
«الفنتانيل» كلمة السر في تسوية الحرب التجارية بين واشنطن وبكين
أصبح "الفنتانيل" أحدث ساحة معركة في الحرب التجارية الدائرة بين أكبر اقتصادين في العالم، حيث تعد الصين المصدر الرئيسي للمواد الكيميائية الأولية اللازمة لتصنيع الفنتانيل، المسؤول الأول عن مقتل 70 ألف أميركي سنوياً، وعندما دخل الرئيس الأمريكي دونالد ترمب البيت الأبيض لأول مرة في 20 يناير 2017، حاول التوصل إلى اتفاق تجاري مع الصين، والتي سعت من جانبها إلى كسب ود الإدارة الجديدة من خلال حظر جميع أشكال مادة الفنتانيل الأفيونية الاصطناعية، والآن، مع وصول واشنطن وبكين إلى طريق مسدود، فإن عرض الصين القوي على الطاولة، هو بذل المزيد من الجهود لوقف تدفق الفنتانيل والمواد الكيميائية المستخدمة في صنعه إلى الولايات المتحدة.
والفنتانيل مخدر قوي للغاية، تم تصنيعه خصيصاً ليكون أقوى بكثير من المورفين، وهو مربح بجنون لتجار المخدرات الذين يجنون من بيعه أموالاً أكثر بكثير من بيع الهيروين أو الكوكايين، وفي عام 2016، تجاوز الفنتانيل، كلاً من المواد الأفيونية والهيروين، ليصبح السبب الرئيسي للجرعات الزائدة والوفيات في الولايات المتحدة، وكانت الصين مترددة في البداية في اتخاذ إجراءات لمساعدة أمريكا في التعامل مع أزمة الإدمان، ولا يزيد التهديد بفرض رسوم جمركية من رغبة الصينيين في المساعدة.
استخدمت الصين، لسنوات، التعاون بشأن الفنتانيل كورقة ضغط في علاقاتها الأوسع مع الولايات المتحدة، وجاء قرار حظر جميع أنواعه عام 2019 بعد أن اتهم ترمب الصين بالتقصير في وقف تدفقه إلى الولايات المتحدة، ومع تزايد تعقيد قضية الفنتانيل في النزاع التجاري الشامل، وافقت الصين آنذاك على المشاركة في حملات مشتركة لإنفاذ القانون على الفنتانيل مع الولايات المتحدة، وقد دفعت هذه الخطوات ترمب إلى الإشادة بالرئيس الصيني شي جين بينج، لقيامه "بلفتة إنسانية رائعة". تصدير المواد الكيميائية الأولية
مع إدارة ترمب الجديدة، واجهت الصين ضغوطًا أكبر لبذل المزيد من الجهود لتضييق الخناق على تصدير المواد الكيميائية الأولية المستخدمة في تصنيع الفنتانيل، وقد أشارت إدارة ترمب إلى الفنتانيل كسبب لفرض رسوم جمركية إضافية بنسبة 10% على الصين مرتين في فبراير ومارس، كما سدت إدارة ترامب قبل أسبوع ثغرة قانونية تقول إنها تسمح بشحن كميات صغيرة من المواد الكيميائية الأولية إلى الولايات المتحدة دون أن يتم اكتشافها.
ترمب، الذي يؤكد أن الصين دأبت على الغش في التجارة مع الولايات المتحدة لعقود، رفع الرسوم الجمركية على معظم السلع الصينية إلى حد أدنى قدره 145%، وردت الصين برسوم جمركية باهظة مماثلة، متعهدةً بـ"القتال حتى النهاية" ضد ما تصفه بالابتزاز، لكن ثمة دلائل تشير إلى أن كلا الجانبين قد يبحثان عن سبيل لتهدئة حرب تجارية يُتوقع أن تُعيق النمو الاقتصادي في كلا البلدين وحول العالم، وفي هذا السياق، يفهم إعلان وزارة التجارة الصينية بأنها تقيم طلبات المسؤولين الأمريكيين لبدء المفاوضات، مع إصرارها على أن الصين لن توافق على المحادثات إلا إذا أظهرت الولايات المتحدة "صدقًا".
وهكذا، فإن العودة إلى الفنتانيل قد يكون إحدى الطرق لكسر الجمود، حيث تدرس الصين تقديم عرض لتعزيز التعاون مع الولايات المتحدة في مكافحة تدفق الفنتانيل، وتشمل هذه الخطة إرسال مسؤول أمني رفيع المستوى في بكين إلى واشنطن لكسر الجمود في محادثات التجارة، وأعربت الصين عن رغبتها في أن تُلغي إدارة ترمب تعريفاتها الجمركية قبل بدء المحادثات بين البلدين، وتأمل بكين أن يمهد تعهدها بالتعاون مع الولايات المتحدة بشأن الفنتانيل الطريق أمام الحكومتين لخفض تعريفاتهما الجمركية في آن واحد، وهي طريقة تُحفظ ماء الوجه للتراجع.
ولإثبات جدية الصين، كلفت بكين وانج شياوهونج، وزير الأمن العام الصيني والحليف المقرب للرئيس شي، بقيادة أي محادثات من هذا القبيل مع الولايات المتحدة بشأن الفنتانيل، والهدف هو معالجة مخاوف ترمب بشأن تجارة الفنتانيل، وتعود علاقة وانج بالرئيس شي إلى تسعينيات القرن الماضي، عندما كان وانج نائب رئيس مكتب الأمن العام في فوتشو، عاصمة مقاطعة فوجيان الساحلية، في وقت كان الرئيس شي هو المسؤول الأعلى في تلك المدينة، كما أن وانج هو أيضًا مدير اللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات في الصين، وبصفته هذه أجرى وانج محادثات عبر الفيديو في يناير مع راؤول جوبتا، مدير مكتب مكافحة المخدرات في البيت الأبيض في عهد الرئيس بايدن، ووقتها صرح وانج بأن الجانبين حققا تقدمًا إيجابيًا بشأن مكافحة المخدرات. يشكل عرض الصين القيام بالمزيد من الجهود لمعالجة آفة الفنتانيل تحولا طفيفا من جانب الصين، التي شددت خلال الأشهر الأخيرة أنها على استعداد للتعاون مع الولايات المتحدة بشأن الفنتانيل، وأعربت الصين عن استيائها من الاتهامات الأمريكية بمسؤوليتها عن أزمة الفنتانيل في الولايات المتحدة، مشيرة إلى أن هذه الأزمة تعكس فشل واشنطن في معالجة المشاكل الاجتماعية، وفي مارس الماضي، انتقد وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، الرسوم الجمركية المفروضة بحجة مسؤولية الصين عن نشر الفنتانيل في أمريكا، قائلاً إنه "لا ينبغي للولايات المتحدة أن ترد بالخير بالشر"، وفي ذات الشهر، أصدرت الحكومة الصينية ورقة بيضاء تُفصل فيها جهودها للسيطرة على الفنتانيل، بما في ذلك استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، وأكدت أنها تُعارض التلاعب بالرأي العام الأمريكي وإلقاء اللوم في هذه القضية على الصين.
القضاء على تجارة الفنتانيل
لدى الصين القدرة التامة على القضاء على تجارة الفنتانيل، وهي واحدة من أكثر الدول فعالية وسيطرة على شعوبها، ولا نعتقد أن الفنتانيل مشكلة تقنية مستعصية على الحل، بل هي مشكلة سياسية يمكن حلها في ثوانٍ معدودة بين البلدين، طالما توافر الصدق والتعاون والشفافية، ودون التلويح بالحرب التجارية كأداة ضغط، والواقع، أنه تم تجميد التعاون بشأن الفنتانيل في عام 2022 بعد زيارة رئيسة مجلس النواب آنذاك، نانسي بيلوسي، إلى تايوان، ولم تُستأنف المحادثات إلا بعد أن عقد الرئيسان بايدن وشي قمة مشتركة في نوفمبر 2023، ووافقت واشنطن على مطلب بكين برفع العقوبات الأمريكية المفروضة على معهد الطب الشرعي الذي تديره وزارة الأمن العام الصينية، وفي سبتمبر الماضي، وسع المسؤولون الصينيون قائمة المواد الكيميائية الأولية التي تتطلب الرقابة، ومع ذلك، فإن تطبيق القانون أشبه بلعبة القط والفأر، حيث يتمكن المنتجون من تطوير مواد كيميائية بديلة، ومما يزيد الأمور تعقيدًا أن العديد من المواد الكيميائية الأولية تُستخدم أيضًا في تصنيع أدوية صيدلانية قانونية.
هل تستطيع الرسوم حل الأزمة؟
يستهلك الأميركيون المخدرات غير المشروعة أكثر من أي شخص آخر في العالم، إذ يستخدمها حوالي 6% من سكان الولايات المتحدة بانتظام، وأحد هذه الأدوية، الفنتانيل، وهو مخدر أفيوني صناعي أقوى من المورفين بخمسين إلى مئة مرة، هو السبب الرئيسي لارتفاع وفيات الجرعات الزائدة في الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة، ورغم انخفاض معدل وفيات الجرعات الزائدة من الفنتانيل قليلاً مؤخرًا، إلا أنه لا يزال أعلى بكثير مما كان عليه قبل خمس سنوات فقط.
لن يكون إنهاء أزمة الفنتانيل سهلاً، فالولايات المتحدة تعاني من مشكلة إدمان تمتد لعقود، وهي مشكلة سبقت ظهور الفنتانيل بوقت طويل، ولم تُفلح المحاولات العديدة لتنظيمه وتشريعه في الحد من استهلاكه، وفي الوقت نفسه، تكلف أزمة المواد الأفيونية وحدها الأمريكيين عشرات المليارات من الدولارات سنويًا، ومع فشل السياسات السابقة في الحد من الوفيات الناجمة عن الفنتانيل، يلجأ الرئيس ترمب إلى أداة أخرى لمحاربة مشكلة المخدرات في أمريكا، وهي التعريفات الجمركية المشددة، وفي حين أن الخسائر البشرية الناجمة عن الفنتانيل لا يمكن إنكارها، فإن السؤال الحقيقي هو ما إذا كانت التعريفات الجمركية ستنجح، أو ستؤدي إلى تفاقم الأزمة.
باختصار، لم تكن الجهود الأمريكية السابقة للحد من تعاطي المخدرات فعالة، والآن، تتجه الولايات المتحدة نحو تشديد الرسوم الجمركية، لكن برأيي، فإن ذلك التوجه لن يؤدي إلى نتائج أفضل، بل قد يسبب ضررًا بالغًا، وعندما استخدم ترمب السياسة التجارية للضغط على الصين في ولايته الأولى، وأضافت الصين الفنتانيل إلى قائمة المواد الخاضعة للرقابة في عام 2019، لم تقل وفيات الفنتانيل في الولايات المتحدة، بل استمرت الوفيات في الارتفاع، وعلاوة على ذلك، برزت دولاً أخرى تنتج هذه المواد المخدرة بخلاف الصين، مثل الهند التي أصبحت الآن منتجًا رئيسيًا للفنتانيل.
العرض والطلب
كانت المخدرات منتشرة دوماً على مر التاريخ الأمريكي، وعند دراسة هذا التاريخ والنظر في كيفية تعامل الدول الأخرى مع هذه المشكلة بدلاً من تجريمها، نجد أن السويسريين والفرنسيين تعاملوا معها كمشكلة إدمان قابلة للعلاج، فقد أدركوا أن الطلب هو ما يغذي السوق غير المشروعة، وطبقاً لقوانين الاقتصاد السائدة، فإن العرض يجد طريقه إذا لم يتم الحد من الطلب، ولهذا السبب ينجح العلاج بينما يفشل الحظر، والواقع، أن قدرة الحكومة الأمريكية على التحكم في إنتاج هذه الأدوية محدودة، والمشكلة تكمن في استمرار إنتاج منتجات كيميائية جديدة، وباختصار، فإن عدم تقييد الطلب لا يؤدي إلا إلى وضع ضمادات على الجروح النازفة، وما تحتاجه الولايات المتحدة في الحقيقة، هو تدمير الطلب الذي يغذي أزمة المخدرات.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

العربية
منذ 12 ساعات
- العربية
الشركة تقدر تكلفة إصلاح الأضرار بـ 400 مليون دولار
أفادت وكالة "بلومبرغ"، أن وزارة العدل الأميركية فتحت تحقيقاً في اختراق حديث لمنصة "كوين بيس غلوبال"، المتخصصة في مجال تداول العملات الرقمية واستخدام القراصنة ما يسمى بهجمات الهندسة الاجتماعية. ونقلت الوكالة عن مصدر قوله، إن المحققين، بمن فيهم محققو القسم الجنائي بالوزارة في واشنطن، يتحرون ملابسات الاختراق. وذكرت "كوين بيس" أن الاختراق تورط فيه مجرمون رشوا موظفين ومتعاقدين في الهند للحصول على بيانات العملاء، بحسب ما اطلعت عليه "العربية Business". أبلغت Coinbase السلطات بالحادث، وأن الشركة نفسها ليست قيد تحقيق وزارة العدل، وفقاً لما ذكره بول جريوال، كبير المسؤولين القانونيين في الشركة. وقال جريوال: "لقد أخطرنا وزارة العدل الأميركية ووكالات إنفاذ القانون الأميركية والدولية الأخرى، ونعمل معها، ونرحب بملاحقة جهات إنفاذ القانون لهؤلاء المجرمين". وقالت هيئات تنظيم البيانات في المملكة المتحدة وأيرلندا إنها "تقيّم" الوضع بعد تلقيها تقارير من كوين بيس. كشفت أكبر بورصة عملات مشفرة أميركية يوم الخميس أن قراصنة رشوا ممثلي العملاء لسرقة البيانات، ثم طلبوا فدية قدرها 20 مليون دولار لتغطية الأمر. وذكرت "كوين بيس" في ملفها أنها تلقت رسالة بريد إلكتروني مجهولة المصدر من القراصنة طالبوا فيها بالفدية في 11 مايو. وأضافت شركة تداول العملات المشفرة في ملفها الأسبوع الماضي أنها رصدت خلال الأشهر التي سبقت تلك الرسالة حالات قام فيها موظفو دعم العملاء خارج الولايات المتحدة بجمع بيانات من أنظمة كوينباس الداخلية. وقالت إنه تم فصل هؤلاء الأشخاص. وقدرت الشركة أن الحادث قد يكلفها ما يصل إلى 400 مليون دولار، استخدم الجناة ما يسمى بهجمات الهندسة الاجتماعية - حيث يستخدم المجرمون الأشخاص للوصول غير المصرح به إلى البيانات، وبدلاً من استغلال العيوب في برمجيات الكمبيوتر. استهدف اللصوص، المزودون بمعلومات شملت أسماء المستخدمين وعناوينهم وأرقام هواتفهم وصور هوياتهم الصادرة عن جهات حكومية ومعلومات أخرى.


عكاظ
منذ 19 ساعات
- عكاظ
ترمب يوقّع أول قانون فيدرالي يجرّم نشر الصور الخاصة دون موافقة أصحابها
تابعوا عكاظ على أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، اليوم، توقيع قانون فيدرالي جديد تحت اسم «Take It Down» أو «أوقفه الآن»، يفرض عقوبات مشددة على نشر الصور والمقاطع الفاضحة دون موافقة أصحابها، سواء كانت حقيقية أو تم انتاجها باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي. ويُعد هذا القانون أول تدخل من الحكومة الفيدرالية الأمريكية لفرض التزامات قانونية صارمة على شركات الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي، يُلزمها بإزالة أي محتوى مُسيء خلال 48 ساعة من تلقي بلاغ رسمي من الضحية، مع اتخاذ خطوات إضافية لمنع إعادة نشر المواد نفسها. كما يجرم القانون نشر الصور والمقاطع الحميمية دون إذن مسبق، سواء تم التقاطها فعلياً أو إنتاجها رقمياً، ويُعرض المخالفين لعقوبات تشمل السجن، والغرامات المالية، وتعويض الضحايا. أخبار ذات صلة


أرقام
منذ 21 ساعات
- أرقام
تقرير: وزارة العدل الأمريكية تحقق في الهجوم على كوين باس
فتحت وزارة العدل الأمريكية تحقيقًا في اختراق منصة تداول العملات المشفرة "كوين باس"، والذي كشفت عنه قبل أيام ووصل خلاله القراصنة إلى بيانات العملاء وطلبوا فدية. ونقلت وكالة "بلومبرج" عن مصدر مطلع على الأمر، مساء الإثنين، قوله إن المحققين، بمن فيهم محققو القسم الجنائي بالوزارة في واشنطن، يتحرون ملابسات الاختراق. من جانبه قال "بول جريوال"، كبير المسؤولين القانونيين في "كوين باس": "أخطرنا وزارة العدل ووكالات إنفاذ القانون الأمريكية والدولية الأخرى، ونعمل معها، ونرحب بسعي جهات إنفاذ القانون لتوجيه اتهامات جنائية ضد هؤلاء المجرمين". وكشفت أكبر منصة تداول عملات مشفرة في الولايات المتحدة، الخميس، عن دفع قراصنة رشى لممثلي خدمة العملاء لديها من أجل سرقة البيانات، ثم طلبوا فدية قدرها 20 مليون دولار لعدم نشرها. وذكرت أنها تلقت رسالة بريد إلكتروني مجهولة المصدر من المخترقين الذين طالبوا بفدية في 11 مايو، مضيفة أنها رصدت خلال الأشهر التي سبقت تلك الرسالة حالات قام فيها موظفو دعم العملاء خارج الولايات المتحدة بجمع بيانات من الأنظمة الداخلية.