
تحقيقات الفساد تلاحق بلدية إسطنبول مجددا
إسطنبول- يدخل أكرم إمام أوغلو ، رئيس بلدية إسطنبول الموقوف، شهره الثالث خلف القضبان، في واحدة من أوسع قضايا "الفساد" التي تشهدها تركيا منذ سنوات، بعدما تحول من رمز معارض بارز إلى محور تحقيقات جنائية تطال عشرات المسؤولين في بلدية إسطنبول الكبرى.
ومنذ توقيفه في مارس/آذار الماضي بتهم تتراوح بين الفساد والتواطؤ مع تنظيم محظور، توسعت التحقيقات لتطال دائرته المقربة، وأُبعد من منصبه بقرار رسمي، وفي وقت ترى فيه المعارضة أن القضية تحمل طابعا سياسيا، تؤكد الحكومة أنها قائمة على أدلة دامغة وتحقيقات مشروعة.
وشهدت الفترة بين أواخر مارس/آذار ونهاية أبريل/نيسان الماضيين اعتقال نحو 150 شخصا في إطار التحقيقات نفسها، بينهم مدير تنظيم ساحل البسفور، ألتشين كاراوغلو، الذي اتُهم بمنح تراخيص بناء مخالفة للقانون مقابل رشاوى.
"شبكة فساد"
في حين بدأت ملامح تصعيد قضائي واسع تتبلور في إسطنبول مع دخول شهر مايو/أيار الجاري، بعدما كشف وزير العدل التركي عما وصفه بـ"أدلة دامغة" على استغلال بلدية إسطنبول الكبرى لمواردها في أنشطة غير قانونية، مؤكدا وجود شبكة فساد منظمة داخل مؤسساتها.
وفي الخامس من مايو/أيار، صعَّدت السلطات من الإجراءات باتخاذ خطوة غير مسبوقة تمثلت في حظر حساب أكرم إمام أوغلو على منصة " إكس"، الذي يتابعه نحو 10 ملايين شخص، مبررة ذلك بتحريضه على ارتكاب جرائم.
وبعد 3 أيام فقط، اتسعت دائرة التحقيقات لتطال بلديات أخرى محسوبة على المعارضة، حيث فتحت نيابة إسطنبول تحقيقا رسميا ضد بلدية بويوك شكمجه التابعة ل حزب الشعب الجمهوري بتهم فساد مماثلة.
وسجل التحقيق نقطة تحول كبيرة بعد إدلاء أحمد تشيشك، المدير السابق في إحدى الشركات التابعة للبلدية، باعترافات كشف فيها تفاصيل آليات التلاعب بالمناقصات، ومنح العقود مقابل عمولات لمسؤولين نافذين.
وسرعان ما دعَّمت النيابة هذه الاعترافات بمصادرة وثائق من مقرات شركات بلدية، أُعلن عنها في 12 مايو/أيار، تضمنت أدلة مكتوبة على تزوير مناقصات وتخصيص مشاريع بشكل غير قانوني.
ثم جاءت شهادة إرتان يلديز، رئيس لجنة المؤسسات في بلدية إسطنبول، في 14 مايو/أيار، لتضيف توثيقا آخر. وأشار يلديز إلى أن المستشار المقرب من إمام أوغلو، مراد أونغون، كان "العقل المدبر" الذي يدير شبكة توزيع المناقصات والمكافآت المالية داخل البلدية.
توسيع التحقيقات
وفي 18 مايو/أيار، أعلنت النيابة توسيع التحقيقات لتشمل مشاريع البنية التحتية الكبرى للبلدية، مثل الجسور والأنفاق، تبعتها بيومين موجة اعتقالات جديدة طالت 22 شخصا، أبرزهم تانر تشتين، مدير الإعلام والعلاقات العامة، المقرب من إمام أوغلو منذ رئاسته لبلدية بيليك دوزو.
ورد حزب الشعب الجمهوري على هذه الخطوة باتهام الحكومة بـ"تسييس القضاء"، حيث صرَّح علي ماهر باشارير نائب رئيس الحزب بأن السلطات "تسعى لتفريغ بلدية إسطنبول من كوادرها"، في حين اعتبر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن المعارضة "تخشى ظهور مزيد من الأدلة"، وأضاف "هذا هو سبب ذعرهم".
وفي 21 مايو/أيار، أُوقف 20 موظفا إضافيا في البلدية، بينهم رئيس المكتب الإعلامي، وتم إيداع 13 منهم بالحبس الاحتياطي، في وقت كشفت فيه التحقيقات عن تورطهم في قضايا غسيل أموال وتهرب ضريبي.
وفي 22 مايو/أيار، عاد وزير العدل ليؤكد مجددا أن عوائد البلدية استُخدمت لتمويل أنشطة مشبوهة، ثم جاء أمس الجمعة، ليحمل تطورا دراماتيكيا تمثل في تنفيذ مداهمات متزامنة بإسطنبول وإزمير وطرابزون، أسفرت عن توقيف 44 من أصل 49 صدرت بحقهم أوامر اعتقال.
وضمت لائحة المعتقلين شخصيات بارزة من الدائرة المقربة لإمام أوغلو، مثل قدرية كاسابوغلو (السكرتير الخاص) وعلي كورت (رئيس الأمن في البلدية)، إضافة إلى مسؤولين كبار في شركات البنية التحتية المحلية ورجال أعمال متورطين في الصفقات المشبوهة.
وتزامنا مع ذلك، أمرت النيابة بإزالة جميع لافتات وصور إمام أوغلو من وسائل النقل العام، ومنع استخدام صوته أو صورته في أي محتوى مرئي داخل مرافق البلدية.
في اليوم ذاته، زار رئيس حزب الشعب الجمهوري أوزغور أوزال إمام أوغلو في سجنه، وندَّد بما وصفه بـ"الظلم الممنهج"، مشيرا إلى أن الحملة القضائية لم تنل من تأييد الناس، قائلا: "استطلاعات الرأي الأخيرة تثبت أن إيمان الناس بنا يزداد يوما بعد يوم".
وذكرت مصادر أمنية، اليوم السبت، استمرار ملاحقة 4 مشتبهين لم يعتقلوا بعد، بينما أكدت النيابة أن الأدلة المتوفرة ضد المعتقلين "قوية وكفيلة بإثبات التهم الموجهة إليهم"، لتبقى القضية مفتوحة على مزيد من المفاجآت في الأسابيع القادمة.
اتهامات مسيسة
في السياق، يرى مراد جان إيشيلداق نائب رئيس لجنة الانضباط في حزب الشعب الجمهوري أن الاتهامات المتداولة حول تسريب وثائق من داخل الحزب بشأن قضايا الفساد في بلدية إسطنبول ليست سوى محاولة سياسية مكشوفة لصرف الانتباه.
ويؤكد إيشيلداق للجزيرة نت أن بلدية إسطنبول تدار بأعلى درجات الشفافية، وتخضع لرقابة مزدوجة من كل من ديوان المحاسبة وآليات الرقابة الداخلية، مضيفا أن "ما يُروج له من وجود وثائق مسرّبة، ليس سوى اتهامات فضفاضة غير مثبتة، تسعى لتقويض النجاحات الاجتماعية والإدارية التي حققتها البلدية".
وشدَّد على أن الهجمة القضائية لا تستهدف حزب الشعب الجمهوري فحسب، بل الديمقراطية التركية برمتها، مضيفا أن "السلطة التنفيذية بعدما عجزت عن محو أثر هذا النموذج الناجح في الحكم المحلي، لجأت لافتعال حالة صراع داخلي مزعومة داخل الحزب، وإيهام الرأي العام بوجود انقسامات، بينما الحقيقة أن الحزب يدير تعددية الآراء لديه ضمن إطار ديمقراطي متماسك".
في المقابل، يرى المحلل السياسي جنك سراج أوغلو أن ظهور اعترافات من شخصيات مقربة من إمام أوغلو يعكس تحولا جوهريا في مسار التحقيقات، وينسف رواية المعارضة التي تصف القضية بأنها ذات طابع سياسي بحت.
ويقول للجزيرة نت إن الشهادات الصادرة عن مقاولين ومسؤولين إداريين سابقين تشكل نقطة مفصلية في توسيع نطاق الاتهامات، من حيث العدد، ومن حيث المصداقية القانونية أيضا.
ويضيف أن ما يجري اليوم ليس مجرد حملة قضائية، بل اختبار حقيقي لقدرة مؤسسات الدولة على تفكيك شبكات المصالح داخل البلديات الكبرى.
ويلفت سراج أوغلو إلى أن الأهم من الاعترافات هو السياق الذي ظهرت فيه، إذ يعتقد أن "تنامي الضغوط القانونية، وتغير موازين القوى داخل بلدية إسطنبول بعد إقالة إمام أوغلو، شكلا بيئة مواتية لانكشاف معلومات حساسة، كانت مخبأة في السابق داخل دوائر ضيقة مغلقة".
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 2 ساعات
- الجزيرة
ما دلالات الزيارة الشرع المفاجئة إلى تركيا؟
أنقرة- في زيارة غير معلنة هي الثالثة له إلى تركيا منذ توليه السلطة مطلع العام الجاري، وصل الرئيس السوري أحمد الشرع، اليوم السبت، إلى إسطنبول حيث التقى نظيره التركي رجب طيب أردوغان في قصر دولما بهتشة. وعُقد اللقاء خلف أبواب مغلقة، بحضور كبار المسؤولين الأمنيين والعسكريين من الجانبين، من بينهم وزير الخارجية هاكان فيدان، ووزير الدفاع يشار غولر، ورئيس الاستخبارات إبراهيم قالن، ورئيس هيئة الصناعات الدفاعية خلوق غورغون، كما ضم من الجانب السوري وزير الخارجية أسعد الشيباني ووزير الدفاع مرهف أبو قصر. سياق الزيارة تأتي زيارة الرئيس السوري إلى تركيا في سياق إقليمي ودولي بالغ الأهمية، إذ تزامنت مع إعلان الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي رسميا رفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا في تحول كبير للسياسة الغربية بعد إطاحة نظام بشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول الماضي. ويكتسب توقيت الزيارة أهمية خاصة كونها تأتي بعد يومين فقط من زيارة رئيس جهاز الاستخبارات التركي إبراهيم قالن إلى دمشق، والتي تناولت ملفات أمنية حساسة، خاصة قضية تسليم وحدات حماية الشعب الكردية سلاحها واندماجها في قوات الأمن السورية، وهو الملف الذي شهد تأخراً في التنفيذ عما كان معلنا سابقا. وتأتي أيضا في ظل تصريحات أردوغان الأخيرة حول التواصل مع العراق وسوريا بشأن نزع سلاح حزب العمال الكردستاني، مما يعكس مساعي تركيا لتحقيق تقدم في هذا الملف الأمني الحساس. أهم الملفات أفاد بيان صادر عن الرئاسة التركية بأن اللقاء تناول جملة من الملفات الثنائية والإقليمية والدولية، في مقدمتها تطورات المرحلة الانتقالية في سوريا ومسارات التعاون بين البلدين. وأكد الرئيس أردوغان، خلال المباحثات، أن "أياما أكثر إشراقا وسلاما" تنتظر سوريا، مجددا التزام بلاده بالوقوف إلى جانب الشعب السوري كما فعلت منذ بداية الأزمة. ورحب أردوغان بقرار الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي رفع العقوبات عن سوريا، واعتبر ذلك خطوة مهمة تهيئ الأرضية لعودة الاستقرار. وفي ما يخص التصعيد الإسرائيلي، وصف الرئيس التركي الاحتلال والاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على الأراضي السورية بأنها "غير مقبولة"، مؤكدا استمرار تركيا في رفضها لهذه الانتهاكات عبر كل المنابر الإقليمية والدولية. وأشار البيان إلى أن الجانبين ناقشا آفاق التعاون في مجالات حيوية، على رأسها الطاقة والدفاع والنقل، حيث أكد أردوغان أن تركيا ستواصل الوفاء بما تقتضيه علاقات "الجوار والأخوة"، بما يشمل الدعم الفني والسياسي خلال مرحلة إعادة بناء الدولة السورية. وفي المقابل، عبّر الرئيس السوري أحمد الشرع عن امتنانه للموقف التركي، مثنيا على الدور الحاسم الذي لعبته أنقرة في رفع العقوبات ودفع المجتمع الدولي للاعتراف بالسلطة الجديدة في دمشق. من جهتها، قالت الوكالة السورية للأنباء، إن وزيري الخارجية والدفاع السوريين سيلتقيا نظيريهما التركيين في تركيا لبحث الملفات المشتركة بين البلدين. وأضافت الوكالة أن الرئيس السوري ووزير خارجيته التقيا المبعوث الخاص للولايات المتحدة إلى سوريا، توم باراك، لبحث تطورات الملف السوري خلال الزيارة. في السياق، يرى الباحث في مركز سيتا للدراسات كوتلوهان قورجو أن غياب أي إعلان رسمي أو تغطية إعلامية مسبقة لزيارة الرئيس السوري إلى تركيا، لا يعني بالضرورة أنها كانت سرية، بل يعكس، برأيه، ضيق الحيز الزمني للزيارة، وطبيعة الملفات الحساسة المطروحة خلالها. ويعتقد قورجو في حديث للجزيرة نت، أن من بين العوامل التي دفعت لعقد هذا اللقاء، رفع العقوبات الأميركية عن سوريا، وتعيين السفير الأميركي في أنقرة مبعوثا خاصًا إلى سوريا، إلى جانب تصاعد أهمية ملف وحدات حماية الشعب (قسد) في الأجندة الأمنية التركية. ويلفت إلى أن مشاركة وزير الدفاع السوري مرهف أبو قصر في اللقاء، تعزز الاعتقاد بأن قضية انتشار القوات الكردية وقضية 'المواقع العسكرية المحتملة' كانتا ضمن أولويات جدول الأعمال، إلى جانب ما وصفه بـ'التقدم الفني في الحوار التركي-الإسرائيلي بشأن سوريا'، الذي قد يكون طُرح أيضًا في اللقاء. وأضاف قورجو أن لقاء الرئيس أحمد الشرع بالمبعوث الأميركي الخاص، توم باراك، يعكس حرص القيادة السورية الجديدة على التواصل المباشر مع واشنطن، وإدراكها لحساسية هذا المسار، في ظل استمرار وجود ملفات عالقة بين الطرفين. وفي هذا الإطار، أشار إلى أن الزيارات الميدانية التي أجراها مسؤولون سوريون إلى تلك المخيمات قد تكون جاءت استجابة ضمنية لبعض التوقعات الأميركية. أهمية الزيارة يرى المحلل السياسي محمود علوش أن زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى تركيا تكتسب أهمية استثنائية في ظل التحولات الجوهرية التي طرأت على المشهد السوري مؤخرا، لا سيما في ما يتعلق بمسار التسويات السياسية والأمنية. وبحسب علوش، فإن أنقرة تتطلع إلى تعزيز التعاون مع الإدارة السورية الجديدة لمعالجة ملف قسد ضمن إطار اتفاقية الاندماج الجارية، التي تشكل جزءا من مسار أوسع متعلق بإحياء عملية السلام بين تركيا وحزب العمال الكردستاني. ويعتقد أن الظروف أصبحت ناضجة لتحقيق تقدم فعلي في هذا المسار، خاصة في ظل ما وصفه بـ'الانسجام الأميركي النسبي' مع مقاربة تركيا للملف السوري. كما يشير إلى أن أنقرة معنية أيضا بالتوصل إلى ترتيبات أمنية ثنائية مع دمشق ودول الإقليم لمواجهة تهديد عودة تنظيم الدولة (داعش)، بما يشمل ملف تسليم سجون داعش ومعسكرات الاحتجاز إلى الحكومة السورية، وهي خطوة ترى فيها تركيا ضرورة لتمكين دمشق من تولي المسؤولية الأمنية الكاملة على حدودها.


الجزيرة
منذ 4 ساعات
- الجزيرة
أول لقاء بين الشرع والمبعوث الأميركي إلى سوريا
قال المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا توماس باراك إنه بحث مع الرئيس السوري أحمد الشرع ووزير خارجيته أسعد الشيباني اليوم السبت في إسطنبول سبل تنفيذ رؤية الرئيس دونالد ترامب لازدهار سوريا. وفي تغريدة على منصة إكس، أضاف بارك -الذي يتولى حتى الآن منصب سفير بلاده في تركيا- أنه أكد دعم واشنطن للشعب السوري بعد سنوات العنف التي عاشها، والتزام واشنطن بالحوار وإنشاء صندوق استثمار لإعادة بناء اقتصاد البلاد. وتابع أن رفع العقوبات عن سوريا سيحافظ على هدف بلاده في هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية. وأشار المبعوث الأميركي إلى أن الرئيس السوري أشاد برفع العقوبات الأميركية عن سوريا. وفي بيان منفصل، حث باراك الشرع على اتخاذ خطوات ملموسة في ما يتعلق بالمقاتلين الأجانب والعلاقات مع إسرائيل. وعقد اللقاء بين الرئيس السوري والمبعوث الأميركي على هامش زيارة الشرع إلى إسطنبول، والتي التقى خلالها الرئيس رجب طيب أردوغان. وكان الرئيس الأميركي أعلن خلال جولته الخليجية مؤخرا رفع العقوبات عن سوريا، ولاحقا أصدرت وزارة الخزانة الأميركية ترخيصا عاما لتخفيف بعض تلك العقوبات. وقالت وزارة الخزانة إن هذه الخطوة توفر إعفاء فوريا للعقوبات بما يتماشى مع إعلان الرئيس دونالد ترامب وقف جميع العقوبات على سوريا، وأضافت أن الترخيص يسمح بالمعاملات المحظورة، ويرفع بشكل فعال العقوبات، ويتيح تمكين الاستثمار ونشاط القطاع الخاص، بما يتوافق مع إستراتيجية الرئيس "أميركا أولا". وقالت الوزارة إن قراراتها تمنح إعفاءات من " قانون قيصر"، وهو ما يمكّن شركاء الولايات المتحدة والحلفاء ودول المنطقة من إطلاق العنان لإمكانات سوريا بشكل أكبر. ورحبت الخارجية السورية بالقرار الأميركي القاضي برفع العقوبات ووصفته بالخطوة الإيجابية، وقالت إن دمشق تمد يدها لكل من يرغب بالتعاون على أساس الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية. وأضافت الخارجية السورية أن الحوار والدبلوماسية هما السبيل الأمثل لبناء علاقات متوازنة تحقق مصالح الشعوب وتعزز استقرار المنطقة.


الجزيرة
منذ 5 ساعات
- الجزيرة
تحقيقات الفساد تلاحق بلدية إسطنبول مجددا
إسطنبول- يدخل أكرم إمام أوغلو ، رئيس بلدية إسطنبول الموقوف، شهره الثالث خلف القضبان، في واحدة من أوسع قضايا "الفساد" التي تشهدها تركيا منذ سنوات، بعدما تحول من رمز معارض بارز إلى محور تحقيقات جنائية تطال عشرات المسؤولين في بلدية إسطنبول الكبرى. ومنذ توقيفه في مارس/آذار الماضي بتهم تتراوح بين الفساد والتواطؤ مع تنظيم محظور، توسعت التحقيقات لتطال دائرته المقربة، وأُبعد من منصبه بقرار رسمي، وفي وقت ترى فيه المعارضة أن القضية تحمل طابعا سياسيا، تؤكد الحكومة أنها قائمة على أدلة دامغة وتحقيقات مشروعة. وشهدت الفترة بين أواخر مارس/آذار ونهاية أبريل/نيسان الماضيين اعتقال نحو 150 شخصا في إطار التحقيقات نفسها، بينهم مدير تنظيم ساحل البسفور، ألتشين كاراوغلو، الذي اتُهم بمنح تراخيص بناء مخالفة للقانون مقابل رشاوى. "شبكة فساد" في حين بدأت ملامح تصعيد قضائي واسع تتبلور في إسطنبول مع دخول شهر مايو/أيار الجاري، بعدما كشف وزير العدل التركي عما وصفه بـ"أدلة دامغة" على استغلال بلدية إسطنبول الكبرى لمواردها في أنشطة غير قانونية، مؤكدا وجود شبكة فساد منظمة داخل مؤسساتها. وفي الخامس من مايو/أيار، صعَّدت السلطات من الإجراءات باتخاذ خطوة غير مسبوقة تمثلت في حظر حساب أكرم إمام أوغلو على منصة " إكس"، الذي يتابعه نحو 10 ملايين شخص، مبررة ذلك بتحريضه على ارتكاب جرائم. وبعد 3 أيام فقط، اتسعت دائرة التحقيقات لتطال بلديات أخرى محسوبة على المعارضة، حيث فتحت نيابة إسطنبول تحقيقا رسميا ضد بلدية بويوك شكمجه التابعة ل حزب الشعب الجمهوري بتهم فساد مماثلة. وسجل التحقيق نقطة تحول كبيرة بعد إدلاء أحمد تشيشك، المدير السابق في إحدى الشركات التابعة للبلدية، باعترافات كشف فيها تفاصيل آليات التلاعب بالمناقصات، ومنح العقود مقابل عمولات لمسؤولين نافذين. وسرعان ما دعَّمت النيابة هذه الاعترافات بمصادرة وثائق من مقرات شركات بلدية، أُعلن عنها في 12 مايو/أيار، تضمنت أدلة مكتوبة على تزوير مناقصات وتخصيص مشاريع بشكل غير قانوني. ثم جاءت شهادة إرتان يلديز، رئيس لجنة المؤسسات في بلدية إسطنبول، في 14 مايو/أيار، لتضيف توثيقا آخر. وأشار يلديز إلى أن المستشار المقرب من إمام أوغلو، مراد أونغون، كان "العقل المدبر" الذي يدير شبكة توزيع المناقصات والمكافآت المالية داخل البلدية. توسيع التحقيقات وفي 18 مايو/أيار، أعلنت النيابة توسيع التحقيقات لتشمل مشاريع البنية التحتية الكبرى للبلدية، مثل الجسور والأنفاق، تبعتها بيومين موجة اعتقالات جديدة طالت 22 شخصا، أبرزهم تانر تشتين، مدير الإعلام والعلاقات العامة، المقرب من إمام أوغلو منذ رئاسته لبلدية بيليك دوزو. ورد حزب الشعب الجمهوري على هذه الخطوة باتهام الحكومة بـ"تسييس القضاء"، حيث صرَّح علي ماهر باشارير نائب رئيس الحزب بأن السلطات "تسعى لتفريغ بلدية إسطنبول من كوادرها"، في حين اعتبر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن المعارضة "تخشى ظهور مزيد من الأدلة"، وأضاف "هذا هو سبب ذعرهم". وفي 21 مايو/أيار، أُوقف 20 موظفا إضافيا في البلدية، بينهم رئيس المكتب الإعلامي، وتم إيداع 13 منهم بالحبس الاحتياطي، في وقت كشفت فيه التحقيقات عن تورطهم في قضايا غسيل أموال وتهرب ضريبي. وفي 22 مايو/أيار، عاد وزير العدل ليؤكد مجددا أن عوائد البلدية استُخدمت لتمويل أنشطة مشبوهة، ثم جاء أمس الجمعة، ليحمل تطورا دراماتيكيا تمثل في تنفيذ مداهمات متزامنة بإسطنبول وإزمير وطرابزون، أسفرت عن توقيف 44 من أصل 49 صدرت بحقهم أوامر اعتقال. وضمت لائحة المعتقلين شخصيات بارزة من الدائرة المقربة لإمام أوغلو، مثل قدرية كاسابوغلو (السكرتير الخاص) وعلي كورت (رئيس الأمن في البلدية)، إضافة إلى مسؤولين كبار في شركات البنية التحتية المحلية ورجال أعمال متورطين في الصفقات المشبوهة. وتزامنا مع ذلك، أمرت النيابة بإزالة جميع لافتات وصور إمام أوغلو من وسائل النقل العام، ومنع استخدام صوته أو صورته في أي محتوى مرئي داخل مرافق البلدية. في اليوم ذاته، زار رئيس حزب الشعب الجمهوري أوزغور أوزال إمام أوغلو في سجنه، وندَّد بما وصفه بـ"الظلم الممنهج"، مشيرا إلى أن الحملة القضائية لم تنل من تأييد الناس، قائلا: "استطلاعات الرأي الأخيرة تثبت أن إيمان الناس بنا يزداد يوما بعد يوم". وذكرت مصادر أمنية، اليوم السبت، استمرار ملاحقة 4 مشتبهين لم يعتقلوا بعد، بينما أكدت النيابة أن الأدلة المتوفرة ضد المعتقلين "قوية وكفيلة بإثبات التهم الموجهة إليهم"، لتبقى القضية مفتوحة على مزيد من المفاجآت في الأسابيع القادمة. اتهامات مسيسة في السياق، يرى مراد جان إيشيلداق نائب رئيس لجنة الانضباط في حزب الشعب الجمهوري أن الاتهامات المتداولة حول تسريب وثائق من داخل الحزب بشأن قضايا الفساد في بلدية إسطنبول ليست سوى محاولة سياسية مكشوفة لصرف الانتباه. ويؤكد إيشيلداق للجزيرة نت أن بلدية إسطنبول تدار بأعلى درجات الشفافية، وتخضع لرقابة مزدوجة من كل من ديوان المحاسبة وآليات الرقابة الداخلية، مضيفا أن "ما يُروج له من وجود وثائق مسرّبة، ليس سوى اتهامات فضفاضة غير مثبتة، تسعى لتقويض النجاحات الاجتماعية والإدارية التي حققتها البلدية". وشدَّد على أن الهجمة القضائية لا تستهدف حزب الشعب الجمهوري فحسب، بل الديمقراطية التركية برمتها، مضيفا أن "السلطة التنفيذية بعدما عجزت عن محو أثر هذا النموذج الناجح في الحكم المحلي، لجأت لافتعال حالة صراع داخلي مزعومة داخل الحزب، وإيهام الرأي العام بوجود انقسامات، بينما الحقيقة أن الحزب يدير تعددية الآراء لديه ضمن إطار ديمقراطي متماسك". في المقابل، يرى المحلل السياسي جنك سراج أوغلو أن ظهور اعترافات من شخصيات مقربة من إمام أوغلو يعكس تحولا جوهريا في مسار التحقيقات، وينسف رواية المعارضة التي تصف القضية بأنها ذات طابع سياسي بحت. ويقول للجزيرة نت إن الشهادات الصادرة عن مقاولين ومسؤولين إداريين سابقين تشكل نقطة مفصلية في توسيع نطاق الاتهامات، من حيث العدد، ومن حيث المصداقية القانونية أيضا. ويضيف أن ما يجري اليوم ليس مجرد حملة قضائية، بل اختبار حقيقي لقدرة مؤسسات الدولة على تفكيك شبكات المصالح داخل البلديات الكبرى. ويلفت سراج أوغلو إلى أن الأهم من الاعترافات هو السياق الذي ظهرت فيه، إذ يعتقد أن "تنامي الضغوط القانونية، وتغير موازين القوى داخل بلدية إسطنبول بعد إقالة إمام أوغلو، شكلا بيئة مواتية لانكشاف معلومات حساسة، كانت مخبأة في السابق داخل دوائر ضيقة مغلقة".