
الكرد الفيليون في العراق: جذور عميقة وآلام مُستمرة وتطلعات نحو الإنصاف..!
الخبير بالشأن السياسي والأمني طه حسن الأركوازي ||
الكرد الفيليون ، شريحة أصيلة من النسيج الاجتماعي العراقي ، يستوطنون المناطق الحدودية بين العراق وإيران ، وتمتد جذورهم التاريخية عميقاً في هذه الأرض ،
يتوزع أبناء هذا المكون في محافظات بغداد وديالى وواسط وميسان ، وصولًا إلى إقليم كردستان ، حاملين معهم لهجتهم الفيلية المتميزة ، المنبثقة من الكردية الجنوبية ، وثقافتهم الغنية وتقاليدهم العريقة ،
وعلى الرغم من إسهاماتهم التاريخية في مختلف جوانب الحياة العراقية ، الاقتصادية والتجارية ، والثقافية ، فقد واجه الكرد الفيليون فصولًا قاسية من التمييز والاضطهاد الممنهج على امتداد تاريخ العراق الحديث ، تاركة جراحاً عميقة لا تزال آثارها ماثلة حتى اليوم ، أسعى من خلال هذا المقال إلى إلقاء الضوء على هذه المظالم الجسيمة التي لحقت بالكرد الفيليين ، مع التعريف بهذا المكون العراقي الأصيل وعشائره وتقديرات أعداده ، وربط هذه المأساة بسياق الواقع العراقي الراهن وتطلعاتهم نحو تحقيق العدالة والإنصاف .
الكرد الفيليون : مكون أصيل بتطلعات مشروعة
فهم ليسوا مجرد مجموعة سكانية على هامش التاريخ، بل هم مكون عراقي أصيل ذو جذور عميقة وإسهامات واضحة.
إن معاناتهم الطويلة والمريرة تستدعي وقفة جادة من الدولة والمجتمع العراقيين لإنصافهم وجبر ضررهم بشكل كامل. إن تحقيق العدالة واستعادة الحقوق وتمكينهم من المشاركة الفاعلة في بناء عراق ديمقراطي تعددي يمثل ضرورة وطنية وأخلاقية.
من هم الكرد الفيليون ، جذور تاريخية وإسهامات مجتمعية :
للكرد الفيليين تاريخ عريق في العراق ، حيث سكنوا مناطقهم الحالية لقرون طويلة ، لعبوا دوراً هاماً في الحياة الاقتصادية ، خاصة في بغداد ، حيث برز العديد منهم في الأنشطة التجارية المختلفة ، مساهمين بذلك في ازدهار العاصمة ، كما كان لهم بصمات واضحة في الجوانب الثقافية والاجتماعية للمجتمع العراقي بتنوعه .
عشائر الكرد الفيليين وتنوعهم :
يُشير اتحاد الأكراد الفيليين إلى وجود 15 عشيرة رئيسية ضمن هذا المكون ومع ذلك ، يظل تحديد هذه العشائر بدقة موضوعاً لتعدد المصادر واختلافها ، فبينما تُشير بعض المراجع إلى تقسيمات أوسع مثل اللور ( بفرعيها الكبرى والصغرى التي تضم أكثر من مئة قبيلة وعشيرة )، واللك ، والكلهور ، والگوران ، والشبك ( الذين يشكل الفيليون نحو 70% منهم مع وجود خليط من الكورمانج والقزلباشية )،
تذكر مصادر أخرى عشائر وقبائل محددة مثل: الاركوازية ، الزنگنه ، داوودي ، باجلان ، روژبياني ، بيات كلهور ، شوانكاره ، شيخ بزيني ، بختياري ، لك ، گوران بيچگ ، هذا التنوع العشائري يعكس عمق الروابط الاجتماعية والثقافية داخل هذا المكون العراقي .
وطأة الظلم سجل مُرّ من التمييز والاضطهاد :
لقد تحمل الكرد الفيليون وطأة سياسات تمييزية واضطهاد ممنهج ، بلغت ذروتها في عهد نظام حزب البعث، وتركت ندوباً عميقة في ذاكرة هذا المجتمع ، تتجلى هذه المظالم في صور متعددة :
1- إسقاط الجنسية والتهجير القسري : جريمة بحق الإنسانية في أواخر الستينيات وبداية السبعينات ، تصاعدت حملات التهجير القسري التي أستهدفت الكرد الفيليين ، وبلغت أوجها في عام 1980 ، مستغلةً أجواء الحرب العراقية الإيرانية ، تجسدت قسوة هذه الحملات في قرارات تعسفية ، وعلى رأسها القرار سيئ الصيت رقم ( 666 ) ، الذي جرّد عشرات الآلاف من الكرد الفيليين من جنسيتهم العراقية ، ليُصنفوا زوراً وبهتانًا كـ 'إيرانيين بالتبعية'. ونتيجة لهذه السياسات اللاإنسانية ، تم تهجير ما يُقدر بنحو نصف مليون كردي فيلي قسراً عبر الحدود إلى إيران ، مصحوباً بمصادرة تعسفية لأموالهم وممتلكاتهم الثابتة والمنقولة ، في أنتهاك صارخ لحقوق الإنسان .
2- إحصائية ودليل : تُشير التقديرات الموثقة إلى أن قرابة نصف مليون كردي فيلي تم تهجيرهم قسرًا إلى إيران في عهد صدام حسين ، تاركين خلفهم تاريخاً وجذوراً وممتلكات نُهبت .
2- الاختفاء القسري والإعدامات : جرح غائر في الذاكرة الوطنية لم تتوقف فصول المأساة عند التهجير ، بل أمتدت لتطال أرواح الآلاف من شباب الكرد الفيليين ، الذين طالتهم يد الاختفاء القسري ، خاصة أولئك الذين كانوا يؤدون الخدمة العسكرية ، حيثُ تشير الإحصائيات المؤلمة إلى أن ما يقارب 20 ألف شخص من أبناء هذا المكون غيبتهم آلة القمع البعثية ، ولا يزال مصير غالبيتهم مجهولًا حتى اليوم ، مما يضاعف من حجم المأساة ويُبقي جرح الفقد مفتوحاً . كما نفذ النظام عمليات إعدام ممنهجة بحق العديد من الكرد الفيليين في بغداد وديالى وواسط ومناطق أخرى ، في محاولة لإرهاب هذا المكون وكسر إرادته .
3- إحصائية ودليل : يُقدر عدد المختفين قسرًا من الكرد الفيليين بحوالي 20 ألف شخص ، ولا يزال مصيرهم مجهولًا ، يمثلون علامة سوداء في سجل حقوق الإنسان في العراق .
4- التمييز والحرمان من الحقوق : إقصاء ممنهج حيث عانى الكرد الفيليون من التمييز والإقصاء في مختلف مناحي الحياة ، حيث حُرموا من فرص متكافئة في العمل والتعليم والمشاركة السياسية الفاعلة كما قُيدت حرياتهم وحقوقهم المدنية والسياسية بسبب نظرة النظام إليهم بعين الشك والريبة ، مما أثر سلبًا على تقدمهم واندماجهم الكامل في المجتمع العراقي .
5- تم أستخدامهم كدروع بشرية وتجارب للأسلحة الكيميائية: فصول وحشية خيث تشير تقارير موثوقة إلى أستخدام أعداد من الكرد الفيليين كدروع بشرية في الخطوط الأمامية خلال الحرب العراقية الإيرانية ، في أنتهاك صارخ لقوانين الحرب والإنسانية ، بل وتذهب بعض الشهادات إلى حد الإشارة إلى إخضاع بعضهم لتجارب الأسلحة الكيميائية المحرمة دولياً ، مما يمثل جريمة حرب مكتملة الأركان .
6- إحصائية ودليل : أدانت المحكمة الجنائية العراقية العليا مسؤولين في عهد صدام حسين في قضايا تتعلق بأستخدام مدنيين كدروع بشرية ، وتشير بعض الأدلة إلى تورط النظام في استخدام الكرد الفيليين في تجارب للأسلحة الكيميائية ، وهي جرائم تستدعي تحقيقًا ومحاسبة كاملة .
7- تغيير التركيبة السكانية : محاولات طمس الهوية سعت سياسات النظام البعثي إلى تغيير التركيبة السكانية في المناطق التي يقطنها الكرد الفيليون عبر تهجيرهم قسراً وإحلال سكان آخرين مكانهم ، في محاولة لمحو هويتهم وتاريخهم في تلك المناطق ،
الاعتراف المتأخر ومسارات جبر الضرر المتعثرة .
بعد سقوط نظام حزب البعث في عام 2003، بدأت بعض الخطوات المتأخرة للاعتراف بحجم المظالم التي تعرض لها الكرد الفيليون ومحاولة جبر الضرر ، ففي عام 2011 ، خطا البرلمان العراقي خطوة مهمة عندما صوت على أعتبار ما تعرض له الكرد الفيليون في عهد صدام حسين 'إبادة جماعية'، وهو أعتراف رمزي يحمل دلالات قانونية وأخلاقية ،
كما تم أستعادة الجنسية العراقية لنحو 100 ألف كردي فيلي ممن سُلبت منهم ، مما يمثل بارقة أمل للكثيرين إلا أن مسيرة جبر الضرر لا تزال تواجه تحديات كبيرة ، فالكثير من القضايا العالقة لم تُحل بعد ، وعلى رأسها قضية المفقودين والمختفين قسراً ، وأستعادة الممتلكات المصادرة ، وتحقيق العدالة الانتقالية الشاملة التي تضمن عدم تكرار هذه المآسي .
خلاصة :
إن المظالم التي تعرض لها الكرد الفيليون في العراق تمثل وصمة عار في تاريخ البلاد الحديث ، لقد دفع هذا المكون العراقي الأصيل ثمناً باهظاً من التمييز والاضطهاد الممنهج لعقود طويلة ،
وعلى الرغم من بعض الخطوات الإيجابية المتخذة ، لا يزال الطريق طويلًا نحو تحقيق العدالة الكاملة وإنصاف الضحايا وعائلاتهم ، إن الاعتراف الكامل بهذه المظالم ، وجبر الضرر المادي والمعنوي ، وضمان عدم تكرارها ، يمثل امتحانًا حقيقيًا لقدرة العراق على بناء مستقبل يسوده العدل والمساواة لجميع مكوناته ، بما في ذلك الكرد الفيليون الذين يستحقون مكانتهم اللائقة كمواطنين عراقيين متساويين في الحقوق والواجبات ،
إن فهم هذه المأساة وخصوصية هذا المكون الثقافي والاجتماعي يمثل خطوة أساسية نحو بناء عراق مُوحد وقوي يحتضن تنوعه ويحترم تاريخ جميع أبنائه …

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


موقع كتابات
١٥-٠٥-٢٠٢٥
- موقع كتابات
ابو ياسين …عزالدين سليم العروج الاخير
في التجارب الانسانية الكثيرة التي مرت على الانسان ، وفي في خضم الصراع بين الانسان والمجتمع ، يجب على الشخص الواعي وصاحب البصيرة والذي يمتلك التحليل الموضوعي للاحداث ان يكون مستعدا لخسارة كل العالم مقابل ان لايخسر ضميره ، فالضمير هو الطريق الذي يجب ان يسلكه الانسان المنصف للشخوص والاحداث، والفصل ما بين هو حقيقي او ظاهري ، هذه الحقيقة واجهتني وانا اغوص في بحر الشهيد الكبير الحاج ابا ياسين ، عزالدين سليم او عبد الزهراء عثمان الحجاج . ولد عبد الزهراء عثمان محمد عام 1943. وكانت ولادته في قرية (الهوير) التابعة الى محافظة البصرة ، دخل بين الرابعة والخامسة من عمره في الكتّاب لتعليم القرآن، حيث لم يكن في منطقة (الهوير) وما حولها من القرى القريبة مدرسة ابتدائية ولولا الكتاتيب القليلة، لانعدمت القراءة والكتابة. وفي عام 1952م أسست الحكومة «مدرسة الهوير الابتدائية» ودخل فيها في الصف الأول الابتدائي، وبعد إكمال دراسته الابتدائية انتقل إلى مدينة القرنة التي تبعد حوالي 30 كم عن محل سكنه. أكمل الدراسة في قضاء القرنة، وحصل على شهادة المتوسطة. ولم يكن في البصرة يوم ذاك جامعة، وإنما على الطالب البصري إذا أراد أن يكمل دراسته الجامعية أن يذهب إلى بغداد، مما اضطره إلى الدراسة في دار المعلمين. أنهى دراسته الأكاديمية عام 1964م ومارس مهنة التدريس في العراق والكويت في عام 1965م إلى عام 1980م، حيث درّس العربية والتاريخ والاجتماعيات في المدارس وعلى مراحل مختلفة. اهتم بالتأليف والتثقيف، وكتابة المقالات العلمية منذ عام 1967م، حتى صدر له أول كتاب عام 1969م، بعد مشاركته في مسابقة التأليف العالمية عن سيرة الصديقة فاطمة بنت الرسول، حيث فاز كتابه الزهراء فاطمة بنت محمد بالجائزة الثانية .حت ى وصلت مؤلفاته الى اكثر من ثمانين نتاجاُ توزعت بين السيرة، العقيدة، التاريخ، السياسة، والثقافة العامة ، انتمى في أثناء دراسته الأكاديمية إلى الحركة الإسلامية، إذ مارس العمل السياسي التنظيمي منذ بدايات شبابه، وسجن مرات عديدة أيام حكم حزب البعث للعراق، حتى صدر عليه حكم الإعدام، مما اضطره إلى مغادرة الوطن وممارسة نشاطه العلمي والسياسي خارج العراق بأسماء مستعارة، كمحمد أبو المجد وفرج الله منتظر وعبد الله سعيد العبادي ومحمد مزهر وأشهرها عز الدين سليم . وفي عام 1961م، عمل عز الدين سليم ضمن تنظيم (الدعوة الإسلامية) في العراق الذي عرف إعلامياً بحزب الدعوة فيما بعد وتدرج في التنظيم حتى أصبح أحد قيادييه. في عـام 1975م اعتقل في محـافظة البصـرة ونقـل إلى مديريـة أمن الديوانية بتهمة انتمائه للتنظيم المذكور ثم أطلـق سراحه بأعجوبة بعد عدم التعرف على شخصيته، وطُورد في نهاية نفـس العام مرة ثانية، ممـا اضطره إلى الهجرة خارج العراق. غادر العراق إلى الكويت سراً وعاش فيها خمس سنوات وباشر العمل ضد النظام العراقي آنذاك مع عدد من الناشطين العراقيين منهم السيد هاشم الموسوي ، وبعد انكشاف عملهم غادر إلى إيران في بداية عام 1980م. في عام 1980م ظهرت اختلافات في قيادة الدعوة، فشكّل عز الدين سليم ومجموعة من العاملين (حركة الدعوة الإسلامية)، فكانت هذه السنة انعطافا مهما في حياة الحاج ابو ياسين ، بعد تاسيس المجلس الاعلى عام 1982 اصبح عضوا ومشرفا على اعلام المجلس الاعلى لمدة 15 عشر عاما . كان عضواً في الشورى المركزية للمجلس الأعلى أكثر من عشر سنوات، ومسؤولاً لللجنة الثقافية المركزية في المجلس ، ترك العمل في المجلس الأعلى عام 2001م. عاد إلى العراق في 17/5/2003م وقد استقبل استقبالاً حاشداً من قبل الجماهير اصبح عز الدين سليم عضواً في مجلس الحكم العراقي منذ تأسيسه حتى اغتياله ، كان أحد المؤسسين للبيت الإسلامي الذي تأسس في بغداد بعد سقوط النظام العراقي تسلم رئاسة مجلس الحكم العراقي في 1/5/2004م، أثر تصويت أكثرية أعضاء المجلس لرئاسته اغتيل عز الدين سليم في صباح يوم الاثنين المصادف 17/5/2004 في نفس التاريخ الذي دخل فيه العراق قبل عام. نجح ابو ياسين في تكوين تاريخ سياسي اسلامي فريد في مساره اعتمد على علميته وثقته بالله وحبه لدينه ، جمع بين الجهاد والكتابة والدراسة وادارة الملف الاعلامي والاشراف عليه للمعارضة العراقية . اتخذ خطا سياسيا معتدلا وازن فيه بين المختلفين ايدلوجياوجهاديا ،قاد الكثير من المفاوضات بين السياسين العراقيين المعارضين ، فاصبح خطا فريداً بذاته ، يجمع ابا ياسين . رحل ابا ياسين بعد ان ترك بصمة جديدة في سجل التاريخ السياسي العراقي جمع فيها بين التواضع والجهاد والتدين ...


ساحة التحرير
٢٧-٠٤-٢٠٢٥
- ساحة التحرير
جدل العلاقات العراقية – السورية بين القطيعة والانفتاح!عادل الجبوري
جدل العلاقات العراقية – السورية بين القطيعة والانفتاح! عادل الجبوري منذ اللحظات الأولى للانقلاب الكبير في منظومة الحكم السورية، في الثامن من شهر كانون الأول-ديسمبر 2024، والمتمثل بسقوط نظام حزب البعث بزعامة بشار الأسد، واستحواذ جبهة تحرير الشام بزعامة أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني) على مقاليد الأمور، لم يتوقف الجدل والسجال الحاد في العراق بخصوص الآلية السليمة للتعاطي مع الوضع الجديد بالشكل الذي يجنّب البلاد الانزلاق، مرة أخرى، إلى مستنقع الإرهاب والفوضى، بعدما راح يتعافى ويستقر شيئا فشيئا. لم يكن العراق بعيدًا عن تفاعلات المواقف والتوجهات الإقليمية والدولية المرتبكة حيال سوريا الجديدة، لقد كانت تداعيات وإسقاطات المأزق السوري أكثر وطأة وتأثيرًا وقلقُا عليه من أطراف أخرى، بحكم الجوار الجغرافي والتراكمات التأريخية البعيدة والقريبة، والممتدة لستة عقود من الزمن، والتي ربما كانت وقائع وأحداث العقدين المنصرمين هي الأشد والأصعب ممّا سبقها. لقد برز اتجاهان متقاطعان، في بغداد، للتعاطي مع دمشق، بعد الثامن من كانون الأول-ديسمبر 2024. الاتجاه الأول؛ بدا أنّه ذو طابع رسمي، أو شبه رسمي، عكسته مواقف الحكومة العراقية، وتمثل بمدّ بعض خيوط التواصل المباشر وغير المباشر مع السلطات الحاكمة في دمشق، انطلاقا من جملة حقائق ومسوّغات، من بينها السعي للحؤول دون اندلاع صراع داخلي، يكون أحد ضحاياه المكوّن العلوي، من دون أن يعني ذلك عدم الحرص على المكونات الأخرى. ولكن؛ لأنّ ذلك المكون قد يكون المستهدف الأكبر لأسباب سياسية وعقدية، ربما تتجاوز حدود الجغرافيا السورية، وكذلك لدفع خطر تنظيم داعش الإرهابي عن العراق، إلى جانب تداخل المصالح والحسابات الأمنية والاقتصادية والسياسية بين العراق وسوريا. والأهم من هذا وذاك، هو العمل على منع توسع نفوذ الكيان الصهيوني في المنطقة وسوريا، من خلال بنائه علاقات جيدة مع النظام السياسي الجديد في دمشق. لقد اتضحت تلك الحقائق والمسوّغات، في تصريحات عديدة لرئيس الوزراء محمد شياع السوداني ومسؤولين حكوميين وساسة عراقيين، فضلاً عن الحراك ذي الطابع الأمني والدبلوماسي بين بغداد ودمشق، والذي تمثل في جانب منه بزيارتين قام بهما رئيس جهاز المخابرات العراقي حميد الشطري إلى سوريا- الأولى في أواخر العام الماضي والثانية في الرابع والعشرين من شهر نيسان/ أبريل الجاري- فضلاً عن زيارات غير رسمية لشخصيات سياسية مقربة من السوداني، إلى جانب زيارة وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني للعراق، في منتصف شهر أذار/ مارس الماضي. لعلّ التطور الأهم، في ذلك الحراك، تمثل باللقاء الذي جمع السوداني بالشرع، برعاية وحضور أمير قطر تميم بن حمد بالدوحة في السابع عشر من شهر نيسان/أبريل الجاري. وقبل ذلك بيوم واحد، كان السوداني قد أعلن، في كلمة له في ملتقى السليمانية، توجيه دعوة رسمية للشرع للمشاركة في القمة العربية المزمع انعقادها في بغداد في السابع عشر من شهر أيار/مايو المقبل. هذا الأمر أثار الكثير من اللغط والجدل، في المحافل السياسية والأوساط الشعبية العراقية، مع أن السوداني شرح وأوضح بالتفصيل متبنيات الموقف العراقي حيال سوريا الجديدة، علمًا أنه في كل اللقاءات التي حصلت بين الطرفين غابت الأجواء الودية إلى حد كبير، والتي يفترض أن تكون حاضرة في ظل توفر الظروف الطبيعية والعلاقات البناءة. في هذا السياق تحديدًا؛ عند لقاء السوداني بالشرع ودعوته لحضور القمة العربية في بغداد، تبلورت وبرزت رؤية الاتجاه الثاني بدرجة أكبر، وهو الرافض لأي تعاطي إيجابي مع الشرع. وذلك لأسباب ومسوّغات عديدة، لعل أهمها وأبرزها: أنّ الأخير متورط وضالع بارتكاب عمليات إرهابية في العراق، قبل خمسة عشر عامًا أو أكثر، حينما كان عنصرًا بارزًا في تنظيم القاعدة الإرهابي، وبحسب ما يقال هناك ملف قضائي بشأنه، وهو مدان ومطلوب للقضاء العراقي. وأصحاب هذا الاتجاه يرون أن التعامل والتصالح، بأي شكل من الأشكال، مع شخص إرهابي، ملطخة يديه بدماء العراقيين الأبرياء، يعدّ خيانة واستخفافًا بأرواح الضحايا ودمائها. هذا فضلًا عن أن المجازر التي ارتكبت، قبل بضعة أسابيع ضد أبناء الطائفة العلوية في مدن الساحل السوري، تؤشر إلى أن منهج الحكم الجديد يقوم على أسس تكفيرية إجرامية، تستهدف إلغاء الآخر والقضاء عليه، بدلًا من التعايش والتصالح معه. بين هذين الاتجاهين؛ هناك من يرى ويعتقد بضرورة التأني والترقب لبعض الوقت، قبل اتخاذ أي مسار؛ لأنّ الصورة ما تزال غامضة ومشوشة، والأوضاع مرتبكة وقلقة، ومواقف دمشق غير متبلورة وناضجة بالقدر الكافي. هذه الرؤية تقترب كثيرًا من حراك الاتجاه الأول، وبيد أنها تتمحور في فكرة التحرك المحسوب والحذر، والتي تقوم على دراسة وبحث كل خطوة بعناية، وتشخيص مجمل أبعادها الإيجابية والسلبية، قبل الذهاب إلى الخطوة الثانية، وهكذا. في هذا الاطار؛ قد يبدو العراق أمام أحد خيارين، إما أن يعدّ ما حصل في سوريا هو شأن داخلي، وعليه أن يتعامل ويتحاور مع أصحاب القرار هناك بخصوص الملفات والقضايا المشتركة، في ضوء مصالحه الوطنية، مثل ملفات: مواجهة الإرهاب الداعشي، تأمين الحدود، تأمين حياة المواطنين العراقيين المقيمين في سوريا، التبادل التجاري وملفات اخرى. وممّا لا شك فيه أن ذلك الخيار الواقعي يمكن أن يجنّب البلاد الكثير من المشكلات والأزمات، في الوقت ذاته يجعل الحكومة العراقية قادرة على القيام بمبادرات إيجابية في الداخل السوري، لتنعكس بدورها على الداخل العراقي. أما الخيار الثاني؛ فيتمثل في أن منظومة الحكم الجديد في سوريا، ابتداءً من رئيسها، هي منظومة إرهابية من غير الممكن التعامل والتواصل معها سياسيًا، وحينذاك يكون البديل الذهاب إلى خيار المواجهة معها بمسارات مفتوحة ونهايات مجهولة. في الوقت ذاته؛ لا يمكن- ومن غير الصحيح- للعراق أن يطوي صفحات الماضي، وكأنّ شيئا لم يكن، إذ ليس صحيحًا أن يتجاهل حقائق الواقع وضرورات المصالح الوطنية العامة ومقتضيات الاستقرار الإقليمي، وكل ذلك لن يتحقق بتجاهل بعض الأمور على حساب أمور أخرى، أو التركيز على بعضها وإهمال البعض الآخر. أضف إلى ذلك؛ أنّه من الصعب بمكان القفز فوق حقيقة أن ملفات المنطقة كلها متداخلة ومتشابكة، وكل ملف يؤثر في الآخر ويتأثر به. 2025-04-27 The post جدل العلاقات العراقية – السورية بين القطيعة والانفتاح!عادل الجبوري first appeared on ساحة التحرير.


موقع كتابات
٢٣-٠٤-٢٠٢٥
- موقع كتابات
سوريا ليست غضباً علينا !
يظهر لنا في الفضائيات بأناقة ربطة عنقه واختلاف طروحاته السياسية التي تتلائم مع تنقله من غصن الى غصن دون ان يكون عصفوراً شجي التغريد .. انه السيد عدنان السرّاج الذي يتحفنا بفكرة خارج اطار التأريخ والجغرافيا والمستقبل ليقول لنا إن الله قد ارسل سوريا غضباً على العراق والعراقيين ! فكرة جسّدت جهله بالتأريخ وترابط الجغرافيا والمصائر المشتركة وترابط الافكار ومدلولاتها ومصادرة لرؤيا الله سبحانه وتعالى في العلاقة بين العراق وسوريا ، فاعتقد الرجل جازماً ان الله ترك كل هموم الدنيا ليهندس سوريا ويرسلها غضباً على العراقيين وفاته ان هذه العقوبة الربانية التي افترضها هي ادانه للشعب العراقي بيد سورية التي تنفذ أو نفذت الإرادة الربانية !! لن اذهب مع سقطته هذه واذكره متسائلاً : هل كانت سوريا غضبا على العراقيين حين احتضنت المعارضة العراقية لنظام صدام من اقصى يمينها لاقصى شمالها ، من حزب الدعوة الى الحزب الشيوعي وتحت رعاية حزب البعث / قيادة قطر العراق ؟ هل كانت سوريا غضباً عليناً حين كانت السيدة زينب ملاذاً لقيادات الاحزاب الاسلامية الشيعية وهم الآن على قمة الهرم السياسي في البلاد ؟ هل كانت غضبا علينا بقيادة الاسد الاب البعثي حين كان شباب المعارضة يتدربون في معسكرات منظمة التحرير الفلسطينية على القتال واستخدام الاسلحة ، قبل الاجتياح الاسرائيلي لبيروت عام 1982، ثم يعبرون من خلال سوريا وبرعاية المخابرات السورية وصولا الى مدينة القامشلي ثم التسلل الى شمال العراق لمقاتلة نظام صدام البعثي ؟ هل كانت غضباً علينا وهي تفتح اذرعها استقبالا للعراقيين الفارين من جحيم الحرب العراقية الايرانية بمئات الآلاف .. هل كانت غضباً علينا حين نزح اليها مئات الآلاف من العراقيين هروبا من حرب طائفية بلا رحمة في الاعوام السوداء بعد التغيير عام 2003 .!! لاأريد ان استجلب التأريخ بين البلدين فتلك مهمة أخرى ! اما السيد غالب الشابندر وفي نفس البرنامج ، والذي اشك انه كان بكامل قواه العقلية ، فكاد ان يلطم وينوح على الهوية الشيعية التي ستتفتت وتتبخر وتضيع وتنقسم لان محمد شياع السوداني التقى الشرع في الدوحة ، والأكثر غرابة افتاءه ان السوداني منخرط في المخطط الصهيوني من حيث يدري ولا يدري !