
أوروبا في مرمى الغاز القطري: هل يدفع المواطن الأوروبي ثمن قانون الاستدامة؟
القانون الأوروبي الذي أثار غضب الدوحة هو جزء من منظومة "التصنيف الأخضر" التي دخلت حيّز التنفيذ في حزيران/يونيو 2024، وتهدف إلى توجيه التمويل نحو مشاريع تساهم في تحقيق الحياد الكربوني. إلا أنّ تصنيف الغاز كمصدر طاقة غير مستدام أدّى إلى تقييد تمويل مشاريع توسعة إنتاجه، ما يضرّ بمصالح الدول المصدّرة وفي مقدّمها قطر، التي استثمرت أكثر من 45 مليار دولار في تطوير بنيتها التحتية لزيادة إنتاج الغاز المُسال إلى 126 مليون طن سنويّاً بحلول عام 2027، مقارنةً بـ77 مليون طن حاليّاً.
قطر اليوم تزوّد أوروبا بما يقارب 16 في المئة من وارداتها من الغاز الطبيعي المُسال، أي ما يعادل نحو 18 مليار متر مكعب سنويّاً. وهذه الكمية تشكّل شرياناً حيويّاً للقارّة العجوز، ولاسيّما في أعقاب أزمة الطاقة التي سبّبها الحظر المفروض على الغاز الروسي. وإذا قرّرت الدوحة تنفيذ تهديدها، قد تكون العواقب وخيمة على الأوروبيّين. بحسب تقديرات خبراء، قد يؤدّي أي نقص مفاجئ في الإمدادات القطرية إلى ارتفاع أسعار الغاز بنسبة 35 في المئة خلال الأشهر الثلاثة الأولى من الأزمة، وارتفاع فواتير الكهرباء للمستهلكين بنسبة 20 في المئة على الأقل، إلى جانب اضطراب في عمل الصناعات الثقيلة التي تعتمد على الغاز كمصدر طاقة أساسي.
لكن هل تستطيع أوروبا فعلاً الاستغناء عن قطر؟ من الناحية النظرية، ثمة بدائل متاحة. إلا أنّ السوق العالمية للغاز الطبيعي المُسال ضيّقة، ولا يتوافر فيها فائض يمكن توجيهه بسهولة. الولايات المتحدة برزت في السنوات الأخيرة كمصدّر رئيسي، بل أصبحت عام 2023 أكبر مصدّر للغاز المُسال بإجمالي صادرات تجاوز 88 مليون طن. وقد جرى توجيه ما يزيد على 55 في المئة من هذه الكمية إلى أوروبا بعد بدء الحرب في أوكرانيا. لكن قدرة الولايات المتحدة على زيادة الصادرات تراجعت بعد قرار إدارة بايدن تعليق إصدار تصاريح تصدير جديدة لدواعٍ بيئية. وهذا ما يُقيّد قدرتها على أداء دور المُنقذ مجدّداً بانتظار صدور تصاريح تصدير جديدة بعد إلغاء إدارة ترامب قرار التعليق.
أما الجزائر، فهي تُعَدّ خياراً طبيعيّاً بحكم الجوار الجغرافي، وهي تزوّد أوروبا بنحو 30 مليار متر مكعب سنويّاً من الغاز، عبر خطوط أنابيب تمرّ بإيطاليا وإسبانيا. لكن الجزائر تواجه تحدّيات كبيرة تتعلّق ببُنيتها التحتية المتقادمة، وبحاجتها لاستثمارات تتراوح بين 15 و20 مليار دولار لرفع قدرتها الإنتاجية والتصديرية. كذلك تعتمد البلاد على محطتين لتسييل الغاز، في أرزيو وسكيكدة، لكن الأخيرة لا تعمل حاليّاً بكامل طاقتها. يُضَاف إلى ذلك أنّ العلاقات السياسية المتقلّبة بين الجزائر وبعض العواصم الأوروبية قد تُعقّد أي شراكة بعيدة الأجل في قطاع الطاقة.
خارج الجزائر، تبدو البدائل محدودة. تمتلك نيجيريا احتياطات هائلة من الغاز، لكن منشآتها تعاني من اضطرابات أمنيّة وهجمات مسلّحة متكرّرة، ما يحدّ من استقرار الإمدادات. مصر بدورها سجّلت تراجعاً في صادرات الغاز بنسبة 40 في المئة عام 2024 بسبب زيادة الاستهلاك المحلي وانخفاض الإنتاج من حقول البحر المتوسط. وقد تنظر أوروبا في توقيع عقود بعيدة الأجل مع دول بعيدة مثل أستراليا أو ترينيداد وتوباغو أو أنغولا، لكن هذه الخيارات تتطلّب وقتاً طويلاً للاستعداد اللوجستي وتحمُّل كلفة شحن مرتفعة.
الواقع أنّ قطر تحتفظ بأوراق قوّة استثنائية في سوق الغاز، فهي تمتاز بأقلّ كلفة إنتاج عالميّاً، ولديها أسطول نقل حديث ومنشآت تسييل متطوّرة. كذلك ترتبط بعقود بعيدة الأمد مع شركاء كبار في آسيا مثل الصين والهند وكوريا الجنوبية، ما يمنحها بعض الهامش لإعادة توجيه شحناتها في حال تصعيد الخلاف مع أوروبا. وإذا قرّرت قطر إعادة تخصيص كميات أكبر من إنتاجها إلى الأسواق الآسيوية، ستدفع أوروبا الثمن باهظاً على صعيدي الأسعار وأمن الإمدادات.
في المحصّلة، يضع التهديد القطري أوروبا أمام معادلة صعبة: إمّا الالتزام بأجندتها الخضراء بكلّ ما يترتّب عليها من تبعات اقتصاديّة، أو التراجع التكتيكي عن بعض بنود قانون الاستدامة لضمان تدفّق الطاقة قبل شتاءٍ قارس. وبين التمسّك بالمبادئ البيئية والواقعيّة الجيوسياسية، يبدو أنّ نزاع الغاز في طريقه للتحوّل إلى ساحة جديدة للتضارب في المصالح بين الشمال والجنوب.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الديار
منذ 23 دقائق
- الديار
عون في الجزائر... أبعاد استراتيجيّة ومؤشرات سياسيّة
اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب في ظل المشهد الإقليمي والدولي الراهن، الذي يتسم بتعقيدات متزايدة وتحديات جيوسياسية متداخلة، اتت زيارة رئيس الجمهورية جوزاف عون إلى الجزائر، لتُشكل محطةً سياسيةً ذات أهمية بالغة، حيث ألقت بظلالها على مجموعة من القضايا الاستراتيجية، التي تلامس عمق التحديات التي تواجهها المنطقة ككل، ولبنان تحديداً، في لحظة فارقة يشهد فيها الشرق الاوسط تحولات جذرية، وتزامناً مع أزمات داخلية وخارجية ضاغطة على الكيان اللبناني، حيث تبرز هذه الزيارة كمؤشر سياسي على رغبة بيروت في إعادة تفعيل دورها، وتوسيع شبكة دعمها، وتأكيد مكانتها ضمن المنظومة العربية الأوسع، مستندة إلى علاقة راسخة مع دولة محورية كالجزائر. في هذا الاطار، تكشف مصادر ديبلوماسية ان زيارة الجزائر تشكل نقلة نوعية في الرحلات التي يقوم بها الرئيس اللبناني، خصوصا ان الدولة الافريقية المعنية، تصنف من دول "الممانعة" والمحور العربي المناهض لسياسات الغرب والولايات المتحدة الاميركية تحديدا، ما جعلها تؤدي دورا محوريا واساسيا في مجال مقاومة "اسرائيل" والتطبيع من جهة، ودعمها "للمقاومات" المختلفة في المنطقة سياسيا وحتى احيانا عسكريا من جهة اخرى. تحت هذه العناوين تقرأ المصادر الزيارة، التي قد تشكل محاولة لبنانية لكسر الحصار الاقتصادي والسياسي الذي تعاني منه بيروت، خصوصا في مجالي اعادة الاعمار، حيث سبق للرئيس الجزائري ان اعلن عن مساهمة بقيمة 200 مليون دولار في هذا الخصوص، وكذلك على صعيد ملف الطاقة والكهرباء تحديدا، بعدما اقفلت كل الابواب امام لبنان بقرار اميركي واضح، مع العرقلة المتعمدة لايصال الغاز المصري واستجرار الكهرباء من الاردن، ومع بقاء الاهتمام الخليجي في الاستثمار في مجال الطاقة، مجرد وعود لم ترق بعد الى مستوى التنفيذ العملي. ورأت المصادر انه في حال نجح لبنان في تخطي العقبات الثنائية، التي قد تعيق تطور العلاقة بين البلدين على صعيد الطاقة والغاز والنفط، نتيجة ملف شركة "سوناطراك" العالق قضائيا في لبنان، والذي توليه القيادة الجزائرية اهتماما خاصا، نظرا الى ارتباط الشركة بالامن الاقتصادي للبلاد، فان بيروت ستكون قد نجحت جزئيا في كسر الحصار الكهربائي المفروض عليها، مع ما سيستتبعه ذلك من تخفيف الفاتورة النفطية مع العراق، والتي قاربت المليار ونصف المليار الدولار، والتي تستحق قريبا بعد الانتخابات التي تنتظرها بغداد. اوساط مواكبة للزيارة اشارت الى انها تُشكّل محطة أساسية في مسار العلاقات الثنائية بين بيروت والجزائر سياسيا واقتصاديا وأمنيا ، وذات أبعاد استراتيجية ومؤشرات سياسية متعددة، حيث يمكن ادراج اهم هذه الأبعاد والمؤشرات: - تعزيز "العمق الاستراتيجي" للبنان: اذ أكد الرئيس عون أن "الجزائر تمثل عمقا استراتيجيا مهما للبنان في المحيط العربي والأفريقي"، وهي عبارة تحمل دلالات كبيرة، حيث يسعى لبنان، الذي يعاني من ضغوط إقليمية وتدخلات خارجية، إلى تعزيز علاقاته مع دول عربية كبرى وذات ثقل مثل الجزائر، التي يمكن أن تكون شريكا حيويا للبنان في الحفاظ على سيادته واستقراره. - تنويع مصادر الدعم والتعاون: في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يواجهها لبنان، الساعي إلى تنويع مصادر الدعم والتعاون، فالجزائر، بوضعها الاقتصادي المستقر نسبياً ومواردها الطبيعية (خاصة الطاقة)، تمثل شريكا استراتيجيا محتملا يمكن أن يقدم يد العون في مجالات حيوية مثل إعادة الإعمار، والطاقة (نفط وغاز)، والاستثمار. - دعم جزائري غير مشروط لإعادة الإعمار: لعل أبرز مؤشر سياسي للزيارة هو تركيز الرئيس عون على "المساعدة في إعادة إعمار ما خلفته الاعتداءات والحروب الأخيرة" في لبنان. وقد أشارت التقارير إلى استعداد الجزائر لتقديم دعم ملموس في هذا الصدد، بما في ذلك إمكان إرسال بواخر نفط كهبة، وتكليف لجنة مهندسين جزائريين للكشف الميداني على الأضرار. هذا الدعم الجزائري يرسل رسالة قوية حول التزام الجزائر بمساندة لبنان في محنته، بعيداً عن أي شروط أو أجندات سياسية ضيقة. - التعاون العسكري والأمني: من خلال اللقاءات التي جمعت عون بمسؤولين في وزارة الدفاع الجزائرية، حملت مؤشرات على نية توسيع التعاون الأمني والعسكري، خاصة على صعيد التدريب وتبادل الخبرات في مكافحة الإرهاب وحماية الحدود، كما طُرحت فكرة دعم الجزائر للبنان في ملفات تخصّ المعدات غير الفتاكة، والمساعدات اللوجستية للجيش اللبناني. وكانت الجزائر قد قدمت مساعدات "مهمة" عام 1991 للجيش اللبناني، تحت قيادة العماد اميل لحود. عليه، يمكن القول إن زيارة رئيس الجمهورية إلى الجزائر ليست مجرد زيارة بروتوكولية، بل هي خطوة استراتيجية تحمل في طياتها مؤشرات سياسية مهمة، لتعزيز الشراكة بين لبنان والجزائر، ولإعادة تفعيل دور لبنان في محيطه العربي، ولحشد الدعم اللازم لمواجهة التحديات الراهنة، ما يطرح السؤال الاهم: ماذا سيكون عليه موقف واشنطن التي تقود حملة "محاصرة" لبنان؟ وهل تنجح في عرقلة تحويل الوعود الجزائرية الى افعال؟


صوت بيروت
منذ 41 دقائق
- صوت بيروت
أسهم أوروبا تغلق دون تغير مع تقييم تأثير الرسوم الأمريكية على الأرباح
أغلقت الأسهم الأوروبية دون تغير يذكر، اليوم الأربعاء، مع تقييم المستثمرين تأثير الرسوم الجمركية على أرباح الشركات بعد أن أشارت مؤسسات كبرى مثل أديداس وبورشه وأستون مارتن إلى ارتفاع محتمل في الأسعار في الولايات المتحدة. وترقب المستثمرون بفارغ الصبر الجولة الأخيرة من توقعات الشركات إذ أن هذه أول تقارير فصلية تصدر منذ أن طغت حالة الضبابية التجارية على الأسواق. واستقر المؤشر ستوكس 600 الأوروبي عند 550.24 نقطة، وكان قطاع السيارات الأكثر تضررا خلال اليوم. وانخفض سهم بورشه 1.6 بالمئة وهوى سهم أستون مارتن 10 بالمئة بعد أن أعلنتا رفع أسعار سياراتهما المصدرة إلى الولايات المتحدة نتيجة للرسوم الجمركية. كما هبط سهر مرسيدس بنز الألمانية 3.4 بالمئة بعد أن قدرت شركة صناعة السيارات تأثير التعريفات الجمركية بنحو 420 مليون دولار. وحذرت أديداس أيضا من أنها قد تضطر إلى رفع الأسعار في الولايات المتحدة بعد أن ذكرت أن الرسوم الجمركية الأمريكية ستزيد تكاليف النصف الثاني بنحو 200 مليون يورو (231 مليون دولار). وخسر سهم العلامة التجارية للملابس الرياضية 11 بالمئة. ومع ذلك، يتوقع المحللون على نطاق واسع أن يتحسن وضع الشركات بعد أن توصلت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى اتفاق لخفض الرسوم الجمركية إلى 15 بالمئة على سلع التكتل، وهو ما ساهم في تجنب حرب تجارية أوسع نطاقا. وقال ألبرتو ماتيلان المدير العام لشركة لا فينانسيير الفرنسية لإدارة الأصول 'فوجئت شخصيا من مدى تكيف (الشركات الأوروبية) بسرعة كبيرة مع هذا السياق الجديد.. ربما تكون الرسوم الجمركية هي الدافع للتكيف بشكل أسرع مع التحول العالمي الذي سيحدث على أي حال'. إلا أن الرسوم أعلى بكثير مما كانت عليه في وقت سابق من هذا العام، ولم تُحدد بعد الرسوم على بعض القطاعات مثل المشروبات. في غضون ذلك، ارتفعت أسهم البنوك لليوم الثاني على التوالي وسجلت أعلى مستوياتها منذ أوائل عام 2010. وتقدم سهم بنك يو.بي.إس السويسري 1.1 بالمئة بعد أن أعلن زيادة أرباحه في الربع الثاني بأكثر من المثلين مقارنة مع العام الماضي. لكن سهم إتش.إس.بي.سي هولدنجز هبط 3.8 بالمئة بعدما جاءت الأرباح قبل حساب الضرائب في النصف الأول من العام دون التقديرات. وتراجعت أسهم الكيماويات 1.7 بالمئة. وتترقب الأسواق العالمية الآن قرار السياسة النقدية المتوقع أن يصدره البنك المركزي الأمريكي اليوم.


صوت بيروت
منذ 41 دقائق
- صوت بيروت
مقابل 3.8 مليار يورو.. "تاتا موتورز" الهندية توافق على شراء "إيفيكو" الإيطالية
وافقت شركة تاتا موتورز الهندية على شراء شركة إيفيكو الإيطالية لصناعة الشاحنات والحافلات من خلال عرض نقدي بالكامل قيمته 3.8 مليار يورو (4.4 مليار دولار). وقالت الشركان في بيان اليوم الأربعاء إن عملية الشراء لن تشمل أعمال إيفيكو الدفاعية، والتي وافقت المجموعة التي تسيطر عليها عائلة أنييلي الإيطالية، على بيعها إلى شركة ليوناردو الإيطالية المدعومة من الدولة الإيطالية في صفقة أخرى أُعلن عنها اليوم الأربعاء. ووافقت إكسور، وهي شركة استثمارية تابعة لعائلة أنييلي، على تسليم حصتها المسيطرة البالغة 27 بالمئة في إيفيكو إلى تاتا. وقالت تاتا وإيفيكو 'سيجمع هذا العرض شركتين تتمتعان بمجموعتي منتجات وقدرات متكاملتين للغاية، دون أي تداخل يذكر في تأثيرهما الصناعية والجغرافية'. وستتمتع المجموعة المدمجة بحضور عالمي قوي، بمبيعات تتجاوز 540 ألف وحدة سنويا وإيرادات تقارب 22 مليار يورو.