
هل تفعلها سوريا كما فعلتها ألمانيا وكوريا؟
حين تُرفع العقوبات، لا تُفتح فقط الأبواب أمام المال والمشاريع، بل تُطرح أسئلة عميقة: هل يمكن إعادة بناء بلد خرج بعد عقد من الحرب، دون إعادة إنتاج الأسباب التي أوصلته إلى الانهيار؟
إن ما تحتاجه سوريا اليوم ليس مجردَ إعمار للبنية التحتية، بل تعافيًا سياسيًا ومجتمعيًا يضع الأسس لدولة حديثة عادلة ومشتركة.
إنّ التحولات العميقة في رواندا، وألمانيا، وكوريا، وأميركا، لا تمنحنا وصفات جاهزة، لكنها تكشف كيف يمكن للدول أن تنهض من تحت الركام إذا امتلكت إرادة جماعية ورؤية واضحة. فهي تساعدنا على تمييز ما يُصلح الدول بعد الصراع، وما يُعيدها إلى الدوامة. ومن هنا، نفهم أن الإعمار لا يبدأ من المال، بل من الإصلاح والمؤسسات.
العراق
بعد الاحتلال الأميركي عام 2003، خُصصت مبالغ ضخمة لإعادة الإعمار، لكن النتائج كانت كارثية. غابت الرؤية الوطنية، وهيمنت المرجعيات الدينية على المشهد السياسي، وتشكّلت مليشيات طائفية موازية لمؤسسات الدولة تُدار من الخارج، ما أدى إلى تآكل السلطة المركزية.
تزامن ذلك مع انتشار واسع للفساد المالي والإداري، وغياب أي مساءلة حقيقية، مما حوّل الإعمار إلى أداة تعميق للانقسام بدل أن يكون وسيلة لتجاوزه.
تجربة إعادة الإعمار بقيادة الرئيس رفيق الحريري بعد الحرب الأهلية بدت واعدة في بدايتها، لكنها افتقرت إلى استقلالية القرار الوطني، الذي كانت تهيمن عليه آنذاك أجهزة المخابرات السورية، بالإضافة إلى غياب إصلاح جذري في بنية الدولة.
تركّز الجهد بشكل مفرط على دور الحريري كمحرّك للإعمار، على حساب بناء مؤسسات فاعلة ومستقلة. تم التركيز على البنيان العمراني، فيما غابت المحاسبة والشفافية، واستُبدلت الدولة بشبكات مصالح طائفية، ما أدى لاحقًا إلى انهيار شامل في مؤسسات الدولة ومقوماتها الاقتصادية.
كما تكشف لنا التجارب السابقة: لا يمكن بناء دولة عادلة ما لم تتوفر مصالحة وطنية شاملة، وعدالة انتقالية، وهوية وطنية جامعة، وفي حال التغاضي عما سبق فإن أي مشروع إعمار لن يكون إلا استراحة قصيرة في طريق أزمة أعمق.
تجارب النجاح: من رماد الدمار إلى نهضة الدول.. كيف نجحت رواندا وكوريا وألمانيا وأميركا؟
رواندا
خرجت من إحدى أفظع الإبادات في القرن العشرين، لكنها اختارت طريق المصالحة الجماعية بدل الثأر. أنشأت محاكم شعبية (غاتشاكا)، وركزت على التعليم، وتمكين المرأة، واستخدام التقنية والحكومة الإلكترونية. فنجحت في التحول من دولة فاشلة إلى واحدة من أكثر الدول كفاءة في أفريقيا.
ألمانيا الغربية
بعد الحرب العالمية الثانية، كانت البلاد مدمرة اقتصاديًا وسياسيًا. لكن تجربة مشروع مارشال فيها لم تكن ناجحة بسبب المال، علمًا بأنها ليست أكثر المستفيدين أوروبيًا منها، بل لأن الشعب الألماني امتلك مشروعًا للإصلاح وإعادة البناء. ارتبط الدعم الخارجي بحكومة شرعية، ومؤسسات منتخبة، وقانون صارم ضد الفساد. ويُعزى تميز النجاح الألماني مقارنة بدول أوروبية أخرى إلى عدة عوامل:
وجود قاعدة صناعية وتعليمية متقدمة نسبيًا قبل الحرب.
تمكين القيادة المحلية من إدارة الدعم بدل فرضه من الخارج.
البيروقراطية الفعالة.
الإرادة الشعبية الواضحة للنهوض من جديد.
كوريا الجنوبية
بعد الحرب الكورية، كانت من بين أفقر دول العالم. لكنها اختارت طريق التنمية من خلال التعليم، والإصلاح الزراعي، والتصنيع الموجه للتصدير. بدعم من الدولة، نشأت شركات وطنية كبرى واستثمرت في الإنسان قبل البنيان، مما مهّد لتحولها إلى قوة اقتصادية عالمية.
ما تعلّمناه من التحولات الكبرى الناجحة: التنمية ليست منحة خارجية، بل رؤية داخلية. إعادة الإعمار الناجحة تبدأ من الإنسان، ومن الثقة بين الدولة والمجتمع، ومن العدالة، قبل أن تبدأ من التمويل أو العقود.
ما الذي تحتاجه سوريا؟
سوريا لا تحتاج فقط إلى أموال أو مؤتمرات، بل إلى رؤية وطنية جذرية تُرسي أسس الدولة الجديدة على أربعة محاور مترابطة:
هيئة وطنية مستقلة لإدارة الإعمار: تتمتع بصلاحيات تنفيذية كاملة، وتخضع لمجلس رقابي متعدد التمثيل وبرلمان محترف فاعل، مما يضمن الشفافية التامة في التمويل والتنفيذ.
مصالحة وطنية عميقة: لا تستند إلى تسويات فوقية، بل إلى حوار مجتمعي شامل يشمل جميع الضحايا والفاعلين، وتؤطره آليات العدالة الانتقالية والمساءلة.
اقتصاد إنتاجي وتنمية متوازنة: يقوم على دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، والتعليم المهني، والزراعة والصناعة، والانتقال إلى اقتصاد حيوي لا رَيعي.
سيادة وطنية وشراكات نزيهة: الانفتاح على التمويل الخارجي يجب ألا يتحول إلى وصاية سياسية، بل إلى شراكات إستراتيجية تحفظ القرار الوطني.
وفي الوقت ذاته، من الضروري أن يعي كل من يعوّل على الخارج أو يراهن على تدخلاته، أن هذا الخيار لم يكن يومًا مسارًا ناجحًا لبناء الأوطان. فالتجارب القاسية في الإقليم والعالم أثبتت أن الاستقرار لا يُستورد، وأن التنمية الحقيقية لا تُبنى على انتظار الخارج، بل على إرادة الداخل.
خاتمة
رفع العقوبات لا يعني بالضرورة بداية التعافي، بل هو فرصة مشروطة. نجاحها يتوقف على خيارات الداخل أكثر من الخارج. سوريا اليوم أمام مفترق طرق: إما أن تختار طريق رواندا، وألمانيا، وكوريا في لحظاتها التحولية، فتنهض ببطء ولكن بثقة، أو تعيد تكرار أخطاء العراق، ولبنان فتُغرق نفسها في دوامة جديدة.
لكن ما تحقق حتى الآن ليس بالقليل: من التحرير العسكري لأجزاء واسعة من البلاد، إلى تعزيز الانفتاح الإقليمي، وصولًا إلى رفع العقوبات. كلها مؤشرات على أن مشروع الدولة السورية الجديدة يسير بثبات نحو استعادة السيادة والفاعلية.
وتبقى إحدى المهام المصيرية أمام القيادة اليوم هي استكمال استعادة وحدة الأراضي السورية، لا سيما في شمال شرق البلاد، وتوحيد المؤسسة العسكرية والأمنية، وتشكيل البرلمان الفاعل، بما يعزز الشعور الوطني ويؤسس لبيئة سياسية واقتصادية مستقرة.
ويبقى السؤال: هل تنجح القيادة؟ وفي مقدمتها الرئيس الشرع في إنجاز المهام الكبرى القادمة من إعادة بناء المؤسسات، وتحقيق العدالة إلى إطلاق تنمية حقيقية؟
إنها لحظة كتابة التاريخ مجددًا لا ترميمه، إعادة الإعمار ليست إعادة بناء لما كان، بل رؤية إبداعية لما يجب أن يكون.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 42 دقائق
- الجزيرة
التضييقيات الإسرائيلية تعرقل توزيع الخبز في غزة
وصفت جمعية أصحاب المخابز في قطاع غزة الآلية التي اعتمدها برنامج الغذاء العالمي لتوزيع الخبز بأنها مجحفة وأنها لا تلبي الحد الأدنى من احتياجات الفلسطينيين، في حين برر البرنامج التابع ل لأمم المتحدة قراره بأنه لم يحصل حتى الآن على تصريح من السلطات الإسرائيلية لتوزيع المواد الغذائية والطحين (الدقيق) مباشرة على العائلات في غزة. وقال رئيس الجمعية عبد الناصر العجرمي -للأناضول- إن الآلية الجديدة التي اعتمدها البرنامج تقضي بتشغيل المخابز وفق كميات محدودة من الدقيق والسكر والزيت والخميرة والوقود، لإنتاج الخبز وتسليم الكميات الجاهزة له، والذي يتولى بدوره توزيعه على المستفيدين. وشدّد العجرمي على أن خطة البرنامج لا تلبي الحد الأدنى من احتياجات المواطنين والنازحين في ظل حالة المجاعة والحصار المشدد والإغلاق المستمر منذ مارس/آذار الماضي. وأوضح أن الجمعية قدمت مقترحا بديلا يقوم على توزيع كيس من الطحين (الدقيق) بشكل مباشر لكل أسرة في مرحلة أولى، بما يضمن الحد الأدنى من الأمن الغذائي ويمتص حالة الغضب الشعبي، ومن ثم تشغيل المخابز في مرحلة ثانية. وأضاف أن البرنامج رفض المقترح وفضّل الاستمرار بآلية تشغيل المخابز وتوزيع الخبز عبر المندوبين. من جهة أخرى، أبدى رئيس جمعية أصحاب المخابز في غزة تخوف أصحاب المخابز من العمل في ظل تدهور الوضع الأمني وحالة الفوضى التي يخلقها الاحتلال الإسرائيلي بتشديد الحصار ومنع دخول المساعدات الغذائية بكميات كافية. وحذر من تكرار حوادث السطو المسلح على شاحنات نقل المواد الخام، مشيرًا إلى أن تلك الحوادث تسببت في تعطل وصول الإمدادات للمخابز، وفاقمت من معاناة الفلسطينيين في ظل المجاعة المستمرة. والخميس، اتهم المكتب الإعلامي في غزة جيش الاحتلال الإسرائيلي بتمكين عمليات نهب المساعدات الإنسانية وشاحنات الأدوية، عبر استهداف منسقي الإغاثة ومسارات التوزيع، لافتا إلى أن غارات نفذت وسط القطاع في اليوم ذاته، أسفرت عن استشهاد 6 من عناصر تأمين المساعدات. تعليق أممي في المقابل، قال برنامج الأغذية العالمي إنه لم يحصل حتى الآن على تصريح من السلطات الإسرائيلية لتوزيع المواد الغذائية والطحين مباشرة على العائلات في غزة. وأضاف البرنامج الأغذية العالمي -في بيان- أنه يعمل مع عدد محدود من المخابز والشركاء لإنتاج وتوزيع الخبز في غزة باعتباره الحل الوحيد الممكن حاليا، مشيرا إلى أنه يواجه تحديات عدة، من بينها القيودُ المفروضة على طرق التوزيع، وقلةُ عدد المخابز، والكمياتُ القليلة من المواد التي يسمح بإدخالها إلى غزة. وأكد برنامج الأغذية العالمي أنه يدرك مدى قسوة الوضع على الأُسر في غزة، لا سيما تلك التي ترعى أطفالا أو كبار سن أو أشخاصا من ذوي الإعاقة أو المرضى. وقالت المتحدثة باسم برنامج الأغذية العالمي عبير عطيفة إن لدى الأمم المتحدة نظاما يعمل لتوزيع المساعدات يقوم على أسس المبادئ الإنسانية. وأضافت -في اتصال بالجزيرة- أن الخطة البديلة التي تعمل عليها إسرائيل لن تكون كافية، لأن حجم المساعدات التي ستدخل غزة ستكون قليلة. والأربعاء، أدخل الاحتلال الإسرائيلي 87 شاحنة محملة بالمساعدات لصالح عدد من المؤسسات الدولية والأهلية للمرة الأولى منذ 81 يوما من الإغلاق الإسرائيلي المشدد للمعابر. إعلان وفي وقت سابق أمس الجمعة، اعتبر المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) فيليب لازاريني ما يصل من مساعدات إلى قطاع غزة بأنه مجرد إبرة في كومة قش، مؤكدا أن قطاع غزة لا يزال يعاني من أزمة إنسانية وإغاثية كارثية. وأوضح لازاريني أن أقل ما يحتاجه الفلسطينيون في القطاع 500-600 شاحنة يوميًا تُدار من خلال الأمم المتحدة، بما في ذلك الأونروا. ومنذ مدة، تروج تل أبيب وواشنطن لتوزيع المساعدات بطريقة تستهدف إفراغ شمال القطاع من سكانه الفلسطينيين، عبر تحويل مدينة رفح (جنوب) إلى مركز رئيسي لتوزيع الإغاثة، وجلب طالبي المساعدات إليها. ومنذ الثاني من مارس/آذار الماضي، تواصل إسرائيل سياسة تجويع ممنهج لنحو 2.4 مليون فلسطيني بغزة، عبر إغلاق المعابر بوجه المساعدات المتكدسة على الحدود، مما أدخل القطاع مرحلة المجاعة وأودى بحياة كثيرين. وبدعم أميركي مطلق، ترتكب إسرائيل منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، جرائم إبادة جماعية في غزة، خلّفت أكثر من 176 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، بجانب مئات آلاف النازحين.


الجزيرة
منذ 42 دقائق
- الجزيرة
إعلام إسرائيلي: نتنياهو أحدث فوضى بتعيين زيني وأثار جنون كل الهيئات
تناولت وسائل إعلام إسرائيلية قرار رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو تعيين اللواء ديفيد زيني رئيسا جديدا لجهاز الأمن الداخلي (الشاباك)، واعتبرت أن الخطوة قُدمت بشكل مفاجئ ومخالف لتعليمات المستشارة القضائية للحكومة، فأثارت حالة من الفوضى داخل المؤسستين الأمنية والسياسية، وأدت إلى تصعيد التوتر مع رئيس أركان الجيش إيال زمير. وأشارت مذيعة الأخبار في القناة 13 إلى أن نتنياهو أعلن عن تعيين زيني رغم التحذيرات القانونية الواضحة، موضحة أن المستشارة القضائية للحكومة كانت قد أبلغته صراحة بعدم صلاحيته لتسمية رئيس جديد للجهاز بسبب تضارب المصالح. وأفادت مراسلة شؤون الكنيست في القناة ذاتها ليئور كينان بأن نتنياهو حظي بدعم مباشر من وزراء في الائتلاف مثل ياريف ليفين وشلومو كرعي، إذ حثاه على تجاوز قرارات المحكمة العليا وتعليمات المستشارة القضائية، وشجعاه على تنفيذ التعيين رغم الاعتراضات المؤسسية. وسلطت مذيعة في القناة 12 الضوء على ما وصفته "بالدور الخفي" الذي لعبته زوجة رئيس الحكومة، سارة نتنياهو، في الدفع نحو تعيين زيني، لافتة إلى أن هذا ليس التعيين الأول الذي ترتبط به زوجة نتنياهو في مسار ترشيحه. وكشفت دفنا ليئيل، محللة الشؤون السياسية في القناة 12، أن سارة نتنياهو كانت قد سعت في وقت سابق لتعيين زيني رئيسا للأركان، مشيرة إلى وجود علاقة وثيقة بين عائلة نتنياهو وشقيق دافيد زيني، الذي يعمل مساعدا للملياردير سايمون فالك، أحد المقربين من عائلة نتنياهو داخل إسرائيل وخارجها. وأكدت ليئيل أن شقيق زيني يعد من الشخصيات المؤثرة ويتولى إدارة مصالح مالية كبيرة لفالك، مشيرة إلى أن علاقته الوثيقة بعائلة نتنياهو تضيف بُعدا شخصيا لمسار التعيين الذي بات محل جدل واسع. غضب زمير من جهته، قال مراسل الشؤون العسكرية في القناة 13 أور هيلر إن رئيس الأركان إيال زمير قرر إقالة اللواء زيني بعد أن اكتشف أنه أخفى عنه التواصل الذي حدث بينه وبين رئيس الحكومة بشأن ترشيحه لرئاسة الشاباك. وأضاف هيلر أن زمير لم يعلم بأمر التعيين إلا قبل 3 دقائق من نشر البيان الرسمي، الأمر الذي اعتبره إهانة مباشرة لسلسلة القيادة العسكرية ودليلا على تجاوز واضح لصلاحيات رئيس الأركان. وأوضح أن زمير استدعى زيني لجلسة استيضاح عاجلة، عبّر خلالها عن غضبه من الخطوة التي اتخذت من دون علمه، مؤكدا أن ما حدث يمثل خرقا صارخا للبروتوكولات العسكرية التي تمنع الضباط من التواصل مع جهات خارج المؤسسة العسكرية من دون إذن سابق. وذكر بيان صادر عن المتحدث باسم الجيش أن قرار رئيس الأركان يقضي بإنهاء خدمة اللواء زيني خلال الأيام المقبلة، في خطوة تهدف إلى إعادة فرض الانضباط داخل المؤسسة العسكرية التي فوجئت بالتنسيق السري بين زيني ومكتب نتنياهو. فوضى حقيقية وقالت مذيعة في القناة 12 إن ما حدث يمثل "فوضى حقيقية" في هرم القيادة الأمنية، مشيرة إلى أن نتنياهو أدلى بتصريحات وصفت "بالإشكالية" ردا على تساؤلات بشأن استعداده لاحترام موعد الانتخابات المقبلة. وخلال مقابلة أجراها مراسل الشؤون السياسية في القناة 12 يارون أبرهام، رفض نتنياهو التعهد بإجراء الانتخابات في موعدها، متذرعا بظروف الحرب، وقال بحدة "نحن في خضم حرب، هل تريدون انتخابات الآن؟ هل هذا وقتها؟". وعندما سئل عن احتمال بقاء الحرب حتى موعد الانتخابات، تهرّب نتنياهو من الإجابة المباشرة، قائلا إن "هذه ليست مقابلة شخص مع شخص"، في محاولة لإجهاض السؤال وعدم تقديم تعهد واضح. بدوره، عبّر الصحفي وعضو الكنيست السابق عن حركة شاس يغئال غويتا عن قلقه من أداء نتنياهو، قائلا إنه يتعمّد خلق الغموض ويرفض الالتزام بقرارات المحكمة العليا، بل يتصرف كأنه "الحاكم الأوحد" في البلاد. وأضاف غويتا أن نتنياهو بات يتعامل مع مؤسسات الدولة بازدراء، فيختار متى يلتزم بقرارات المحكمة ومتى يتجاهلها، وذلك ما جعل جميع الهيئات في حالة من الجنون وعدم الاستقرار بسبب قراراته المنفردة.


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
ضحايا العنف الطائفي بالذاكرة.. مبادرة سورية للسلام من جرمانا
دمشق- أقامت مبادرة "الطائفة السورية"، بالتعاون مع هيئات ومنظمات أهلية من مدينة جرمانا ، نقاشا مفتوحا بشأن عدد من القضايا الاجتماعية والوطنية، استكمالا لجهودها في تعزيز السلم الأهلي والعيش المشترك بين السوريين. واستهل وفد المبادرة اللقاء، الذي عُقد أمس الجمعة في صالة أفراح بمدينة جرمانا شرقي العاصمة دمشق ، بتقديم العزاء لأهالي الضحايا الذين قُتلوا في الاشتباكات التي شهدتها المدينة نهاية أبريل/نيسان الماضي. وعبر مدير المبادرة منذر رساس عن حزنه الشديد إزاء "الأحداث الأمنية المؤسفة" التي وقعت في المدينة، متمنيا أن تكون الأخيرة من نوعها، معتبرا أن "جرمانا تمثل نموذجًا مصغرا لسوريا، ولا يليق بها ما حدث". وكانت جرمانا قد شهدت اشتباكات عنيفة بين فصائل محلية وجهة مسلحة مجهولة حاولت اقتحام المدينة، مما أدى إلى مقتل عنصرين من الأمن العام و6 من أبناء المدينة، وذلك عقب انتشار تسجيل صوتي مسيء للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، نسب خطأ إلى أحد مشايخ الطائفة الدرزية. نبذ الطائفية وشارك في النقاش المفتوح عدد من أعضاء المبادرة إلى جانب أهالي الضحايا، ومشايخ ووجهاء المدينة، بحضور رئيس البلدية وهيب حمدان. وتناول النقاش عدة محاور، أبرزها أحداث جرمانا الأخيرة وأثرها على التماسك الاجتماعي في سوريا ، وتصاعُد الخطاب الطائفي على وسائل التواصل الاجتماعي. وأكد المشاركون ضرورة نبذ الطائفية في سوريا، وأهمية التمييز بين "الطائفة الأسدية" التي ارتكبت جرائم بحق السوريين في إشارة إلى فلول نظام الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد ، و"الطائفة السورية" التي يسعى الجميع إلى تحقيقها، مشددين على الدور الحيوي الذي تلعبه المبادرات الأهلية في إرساء السلم الأهلي، لا سيما في المناطق التي شهدت توترات أمنية. من جهته، قال المحامي والناشط المدني كمال الخطيب، أحد المشاركين في النقاش ومن أبناء جرمانا، إن مبادرة "الطائفة السورية" تعبّر عن تطلعات السوريين نحو مستقبل قوي ومزدهر بعيدا عن الطائفية والمناطقية. وأضاف الخطيب، في حديثه للجزيرة نت، أن الشعب السوري بطبيعته محب وحاضن لجميع مكوناته، مستشهدا بتاريخ طويل من التعايش في مدن مثل دمشق وحلب و السويداء و اللاذقية ، مؤكدا أن سوريا كانت ولا تزال منيعة أمام التطرف، ولديها خبرة متجذرة في التعايش المشترك. المواطنة الفاعلة أما منذر رساس، مدير المبادرة، فلفت إلى أن فكرتها انطلقت من توافق بين عدد من منظمات المجتمع المدني السوري، التي رأت أن ضعف التماسك الاجتماعي يمثل أحد أبرز التحديات الحالية. وأوضح رساس -في حديثه للجزيرة نت- أن هناك حاجة ملحة لتفعيل مفهوم "المواطنة الفاعلة"، مضيفا أن "توحيد الشعب ليس مسؤولية الدولة وحدها، بل إنه واجب جماعي يجب أن يتحمله المجتمع بأكمله، وهو ما تسعى مبادرتنا لتحقيقه". وتابع قائلا "بعض القضايا لا تحل بالقوانين فقط، بل تتطلب تغيير الصور النمطية والانفتاح على الآخر، وكسر الحواجز النفسية، ومد الجسور بين أبناء الوطن". إعلان وأشار إلى أن المبادرة حرصت على الحضور في مختلف المناطق السورية، من الساحل إلى درعا و عفرين وجرمانا، وستقوم قريبا بزيارة محافظة السويداء، بهدف تقديم الدعم المادي والمعنوي. وأكد رساس أن الرسالة الأساسية التي تسعى المبادرة إلى إيصالها هي "دم السوري على السوري حرام"، داعيا إلى رفض الفتن والتفرقة، وتعزيز الروح الوطنية الجامعة. تقريب وجهات النظر وقالت لين غريواتي، إحدى المشاركات في المبادرة من مدينة حلب ، إن النقاش المفتوح يعد وسيلة مثلى لتسليط الضوء على المشكلات التي يواجهها السوريون اليوم. وأوضحت للجزيرة نت أن مشاركتها في الفعالية جاءت دعما للطلاب الدروز الذين اضطروا إلى ترك جامعاتهم في حلب وحمص بسبب الأحداث الأخيرة، إلى جانب مناقشة قضايا أخرى مثل تمكين المرأة، مؤكدة أن تغييب دورها في الماضي يجب ألا يتكرر مستقبلا. بدوره، شدد مفيد كرباج، الناشط المدني من جرمانا، على أهمية كل مبادرة تسهم في تقريب وجهات النظر بين السوريين، وإعادة تعريف الانتماء إلى الهوية الوطنية الجامعة. وقال -في حديثه للجزيرة نت- إن الهدف النهائي يتمثل في بناء دولة مدنية تحترم الدستور وتمنح الحقوق لأصحابها دون تمييز، مشيرا إلى أن الحوار هو السبيل الوحيد لحل الخلافات الداخلية.