
صفقات سرية محتملة لفك التجميد عن الأموال الليبية بالخارج
في خضم الأزمات السياسية والاقتصادية التي تواجهها حكومة الوحدة الوطنية الليبية برئاسة عبدالحميد الدبيبة في الأشهر الأخيرة، زادت متاعبها إثر تقارير صحافية دولية متطابقة ومتتابعة تتحدث عن صفقات بين حكومة الدبيبة والإدارة الأميركية، من بينها صفقة تهدف إلى فك التجميد عن أموال ليبية مجمدة في واشنطن، مقابل منح الولايات المتحدة جزءاً من هذه الأموال.
وعُدت هذه الخطوة في ليبيا، لو تأكدت، محاولة من حكومة الدبيبة لتحسين موقفها على المستويين الاقتصادي والسياسي، اللذين تراجعت فيهما أمام خصومها أخيراً، نتيجة رفض مجلس النواب منحها موازنة جديدة، ونجاح معسكر الشرق الليبي في كسب ود أطراف دولية بارزة ومؤثرة في المشهد الليبي مثل الولايات المتحدة وتركيا.
صفقة مغرية لواشنطن
تفاصيل الصفقة كشف عنها تقرير لموقع "ميدل إيست آي" البريطاني، ومصادر صحافية دولية أخرى، تحدثت عن مفاوضات سرية جرت بين حكومة الدبيبة ومسؤولين من إدارة الرئيس دونالد ترمب في شأن أموال ليبية مجمدة في الخارج تقدر قيمتها بنحو 30 مليار دولار.
وبحسب تقرير الصحيفة البريطانية، فإن "اللقاءات تمت في العاصمة القطرية الدوحة نهاية أبريل (نيسان) الماضي، وجمعت بين كبير مستشاري ترمب لشؤون الشرق الأوسط، مسعد بولس، ومستشار الأمن القومي الليبي، إبراهيم الدبيبة، حيث جرت مناقشة خطة ليبية تقضي بمنح نسبة من الأموال المجمدة لجهات أميركية محددة، مقابل لعب واشنطن دوراً في إلغاء التجميد عنها".
ووفقاً لمصادر "ميدل إيست آي"، فإن "الخطة لاقت اهتماماً جدياً من فريق ترمب، وبدأت بالفعل محادثات داخلية لمتابعة آليات تنفيذها، مما يثير تساؤلات حول نوايا بعض الأطراف باستثمار الأموال الليبية المجمدة سياسياً في المرحلة المقبلة".
نفي رسمي ليبي
من جهتها، نفت المؤسسة الليبية للاستثمار صحة ما تداولته مصادر صحافية بخصوص رفع التجميد عن أموالها، مؤكدةً أنها "مزاعم تفتقر إلى الدقة ولا تستند إلى مصادر موثوقة أو تقارير رسمية صادرة عن الجهات المختصة." وأوضحت المؤسسة أن "جميع المحافظ الاستثمارية والصناديق السيادية التابعة لها تخضع لرقابة دورية من جهات محلية مثل ديوان المحاسبة وجهاز الرقابة الإدارية، وجهات دولية بما في ذلك مدققون دوليون مرخصون، وتراجع حساباتها بصورة منتظمة وفقاً لمعايير الحوكمة والإفصاح والشفافية المعتمدة عالمياً".
تحركات ليبية
وتحولت الولايات المتحدة في الفترة الأخيرة إلى ساحة نشطة لتحركات مؤسسات ليبية وشخصيات رسمية بارزة لفك التجميد عن الأموال الليبية في أميركا، التي تقدرها مصادر رسمية ليبية بأكثر من 25 في المئة من إجمال الأموال الليبية في الخارج، التي تقدر بـ200 مليار دولار تقريباً.
أبرز هذه التحركات كشف عنها تقرير آخر مثير للجدل صدر على صفحات مجلة "أفريكا كونفيدنشال" البريطانية قبل أيام قليلة، وتحدث عن ملابسات اعتقال المدير السابق لمكتب استرداد أموال الدولة الليبية وإدارة الأصول المستردة، محمد المنسلي، من قبل السلطات الأميركية، بعد تحركاته لاسترجاع أصول ليبية وصفتها بـ"المسروقة"، قُدرت قيمتها بـ50 مليار دولار.
وقالت المجلة البريطانية إنه "في ديسمبر (كانون الأول) 2024، التقى المنسلي بمسؤولين في وزارات الخارجية والعدل والخزانة في واشنطن، وأبلغهم نية ليبيا استرجاع الأموال التي هرّبها نظام القذافي إلى حسابات سرية في أميركا". وأضافت، "بعد أسابيع فقط، تم اعتقال المنسلي في السابع من يناير الماضي بتهم وصفها بأنها كاذبة مثل تنفيذ أعمال غير مصرح بها وحيازة جنسية مزدوجة".
عقود من التجميد
وتعد الأموال الليبية المجمدة في الخارج أحد أبرز الملفات الشائكة التي تواجهها البلاد منذ سقوط نظام معمر القذافي عام 2011، إذ لم تنجح أي حكومة تولت الأمور منذ ذلك الحين في تحريك هذا الملف، وجُمدت الأموال الليبية في الخارج بموجب القرار الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في مارس (آذار) 2011، المسجل برقم (1973)، الذي يتضمن فرض عقوبات على نظام القذافي بعد اتهامه بقمع حراك ثورة الـ17 من فبراير (شباط) 2011 الشعبية.
هذه الأموال الليبية المجمدة تشمل كل الأصول المالية والأموال والموارد الاقتصادية التي يملكها النظام السابق بصورة مباشرة أو غير مباشرة في الخارج، وبحسب إحصاءات رسمية فإن الأموال المجمدة في بنوك الخارج شاملة الأصول والسندات بلغت قيمتها 200 مليار دولار.
وتستحوذ أوروبا على 37 في المئة منها، وأميركا الشمالية 33 في المئة، تليها أفريقيا بنسبة 23 في المئة، والشرق الأوسط بنسبة ستة في المئة، وأميركا الجنوبية بنسبة واحد في المئة.
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
استثمارات ضخمة
كما تتضمن الأموال المجمدة استثمارات تؤول لـ"صندوق الاستثمارات الليبي" المسمى حالياً "المؤسسة الليبية للاستثمار"، وهي شركة قابضة حكومية تُعتبر صندوق الثروة السيادية لليبيا الذي تأسس عام 2006 لإدارة واستثمار فوائض العوائد النفطية، خُصص له في عهد القذافي أكثر من 100 مليار دولار، ويدير استثمارات عدة في مختلف المجالات بما في ذلك الزراعية والعقارية والمالية والنفط والغاز، وتقدر عوائدها بمليارات الدولارات.
وعلى مدار الأعوام الماضية كانت الأموال الليبية المجمدة مطمعاً لبعض الدول للاستفادة منها، وهناك من حاول الحصول عليها بطرق غير شرعية ومن طريق رفع قضايا تعويضات على ليبيا ولكنها باءت جميعها بالفشل.
وأخيراً صرح الرئيس التنفيذي للمؤسسة الليبية للاستثمار، علي محمود، لوكالة "رويترز"، أن "المؤسسة تتوقع أن توافق الأمم المتحدة بنهاية العام الحالي على إدارة المؤسسة بصورة نشطة لأصولها البالغة 70 مليار دولار للمرة الأولى منذ أكثر من عقد"، وأضاف أن "المؤسسة واثقة من موافقة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة التاريخية بحلول نوفمبر (تشرين الثاني) أو ديسمبر على خطة استثمارية قدمتها في مارس الماضي".
وأشار محمود إلى أن "الجزء الأول من خطة المؤسسة المؤلفة من أربعة أجزاء بسيط جداً إذ يتمثل في خطوة إعادة استثمار أموال تراكمت عبر أعوام تجميد الأصول كمدفوعات على سندات".
أهداف كثيرة
أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة بنغازي، علي جمعة، يرى أن "حكومة عبدالحميد الدبيبة تسعى عبر هذه الصفقة المحتملة إلى تحقيق عدة أهداف وليس هدفاً واحداً"، مضيفاً أن "سعي حكومة الدبيبة إلى استعادة السيطرة على الأصول الليبية في الخارج، يهدف أولاً إلى حل أو التخفيف من ضائقتها الاقتصادية، فالحكومة حالياً غير قادرة على تغطيات مصروفاتها العامة بسبب الخناق السياسي والمالي الداخلي الذي فُرض عليها من أطراف عدة على رأسها مجلس النواب"، وتابع "يهدف هذا العرض أيضاً إلى تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة، ورئيسها الجديد دونالد ترمب المعروف بمواقفه البراغماتية، وقطع الطريق على محاولات معسكر الشرق الليبي لكسب السبق لدى واشنطن وهو ما حقق فيه نجاحاً نسبياً في الأسابيع الأخيرة".
لكن جمعة حذر من "المردود العكسي للصفقة على الدبيبة وحكومته فأطراف كثيرة ستعمل على استغلال هذه التسريبات باعتبارها تنازلاً عن جزء من السيادة الوطنية مقابل مكاسب مالية، مما قد يثير انتقادات من بعض الأطراف السياسية والشعبية، وعموماً تعد هذه الخطوة من جانب حكومة الدبيبة بمثابة اختبار حقيقي لمدى قدرتها على تحقيق التوازن بين استعادة الأصول الليبية المجمدة والحفاظ على السيادة الوطنية، وهما ضدان صعب أن يجتمعا في المرحلة الحالية".

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


حضرموت نت
منذ ساعة واحدة
- حضرموت نت
اخبار السعودية : اجتماعات واستقطاب دولي.. انطلاقة حيوية لأعمال بناء "إكسبو الرياض 2030"
بدأت الجهات المعنية في المملكة العربية السعودية تحركات واسعة لانطلاق أعمال بناء مشروع 'إكسبو الرياض 2030″، أحد أبرز الأحداث الدولية المرتقبة خلال العقد المقبل، والذي تستعد العاصمة لاستضافته كأول مدينة في الشرق الأوسط تنظم هذا الحدث العالمي الضخم. وشهدت الأسابيع القليلة الماضية عقد اجتماعات مكثفة ورفيعة المستوى بين مسؤولين سعوديين وممثلي شركات عالمية متخصصة في مجالات التصميم والبناء، بهدف مناقشة الخطط الإنشائية ووضع التصورات الفنية والتقنية التي تواكب حجم وتطلعات الحدث. وباشرت شركات ألمانية وأمريكية وسعودية العمل على صياغة المخطط الرئيسي للمشروع، والذي سيشكّل حجر الأساس لتطوير بنية تحتية مبتكرة تتماشى مع رؤية المملكة 2030 وتلبي معايير الاستدامة والابتكار العالمية. وكانت المملكة قد أعلنت في يونيو 2023 عن تخصيص 7.8 مليار دولار كحزمة استثمارية مخصصة لاستضافة المعرض، الذي يُتوقع أن يشكل مركزاً عالمياً لتلاقي الشركات من مختلف دول العالم، واستكشاف فرص الاستثمار والنمو الاقتصادي. ويُعد 'إكسبو الرياض 2030' أحد أبرز المنصات المنتظرة لاستعراض الإمكانات السعودية في التنظيم والتقنية والخدمات، إلى جانب كونه منصة لاستقطاب رؤى ومشاريع تنموية من جميع أنحاء العالم، في حدث يتجاوز نطاق المعرض ليصبح جزءاً من مستقبل العاصمة والمنطقة بأسرها. ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة سبق , ولا يعبر عن وجهة نظر حضرموت نت وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة سبق ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة على المصدر السابق ذكرة.


Independent عربية
منذ ساعة واحدة
- Independent عربية
الكرملين: لا قرار بعد بشأن مقر المحادثات المباشرة المقبلة بين روسيا وأوكرانيا
نقلت وكالات أنباء روسية رسمية عن المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف قوله في تصريحات نشرت في وقت مبكر اليوم الثلاثاء إنه لا يمكن تحديد موعد نهائي لإعداد مذكرة بين روسيا وأوكرانيا. وأضاف قائلاً "لا توجد مواعيد نهائية ولا يمكن أن تكون هناك أي مواعيد نهائية. من الواضح أن الجميع يريد القيام بذلك في أسرع وقت ممكن، ولكن، بالطبع، الشيطان يكمن في التفاصيل". وتابع المتحدث باسم الكرملين قائلاً: "لم يتم اتخاذ قرارات محددة بشأن مكان استمرار الاتصالات بين روسيا وأوكرانيا حتى الآن". وأضاف أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأميركي دونالد ترمب، ناقشا خلال المكالمة الهاتفية بينهما موضوع استمرار الاتصالات المباشرة بين روسيا وأوكرانيا بما في ذلك على أعلى المستويات. "متى سننهي هذا الأمر يا فلاديمير؟" من جانبه، قال الرئيس الأميركي أمس الإثنين إنه "سيكون من الرائع" أن تجري روسيا وأوكرانيا محادثات لوقف إطلاق النار في الفاتيكان، قائلاً إن ذلك سيضيف أهمية إضافية إلى الإجراءات. وأضاف ترمب أنه قال للرئيس الروسي خلال مكالمته معه "متى سننهي هذا الأمر يا فلاديمير؟". وفي وقت سابق الإثنين، قال ترمب إنه أحرز تقدماً خلال مكالمته الهاتفية مع بوتين، وإنه تحدث أيضاً إلى رؤساء عدد من الدول الأوروبية. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وأكد الرئيس الأميركي أن روسيا وأوكرانيا "ستباشران فوراً" محادثات في شأن وقف إطلاق النار والأهم بهدف إنهاء الحرب، مشيراً إلى أن موسكو تريد زيادة التجارة مع واشنطن بعد انتهاء الحرب. وكتب ترمب على شبكته للتواصل الاجتماعي "تروث سوشال"، "سيجري التفاوض على شروط وقف إطلاق النار بين الطرفين، وهو أمر لا مفر منه". وأضاف "لو لم تكن المكالمة ممتازة، لكنت أعلنت ذلك الآن وليس لاحقاً". ومضى في حديثه، "ما دام الفاتيكان ممثلاً في البابا أعلن أنه سيكون مهتماً للغاية باستضافة المفاوضات فلتنطلق إذاً". محادثة استمرت "أكثر من ساعتين" بدوره وصف الرئيس الروسي أمس الإثنين المحادثة الهاتفية التي استمرت "أكثر من ساعتين" مع نظيره الأميركي في شأن النزاع في أوكرانيا، بأنها "مفيدة". ووصف بوتين المحادثة في تصريح مقتضب للصحافيين عقب الاتصال، بأنها "بناءة وصريحة جداً"، وتابع "بصورة عامة، أعتقد أنها كانت مفيدة"، ودعا كييف إلى إيجاد "تسويات ترضي كل الأطراف"، وتابع، "المحادثات مع كييف تسير في الاتجاه الصحيح بعد محادثات إسطنبول، كذلك فإن ترمب أقر بأن روسيا تؤيد الحل السلمي للأزمة الأوكرانية، ووقف إطلاق النار مع كييف ممكن بمجرد التوصل إلى اتفاقات". وقال مساعد في الكرملين إن بوتين رحب بنتائج جولة ترمب في الشرق الأوسط ورحب أيضاً بالتقدم المحرز في المحادثات الأميركية مع إيران في شأن البرنامج النووي، مؤكداً أن موسكو مستعدة للمساعدة. المكالمة الهاتفية بين الرئيسين الأميركي والروسسي جاءت بعدما قالت واشنطن إن الطريق مسدود أمام إنهاء أكثر الصراعات دموية في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، وإن الولايات المتحدة قد تنسحب. وأرسل بوتين آلاف القوات إلى أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022 لتندلع أخطر مواجهة بين روسيا والغرب منذ أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962. ودعا ترمب مراراً إلى إنهاء "حمام الدم" في أوكرانيا، الذي تصوره إدارته على أنه حرب بالوكالة بين الولايات المتحدة وروسيا.


الشرق الأوسط
منذ ساعة واحدة
- الشرق الأوسط
قراءة في خطاب ترمب بالسعودية
مائة يوم على ولايته ولا يزال يفاجئ العالم، ويُثبت دائماً استحالة التنبؤ بما سيفعله غداً؛ يوم الثلاثاء 13 مايو (أيار) وخلال أول زيارة خارجية له في ولايته الثانية، للمملكة العربية السعودية، كشف الرئيس ترمب أمام منتدى الاستثمار السعودي - الأميركي عن ثلاث مفاجآت من العيار الثقيل: رفع العقوبات عن سوريا، وعرض ملغوم لإيران، ورؤية للشرق الأوسط. قال إن رفع العقوبات عن سوريا كان بطلب من ولي العهد السعودي. هذا القرار لم يبرره استراتيجياً بل اكتفى أن يظهره هدية لولي العهد وللشعب السوري؛ هذا لا يعني أن ترمب مزاجي، بل يعني أن نهجه يعطي الأولوية للعلاقة الشخصية على حساب المؤسسات؛ فالعلاقة الشخصية ميزتها سرعة التواصل مع القادة، والثقة القوية، وحل المشكلة بسرعة، بينما المؤسسات مداولاتها معقدة وتستغرق وقتاً طويلاً، ومع ذلك فإن قراره ليس سهلاً؛ لأن الرئيس أحمد الشرع كان مطلوباً أميركياً، ويصف نتنياهو حكومته بالتطرف، ويحاول إسقاطها باحتلاله أرضاً سورية، ودعمه لشرائح سورية محددة. بعد محادثاته مع ولي العهد، اقتنع ترمب، كما يبدو، بدقة الوضع السوري، وخطورته على أمن المنطقة، وأن دعم السلطة في دمشق سيمنع انهيار سوريا وعودة الإرهاب. هذا يثبت أن ترمب واقعي بامتياز ولا يهمه، كما يقول الرئيس الصيني الراحل دنغ هسياو بينغ، لون القطة أسود أم أبيض بل يهمه صيدها للفئران، وترمب يرى الشرع قادراً على ضبط الوضع، وكذلك حلفاؤه، ما عدا إسرائيل، لكن ثقة ترمب بأصدقائه جعلته يتجاوز المؤسسات، ولا يكترث باللوبي الإسرائيلي، ولا بحكومة نتنياهو، بل فاجأهم بلقاء شخصي مع الشرع، بصحبة ولي العهد السعودي. المفاجأة الثانية مقاربة إيران بمنطق السلام، فقال إن السلام يكون مع الأعداء وهو يحب التحدث مع الأعداء لصناعة السلام. ورأى أن الشعب الإيراني يستحق ألا يرى أمواله تُصرف على ميليشيات؛ فإيران يمكن أن تكون عظيمة ومؤثرة، إنما ليس ببناء ترسانة نووية تكون تهديداً لجيرانها وأمن المنطقة. أما التهديد فعلّقه على رفض إيران تفكيك برنامجها النووي، وقال إنه سيمنعها من بيع برميل نفط واحد، وقد يضطر لاستخدام القوة. هذه المقاربة تركت قيادة إيران أمام خيارين: القبول بالسلام، وهو بذاته خطر على نظام مغلق، أو تفكيك برنامجها النووي والتضحية بكل معاناتها في العقود الماضية؛ بكلتا الحالتين ستكون النتيجة: انهيار النظام الإيراني. لذلك، فإن احتمال قبول إيران مقاربته صعب جداً، وسيكون رفضها تحدياً له، وعليها إما المواجهة وإما الاستسلام؛ هكذا ستصبح المواجهة حتمية، وبكل تبعاتها الكارثية على المنطقة برمتها ولربما على العالم اقتصادياً. وقد يستوعب ترمب، وكذلك قادة إيران، هذا المأزق، ويصبح التراجع عن حافة الهاوية مخرجاً للجميع، لكن ذلك يتطلب جهوداً روسية وصينية وعربية كبيرة. المفاجأة الثالثة هي رؤيته للشرق الأوسط بوصفه مركزاً كونياً للتجارة والاستثمار، والسلام فيه ضرورة قصوى؛ هذه الرؤية لن تتحقق إلا بتسوية الملف النووي ثم الملف الفلسطيني. ترمب يعتقد أن الملف الفلسطيني سيجد حلاً من خلال إجبار إسرائيل على حل الدولتين أو ما يعادله ما دام يضمن أمن إسرائيل وحكماً ذاتياً للفلسطينيين؛ ولكن المشكلة أن إسرائيل لا تعترف أساساً بوجود شعب فلسطيني، بل تريدهم أن يعيشوا في دول عربية مجاورة. هذا النهج الإسرائيلي لا يعجب ترمب، ولهذا رأيناه يقفز فوق نتنياهو من خلال تفاوضه مع «حماس»، ويتجاهله في الملف الإيراني، بل لم يعطه امتيازاً بتخفيض الرسوم الجمركية عندما زاره في البيت الأبيض؛ ترمب مثل جميع رؤساء أميركا من كينيدي وحتى بايدن، لا يعارضون إسرائيل في أفعالها ما دام ذلك لا يمس مصالحهم، لكن ترمب يختلف عنهم أنه لا يخضع لضغوطات اللوبي الإسرائيلي في واشنطن، ولا يأبه للصحافة المعارضة، وإذا ما فكر نتنياهو لحظة أن يتجاوزه ويذهب مباشرة للكونغرس للتحريض ضده، كما فعل مع الرئيس أوباما، فإن ذلك سيجلب غضب ترمب ونهاية نتنياهو السياسية، فلا أحد من الجمهوريين في الكونغرس يجرؤ على معارضة ترمب ولا مستشاريه أو وزرائه وجميعهم يؤمنون بمصلحة أميركا أولاً. وقد أظهر ترمب لنتنياهو وللعقلاء في إسرائيل ومن خلال زيارته للمملكة وقطر والإمارات، ودون المرور بإسرائيل، أن لديه حلفاء آخرين موثوقين، وأن على نتنياهو أن يفهم الواقع ويتصرف قبل أن يخسر أكبر حليف لبلده. المفاجآت الثلاث أعلاه تحمل بشائر ومخاوف؛ البشائر أن يتمكن ترمب من تحقيق السلام، ومن تخفيف وجود قواته العسكرية في المنطقة، والتفرغ لتهديدات في شرق آسيا وجنوبها، والمخاوف أن ترفض إيران تفكيك برنامجها النووي، ويرفض نتنياهو مبادرات ترمب للسلام. السؤال: كيف يرد ترمب على إيران ونتنياهو؟ لا أحد يعرف، لننتظر مفاجأة أخرى!