
الإصلاحات الصحية: حين تُصاغ السياسات في الكواليس وتُفرض على الشغيلة الصحية
عبد الحكيم العياط
يعيش القطاع الصحي على إيقاع إصلاحات متسارعة تُطرح تحت عناوين براقة، لكن المتأمل في مسار هذه التحولات يدرك أن الشغيلة الصحية تظل الحلقة الأضعف فيها، إذ غالبًا ما يتم تغييبها عن دوائر القرار، لتجد نفسها في مواجهة سياسات جديدة، أُعدّت دون استشارتها الفعلية، وتُنفَّذ دون مراعاة لواقعها المهني والاجتماعي. هذا الوضع يطرح أسئلة جوهرية حول مدى نجاعة هذه الإصلاحات، وحول ما إذا كانت حقًا موجهة لخدمة المواطن أم أنها تأتي في سياق استجابة لضغوط دولية وإملاءات تقنية لا تأخذ بعين الاعتبار الوضع الحقيقي للموارد البشرية والبنية التحتية الصحية.
أحد أبرز مظاهر هذا التغييب هو غياب الحوار الاجتماعي الجاد، حيث تقتصر لقاءات المسؤولين مع ممثلي الشغيلة الصحية على مشاورات شكلية، سرعان ما يتم الالتفاف عليها بقرارات جاهزة. فحسب تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي لسنة 2022، فإن 65% من الأطر الصحية يشعرون بأنهم غير ممثلين بشكل حقيقي في صياغة السياسات الصحية، فيما يرى 72% أن الإصلاحات الأخيرة لم تواكب تطلعاتهم ولم تعالج الإشكالات الحقيقية التي يعانون منها يوميًا داخل المستشفيات والمراكز الصحية.
ورغم أن الحكومة تتحدث عن تحسين ظروف العمل داخل المستشفيات، فإن التقارير الميدانية تؤكد عكس ذلك. تقرير لمنظمة الصحة العالمية حول المنظومة الصحية بالمغرب لسنة 2023 أشار إلى أن هناك خصاصًا حادًا في الموارد البشرية، حيث لا يتجاوز عدد الأطباء 7 لكل 10,000 مواطن هذا المعدل الذي ينخفض بشكل كبير اذا اعتبرنا فقط أطباء القطاع العام، بينما توصي المنظمة بحد أدنى قدره 23 طبيبًا لكل 10,000 نسمة. هذا العجز لا يؤدي فقط إلى إنهاك الأطر الصحية بل يؤثر مباشرة على جودة الخدمات المقدمة للمرضى.
الميزانية المخصصة للصحة لا تزال بدورها دون المستوى المطلوب. فرغم رفع مخصصات القطاع في قانون المالية 2024 إلى حوالي 30 مليار درهم، إلا أن ذلك لا يرقى لمتطلبات الإصلاح الحقيقي. وفقًا لدراسة أجراها المنتدى المغربي للاقتصاد الصحي، فإن تحقيق التغطية الصحية الشاملة يتطلب ميزانية سنوية لا تقل عن 50 مليار درهم، مما يعني أن الفجوة التمويلية لا تزال عميقة، وهو ما ينعكس بشكل مباشر على الأجور وظروف العمل.
الإصلاحات المطروحة حاليًا، والتي تشمل مشروع الوظيفة العمومية الصحية، لم ترافقها ضمانات كافية لتحسين وضعية الشغيلة. ففي الوقت الذي يتم الترويج لهذا المشروع باعتباره خطوة نحو تحسين أوضاع الأطر الصحية، فإن العديد من النقابات ترى فيه محاولة للتحرر من الالتزامات الاجتماعية، من خلال فرض عقود عمل مرنة قد لا توفر نفس الاستقرار الذي يضمنه النظام الحالي.
ما يزيد من تعقيد المشهد هو عدم مواكبة هذه الإصلاحات بتحسين حقيقي للبنية التحتية الصحية. فبحسب تقرير للمجلس الأعلى للحسابات لسنة 2022، فإن 40% من المستشفيات العمومية تعاني من تهالك تجهيزاتها الطبية، بينما 60% منها تعاني من نقص في الموارد الأساسية مثل الأدوية والمعدات. في ظل هذه الظروف، كيف يمكن الحديث عن إصلاحات حقيقية دون توفير الحد الأدنى من الإمكانيات اللازمة لنجاحها؟
تهريب الإصلاحات بهذا الشكل لا يؤدي سوى إلى تعميق الأزمة، فالإصلاحات الحقيقية لا تُفرض من أعلى بقرارات جاهزة، بل تُبنى على أسس تشاركية حقيقية، تأخذ بعين الاعتبار الواقع اليومي الذي تعيشه الشغيلة الصحية. إن تحسين المنظومة الصحية لا يمكن أن يتم دون تحسين ظروف الأطر التي تشكل عمودها الفقري، ودون توفير بيئة عمل تُمكّنهم من أداء مهامهم بفاعلية ودون إنهاك. إن أي إصلاح لا ينطلق من هذه الأولويات يبقى مجرد تعديل شكلي لن يغيّر من واقع الصحة شيئًا، بل قد يزيده سوءًا.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


صوت العدالة
منذ 3 ساعات
- صوت العدالة
بالصور : انهيار المنظومة الصحية بمراكش… مستشفى محمد السادس يواجه أسوأ أزماته وسط عجز المستشفيات المجاورة
تعيش مراكش على وقع أزمة صحية خانقة تُنذر بانهيار المنظومة العلاجية، في ظل الاكتظاظ الحاد الذي يشهده مستشفى محمد السادس، بعد أن أُحيلت إليه معظم الحالات القادمة من مستشفيي شريفة سيدي يوسف بن علي والمحاميد، وهما منشأتان تواجهان أصلًا شللًا شبه تام بسبب ضعف المعدات ونقص الأطر الطبية. داخل المستشفى، تحولت الممرات إلى 'غرف استشفاء' مملوءة بالمرضى الممددين على الأرض، في مشهد يعكس مأساة صحية لا تليق بمستشفى عمومي من المفترض أن يضمن كرامة المواطنين. الأكثر إيلامًا أن أسر المرضى يُجبرون أحيانًا على دفع مبالغ تصل إلى 100 درهم لكراء سرير داخل المستشفى، في تجاوز صادم لمبدأ مجانية العلاج داخل القطاع العمومي. رغم تفاني الأطقم الطبية والتمريضية، فإنها تجد نفسها منهكة يوميًا بفعل تدفق أعداد مهولة من المرضى، ليس فقط من مراكش بل من مدن وقرى مجاورة، ما يتجاوز بكثير قدرات المستشفى من حيث الأجهزة، والتحاليل، وحتى أبسط وسائل التشخيص. وفي ظل هذا الوضع الخطير، يرفع الفاعلون الصحيون والحقوقيون نداءً عاجلًا إلى وزارة الصحة لاتخاذ إجراءات ملموسة وسريعة، تشمل: • تعزيز مستشفى محمد السادس بالمعدات والتجهيزات الضرورية. • تعبئة موارد بشرية إضافية لسد الخصاص الكبير. • إعادة تشغيل المستشفيات المتوقفة أو شبه المعطلة لتخفيف الضغط. • التفكير في حلول طارئة مثل إقامة مستشفيات ميدانية مؤقتة لمواجهة ذروة الطلب. أزمة تهدد حق المواطنين في العلاج الوضع الصحي بمراكش اليوم لم يعد يحتمل التسويف أو التباطؤ. كل تأخير في التدخل يعني مزيدًا من التدهور ومزيدًا من المساس بحق المواطنين في العلاج وفي كرامتهم الإنسانية، وهي مسؤولية تتحملها الدولة ومؤسساتها قبل فوات الأوان.


كازاوي
منذ 9 ساعات
- كازاوي
إعطاء انطلاق أشغال بناء مركز الترويض الطبي والوظيفي بدار بوعزة
أشرف الكاتب العام لعمالة إقليم النواصر، صباح يوم 26 ماي 2025، على إعطاء الانطلاقة الرسمية لأشغال بناء مركز الترويض الطبي والوظيفي بجماعة دار بوعزة، في خطوة تهدف إلى تعزيز العرض الصحي بالإقليم، وتحسين ظروف التكفل بالمرضى. و من المرتقب ان ينجز هذا المركز، الذي يعد ثمرة شراكة بين المبادرة الوطنية للتنمية البشرية بإقليم النواصر، وجمعية دمج الإعاقة في ظرف 18 شهرا، على مساحة 2200 متر مربع، بقيمة مالية يقارب 19 مليون درهم، ساهمت فيه المبادرة الوطنية للتنمية البشرية بإقليم النواصر بما قدره 324 600 18 درهما، ان يستقبل أزيد من 1000 مستفيد، ستوفر لهم خدمات طبية متخصصة في الترويض والعلاج الوظيفي، مع طاقة استيعابية تصل إلى 36 سريرا مخصصة لمرحلة الاستشفاء. هذا، وسينجز المشروع على ثلاث مراحل: الطابق الأرضي: سيضم مركز الاستقبال ومحطة الترويض الطبي. الطابق الأول: سيخصص لخدمات التمريض. الطابق الثاني: سيكون مجهزا بالكامل لتوفير فضاءات الترفيه والدعم النفسي للمرضى خلال فترة العلاج. وتُقدّر تكلفة المشروع بأزيد من 18 مليون درهم، على أن يتم الانتهاء من أشغال البناء خلال 18 شهرًا، بتمويل ومساهمة من مجموعة من الشركاء، من بينهم جماعة دار بوعزة وجمعيات فاعلة في المجال الصحي والاجتماعي.


تيفلت بريس
منذ 15 ساعات
- تيفلت بريس
عامل إقليم الخميسات في زيارة تفقدية للمركز الإقليمي للأطفال في وضعية صعبة بجماعة آيت أوريبل
عبد العالي بوعرفي – تيفلت بريس بمناسبة الاحتفال بالذكرى العشرين لانطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، قام صباح يوم الأربعاء 28 ماي 2025، عامل إقليم الخميسات السيد عبد اللطيف النحلي بزيارة ميدانية للمركز الإقليمي للأطفال في وضعية صعبة بجماعة آيت أوريبل، بحضور الكاتب العام للعمالة، ورئيسة المجلس الإقليمي، ومدير الديوان و ممثلي السلطات المحلية ورؤساء المصالح الخارجية، شكّلت محطة هامة للوقوف على المجهودات المبذولة لفائدة الطفولة الهشة بالإقليم. وفي مستهل الزيارة، قدم رئيس قسم العمل الاجتماعي بالنيابة عرضا مفصلا حول هذا المشروع الاجتماعي النموذجي، الذي يندرج في إطار برنامج 'الأشخاص في وضعية هشاشة' الخاص بالمبادرة. ويهدف المشروع إلى إرساء منظومة حماية متكاملة للأطفال، عبر تقديم خدمات طبية ونفسية وتربوية واجتماعية، للحد من كافة أشكال العنف والإهمال والاستغلال. وقد اطلع الوفد الرسمي، رفقة رئيس الجمعية المسيرة للمركز، على مختلف مرافق هذه المؤسسة الاجتماعية التي تطلب بناؤها وتجهيزها غلافا ماليا يناهز 9.18 ملايين درهم. ويتكون المركز من قاعة استقبال، إدارة، قاعة تمريض، فضاء للدراسة، قاعة ألعاب، بالإضافة إلى أجنحة مخصصة حسب الفئات العمرية: من 0 إلى 3 سنوات، من 4 إلى 9 سنوات، من 10 إلى 14 سنة، ومن 15 إلى 18 سنة. و تعتبر جمعية بلسم المشرفة على تسيير المركز وفق إتفاقية شراكة، الفاعل الرئيسي داخل المركز، حيث قام رئيس الجمعية السيد جمال عزي بتقديم عرض مهم يلقي الضوء على رؤية الجمعية لتسيير المركز مع ضمان جودة الخدمات و حسن التواصل مع نقط الارتكاز. كما إستقبل أعضاء الجمعية السيد العامل و الوفد المرافق له و قدم رئيس الجمعية شروحات حول مرافق المركز و الطاقم الإداري و التربوي و الطبي الذي يشرف على المركز، كما تم عرض بعض التجارب على الصعيد الوطني ويعكس، هذا المشروع الطموح، روح المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في مرحلتها الثالثة، ويؤكد حرص السلطات الإقليمية على تمكين الأطفال في وضعية صعبة من حقوقهم الأساسية، وعلى رأسها الرعاية الصحية والتعليم والدعم النفسي، بما يضمن لهم مستقبلا أفضل وإدماجا كريما في المجتمع.