logo
الحرب على إيران تأخذ منحى تصاعديًا.. هل من أفق لإنهائها؟!

الحرب على إيران تأخذ منحى تصاعديًا.. هل من أفق لإنهائها؟!

ليبانون 24منذ 5 ساعات

عندما شنّت إسرائيل هجومها على إيران فجر الجمعة، كان واضحًا أنّ الأمر مختلف عن كلّ الضربات السابقة، فحجمه كان كافيًا للدلالة على أنّ الأمر أكثر من مجرّد "رسالة" ترغب تل أبيب بإيصالها لطهران، أو حتى محاولة للتدخّل في المفاوضات النووية بين الولايات المتحدة وإيران، كما أنّ مستوى ونوع الاغتيالات التي طالب كبار القادة العسكريين والعلماء النوويين، لم يكن بالإمكان أن يفسَّر سوى على أنّه "إعلان حرب" بأتمّ معنى الكلمة.
ومع أنّ المسؤولين الإسرائيليّين كانوا واضحين بكلامهم عن "جولة افتتاحية"، وليس عن مجرد "هجوم" يُضاف إلى غيره، ما فُسّر على أنّه تمهيدًا لمعركة طويلة، في سياق معارك "طوفان الأقصى" المتنقّلة، إلا أنّ الانطباع الذي ساد حينها لم يصل لحدّ التكهّن بحربٍ بأتمّ معنى الكلمة، بل كان الاعتقاد بأنّ المعركة ستدوم أيامًا في حدّها الأقصى، تنتزع بموجبها الولايات المتحدة أوراق قوة توظّفها في المفاوضات النووية، لفرض الشروط على إيران.
وعلى الرغم من أنّ إسرائيل حاولت "استنساخ" تجربة حربها ضدّ " حزب الله" إيرانيًا، في ظلّ الكثير من نقاط التشابه والتقاطع، خصوصًا على مستوى الاغتيالات لقادة الصف الأول، إلا أنّ الوقائع على الأرض بدت مختلفة، فأخذت المعركة منحى تصاعديًا، بدت معه إيران كمن "استوعب" صدمة الضربة الأولى، التي لم تكن "قاضية" كما خُطّط لها، فهل من أفق لهذه الحرب، وإلى أيّ مدى يمكن أن تتوسّع أكثر؟!
الواضح حتى الآن، أنّ هذه الحرب لا تشبه أيًا من الحروب أو الضربات السابقة، سواء تلك التي تواجه فيها الإيرانيون والإسرائيليون بشكل مباشر، والتي كانت في أغلبها ضربات "محدودة"، بل "شكليّة" برأي كثيرين، أو تلك التي تواجهوا فيها بشكل غير مباشر، من خلال القوى والأطراف المحسوبة على إيران، أو من يصنّفون في مكانٍ ما على أنّهم "وكلاؤها" في المنطقة، وفي مقدّمتها "حزب الله" الذي خاض عدّة حروب في وجه إسرائيل.
وإذا كانت إسرائيل بادرت إلى شنّ هذه الحرب، فإنّ الواضح أنّها تخلّت معها عن كلّ "الخطوط الحمراء"، وهو ما أظهره المنحى التصاعدي للهجمات منذ يوم الأمس، فصحيح أنّ الجولة الافتتاحية كانت صادمة ومباغتة، إلا أنّ الضربات التي أعقبتها لم تقلّ شأنًا، وصولاً إلى استهداف مبنى التلفزيون الإيراني بعد ظهر الإثنين، وهو الذي حمل رسالة واضحة مفادها أنّ كل المؤسسات الإيرانية في مرمى الاستهداف، بما في ذلك ما يصنّف على أنه منشآت مدنية.
في المقابل، يبدو أنّ الإيرانيّين أيضًا تخطّوا "صدمة" الهجوم الأول، وانتقلوا إلى التصعيد والهجوم، وهو ما تجلّى في الهجمات الصاروخية التي استهدفوا من خلالها مواقع عدّة في إسرائيل ، وخصوصًا في تل أبيب، لدرجة أن مشهد الدمار في إسرائيل بات أخيرًا منتشرًا، كما لم يكن على امتداد الجبهات التي فُتِحت منذ معركة "طوفان الأقصى"، وهو ما أدّى إلى تدخّل الرقابة العسكرية، لمنع النشر في الكثير من الأحيان، وهو ما بدا لافتًا للانتباه.
السيناريوهات والاحتمالات
هكذا، يبدو واضحًا أنّ الحرب على إيران، أو ربما ما يمكن تسميتها بالحرب الإسرائيلية الإيرانية، باعتبار أنّها لم تعد من طرف واحد كما بدأت على الأقلّ، رغم اعتبار البعض أنّ "التوازن" مفقود بين ضربات الطرفين، مفتوحة على كلّ السيناريوهات والاحتمالات، وسط مخاوف تبدو مشروعة من أن تتوسّع أكثر، وتنزلق بالمنطقة برمّتها إلى أتون لا أحد يرغب به، خصوصًا إذا ما أصبحت "حربًا نووية" بأتمّ معنى الكلمة.
يقول العارفون إنّ المنحى "التصاعدي" الذي أخذته المواجهة في اليومين الماضيين يمكن أن يُفهَم بالاتجاهين، فهو يمكن أن يعني المضيّ بالمعركة حتى النهاية مهما كان الثمن، وهو ما يلمّح إليه الإسرائيليون، الذين بدأوا باكرًا بالتلويح بإعلان "النصر"، مع التحرّر من كلّ القيود، حتى إنّ الحديث عن احتمال اغتيال المرشد الأعلى السيد علي خامنئي لم يعد من "المحرّمات" في خطابهم، بل ثمّة من يوحي بأنّه سيكون "الضربة القاضية" على النظام الإيراني ككلّ.
وإذا كان هناك من يعتقد أنّ الهدف الإسرائيلي شبه المُعلَن بالقضاء على النظام، سيشرّع توسعة الحرب إلى أقصى الحدود، ثمّة من يرى أنّ كلّ ذلك يندرج في خانة "الإعداد" للعودة إلى طاولة المفاوضات، متى نضجت مقوّماتها، علمًا أنّ التسريبات عن طلب إيراني بالضغط على إسرائيل لوقف الحرب، لا تبدو بريئة، كما "مفارقة" تزامنها مع تهديدات إيرانية وصلت إلى الذروة، في تكتيك يمكن أن يُفهَم على طريقة " العين بالعين"، ولكن أيضًا وفق منطق "الردع الاستراتيجي".
لعلّها الحرب الأكبر وقعًا منذ انطلاق معركة "طوفان الأقصى"، بكلّ محطّاتها، من غزة إلى لبنان مرورًا باليمن، بل هناك من يعتبرها المعركة الحاسمة والفاصلة، التي مهّدت لها المعارك السابقة، وقد أضحت قصّة "حياة أو موت" بالنسبة لإسرائيل وإيران على حدّ سواء، فالأولى تتحدّث عن "تغيير وجه الشرق الأوسط"، والثانية تدرك أنّ المخطّط هو إسقاط النظام، وهو ما ستواجهه مهما كان الثمن، وهنا بيت القصيد!

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

'تجمع العلماء': تهديد العدو بقتل السيد الخامنئي دليل إفلاس وفشل ومن يقرر إيقاف المعركة هو الجمهورية الإسلامية
'تجمع العلماء': تهديد العدو بقتل السيد الخامنئي دليل إفلاس وفشل ومن يقرر إيقاف المعركة هو الجمهورية الإسلامية

المنار

timeمنذ ساعة واحدة

  • المنار

'تجمع العلماء': تهديد العدو بقتل السيد الخامنئي دليل إفلاس وفشل ومن يقرر إيقاف المعركة هو الجمهورية الإسلامية

رأى 'تجمع العلماء المسلمين' في بيان اثر الاجتماع الأسبوعي لهيئته الإدارية، أن 'العدو الصهيوني بإعلان حربه على الجمهورية الإسلامية الإيرانية قد ارتكب حماقة كبرى ستكون سببا في زوال كيانه، وهذا ليس تنجيما ولا تحليلا انطلاقا من أمنيات، بل هو دراسة لسنن التاريخ التي دلت على أن لكل ظالم نهاية، وأن إيران صاحبة الحضارة الكبرى الضاربة في التاريخ، لا تستطيع أي دولة مهما علا شأنها أن تنال من عزتها وكرامتها، أو أن تحتل أرضها أو تكرهها على القبول بالتنازل عن حقوقها التي من ضمنها أن تمتلك كل التقنيات الضرورية للتقدم في المجالات العلمية'. ولفت إلى أن 'التهديد بالقتل والاغتيال للولي الفقيه الإمام آية الله العظمى السيد علي الخامنئي من قبل العدو الصهيوني هو دليل إفلاس وفشل، وهم يظنون انهم بقتل القادة سيكسبون المعركة وستنهزم الأمة، في حين ان التاريخ اثبت انه كلما استشهد منا قائد قام قائد مكانه وحمل الراية واستمر بقيادة الأمة أو الجماعة نحو الهدف المنشود وهو زوال الكيان الصهيوني'. وأشار البيان الى أنهم 'بالأمس القريب اغتالوا سماحة سيد شهداء الامة السيد حسن نصر الله ومن بعده السيد الهاشمي السيد هاشم صفي الدين فهل أثر ذلك على حزب الله؟ او هل دفعه ذلك للاستسلام؟ ام انه ما زال متمسكا بنهجه ومقاومته وسلاحه حتى يؤمن للوطن الحماية من الأطماع الصهيونية، وقد اغتال العدو الصهيوني قادة كبارا من الحرس الثوري الاسلامي بينهم القائد الشهيد حسين سلامي ورفاقه من القادة، ولكن لم يستطع الكيان الصهيوني ان ينال من عزيمة الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وقام سماحة الإمام السيد علي الخامنئي بملء الفراغات بتكليف أشخاص آخرين حملوا الراية وتابعوا المسيرة، ليصْدق فينا قول إمامنا الإمام الخميني (قدس الله سره الشريف): 'اقتلونا فإن شعبنا سيعي أكثر فأكثر'. وأكد أنه 'على العدو الصهيوني أن يعرف أنه هو الذي فتح هذه المعركة وبعد أيام قد لا تكون بعيدة، بل قد تكون ابتدأت، سيبحث عن وسيلة لإقفالها ولكنه لن يستطيع لأن الذي يقرر إغلاق الملف وإيقاف المعركة هي الجمهورية الإسلامية الإيرانية، في حين أن محور الشر الصهيو-امريكي يتخبط خاصة من خلال الكلام المتناقض لرئيس الولايات المتحدة الامريكية دونالد ترامب، فتارة يطالب أهل طهران بمغادرتها، وتارة يقول انه لم يقصد بذلك انه يريد الدخول في الحرب، بل انه حريص على أمن الشعب الإيراني، وأنه سيرسل موفدا من قبله للحديث مع المسؤولين الإيرانيين، كل ذلك يدل على المأزق الذي وقع فيه محور الشر الصهيو-امريكي من خلال تهور رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو'. واستنكر التجمع 'التهديد الصادر عن رأس النظام الصهيوني المجرم، نظام الإبادة الجماعية والفصل العنصري بحق الولي الفقيه آية الله العظمى السيد علي الخامنئي، ونعتبر أن قادتنا وطنَّوا أنفسهم على الشهادة في سبيله، فهو أسمى وسام يرغبون بالحصول عليه وختم حياتهم به، وندعو الله ان يطيل بعمره حتى يسلم الراية لصاحب العصر والزمان الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف'. وأشار الى أن 'رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو يقول ان اغتيال الإمام الخامنئي وإسقاط النظام في إيران قد تكون نتيجة للعمليات العسكرية، ونحن في تجمع العلماء المسلمين نقول له لن تستطيع إسقاط النظام، وإيران دولة عظمى وشعب عظيم وحضارة عريقة ممتدة في التاريخ لن ينال منها دولة هجين من شذاذ الآفاق، سيكون مصيرهم العودة من حيث أتوا او القتل على أرض فلسطين'. كما استنكر التجمع 'قصف العدو الصهيوني مركز الإذاعة والتلفزيون الإيراني، وتعريض حياة الصحافيين والإعلاميين للخطر واستشهاد وجرح بعضهم، وما رأيناه من بأس المذيعة التي عادت لمتابعة عملها بعد تعرضها للقصف دليل على قوة هذا الشعب واستمراره في أداء دوره، ولن يستطيع العدو الصهيوني إسكات الصوت الإعلامي المحق الذي تعبر عنه وسائل إعلام محور المقاومة'. كذلك استنكر 'إغارة قدام العدو الصهيوني بطائرة مسيرة استهدفت المواطن محمد عبد السلام نصرالله الذي كان يعمل في تربية النحل على أطراف بلدة حولا، ما يدل على ان هذا العدو الصهيوني لا يقيم وزنا للإنسان والعمال الذين يخرجون طلبا للقمة العيش، تماما كما يفعلون مع الجوعى الذين ذهبوا لأخذ اكياس الطحين من مصيدة أعدتها لهم الولايات المتحدة الامريكية كي تقنصهم هناك آلة القتل الصهيوني المتوحشة'. المصدر: الوكالة الوطنية للإعلام

مآلات المشروع الجهادي وعودة مركزية العقل السياسي
مآلات المشروع الجهادي وعودة مركزية العقل السياسي

المدن

timeمنذ ساعة واحدة

  • المدن

مآلات المشروع الجهادي وعودة مركزية العقل السياسي

منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، لحظة الهجوم المعقّد الذي شنّته حركة "حماسط التي تمتلك بنية أيديولوجية إسلامية وامتداداً اجتماعياً تاريخياً يتجاوز كونها مجرّد ذراع لإيران، رغم ارتباطها بها سياسياً ومالياً وعسكرياً – بدا واضحاً أن نقطة تحوّل حاسمة قد بدأت تتشكّل في الجغرافيا السياسية للشرق الأوسط. الرد الإسرائيلي لم يكن مجرد عملية عسكرية موضعية، بل إعلاناً استراتيجياً بأن الزمن قد انقلب، وأن حدود الاحتمال السياسي والعسكري قد تم تجاوزها. إسرائيل، التي لطالما مارست سياسة الردع المتحكم، قررت في ذلك التاريخ أن تعيد صياغة قواعد اللعبة الإقليمية بالكامل: تدمير أذرع إيران أينما وُجدت. حزب الله، نظام الأسد، الميليشيات الشيعية في العراق وسوريا، الحوثيون والدوائر العسكرية الإيرانية العابرة للدول، جميعها أصبحت أهدافاً في حسابات الردع الإسرائيلي المتسارع. ولعل الضربة الأخيرة التي استهدفت البرنامج النووي الإيراني شكّلت ذروة هذا المسار. لم تكن مجرد ضربة عسكرية، بل عرضاً تقنياً فائقاً كشف عن فجوة عميقة في البنية التكنولوجية والأمنية، وضَع إيران – التي تملك مشروعاً دينياً-سياسياً ذا طموحات إقليمية – في موقع المتأخر تقنياً بشكل مروّع، وكأنها على أعتاب العصر الحجري مقارنة بخصم يملك أدوات القرن الحادي والعشرين. هذا التفوّق لم يكن عسكرياً فحسب، بل فكرياً أيضاً، إذ دلّ على اختلال في مفاهيم إدارة الدولة والسيادة ضمن مشاريع أيديولوجية تتّكل على الإيمان العقائدي أكثر من اعتمادها على تحليل الواقع ومعطياته الصلبة. فالخلل الذي نواجهه هنا لا يكمن في "المنطق العسكري فقط أو السياسي الأيديولوجي بالمعنى السطحي" كما قد يُفهم بشكل مجرّد، بل في المنطق الفلسفي الأعمق لناحية النظرة للعالم ووعيه والتعامل معه: إذ إن العقيدة الدينية، كما تُمارس في مثل هذه المشاريع، ما تزال تنظر إلى الواقع بوصفه ميداناً لتجلّي الإرادة الإلهية، أكثر منه ساحة تنافس تخضع للعلم والتخطيط. والمفارقة أن الفقه الإسلامي ذاته مليء بالنصوص التي تدعو إلى الإعداد والتخطيط وتقدير موازين القوة، "وأعدّوا لهم ما استطعتم" كما تقول الآية الأثيرة على قلوب المنظرين الجهاديين في كل زمان، لكن هذه النصوص غالباً ما تُختزل لصالح خطاب تعبوي يراهن على "النصر الإلهي" وحده. هذا الانفصام بين الخطاب الديني النظري وسلوك الجماعات الجهادية العملية هو الذي يُعرّي اليوم فشل تلك العقائد في ميدان الواقع. إنها تنهار، لا فقط أمام مدافع العدو، بل أمام أعين أتباعها، الذين يصطدمون بتهافت الوعود المقدسة أمام تفوق التكنولوجيا والعقل. وهو ما يعيد إلى الأذهان ما نُسب إلى نابليون حين سأله أحد الجنود قبيل اندلاع معركة "واترلو": هل الله معنا نحن الكاثوليك، أم مع الإنجليز البروتستانت؟ فأجابه: الله مع صاحب المدفع الأكبر! وما يعزّز هذا المنحى والجبهة الفكرية – إن صحت تسميتها – للمعارك التي تجري منذ السابع من أكتوبر، هو ما تسرّب من مصادر داخلية عن أن إسرائيل، في بداية معركتها مع غزة، تبنّت ما سمّته داخلياً بـ"قواعد حماة"، في إشارة صريحة إلى المجازر التي ارتكبها حافظ الأسد في مدينة حماة عام 1982. فكما كان هدف الأسد سحق المدينة وإبادة جزء من سكانها لإلحاق الهزيمة بوعي جماعي يرى فيه تهديداً لاستقراره، سعت إسرائيل إلى توظيف ذات المنهج في غزة: إلحاق هزيمة لا تقتصر على البنية العسكرية لحماس، بل تمتد إلى البنية المجتمعية الحاضنة لها، باعتبارها – بحسب هذا التصور – هي التي تُنتج مثل هذه الكيانات. وبصرف النظر عن موقفنا الأخلاقي من مثل هذه المقارنة، فإن تبنّي هذا النموذج – الذي هو في جوهره عقيدة عنف ضد الذاكرة الجمعية – يكشف عن تحوّل مقلق في طبيعة المعارك، من مواجهة مع تنظيمات إلى محاولة تفكيك النسيج الاجتماعي الذي ترى فيه إسرائيل رحماً محتملًا للمقاومة، وإلحاق الهزيمة بوعي هذه المجتمعات وليس فقط هزيمتها عسكرياً. في هذا السياق، يبدو أن الحرب لم تعد تدور فقط على الأرض، بل على مستوى المعنى ذاته: أي الحق في تعريف المستقبل. صحيح أن إسرائيل لا تسعى لنشر نموذج ديمقراطي أو إنساني، بل تحركها مصالح قومية صارمة تهدف إلى كسر البيئة التي تُنتج العنف والمواجهة، لكنها، وإن عن غير قصد، تكشف بذلك عن هشاشة المشاريع التي تتغذى على الخرافة وتتحرك بلا بوصلة واقعية. إن هزيمة المشاريع الجهادية، ليست في حقيقتها هزيمة عسكرية فحسب، بل هي سحقٌ لأوهام كبرى لم تستطع أن تصمد في وجه منظومات عقلانية تعتمد على أدوات العلم والمعرفة والتراكم، لا على اليقينيات الخلاصية والشعارات الدامية. وفي هذا الإطار، تُصبح المسألة السورية مركزية. فهي ليست ساحة منسيّة، بل المختبر الأخطر الذي حاولت فيه التيارات الجهادية، تحت مظلّة النظام السابق أو في مواجهته، إعادة إنتاج نموذج مضاد للعقل الديمقراطي. وتاريخ سوريا القريب لا يشكّل مجرد خلفية لهذا المشروع، بل يعدّ من أكثر التجارب تأثيراً في تاريخ الجهاد العالمي، سواء على مستوى الخبرة التنظيمية والعملياتية، أو على صعيد التنظير العقائدي والفقهي. سوريا كانت، عملياً، حاضنة لأبرز منظّري هذا الفكر، وأكثر ساحات إنتاجه تطوراً، متفوّقة في ذلك على دول ذات تاريخ جهادي أسبق وأعمق. وإذا كانت بعض الأصوات، خصوصاً في أعقاب الانسحاب الأميركي من أفغانستان، قد سوّقت لفكرة أن الولايات المتحدة تبحث عن "تسويات واقعية" مع قوى إسلامية أو جهادية تقبل الركون ضمن خرائطها الوطنية دون تمدّد عالمي، فإن هذا الخطاب ينطوي على درجة كبيرة من الاستسهال، بل الاستغفال السياسي. إنه الرهان على الرمال المتحرّكة ذاتها التي اعتاد البعض في العالم العربي والإسلامي أن يبني عليها أوهامه. ما جرى – ويجري – ليس تخلياً عن الديمقراطية أو عن مشروع الاستقرار العالمي، بل مراجعة أدواته وشروط تفعيله ضمن منظومات متشابكة ومعقدة. فالاستراتيجية الأميركية، كما تتبدى في أدبيات كبرى مراكز التفكير السياسي، لا تزال تؤمن بأن الاستقرار الكوني غير ممكن من دون ديمقراطيات راسخة. وليست المسألة تعبيراً عن رغبة مثالية "نبوية" أميركية لنشر الخير في العالم. فمن المعروف أن تاريخ السياسة الأميركية مليء بدعم دكتاتوريات والانقلاب على ديمقراطيات، بل وحتى تمويل حركات جهادية لأغراض قصيرة المدى في مواجهة أعداء مباشرين. غير أن بناء ديمقراطيات مستقرة ليس "هدية أميركية"، بل مصلحة استراتيجية عليا بعيدة المدى. قد تُهمل في لحظات الانفعال أو الحسابات الضيقة، لكنها تعود دوماً إلى السطح بوصفها الحاجة العضوية الوحيدة لإنتاج أسواق مستدامة، ومجتمعات شفافة، وأمن عابر للقارات. ذلك أن العالم كما يراه أصحاب هذا التوجّه لم يعد يحتمل في المستقبل مثل هذه النتوءات الراديكالية: فكل مشروع خارج منطق الدولة والقانون والحقوق، يتحول تلقائياً إلى تهديد لبنية الاستقرار العالمي. وأي انحراف داخلي في دولة ما سرعان ما يتحول إلى زلزال إقليمي، كما أثبتت التجارب في الشرق الأوسط وأفريقيا والقرن الآسيوي. إن إخفاق بعض مراحل مشروع "نشر الديمقراطية" لا يعني أن الديمقراطية كمبدأ قد تهاوت. بل هو تأكيد على أن السير نحوها معقّد، ومتعرّج، وذو كلفة باهظة، لكنه ما زال الطريق الوحيد الممكن. لقد أصبحت الديمقراطية أيقونة سياسية لا تنافسها أية أيديولوجيا أخرى من حيث القبول الكوني أو الاعتراف بقيمتها. وفي زمن العولمة الرقمية، والشفافية الفورية، وسقوط الحجب الإعلامية، لم يعد ممكنًا الترويج لأي نظام قمعي أو شوفيني تحت ستار "الخصوصية الثقافية". تلك الأكاذيب فقدت جدواها، بل وأصبحت موضع تندّر وسخرية في الجامعات كما في الميادين. من هنا، فإن سوريا – بكل تعقيداتها – لا يمكن أن تكون ساحة لإعادة تدوير الفشل، ولا منصّة لبناء أنظمة ما قبل الدولة. إن السلطة الحالية، إن أرادت البقاء لا مجرد الصمود، فهي مطالبة بتلبية شروط استراتيجية عليا تتجاوز مجرد إدارة الأزمة، نحو بناء منظومة حكم تضمن الحقوق وتحمي السلام الداخلي والإقليمي. وما يجب أن يُفهم، وبوضوح، أن الأمر لم يعد شأنًا مؤجلًا إلى 'لحظة مناسبة' في المستقبل. إن الوقت هو الآن، وهذه اللحظة هي الفرصة الأخيرة. إذ إن الإجراءات التي اتُخذت منذ سقوط النظام إلى اليوم، وآخرها ما كُشف من تعديلات تُحصّن رئيس الجمهورية من أي مساءلة أو إقالة، وتمنحه سلطة فعلية على كامل مجلس الشعب عبر تعيين اللجنة التي تختار ثلثيه، بينما يقوم هو بتعيين الثلث الأخير بشكل مباشر، تمثل سلوكًا سلطويًا فاق كل دكتاتوريات العصور، حتى في أشد نماذجها فجاجة وابتذالًا. هذا لا يندرج حتى تحت 'الواقعية السياسية'، بل هو مهزلة دستورية تمتهن مفهوم السيادة الشعبية برمّته. وسوق الحجج والذرائع لن ينقذ أحدًا من انهيار قادم إذا استمر هذا النهج في صناعة الهياكل. وإن البراغماتية المفرطة، التي تراهن على تحييد القوى الكبرى عبر تقديم خدمات أمنية وسلوك منضبط، لن تنطلي بعد اليوم، لا على إسرائيل التي هي فاعل إقليمي مركزي وتدرك حجم التهديدات في محيطها وقد دفعت أثماناً غالية سابقاً، ولا على المجتمع الدولي الذي بات يرى في القمع الداخلي مشروعاً موقوتاً لانفجار مقبل. لا أحد سيضع رأسه في فم الأسد مجدداً. إن محاولة التذاكي السلطوي ليست سوى إعادة إنتاج لأنظمة هشّة تزرع بذور انهيارها بأيديها. الرسالة التي ينبغي أن تتلقفها دوائر القرار في دمشق اليوم واضحة: لا مشروع قابل للبقاء خارج الديمقراطية. ليست "الوصفة الغربية" ما يُطلب، بل الحد الأدنى من عقل الدولة، منطق المؤسسات، وإرادة الإصلاح الجاد، وهذا كما هو مؤكد ومعروف حاجة ماسة سورية أولاً للشعب السوري قبل أي طرف آخر في العالم، بما فيهم من هم في السلطة الآن ومن يؤيدهم من السوريين، فهم من يُفترض أنهم دفعوا أكبر الأثمان بين بقية السوريين، ويجب أن يكونوا هم الأحرص على نجاح مشروع بناء الدولة. لقد آن أوان الاعتراف بأن الديمقراطية ليست ترفاً ولا استعارة أخلاقية، بل ضرورة وجودية. فالعالم لم يعد يتّسع لمزيد من الحروب العقائدية أو التجارب الدموية. وحده المشروع الذي يلتقي فيه العقل مع الكرامة، والسياسة مع العدالة، هو ما يمكن أن ينقذ ما تبقى من هذه المنطقة التي تطاولت انهياراتها وكأنها بلا نهاية.

الحرب اثبتت ضعف طهران وعلى الحزب الاتعاظ
الحرب اثبتت ضعف طهران وعلى الحزب الاتعاظ

المركزية

timeمنذ ساعة واحدة

  • المركزية

الحرب اثبتت ضعف طهران وعلى الحزب الاتعاظ

المركزية – لا تنبئ المرحلة والايام الطالعة بالايحابية . الوضع بين بيروت وتل ابيب يشي بتصعيد إسرائيلي خطير، يتكرس يوما بعد يوم في مقابل حيرة لبنانية مردها ضعف موقف وقدرات اصدقائها وفي مقدمهم فرنسا على التأثير في المشهد وتغييره . إضافة الى غموض الموقف الأميركي والدولي في مسألة التجديد للقوات الدولية وما يرافق ذلك من تسريبات على وقع صدامات شبه يومية بين الأهالي واليونيفيل نتيجة قواعد الاشتباك الغامضة وغير الواضحة . الصورة من تل ابيب تجزم بحصول اتفاق أميركي – إسرائيلي على انهاء مهمة الطوارئ في الجنوب . اما في واشنطن فنفي لهذا التوافق . هل الامر توزيع ادوار ام تباين حقيقي ،واي صورة ستتقدم في نهاية الاشتباك ؟ وعلى رغم احتمالات بقاء الحرب في ظل الاجواء والمسارات الإقليمية والدولية الضبابية تواصل إسرائيل استهدافاتها للبنان ضمن الوتيرة نفسها مع انخفاض منسوب التصعيد وارتفاعه وفقا لبنك الأهداف المحدد بالتعاون والتنسيق مع واشنطن وبتغطية كاملة منها. ما يطرح علامات استفهام حول مستقبل الوضع اللبناني على الصعيدين الأمني والسياسي في ضوء التطورات المتسارعة داخليا وخارجيا وإصرار البيت الأبيض على اجندته . عضو تكتل الاعتدال الوطني النائب سجيع عطية يقول لـ "المركزية" في هذا الصدد لا شك في ان المرحلة صعبة جدا على الصعيدين المحلي والخارجي . الحكومة التي علقنا الامال عليها لم تستطع حتى الان دفع عجلة البلاد من ركودها . التعيينات على أنواعها خاضعة لمبدأ المحاصصة والتعطيل . لا إنجازات محققة الى اليوم. لم يعد من عمر الحكومة سوى اقل من سنة لا اعلم ما اذا كانت الأمور ستبقى "مكربجة " وعلى ما هي . لبنان لم يتمكن من استعادة الثقة به على المستوين المحلي والخارجي . الخارجية تراوح مكانها، ولولا جولات رئيس الجمهورية على عدد من الدول العربية ما كان احد من الدول الشقيقة والصديقة "معبرنا". فقط فرنسا تبحث لها عن دور في لبنان . تأثيرها على القرار الدولي غير فعال مقارنة مع الولايات المتحدة الأميركية المنحازة الى إسرائيل المستمرة بالاعتداء على لبنان .لم يكن ينقصنا والمنطقة سوى الحرب الإسرائيلية -الايرانية التي ستزيد الوضع في المنطقة صعوبة . حسن فعل حزب الله بعدم التدخل وجنب البلاد كوارث جديدة . المستجدات اثبتت ضعف طهران ويفترض بالحزب الاتعاظ والمبادرة الى تسليم سلاحه بعدما تبين خطأ رهاناته الخارجية . العالم اجمع يتذرع بسلاح الحزب لعدم مد يد العون الينا ويربط الموضوع بحصرية السلاح بيد الدولة وتنفيذ الإصلاحات الموعودة . نتمنى ان تبادر الحكومة لتنفيذ ما جاء في خطاب القسم وبيانها الوزاري باعتبار ذلك مدخلا لحل الازمات على كثرتها.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store