالي التقليص أصبح واقعا موجودا، وتطالب الحكومة اليوم رؤساء الدوائر الحكومية بتنظيم الأمر بما يضمن استمرار تقديم الخدمات. وفي الخلاصة، قال النقابي الفلسطيني "نحن لا نعرف إلى متى سنستمر، وما الأفق الذي يمكن أن يستمر الصمود فيه إذا لم يجد تدخلا كبيرا جدا لحل هذا الموضوع بشكل إيجابي". دور ووظيفة السلطة في قراءته للمشهد الفلسطيني في ظل هذه التقليصات والحد الأدنى من الدوام، يرجح المحلل السياسي سليمان بشارات أن تطول الأزمة الاقتصادية ومعها أزمة الرواتب، معتبرا أنها تتعلق بمستقبل السلطة الفلسطينية. وأضاف بشارات أن افتعال الأزمة بحجب المقاصة "مرتبط برؤية إسرائيلية لشكل العلاقة المستقبلية مع القضية الفلسطينية ومع الفلسطينيين، والدور الوظيفي المستقبلي المطلوب من السلطة الفلسطينية القيام به". ويوضح أن التوجه هو أن يكون دور السلطة في المستقبل المنظور "خاليا من أي مظلة سياسية أو مسمى سياسي، ويقتصر على دور خدماتي إداري بحت، ولهذا السبب ستعاني السلطة بشكل كبير جدا، وربما سترضخ تحت الضغوط الاقتصادية والمالية والسياسية وتحت عنوان الإصلاح وتلجأ إلى إعادة هيكلة الكثير من المؤسسات السياسية حتى تكون ضمن المطلب الذي يرغب فيه الإسرائيليون والغربيون والولايات المتحدة الأميركية وبعض الدول العربية". وقال إن "السلطة الفلسطينية بمفهومها السياسي على حافة التغيير، وإعادة بناء مسمى جديد للسلطة الفلسطينية خال من المظلة السياسية". ولا يستبعد بشارات أن يكون غرض تقليص الدوام رسالة من الحكومة الفلسطينية للدول الأوروبية والداعمة للسلطة كي تفي بالتزاماتها والتدخل لسد العجز المالي. وفي الوقت ذاته، يستبعد أن تؤدي إدارة الحكومة للأزمة إلى نتائج مرضية "لأنه حتى الموظف نفسه فقد الثقة بطبيعة ورؤية الحكومة".


الجزيرة
منذ 4 أيام
- الجزيرة
كيف تدهورت أحوال الخطوط الجوية الليبية لتعمل بطائرتين فقط؟
طرابلس- تُمثل شركات الطيران الوطنية ركيزة أساسية في إبراز قوة الدولة وفاعلية قرارها وقدرتها على الحضور الجيوسياسي، و ليبيا ليست بمنأى عن هذه القاعدة، غير أن شركة الخطوط الجوية الليبية الناقل الوطني الأقدم في البلاد، والتي تأسست عام 1964 وارتبط اسمها يوما ما بأكثر من 25 وجهة دولية وإقليمية عبر أسطول تجاوز 17 طائرة، لم يتبق من حضورها اليوم سوى رمزية باهتة تتجسد بطائرتين بالكاد تعملان. وفي مطلع يوليو/تموز الجاري، أعلنت الشركة مرورها بضائقة مالية وصفتها بغير المسبوقة، وسط تداول أنباء حول حقيقة إفلاسها، وهو ما دفع الجزيرة نت لفتح ملف الشركة واستجلاء آراء الخبراء السياسيين والاقتصاديين حول مستقبلها وقطاع الطيران في ليبيا برمته. بدوره، أوضح المتحدث باسم الخطوط الجوية الليبية أحمد الطيرة، للجزيرة نت، أن الشركة لا تمر بحالة إفلاس كما يُشاع، بل تواجه أزمة مالية مزمنة جراء الحروب المتوالية منذ 2011، مما أسفر عن تدمير معظم أسطولها المكوّن من 17 طائرة، ولم يتبقَّ منه سوى طائرتين فقط، وبالتالي تقلص عدد الوجهات إلى 3 فقط. انهيار هيكلي بالمقابل، يرى الخبير في النقل الجوي والطيران المدني محمد عيسى أن ما يمر به الطيران الليبي منذ 14 عاما ليس مجرد تراجع عارض نتيجة الحرب فقط وإنما تعود أسبابه للانهيار الهيكيلي العميق الذي مسّ بنية الشركة الإدارية والمالية والتنظيمية. وشخّص عيسى للجزيرة نت أسباب الأزمة في غياب الحوكمة وتسييس القرار، بالإضافة إلى افتقار الإدارات المتعاقبة للحد الأدنى من المهنية والكفاءة، مما رسَّخ الفوضى الإدارية داخل الشركة. وأشار عيسى إلى أن الشركة لم تتخذ أي إجراءات قانونية أو إدارية لمطالبة الدولة بتعويضات عن الأضرار التي لحقت بها نتيجة الحروب، رغم تعهدات رسمية سابقة بتحمّل أخطار الحرب، عدا عن عدم تقديمها أي دعوى قضائية ولا حتى مذكرات قانونية. إعلان ولفت عيسى إلى أن هذا القصور يتجاوز حدود الشركة نفسها ليشمل الشركة الليبية الأفريقية القابضة، وهي المالكة للخطوط الجوية الليبية، والتي اكتفت بالمراقبة دون تحمّل أدنى مسؤولية، ولم تسدد ما تبقى من رأس مال الشركة الذي يزيد على 563 مليون دينار (حوالي 104.26 ملايين دولار)، مما حرم الأخيرة من القدرة على صيانة أسطولها أو تشغيل طائراتها المتوقفة. عوامل سياسية من جهته، قال المحلل السياسي إلياس الباروني، للجزيرة نت، إن أزمة الخطوط الجوية الليبية تعبّر عن عمق التشظي السياسي والمؤسسي الذي تمر به الدولة، موضحا أن ما يظهر كأزمة تشغيل أو نقص تمويل ما هو إلا انعكاس مباشر لغياب مركزية القرار وتعدد الحكومات، مما أدى إلى تآكل البنية الإدارية والرقابية في مؤسسات النقل الجوي. وأشار الباروني إلى أن تعدد الأجسام الإدارية المتحكمة في قطاع الطيران، وتحوله إلى مساحة للمحاصصة وتوزيع النفوذ، عطّل فاعلية المؤسسات وفتح المجال لتمدد الفساد في غياب منظومة رقابة ومحاسبة حقيقية. وهذا الفراغ الرقابي ترافق مع غياب رؤية وطنية موحّدة تنظم القطاع ضمن خطة سيادية، مما أفقده قدرته على الاستجابة للتحديات واحتياجات السوق. وأوصى الباروني بضرورة الشروع في خطوات تأسيسية تتجاوز الأزمة التقنية، وتشمل: توحيد المؤسسات السيادية وإنهاء حالة الانقسام السياسي لضمان مرجعية واحدة. ربط شركات الطيران المدني بهيئة وطنية مستقلة تتمتع بالكفاءة و الشفافية. وضع سياسة عامة تنظم قطاع النقل الجوي ضمن رؤية اقتصادية ومؤسسية واضحة. إعداد إستراتيجية عشرية لتأهيل وتحديث البنية التحتية وتوسيع شبكة الخطوط. في حين طالب المتحدث باسم الخطوط الجوية الليبية، أحمد الطيرة، الدولة الليبية -حكومة ومؤسسات- بتحمل المسؤوليات تجاه الأضرار التي لحقت بالشركة نتيجة الحرب، وتعويضها عن خسارة طائراتها المدمّرة. كما اقترح تسهيل حصول الشركة على العملة الصعبة من المصرف المركزي بالسعر الرسمي بدل السوق الموازي، لما لذلك من أهمية في صيانة الأسطول المتضرر وإعادة تأهيله. خسارة الفرص وعن الموقف الحكومي حيال الأزمة، أوضح وكيل وزارة المواصلات في حكومة الوحدة، وسام الإدريسي، للجزيرة نت، أن الوزارة شرعت بتنفيذ برنامج إعادة هيكلة شامل يهدف لإنقاذ الشركة عبر تقليص الملاك الوظيفي بإحالة 1670 موظفا إلى وزارتي العمل والخدمة المدنية لإطلاق التقاعد المبكر، مع دعم صرف المرتبات المتأخرة وبرامج الصيانة لضمان استمرارية التشغيل. وأضاف أن الوزارة تتابع ملف الديون والتعويضات بالتنسيق مع الجهات العليا، مشيرا إلى التنسيق مع وزارة المالية لتوفير إعفاءات جمركية على قطع الغيار وللحصول على دعم مباشر لسعر وقود الطائرات. من جهته، حذّر خبير الطيران محمد عيسى من الانعكاسات المصاحبة لانهيار أقدم ناقل وطني في البلاد، حيث إن تقلُّص عدد الطائرات القابلة للتشغيل وتراجع الوجهات نتج عنه ارتفاع أسعار التذاكر، إضافة إلى خسارة فرص اقتصادية وسياحية، وتآكل صورة الدولة الليبية خارجيا نتيجة انكماش ناقلها الوطني. وحمّل عيسى الإدارة التنفيذية للخطوط الليبية ومعها الشركة القابضة مسؤولية التقاعس عن اتخاذ أي خطوات إستراتيجية جادة سواء عبر إعادة الهيكلة أو التصفية أو طرح حلول قانونية ومالية ضمن صلاحياتها. وخلص الخبير عيسى إلى أن إنقاذ الخطوط الليبية لا يكون عبر إنفاق مالي جديد أو شراء طائرات فقط، وإنما إصلاحات جذرية داخلية تتضمن: حوكمة إدارية قائمة على الكفاءة والنزاهة. فصل قرار التشغيل عن النفوذين السياسي والمسلح. إعادة تنظيم العلاقة القانونية مع الزبون. مساءلة حقيقية لأداء القابضة وسلوكها المتراخي في دعم شركاتها التابعة.